الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(شربت بعْدك اللَّيَالِي حَياتِي
…
غير أوشال لوعتي وسقامي)
مَا أحسن قَوْله شربت بعْدك اللَّيَالِي حَياتِي
3 -
(أَبُو الْقَاسِم الغافقي قَاضِي بلنسية)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن نوح)
الغافقي هُوَ أَبُو الْقسم قَاضِي بلنسية وَهِي بَلَده واصله من سرقسطة توفّي مصروفاً بمراكش سنة أَربع عشرَة وست مائَة لَهُ شعر حسن مِنْهُ قَوْله فِي فتح المهدية من أَبْيَات الْبَسِيط
(قد أنزل القسر من أَعلَى ذوائبها
…
من كَانَ مُعْتَقدًا فِي برجها الأسدا)
(حَيْثُ الثواء لقد ظلت حلومهم
…
على مجانيق توهى الْعقل والجلدا)
(كَأَنَّمَا الأَرْض كَانَت قبل واجدة
…
حقداً على واكفات السحب أَو حردا)
(فأمطرتهن أَحْجَار الْعَذَاب بِمَا
…
كَانَت قَدِيما عَلَيْهَا أمْطرت بردا)
وَقَالَ الرمل
(لَا تغبطن كل موفور الْغنى
…
مُشْتَمل ملابس العظمه)
(يلمز لَا بِسَبَب إِلَّا بِمَا
…
يحويه من أكياسه المفعمه)
(فَالله قد أخبر عَن أَمْثَاله
…
وَقَالَ فِي آيَاته المحكمة)
(يحْسب أَن مَاله أخلده
…
كلا لينبذن فِي الحطمه)
3 -
(ابْن جهور الْأَزْدِيّ المرسي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن جهور الْأَزْدِيّ أَبُو بكر من أهل مرسية كَانَ أحد أدبائها ونبهائها من شعره وَقد رأى امْرَأَة سافرة فغطت وَجههَا بكفها المخصوب السَّرِيع
(فاجأتها كالظبي فِي سربه
…
فاحتجبت بالكف والمعصم)
(وَقد بدا الوشى بأطرافها
…
فأقصرت عَن لومها لومي)
(قَالُوا وَقد دلههم حبها
…
من طوق البلار بالعندم)
(قلت جرت من مقلتي دمعة
…
فاختضبت أنملها بِالدَّمِ)
هَذَا الْمَعْنى مطروق مبذول متداول مر وَهُوَ بِجَزِيرَة شقر بِأَرْض حَمْرَاء لِابْنِ مرج الْكحل غير صَالِحَة للعمارة فَقَالَ يداعبه الْبَسِيط
(يَا مرج كحل وَمن هذي المروج لَهُ
…
مَا كَانَ أحْوج هذي الأَرْض للكحل)
(مَا حمرَة الأَرْض عَن طيب وَعَن كرم
…
فَلَا تكن طَمَعا فِي رزقها الْعجل)
(لَكِن شيمتها أَخْلَاق صَاحبهَا
…
فَمَا تفارقها كَيْفيَّة الخجل)
فَأَجَابَهُ الْبَسِيط)
(يَا قَائِلا إِذْ رأى مرجى وحمرته
…
مَا كَانَ أحْوج هذي الأَرْض للكحل)
(تِلْكَ الدِّمَاء الَّتِي للروم قد سفكت
…
فِي الْفَتْح بيض ظَبْي أجدادي الأول)
(أحببتها إِذْ حكت من قد كلفت بِهِ
…
فِي حمرَة الخد أَو إخلافه أمْلى)
الصاحب تَاج الدّين ابْن حنا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ ابْن مُحَمَّد بن سليم الْمصْرِيّ الصاحب تَاج الدّين أَبُو عبد الله ابْن الصاحب فَخر الدّين ابْن الْوَزير بهاء الدّين ابْن حنا ولد سنة أَرْبَعِينَ وَتُوفِّي سنة سبع وَسبع مائَة وَسمع من سبط السلفى جُزْء الذهلي وَمن الشّرف المرسي وبدمشق من ابْن عبد الدَّائِم وَمن ابْن أبي الْيُسْر حدث بِدِمَشْق وبمصر وانتهت إِلَيْهِ رئاسة عصره بمصره وَكَانَ ذَا تصون وسودد وَمَكَارِم وشكل حسن وبزة فاخرة إِلَى الْغَايَة يتناهى فِي المطاعم والملابس والمناكح والمساكن وَمَعَ ذَلِك صدقاته كَثِيرَة وتواضعه وافر ومحبته فِي الْفُقَرَاء والصلحاء زَائِدَة وَهُوَ الَّذِي اشْترى الْآثَار النَّبَوِيَّة على مَا قيل بستين ألف دِرْهَم وَجعلهَا فِي مَكَانَهُ بالمعشوق وَهُوَ الْمَكَان الْمَنْسُوب إِلَيْهِ بالديار المصرية وَقد زرت هَذِه الْآثَار فِي مَكَانهَا ورأيتها وَهِي قِطْعَة من العنزة ومرود ومخصف وملقط وَقطعَة من قَصْعَة وكحلت ناظري برؤيتها وَقلت أَنا الْكَامِل
(أكْرم بآثار النَّبِي مُحَمَّد
…
من زارها استوفى السُّعُود مزاره)
(يَا عين دُونك فألحظي وتمتعي
…
أَن لم تريه فَهَذِهِ آثاره)
وَرَأى من الْعِزّ والرئاسة والوجاهة والسيادة مَا لَا رَآهُ جده الصاحب بهاء الدّين حكى لي القَاضِي شهَاب الدّين مَحْمُود رحمه الله وَغير وَاحِد أَن الصاحب فَخر الدّين ابْن الخليلي لما لبس تشريف الوزارة توجه من القلعة بالخلعة إِلَى عِنْد الصاحب تَاج الدّين وَجلسَ بَين يَدَيْهِ وَقبل يَده فَأَرَادَ أَن يجْبرهُ ويعظم قدره فَالْتَفت إِلَى بعض غلمانه أَو عبيده وَطلب مِنْهُ توقيعاً بمرتب يخْتَص بذلك الشَّخْص فَأَخذه وَقَالَ مَوْلَانَا يعلم على هَذَا التوقيع فَأَخذه وَقَبله وَكتب عَلَيْهِ قدامه وَكَانَ الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس رحمه الله إِذا حكى ذَلِك يَقُول وَهَذِه الْحَرَكَة من الصاحب تَاج الدّين بِمَنْزِلَة الْإِجَازَة والإمضاء لوزارة ابْن الخليلي وَمن أحسن حَرَكَة اعتمدها مَا حَكَاهُ لي القَاضِي شهَاب الدّين ابْن فضل الله قَالَ اجتزت بتربته فَرَأَيْت فِي داخلها مكتباً للأيتام وهم يَكْتُبُونَ الْقُرْآن فِي ألواحهم فَإِذا أَرَادوا مسحها غسلوا الألواح وسكبوا ذَلِك على قَبره فَسَأَلت عَن ذَلِك فَقيل لي هَكَذَا شَرط فِي هَذَا الْوَقْف وَهَذَا مقصد حسن وعقيدة صَحِيحَة وَكَانَ الصاحب بهاء الدّين يؤثره على أَوْلَاده لصلبه ويعظمه أَخْبرنِي)
القَاضِي شهَاب الدّين ابْن فضل الله قَالَ أَخْبرنِي قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي رحمه الله قَالَ وقفت على إِقْرَار الصاحب بهاء الدّين بِأَنَّهُ فِي ذمَّته للصاحب تَاج الدّين ولأخيه مبلغ سِتِّينَ ألف دِينَار مصرية وَمن وجاهته وعظمته فِي النُّفُوس أَنه لما نكب على يَد الشجاعي جرده من ثِيَابه وضربه مقرعة وَاحِدَة فَوق قَمِيصه وَلم يَدعه النَّاس يصل
إِلَى أَكثر من ذَلِك مَعَ جبروت الشجاعي وعتوه وتمكنه من السُّلْطَان وَكَانَ لَهُ شعر حسن من ذَلِك مَا كتبه إِلَى السراج الْوراق يعزيه عَن حمَار سقط فِي بِئْر فنفق من أَبْيَات الْكَامِل
(يفديك جحشك إِذْ مضى متردياً
…
وبتالد يفْدي الأديب وطارف)
(عدم الشّعير فَلم يجده وَلَا رأى
…
تبناً وَرَاح من الظما كالتالف)
(وَرَأى البويرة غير جَاف مَاؤُهَا
…
فَرمى حشاشة نَفسه لمخاوف)
(فَهُوَ الشَّهِيد لكم بوافر فَضلكُمْ
…
هذي المكارم لَا حمامة خاطف)
(قوم يَمُوت حمارهم عطشا لقد
…
ازروا بحاتم فِي الزَّمَان السالف)
قَوْله لَا حمامة خاطف أَشَارَ إِلَى أَبْيَات ابْن عنين الَّتِي مدح الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ وَقد جَاءَت حمامة فَدخلت حجره هربا من جارح كَانَ خلفهَا وَسَيَأْتِي ذَلِك فِي تَرْجَمَة فَخر الدّين الرَّازِيّ وأجابه الْوراق بقصيدة على وَزنهَا فِي غَايَة الْحسن مَوْجُودَة فِي ديوانه أَولهَا الْكَامِل
(أدنت قطوف ثمارها للقاطف
…
وثنت بِأَنْفَاسِ النسيم معاطفي)
مِنْهَا فِيمَا يتَعَلَّق بِذكر الْحمار الْكَامِل
(وَلكم بَكَيْت عَلَيْهِ عِنْد مرابع
…
ومراتع رَشَّتْ بدمعي الذارف)
(يُمْسِي على عسرى ويسرى صَابِرًا
…
بمعارف تلهيه دون معالف)
(وَقد اسْتمرّ على القناعة يَقْتَدِي
…
بِي وَهِي فِي ذَا الْوَقْت جلّ وظائفي)
(وَدعَاهُ للبئر الصدى فَأَجَابَهُ
…
واعتاقه صرف الْحمام الآزف)
(وَهُوَ المدل بألفة طَالَتْ وَمَا
…
أنسى حُقُوق مرابعي ومآلفي)
(وموافقي فِي كل مَا حاولته
…
فِي الدَّهْر غير مواقفي ومخالفي)
(دوران سَاقيه لطاحون لنقل المَاء فِي شات وَيَوْم صَائِف)
(لَكِن بِمَاء الْبِئْر رَاح بنقله
…
قتلته شامات بِمَوْت جارف)
وَمِمَّا ينْسب إِلَى الصاحب تَاج الدّين الطَّوِيل)
(توهم واشينا بلَيْل مزارنا
…
فجَاء ليسعى بَيْننَا بالتباعد)
(فعانقته حَتَّى اتخذنا تلازماً
…
فَلم ير واشينا سوى فَرد وَاحِد)
ونظم يَوْمًا الصاحب تَاج الدّين الطَّوِيل
(توافى الْجمال الفائزي وَأَنه
…
لخير صديق كَانَ فِي زمن الْعسر)
وَأمر السراج الْوراق بإجازته فَقَالَ الطَّوِيل
(فيا رب عَامله بالطافك الَّتِي
…
يكون بهَا فِي الفائزين لَدَى الْحَشْر)
وَبعث الصاحب إِلَى السراج وَقد ولد لَهُ ولد صلَة وَثلثا حريرياً وَكتب مَعَ ذَلِك أبياتا خَمْسَة
أَولهَا الوافر
بعثت بهَا وبالثلث الرفيع فَأَجَابَهُ الْوراق بِأَبْيَات أَولهَا الوافر
(سرت من جَانب الْعِزّ الرفيع
…
إِلَيّ بِطيب أنفاس الرّبيع)
(مصرعة كَأَنِّي الْيَوْم مِنْهَا
…
ولجت على حبيب والصريع)
(دَعونَا الْخَمْسَة الأبيات سِتا
…
لسبع علقت فَوق الْجَمِيع)
(فدينا من هباتك مذهبات
…
كَانَ محوكها قطع الرّبيع)
(تزيد بلمس كفك حسن وشى
…
كحسن الرَّوْض بالغيث الهموع)
(بِمَا أَحييت للنفساء نفسا
…
ولي مَعهَا وللطفل الرَّضِيع)
(وَقد سمنت كيسى بعد ضعف
…
بِهِ الْتَقت الضلوع مَعَ الضلوع)
وَهَذَا الثَّالِث من هَذِه الأبيات بديع فِي الْغَايَة وَمن شعر الصاحب تَاج الدّين مَا قَالَه ملغزا فِي الْورْد الطَّوِيل
(ومعركة أبطالها قد تخضبت
…
أكفهم من شدَّة الضَّرْب عِنْدَمَا)
(لَهُم عِنْدهَا نَار وللنار عنبر
…
تأجج حَتَّى يتْرك الْورْد أدهما)
وَقَوله يمدح الشَّيْخ خضر الهكاري الطَّوِيل
(وحزت بميدان الْعِبَادَة غَايَة
…
تذكرني يَوْم السباق ابْن أدهما)
وَله موشح مَشْهُور بَين أهل مصر الْتزم فِيهِ الْحَاء قبل اللَّام فِي أقفاله وَهُوَ مجزوء الرجز
(قد انحل الْجِسْم أسمر أكحل
…
وأوحل الْقلب فِيهِ مذ حل)
(يمِيل
…
وَعنهُ لَا أميل)
(يحول
…
وَعنهُ لَا أَحول)
)
(أَقُول
…
إِذا زَاد بِي النحول)
(أما حل عقد الصدود ينْحل
…
ويرحل عَن نجمي المزحل)
(برغمي
…
كم يستبيح ظلمي)
(وَيَرْمِي
…
بحربه لسلمى)
(وجسمي
…
مَعَ الْتِزَام سقمي)
(منحل وَقد غَدا مزحل
…
فَلم حل سفك دمي وَمَا حل)
(متوج
…
بالْحسنِ هَذَا الأبهج)
(مدبج
…
عذاره البنفسج)
(مفلج
…
يرنو بِطرف أدعج)
(مكحل وريقه المنحل
…
مفحل بالعنبر المحلحل)
(كم أبعد
…
وَكم أَبيت مكمد)
(ويعمد
…
بهجره لَا يفقد)
(ويجهد
…
فِي ارتضاء من قد)
(تمحل والحاسدون دحل
…
وَمحل والوعد مِنْهُ أمحل)
(قلاني
…
واشتط هَذَا الحاني)
(رماني
…
فِي عشقه زماني)
(خلاني
…
أَشْكُو لمن يراني)
(قد انحل الْجِسْم أسمر أكحل
…
وأوحل الْقلب فِيهِ مذ حل)
ونظم يَوْمًا الصاحب تَاج الدّين بَيْتا وَهُوَ الطَّوِيل
(أَلا قَاتل الله الْحَمَامَة أَنَّهَا
…
أذابت فؤاد الصب لما تغنت)
وَقَالَ للسراج أجزه فَقَالَ قصيدة أَولهَا الطَّوِيل
(أطارحها شكوى الغرام وبثه
…
فَمَا صدحت إِلَّا أجبْت بآنة)
أَخْبرنِي الشَّيْخ الْعَلامَة أثير الدّين أَبُو حَيَّان قِرَاءَة مني عَلَيْهِ قَالَ اجْتمعت بِهِ وَسمعت عَلَيْهِ شَيْئا من الحَدِيث وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ الْكَامِل
(وَلَقَد أَبيت على أغر أدهم
…
عبل الشوى كالليل إِذْ هُوَ مظلم)
)
(وبكفي الْيُمْنَى قناة لدنة
…
كالأفعوان سنانها مِنْهُ الْفَم)
(مُتَقَلِّدًا عضباً كَانَ متونه
…
برق تلألأ أَو حريق مضرم)
(وعَلى سابغة الذيول كَأَنَّهَا
…
سلخ كسانيه الشجاع الأرقم)
(وعَلى المفارق بَيْضَة عَادِية
…
كالنجم لَاحَ وَأَيْنَ مِنْهَا الأنجم)
(فالرعد من تصهال خيلي والسنا
…
برق الأشعة والرذاذ هُوَ الدَّم)
اشْترى فرسا من الْعَرَب فأقامت عِنْده فِي الْحَاضِرَة ثمَّ إِنَّه عبر بهَا على بيُوت الْعَرَب فجفلت فَقَالَ
(الطَّوِيل نسيت بيُوت الشّعْر يَا فرسي وَقد
…
ربيت بهَا وَالْحر للْعهد ذَاكر)
(وَلَكِن رأيتيها بِنَجْد وَأَهْلهَا
…
على صفة أُخْرَى فعذرك ظَاهر)
فِي الثَّانِي عيب لِأَنَّهُ لحن من كَونه أشْبع حَرَكَة الكسرة فِي رَأَيْتهَا حَتَّى نشأت يَاء قَالَ الشَّيْخ أثير الدّين ونظمت أَنا فِي هَذَا الْمَعْنى فَقلت الطَّوِيل
(عجبت لمهري إِذْ رأى الْعَرَب نكبا
…
كَأَن لم يكن بَين الأعاريب قد رَبًّا)
(أجل لَيْسَ نكراً للفريق وَإِنَّمَا
…
تخوف عتباً مِنْهُم فتجنباً)
قلت التصريع فِي الْبَيْتَيْنِ لَيْسَ بمليح وَكَانَ يتعاطى الفروسية ويحضر الْغَزَوَات ويتصيد بالجوارح وَالْكلاب وَقد مدحه الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شهَاب الدّين مَحْمُود رحمه الله بقصيدة عدتهَا أَزِيد من ثَمَانِينَ بَيْتا وَهِي روايتي عَنهُ بِالْإِجَازَةِ أَولهَا الْكَامِل
(أَعلَى فِي ذكر الديار ملام
…
أم هَل تذكرها عَليّ حرَام)
(أم هَل أَذمّ إِذْ ذكرت منازلاً
…
فارقتها وَلها عَليّ ذمام)
مِنْهَا فِي مدح الصاحب تَاج الدّين الْكَامِل
(وشجاعة مَا عَامر فِيهَا لَهُ
…
قدم وَلَا عَمْرو لَهُ إقدام)
(ثَبت الْجنان إِذا الفوارس أحجمت
…
خوف الردى لم يثنه إحجام)
(وبكفه فِي جحفل أَو محفل
…
تزهى الرماح السمر والأقلام)
وَحكى لي الْمشَار إِلَيْهِ سيادة كَثِيرَة شَاهدهَا مِنْهُ من ذَلِك أَنه قَالَ دخلت يَوْمًا إِلَيْهِ فلقيني إِنْسَان نسيت أَنا اسْمه وَمَعَهُ قصيدة قد امتدحه بهَا فَقَالَ لي يَا مَوْلَانَا لي مُدَّة وَلم يتَّفق لي إِلَى الصاحب وُصُول فأخذتها وَدخلت إِلَيْهِ وَقلت بِالْبَابِ شَاعِر قد مدح مَوْلَانَا الصاحب فَقَالَ يدْخل فَأعْطَاهُ القصيدة فأنشدها وَلم يمْتَنع من سماعهَا كَمَا يَفْعَله بعض النَّاس فَلَمَّا فرغت أَخذهَا مِنْهُ ووضعها إِلَى جَانِبه وَلم يتَكَلَّم وَلَا)
أَشَارَ فَحَضَرَ خَادِم وَمَعَهُ مبلغ مِائَتي دِرْهَم وتفصيلة فَدَفعهَا إِلَيْهِ قلت وَهَذَا غَايَة فِي الرِّئَاسَة من سماعهَا وَعدم قَوْله أَعْطوهُ كَذَا أَو إِشَارَة إِلَى من يحضر فيسر إِلَيْهِ وَقيل عَنهُ أَن جَمِيع أَحْوَاله كَذَا لَا يُشِير بِشَيْء وَلَا يتَكَلَّم بِهِ فِي بَيته وكل مَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ يَقع على وفْق المُرَاد وَحكى لي أَنه أضَاف جده يَوْمًا ووسع فِيهِ فَلَمَّا عَاد إِلَى بَيته أَخذ النَّاس يعْجبُونَ من همته وكرم نَفسه فَقَالَ الصاحب بهاء الدّين لَيْسَ مَا ذكرتموه بعجيب لإن نَفسه كَرِيمَة ومكنته متسعة وَالْعجب العجيب كَونه طول هَذَا النَّهَار وَمَا أحضرهُ من المشروب والمأكول من الطَّعَام والفاكهة والحلوى وَغير ذَلِك على اخْتِلَاف أَنْوَاعه مَا قَامَ من مَكَانَهُ وَلَا دَعَا خَادِمًا فَأسر إِلَيْهِ وَلَا أَشَارَ بِيَدِهِ وَلَا بطرفه وَلم يَجِيء إِلَيْهِ أحد من خدمه وَلَا أَشَارَ وَقيل أَن النَّاس تعجبوا على كثرتهم وشربهم المَاء مبرداً فِي كيزان عَامَّة ذَلِك النَّهَار فَسئلَ عَن ذَلِك فِيمَا بعد فَقَالَ اشترينا خمس مائَة كوز وبعثنا إِلَى الْجِيرَان قَلِيلا قَلِيلا بردوا ذَلِك فِي الباذهنجات الَّتِي لَهُم وَلَا شكّ فِي أَنه كَانَ عَليّ الهمة ممجداً مسوداً وَلَكِن لم يكن لَهُ دربة وَالِده فِي تَنْفِيذ الوزارة فَإِنَّهُ وَليهَا مرَّتَيْنِ وَمَا أَنْجَب وَكَانَ لَهُ إِنْسَان مُرَتّب مَعَه حمام كحمام البطائق مدرب إِذا خرج من بَاب القرافة أطلق مَا مَعَه من الْحمام فيروح إِلَى الدَّار الَّتِي لَهُ فَيعلم أَهله بِأَنَّهُ قد خرج من القلعة فيرمون الططماج والملوخية وَغير ذَلِك من أَنْوَاع المطجن وَمَا شابهه حَتَّى إِذا جَاءَ وجد الطَّعَام حَاصِلا والسماط ممدوداً وَقد سمع مِنْهُ الشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ أَيْضا وجالسه وأنشده شعره وَاعْتَكف فِي مأذنة عَرَفَات
بِجَامِع مصر ثَلَاثَة أَيَّام فَقَالَ السراج الْوراق الطَّوِيل
(ثَلَاثَة أَيَّام قطعت لطولها
…
ثَلَاث شديدات من السنوات)
(حجبن محيا الصاحب ابْن مُحَمَّد
…
لِتجمع بَين الْحسن والحسنات)
(وَمَا كَاد قلبِي أَن يقر قراره
…
لِأَنِّي بِمصْر وَهُوَ فِي عَرَفَات)
وَقَالَ السراج أَيْضا لما عمر الصاحب تَاج الدّين جَامع دير االطين الطَّوِيل
(بنيتم على تقوى من الله مَسْجِدا
…
وَخير مباني العابدين الْمَسَاجِد)
(وأعلن داعيه الْأَذَان فبادرت
…
اجابته الصم الْجبَال الجلامد)
(ونالت نواقيس الديارات وجمة
…
وَخَوف فَلم يمدد إلَيْهِنَّ ساعد)
(تبْكي عَلَيْهِنَّ البطاريق فِي الدجى
…
وَهن لديهم ملقيات كواسد)
(بذا قَضَت الْأَيَّام مَا بَين أَهلهَا
…
مصائب قوم عِنْد قوم فَوَائِد)
البيتان الأخيران للمتنبي من قصيدته الْمَشْهُورَة وَأهْدى إِلَيْهِ عسلاً مسعودياً فَقَالَ الطَّوِيل)
(من الظّرْف رد الظّرْف ممتلئاً حمداً
…
كَمَا جَاءَ فِي نعماك ممتلئا رفدا)
مِنْهَا الطَّوِيل
(أَتَانِي مَسْعُود بِهِ لون عرضه
…
بَيَاضًا جلا من حالك الْحَال مَا اسودا)
(وَكنت لسيعاً من زماني وَصَرفه
…
فبدلني من سمه الْقَاتِل الشهدا)
(فأدنيت من أبعدتها لَا قلى لَهَا
…
وَلَكِن من الْأَشْيَاء مَا يُوجب البعدا)
(فَإِن رفع الدَّاعِي يَدَيْهِ فَهَذِهِ
…
بأربعها تَدْعُو وتستفرغ الجهدا)
وَقَالَ أَيْضا يمدحه بقصيدة أَولهَا الْكَامِل
(أتروم صبري دون ذَاك الريم
…
هَيْهَات لمت عَلَيْهِ غير ملوم)
(لَو شاهدت عَيْنَاك مَا شاهدته
…
لرجعت فِي أَمْرِي إِلَى التَّسْلِيم)
(مخضر آس واحمرار شقائق
…
أَنا مِنْهُمَا فِي جنَّة ونعيم)
(ومعاطف من دونهن روادف
…
أَنا مِنْهُمَا فِي مقْعد ومقيم)
(سل طرفه عَن شعره الداجي فَلم
…
يُخْبِرك عَن طول الدجى كسقيم)
(يَا غُصْن قامته إِلَيْك تحيتي
…
مَعَ كل ماطرة وكل نسيم)
(إِن الْجمال لَهُ بِغَيْر مُنَازع
…
والوجد لي فِيهِ بِغَيْر قسيم)
(وَكَذَا الْعلَا لمُحَمد بن مُحَمَّد ب
…
ن عليّ بن مُحَمَّد بن سليم)
(نسب كمطرد الكعوب فَلَا ترى
…
إِلَّا كَرِيمًا ينتمي لكريم)
مِنْهَا الْكَامِل
(وشبيبة حرس التقى أطرافها
…
فلهَا مَحل الشيب فِي التَّعْظِيم)
(وَإِذا تحرمت الْمسَائِل باسمه
…
جلى عَن التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم)
(إِن قَالَ لَا يَخْلُو فَمَا من عِلّة
…
تبقى لصِحَّة ذَلِك التَّقْسِيم)
(إِمَّا إِذا جارى أَخَاهُ أحمداً
…
شاهدت بحرى نائل وعلوم)
(بحران إِن شِئْت الندى نجمان إِن
…
شِئْت الْهدى غوثان فِي الأقليم)
وَأرْسل إِلَيْهِ ديوكاً مخصية فاستبقاهن فَأرْسل إِلَيْهِ دجَاجَة كَبِيرَة فَقَالَ المتقارب
(فديت الديوك بِذبح عَظِيم
…
وأنقذتها من عَذَاب اليم)
(فنارى لَهُم مثل نَار الْخَلِيل
…
ونارك لي مثل نَار الكليم)
)
(وَذُو الْعرف بِاللَّه فِي جنَّة
…
فَكُن واثقاً بالأمان الْعَظِيم)
(لقد أنست لي دَار بهم
…
وَمن قبلهم أَصبَحت كالصريم)
(مَشوا كالطواويس فِي ملبس
…
بهى البرود بهيج الرقوم)
(كَأَنِّي أشاهدهم كالقضاة
…
بسمت عَلَيْهِم كسمت الْحَلِيم)
(وَإِلَّا أزمة دَار غَدَتْ
…
بهم حرما آمنا كالحريم)
(وَلَا فرق بيني وَبَين الخصى
…
فَلم لَا أَرَاهُم بِعَين الْحَمِيم)
(وَنعم الْفِدَاء لَهُم قد بعثت
…
من القانتات ذَوَات الشحوم)
(أعدن الشَّبَاب إِلَى مطبخي
…
وَقد كَانَ شَاب لحمل الهموم)
(وعادت قدوري زنجية
…
فأعجب بزنجية عِنْد رومي)
(وَطَالَ لِسَان لناري بِهِ
…
خصمت خطوباً غَدَتْ من خصومي)
(وأمسيت ضيفك فِي منزلي
…
وَمن فِيهِ ضيف لضيف الْكَرِيم)
ثمَّ خرج إِلَى الْمَدْح وَأدْخل الْمِيم على ضمير الديكة وَإِن كَانَت لمن يعقل لِأَنَّهُ نزلها منزلَة من يعقل وَإِمَّا اسْتِعَارَة الشَّبَاب والشيب للمطبخ فَمن أحسن الْكِنَايَات عَن الطَّبْخ وَعَدَمه وَقَوله زنجية عِنْد رومي ظرف فِيهِ إِلَى الْغَايَة لإن السراج رحمه الله كَانَ أشقر أَزْرَق وَله نظم فِي ذَلِك وَهُوَ قَوْله الرجز
(وَمن رَآنِي وَالْحمار مركبي
…
وزرقتي للروم عرق قد ضرب)
(قَالَ وَقد أبْصر وَجْهي مُقبلا
…
لَا فَارس الْخَيل وَلَا وَجه الْعَرَب)
وَلما قدم من غَزْوَة حمص سنة ثَمَانِينَ وست مائَة امتدحه الْحَكِيم شمس الدّين مُحَمَّد بن دانيال بقصيدة أَولهَا الطَّوِيل
(تذكرت سعدى أم أَتَاك خيالها
…
أم الرّيح قد هبت إِلَيْك شمالها)