الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(جَرْوَل الحطيئة)
جَرْوَل هُوَ الحطيئة الشَّاعِر الْمَشْهُور أَبُو مليكَة ابْن أَوْس بن مَالك من بني عبس لقب بالحطيئة لقُرْبه من الأَرْض فَإِنَّهُ كَانَ قَصِيرا
وَقيل ضرط ضرطة بَين قومه فَقيل مَا هَذَا فَقَالَ إِنَّمَا هِيَ حطأة
وَهُوَ من فحول الشُّعَرَاء وفصحائهم وَكَانَ ذَا شَرّ وسفه وَنسبه متدافع بَين الْقَبَائِل كَانَ ينتمي إِلَى كل وَاحِدَة مِنْهَا إِذا غضب على الْأُخْرَى
وَهُوَ مخضرم أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام فَأسلم ثمَّ ارْتَدَّ وَقَالَ فِي ذَلِك من الطَّوِيل
(أَطعْنَا رَسُول الله إِذْ كَانَ بَيْننَا
…
فيا لعباد الله مَا لأبي بكر)
(أيورثها بكرا إِذا مَاتَ بعده
…
وَتلك لعمر الله قاصمة الظّهْر)
وَقَالَ يهجو أمه من الوافر
(تنحي فاجلسي عني قَلِيلا
…
أراح الله مِنْك العالمينا)
(أغربالاً إِذا اسْتوْدعت سرا
…
وكانوناً على المتحدثينا)
وَالْتمس يَوْمًا إنْسَانا يهجوه فَلم يجد فَضَاقَ عَلَيْهِ ذَلِك فَقَالَ من الطَّوِيل
(أَبَت شفتاي الْيَوْم إِلَّا تكلماً
…
بشرٍ فَمَا أَدْرِي لمن أَنا قَائِله)
وَجعل يدهور هَذَا الْبَيْت فِي حلقه وَلَا يرى إنْسَانا فَاطلع فِي ركي أَو حَوْض فَرَأى وَجهه فَقَالَ
(أرى لي وَجها قبح الله خلقه
…
فقبح من وَجه وقبح حامله)
وَقدم الْمَدِينَة فِي سنة مُجْدِبَة فَجمع أَشْرَافهَا لَهُ من بَينهم شَيْئا إِلَى أَن تكمل لَهُ أَرْبَعمِائَة دِينَار وَأَعْطوهُ إِيَّاهَا فَإِذا بِهِ يَوْم الْجُمُعَة وَقد اسْتقْبل الإِمَام يُنَادي من يحملني على نَعْلَيْنِ كَفاهُ الله كبة
جَهَنَّم
قَالَ الْأَصْمَعِي كَانَ الحطيئة جشعاً سؤولاً محلفاً دني النَّفس كثير الشَّرّ قَلِيل الْخَيْر بَخِيلًا قَبِيح المنظر رث الْهَيْئَة مغموز النّسَب فَاسد الدّين
وهجا الزبْرِقَان بن بدر بالأبيات السينية الَّتِي مِنْهَا من الْبَسِيط
(دع المكارم لَا ترحل لبغيتها
…
واقعد فَإنَّك أَنْت الطاعم الكاسي)
فاستدعى عَلَيْهِ الزرقان إِلَى عمر رضي الله عنه فرفعه عمر إِلَيْهِ واستنشده فَقَالَ عمر لحسان أتراه هجاه فَقَالَ نعم وسلح عَلَيْهِ فحبسه عمر وَقيل جعله فِي بئرٍ ثمَّ ألقِي عَلَيْهِ شَيْء فَقَالَ)
من الْبَسِيط
(مَاذَا تَقول لأفراخ بِذِي مرخ
…
زغب الحواصل لَا مَاء وَلَا شجر)
(ألقيت كاسبهم فِي قَعْر مظلمةٍ
…
فَاغْفِر عَلَيْك سَلام الله يَا عمر)
(أَنْت الإِمَام الَّذِي من بعده صَاحبه
…
أَلْقَت إِلَيْك مقاليد النهى الْبشر)
(لم يؤثروك بِهِ إِذْ قدموك لَهَا
…
لَكِن لأَنْفُسِهِمْ كَانَت بك الْأَثر)
فَأخْرجهُ وَقَالَ إياك وهجاء النَّاس
فَقَالَ إِذا تَمُوت عيالي جوعا هَذَا مكسبي وَمِنْه معاشي
قَالَ فإياك والمقذع من القَوْل
قَالَ وَمَا المقذع قَالَ أَن تخاير بَين النَّاس فَتَقول فلَان خير من فلَان وَآل فلَان خير من آل فلَان قَالَ فَأَنت وَالله أهجا مني
ثمَّ قَالَ لَوْلَا أَن تكون سبة لَقطعت لِسَانه وَلَكِن اذْهَبْ فَأَنت لَهُ يَا زبرقان
فَألْقى الزبْرِقَان فِي رقبته عِمَامَة فاقتاده بهَا فعارضته غطفان فَقَالَت لَهُ يَا أَبَا شذرة إخْوَتك وَبَنُو عمك فهبه لنا فوهبه لَهُم
وَقيل إِن عمر رَضِي الله لما أطلقهُ اشْترى مِنْهُ أَعْرَاض الْمُسلمين بِثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم ليؤكد
قلت لم يخف عَن عمر رضي الله عنه أَن ذَلِك هجو وَلكنه أَرَادَ درا الْحَد بِالشُّبْهَةِ
وَقَالَ العسكري فِي كتاب الْأَوَائِل بَعْدَمَا أورد الأبيات الرائية للحطيئة فَأخْرجهُ عمر وَجلسَ على كرْسِي وَأخذ شفرةً وأوهمه أَنه يُرِيد قطع لِسَانه فَضَجَّ وَقَالَ أَنا وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد هجوت أبي وَأمي وهجوت نَفسِي وامرأتي فبتسم عمر وَقَالَ مَا الَّذِي قلت قَالَ قلت لأبي وَأمي من الْكَامِل
(وَلَقَد رَأَيْتُك فِي النِّسَاء فسؤتني
…
وَأبي ينيك فساءني فِي الْمجْلس)
وَقلت فِي امْرَأَتي من الوافر
(تنحي واقعدي مني بَعيدا
…
أراح الله مِنْك العالمينا)
(ألم أظهر لَك الْبغضَاء مني
…
وَلَكِن لَا أخالك تعقلينا)
(أغربالاً إِذا اسْتوْدعت سرا
…
وكانوناً على المتحدثينا)
وَقلت فِي نَفسِي من الطَّوِيل)
(أَبَت شفتاي الْيَوْم إِلَّا تكلماً
…
بِسوء فَلَا أَدْرِي لمن أَنا قَائِله)
(أرى لي وَجها شوه الله خلقه
…
فقبح من وجهٍ وقبح حامله)
فَأخذ عمر عَلَيْهِ أَن لَا يهجو أحدا وَجعل لَهُ ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم اشْترى بهَا أَعْرَاض الْمُسلمين
فَقَالَ الحطيئة من الْكَامِل
(أخذت أَطْرَاف الْكَلَام فَلم تدع
…
شتماً يضر وَلَا مديحاً ينفع)
(ومنعتني عرض الْبَخِيل فَلم يخف
…
شتمي وَأصْبح آمنا لَا يجزع)
وَلما حضرت الحطيئة الْوَفَاة اجْتمع إِلَيْهِ قومه فَقَالُوا لَهُ يَا أَبَا مليكَة أوص فَقَالَ ويل للشعر من رِوَايَة السوء
فَقَالُوا أوص يَرْحَمك الله يَا حطي فَقَالَ من الَّذِي يَقُول من الطَّوِيل
(إِذا أنبض الرامون عَنْهَا ترنمت
…
ترنم ثَكْلَى أوجعتها الْجَنَائِز)
قَالُوا الشماخ
قَالَ أبلغوا غطفان أَنه اشعر الْعَرَب
فَقَالُوا لَهُ وَيحك أوص بِمَا ينفعك فَقَالَ أبلغوا أهل ضابىء أَنه شَاعِر حَيْثُ يَقُول من الطَّوِيل
(لكل جديدٍ لَذَّة غير أنني
…
وجدت جَدِيد الْمَوْت غير لذيذ)
فَقَالُوا أوص وَيحك بِمَا ينفعك قَالَ أبلغوا امْرأ الْقَيْس أَنه أشعر الْعَرَب حَيْثُ يَقُول من الطَّوِيل
(فيا لَك من ليلٍ كَأَن نجومه
…
بِكُل مغار الفتل شدت بيذبل)
فَقَالُوا إتق الله ودع عَنْك
قَالَ أبلغوا الْأَنْصَار أَن شَاعِرهمْ اشعر الْعَرَب حَيْثُ يَقُول من الْكَامِل
(يغشون حَتَّى مَا تهر كلابهم
…
لَا يسْأَلُون عَن السوَاد الْمقبل)
فَقَالُوا إِن هَذَا لايغني عَنْك شَيْئا فَقل غير مَا أَنْت فِيهِ فَقَالَ من الرجز
(الشّعْر صَعب وطويل سلمه
…
إِذا ارْتقى فِيهِ الَّذِي لايعلمه)
(زلت بِهِ إِلَى الحضيض قدمه
…
يُرِيد أَن يعربه فيعجمه)
قَالُوا هَذَا مثل الَّذِي كنت فِيهِ فَقَالَ من الرجز
(قد كنت أَحْيَانًا شَدِيد الْمُعْتَمد
…
وَكنت ذَا غربٍ على الْخصم أَلد)
)
فوردت نَفسِي وَمَا كَادَت ترد
قَالُوا يَا أَبَا مليكَة أَلَك حَاجَة قَالَ لَا وَالله وَلَكِن أجزع على المديح الْجيد يمدح بِهِ من لَيْسَ لَهُ أَهلا
قَالُوا فَمن اشعر النَّاس فَأَوْمأ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ وَقَالَ هَذَا الجحير إِذا طمع فِي خير واستعبر باكياً
فَقَالُوا لَهُ قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ من الرجز
(