الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَينْهى بعد رفع الدُّعَاء وَحمل لِوَاء الْوَلَاء وإشادة بِنَاء الثَّنَاء إِن الْمَمْلُوك سطرها وشوقه قد ضَاقَتْ بِهِ الرحبة وأغار عَليّ مَثَاقِيل الْبَصَر فَمَا ترك مِنْهَا عِنْد حَبَّة الْقلب حَبَّة وَذكره الْأَيَّام السالفة حَتَّى عَاد نسيبه بهَا أعظم نسبه)
3 -
(الوافر)
(كَأَنِّي لم أكن فِي مصر يَوْمًا
…
قطعت بِهِ الْوِصَال مَعَ الْأَحِبَّة)
(ونلت الْقرب من سَادَات دست
…
محلهم علا كيوان رتبه)
(إِذا عَايَنت فِي الإنشا حلاهم
…
تراهم بالنجوم الزهر أشبه)
(وَإِن سابقتهم علم فا وفضلاً
…
فَأَنت إِذا نطقت سكيت حلبه)
(فَمَا ابْن الصَّيْرَفِي إِذا أَتَاهُم
…
يُسَاوِي عِنْدهم فِي الْفضل حَبَّة)
(خُصُوصا تاجهم سقى الغوادي
…
مَحل ضمه وأخضل تربه)
(إِذا أَخذ اليراع فَلَيْسَ بَين الطروس وَبَين زهر الرَّوْض نسبه)
(وَإِن نطق اسْتَفَادَ الْمَرْء مِنْهُ
…
محَاسِن تستبي فِي الْحَال لبه)
(وَلَيْسَ الْملك مُحْتَاجا إِلَى أَن
…
يعد كتائبا إِن عد كتبه)
(لَهُ الفضلان فِي نظم ونثر
…
إِذا مَا جال فِي شعر وخطبه)
(أيا مولَايَ عفوا عَن محب
…
تهجم فالبعاد إذاب قلبه)
(بعثت بهَا إِلَيْك عَسى ترَاهَا
…
على بعد من الْمَمْلُوك قربه)
فَكتب إِلَيّ الْجَواب الْبَسِيط
(شكرا لغرس بروض الْفضل قد نبتا
…
ووده فِي صميم الْقلب قد ثبتا)
(أهْدى إِلَيّ كتابا كنت أرقبه
…
أَزَال عني من عيث النَّوَى العنتا)
(مُبَارَكًا جَاءَ بِالْحُسْنَى فَأحْسن لي
…
وَكَيف لَا وَهُوَ من عِنْد الْخَلِيل أَتَى)
لَا زَالَت أَلْفَاظه حلية المماليك ووده فِي النُّفُوس ثَابتا وللقلوب خير مَالك ومنزله من فضل الله رحيب الساحات معمورا بالسماحات فِي رحبة مَالك وَينْهى وُرُود مشرف سمح ببيانه ونفح بعرفانه وجنح إِلَى عوائد إحسانه ولمح أشرف الْمعَانِي بإنسانه وَربح إِذْ بدا بفصل خطابه وَفضل بنانه أَبى الله إِلَّا أَن يكون لَهُ الْفضل فِي ابْتِدَائه والفوز بسبق تحيته وانشائه فَقبله الْمَمْلُوك تقبيلاً وفضه فَإِذا الْبَيَان جَاءَ كُله مَعَه قبيلا وَرَأى أدباً غضاً ونظماً ونثراً فاقاً من سلف عصره وتقضي وَلَقَد ذكر مَوْلَانَا بأوقات قربه على أَن الْمَمْلُوك مَا زَالَ يذكرهَا وَأقر عينا مَا بَرحت تشهد محاسنه وتنظرها الْبَسِيط
(أبلغ أخانا أدام الله نعْمَته
…
أَنِّي وَإِن كنت لَا أَلْقَاهُ أَلْقَاهُ)
(الله يعلم أَنِّي لست أذكرهُ
…
وَكَيف يذكرهُ من لَيْسَ ينساه)
)
وَلَقَد تحملت بمولانا جِهَة تصدر أَخْبَارهَا بأقلامه وتصدر مهماتها بمتين كَلَامه ويبدو
صَلَاحهَا بألفاظه الَّتِي هِيَ كالزلزال فِي رقته والدر فِي نظامه فَبسط الله ظلال من أمتع هَذِه المملكة بمولانا وسير ركابه إِلَيْهَا وطالما أولاه الْخَيْر وأولانا قد شَمل الْبعيد والقريب بفضله وَعمر مصر بسودده وغمر الشَّام بوبله الْكَامِل
(كالبحر يقذف للقريب جواهرا
…
كرماً وَيبْعَث للبعيد سحائبا)
ثمَّ يعود الْمَمْلُوك إِلَى وصف محَاسِن مَوْلَانَا الَّتِي مكنت فِي الْقلب حبه وأرضت بالود مَمْلُوكه وتربه وشيدت لَهُ فِي الأفئدة أرفع رُتْبَة الوافر
(اتتنا من ودادك خير هبه
…
فَنعم طيبها عَيْش الْأَحِبَّهْ)
(وزارتنا على نأي فَأَهْدَتْ
…
لنا أنسا بِهِ أنسى تنبه)
(تذكرني بزورتها ائتلافا
…
ووقتا طالما متعت قربه)
(نأى عَن مصر من مولَايَ أنس
…
فألفى بعْدهَا رحباً ورحبه)
(للفظك فِي الطروس عُقُود معنى
…
بهَا در الترائب قد تشبه)
(وخظك لم يزل درا ثميناً
…
لَهُ بالجوهر الشفاف نسبه)
(بنانك مِنْبَر ترقى عَلَيْهِ
…
يراع كم لَهَا فِي الطرس خطبه)
(خطبت من الْمعَانِي كل بكر
…
فلبت بالإجابة خير خطبه)
(كَأَنَّك قد رقيت الْأُفق عفوا
…
فَأعْطى طرسك الميمون شهبه)
(فدمت مُعظما فِي كل أَرض
…
تنَال من السُّعُود أجل رتبه)
وَكتب إِلَيّ وَنحن بالمخيم السلطاني على طنان ملغزا فِي كتاب السَّرِيع
(يَا مبدعاً فِي النّظم والنثر
…
وفاضلاً فِي علمه يثري)
(ومودعا مهرقه كل مَا
…
يزري بِحسن الدّرّ والتبر)
(إِن أحكمت أَلْفَاظه أَصبَحت
…
قواطعا تربى على البتر)
(مَا صَامت ينْطق أفضاله
…
وكاتم للسر فِي الصَّدْر)
(تصلحه الرَّاحَة لكنه
…
يتعب فِي الطي وَفِي النشر)
(قد أشبه الْبيض وَلكنه
…
يحْتَاج يَا ذَا الْفضل للسمر)
(تفرق اللَّيْل بأرجائه
…
كَأَنَّهُ وصل على هجر)
)
(يسير عَن أوطانه دَائِما
…
للنفع فِي الْبر وَفِي الْبَحْر)
(إِن كَانَ يَوْمًا ضيف قوم غَدا
…
يقري وَخير النَّاس من يقري)
(فهات لي عَنهُ جَوَابا كَمَا
…
عودتني يَا عالي الْقدر)
فَكتبت إِلَيْهِ الْجَواب عَن ذَلِك السَّرِيع
(أروضة تَبَسم عَن زهر
…
أم أكوس دارت من الْخمر)
(أم نظم مَوْلَانَا فَإِنِّي الَّذِي
…
أعده من جملَة السحر)
(إِذْ كل حرف مِنْك شمس وَأَن
…
سامحت قلت الْكَوْكَب الدُّرِّي)
(يَا فَاضلا مَا مشتهي نظمه
…
فِي النَّاس إِلَّا قطع الزهر)
(وكاتباً أصبح من خطه
…
يُغني عَن الخطية السمر)
(حللت مَا ألغزته فِي الَّذِي
…
تجلوه لي فِي حبر الحبر)
(مَا فَاه بالنطق وَلكنه
…
لَهُ فنون النّظم والنثر)
(يخبرنا عَمَّا مضى وانقضى
…
وَمَا جرى فِي سالف الدَّهْر)
(لَا يكذب القَوْل إِذا مَا روى
…
فقد حكى صدق أبي ذَر)
(وَعِنْده لِلْحسنِ ديباجة
…
شَبيهَة بِاللَّيْلِ وَالْفَجْر)
(ذرت على كافوره مسكة
…
لَيْسَ لَهَا نشر مَعَ النشر)
(كم أقسم الْبَارِي بِهِ مرّة
…
مرت لنا فِي مُحكم الذّكر)
(يَا حسن مَا قد قلت يقري وَهل
…
تعرف فِي الْأَيَّام من يقري)
(وَمَا قراه غير سمع الَّذِي
…
يبثه باللب والفكر)
(هَذَا جَوَاب أَن تكن رَاضِيا
…
بِهِ فيا عزى وَيَا فخري)
(وَإِن أكن أَخْطَأت فِي حلّه
…
فأبسط على مَا اعتدته عُذْري)
(لَا زلت ترقى صاعداً فِي العلى
…
إِلَى مَحل الأنجم الزهر)
وكتبت إِلَيْهِ عقيب ذَلِك السَّرِيع
(بلغك الله الْأَمَانِي فقد
…
أطربني لغزك لما أَتَى)
(حلا وَقد كررت إنشاده
…
وَكَيف لَا يحلو وَفِيه كتا)
وَكتب إِلَيّ أَيْضا وَنحن بالمخيم السلطاني على المنوفية الْكَامِل)
(طرق الصَّوَاب بك استبان سَبِيلهَا
…
وَبِك استقام على السوَاء دليلها)
(كم خلة محمودة أوتيتها
…
فِي المكرمات وانت أَنْت خليلها)
(مَا ملغز الْفَاء مِنْهُ كَلَامه
…
وحروفه مَا شأنهن قليلها)
(لَا شَيْء يَحْجُبهُ وَكم من دونه
…
من حَاجِب فعلاه تمّ أثيلها)
(إِن طَال مل وخيره يَا صَاح مَا
…
قد طَال والنعماء طَابَ طويلها)
(وَإِذا أهل الْوَفْد من ميقاتهم
…
طويت غمامته وَزَالَ ظليلها)
(كم أوضحُوا فرقا فأخفاه وَمَعَ
…
هَذَا أبانته دنا تَعْجِيلهَا)
(وَمحله بِمحل مَوْلَانَا غَدا
…
يسمو فَرَفَعته رسا تأصيلها)
(فأحلله لَا بَرحت يراعك كالظبي
…
فصريرها مِنْهُ يمد صليلها)
فحللته فِي شاش وكتبت الْجَواب إِلَيْهِ الْكَامِل
(جَاءَت تدار على النُّفُوس شمولها
…
وتجر من فَوق الرياض ذيولها)
(أبياتك الغر الَّتِي أبدعتها
…
تطوي على جمل الْجمال فصولها)
(ويسير فِي الْآفَاق ذكرك لي بهَا
…
وتهب بالإقبال مِنْك قبُولهَا)
(قد ألغزت لي فِي مُسَمّى وَاحِد
…
وَله مقادير تفَاوت طولهَا)
(كغمامة ترخى على ليل الشَّبَاب الغض أَو صبح المشيب فضولها)
(لَا يَسْتَحِيل إِذا قلبت حُرُوفه
…
بِالْعَكْسِ بل يبْقى لَهَا مدلولها)
(وحروفه بَيت وَبَاقِي لَفظه
…
أس على التَّصْحِيف رحت أقولها)
(هَذَا الْجَواب وَغَايَة الْفضل الَّتِي
…
قد نلتها فِي النّظم لست أطولها)
(فلك النُّجُوم تسير فِي فلك العلى
…
مَا شَأْنهَا بعد الطُّلُوع أفولها)
فَكتب إِلَى عقيب ذَلِك المجتث
(الْمسك مِنْك ختام
…
وراحتاك غمام)
(الْخط روض نديم
…
وَاللَّفْظ حُلْو مدام)
(وَالسحر قَوْلك لَكِن
…
السحر أَمر حرَام)
(اجبتني عَن معمى
…
بِسُرْعَة لَا ترام)
(فِي الْقلب حبك ثاو
…
لَهُ أَقَامَ غرام)
)
(فَأَنت حَقًا خَلِيل
…
على الْخَلِيل السَّلَام)
فأجبته عَن هَذِه الْقطعَة المجتث
(أجوهر أم كَلَام
…
وقهوة أم نظام)
(أم البدور تجلت
…
فأنجاب عَنْهَا الظلام)
(أم الحدائق وشى
…
مِنْهَا البرود غمام)
(غصونها الفات
…
والهمز فِيهَا حمام)
(أشبه السطر كاساً
…
فِيهِ الْمعَانِي مدام)
(أَو أعيناً فاتنات
…
يصبو لَهَا المستهام)
(وحشوها السحر باد
…
وَلَا أَقُول السقام)
(أقلامك الْحمر فِيهَا
…
للنائبات سِهَام)
(كم قد أَصَابَت لمرمى
…
وَلم يفتها مرام)
(أثنت عَلَيْك الْمعَانِي
…
والكاتبون الْكِرَام)
(وقلدتك الْمَعَالِي
…
إِذْ أَنْت فِينَا أَمَام)
(فَأَنت أشرف تَاج
…
فِي فَضله لَا يرام)
(لَهُ على كل راس
…
فَاء وضاد وَلَام)
فَكتب الْجَواب أَيْضا المجتث
(ألفاظك الغر أضحت
…
بروقهن تشام)
(لأجل ذَلِك سحت
…
من سحبهن ركام)
(فأحبس سيولك أَن الْبيُوت
…
هذي الْخيام)
(مصر بهَا قد تحلت
…
كَمَا تحلى الشَّام)
(عَنْهَا يقصر قس
…
والسالفون الْكِرَام)
(أَمْثَالهَا سائرات
…
وَمَا لَهُنَّ مقَام)
(بدورها طالعات
…
لَهَا التَّمام لزام)
(وَفِي الْعشي اتتني
…
مِنْهَا وُجُوه وسام)
(تعزى إِلَى الْعَرَب لما
…
يرْعَى لَدَيْهَا الذمام)
)
(لَهَا الْعُيُون عُيُون
…
وَالنُّون فِيهَا لثام)
(فَكُن خير سمير
…
حَتَّى تقضى الظلام)
(وَكلما دَار دور
…
من خمرها جَاءَ جَام)
(هَذَا جَوَاب جَوَاب
…
قد كل فِيهِ الْكَلَام)
(فاستر لَهُ كل عَابَ
…
إِذْ أَنْت فِينَا إِمَام)
نقلت من خطه فصلا كتبه فِي وصف يَوْم ماطر وَهُوَ مطر غامت لَهُ السَّمَاء وعامت الأَرْض لما كثر مِنْهُ المَاء ودامت بِهِ من الله الرَّحْمَة والنعماء وَغَابَتْ تَحت غمامه عين الشَّمْس فَمَا لَهَا إِشَارَة وَلَا إِيمَاء وتوالي كرمه إِلَى الرياض فَلهُ عِنْد كل ساف يَد بَيْضَاء إِلَّا أَن الأَرْض تغير حَالهَا وَاسْتقر فِي بطُون الأَرْض مَا أَرْسلتهُ جبالها فَتفرق فِي الأَرْض غدرانا وروت أَحَادِيثه السُّيُول عَن الحيا عَن الْبَحْر عَن جود مَوْلَانَا كَأَنَّمَا الأَرْض بِهِ سقيت فشفيت من باسها لَا بل كَأَنَّمَا أَبُو حَفْص هَذِه الْأمة استسقى الله بعباسها وأضحت فَاكِهَة الشتَاء كوجه المحبوب غير مملولة وَأمنت سحبه الْقُلُوب وَإِن كَانَت سيوف بروقها مسلولة وخمدت فِيهَا كل نَار قراك وَمَا غَابَتْ فِيهِ الشَّمْس وَنحن نرَاك وَمَا أطلق الْمَمْلُوك عنان الْقَلَم فِي هَذِه الْكَلم إِلَّا لما قيد نَفسه محبَّة فِي ذراك ونقلت من خطه مَا كتبه إِلَى القَاضِي عَلَاء الدّين ابْن الْأَثِير فِي قصيدة الْكَامِل