الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خُزَيْمَة وأقامه على بَاب الدَّار فِي العلوّ والأبواب مغلقة فَجعل جَعْفَر يُنَادي يَا معشر النَّاس من كَانَت لي فِي عُنُقه بيعةٌ فقد أحللته مِنْهَا والخلافة لِعَمِّي هَارُون لَا حقَّ لي فِيهَا وزوّج الرشيد جعفراً ابْنَته حمدونة فِي خِلَافَته)
3 -
(ابْن الحدّاد النَّحْوِيّ)
جَعْفَر بن مُوسَى يعرف بِابْن الْحداد النَّحْوِيّ كتب النَّاس عَنهُ شَيْئا من اللُّغَة وغريب الحَدِيث وَمَا كَانَ من كتب أبي عبيدٍ مِمَّا سَمعه من أَحْمد بن يُوسُف التغلبي وَغير ذَلِك وَكَانَ من ثِقَات الْمُسلمين وخيارهم توفّي سنة تسع وَثَمَانِينَ ومئتين
3 -
(ابْن مَيْمُون الْأنمَاطِي)
جَعْفَر بن مَيْمُون الْأنمَاطِي روى لَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَتُوفِّي فِي حُدُود الْخمسين والمئة
3 -
(المعتزلي رَأس الجعفرية)
جَعْفَر بن ميسَّر المعتزلي رَأس الجعفرية وَهن طَائِفَة ينسبون إِلَيْهِ قَالُوا إِن الله لَا يقدر على ظلم الْعُقَلَاء وَيقدر على ظلم الْأَطْفَال والمجانين وَقَالَ جَعْفَر هَذَا فسّاق هَذِه الْأمة شرٌّ من الزَّنَادِقَة وَالْمَجُوس وسارق الحبَّة منخلعٌ من الْإِيمَان وَأثبت الخلود فِي النَّار بِالْعقلِ قبل وُرُود الشَّرْع وَإِن الله تَعَالَى خلق الْقُرْآن فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَلَا يجوز أَن ينْتَقل وَمَا نقرأه نَحن فَهُوَ حِكَايَة عَن الْمَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَالْقِرَاءَة فعلنَا وخلقنا
3 -
(الْبَرْمَكِي وَزِير هَارُون)
جَعْفَر بن يحيى بن خَالِد بن برمك بن جاماس بن يستاسف
الْبَرْمَكِي وَزِير هَارُون الرشيد
كَانَ من علّو الْقدر ونفاذ الْأَمر وَبعد الهمة وَعظم الْمحل وجلالة الْمنزلَة عِنْد هَارُون الرشيد بحالةٍ انْفَرد بهَا وَلم يُشَارك فِيهَا وَكَانَ سمح الْأَخْلَاق طلق الْوَجْه ظَاهر الْبشر وأمّا جوده وسخاؤه وبذله وعطاؤه فَكَانَ أشهر من أَن يذكر وَكَانَ من ذَوي الفصاحة الْمَشْهُورين باللسن والبلاغة يُقَال إِنَّه وَقع لَيْلَة بِحَضْرَة هَارُون الرشيد زِيَادَة على ألف توقيع وَلم يخرج فِي شَيْء مِنْهَا عَن مُوجب الْفِقْه وَكَانَ أَبوهُ قد ضمه إِلَى القَاضِي أبي يُوسُف الْحَنَفِيّ حَتَّى علّمه وفقهه
إعتذر إِلَيْهِ رجلٌ فَقَالَ لَهُ جَعْفَر قد أَغْنَاك الله بالعذر منّا عَن الاعتدار إِلَيْنَا وأغنانا بالمودة لَك عَن سوء الظَّن بك
ووقَّع إِلَى بعض عَمَّا لَهُ كثر شاكوك وقلَّ شاكروك فإمّا اعتدلت وإمّا اعتزلت
وبلغه أَن الرشيد مغموم لأنَّ منجماً من الْيَهُود دخل إِلَيْهِ وَزعم أَنه يَمُوت فِي تِلْكَ السّنة فَركب جَعْفَر وأتى إِلَى الرشيد فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ أَن تتزعم أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ يَمُوت إِلَى كَذَا وَكَذَا يَوْمًا)
قَالَ نعم قَالَ وَأَنت كم عمرك قَالَ كَذَا وَكَذَا أمداً طَويلا فَقَالَ للرشيد حَتَّى تعلم أهـ كَاذِب فِي أمدك كَمَا كذب فِي أمده فَقتله وَذهب مَا كن بالرشيد وصلب الْيَهُودِيّ فَقَالَ أَشْجَع السّلمِيّ من الطَّوِيل
(سل الرَّاكِب الموفي على الْجزع هَل
…
رأى لراكبه نجماً بدا غير أَعور)
(وَلَو كَانَ نجمٌ مخبرا عَن منيّةٍ
…
لأخبره عَن رَأسه المتحيّر)
(يعرفنا موت الإِمَام كَأَنَّهُ
…
يعرّفه أنباء كسْرَى وَقَيْصَر)
(أتخبر عَن نحسٍ لغيرك شؤمه
…
ونجمك بَادِي الشَّرّ يَا شرَّ مخبر)
وَمضى دم المنجم هدرا بحمقه وَحكى ابْن الصابىء فِي كتاب الأماثل والأعيان عَن
إِسْحَاق النديم الْموصِلِي عَن إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي قلا خلا جَعْفَر بن يحيى يَوْمًا فِي دَاره وأحضر ندماءه وَكنت فيهم فَلبس الْحَرِير وتضمَّخ بالخلوق وَفعل بِنَا مثله وَتقدم بِأَن يحجب عَنهُ كلُّ أحد إلاّ عبد الْملك بن بحران قهرمانه فَسمع الْحَاجِب عبد الْملك دون ابْن بحران وَعرف عبد الْملك بن صَالح الْهَاشِمِي مقَام جَعْفَر بن يحيى فِي دَاره فَركب إِلَيْهِ فَأرْسل الْحَاجِب أَن قد حضر عبد الْملك فَقَالَ أدخلهُ فَمَا رَاعنا إِلَّا دُخُول عبد الْملك بن صَالح فِي سوَاده ورصافيته فأربدَّ وَجه جَعْفَر وَكَانَ ابْن صَالح لَا يشرب النَّبِيذ وَكَانَ الرشيد دَعَاهُ إِلَيْهِ فَامْتنعَ فَلَمَّا رأى عبد الْملك حَالَة جَعْفَر دَعَا غُلَامه فَنَاوَلَهُ سوَاده وقلنسوته فِي بَاب الْمجْلس الَّذِي كنّا فِيهِ وسلّم وَقَالَ أشركونا فِي أَمركُم وافعلوا بِنَا فعلكم بِأَنْفُسِكُمْ فَجَاءَهُ خَادِم فألبسه حريرة واستدعى بِطَعَام فَأكل وبنبيذٍ فَأتى برطل فَشرب مِنْهُ ثمَّ قَالَ لجَعْفَر وَالله مَا شربته قبل الْيَوْم ليخفَّف عني
فَأمر أَن يَجْعَل بَين يَدَيْهِ باطيةٌ يشرب مِنْهَا مَا يَشَاء وتضمَّخ بالخلوق ونادمنا أحسن منادمة وَكَانَ كلما فعل من هَذَا شَيْئا سرّي عَن جَعْفَر فَلَمَّا أَرَادَ الانصارف قَالَ لَهُ جَعْفَر اذكر حوائجك فإنني مَا أَسْتَطِيع مُقَابلَة مَا كَانَ مِنْك قَالَ إِن فِي قلب أَمِير الْمُؤمنِينَ عليَّ موجدةً فتخرجها من قلبه وتعيده إِلَى جميل رَأْيه فيّ قَالَ قد رَضِي عَنْك أَمِير الْمُؤمنِينَ وَزَالَ مَا عِنْده عَنْك فَقَالَ وعليّ أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم دينا قَالَ تقضى عَنْك وَإِنَّهَا لحاضرةٌ وَلَكِن كَونهَا من مَال أَمِير الْمُؤمنِينَ أشرف لَك وأدلُّ على حسن مَا عِنْده لَك قَالَ وَإِبْرَاهِيم ابْني أُرِيد أرفع قدره بصهر من ولد الْخلَافَة قَالَ زوّجه أَمِير الْمُؤمنِينَ إبنته الْعَالِيَة قَالَ وأوثر التَّنْبِيه على مَوْضِعه بِرَفْع لواءٍ على رَأسه قَالَ قد ولاّه أَمِير الْمُؤمنِينَ مصر وَخرج عبد الْملك وَنحن)
متعجبون من قَول جَعْفَر وإقدامه من غير اسْتِئْذَان فِيهِ وركبنا من الْغَد إِلَى بَاب الرشيد وَدخل جَعْفَر وقفنا فَمَا كَانَ بأسرع من أَن دعِي بِأبي يُوسُف القَاضِي وَمُحَمّد بن الْحسن وَإِبْرَاهِيم بن عبد الْملك وَلم يكن بأسرع من خُرُوج إِبْرَاهِيم وَالْخلْع عيه واللواء بَين يَدَيْهِ وَقد عقد لَهُ على الْعَالِيَة بنت الرشيد وحملت إِلَيْهِ وَمَعَهَا المَال إِلَى منزل عبد الْملك بن صَالح وَخرج جَعْفَر فتقدَّم إِلَيْنَا باتّباعه إِلَى منزله وصرنا مَعَه فَقَالَ أَظن قُلُوبكُمْ تعلّقت بأوّل أَمر عبد الْملك بأحببتنم علم آخِره قُلْنَا هُوَ كَذَلِك فَقَالَ وقفت بَين يَدي أَمِير الْمُؤمنِينَ وعرَّفته مَا كَانَ من أَمر عبد الْملك من ابْتِدَائه إِلَى انتهائه وَهُوَ يَقُول أحسن أحسن فَمَا صنعت مَعَه فعرَّفته مَا كَانَ من قولي فاستصوبه وأمضاه وَكَانَ مَا رَأَيْتُمْ فَقَالَ إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي فوَاللَّه مَا أَدْرِي أَيهمْ أعجب فعلا عبد الْملك فِي شربه النَّبِيذ ولباسه مَا لَيْسَ من لبسه وَكَانَ رجل جدٍّ وتعفف ووقار وناموس أَو إقدام جَعْفَر على الرشيد بِمَا أقدم أَو إِمْضَاء الرشيد مَا حكم بِهِ جَعْفَر وَحكى القادسيّ فِي أخبارالوزير أَن جعفراً اشْترى جَارِيَة بِأَرْبَعِينَ ألف دِينَار فَقَالَت لبائعها اذكر مَا عاهدتني عَلَيْهِ أَنَّك لَا تَأْكُل لي ثمنا فَبكى مَوْلَاهَا وَقَالَ اشْهَدُوا أَنَّهَا حرَّة وَقد تَزَوَّجتهَا فوهب لَهُ جَعْفَر المَال وَلم يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا قَالَ ابْن خلكان رَحمَه الله تَعَالَى وَبلغ من علو الْمنزلَة عِنْده مَا لم يبلغهُ سواهُ حَتَّى أَن الرشيد اتخذ ثوبا لَهُ زيقان فَكَانَ يلْبسهُ هُوَ وجعفر جملَة وَلم يكن للرشيد عَنهُ صَبر وَكَانَ الرشيد أَيْضا شَدِيد الْمحبَّة لأخته العبَّاسة ابْنة الْمهْدي وَهِي من أعزّ النِّسَاء عيه وَلَا يقدر على مفارقتها وَكَانَ مَتى مَا غَابَ أَحدهمَا لَا يتمّ لَهُ سرُور فَقَالَ يَا جَعْفَر إِنَّه لَا يتمُّ لي سرُور إلاّ بك وبالعباسة
وَإِنِّي سأزوجك مِنْهَا ليحلَّ لكل مِنْكُمَا أَن تجتمعا وَلَكِن إياكما أَن تجتمعا وَأَنا دونكما فتزوّجها على هَذَا الشَّرْط فاتفق أَن العبّاسة أحبت جعفراً وراودته فَأبى وَخَافَ فَلَمَّا أعيتها الْحِيلَة بعثت إِلَى عتابة أم جَعْفَر أَن أرسليني إِلَى جَعْفَر كأنيجارية من جواريك الَّتِي ترسلين إِلَيْهِ وَكَانَت أمه ترسل إِلَيْهِ كل جُمُعَة جَارِيَة بكرا عذراء وَكَانَ لَا يطَأ الْجَارِيَة حَتَّى يَأْخُذ شَيْئا من النَّبِيذ فَبت عَلَيْهَا أم جَعْفَر فَقَالَت لَئِن لم تفعلي لأذكرن لأخي أَنَّك خاطبتيني بَكَيْت وَكَيْت وَلَئِن اشْتَمَلت من ابْنك على ولدٍ ليكوننَّ لكم الشّرف وَمَا عَسى أخي أَن يفعل إِذا علم أمرنَا فأجابتها أم جَعْفَر وَجعلت تعد ابْنهَا أَنَّهَا تهدي إِلَيْهِ جَارِيَة حسناء عِنْدهَا من هيئتها وَمن صفتهَا وَهُوَ يطالبها بالعدة حَتَّى علمت أَنه قد اشتاق إِلَيْهَا فَأرْسلت إِلَى العباسة أَن تهيِّىء اللَّيْلَة فأدخلتها على جَعْفَر وَكَانَ لم يثبت صورتهَا لِأَنَّهُ لم يكن)
رأها إِلَّا عِنْد الرشيد وَكَانَ لَا يرجع طرفه إِلَيْهَا مَخَافَة فَلَمَّا قضى وطره مِنْهَا قَالَت لَهُ كَيفَ رَأَيْت خديعة بَنَات الْمُلُوك فَقَالَ وَأي بنت ملك أَنْت قَالَت أَنا مولاتك العبّاسة فطار السكر من رَأسه وَذهب إِلَى أمّه وَقَالَ يَا أمّاه بعتيني رخيصاً واشتملت العباسة مِنْهُ على ولد وَلما وَلدته وكلت بِهِ غُلَاما يسمَّى رياشاً وحاضنة يُقَال لَهَا برَّة وَلما خَافت ظُهُور الْأَمر بعثتهم إِلَى مَكَّة
وَكَانَ يحيى أَبُو جَعْفَر ينظر على قصر الرشيد وَحرمه ويغلق أَبْوَاب الْقصر وينصرف بالمفاتيح حَتَّى ضيٌّ على حرم الرشيد فشكته زبيدة إِلَى الرشيد فَقَالَ لَهُ يَا أبه مالزبيدة تشكوك قَالَ أمتَّهمٌ أَنا فِي حَرمك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لَا قَالَ فَلَا تقبل قَوْلهَا فيّ وَزَاد يحيى عَلَيْهَا غلظة وتشديداً فشكته إِلَى الرشيد فَقَالَ يحيى عِنْدِي غير متّهم فِي حرمي قَالَت فَلم لَا يحفظ ابْنه مِمَّا ارْتَكَبهُ قَالَ وَمَا هُوَ فخبَّرته بِخَبَر العبّاسة فَقَالَ وَهل على ذَلِك دَلِيل قَالَت وَأي دَلِيل أدلّ من الْوَلَد قَالَ وَأَيْنَ هُوَ قَالَت بعثته إِلَى مَكَّة قَالَ أوعلم بذلك سواك قَالَت لم يبْق بِالْقصرِ جَارِيَة إلاّ وَعرفت بِهِ فَسكت عَنْهَا وَأظْهر الْحَج فَخرج وَمَعَهُ جَعْفَر فَكتبت العبّاسة إِلَى الْخَادِم والداية بِالْخرُوجِ بِالصَّبِيِّ إِلَى الْيمن وَوصل الرشيد إِلَى مَكَّة فبحث عَن أَمر الصَّبِي فَوَجَدَهُ صَحِيحا فأضمر السوء للبرامكة
وَقيل بل سلّم الرشيد إِلَى جَعْفَر يحيى بن عبد الله بن الْحُسَيْن الْخَارِجِي عَلَيْهِ وحبسه عِنْده فَدَعَا بِهِ يحيى إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ يَا جَعْفَر اتَّقِ الله فِي أَمْرِي وَلَا تتعرضنَّ أَن يكون خصمك جدِّي مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فوَاللَّه مَا أحدثت حَدثا فرقّ لَهُ جَعْفَر وَقَالَ اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت من الْبِلَاد
قَالَ أَخَاف أَن أوخذ فأردّ فَبعث مَعَه من أوصله إِلَى مأمنه وَبلغ الْخَبَر الرشيد فَدَعَا بِهِ وطاوله الحَدِيث فَقَالَ يَا جَعْفَر مَا فعل يحيى قَالَ بِحَالهِ قَالَ بحيات فَوَجَمَ وأحجم وَقَالَ لَا وحياتك أطلقته حَيْثُ علمت أَن لَا سوء عِنْد فَقَالَ نعم الْفِعْل وَمَا عددت مَا فِي نَفسِي فلمّا نَهَضَ جَعْفَر أتبعه بَصَره وقلا قتلني الله إِن لم أَقْتلك
وَقد اخْتلف النَّاس اخْتِلَافا كثيرا فِي سَبَب إِيقَاع الرشيد بالبرامكة وَسُئِلَ سعيد بن سَالم عَن ذَلِك فَقَالَ وَالله مَا كَانَ مِنْهُم مَا وَيجب بعض عمل الرشيد بهم وَلَكِن طَالَتْ أيامهم وكل طَوِيل
مملول وَالله لقد استطال النَّاس الَّذين هم خِيَار النَّاس أَيَّام عمر بن الْخطاب رضي الله عنه وَمَا رَأَوْا مثلهَا عدلا وَأمنا وسعة أَمْوَال وفتوح وَأَيَّام عُثْمَان رضي الله عنه حَتَّى قتلوهما
وَرَأى الرشيد مَعَ ذَلِك أنس النِّعْمَة بهم وَكَثْرَة حمد النَّاس لَهُم ورميهم بِأَمْوَالِهِمْ دونه والملوك)
تنافس بِأَقَلّ من هَذَا فتعنَّت عَلَيْهِم وتجنَّى وَطلب مساوئهم وَوَقع مِنْهُم بعض الإدلال خَاصَّة جَعْفَر وَالْفضل دون يحيى فَإِنَّهُ كَانَ أحكم خبْرَة وَأكْثر ممارسةً للأمور ولاذ من أعدائهم بالرشيد كالفضل بَين الرّبيع فستروا المحاسن وأظهروا القبائح حَتَّى كَانَ مَا كَانَ
وَقَالَ والواقدي نزل الرشيد الْعُمر بِنَاحِيَة الأنبار سنة سبع وَثَمَانِينَ ومئة منرفاً من مَكَّة وَغَضب على البرامكة وَقتل جعفراً فِي أول يَوْم من صفر وصلبه على الجسر بِبَغْدَاد وَجعل رَأسه على الجسر وَفِي الْجَانِب الآخر جسده انْتهى وَقَالَ غَيره دَعَا الرشيد ياسراً غُلَامه وَقَالَ قد انتخبتك لأمر لم أر لَهُ مُحَمَّدًا أَلا وَلَا عبد الله وَلَا الْقَاسِم فحقّق ظَنِّي وَاحْذَرْ أَن تخَالف فتهلك فَقَالَ لَو أَمرتنِي بقتل نَفسِي لفَعَلت فَقَالَ اذْهَبْ إِلَى جَعْفَر بن يحيى وجئني بِرَأْسِهِ السَّاعَة فَوَجَمَ لَا يحير جَوَابا فَقَالَ مَالك وَيلك فَقَالَ الْأَمر عَظِيم وددت أنني متُّ قبل وقتي هَذَا فَقَالَ لَهُ أمض لأمري فمضي حَتَّى دخل على جَعْفَر وَأَبُو زكّار بغنيه من الوافر
(فَلَا تبعد فَكل فَتى سَيَأْتِي
…
عَلَيْهِ الْمَوْت يطْرق أَو يغادي)
(وكل ذخيرةٍ لَا بُد يَوْمًا
…
وَإِن بقيت تصير إِلَى نفاد)
(وَلَو فوديت من حدث اللَّيَالِي
…
فديتك بالطرَّيف وبالتلاد)
فَقَالَ لَهُ يَا يَاسر سررتني بإقبالك وسؤتني بدخولك من غير إِذن قَالَ الْأَمر أكبر من ذَلِك قد أَمرنِي أَمِير الْمُؤمنِينَ بِكَذَا كَذَا فَأقبل جَعْفَر يقبل قدمي يَاسر وَقَالَ دَعْنِي أَدخل أوصِي قَالَ لَا سَبِيل إِلَيْهِ أوص بِمَا شيئت قَالَ لي عَلَيْك حق وَلَا تقدر على مكافأتي إلاّ فِي هَذِه السَّاعَة فَقَالَ تجدني سَرِيعا إلاّ فِيمَا يُخَالف أَمر أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ فَارْجِع فَأعلمهُ بقتلي فَإِن نَدم كَانَت حَياتِي على يدك وإلاّ أنفذت أمره فيَّ قَالَ لَا أقدر قَالَ فأسير مَعَك إِلَى مضربه وأسمع كَلَامه ومراجعتك فَإِن أصرَّ فعلت قَالَ أمّا هَذَا فَنعم وسارا إِلَى مضرب الرشيد فَلَمَّا سمع حسِّه قَالَ لَهُ مَا وَرَاءَك فَذكر لَهُ قَول جَعْفَر قَالَ يَا ماصّ بظر أمّه وَالله لَئِن راجعتني لأقدّمنك قبله فَرجع وَقَتله وجاءه بِرَأْسِهِ فَلَمَّا وَضعه بَين يَدَيْهِ أقبل عَلَيْهِ مليّاً وَقَالَ يَا يَاسر جئني بفلان وَفُلَان فَلَمَّا أَتَاهُ بهما قَالَ لَهما اضربا عنق يَاسر فَلَا أقدر أرى قَاتل جَعْفَر ذكر ذَلِك ابْن بدرون فِي شرح قصيدة ابْن عبدون وَأكْثر الشُّعَرَاء فِي مراثيهم الْأَقْوَال فَمن ذَلِك قَول الرِّقاشي من الوافر
)
(هَذَا الخالون من شجوي فَنَامُوا
…
وعيني لَا يلائمها مَنَام)
(وَمَا سهرت لِأَنِّي مستهامٌ
…
إِذا أرق المحبُّ المستهام)
(ولكنّ الوادث أرّقتني
…
فلي سهرٌ إِذا هجد النيِّام)
(أصبت بسادةٍ كَانُوا نجوماً
…
بهم نسقى إِذا انْقَطع الْغَمَام)
مِنْهَا
(على الْمَعْرُوف وَالدُّنْيَا جَمِيعًا
…
لدولة آل برمكٍ السَّلام)
(فَلم أر قبل قَتلك يَا بن يحيى
…
حساماً فلَّه السَّيْف الحسام)
(أما وَالله لَوْلَا خوف واشٍ
…
وعينٌ للخليفة لَا تنام)
(لطفنا حول جذعك واستلمنا
…
كَمَا للنَّاس بِالْحجرِ استلام)
وَقَالَ يرثيه وأخاه الْفضل من الطَّوِيل
(أَلا إِن سَيْفا برمكياً مهنداً
…
أُصِيب بسيفٍ هاشميّ مهند)
(فَقل للمطايا بعد فضلٍ تعطّلي
…
وَقل للرّزايا كل يَوْم تجدَّدي)
قَالَ دعبل الخزاعيّ من الطَّوِيل
(وَلما رَأَيْت السَّيْف جلّل جعفراً
…
ونادى منادٍ للخليفة فِي يحيى)
(بَكَيْت على الدُّنْيَا وأيقنت أَنه
…
قصارى الْفَتى مِنْهَا مُفَارقَة الدُّنْيَا)
وَقَالَ صَالح بن طَرِيق من الرمل
(يَا بني برمك واهاً لكم
…
ولأيامكم المقتبله)
(كَانَت الدُّنْيَا عروساً بكم
…
وَهِي الْيَوْم ثكولٌ أرمله)
وَقَالَ الْأَصْمَعِي وجَّه إليّ الرشيد بعد قَتله جعفرٍ فَجئْت فَقَالَ أَبْيَات أردْت أَن تسمعها فَقلت إِذا شَاءَ أَمِير الْمُؤمنِينَ فأنشدين من الْكَامِل
(لَو أنّ جَعْفَر خَافَ أَسبَاب الردى
…
لنجابه مِنْهَا طمرٌ ملجم)
(ولكان من حذر الْمنية حَيْثُ لَا
…
يَرْجُو اللَّحاق بِهِ الْعقَاب القشعم)
(لكنه لما أَتَاهُ يَوْمه
…
لم يدْفع الْحدثَان عَنهُ منجِّم)
فَعلمت أَنَّهَا لَهُ فَقلت إِنَّهَا أحسن أَبْيَات فِي مَعْنَاهَا فَقَالَ إلحق الْآن بأهلك يَابْنَ قريب إِن شِئْت وَبعث الرشيد بعد قتلة جَعْفَر إِلَى يحيى وَالْفضل أبي جَعْفَر وأخيه وحبسهما فِي حبس)
الزَّنَادِقَة وَقتل مِنْهُم فِي يَوْم وَاحِد على مَا قيل ألفٌ وَخَمْسمِائة برمكي وَكَانَ الرشيد بعد ذَلِك إِذا ذكرُوا عِنْده بِسوء أنْشد من الطَّوِيل
(أقلّوا عَلَيْهِم لَا أَبَا لأبيكم
…
من اللّوم أَو سدُّوا الْمَكَان الَّذِي سدّوا)
وَحكى ابْن بدرون أَن عليَّة بنت الْمهْدي قَالَت للرشيد بعد إِيقَاعه بالبرامكة يَا سَيِّدي مَا رَأَيْت لَك يَوْم سرُور تَامّ مُنْذُ قتلت جَعْفَر فلأيّ شَيْء قَتله قَالَ لَهَا يَا حَياتِي لَو علمت أنّ قَمِيصِي يعلم السَّبَب فِي ذَلِك لمزقته وَقيل إِنَّه رفعت إِلَى الرشيد قصةٌ لم يعرف رافعها وفيهَا من السَّرِيع
(قل لأمين الله فِي أرضه
…
وَمن إِلَيْهِ الحلُّ وَالْعقد)
(هَذَا ابْن يحيى قد غدامالكا
…
مثلك مَا بَيْنكُمَا حدُّ)
(أَمرك مَرْدُود إِلَى أمره
…
وَأمره لَيْسَ لَهُ رد)
وَقد بنى الدَّار الَّتِي مَا بنى الْفرس لَهَا مثيلاً وَلَا الْهِنْد
(الدّرّ الْيَاقُوت حصباؤها
…
وتربها العنبر والندُّ)
(وَنحن نخشى أَنه وَارِث
…
ملك ان غيبك اللَّحْد)
(وَلنْ يباهي العَبْد أربابه
…
إِلَّا إِذا مَا بطر العَبْد)
فَوقف الرشيد عَلَيْهَا وأضمر لَهُ السوء وَلأبي نواس من الهزج أَلا قل لأمين الله وَابْن القادة السَّاسه إِذا مَا ناكث سرك أَن تثكله رَأسه
(فَلَا تقتله بِالسَّيْفِ
…
وزوَّجه بعبّاسه)
وَهَذَا يدل على أَن السَّبَب هُوَ مَا تقدم من ذكر اخته عبّاسة وَقَالَ مُحَمَّد بن غسّان بن عبد الرَّحْمَن صَاحب صَلَاة الْكُوفَة دخلت عَليّ والدتي يَوْم نحر فَوجدت عِنْدهَا امْرَأَة بَرزَة فِي ثِيَاب رثَّة فَقَالَت والدتي أتعرف هَذِه قلت لَا قَالَت هَذِه عتابة أم جَعْفَر الْبَرْمَكِي فَأَقْبَلت عَلَيْهَا بوجهي وأكرمتها وتحادثنا سَاعَة ثمَّ قلت يَا أمّاه مَا أعجب مَا رَأَيْت قَالَت لقد أَتَى عليَّ عمد مثل هَذَا وعَلى رَأْسِي أربعمئة وصيفة وَإِنِّي لأعدُّ ابْني عاقاً لي وَلَقَد أَتَى عليّ هَذَا الْعِيد وَمَا مناي إلاّ جلد شَاتين أفترش أَحدهمَا وألتحف الآخر قَالَ فَدفعت لَهَا خمسمئة دِرْهَم فَكَادَتْ تَمُوت فَرحا وَلم تزل تخْتَلف إِلَيْنَا حَتَّى فرّق الدَّهر بَيْننَا قَالَ المرزباني فِي مُعْجم الشُّعَرَاء)
كتب الرشيد إِلَيْهِ لثلاث بَقينَ من شعْبَان فِي رِوَايَة الْغلابِي من الْخَفِيف
(سل عَن الصَّوْم يَا بن يحيى تَجدهُ
…
راحلاً نحونا من النهروان)
لنصون المدام شهرا ونلقى الهجر من الْأَصْوَات والعيدان
(فأتنا نصطبح ونله كِلَانَا
…
فِي ثلاثٍ بَقينَ فِي شعْبَان)
فَصَارَ إِلَيْهِ وَقَالَ