الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقْرَأ الْمُوَطَّأ للنَّاس على مَالك فِي بعض الْأَوْقَات وبقراءته سمع يحيى بن بكير مرّة قَالَ ابْن معِين أشرُّ السَّماع عرض حبيب على مَالك كَانَ يقْرَأ فَإِذا انْتهى صفح أوراقاً وَكتب بلغ وَقَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم روى أَحَادِيث شَبيهَة بالموضوعة وعامّة سَماع المصريّين عرض حبيب قَالَ ابْن معِين سَأَلُونِي عَنهُ بِمصْر فَقلت لَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل لَيْسَ بِثِقَة وَقَالَ النَّسَائِيّ مَتْرُوك وَقَالَ ابْن عدي كَانَ يضع الحَدِيث توفّي سنة ثَمَان عشرَة ومئتين
3 -
(أَبُو تَمام الطَّائِي)
حبيب بن أَوْس بن الْحَارِث بن قيس بن الْأَشَج بن يحيى بن مردان يَنْتَهِي إِلَى طَيء أَبُو تَمام الشَّاعِر الْمَشْهُور وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْحسن بن بشر الْآمِدِيّ
وَالَّذِي عِنْد أَكثر النَّاس فِي نسب أبي تَمام أَن أَبَاهُ كَانَ نَصْرَانِيّا من أهل جاسم قَرْيَة من قرى دمشق يُقَال لَهُ تذوس الْعَطَّار فجعلوه أَوْسًا وَكَانَ أوحد عصره فِي ديباجة لَفظه وصناعة شعره وَحسن أسلوبه وَكَانَ لَهُ من المحفوظات مَا لَا يلْحقهُ فِيهِ غَيره قبل إِنَّه كَانَ يحفظ أَرْبَعَة عشر ألف أرجوزة للْعَرَب غير المقاطيع والقصائد وَله كتاب الحماسة وَهُوَ كتاب يدل على حسن اخْتِيَاره
قلت هِيَ أَرْبَعَة آلَاف بَيت وَمِائَتَا بَيت وَثَمَانِية أَبْيَات يكون الْجيد فِيهَا ألف بَيت وَقد اخْتَرْت جيدها فَكَانَ ألف بَيت وَمِائَة بَيت وَثَلَاثَة وَعشْرين بَيْتا وسمَّيت ذَلِك نفائس الحماسة بَعْدَمَا رتبت كل بَاب مِنْهَا على حُرُوف المعجم
وَمِمَّنْ شرح الحماسة أَبُو عَليّ الْحسن بن أَحْمد الاستراباذي وحماسة البحتري أحسن مِنْهَا وأكبر وَأكْثر أنواعاً وَإِنَّمَا سميت الحماسة لِأَن أول بَاب فِيهَا هُوَ بَاب الحماسة وَهَذَا من بَاب تَسْمِيَة الشَّيْء باسم جزئه كَالصَّلَاةِ وَالصَّلَاة الدُّعَاء وَالدُّعَاء بعض أَجزَاء الصَّلَاة وَهَذَا نوع من الْمجَاز وَأَبُو تَمام لَهُ الحماسة الْكُبْرَى والحماسة الصُّغْرَى)
وَقد عمل النَّاس حماسات كَثِيرَة مِنْهَا حماسة البحتري والحماسة البصرية وحماسة الأعلم الشنتمري وحماسة الشجري وحماسة ابْن أَفْلح وحماسة البيّاسي وحماسة شميم الحلّي
وحماسة الجراوي والحاسة المحدثة لِابْنِ عمارس وحماسة الجصَّاني وحماسة ابْن الْمَرْزُبَان مُحَمَّد بن خلف
وَالنَّاس مُخْتَلفُونَ فِي أمره وَأمر المتنبي أَيهمَا أشعر والأذكياء على أَن المتنبي أشعر وَالشَّيْخ أثير الدّين مذْهبه أَن أَبَا تَمام أشعر وفاوضناه يَوْمًا فِي ذَلِك فَقَالَ بعد مَا ذكرنَا محَاسِن المتنبي ومعايب أبي تَمام أَنا مَا أسمع عذلاً فِي حبيب فأعجبنا مِنْهُ ذَلِك وسكتنا وَهَذَا كَانَ مَذْهَب شَيْخه بهاء الدّين بن النّحاس وَالَّذِي أقوله أَنا إِنَّنِي اخْتَرْت شعر الْإِثْنَيْنِ فجَاء مُخْتَار المتنبي ألفا وستمئة بَيت من جملَة سِتَّة آلَاف بيتٍ وَجَاء مُخْتَار أبي تَمام قَرِيبا من ثمانمئة بَيت من جملَة ثَمَانِيَة آلَاف بَيت أَو مَا حولهَا وَلَا شكَّ أنّ من لَهُ ألف وستمئة من سِتَّة آلَاف أشعر مِمَّن لَهُ ثمانمئة من ثَمَانِيَة آلَاف والإنصاف يقْضِي بذلك لَكِن أَبُو تَمام مُتَقَدم وَهُوَ الَّذِي فتح بَاب البديع وغاص على الْمَعْنى الدَّقِيق وَمَات وَله من الْعُمر ثَلَاثُونَ سنة وكسورٌ فَلَو عمِّر عمر المتنبي وَتَأَخر زَمَانه حَتَّى يرى أَقْوَال من تقدّمه كَانَ أشعر من المتنبي لِأَن المتنبي تقدّمه فحول من الشُّعَرَاء مثل أبي تَمام والبحتري وَابْن الرُّومِي وَابْن المعتز وأمثالهم فَأخذ محاسنهم وَرَأى أنموذج جيدهم فنسج على ذَلِك المنوال
وَفِي أبي تَمام قَالَ مخلد بن بكارٍ الْموصِلِي من السَّرِيع
(أنظر إِلَيْهِ وَإِلَى ظرفه
…
كَيفَ تطايا وَهُوَ منثور)
(وَيحك من أَلْقَاك فِي نسبةٍ
…
قَلْبك مِنْهَا الدَّهر مذعور)
ومدح أَبُو تَمام الْخُلَفَاء وَأخذ جوائزهم وجاب الْبِلَاد وَقصد الْبَصْرَة وَبهَا عبد الصَّمد بن المعذَّل الشَّاعِر وَكَانَ فِي جمَاعَة من غلمانه وَأَتْبَاعه فخاف عبد الصَّمد أَن يمِيل النَّاس إِلَيْهِ ويعرضوا عَنهُ فَكتب إِلَيْهِ دُخُوله قبل دُخُوله من الْخَفِيف أَنْت بَين اثْنَتَيْنِ تبرز للنَّاس وكلتاهما بوجهٍ مذال
(لست تنفكّ راجياً لوصالٍ
…
من حبيبٍ أَو طَالبا لنوال)
(أيّ ماءٍ يبْقى لوجهك هَذَا
…
بَين ذلِّ الْهوى وذل السُّؤَال)
فَلَمَّا وقف أَبُو تَمام على الأبيات أضْرب عَن قَصده وَرجع وَقَالَ قد شغل هَذَا مَا يَلِيهِ فَلَا حَاجَة)
لنا فِيهِ وَقيل إِنَّه لما وقف على الأبيات قَلبهَا وَكتب فِي ظهرهَا جَوَابا من الْبَسِيط
(أفيَّ ينظم قَول الزُّور والفند
…
وَأَنت أنقص من لَا شَيْء فِي الْعدَد)
(أشرجت قَلْبك من غيظٍ على حنقٍ
…
كَأَنَّهَا حركات الرّوح فِي الْجَسَد)
(أقدمت وَيلك من هجوي على خطرٍ
…
كالعير يقدم من خوف على الْأسد)
فَلَمَّا وقف عبد الصَّمد على الأول قَالَ مَا أحسن علمه بالجدل أوجب زِيَادَة ونقصاً على مَعْدُوم وَلما وقف على الثَّانِي قَالَ الإشراج من عمل الفراشين وَلَا مدْخل لَهُ هَهُنَا وَلما وقف على الثَّالِث عضَّ على شفته وَقَالَ قتل
وَقد تنوّع الإخباريون فِي إِيرَاد هَذِه الأبيات اللاّمية فَتَارَة يوردونها لِابْنِ المعذَّل وَتارَة يوردونها لبَعض الغلمان المردان وَأَنه طلع تلقَّى أَبَا تَمام وتعرَّض لَهُ وأطعمه فِي نَفسه فَلَمَّا عرَّض لَهُ أَبُو تَمام بِطَلَب الْوِصَال أنْشدهُ هَذِه الأبيات فاستحيى أَبُو تَمام وكرَّ رَاجعا من حَيْثُ أتلى وَلم يدْخل الْبَلَد وَتارَة يوردونها على غير هَذِه الصُّورَة واشتهرت هَذِه الأبيات بَين أهل الْأَدَب حَتَّى قَالَ مجير الدّين مُحَمَّد بن تَمِيم من الْخَفِيف أَنْت بَين اثْنَتَيْنِ يَا نجل يَعْقُوب وكلتاهما مقرُّ السياده
(لست تنفك رَاكِبًا أير عبدٍ
…
مسبطرّاً أَو حَامِلا خفَّ غاده)
(أَي مَاء لحرّ وَجهك يبْقى
…
بَين ذل البغا وذل القياده)
وَكَانَ أَبُو تَمام أسمر طَويلا حُلْو الْكَلَام فِيهِ تمتمةٌ يسيرَة قيل إِن الْحسن ابْن وهب عني بِهِ فولاّه بريد الْموصل فَأَقَامَ بِهِ أقلّ من سنتَيْن وَتُوفِّي
وَلما قصد أَبُو تَمام عبد الله بن طَاهِر بن الْحُسَيْن بخراسان وامتدحه بالقصيدة الَّتِي أوّلها هنَّ عوادي يوسفٍ وصواحبه أنكر عَلَيْهِ أَبُو سعيد الضَّرِير وَأَبُو العميثل هَذَا الِابْتِدَاء وَقَالا لَهُ لم لَا تَقول مَا يفهم فَقَالَ لَهُم لم لَا تفهمان مَا يُقَال فَاسْتحْسن مِنْهُ هَذَا الْجَواب على الْفَوْر
وَأنْشد أَبُو تَمام لأبي دلفٍ قصيدته الَّتِي يمدحه بهَا وَهِي من الطَّوِيل
(على مثلهَا من أربعٍ وملاعبٍ
…
أذيلت مصونات الدُّمُوع السَّواكب)
فاستحسنها وَأَعْطَاهُ خمسين ألف دِرْهَم ثمَّ قَالَ لَهُ وَالله إِنَّهَا لدوّنَ شعرك ثمَّ قَالَ لَهُ وَالله مَا مثل هَذَا القَوْل فِي الْحسن إلاّ مَا رثيت بِهِ مُحَمَّد بن حميد الطوسي فَقَالَ وَأي ذَلِك أَرَادَ)
الْأَمِير قَالَ قصيدتك الرائية الَّتِي أوّلها من الطَّوِيل
(كَذَا فليجل الْخطب وليفدح الْأَمر
…
فَلَيْسَ لعين لم يفض مَاؤُهَا عذر)
وددت وَالله أَنَّهَا لَك فيّ فَقَالَ أفدي الْأَمِير بنفسي وَأَهلي وأكون المقدَّم قبله فَقَالَ أَبُو دلف أَنه لم يمت من رثي بِهَذَا الشّعْر
وَيُقَال أَنه مدح بعض الْخُلَفَاء بقصيدته الَّتِي أوّلها من الْكَامِل
(مَا فِي وقوفك سَاعَة من باس
…
نقضي حُقُوق الْأَرْبَع الأدراس)
فَلَمَّا انْتهى إِلَى قَوْله
(إقدام عَمْرو فِي سماحة حَاتِم
…
فِي حلم أحنف فِي ذكاء إِيَاس)
فَقَالَ لَهُ الْوَزير تشبّه أَمِير الْمُؤمنِينَ بأجلاف الْعَرَب فَأَطْرَقَ سَاعَة ثمَّ رفع رَأسه وَأنْشد من الْكَامِل
(لَا تنكروا ضربي لَهُ من دونه
…
مثلا شرودا فِي الندى والباس)
(فَالله قد ضرب الأقلَّ لنوره
…
مثلا من الْمشكاة والنِّبراس)
وَلما أخذت القصيدة مِنْهُ لم يُوجد هَذَانِ البيتان فِيهَا فعجبوا من سرعَة فطنته وَقَالَ الْوَزير للخليفة أيّ شَيْء طلب أعْطه إِيَّاه فَإِنَّهُ لَا يعِيش أَكثر من أَرْبَعِينَ يَوْمًا لِأَنَّهُ قد ظهر فِي عَيْنَيْهِ الدَّم من شدَّة الفكرة فَقَالَ لَهُ الْخَلِيفَة مَا تشْتَهي فَقَالَ أُرِيد الْموصل فَأعْطَاهُ إِيَّاهَا فتوجّه إِلَيْهَا وَلم يصل إِلَيْهَا بل مَاتَ فِي الطَّرِيق وَلَا صِحَة لهَذَا لكنَّ هَذِه الْحِكَايَة استطارت وَالَّذِي ذكره الصولي أَنه لما أنْشد هَذِه القصيدة لِأَحْمَد بن المعتصم وَجرى مَا جرى كَانَ أَبُو يُوسُف الْكِنْدِيّ حَاضرا قَالَ هَذَا الْفَتى يَمُوت قَرِيبا قيل إِنَّه سمع ختيشوع بن جِبْرِيل الطَّبِيب أَبَا تَمام ينشد الْحسن بن سهل أبياتاً لَهُ من قصيدة وَهِي
من الوافر
(فَتى كشفت لَهُ حدق الْمعَانِي
…
محاجرها بأجفان الْقُلُوب)
(فأعرق فِي دَقِيق الْفِكر حَتَّى
…
كأنَّ ضَمِيره بعض الغيوب)
(سليل أبوَّة وجدوا العطايا
…
غيوثاً عِنْد عربدة الجدوب)
(صفت أفهامهم حَتَّى كأنيّ
…
مقيمٌ فِي أنَاس من قُلُوب)
(كَلَام كالخدود من العذارى
…
إِذا أرسى بسمع من أديب)
(جرى فِي جدوليه لِسَان فكرٍ
…
بِأَلْفَاظ مشققة الْجُيُوب)
)
(أرقَّ من المدامع فِي التَّصابي
…
وَأحلى من مشافهة الذُّنُوب)
فَقَالَ هَذَا كَلَام رجلٍ قد أحرق الْفِكر دَمه وَمَا أقلَّ بَقَاءَهُ فاستكثروا مِنْهُ فَلم تطل مُدَّة أبي تَمام بعد هَذَا حَتَّى اخترم وَقَالَ شمس الدّين ابْن خلكان قد تتبعت هَذِه الْولَايَة للموصل وحققتها فَلم أجد سوى أَن الْحسن بن وهب ولاّه بريد الْموصل فَأَقَامَ أقلّ من سنتَيْن ثمَّ مَاتَ بهَا سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ ومئتين وَقيل سنة ثَمَان وَعشْرين ومئتين وَقيل سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ ومولده سنة تسعين ومئة وَقيل سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَقيل سنة اثْنَيْنِ وَسبعين وَقيل سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين ومئة
وَبنى عَلَيْهِ أَبُو نهشل بن حميدٍ الطوسي قبَّة خَارج بَاب الميدان على حافة الخَنْدَق وَحكى عفيف الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن عَدْلَانِ الموصليُّ النَّحْوِيّ المترجم قَالَ سَأَلت شرف الدّين بن عنين عَن معنى قَوْله من الطَّوِيل
(سقى الله روح الغوطتين وَلَا ارتوت
…
من الْموصل الحدباء إلاّ قبورها)
وَلم حرمهَا وخصَّ الْقُبُور فَقَالَ لأجل أبي تَمام وَلما مَاتَ رثاه الْحسن بن وهب بقوله من الْكَامِل
(فجع الريض بِخَاتم الشُّعَرَاء
…
وغدير روضته حبيب الطَّائِي)
(مَاتَا مَعًا فتجاورا فِي حفرةٍ
…
وكذاك كَانَا قبل فِي الْأَحْيَاء)
وَقَالَ الْحسن أَيْضا من الوافر
(سقى بالموصل الْقَبْر الغريبا
…
سحائب تنتحبن لَهُ نحيبا)
(إِذا أظللنه أظللن فِيهِ
…
شُعَيْب المزن تتبعه شعيبا)
(ولطّمن البروق بِهِ خدوداً
…
وشقَّقن الرعود بِهِ جيوبا)