الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جعد عَن أبان بن سمْعَان وَأخذ أبان من طالوت ابْن أُخْت لبيد بن الأعصم الْيَهُودِيّ الَّذِي سحر النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأخذ طالوت من لبيد وَكَانَ لبيد يَقُول بِخلق التَّوْرَاة
وَأول من صنف فِي ذَلِك طالوت وَكَانَ زنديقاً وَأفْشى الزندقة وَقَالَ عَليّ بن الْقَاسِم الخوافي من الوافر
(أبينوا أَيْن جعد أَيْن جهم
…
وَمن والأهم لَهُم الثبور)
(كَأَن لم ينظم النظام قولا
…
وَلم تسطر لجاحظهم سطور)
(وَأَيْنَ الملحد ابْن أبي دؤاد
…
لقد ضلوا وغرهم الْغرُور)
3 -
(شعر الزنج)
أَبُو الْجَعْد الْمَعْرُوف بِشعر الزنج كَانَ وقاداً بِبَغْدَاد قصَّته طَوِيلَة وَأمره عَجِيب اقْتَضَت بِهِ الْحَال فِي تَصَرُّفَاته إِلَى أَن صَار وقاداً فِي أتون حمام
عشق علاماً فَأخذ فِي قَول الشّعْر فِيهِ فجوده وَاشْتَدَّ حبه فِي الْغُلَام وَكَانَ الْغُلَام ظريفاً مغرماً بالتفاح لَا يُفَارِقهُ فِي أَوَانه فجَاء يَوْمًا شعر الزنج فَقعدَ بِإِزَاءِ الْغُلَام وبيد الْغُلَام تفاحة أهديت لَهُ فَجعل يقبلهَا تَارَة ويشمها أُخْرَى ويدنيها من خَدّه تَارَة وَمن فِيهِ تَارَة فَقَالَ شعر الزنج من السَّرِيع
(تفاحة أكرمها رَبهَا
…
يَا لَيْتَني لَو كنت تفاحة)
)
(تقبل الْحبّ وَلَا تَسْتَحي
…
من مسكه بالكف نفّاحه)
(تجْرِي على خديه جوالة
…
نَفسِي إِلَى شمك مرتاحه)
فَلَمَّا سمع الْغُلَام ذَلِك رمى بهَا فِي الطَّرِيق فَأَخذهَا شعر الزنج وَاشْتَدَّ كلفه بالغلام وَاشْتَدَّ إِعْرَاض الْغُلَام عَنهُ فَعمد شعر الزنج إِلَى تفاحة حَمْرَاء عَجِيبَة فَكتب عَلَيْهَا بِالذَّهَب من الْبَسِيط
(إِنِّي لأعذركم فِي طول صدكم
…
من راقب الله أبدى بعض مَا كتما)
(لَكِن صدودكم يودي بِمن علقت
…
بِهِ الصبابة حَتَّى ترجعوا الكلما)
وَرمى بالتفاحة إِلَى الْغُلَام فَقَرَأَ مَا فِيهَا وَقَامَ فَأَبْطَأَ وَعَاد بهَا فَرمى بهَا فِي حجر شعر الزنج فَأَخذهَا وَهُوَ يظنّ أَنه قد رق لَهُ فَإِذا بهَا هُوَ قد كتب بالأسود تَحت كل سطر من الْبَسِيط
(نصد عَنْكُم صدودالمبغضين لكم
…
فَلَا تردوا إِلَيْنَا بعْدهَا كلما)
(وَمَا بِنَا النَّاس لَو أَنا نريدكم
…
فاصبر فُؤَادك أَو مت هَكَذَا ألما)
فاشتعلت نيران شعر الزنج وتضاعف وجده ثمَّ ظن أَن الْغُلَام يستوضع حرفته بالوقادة فَتَركهَا وَصَارَ ناطوراً يحفظ الْبَسَاتِين بِبَاب الْحَدِيد وَقصد بساتين التفاح الَّتِي لَا يُوجد فِي بَغْدَاد أكبر مِنْهَا تفاحاً فَأتى إِلَى صَاحب لَهُ وَمَعَهُ تفاح كثير وَقَالَ أحب أَن تهدي بعض هَذَا التفاح إِلَى الْغُلَام وتعمد
الْمَكْتُوب مِنْهُ فَنظر ذَلِك وَإِذا بِهِ قد كتب على تفاحة حَمْرَاء ببياض من نفس التفاحة لما كَانَت على شجرتها من مجزوء الرجز
(جودوا لمن هيمه
…
حبكم فهاما)
(وَصَارَ ضوء يَوْمه
…
من حزنه ظلاما)
وَكتب على أُخْرَى من الْمَنْسُوخ
(مهجة نفس أتتك مرتاحه
…
تَشْكُو هَواهَا بِلَفْظ تفاحة)
فأهدى ذَلِك التفاح إِلَيْهِ فَلَمَّا قَرَأَ مَا عَلَيْهِ قَامَ وَقد خجل
وَصَارَ شعر الزنج يخْتَار التفاح وَيكْتب عَلَيْهِ الشّعْر ويحتال بصنوف الْحِيَل فِي إيصاله إِلَى الْغُلَام قَالَ الحاكي لهَذِهِ الْحَال فَإِنِّي يَوْمًا لجالسن أَنا والغلام إِذْ اجتاز بِنَا بَائِع فَاكِهَة جلّ مَا مَعَه التفاح فأجلسه الْغُلَام وابتاع مِنْهُ التفاح بِمَا أَرَادَ دون مماكسة وسر الْغُلَام برخص مَا ابتاعه وَجعل يقلب التفاح ويعجب من حسنه فَإِذا هُوَ فِي التفاح بتفاحة صفراء مَكْتُوب فِيهَا)
بالأحمر من السَّرِيع
(تفاحة تخبر عَن مهجة
…
أذابها الهجر وأضناها)
(يَا بؤسها مَاذَا بهَا وَيْلَهَا
…
أبعدها الْحبّ وأقصاها)
فَفطن حِينَئِذٍ وغالطني وَقَالَ مَا ترى مَا يكتبونه النَّاس على التفاح طلبا للمعاش فتغافلت عَنهُ وَإِذا بِشعر الزنج قد دفع ذَلِك التفاح إِلَى البَائِع وَقَالَ لَهُ تلطف فِي أَن يرَاهُ الْغُلَام وبعه إِيَّاه بِمَا قَالَ
ثمَّ إِن شعر الزنج أهْدى إِلَيّ يَوْمًا تفاحاً كثيرا أَحْمَر كالشقائق وأبيض كالفضة وأصفر كالذهب مِنْهُ مَا كتب عَلَيْهِ ببياض فِي حمرَة وبحمرة فِي بَيَاض وعَلى إِحْدَاهَا من السَّرِيع
(نبت فِي الأغصان مخلوقةً
…
من قلب ذِي شوق وأحزان)
(صفرني سقم الَّذِي سقمه
…
يخبر عَن حَالي وأحزاني)
وعَلى أُخْرَى بأحمر من السَّرِيع
(تفاحة صيغت كَذَا بِدعَة
…
صفراء فِي لون المحبينا)
(زينها ذُو كمد مدنف
…
بدمعه إِذْ ظلّ مَحْزُونا)
(فَامْنُنْ فقد جِئْت لَهُ شافعاً
…
وقيت من بلواه أَمينا)
وعَلى أُخْرَى من السَّرِيع
(كتبت لما سفكت مهجتي
…
بِالدَّمِ كي ترحم بلوائي)
رفعت هذي قصتي اشْتَكَى الهجر فَوَقع لي بإعفائي قَالَ فرحمته وأدركتني رقة لَهُ فخطفت التفاح جَمِيعه وعملت دَعْوَة ودعوت الْغُلَام وأخواته واجتمعنا على مجْلِس أنس وأحضرت التفاح فِيمَا أحضرته فَرَأَوْا مِنْهُ شَيْئا لم يرَوا مثله ثمَّ تَعَمّدت وضع التفاح الْمَكْتُوب بَين يَدي الْغُلَام فتعجب مِنْهُ وَقَرَأَ مَا عَلَيْهِ وَقَالَ لي خُفْيَة ترى من كتب هَذَا