الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبين العدو لم يصلوا، فإذا صلى الذين معه ركعة، استأخروا مكان الذين لم يصلوا، ولا يسلموا، ويتقدم الذين لم يصلوا، فيصلون معه ركعة، ثم ينصرف الإمام وقد صلى ركعتين فتقوم كل واحدة من الطائفتين فيصلون معه ركعة ركعة، بعد أن ينصرف الإمام فتكون كل واحدة من الطائفتين قد صلوا ركعتين، فإن كان هو خوفًا أشدّ من ذلك صلوا رجالًا قيامًا على أقدامهم، أو ركبانًا مستقبلي القبلة، أو غير مستقبليها"، قال مالك: قال نافع: "لا أرى عبد الله بن عمر حدّثه إلا عن رسول الله".
* * *
13 - باب صلاة السفر
189 -
قال الْمُصنِّف (1):
"أقول: الحق وجوب القصر".
قال الفقير إلى عفو ربه: ظاهر عمل الصحابة رضي الله عنهم وصلاتهم خلف عثمان رضي الله عنه في عرفة أربعًا يدل على أنهم لم يفهموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الوجوب؛ وإنما الاستحباب المؤكد.
قال ابن مسعود -لما قيل له في إتمام عثمان-: "يا ليت حظي منهما ركعتان متقبلتان؛ الخلاف شر"(2).
فلو كان عثمان فعل أمرًا منكرًا لما أقره عليه الصحابة، قد قال - تعالى-:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (3)، وإنما كانوا أشد الناس كراهة لمخالفة سنّة النّبي صلى الله عليه وسلم.
(1)(1/ 397).
(2)
متفق عليه (خ / 1084 - م / 695).
(3)
[آل عمران: 110].
190 -
قال الْمُصنِّف (1):
"وأما ما يروى عن عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في الصلاة ويتم، ويفطر ويصوم"، فلم يثبت كما صرّح به جماعة من الحفاظ".
قال الفقير إلى عفو ربه: قال ابن القيم رحمه الله: "وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: "هو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم" (2).
وقال الهيثمي: "رواه البزار، وفيه المغيرة بن زياد، واختلف في الاحتجاج به"(3).
قال الذهبي: "قال النسائي: ليس بالقوي، وقال أبو أحمد الحاكمُ: ليس بالمتين عندهم، وقال أحمد: ضعيف الحديث، له مناكير"(4).
وقال الحافظ: "رواه الدارقطني ورواته ثقات، إلا أنه معلول، والمحفوظ عن عائشة من فعلها"(5).
191 -
قال الْمُصَنف (6):
"وكذلك ما روي عنها: أنها فعلت ذلك ولم ينكر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة بما تسقط به حجيته".
قال الفقير إلى عفو ربه: قال ابن القيم: "وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: "هذا الحديث كذب على عائشة، ولم تكن عائشة لتصلّي بخلاف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر أصحابه، وهي تشاهدهم يقصرون، ثم تتم هي وحدها بلا موجب كيف؟! وهي القائلة: "فُرضت الصلاة ركعتين
(1)(1/ 397).
(2)
"زاد المعاد"(1/ 447).
(3)
"مجمع الزوائد"(2/ 157).
(4)
"الميزان"(4/ 160).
(5)
"البلوغ"(398).
(6)
(1/ 397).
ركعتين، فزيد في صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر"؛ فكيف يُظَن أنها تزيد على ما فرض الله وتُخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟! "(1).
192 -
قال الْمصَنِّف (2):
"فالحاصل: أن الواجب الرجوع إلى ما يصدق عليه اسم السفر شرعًا أو لغة أو عرفًا لأهل الشرع، فما كان ضربًا في الأرض يصدق عليه أنه سفر، وجب فيه القصر".
قال الفقير إلى عفو ربه: قال شيخ الإسلام: "وتحديد السفر بالمسافة لا أصل له؛ في شرع، ولا لغة، ولا عُرف، ولا عقل، ولا يعرف عموم الناس مساحة الأرض، فلا يجعل ما يحتاج إليه عموم المسلمين معلقًا بشيء لا يعرفونه، والاعتبار بما هو سفر، فمن سافر ما يسمى سفرًا قصر وإلا فلا، وأدنى ما يُسمى سفرًا في كلام الشارع البريد، وكان يأتي قباء راكبًا وفي رواية أخرى ماشيًا، ويأتي إليه أصحابه، ولم يقصر هو ولا هم، ويأتون إلى الجمعة من نحو ميل وفرسخ، والنداء يسمع من نحو فرسخ، واختار جواز القصر للحشاش والحطاب، ونحوهما فيما يطلق عليه اسم السفر"(3).
وقال أيضًا: "الّذين جعلوا المسافة الواحدة حدًّا يشترك فيه جميع الناس؛ مخالفون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرجل يخرج من القرية إلى صحراء الحطب؛ يأتي به فيغيب اليومين والثلاثة، فيكون مسافرًا، وإن كانت المسافة أقل من ميل، بخلاف من يذهب ويرجع من يومه؛ فإنه لا يكون في ذلك مسافرًا؛ فإن الأول يأخذ الزاد والمزاد بخلاف الثاني، فالمسافة قريبة في المدة الطويلة تكون سفرًا، والمسافة البعيدة في المدة القليلة لا تكون سفرًا، فالسفر يكون بالعمل الذي يسمى سفرًا لأجله، والعمل لا يكون إلا في
(1)"زاد المعاد"(1/ 453).
(2)
(1/ 402).
(3)
"الإحكام شرح أصول الأحكام" للعلامة عبد الرحمن بن قاسم (1/ 409).
زمان، فإذا طال العمل وزمانه فاحتاج إلى ما يحتاج إليه المسافر، سمي مسافرًا، وإن لم تكن المسافة بعيدة" (1).
193 -
قال الْمُصَنِّف:
"وأما ما رواه سعيد بن منصور: "أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا سافر فرسخًا يقصر الصلاة""(2).
قال الفقير إلى عفو ربه: في إسناده أبو هارون العبدي، واسمه: عمارة بن جوين؛ قال الذهبي: "كذبه حماد بن زيد، وقال شعبة: لئن أقدم فتضرب عنقي أحب إليَّ من أن أحدث عن أبي هارون، وقال أحمد: ليس بشيء، وقال ابن معين: ضعيف؛ لا يصدق في حديثه، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال الدارقطني: متلون خارجي وشيعي؛ فيعتبر بما روى عنه الثوري، وقال ابن حبان: كان يروي عن أبي سعيد ما ليس من حديثه"(3) وهذا الحديث من "مسند" أبي سعيد الخدري.
194 -
قال الْمصَنِّف (4):
"وإذا عزم على إقامة أربع أتم بعدها: وجهه ما عرَّفناك من أن المقيم لا يعامل معاملة المسافر؛ إلا على الحد الذي ثبت عن الشارع، ويجب الاقتصار عليه، وقد ثبت عنه مع التردد ما قدّمنا ذكره.
وأما مع عدم التردد، بل العزم على إقامة أيام معينة: فالواجب الاقتصار على ما اقتصر عليه صلى الله عليه وسلم مع عزمه على الإقامة في أيام الحج؛ فإنه ثبت في "الصحيحين": أنه قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع، وصلى الصبح في اليوم الثامن، ثم خرج
(1) المصدر السابق (1/ 410).
(2)
(1/ 402).
(3)
"الميزان"(3/ 173).
(4)
(1/ 405 - 406).
إلى منى، فلما أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة أربعة أيام يقصر الصلاة مع كونه لا يفعل ذلك إلا عازمًا على الإقامة إلى أن يعمل أعمال الحج: كان ذلك دليلًا على أنّ العازم على إقامة مدة معينة؛ يقصر إلى تمام أربعة أيام، ثم يتم، وليس ذلك لأجل كون النبي صلى الله عليه وسلم لو أقام زيادة على الأربع لأتم؛ فإنا لا نعلم ذلك ولكن وجهه ما قدمنا من أن المقيم العازم على إقامة مدة معينة لا يقصر إلا بإذن، كما ان المتردد كذلك، ولم يأت الإذن بزيادة على ذلك، ولا ثبت عن الشارع غيره.
فال الشافعي: لو نوى إقامة أربعة أيام بموضع؛ انقطع سفره بوصوله.
قال في "المنهاج": ولا يُحْسَبُ منها يومًا دخوله وخروجه على الصحيح.
وقال أبو حنيفة: لا يزال على حكم السفر، حتى ينوي الإقامة في بلدة أو قرية خمسة عشر يومًا.
وقول أكثر أهل العلم: إنه يقصر أبدًا ما لم يُجمع إقامة.
واختلف أصحاب الشافعي في حكاية مذهبه.
وحكاية البغوي: أنه إذا لم يجمع الإقامة، فزاد مُكثه على أربعة أيام وهو عازم على الخروج أتم؛ إلا أن يكون في خوف أو حرب فيقْصُر.
وقد قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح بحرب هُوازِن تسعة عشر أو ثمانية عشر يومًا.
وله قول آخر موافق للجمهور.
قال الماتن: "واعلم أن هذه الثلاثة الأبحاث المذكورة في هذا الباب؛ هي من المعارك التي تتبلد عندها الأذهان، وقد اضطربت فيها المذاهب اضطرابًا شديدًا، وتباينت فيها الأنظار تباينًا زائدًا".
قال الفقير إلى عفو ربه: هذه المسألة كالمسألة السابقة؛ في أنه لم يرد من الشارع تحديد لمدة الإقامة التي تخرج عن حد السفر.