المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب أشراط الساعة قال الله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ - إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة - جـ ٢

[حمود بن عبد الله التويجري]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب أشراط الساعة

- ‌معنى الساعة

- ‌بابما جاء في ضعف الإيمان وقلته في آخر الزمان

- ‌بابما جاء في رفع الأمانة والحياء

- ‌بابما جاء في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌بابفي عودة العلم جهلًا والجهل علمًا

- ‌بابما جاء في الذين يفتخرون بالقراءة والعلم

- ‌بابما جاء في الذين يتكلفون في قراءة التجويد

- ‌بابما جاء في قلة المال الحلال

- ‌بابما جاء في الزمان العضوض

- ‌بابما جاء في ظهور الزنا وكثرته

- ‌بابما جاء في استحلال الخمر بتغيير اسمها

- ‌بابما جاء في التطاول في البنيان

- ‌بابما جاء في الكنز الذي يقتتل عنده أبناء الخلفاء

- ‌بابما جاء في قيء الأرض للذهب والفضة

- ‌بابما جاء في التباغض والتلاعن وظهور العداوة

- ‌بابما جاء في الخسف ببعض المعادن

- ‌بابما جاء في خروج النار

- ‌بابما جاء في المهدي

- ‌بابما جاء في القحطاني

- ‌بابما جاء في تتابع الآيات

- ‌بابما جاء في أول الآيات خروجًا

- ‌باب‌‌ما جاء في ابن صياد

- ‌ما جاء في ابن صياد

- ‌بابمن أين يخرج الدجال

- ‌بابفي سبب خروج الدجال

- ‌بابالأمر بالمبادرة بالأعمال قبل خروج الدجال

- ‌بابفيما يعصم من الدجال

- ‌بابفي أشد الناس على الدجال

الفصل: ‌ ‌كتاب أشراط الساعة قال الله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ

‌كتاب أشراط الساعة

قال الله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} .

قال الجوهري وغيره من أهل اللغة: "أشراط الساعة علاماتها". وقال ابن الأثير في "جامع الأصول": "علاماتها ودلائلها التي تتقدم عليها، واحدها: شرط؛ بالفتح". انتهى.

وقد تقدم ذكر جملة كثيرة من أشراط الساعة في الفتن والملاحم.

و (الساعة) : اسم ليوم القيامة. قال الزجاج: "‌

‌معنى الساعة

في كل القرآن: الوقت الذي تقوم فيه القيامة ". قال ابن الأثير: "يريد أنها ساعة خفيفة، يحدث فيها أمر عظيم، فلقلة الوقت الذي تقوم به سماها ساعة". انتهى.

باب

أن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة

قال الحسن البصري: "بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة".

ذكره ابن كثير في "تفسيره"، وقال:"هو كما قال".

وقال ابن كثير أيضا: "بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة؛ لأنه خاتم

ص: 5

الرسل الذي أكمل الله به الدين وأقام به الحجة على العالمين".

وقال البغوي في "تفسيره": "وكان النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة".

وذكر الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" عن الضحاك: أنه قال: "أول أشراطها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ".

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه؛ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بإصبعيه هكذا - بالوسطى والتي تلي الإبهام -: «بعثت والساعة كهاتين» .

رواه: الإمام أحمد، والشيخان، واللفظ للبخاري.

وفي رواية له عن سهل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين (ويشير بإصبعيه فيمدهما) » .

وفي رواية لأحمد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مثلي ومثل الساعة كهاتين (وفرق بين إصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام) ، ثم قال: مثلي ومثل الساعة كمثل فرسي رهان، ثم قال: مثلي ومثل الساعة كمثل رجل بعثه قومه طليعة، فلما خشي أن يسبق؛ ألاح بثوبه: أتيتم أتيتم، ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا ذلك» .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والشيخان، والترمذي.

زاد مسلم: قال شعبة: "وسمعت قتادة يقول في قصصه: "كفضل إحداهما على الأخرى"؛ فلا أدري أذكره عن أنس أو قاله قتادة؟ ".

وفي رواية له عن معبد (وهو ابن هلال) عن أنس رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين» . قال: وضم السبابة والوسطى.

ص: 6

وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين (وجمع بين إصبعيه) » .

رواه: البخاري، وابن ماجه، وهذا لفظه.

وعن جبر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم، ويقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين"، ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى» .

رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وابن ماجه.

وعن المستورد بن شداد الفهري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «بعثت أنا في نفس الساعة، فسبقتها كما سبقت هذه هذه (لأصبعيه السبابة والوسطى) » .

رواه الترمذي، وقال:"هذا حديث غريب".

قال الحافظ ابن حجر: "قوله: "في نفس"؛ بفتح الفاء، وهو كناية عن القرب؛ أي: بعثت عند نفسها". انتهى.

وعن بريدة رضي الله عنه؛ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «بعثت أنا والساعة جميعا، إن كادت لتسبقني» .

رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط مسلم.

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما؛ قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعيه ويقول: "بعثت أنا والساعة كهذه من هذه» .

رواه الإمام أحمد، وإسناده حسن.

ورواه ابن جرير ولفظه: قال: «كأني أنظر إلى إصبعي رسول الله صلى الله عليه وسلم،»

ص: 7

«أشار بالمسبحة والتي تليها وهو يقول: "بعثت أنا والساعة كهذه من هذه» . وفي رواية: «وجمع بين إصبعيه السبابة والوسطى» .

وفي هذه الأحاديث على اختلاف ألفاظها إشارة إلى قلة المدة التي بين بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وبين قيام الساعة.

قال عياض وغيره: "والتفاوت إما في المجاورة وإما في قدر ما بينهما، ويعضده (أي: القول الأخير) قوله: "كفضل إحداهما على الأخرى". وقال القرطبي في "المفهم": "حاصل الحديث تقريب أمر الساعة، وسرعة مجيئها". وقال البيضاوي:"معناه أن نسبة تقدم البعثة النبوية على قيام الساعة كنسبة فضل إحدى الإصبعين على الأخرى". ورجح الطيبي هذا القول. ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في "فتح الباري".

باب

في ذكر كثير من أشراط الساعة

عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه؛ قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فقال: "اعدد ستا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم مَوَتَان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا» .

رواه: الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، والبخاري، وابن ماجه، والحاكم

ص: 8

مختصرا ومطولا، وهذا لفظ البخاري، وقد ذكرت ألفاظه في (باب الملحمة الكبرى) ؛ فليراجع هناك.

وفي رواية للحكام: قال: فلما كان عام عمواس؛ زعموا أن عوف بن مالك رضي الله عنه قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: "اعدد ستا بين يدي الساعة"؛ فقد كان منهن الثلاث، وبقي الثلاث. فقال معاذ: إن لهذا مدة، ولكن "خمس أظلتكم، من أدرك منهن شيئا، ثم استطاع أن يموت؛ فليمت: أن يظهر التلاعن على المنابر، ويعطى مال الله على الكذب والبهتان، وسفك الدماء بغير حق، وتقطع الأرحام، ويصبح العبد لا يدري أضال هو أم مهتد؟ !» .

قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن معاذ بن جبل وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث عوف بن مالك رضي الله عنه، وقد تقدم ذكرهما في (كتاب الملاحم) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة، دعوتهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج (وهو القتل) ، وحتى يكثر فيكم المال فيفيض، حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه! وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس؛ آمنوا أجمعون؛ فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، ولتقومن»

ص: 9

«الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها» .

رواه البخاري بهذا اللفظ، وقد روى الإمام أحمد ومسلم بعضه مفرقا.

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن الساعة. قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان..........» الحديث.

رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأهل السنن، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح".

وقد رواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه:«قال: فمتى الساعة؟ قال: سبحان الله! ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن إن شئت نبأتك عن أشراطها. قال: أجل. قال: إذا رأيت الحفاة العراة يتطاولون في البناء وكانوا ملوكا. قال: ما العالة الحفاة العراة؟ قال: العُرَيب. قال: وإذا رأيت الأمة تلد ربها؛ فذاك من أشراط الساعة. قال: صدقت» .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربها؛ فذاك من أشراطها، وإذا كانت العراة الحفاة رؤوس الناس؛ فذاك من أشراطها، وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان؛ فذاك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن إلا الله (ثم تلى صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} » .

ص: 10

رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وابن ماجه. وفي رواية أحمد:«وإذا كانت العراة الحفاة الجفاة رؤوس الناس؛ فذاك من أشراطها» . وفي رواية مسلم: «وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض؛ فذاك من أشراطها» .

وعن أبي هريرة وأبي ذر رضي الله عنهما: «أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا محمد! أخبرني متى الساعة؟ قال: فنكس فلم يجبه شيئا. ثم أعاد، فلم يجبه شيئا. ثم أعاد، فلم يجبه شيئا، ورفع رأسه، فقال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن لها علامات تُعرف بها: إذا رأيت الرعاء البهم يتطاولون في البنيان، ورأيت الحفاة العراة ملوك الأرض، ورأيت المرأة تلد ربها، خمس لا يعلمها إلا الله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} » .

رواه النسائي.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: حدثني متى الساعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله! في خمس من الغيب لا يعلمهن إلا هو {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ، ولكن إن شئت حدثتك بمعالم لها دون ذلك. قال: أجل يا رسول الله! فحدثني. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيت الأمة ولدت ربتها (أو ربها) ، ورأيت أصحاب الشاء تطاولوا بالبنيان، ورأيت الحفاة الجياع العالة كانوا رؤوس الناس؛ فذلك من معالم الساعة وأشراطها. قال: يا رسول الله! ومن أصحاب الشاء والحفاة الجياع العالة؟ قال: العرب» .

رواه الإمام أحمد، وفي إسناده شهر بن حوشب، وهو ثقة وفيه كلام،

ص: 11

وبقية رجاله ثقات.

وعن عامر (أو: أبي عامر، أو: أبي مالك) رضي الله عنه: «أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله! خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ) ، ولكن إن شئت حدثتك بعلامتين تكونان قبلها. فقال: حدثني. فقال: إذا رأيت الأمة تلد ربها، ويطول أهل البنيان بالبنيان، وعاد العالة الحفاة رؤوس الناس. قال: ومن أولئك يا رسول الله؟ قال: العريب» .

رواه الإمام أحمد، وفي إسناده شهر بن حوشب، وهو ثقة وفيه كلام، وبقية رجاله ثقات.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من اقتراب الساعة أن ترفع الأشرار وتوضع الأخيار، ويفتح القول ويخزن العمل، ويقرأ في القوم المثناة ليس فيهم أحد ينكرها. قيل: وما المثناة؟ قال: "ما اكتتبت سوى كتاب الله عز وجل» .

قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه". وقد رواه الطبراني بنحوه. قال الهيثمي:"ورجاله رجال الصحيح".

قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه "غريب الحديث"(282\4) : "سألت رجلا من أهل العلم بالكتب الأولى، قد عرفها وقرأها عن المثناة؟ فقال: إن الأحبار والرهبان من بني إسرائيل بعد موسى وضعوا كتابا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله تبارك وتعالى، فسموه المثناة، كأنه يعني أنهم أحلوا فيه

ص: 12

ما شاؤوا، وحرموا ما شاؤوا، على خلاف كتاب الله تبارك وتعالى ". انتهى.

وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنت يا عوف إذا افترقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وسائرهن في النار؟ قلت: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: "إذا كثرت الشرط، وملكت الإماء، وقعدت الحملان على المنابر، واتخذ القرآن مزامير، وزخرفت المساجد، ورفعت المنابر، واتخذ الفيء دولا، والزكاة مغرما، والأمانة مغنما، وتفقه في الدين لغير الله، وأطاع الرجل امرأته وعق أمه وأقصى أباه، ولعن آخر هذه الأمة أولها، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل اتقاء شره؛ فيومئذ يكون ذلك، ويفزع الناس إلى الشام، وإلى مدينة منها يقال لها: دمشق؛ من خير مدن الشام، فتحصنهم من عدوهم ".

قلت: وهل تفتح الشام؟ قال: "نعم؛ وشيكا، ثم تقع الفتن بعد فتحها، ثم تجيء فتنة غبراء مظلمة، ثم يتبع الفتن بعضها بعضا، حتى يخرج رجل من أهل بيتي يقال له: المهدي، فإن أدركته فاتبعه، وكن من المهتدين» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه عبد الحميد بن إبراهيم، وثقه ابن حبان وهو ضعيف، وفيه جماعة لم أعرفهم".

(الحملان) ؛ بضم الحاء: جمع حمل؛ بفتح الحاء والميم، وهو الجذع من ولد الضأن فما دونه، والمراد هاهنا الصبيان، وإنما شبهوا بالصغار من أولاد الضأن تحقيرا لهم وتصغيرا لشأنهم، وأنهم ليسوا بأهل القعود على المنابر. والله أعلم.

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة؛ حل بها البلاء". قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: "إذا كان المغنم دولا، والأمانة مغنما، والزكاة مغرما، وأطاع الرجل»

ص: 13

«زوجته، وعق أمه، وبر صديقه، وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وشربت الخمور، ولبس الحرير، واتخذت القينات والمعازف، ولعن آخر هذه الأمة أولها؛ فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء أو خسفًا أو مسخًا» .

رواه الترمذي، وقال:"هذا حديث حسن غريب".

وقد رواه ابن أبي الدنيا، وعنده:«فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء أو خسفًا أو مسخًا» .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اتخذ الفيء دولًا، والأمانة مغنمًا، والزكاة مغرمًا، وتُعُلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته، وعق أمه، وأدنى صديقه، وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأُكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف، وشُربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها؛ فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء وزلزلة وخسفًا ومسخًا وقذفًا، وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع» .

رواه الترمذي، وقال:"هذا حديث حسن غريب".

وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة، إذا رأيتم الناس أماتوا الصلاة، وأضاعوا الأمانة، وأكلوا الربا، واستحلوا الكذب، واستخفوا بالدماء، واستعلوا البناء، وباعوا الدين بالدنيا، وتقطعت الأرحام، ويكون الحكم ضعفًا، والكذب صدقًا، والحرير لباسًا، وظهر الجور، وكثر الطلاق وموت الفجأة، وائتمن الخائن، وخون الأمين، وصدق الكاذب، وكذب الصادق، وكثر القذف، وكان المطر قيظًا، والولد غيظًا، وفاض اللئام فيضًا، وغاض الكرام غيضًا، وكان الأمراء»

ص: 14

«فجرة، والوزراء كذبة، والأمناء خونة، والعرفاء ظلمة، والقراء فسقة، إذا لبسوا مسوك الضمان، قلوبهم أنتن من الجيفة، وأمر من الصبر، يغشيهم الله فتنة يتهاوكون فيها تهاوك اليهود الظلمة، وتظهر الصفراء (يعني: الدنانير) ، وتطلب البيضاء (يعني: الدراهم) ، وتكثر الخطباء، ويقل الأمر بالمعروف، وحليت المصاحف، وصورت المساجد، وطولت المنابر، وخربت القلوب، وشربت الخمور، وعطلت الحدود، وولدت الأمة ربتها، وترى الحفاة العراة صاروا ملوكًا، وشاركت المرأة زوجها في التجارة، وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، وحلف بغير الله، وشهد المرء من غير أن يستشهد، وسلم للمعرفة، وتفقه لغير الدين، وطلبت الدنيا بعمل الآخرة، واتخذ المغنم دولًا، والأمانة مغنمًا، والزكاة مغرمًا، وكان زعيم القوم أرذلهم، وعق الرجل أباه، وجفا أمه، وبر صديقه، وأطاع امرأته، وعلت أصوات الفسقة في المساجد، واتخذت القينات والمعازف، وشربت الخمور في الطرق، واتخذ الظلم فخرًا، وبيع الحكم، وكثرت الشرط، واتخذ القرآن مزامير، وجلود السباع صفافا، والمساجد طرقًا، ولعن آخر هذه الأمة أولها؛ فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء وخسفًا ومسخًا وقذفًا وآيات» .

رواه أبو نعيم في الحلية بإسناد ضعيف، وله شواهد من حديث علي وأبي هريرة وغيرهما مما تقدم وما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

ولم يذكر فيه سوى سبع وستين خصلة، فلعل الباقي سقط من بعض النساخ، وكل ما فيه قد ظهر مصداقه؛ سوى خصلة أو خصلتين.

قوله: «يتهاوكون تهاوك اليهود» : قال الجوهري: " (التهوك) : التحير، والتهوك أيضًا مثل التهور، وهو الوقوع في الشيء بقلة مبالاة". وقال ابن الأثير: " (التهوك) : كالتهور، وهو الوقوع في الأمر بغير روية، والمتهوك الذي يقع في

ص: 15

كل أمر، وقيل: هو التحير". وقال ابن منظور: "(التهوك) : السقوط في هوة الردى، وإنه لمتهوك لما هو فيه؛ أي: يركب الذنوب والخطايا، والمتهوك: الذي يقع في أكل أمر".

قوله: "وجلود السباع صفافًا": جمع صفة: قال ابن الأثير وابن منظور: "وهي للسرج بمنزلة الميثرة من الرحل".

وعن مكحول عن علي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقتراب الساعة: إذا رأيتم الناس أضاعوا الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلوا الكبائر، وأكلوا الربا، وأخذوا الرشى، وشيدوا البناء، واتبعوا الهوى، وباعوا الدين بالدنيا، واتخذوا القرآن مزامير، واتخذوا جلود السباع صفافا، والمساجد طرقًا، والحرير لباسًا، وكثر الجور، وفشا الزنى، وتهاونوا بالطلاق، وائتمن الخائن، وخون الأمين، وصار المطر قيظًا، والولد غيظًا، وأمراء فجرة، ووزراء كذبة، وأمناء خونة، وعرفاء ظلمة، وقلت العلماء، وكثرت القراء، وقلت الفقهاء، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وطولت المنابر، وفسدت القلوب، واتخذوا القينات، واستحلت المعازف، وشربت الخمور، وعطلت الحدود، ونقصت الشهور، ونقضت المواثيق، وشاركت المرأة زوجها في التجارة، وركب النساء البراذين، وتشبهت النساء بالرجال والرجال بالنساء، ويحلف بغير الله، ويشهد الرجل من غير أن يستشهد، وكانت الزكاة مغرمًا، والأمانة مغنمًا، وأطاع الرجل امرأته، وعق أمه، وأقصى أباه، وصارت الإمارات مواريث، وسب آخر هذه الأمة أولها، وأكرم الرجل اتقاء شره، وكثرت الشرط، وصعدت الجهال المنابر، ولبس الرجال التيجان، وضيقت الطرقات، وشيد البناء، واستغنى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وكثرت خطباء منابركم، وركن علماؤكم إلى ولاتكم؛ فأحلوا لهم الحرام، وحرموا عليهم الحلال، وأفتوهم بما يشتهون، وتعلم علماؤكم العلم ليجلبوا به دنانيركم ودراهمكم،»

ص: 16

«واتخذتم القرآن تجارة، وضيعتم حق الله في أموالكم، وصارت أموالكم عند شراركم، وقطعتم أرحامكم، وشربتم الخمور في ناديكم، ولعبتم بالميسر، وضربتم بالكبر والمعزفة والمزامير، ومنعتم محاويجكم زكاتكم ورأيتموها مغرمًا، وقتل البريء ليغيظ العامة بقتله، واختلفت أهواؤكم، وصار العطاء في العبيد والسقاط، وطففت المكاييل والموازين، ووليت أموركم السفهاء» .

رواه: أبو الشيخ في "الفتن"، والديلمي، وغيرهما.

وقد ذكر فيه ثلاث وسبعون خصلة، منها أربع وأربعون قد ذكرت في حديث حذيفة الذي تقدم ذكره، وتسع وعشرون لم تذكر فيه.

وعن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اقتراب الساعة: إذا كثر خطباء المنابر، وركن علماؤكم إلى ولاتكم، فأحلوا لهم الحرام، وحرموا عليهم الحلال، فأفتوهم بما يشتهون، وتعلم علماؤكم ليجلبوا به دنانيركم ودراهمكم، واتخذتم القرآن تجارة» .

رواه الديلمي.

وعن عتي السعدي؛ قال: "خرجت في طلب العلم حتى قدمت الكوفة، فإذا أنا بعبد الله بن مسعود رضي الله عنه بين ظهراني أهل الكوفة، فسألت عنه فأرشدت إليه؛ فإذا هو في مسجدها الأعظم، فأتيته، فقلت: أبا عبد الرحمن! إني جئت إليك أضرب إليك ألتمس منك علمًا لعل الله أن ينفعنا به بعدك. فقال لي: ممن الرجل؟ قلت: رجل من أهل البصرة. قال: ممن؟ قلت: من هذا الحي من بني سعد. فقال: يا سعدي! لأحدثن فيكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل، فقال: يا رسول الله! ألا أدلك على قوم كثيرة أموالهم، كثيرة شوكتهم، تصيب منهم مالًا كثيرًا؟ قال: من هم؟ قال: هذا الحي من بني سعد من أهل الرمال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مه! فإن بني»

ص: 17

«سعد عند الله ذو حظ عظيم» . سل يا سعدي، قلت: يا أبا عبد الرحمن! هل للساعة من علم تعرف به؟ قال: وكان متكئًا، فاستوى جالسًا، فقال: يا سعدي! سألتني عما سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ «قلت: يا رسول الله! هل للساعة من علم تعرف به؟ قال: "نعم يا ابن مسعود! إن للساعة أعلامًا، وإن للساعة أشراطًا، ألا وإن من أعلام الساعة وأشراطها: أن يكون الولد غيظًا، وأن يكون المطر قيظًا، وأن تفيض الأشرار فيضًا. يا ابن مسعود! إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن يصدق الكاذب، وأن يكذب الصادق. يا ابن مسعود! إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن يؤتمن الخائن، وأن يخون الأمين. يا ابن مسعود! إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن تواصل الأطباق، وأن تقطع الأرحام. يا ابن مسعود! إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن يسود كل قبيلة منافقوها، وكل سوق فجارها. يا ابن مسعود! إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن تزخرف المحاريب، وأن تخرب القلوب. يا ابن مسعود! إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن يكون المؤمن في القبيلة أذل من النقد. يا ابن مسعود! إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن يكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء. يا ابن مسعود! إن من أعلام الساعة وأشراطها: ملك الصبيان، ومؤامرة النساء. يا ابن مسعود! إن من أشراط الساعة وأعلامها: أن يعمر خراب الدنيا، ويخرب عمرانها. يا ابن مسعود! إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن تظهر المعازف، والكبر، وشرب الخمور. يا ابن مسعود! إن من أعلام الساعة وأشراطها أن يكثر أولاد الزنى". قلت: أبا عبد الرحمن! وهم مسلمون؟ ! قال: نعم. قلت: أبا عبد الرحمن! وأنى ذلك؟ ! قال: يأتي على الناس زمان يطلق الرجل المرأة طلاقها، فتقيم على طلاقها؛ فهما زانيان ما أقاما» .

رواه الطبراني في "الأوسط" و "الكبير". قال الهيثمي: "وفيه سيف بن مسكين وهو ضعيف".

ص: 18

قلت: وله شواهد تقويه، وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.

وأيضًا؛ فقد ظهر مصداق أكثر ما ذكر فيه، وشهد الواقع بخروجه من مشكاة النبوة. والله أعلم.

وقد رواه ابن النجار في ترجمة محمد بن علي المحاملي من طريق سيف ابن مسكين - وفيه زيادة ونقص - ولفظه: قال: خرجت في طلب العلم، فقدمت الكوفة؛ فإذا أنا بابن مسعود رضي الله عنه، فقلت له: هل للساعة من علم تعرف به؟ قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: "من أعلام الساعة: أن يكون الولد غيظًا، والمطر قيظًا، وتفيض الأشرار فيضًا، ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين، ويسود كل قبيلة منافقوها، وكل سوق فجارها، وتزخرف المحاريب، وتخرب القلوب، ويكتفي النساء بالنساء، والرجال بالرجال، ويخرب عمران الدنيا، ويعمر خرابها، وتظهر الغيبة وأكل الربا، وتظهر المعازف، والكبر، وشرب الخمر، ويكثر الشرط، والغمازون، والهمازون» .

ورواه البيهقي في كتاب "البعث والنشور" بنحوه، ثم قال:"هذا إسناد فيه ضعف؛ إلا أن كثيرًا من ألفاظه قد روي بأسانيد أخر متفرقة". وقال ابن كثير: "لهذا الحديث شواهد كثيرة". انتهى.

وفي رواية الطبراني: «إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن تكنف المساجد، وأن تعلو المنابر، وإن من أعلام الساعة وأشراطها: أن تكثر الشرط، والهمازون، والغمازون، واللمازون، وأن تكثر أولاد الزنى» .

قوله: "أن تواصل الأطباق"؛ يعني: البعداء والأجانب. قاله ابن الأثير وابن منظور.

و (النقد) : صغار الغنم.

ص: 19

و (الكبر) ؛ بفتح الكاف والباء: هو العود، وقيل الدف، وقيل: هو الطبل ذو الرأسين، وقيل: الطبل الذي له وجه واحد.

قوله: "أن تكنف المساجد": يحتمل أن يكون معناه: تستر أرضها بما يفرش فوقها من البسط وغيرها؛ قال ابن منظور في "لسان العرب": "كل ما ستر فقد كنف، ومنه قيل للمذهب: كنيف، وكل ساتر كنيف". ويحتمل أن يكون معناه: يتخذ لها الكنف؛ قال ابن منظور: "كنف الدار يكنفها كنفًا: اتخذ لها كنيفًا، والكنيف: الخلاء". ويحتمل أن يكون معناه: يجعل على أبوابها ظلة ونحوها؛ قال ابن منظور: "والكنيف: الكنة تشرع فوق باب الدار". قال ابن سيده: "والكنة؛ بالضم: جناح يخرجه من الحائط، وقيل: هي السقيفة تشرع فوق باب الدار، وقيل: الظلة تكون هنالك ". انتهى.

وكل من هذه الأمور الثلاثة واقع في زماننا وقبله، ويحتمل أن يكون المراد غير ذلك. والله أعلم.

قوله: "ويكثر الهمازون والغمازون واللمازون": قال الجوهري: "الهمز مثل اللمز، والهامز والهماز: العياب، والهمزة مثله، يقال: رجل همزة وامرأة همزة". وقال ابن الأثير: "الهمز: الغيبة والوقيعة في الناس وذكر عيوبهم، وقد همز يهمز فهو هماز، وهمزة للمبالغة". وقد ذكر ابن منظور في "لسان العرب" نحو هذا عن الليث؛ قال: "والهمزة: الذي يخلف الناس من ورائهم ويأكل لحومهم، وهو مثل العيبة، ويكون ذلك بالشدق والعين والرأس". انتهى.

وأما الغمز؛ فقال الراغب الأصفهاني: "أصله الإشارة بالجفن أو اليد طلبًا إلى ما فيه معاب، ومنه قيل: ما في فلان غميزة؛ أي: نقيصه مشار بها إليه".

وقال ابن منظور: "الغمز: الإشارة بالعين والحاجب والجفن". قال: "والمغموز المتهم ". انتهى.

ص: 20

وأما اللمز؛ فقال الراغب الأصفهاني: "هو الاغتياب وتتبع المعاب، ورجل لماز ولمزة: كثير اللمز". وقال الجوهري: "اللمز: العيب، وأصله الإشارة بالعين ونحوها، ورجل لماز ولمزة؛ أي: عياب". وقال ابن منظور: "اللمز كالغمز في الوجه، تلمزه بفيك بكلام خفي، ورجل لمزة: يعيبك في وجهك، ورجل همزة: يعيبك بالغيب". قال الزجاج: "الهمزة اللمزة الذي يغتاب الناس ويغضهم". وكذلك قال ابن السكيت، ولم يفرق بينهما. وقال ابن منظور أيضًا:"واللمز: العيب في الوجه، وأصله الإشارة بالعين والرأس والشفة مع كلام خفي، وقيل: هو الاغتياب". قال: "ورجل لماز ولمزة؛ أي: عياب، وكذلك امرأة لمزة، والهاء فيهما للمبالغة لا للتأنيث". ونقل عن الليث أنه قال: "الهماز والهمزة: الذي يهمز أخاه في قفاه من خلفه، واللمز في الاستقبال ".

وعن ابن الأعرابي: "الهمازون: العيابون في الغيب، واللمازون: المغتابون بالحضرة". وقال أبو إسحاق الزجاج: "الهمزة اللمزة: الذي يغتاب الناس ويغضهم "، وأنشد:

"إذا لقيتك عن شحط تكاشرني

وإن تغيبت كنت الهامز اللمزة"

وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: «حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، ثم أخذ بحلقة باب الكعبة، فقال: "أيها الناس! ألا أخبركم بأشراط الساعة؟ " فقام إليه سلمان رضي الله عنه، فقال: أخبرنا فداك أبي وأمي يا رسول الله! قال: "إن من أشراط الساعة: إضاعة الصلاة، والميل مع الهوى، وتعظيم رب المال" فقال سلمان: ويكون هذا يا رسول الله؟ قال: "نعم؛ والذي نفس محمد بيده؛ فعند ذلك يا سلمان تكون الزكاة مغرمًا، والفيء مغنمًا، ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين، ويتكلم الرويبضة" قال: وما الرويبضة؟ قال: "يتكلم في الناس من لم يتكلم، وينكر الحق تسعة أعشارهم، ويذهب الإسلام فلا يبقى إلا اسمه، ويذهب القرآن فلا»

ص: 21

«يبقى إلا رسمه، وتحلى المصاحف بالذهب، وتتسمن ذكور أمتي، وتكون المشورة للإماء، ويخطب على المنابر الصبيان، وتكون المخاطبة للنساء؛ فعند ذلك تزخرف المساجد كما تزخرف الكنائس والبيع، وتطول المنابر، وتكثر الصفوف مع قلوب متباغضة وألسن مختلفة وأهواء جمة" قال سلمان: ويكون ذلك يا رسول الله؟ قال: "نعم؛ والذي نفس محمد بيده. عند ذلك يا سلمان يكون المؤمن فيهم أذل من الأمة، يذوب قلبه في جوفه كما يذوب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيره، ويكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية البكر. فعند ذلك يا سلمان يكون أمراء فسقة، ووزراء فجرة، وأمناء خونة؛ يضيعون الصلاة، ويتبعون الشهوات، فإن أدركتموهم؛ فصلوا صلاتكم لوقتها. عند ذلك يا سلمان يجيء سبي من المشرق وسبي من المغرب، جثاؤهم جثاء الناس، وقلوبهم قلوب الشياطين، لا يرحمون صغيرًا ولا يوقرون كبيرًا. عند ذلك يا سلمان يحج الناس إلى هذا البيت الحرام؛ تحج ملوكهم لهوًا وتنزهًا، وأغنياؤهم للتجارة، ومساكينهم للمسألة، وقراؤهم رياء وسمعة" قال: ويكون ذلك يا رسول الله؟ قال: "نعم، والذي نفسي بيده. عند ذلك يا سلمان يفشو الكذب، ويظهر الكوكب له الذنب، وتشارك المرأة زوجها في التجارة، وتتقارب الأسواق". قال: وما تقاربها؟ قال: "كسادها وقلة أرباحها. عند ذلك يا سلمان يبعث الله ريحًا فيها حيات صفر، فتلتقط رؤساء العلماء لما رأوا المنكر فلم يغيروه". قال: ويكون ذلك يا رسول الله؟ قال: "نعم، والذي بعث محمدًا بالحق» .

رواه ابن مردويه.

وقد رواه القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا في كتابه "الجليس والأنيس" بأبسط من هذا، ولفظه: عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: «لما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع؛ أخذ بحلقتي باب الكعبة، ثم أقبل على الناس، فقال: "يا»

ص: 22

«أيها الناس! ألا أخبركم بأشراط القيامة؟ إن من أشراط القيامة إماتة الصلوات، واتباع الشهوات، والميل مع الهوى، وتعظيم رب المال " قال: فوثب سلمان، فقال: بأبي أنت وأمي إن هذا لكائن؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده، عندها يذوب قلب المؤمن كما يذوب الملح في الماء مما يرى ولا يستطيع أن يغير" قال سلمان: بأبي أنت وأمي إن هذا لكائن؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده؛ عندها يكون المطر قيظًا، والولد غيظًا، ويفيض اللئام فيضًا، ويغيض الكرام غيضًا" قال سلمان: بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده؛ للمؤمن يومئذ أذل من الأمة، فعندها يكون المنكر معروفًا، والمعروف منكرًا، ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين، ويصدق الكذاب، ويكذب الصادق" قال سلمان: بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده؛ عندها يكون أمراء جورة، ووزراء فسقة، وأمناء خونة، وإمارة النساء، ومشاورة الإماء، وصعود الصبيان المنابر" قال سلمان: بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده يا سلمان؛ عندها يليهم أقوام: إن تكلموا قتلوهم ن وإن سكتوا استباحوهم، ويستأثرون بفيئهم، وليطؤن حريمهم، ويجار في حكمهم، ويليهم أقوام جثاهم جثا الناس (قال القاضي أبو الفرج: هو هكذا في الكتاب، والصواب: جثثهم جثث الناس) وقلوبهم قلوب الشياطين؛ لا يوقرون كبيرًا، ولا يرحمون صغيرا " قال سلمان: بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده يا سلمان! عندها تزخرف المساجد كما تزخرف الكنائس والبيع، وتحلى المصاحف، ويطيلون المنابر، ويكثر العقوق، قلوبهم متباغضة، وأهواؤهم جمة، وألسنتهم مختلفة" قال سلمان: بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده، عندها يكون الكذب ظرفًا، والزكاة مغرمًا، ويظهر الرشا، ويكثر الربا، ويتعاملون بالعينة، ويتخذون المساجد طرقًا ". قال سلمان: بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن؟ قال: "إي؛»

ص: 23

«والذي نفسي بيده يا سلمان! عندها تتخذ جلود النمور صفوفًا، ويتحلى ذكور أمتي بالذهب، ويلبسون الحرير، ويتهاونون بالدماء، وتظهر الخمور والقينات والمعازف، وتشارك المرأة زوجها في التجارة". قال سلمان: بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده يا سلمان! عندها يطلع كوكب الذنب، ويكثر السيجان، ويتكلم الرويبضة". قال سلمان: وما الرويبضة؟ قال: "يتكلم في العامة من لم يكن يتكلم، ويحتقن الرجل للسمنة، ويتغنى بكتاب الله عز وجل، ويتخذ القرآن مزامير، ويباع الحكم، ويكثر الشرط". قال سلمان: بأبي وأمي إن هذا لكائن؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده؛ يحج أمراء الناس لهوًا وتنزهًا، وأوساط الناس للتجارة، وفقراء الناس للمسألة، وقراء الناس للرياء والسمعة". قال سلمان: بأبي أنت وأمي، إن هذا لكائن؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده، عندها يغار على الغلام كما يغار على الجارية البكر، ويخطب الغلام كما تخطب المرأة، ويهيأ كما تهيأ المرأة، ويتشبه النساء بالرجال، ويتشبه الرجال بالنساء، ويكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء، وتركب ذوات الفروج على السروج؛ فعليهن من أمتي لعنة الله ". قال سلمان: بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده، عندها يظهر قراء عبادتهم التلاوم بينهم، أولئك يسمون في ملكوت السماء الأنجاس الأرجاس". قال سلمان: بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده، عندها يتشبب المشيخة، إن الحمرة خضاب الإسلام، والصفرة خضاب الإيمان، والسواد خضاب الشيطان". قال سلمان: بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده، عندها يوضع الدين، وترفع الدنيا، ويشيد البناء، وتعطل الحدود، ويميتون سنتي؛ فعندها يا سلمان لا ترى إلا ذمًا، ولا ينصرهم الله". قال: بأبي أنت وأمي، وهم يومئذ مسلمون كيف لا ينصرون؟ ! قال: " يا سلمان! إن نصرة الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،»

ص: 24

«وإن أقوامًا يذمون الله تعالى، ومذمتهم إياه أن يشكوه، وذلك عند تقارب الأسواق". قال: وما تقارب الأسواق؟ قال: "عند كسادها، كل يقول ما أبيع ولا أشتري ولا أربح، ولا رازق إلا الله تعالى ". قال سلمان: بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده، عندها يجفو الرجل والديه، ويبر صديقه، ويتحالفون بغير الله تعالى، ويحلف الرجل من غير أن يستحلف، ويتحالفون بالطلاق، يا سلمان! لا يحلف بها إلا فاسق، ويفشو موت الفجأة، ويحدث الرجل سوطه". قال سلمان: بأبي أنت وأمي، وإن هذا لكائن؟ قال: "إي؛ والذي نفسي بيده، تخرج الدابة، وتطلع الشمس من مغربها، ويخرج الدجال، وريح حمراء، ويكون خسف ومسخ وقذف، ويأجوج ومأجوج، وهدم الكعبة، وتمور الأرض» .

هذا حديث ضعيف، وفي بعض سياقه نكارة، ولبعضه شواهد مما تقدم وما يأتي، وقد ظهر مصداق بعض ما ذكر فيه.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه كان يقول كل عشية خميس: "سيأتي على الناس زمان: تمات فيه الصلاة، ويشرف فيه البنيان، ويكثر فيه الحلف والتلاعن، ويفشو فيه الرشا والزنى، وتباع الآخرة بالدنيا؛ فإذا رأيت ذلك؛ فالنجا النجا". قيل: وكيف النجا؟ قال: "كن حلسًا من أحلاس بيتك، وكف لسانك ويدك".

رواه ابن أبي الدنيا في "العزلة"، وله حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي، وإنما يقال عن توقيف.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: «أتى رجل فقال: يا رسول الله؟ متى الساعة؟ قال: "ما المسؤول بأعلم من السائل". قال: فلو علمتنا أشراطها؟ قال: "تقارب الأسواق". قلت: وما تقارب الأسواق؟ قال: "أن يشكو الناس»

ص: 25

«بعضهم إلى بعض قلة إصابتهم، ويكثر ولد البغي، وتفشو الغيبة، ويعظم رب المال، وترتفع أصوات الفساق في المساجد، ويظهر أهل المنكر، ويظهر البناء» .

رواه ابن مردويه.

وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"من أشراط الساعة: سوء الجوار، وقطيعة الأرحام، وأن يعطل السيف من الجهاد، وأن تختل الدنيا بالدين» .

رواه: ابن مردويه، والديلمي، وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان".

وعن علي رضي الله عنه: «أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ فقال: "لقد سألتموني عن أمر ما يعلمه جبريل ولا ميكائيل، ولكن إن شئتم أنبأتكم بأشياء إذا كانت لم يكن للساعة كثير لبث: إذا كانت الألسن لينة، والقلوب جنادل، ورغب الناس في الدنيا، وظهر البناء على وجه الأرض، واختلف الأخوان فصار هواهما شتى، وبيع حكم الله بيعًا» .

رواه ابن أبي شيبة.

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه؛ قال: "إن من اقتراب الساعة: أن يظهر البناء على وجه الأرض، وأن تقطع الأرحام، وأن يؤذي الجار جاره".

رواه ابن أبي شيبة.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: "إن من أشراط الساعة أن يظهر الفحش والتفحش وسوء الخلق وسوء الجوار".

رواه ابن أبي شيبة.

وعن المنتصر بن عمارة بن أبي ذر الغفاري عن أبيه عن جده رضي الله

ص: 26

عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: «"إذا اقترب الزمان؛ كثر لبس الطيالسة، وكثرت التجارة، وكثر المال، وعظم رب المال بماله، وكثرت الفاحشة، وكانت إمارة الصبيان، وكثر النساء، وجار السلطان، وطفف في المكيال والميزان، ويربي الرجل جرو كلب خير له من أن يربي ولدًا له، ولا يوقر كبير، ولا يرحم صغير، ويكثر أولاد الزنى حتى إن الرجل ليغشى المرأة على قارعة الطريق، فيقول أمثلهم في ذلك الزمان: لو اعتزلتما عن الطريق! ويلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أمثلهم في ذلك الزمان المداهن» .

رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال:"هذا حديث تفرد به سيف بن مسكين عن المبارك بن فضالة، والمبارك بن فضالة ثقة". قال الذهبي: " وسيف واه، ومنتصر وأبوه مجهولان". وقد رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "وفيه سيف بن مسكين، وهو ضعيف".

وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة وأنا شاهد. فقال: "لا يعلمها إلى الله، ولا يجليها لوقتها إلى هو، ولكن سأحدثكم بمشاريطها وما بين يديها، ألا إن بين يديها فتنة وهرجًا". فقيل: يا رسول الله! أما الفتن؛ فقد عرفناها؛ فما الهرج؟ قال: "بلسان الحبشة: القتل، وأن يلقى بين الناس التناكر، فلا يعرف أحد أحدًا، وتجف قلوب الناس، وتبقى رجراجة لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه من لم يسم".

قوله: "وتجف قلوب الناس "؛ أي: تضطرب من الخوف.

و (الرجراجة) : شرار الناس وأرذالهم ورعاعهم الذين لا عقول لهم ولا خير فيهم.

وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"لا تقوم الساعة حتى»

ص: 27

«يكون القرآن عارا، ويتقارب الزمان، وتنتقض عراه، وتنتقص السنون والثمرات، ويؤتمن التهماء، ويتهم الأمناء، ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويكثر الهرج". قالوا: ما الهرج يا رسول الله؟ قال: "القتل. ويظهر البغي والحسد والشح، وتختلف الأمور بين الناس، ويتبع الهوى، ويقضى بالظن، ويقبض العلم، ويظهر الجهل، ويكون الولد غيظًا، والشتاء قيظًا، ويجهر بالفحشاء، وتزوى الأرض زيًا» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات، وفي بعضهم خرف".

وقد رواه ابن أبي الدنيا بأبسط من هذا، ولفظه قال:«"لا تقوم الساعة حتى يجعل كتاب الله عارًا، ويكون الإسلام غريبًا، وحتى تبدو الشحناء بين الناس، وحتى يقبض العلم، ويهرم الزمان، وينقص عمر البشر، وتنقص السنون والثمرات، ويؤتمن التهماء، ويتهم الأمناء، ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويكثر الهرج - وهو القتل - وحتى تبنى الغرف فتطاول، وحتى تحزن ذوات الأولاد، وتفرح العواقر، ويظهر البغي والحسد والشح، ويهلك الناس، ويكثر الكذب، ويقل الصدق، وحتى تختلف الأمور بين الناس، ويتبع الهوى، ويقضى بالظن، ويكثر المطر، ويقل الثمر، ويغيض العلم غيضًا، ويفيض الجهل فيضًا، ويكون الولد غيظًا، والشتاء قيظًا، وحتى يجهر بالفحشاء، وتزوى الأرض زيًا، وتقوم الخطباء بالكذب، فيجعلون حقي لشرار أمتي، فمن صدقهم بذلك ورضي به؛ لم يرح رائحة الجنة» .

وقد رواه أيضًا: أبو نصر السجزي في "الإبانة"، وابن عساكر. قال في "كنز الأعمال":"ولا بأس بسنده".

قلت: وقد ظهر مصداق كثير مما ذكر فيه.

وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «"لا»

ص: 28

«تقوم الساعة حتى يكون الولد غيظًا، والمطر قيظًا، وتفيض اللئام فيضًا، وتغيض الكرام غيضًا، ويجترئ الصغير على الكبير، واللئيم على الكريم» .

رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "وفيه جماعة لم أعرفهم".

وعن عروة بن محمد بن عطية السعدي عن أبيه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: «"ثلاث إذا رأيتهن؛ فعندك عندك: إخراب العامر، وإعمار الخراب، وأن يكون الغزو رفدًا، وأن يتمرس الرجل بأمانته تمرس البعير بالشجرة» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه يحيى بن عبد الله البابلتي، وهو ضعيف".

وقد رواه ابن عساكر في "تاريخه"، ولفظه: قال: «"ثلاث إذا رأيتهن؛ فعندك: خراب العامر وعمارة الخراب، وأن يكون المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، وأن يتمرس الرجل بالأمانه تمرس البعير بالشجرة» .

وعن عبد الله بن زبيب الجندي؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"يا أبا الوليد! يا عبادة بن الصامت! إذا رأيت الصدقة كتمت وغلت، واستؤجر على الغزو، وأخرب العامر، وعمر الخراب، وصار الرجل يتمرس بأمانته تمرس البعير بالشجرة؛ فإنك والساعة كهاتين (وأشار بإصبعيه السبابة والتي تليها» .

رواه: عبد الرزاق، والطبراني.

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ فقال: "ذاك عند حيف الأئمة، وتصديق بالنجوم، وتكذيب بالقدر، وحتى تتخذ الأمانة مغنمًا، والصدقة مغرمًا، والفاحشة زيارة؛ فعند ذلك هلاك قومك» .

ص: 29

رواه البزار. قال الهيثمي: "وفيه من لم أعرفهم".

وقد رواه ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" بنحوه، وزاد:«فسألته عن الفاحشة زيارة؟ فقال: "الرجلان من أهل الفسق، يصنع أحدهما طعامًا وشرابًا، ويأتيه بالمرأة، فيقول: اصنع لي كما صنعت! فيتزاورون على ذلك". قال: "فعند ذلك هلكت أمتي» .

وعن أبي تميمة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «"لا تزال أمتي على الفطرة؛ ما لم يتخذوا الأمانة مغنمًا، والزكاة مغرمًا، والخلافة ملكًا، والزيارة فاحشة، ويؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم" قيل: وما الزيارة فاحشة؟ قال: "الرجل يصنع طعامًا لأخيه يدعوه، فيكون في صنيعه النساء الخبائث» .

رواه العقيلي في كتابه في الصحابة، ونقله ابن عبد البر في كتاب "الاستيعاب" عنه، ثم قال:"وهذا الحديث لا يصح إسناده، ولا يعرف في الصحابة أبو تميمة ".

وعن طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «"بين يدي الساعة: تسليم الخاصة، وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وفشو القلم، وظهور الشهادة بالزور، وكتمان شهادة الحق» .

رواه: الإمام أحمد، والبخاري في "الأدب المفرد"، والحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وفي رواية للحاكم: قال عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن بين يدي الساعة: تسليم الخاصة، وفشو التجارة، حتى تعين المرأة زوجها على»

ص: 30

«التجارة، وحتى يخرج الرجل بماله إلى أطراف الأرض، فيرجع، فيقول: لم أربح شيئًا» .

وفي رواية له أيضًا عن خارجة بن الصلت البرجمي؛ قال: دخلت مع عبد الله يومًا المسجد؛ فإذا القوم ركوع، فركع، فمر رجل فسلم عليه، فقال عبد الله: صدق الله ورسوله. ثم وصل إلى الصف. فلما فرغ سألته عن قوله: صدق الله ورسوله؟ فقال: إنه كان يقول: «لا تقوم الساعة حتى تتخذ المساجد طرقًا، وحتى يسلم الرجل على الرجل بالمعرفة، وحتى تتجر المرأة وزوجها، وحتى تغلو الخيل والنساء ثم ترخص فلا تغلو إلى يوم القيامة» .

قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وقد رواه أبو داود الطيالسي والطبراني بنحوه.

وفي رواية الإمام أحمد عن الأسود بن هلال عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشراط الساعة: أن يسلم الرجل على الرجل لا يسلم عليه إلا للمعرفة» .

وفي رواية له أيضًا عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من أشراط الساعة: إذا كانت التحية على المعرفة» .

وفي رواية للطبراني؛ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تقوم الساعة حتى يكون السلام على المعرفة، وحتى تتخذ المساجد طرقًا؛ فلا يسجد لله فيها، وحتى يبعث الغلام الشيخ بريدًا بين الأفقين، وحتى يبلغ التاجر بين الأفقين؛ فلا يجد ربحًا» .

وفي رواية البزار: «وأن يجتاز الرجل بالمسجد؛ فلا يصلي فيه» . وفي

ص: 31

رواية للطبراني عن سلمة بن كهيل عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشراط الساعة: أن يمر الرجل في طول المسجد لا يصلي فيه ركعتين، وأن لا يسلم الرجل إلا على من يعرف، وأن يبرد الصبي الشيخ» .

قال الهيثمي: "رجاله رجال الصحيح؛ إلا أن سلمة، وإن كان سمع من الصحابة، لم أجد له رواية عن ابن مسعود رضي الله عنه ".

وقد رواه: ابن مردويه، والبيهقي في "شعب الإيمان" بنحو ما تقدم، وزادا:«وإن تتطاول الحفاة العراة رعاء الشاء في البنيان» .

قوله: "تسليم الخاصة": قد بينه في رواية خارجة بن الصامت والأسود بن هلال والأسود بن يزيد بأنه تسليم الرجل على الرجل بالمعرفة، وأصرح من ذلك قوله في رواية سلمة بن كهيل:«وأن لا يسلم الرجل إلا على من يعرف» ، وهذا مما ظهر مصداقه في زماننا.

وقوله: "يبرد الصبي الشيخ"؛ أي: يجعله رسولًا في حوائجه. قاله المناوي في "شرح الجامع الصغير".

وعن العداء بن خالد رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تقوم الساعة حتى لا يسلم الرجل إلا على من يعرف، وحتى تتخذ المساجد طرقًا، وحتى تتجر المرأة وزوجها، وحتى ترخص النساء والخيل فلا تغلو إلى يوم القيامة» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه من لم أعرفهم".

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «إن من أمارات الساعة أن يرى الهلال لليلة، فيقال: لليلتين، وأن تتخذ المساجد طرقًا، وأن يظهر موت الفجأة» .

ص: 32

رواه الطبراني في "الصغير" و "الأوسط" عن شيخه الهيثم بن خالد المصيصي. قال الهيثمي: "وهو ضعيف".

وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من علامات البلاء، وأشراط الساعة: أن تعزب العقول، وتنقص الأحلام، ويكثر القتل، وترفع علامات الخير، وتظهر الفتن» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه عافية بن أيوب، وهو ضعيف".

ورواه نعيم بن حماد في "الفتن" من حديث كثير بن مرة مرسلًا مثله؛ إلا أنه قال: «وترفع علامات الحق، ويظهر الظلم» .

وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أشراط الساعة أن تنتقص العقول، وتعزب الأحلام، ويكثر الهم» .

رواه نعيم بن حماد في "الفتن".

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: أنه قال: "يأتي على الناس زمان يصبح الرجل بصيرًا ويمسي ما يبصر شعرة".

رواه نعيم بن حماد في "الفتن".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن، ويكثر الكذب، وتتقارب الأسواق، ويتقارب الزمان، ويكثر الهرج. قلت: وما الهرج؟ قال: "القتل» .

رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح؛ غير سعد بن سمعان، وهو ثقة". وقد رواه ابن حبان في "صحيحه"، وزاد فيه:«ويقبض العلم» .

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم»

ص: 33

«الساعة حتى يظهر: الفحش، والتفاحش، وقطيعة الرحم، وسوء المجاورة، وحتى يؤتمن الخائن، ويخون الأمين» .

رواه: الإمام أحمد، والطبراني، والحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وقد رواه البزار بنحوه مختصرًا، وزاد:«قيل: يا رسول الله! فكيف المؤمن يومئذ؟ قال: "كالنحلة؛ وقعت فلم تفسد، وأكلت فلم تكسر، ووضعت طيبًا» .

قال الهيثمي: "وفيه عبد الرحمن بن مغراء، وثقه أبو زرعة وجماعة، وضعفه ابن المديني، وبقية رجاله رجال الصحيح".

وعن أنس رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشراط الساعة: الفحش، والتفحش، وقطيعة الأرحام، وائتمان الخائن، (أحسبه قال:) وتخوين الأمين (أو كلمة نحوها) » .

رواه البزار: قال الهيثمي: "وفيه شبيب بن بشر وهو لين، ووثقه ابن حبان وقال: يخطئ، وبقية رجاله رجال الصحيح".

وعن سعيد بن جبير عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «"والذي نفس محمد بيده؛ لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل، ويخون الأمين، ويؤتمن الخائن، وتهلك الوعول، وتظهر التحوت ". قالوا: يا رسول الله! وما الوعول؟ وما التحوت؟ قال: "الوعول وجوه الناس وأشرافهم، والتحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم» .

رواه: ابن حبان في "صحيحه"، والطبراني في "الأوسط"، وأبو نعيم في "الحلية"، والحاكم في "مستدركه"، وقال:"رواته كلهم مدنيون ممن لم ينسبوا إلى نوع من الجرح"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وروى الطبراني أيضًا من طريق أبي علقمة حليف بني هاشم؛ قال:

ص: 34

سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: «"إن من أشراط الساعة أن يظهر الشح والفحش، ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين، وتظهر ثياب تلبسها نساء كاسيات عاريات، ويعلو التحوت الوعول". أكذاك يا عبد الله بن مسعود سمعته من حبي؟ قال: نعم، ورب الكعبة. قلنا: وما التحوت؟ قال: "فسول الرجال وأهل البيوت الغامضة يرفعون فوق صالحيهم، والوعول: أهل البيوت الصالحة» .

قال الهيثمي: "رجاله رجال الصحيح؛ غير محمد بن الحارث بن سفيان، وهو ثقة". وقد رواه البخاري في "الكنى" بنحوه، ورواته ثقات.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"إن أمام الدجال سنين خداعة؛ يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويتكلم فيها الرويبضة ". قيل: وما الرويبضة؟ قال: "الفويسق يتكلم في أمر العامة» .

رواه الإمام أحمد، وفي إسناده محمد بن إسحاق، وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"سيأتي على الناس سنوات خداعات؛ يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة". قيل: يا رسول الله! وما الرويبضة؟ قال: "الرجل التافه يتكلم في أمر العامة"» .

رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه، والحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وفي رواية لأحمد والحاكم: «قيل: يا رسول الله! وما الرويبضة؟ قال: "السفيه يتكلم في أمر العامة» . وفي رواية للحاكم: قال: «"وتشيع فيها الفاحشة» .

ص: 35

وقد رواه نعيم بن حماد في "الفتن"، ولفظه:«"تكون قبل خروج المسيح الدجال سنوات خداعة؛ يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، ويتكلم الرويبضة ". قيل: وما الرويبضة؟ قال: "الوضيع من الناس» .

وعن عوف بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"يكون أمام الدجال سنون خوادع: يكثر فيها المطر، ويقل فيها النبت، ويكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة". قيل: يا رسول الله! وما الرويبضة؟ قال: "من لا يؤبه له» .

رواه الطبراني بأسانيد. قال الهيثمي: "وفي أحسنها ابن إسحاق، وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات ". قال الجوهري: " (الرويبضة) : التافه الحقير ".

وقال ابن الأثير: "التافه الحقير الخسيس".

وقد تحصل من الأحاديث مع كلام أهل اللغة أن الرويبضة هو: السفيه، الفاسق، التافه، الوضيع، الحقير، الخسيس.

وعن أم سلمة رضي الله عنها: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ليأتين على الناس زمان: يكذب فيه الصادق، ويصدق فيه الكاذب، ويخون فيه الأمين، ويؤتمن فيه الخؤون، ويشهد فيه المرء وإن لم يستشهد، ويحلف وإن لم يستحلف، ويكون أسعد الناس في الدنيا لكع ابن لكع، لا يؤمن بالله ورسوله» .

رواه: البخاري في "تاريخه"، والطبراني.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده؛ لا تقوم الساعة حتى يبعث الله: أمراء كذبة، ووزراء فجرة، وأعوانًا خونة، وعرفاء ظلمة، وقراء فسقة؛ سيماهم سيما الرهبان، وقلوبهم أنتن من الجيف،»

ص: 36

«أهواؤهم مختلفة، فيفتح الله لهم فتنة غبراء مظلمة، فيتهاوكون فيها، والذي نفس محمد بيده؛ لينقضن الإسلام عروة عروة، حتى لا يقال: لا إله إلا الله» .

رواه ابن أبي الدنيا.

وعن مكحول عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أنه قال: "لا تذهب الدنيا حتى يأتي: أمراء كذبة، ووزراء فجرة، وعرفاء ظلمة، وقراء فسقة، أهواؤهم مختلفة، ليست لهم زعة، يلبسون ثياب الرهبان، وقلوبهم أنتن من الجيف، فيلبسهم الله فتنة ظلماء، يتهوكون فيها تهوك اليهود".

ذكره أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الخالق في كتاب "الورع".

ورواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد" من حديث علي المرادي عن معاذ رضي الله عنه مختصرًا؛ قال: "يكون في آخر الزمان: قراء فسقة، ووزراء فجرة، وأمناء خونة، وعرفاء ظلمة، وأمراء كذبة".

وهكذا رواه البخاري في "التاريخ الكبير"؛ إلا أنه قال: عن عيسى المرادي.

وقد رواه البزار من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يبعث الله: أمراء كذبة، ووزراء فجرة، وأمناء خونة، وقراء فسقة؛ سمتهم سمة الرهبان، وليس لهم رغبة (أو قال: رعة، أو قال: زعة) ، فيلبسهم الله فتنة غبراء مظلمة، يتهوكون فيها تهوك اليهود في الظلم» .

قال الهيثمي: "فيه حبيب بن عمران الكلاعي، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح".

قوله: "وليس لهم رغبة"؛ أي: في الخير. "أو قال: رعة"؛ بكسر الراء؛

ص: 37

أي: ورع عن المحرمات. " أو قال: زعة"؛ بكسر الزاي؛ أي: وازع يمنعهم من مخالفة الأوامر وارتكاب النواهي.

وعن علي رضي الله عنه: أنه قال: "ليأتين على الناس زمان؛ يطرى فيه الفاجر، ويقرب فيه الماحل، ويعجز فيه المنصف، في ذلك الزمان تكون الأمانة فيه مغنمًا، والزكاة فيه مغرمًا، والصلاة تطاولًا، والصدقة منا، وفي ذلك الزمان استشارة الإماء، وسلطان النساء، وإمارة السفهاء ".

رواه ابن المنادي.

(الماحل) : هو المماكر والمكايد. قال الجوهري: "المحل: المكر والكيد، يقال: محل به: إذا سعى به إلى السلطان". قال: "والمماحلة: المماكرة والمكايدة ". وقال ابن الأثير: "ورجل محل؛ أي: ذو كيد".

وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيجيء أقوام في آخر الزمان، تكون وجوههم وجوه الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين، أمثال الذئاب الضواري، ليس في قلوبهم شيء من الرحمة، سفاكون للدماء، لا يرعون عن قبيح؛ إن تابعتهم واربوك، وإن تواريت عنهم اغتابوك، وإن حدثوك كذبوك، وإن ائتمنتهم خانوك، صبيهم عارم، وشابهم شاطر، وشيخهم لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، الاعتزاز بهم ذل، وطلب ما في أيديهم فقر، الحليم فيهم غاو، والآمر فيهم بالمعروف متهم، والمؤمن فيهم مستضعف، والفاسق فيهم مشرف، السنة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سنة؛ فعند ذلك يسلط الله عليهم شرارهم، فيدعو خيارهم، فلا يستجاب لهم» .

رواه: الطبراني في "الصغير" و "الأوسط"، والخطيب في "تاريخه"، وهو حديث ضعيف، ومع ذلك؛ فهو مطابق لحال كثير من المنتسبين إلى الإسلام في زماننا غاية المطابقة.

ص: 38

وقوله: "لا يرعون عن قبيح": هو بكسر الراء؛ أي: لا يكفون عنه ولا يتحرجون من إتيانه.

وقوله: "واربوك": قال ابن الأثير: "أي: خادعوك، من الورب، وهو الفساد". ونقل ابن منظور عن الليث: أنه قال: "المواربة: المداهاة والمخاتلة ". قال: "وقال أبو منصور: المواربة مأخوذة من الأرب، وهو الدهاء فحولت الهمزة واوًا".

قوله: "صبيهم عارم"؛ أي: شرس. قال ابن الأثير وابن منظور: "العرام: الشدة والقوة والشراسة، ورجل عارم؛ أي: خبيث شرير".

قوله: "وشابهم شاطر": قال الجوهري: "الشاطر: الذي أعيى أهله خبثًا".

ونقل ابن منظور عن أبي إسحاق: أنه قال: "قول الناس: فلان شاطر؛ معناه: أنه أخذ في نحو غير الاستواء، ولذلك قيل له: شاطر؛ لأنه تباعد عن الاستواء".

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه قال: "يأتي على الناس زمان هم ذئاب، فمن لم يكن ذئبًا؛ أكلته الذئاب".

رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "وفيه من لم أعرفهم".

وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} إلى آخر الآية؛ قال: كان رجل من بني إسرائيل آتاه الله مالًا، فمات، فورثه ابن له تافه (أي: فاسد) . فكان يعمل في مال الله بمعاصي الله، فلما رأى ذلك إخوان أبيه؛ أتوا الفتى، فعذلوه، ولاموه، فضجر الفتى، فباع عقاره بصامت، ثم رحل، فأتى عينًا ثجاجة، فسرح فيها ماله، وابتنى قصرًا، فبينما هو ذات يوم جالس؛ إذ شملت عليه ريح بامرأة من أحسن الناس وجهًا وأطيبهم أرجًا (أي: ريحًا) ، فقالت: من أنت يا عبد الله؟ فقال: أنا امرؤ من بني إسرائيل. قالت: فلك هذا القصر وهذا المال؟ فقال: نعم. قالت:

ص: 39

فهل لك من زوجة؟ قال: لا. قالت: فكيف يهنيك العيش ولا زوجة لك؟ قال: قد كان ذاك. قال: فهل لك من بعل؟ قالت: لا. قال: فهل لك إلى أن أتزوجك؟ قالت: إني امرأة منك على مسيرة ميل، فإذا كان غدا؛ فتزود زاد يوم وائتني، وإن رأيت في طريقك هولًا؛ فلا يهولنك. فلما كان من الغد؛ تزود زاد يوم وانطلق، فانتهى إلى قصر، فقرع رتاجه، فخرج إليه شاب من أحسن الناس وجهًا وأطيبهم أرجًا (أي: ريحًا) ، فقال: من أنت يا عبد الله؟ فقال: أنا إسرائيلي. قال: فما حاجتك؟ قال: دعتني صاحبة هذا القصر إلى نفسها. قال: صدقت. قال: فهل رأيت في الطريق هولًا؟ قال: نعم؛ ولولا أنها أخبرتني أن لا بأس علي؛ لهالني الذي رأيت. قال: ما رأيت؟ قال: أقبلت، حتى إذا انفرج بي السبيل؛ إذا أنا بكلبة فاتحة فاها، ففزعت، فوثبت؛ فإذا أنا من ورائها، وإذا جراؤها ينبحن في بطنها. فقال الشاب: لست تدرك هذا، هذا يكون في آخر الزمان، يقاعد الغلام المشيخة في مجلسهم، ويسرهم حديثه. قال: ثم أقبلت، حتى إذا انفرج بي السبيل؛ إذا أنا بمائة عنز حفل، وإذا فيها جدي يمصها، فإذا أتى عليها وظن أنه لم يترك شيئًا؛ فتح فاه يلتمس الزيادة. فقال: لست تدرك هذا، هذا يكون في آخر الزمان، ملك يجمع صامت الناس كلهم، حتى إذا ظن أنه لم يترك شيئًا؛ فتح فاه يلتمس الزيادة. قال: ثم أقبلت، حتى إذا انفرج بي السبيل؛ إذا أنا بشجر، فأعجبني غصن من شجرة منها ناضرة، فأردت قطعه، فنادتني شجرة أخرى: يا عبد الله! مني فخذ! حتى ناداني الشجر أجمع: يا عبد الله! مني فخذ! فقال: لست تدرك هذا، هذا يكون في آخر الزمان، يقل الرجال ويكثر النساء، حتى إن الرجل ليخطب المرأة، فتدعوه العشر والعشرون إلى أنفسهن. قال: ثم أقبلت، حتى إذا انفرج بي السبيل؛ فإذا أنا برجل قائم على عين، يغرف لكل إنسان من الماء، فإذا تصدعوا عنه؛ صب في جرته، فلم تعلق جرته من الماء بشيء. قال: لست تدرك هذا، هذا يكون

ص: 40

في آخر الزمان، القاص يعلم الناس العلم ثم يخالفهم إلى معاصي الله تعالى. قال: ثم أقبلت، حتى إذا انفرج بي السبيل؛ إذا أنا بعنز، وإذا بقوم قد أخذوا بقوائمها، وإذا رجل قد أخذ بقرنيها، وإذا رجل قد أخذ بذنبها، وإذا راكب قد ركبها، وإذا رجل يحتلبها. فقال: أما العنز؛ فهي الدنيا، والذين أخذوا بقوائمها يتساقطون من عيشها، وأما الذي قد أخذ بقرنيها؛ فهو يعالج من عيشها ضيقًا، وأما الذي أخذ بذنبها؛ فقد أدبرت عنه، وأما الذي ركبها؛ فقد تركها، وأما الذي يحلبها؛ فبخ بخ، ذهب ذلك بها. قال: ثم أقبلت، حتى إذا انفرج بي السبيل؛ إذا أنا برجل يمتح على قليب، كلما أخرج دلوه؛ صبه في الحوض، فانساب الماء راجعًا إلى القليب. قال: هذا رجل رد الله عليه صالح عمله فلم يقبله. قال: ثم أقبلت، حتى إذا انفرج بي السبيل؛ إذا أنا برجل يبذر بذرًا، فيستحصد؛ فإذا حنطة طيبة. قال: هذا رجل قبل الله صالح عمله وأزكاه له. قال: ثم أقبلت، حتى إذا انفرج بي السبيل؛ إذا أنا برجل مستلق على قفاه. قال: يا عبد الله! ادن مني؛ فخذ بيدي وأقعدني، فوالله؛ ما قعدت منذ خلقني الله تعالى، فأخذت بيده، فقام يسعى حتى ما أراه. فقال له الفتى: هذا عمر الأبعد نفد، وأنا ملك الموت، أمرني الله تعالى بقبض روح الأبعد في هذا المكان، ثم أصيره إلى نار جهنم. قال: ففيه نزلت الآية: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} الآية.

رواه ابن أبي حاتم.

قال ابن كثير: "وهذا أثر غريب، وفي صحته نظر، وتنزيل الآية عليه وفي حقه؛ بمعنى أن الكفار كلهم يتوفون وأرواحهم متعلقة بالحياة الدنيا؛ كما جرى لهذا المغرور المفتون، ذهب يطلب مراده، فجاءه ملك الموت فجأة بغتة، وحيل بينه وبين ما يشتهي". انتهى.

ص: 41

والمقصود من إيراد هذا الحديث ما فيه من الإخبار عما يكون في آخر الزمان، والله الموفق.

وقد أوردت في هذا الباب أحاديث كثيرة من الأحاديث الضعيفة، وإنما أوردتها لمطابقة بعض ما جاء فيها للواقع.

باب

ما جاء في المتنبئين

عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله» .

رواه: الإمام أحمد، والشيخان.

ورواه الإمام أحمد، ومسلم أيضًا، والترمذي من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يبعث كذابون دجالون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله» .

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". قال: "وفي الباب عن جابر بن سمرة وابن عمر رضي الله عنهم".

قلت: وسيأتي ذكر حديثيهما قريبًا إن شاء الله تعالى.

ورواه: الإمام أحمد أيضًا، وأبو داود؛ من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالون، كلهم يزعم أنه رسول الله» .

ورواه: الإمام أحمد، وأبو داود أيضًا؛ من حديث أبي سلمة عن أبي

ص: 42

هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابًا دجالًا، كلهم يكذب على الله وعلى رسوله» .

ورواه أبو داود أيضًا من حديث إبراهيم النخعي؛ قال: قال عبيدة السلماني (بهذا الخبر) . قال: فذكر نحوه. فقلت له: أترى هذا منهم (يعني: المختار) ؟ فقال عبيدة: أما إنه من الرؤوس.

ورواه الإمام أحمد أيضًا، فقال: حدثنا يحيى عن عوف: حدثنا خلاس عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «بين يدي الساعة قريب من ثلاثين دجالًا كذابين، كلهم يقول: أنا نبي! أنا نبي!» .

قال ابن كثير: "وهذا إسناد حسن جيد تفرد به أحمد ".

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن بين يدي الساعة كذابين؛ فاحذروهم» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم، وهذا لفظ إحدى روايات أحمد.

وعن ثوبان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والبرقاني في "صحيحه". وقال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح". وصححه أيضًا ابن حبان، والحاكم وقال:"على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن حذيفة رضي الله عنه: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «في أمتي كذابون ودجالون سبعة وعشرون، منهم أربع نسوة، وإني خاتم النبيين لا نبي بعدي» .

رواه: الإمام أحمد، والطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، والبزار، والضياء

ص: 43

المقدسي. قال الهيثمي: "ورجال البزار رجال الصحيح".

وعن أبي بكر رضي الله عنه؛ قال: أكثر الناس في شأن مسيلمة قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئًا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا، فقال:«أما بعد؛ ففي شأن هذا الرجل الذي قد أكثرتم فيه، وإنه كذاب من ثلاثين كذابًا يخرجون بين يدي الساعة» .

رواه: الإمام أحمد، والطبراني، والحاكم في "مستدركه". قال الهيثمي:"وأحد أسانيد أحمد والطبراني رجاله رجال الصحيح ". قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي في "تلخيصه".

وعن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بين يدي الساعة كذابون: منهم صاحب اليمامة، ومنهم صاحب صنعاء العنسي، ومنهم صاحب حمير، ومنهم الدجال، وهو أعظمهم فتنة» . قال جابر: وبعض أصحابي يقول: قريب من ثلاثين كذابًا.

رواه: الإمام أحمد، والبزار، وابن حبان في "صحيحه". قال الهيثمي:"وفي إسناد البزار عبد الرحمن بن مغراء، وثقه جماعة وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح، وفي إسناد أحمد ابن لهيعة، وهو لين".

وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وإنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابًا، آخرهم الأعور الدجال» .

رواه: الإمام أحمد، والطبراني، في "الكبير" والحاكم في "مستدركه". وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه كان عنده رجل من أهل

ص: 44

الكوفة، فجعل يحدثه عن المختار، فقال ابن عمر رضي الله عنه: إن كان كما تقول؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن بين يدي الساعة ثلاثين دجالًا كذابًا» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى. وفي رواية: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال وكذابون ثلاثون أو أكثر» . وفي رواية: «"ليكونن قبل المسيح الدجال كذابون ثلاثون أو أكثر".»

ورواه الطبراني، ولفظه: قال: «"بين يدي الساعة الدجال، وبين يدي الدجال كذابون ثلاثون أو أكثر ". قلنا: ما آيتهم؟ قال: "أن يأتوكم بسنة لم تكونوا عليها يغيرون بها سنتكم ودينكم، فإذا رأيتموهم؛ فاجتنبوهم وعادوهم» .

وعن أبي الجلاس؛ قال: سمعت عليًا رضي الله عنه يقول لعبد الله السبئي: ويلك! والله؛ ما أفضى إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء كتمه أحدًا من الناس، ولكن سمعته يقول:«إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابًا، وإنك لأحدهم» .

رواه: ابن أبي شيبة، وابن أبي عاصم، وعبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة"، وأبو يعلى. قال الهيثمي:"ورجاله ثقات".

وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «"إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابًا، منهم الأسود العنسي صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة» .

رواه: الطبراني، وأبو يعلى، والبزار؛ باختصار. قال الهيثمي:"وفيه قيس بن الربيع، وثقة شعبة والثوري، وضعفه جماعة".

ورواه البيهقي، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخرج»

ص: 45

«ثلاثون كذابًا، منهم مسيلمة والعنسي والمختار» .

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن بين يدي الساعة كذابين» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح؛ غير جندل بن والق، وهو ثقة".

وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن في ثقيف كذابًا ومبيرًا» .

رواه: الإمام أحمد، والترمذي، وأبو يعلى. وقال الترمذي:"هذا حديث حسن غريب". قال: "وفي الباب عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما".

قال: "ويقال: الكذاب: المختار بن أبي عبيد، والمبير: الحجاج بن يوسف ".

وقال النووي: "اتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا: المختار بن أبي عبيد، وبالمبير: الحجاج بن يوسف " انتهى.

وعن أبي نوفل بن أبي عقرب «عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنها قالت للحجاج: أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابًا ومبيرًا، فأما الكذاب؛ فقد رأيناه، وأما المبير؛ فلا إخالك إلا إياه» .

رواه: أبو داود الطيالسي، ومسلم، والطبراني، والحاكم.

وعن أبي الصديق الناجي: أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه يخرج من ثقيف كذابان، الآخر منهما أشر من الأول، وهو مبير» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والحاكم، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

ص: 46

وعن هارون بن عنترة عن أبيه: أن أسماء رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج من ثقيف كذابان، الآخر منهما أشر من الأول، وهو مبير» .

رواه الإمام أحمد، وإسناده جيد.

وعن أبي المحياة عن أمه: أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت للحجاج: انتظر حتى أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول: «يخرج من ثقيف كذاب ومبير. فأما الكذاب؛ فقد رأيناه، وأما المبير؛ فأنت.

» رواه البيهقي.

وعن سلامة بنت الحر رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وفي ثقيف كذاب ومبير» .

رواه أبو يعلى بإسناد حسن.

باب

ما جاء في دعاة الضلالة

عن أبي إدريس الخولاني؛ قال: سمعت حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما يقول: «كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير؛ فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: "نعم". فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دخن". قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر". فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم؛ دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها؛ قذفوه فيها"، فقلت: يا رسول الله! صفهم لنا. قال: "نعم؛ قوم من جلدتنا،»

ص: 47

«ويتكلمون بألسنتا". قلت: يا رسول الله! فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم". فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك» .

متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.

وفي رواية له عن أبي سلام؛ قال: قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: «قلت: يا رسول الله! إنا كنا بشر، فجاءنا الله بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: "نعم". قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: "نعم". قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: "نعم". قلت: كيف؟ قال: "يكون بعدي أئمة؛ لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس". قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك؛ فاسمع وأطع» .

وقد رواه ابن عساكر في "تاريخه" بنحوه، وقال في آخره:«اسمع للأمير الأعظم، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك» .

ورواه: ابن ماجه، والحاكم؛ من حديث عبد الرحمن بن قرط عن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تكون فتن على أبوابها دعاة إلى النار؛ فأن تموت وأنت عاض على جذل شجرة خير لك من أن تتبع أحدًا منهم» .

قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

ورواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، وأبو داود السجستاني، وأبو نعيم في "الحلية"؛ من حديث نصر بن عاصم الليثي عن اليشكري عن حذيفة

ص: 48

رضي الله عنه، وفي آخره: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثم تكون فتنة عمياء صماء، دعاة الضلالة (أو قال: دعاة النار) ، فلأن تعض على جذل شجرة خير لك من أن تتبع أحدًا منهم» .

هذا لفظ أبي داود الطيالسي.

ورواه ابن أبي شيبة من حديث نصر بن عاصم الليثي؛ قال: سمعت حذيفة رضي الله عنه يقول: (فذكره بنحوه) .

ورواه أبو داود الطيالسي أيضًا من حديث سبيع بن خالد (أو خالد بن سبيع) عن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: «كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وأسأله عن الشر، فقلت: يا رسول الله! هل بعد هذا الخير شر كما كان قبله شر؟ قال: "نعم". قلت: فما العصمة يا رسول الله؟ قال: "السيف". قلت: فهل للسيف من بقية؟ فما يكون بعده؟ قال: "يكون هدنة على دخن". قال: قلت: فما يكون بعد الهدنة؟ قال: "دعاة الضلالة، فإن رأيت يومئذ لله عز وجل في الأرض خليفة؛ فالزمه، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فإن لم تر خليفة؛ فاهرب، حتى يدركك الموت وأنت عاض على جذل شجرة". قلت: يا رسول الله! فما يكون بعد ذلك؟ قال: " الدجال» .

ورواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والحاكم بنحوه، وقال الحاكم:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم» .

رواه: الإمام أحمد، ومسلم في مقدمة "صحيحه"، والبخاري في "تاريخه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "هذا حديث ذكره مسلم في خطبة الكتاب مع الحكايات، ولم يخرجاه في أبواب الكتاب، وهو صحيح على

ص: 49

شرطهما جميعًا، ومحتاج إليه في الجرح والتعديل، ولا أعلم له علة"، وأقره الذهبي في "تلخيصه".

وفي رواية لمسلم: «يكون في آخر الزمان دجالون كذابون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم؛ فإياكم وإياهم، لا يضلونكم ولا يفتنونكم» .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن في أمتي نيفًا وسبعين داعيًا؛ كلهم داع إلى النار، لو أشاء لأنبأتكم بآبائهم وأمهاتهم وقبائلهم» .

رواه أبو يعلى. قال ابن كثير: " إسناده لا بأس به". وقال الهيثمي: " فيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات".

وعن طاوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنه قال: "إن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان، يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنًا".

رواه عبد الرزاق في "مصنفه" بإسناد صحيح، ومسلم في مقدمة "صحيحه".

ورواه الدارمي في "سننه"، ولفظه: قال: "يوشك أن تظهر شياطين قد أوثقها سليمان يفقهون الناس في الدين".

وروى محمد بن وضاح من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه؛ قال: قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "يوشك أن تظهر شياطين؛ يجالسونكم في مجالسكم، ويفقهونكم في دينكم، ويحدثونكم، وإنهم

ص: 50

لشياطين! ".

وقال ابن وضاح أيضًا: حدثنا محمد بن عمرو؛ قال: حدثنا مصعب عن سفيان بن سعيد الثوري: أنه قيل لسفيان: إن ابن منبه يقول: "سيأتي على الناس زمان يجلس في مساجدهم شياطين يعلمونهم أمر دينهم". قال سفيان: قد بلغنا ذلك عن عبد الله بن عمرو: أنه قال: "سيأتي على الناس زمان يجلس في مساجدهم شياطين، كان سليمان بن داود قد أوثقهم في البحر، يخرجون يعلمون الناس أمر دينهم". قال سفيان: بقيت أمور عظام. قال محمد بن وضاح: قال زهير بن عباد: يعني سفيان: يعلمون الناس، فيدخلون في خلال ذلك الأهواء المحدثة، فيحلون لهم الحرام، ويشككونهم في الفضل والصبر والسنة، ويبطلون فضل الزهد في الدنيا، ويأمرونهم بالإقبال على طلب الدنيا، وهي رأس كل خطيئة.

باب

الثناء على القرون المفضلة وما يكون في الذين بعدهم

من ضعف الدين وسمن الأبدان

عن زهدم بن مضرب؛ قال: سمعت عمران بن حصين رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، (قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة) ، ثم إن بعدكم قومًا: يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن"» .

رواه: الإمام أحمد، والشيخان.

ورواه: الإمام أحمد، ومسلم أيضًا، وأبو داود الطيالسي، وأبو داود

ص: 51

السجستاني، والترمذي؛ من حديث زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، وقال فيه:«ويفشو فيهم السمن» .

قال الترمذي: " هذا حديث حسن صحيح".

ورواه: الإمام أحمد، والترمذي أيضًا؛ من حديث هلال بن يساف عن عمران بن حصين رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي من بعدهم قوم يتسمنون ويحبون السمن، يعطون الشهادة قبل أن يسألوها» .

وقد رواه ابن حبان في "صحيحه" من هذا الوجه مختصرًا.

وعن بريدة الأسلمي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير أمتي قرني منهم، ثم الذين يلونهم، (قال: لا أدري أذكر الثالث أم لا) ، ثم يخلف أقوام يظهر فيهم السمن، يهريقون الشهادة ولا يسألونها» .

رواه الإمام أحمد، ورجاله ثقات.

وفي رواية له عن بريدة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خير هذه الأمة القرن الذين بعثت أنا فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون قوم تسبق شهادتهم أيمانهم، وأيمانهم شهادتهم» .

وفي لفظ آخر؛ قال: «القرن الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» .

وإسناده جيد.

وعن بلال بن سعد بن تميم السكوني عن أبيه رضي الله عنه؛ قال: «قلت: يا رسول الله! أي الناس خير؟ قال: "أنا وأقراني". قلنا: ثم ماذا يا رسول»

ص: 52

«الله؟ قال: "ثم القرن الثاني". قلنا: يا رسول الله! ثم ماذا؟ قال: " القرن الثالث". قلنا: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: "ثم يكون قوم: يحلفون ولا يستحلفون، ويشهدون ولا يستشهدون، ويؤتمنون ولا يؤدون» .

رواه أبو نعيم في "الحلية".

وعن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته» .

رواه: الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي، وابن ماجه.

وزاد أحمد والشيخان: قال إبراهيم: وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار.

ورواه أبو داود الطيالسي، ولفظه: قال: «خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادتهم، ويشهدون قبل أن يستشهدوا» .

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم تسبق أيمانهم شهادتهم، وشهادتهم أيمانهم» .

رواه: الإمام أحمد، وابن حبان في "صحيحه".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير أمتي القرن الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، (والله أعلم أذكر الثالث أم لا؟ قال:) ثم يخلف قوم يحبون السمانة، يشهدون قبل أن يستشهدوا» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم.

ص: 53

قال النووي: " (السمانة) ؛ بفتح السين: هي السمن. قال جمهور العلماء في معنى هذا الحديث: المراد بالسمن هنا: كثرة اللحم، ومعناه أنه يكثر ذلك فيهم، وليس معناه أن يتمحضوا سمانًا. قالوا: والمذموم منه من يستكسبه، وأما من هو فيه خلقة؛ فلا يدخل في هذا، والمتكسب له هو المتوسع في المأكول والمشروب زائدًا على المعتاد. وقيل: المراد بالسمن هنا: أنهم يتكثرون بما ليس فيهم، ويدعون ما ليس لهم من الشرف وغيره. وقيل: المراد جمعهم الأموال". انتهى.

والصحيح أن المراد بالسمن كثرة الشحم، ويدل على ذلك قوله في حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما:«ويظهر فيهم السمن» ، وقد وقع مصداق ذلك، ولا سيما في زماننا؛ فقد ظهر فيه السمن، وفشى في الرجال والنساء؛ بسبب الراحة، والتوسع في المأكولات والمشروبات، حتى كانت بطون كثير منهم أكبر من بطون الحوامل بكثير.

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما؛ قال: خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجابية، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا مثل مقامي فيكم، فقال:«احفظوني في أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب، حتى يشهد الرجل وما يستشهد، ويحلف وما يستحلف» .

رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه، والطبراني، وابن حبان في " صحيحه" وهذا لفظ ابن ماجه.

ورواه: الإمام أحمد أيضًا، والترمذي، والحاكم؛ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: خطبنا عمر رضي الله عنه بالجابية، فقال: يا أيها الناس! إني قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، فقال:«أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب، حتى يحلف الرجل ولا»

ص: 54

«يستحلف، ويشهد الشاهد ولا يستشهد» ........ الحديث.

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب". وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وقال الترمذي: "وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ".

ورواه الحاكم أيضًا من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ قال: وقف عمر رضي الله عنه بالجابية، فقال: (وذكره بنحو ما تقدم من حديث جابر بن سمرة وابن عمر رضي الله عنهم .

صححه الحاكم، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

ورواه البخاري في "التاريخ الكبير" من حديث عبد الله بن مالك بن إبراهيم بن الأشتر النخعي عن أبيه عن جده؛ قال: قام عمر رضي الله عنه عند باب الجابية، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال:«إن يد الله على الجماعة، والفذ مع الشيطان، والحق أصل في الجنة، والباطل أصل في النار، وإن أصحابي خياركم؛ فأكرموهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يظهر الكذب والهرج»

الحديث.

باب

ما جاء في النشء المترفين

عن أبي أمامة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون رجال من أمتي: يأكلون ألوان الطعام، ويشربون ألوان الشراب، ويلبسون ألوان الثياب، ويتشدقون في الكلام؛ فأولئك شرار أمتي» .

ص: 55

رواه: الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وأبو نعيم في "الحلية"، ورواه البزار وزاد:«الذين غذوا بالنعيم ونبتت عليه أجسامهم» . قال الهيثمي: "وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وقد وثق، والجمهور على تضعيفه، وبقية رجاله ثقات".

وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «شرار أمتي الذين غذوا في النعيم، الذين يتقلبون في ألوان الطعام والثياب، الثرثارون الشداقون بالكلام» .

رواه أبو نعيم في "الحلية".

وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «شرار أمتي الذين ولدوا في النعيم، وغذوا به، يأكلون من الطعام ألوانًا، ويتشدقون بالكلام» .

رواه الطبراني في "الأوسط".

وعن بكر بن سوادة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون نشو من أمتي؛ يولدون في النعيم، ويغذون به، همتهم ألوان الطعام وألوان الثياب، يتشدقون بالقول، أولئك شرار أمتي» .

رواه الإمام أحمد في "الزهد"، وهو مرسل.

وعن فاطمة بنت الحسين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم، الذين يطلبون ألوان الطعام وألوان الثياب، يتشادقون في الكلام» .

رواه الإمام أحمد في "الزهد"، وهو مرسل.

قال ابن الأثير: " (المتشدقون": هم المتوسعون في الكلام من غير

ص: 56

احتياط واحتراز. وقيل: أراد بالمتشدق المستهزئ بالناس يلوي شدقه بهم وعليهم".

قلت: والأول أصح، وبه جزم النووي؛ فإنه قال:" (المتشدق) : المتطاول على الناس بكلامه، ويتكلم بملء فيه تفاصحًا وتعظيمًا لكلامه ". انتهى. وكل من الضربين كثير في زماننا.

وعن علي رضي الله عنه: "يأتي على الناس زمان: همتهم بطونهم، وشرفهم متاعهم، وقبلتهم نساؤهم، ودينهم دراهمهم ودنانيرهم، أولئك شرار الخلق لا خلاق لهم عند الله".

رواه الديلمي.

باب

ارتفاع الأسافل وتوفر حظوطهم من الدنيا

قد تقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة أحاديث كثيرة في ذلك:

منها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «من اقتراب الساعة: أن ترفع الأشرار، وتوضع الأخيار» .

رواه: الطبراني، والحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه". وقال الهيثمي:"رجال الطبراني رجال الصحيح".

وقد رواه نعيم بن حماد في الفتن، ولفظه: قال: «إن من أشراط الساعة أن يوضع الأخيار، ويشرف الأشرار، ويسود كل قوم منافقوهم» .

ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه: البخاري في

ص: 57

"الكنى"، والطبراني، وأبو نعيم، والحاكم، وفيه:«وتهلك الوعول، وتظهر التحوت» (وفي رواية: «ويعلو التحوت الوعول» )". قالوا: وما التحوت؟ قال: "فسول الرجال، وأهل البيوت الغامضة، والوعول أهل البيوت الصالحة".

ومنها حديث عوف بن مالك رضي الله عنه الذي رواه الطبراني، وفيه:«وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم» .

ومنها حديث علي رضي الله عنه الذي رواه الترمذي، وفيه:«وكان زعيم القوم أرذلهم» .

ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه الترمذي وفيه: «وكان زعيم القوم أرذلهم» .

ومنها حديث حذيفة رضي الله عنه الذي رواه أبو نعيم، وفيه:«وفاض اللئام فيضًا، وغاض الكرام غيضًا» . وفيه أيضًا: «وكان زعيم القوم أرذلهم» .

ومنها حديث مكحول الذي رواه أبو الشيخ والديلمي، وفيه:«وصارت أموالكم عند شراركم» . وفيه أيضًا: «ووليت أموركم السفهاء» .

ومنها حديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي رواه الطبراني وغيره، وفيه:«وأن تفيض الأشرار فيضًا» . وفيه أيضًا: من أعلام الساعة وأشراطها: أن يسود كل قبيلة منافقوها، وكل سوق فجارها.

ومنها: حديث أبي موسى، وحديث عائشة، وحديث عبد الله بن عمرو، وحديث أنس، وحديث أبي هريرة، وحديث عوف بن مالك رضي الله عنهم في ائتمان الخونة وتصديق الكذبة.

ومنها: حديث أم سلمة رضي الله عنها الذي رواه البخاري في "تاريخه" والطبراني، وفيه:«ويصدق فيه الكاذب، ويخون فيه الأمين، ويؤتمن»

ص: 58

«فيه الخؤون» . وفيه أيضًا: «ويكون أسعد الناس في الدنيا لكع ابن لكع لا يؤمن بالله ورسوله» .

وعن علي رضي الله عنه: أنه قال: يأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه ولم يؤمر بذلك؛ قال الله عز وجل: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} وينهد الأشرار، ويستذل الأخيار، ويبايع المضطرون.

الحديث رواه: الإمام أحمد، وأبو داود.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنه قال: "لكل شيء دولة تصيبه؛ فللأشراف على الصعاليك دولة، ثم للصعاليك وسفلة الناس في آخر الزمان حتى يدال لهم من أشراف الناس؛ فإذا كان ذلك؛ فرويدك الدجال، ثم الساعة، والساعة، والساعة أدهى وأمر".

رواه ابن وضاح.

وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «ضاف ضيف رجلًا من بني إسرائيل وفي داره كلبة مجح، فقالت الكلبة: والله لا أنبح ضيف أهلي". قال: "فعوى جراؤها في بطنها". قال: "قيل: ما هذا؟ ". قال: "فأوحى الله عز وجل إلى رجل منهم: هذا مثل أمة تكون من بعدكم؛ يقهر سفهاؤها حلماءها» .

رواه: الإمام أحمد، والبزار، والطبراني. قال الهيثمي:"وفيه عطاء بن السائب، وقد اختلط".

وفي رواية للطبراني: «فأوحي إلى رجل منهم: إن مثل هذه الكلبة مثل أمه يأتون من بعدكم، يستعلي سفهاؤها على علمائها» .

وفي رواية: «يغلب سفهاؤها علماءها» .

قال ابن الأثير: " (المجح) : الحامل المقرب التي دنا ولادها". انتهى.

ص: 59

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها» .

رواه: البزار، والطبراني؛ بإسناد ضعيف.

وعن أبي بكرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها» .

رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "وفيه مبارك بن فضالة، وهو مدلس، وحبيب بن فروخ لم أعرفه".

وعن كثير بن مرة مرسلًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أشراط الساعة أن يملك من ليس أهلًا أن يملك، ويرفع الوضيع، ويوضع الرفيع» .

رواه: نعيم بن حماد في كتاب "الفتن"، وابن وضاح من طريقه.

وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع» .

رواه: الإمام أحمد، والترمذي، والضياء المقدسي، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تذهب الدنيا حتى تصير للكع ابن لكع» .

رواه الإمام أحمد، ورجاله رجال الصحيح؛ غير كامل بن العلاء، وهو ثقة.

وعن أبي بردة بن نيار رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تذهب الدنيا حتى تكون للكع ابن لكع» .

رواه الإمام أحمد، وفيه الجهم بن أبي الجهم، ذكره ابن حبان في

ص: 60

"الثقات"، وبقية رجاله ثقات.

وقد رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أشراط الساعة أن يغلب على الدنيا لكع ابن لكع» .

رواه الطبراني في "الأوسط" بإسنادين. قال الهيثمي: "ورجال أحدهما ثقات".

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تذهب الأيام والليالي حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع» .

رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح؛ غير الوليد بن عبد الملك بن مسرح، وهو ثقة".

وقد رواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه:«لا تنقضي الدنيا حتى تكون عند لكع ابن لكع» .

وعن أبي ذر رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تقوم الساعة حتى يغلب على الدنيا لكع ابن لكع» .

رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "ورجاله وثقوا، وفي بعضهم ضعف".

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من أشراط الساعة أن يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع» .

رواه ابن مردويه.

قال الجوهري: "رجل لكع؛ أي: لئيم، ويقال: هو العبد الذليل النفس".

ص: 61

وقال ابن الأثير: "اللكع عند العرب: العبد، ثم استعمل في الحمق والذم؛ يقال للرجل: لكع، وللمرأة: لكاع، وهو اللئيم، وقيل: الوسخ، وقد يطلق على الصغير، فإن أطلق على الكبير؛ أريد به الصغير العلم والعقل ". انتهى.

والمعنى في هذه الأحاديث أن المال في آخر الزمان يتحول في أيدي اللئام بني اللئام، وأنهم يكونون أسعد الناس بنعيم الدنيا وملاذها والوجاهة فيها.

باب

ما جاء في إقبال الدين وإدباره

عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «إن لكل شيء إقبالًا وإدبارًا، وإن من إقبال هذا الدين ما كنتم عليه من العمى والجهالة، وما بعثني الله به، وإن من إقبال هذا الدين أن تفقه القبيلة بأسرها حتى لا يوجد فيها إلا الفاسق والفاسقان؛ فهما مقهوران ذليلان، إن تكلما؛ قمعا وقهرا واضطهدا، وإن من إدبار هذا الدين: أن تجفو القبيلة بأسرها، حتى لا يرى فيها إلا الفقيه والفقيهان؛ فهما مقهوران ذليلان، إن تكلما فأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر؛ قمعا وقهرا واضطهدا؛ فهما مقهوران ذليلان، لا يجدان على ذلك أعوانًا ولا أنصارًا» .

رواه الطبراني.

ورواه الحارث بن أبي أسامة مطولًا، ولفظه: قال: «لكل شيء إقبال وإدبار، وإن من إقبال هذا الدين ما بعثني الله به، حتى إن القبيلة لتتفقه كلها من عند آخرها، حتى لا يبقى فيها إلا الفاسق والفاسقان؛ فهما مقهوران مقموعان ذليلان، إن تكلما أو نطقا؛ قمعا وقهرا واضطهدا..... (ثم ذكر من إدبار»

ص: 62

«هذا الدين:) أن تجفو القبيلة كلها من عند آخرها، حتى لا يبقى فيها إلا الفقيه أو الفقيهان؛ فهما مقهوران مقموعان ذليلان، إن تكلما أو نطقا؛ قمعا وقهرا واضطهدا وقيل لهما: أتطعنان علينا؟ ! حتى يشرب الخمر في ناديهم ومجالسهم وأسواقهم، وتنحل الخمر غير اسمها، حتى يلعن آخر هذه الأمة أولها، ألا حلت عليهم اللعنة، ويقولون: لا نأمن هذا الشراب، يشرب الرجل منهم ما بدا له، ثم يكف عنه، حتى تمر المرأة بالقوم، فيقوم إليها بعضهم، فيرفع ذيلها، فينكحها وهم ينظرون؛ كما يرفع ذنب النعجة، وكما أرفع ثوبي هذا (ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبًا عليه من هذه السحولية) فيقول القائل منهم: لو نحيتها عن الطريق؛ فذاك فيهم كأبي بكر وعمر، فمن أدرك ذلك الزمان، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر؛ فله أجر خمسين ممن صحبني وآمن بي وصدقني أبدًا» .

ورواه الطبراني أيضًا بنحوه باختصار، وفيه علي بن يزيد الألهاني، وفيه ضعف.

وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله» .

رواه الحاكم في "مستدركه": "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

باب

ما جاء في غربة الإسلام

عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود كما بدأ غريبًا؛ فطوبى للغرباء» .

رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وابن ماجه.

ص: 63

وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها» .

رواه مسلم.

وقد رواه الحافظ محمد بن وضاح في كتاب "البدع"، ولفظه: قال: «بدأ الإسلام غريبًا، ولا تقوم الساعة حتى يكون غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء حين يفسد الناس، ثم طوبى للغرباء حين يفسد الناس» .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: «إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا؛ فطوبى للغرباء» .

رواه ابن ماجه.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا؛ فطوبى للغرباء". قال: قيل: ومن الغرباء؟ قال: "النزاع من القبائل» .

رواه: الإمام أحمد، وابنه عبد الله، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي، وابن وضاح، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن مسعود ". قال: "وفي الباب عن سعد وابن عمر وجابر وأنس وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم".

وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى جحرها، وليعقلن الدين في الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل، إن الدين بدأ غريبًا، ويرجع غريبًا؛ فطوبى للغرباء، الذين يصلحون ما أفسد الناس من»

ص: 64

«بعدي من سنتي» .

رواه: الترمذي وقال: "هذا حديث حسن"، ورواه أبو نعيم في "الحلية" مختصرًا.

ورواه إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، ولفظه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الدين بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء". قيل: يا رسول الله! ومن الغرباء؟ قال: "الذين يحيون سنتي من بعدي، ويعلمونها عباد الله» .

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الإيمان بدأ غريبًا، وسيعود كما بدأ؛ فطوبى يومئذ للغرباء إذا فسد الناس، والذي نفس أبي القاسم بيده؛ ليأرزن الإيمان بين هذين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها» .

رواه: الإمما أحمد، والبزار، وأبو يعلى. قال الهيثمي:"ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح".

وعن عبد الرحمن بن سنة رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بدأ الإسلام غريبًا، ثم يعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء". قيل: يا رسول الله! ومن الغرباء؟ قال: "الذين يصلحون إذا فسد الناس، والذي نفسي بيده؛ لينحازن الإيمان إلى المدينة كما يجوز السيل، والذي نفسي بيده ليأرزن الإسلام إلى ما بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها» .

رواه: عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند"، والطبراني، وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهو متروك، ولكن لحديثه هذا شواهد مما تقدم وما يأتي.

ص: 65

قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة": " (سنة) : بفتح المهملة وتشديد النون، وحكى ابن السكن فيه المعجمة والموحدة". انتهى.

وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء". قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: "الذين يصلحون إذا فسد الناس» .

رواه الطبراني في الثلاثة. قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح؛ غير بكر بن سليم، وهو ثقة".

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا؛ فطوبى للغرباء". قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: "الذين يصلحون إذا فسد الناس» .

رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، وهو ضعيف، وقد وثق".

وعن أبي الدرداء وأبي أمامة وواثلة بن الأسقع وأنس بن مالك رضي الله عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء". قالوا: يا رسول الله! ومن الغرباء؟ قال: "الذين يصلحون إذا فسد الناس» .

رواه الطبراني في "الكبير". قال الهيثمي: "وفيه كثير بن مروان، وهو ضعيف جدًا".

وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء» .

رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط". قال الهيثمي: "وفيه ليث بن أبي

ص: 66

سليم، وهو ثقة".

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء» .

رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "وفيه عطية (يعني: العوفي) ، وهو ضعيف ".

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء» .

رواه الطبراني، وإسناده ضعيف.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن عنده: «طوبى للغرباء". فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: "ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم» .

رواه: الإمام أحمد، والطبراني. قال المنذري:"وأحد إسنادي الطبراني رواته رواة الصحيح ". وفي رواية لأحمد: «طوبي للغرباء (ثلاثًا) » . ورواه ابن وضاح بهذا اللفظ في كتاب "البدع والنهي عنها".

وعن بكر بن عمرو المعافري؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى للغرباء، الذين يمسكون بكتاب الله حين يترك، ويعملون بالسنة حين تطفأ» .

رواه ابن وضاح.

وعن شريح بن عبيد الحضرمي؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن» .

رواه ابن جرير.

ص: 67