الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
ما جاء في ابن صياد
وهو من يهود المدينة، وقيل: إنه من الأنصار، والأول أصح، وسيأتي التصريح بذلك في حديثي أبي بكرة وجابر رضي الله عنهما، وكذلك في بعض الروايات عن أبي سعيد رضي الله عنه.
وفي حديث جابر أيضًا النص على أنه من أهل العهد.
واسمه صاف، وقيل: عبد الله، وقد جاء هذا وهذا؛ كما سيأتي في حديثي جابر وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم.
قال ابن كثير: "وقد يكون أصل اسمه صاف ثم تسمى لما أسلم بعبد الله ".
قلت: وقد ثبت أنه كان يسمى بعبد الله وبصاف قبل أن يسلم، فأما تسميته بعبد الله؛ ففي حديث جابر رضي الله عنه، وأما تسميته بصاف؛ ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وسيأتي ذكر الحديثين إن شاء الله تعالى.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": " صاف؛ بمهملة وفاء وزن باغ. وفي حديث جابر: "فقالت (أي: أمه) : يا عبد الله! هذا أبو القاسم قد جاء. وكأن الراوي عبر باسمه الذي تسمى به في الإسلام، وأما اسمه الأول؛ فهو صاف ". انتهى.
ولابن صياد ابنان من رواة الحديث، وهما عمارة والوليد، وقد روى عنهما مالك في "الموطأ".
وروى الترمذي وابن ماجه من طريق عمارة حديثًا في "الأضحية".
ولعمارة ترجمة في: "التاريخ الكبير" للبخاري، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم، و "الثقات" لابن حبان، وفي "تهذيب الكمال"، و"تهذيب التهذيب"، و "تقريب التهذيب"، و "الكاشف"، و "الخلاصة".
وأما الوليد؛ فقد ذكره: ابن حبان في "الثقات"، وابن حجر في "تعجيل المنفعة".
وعن أبي بكرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يمكث أبو الدجال وأمه ثلاثين عامًا، لا يولد لهما ولد، ثم يولد لهما غلام أعور، أضر شيء وأقله منفعة، تنام عيناه ولا ينام قلبه"، ثم نعت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه، فقال: "أبوه طوال ضرب اللحم كأن أنفه منقار، وأمه امرأة فرضاخية طويلة الثديين".
قال أبو بكر: فسمعت بمولود في اليهود بالمدينة، فذهبت أنا والزبير بن العوام، حتى دخلنا على أبويه؛ فإذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما. قلنا: هل لكما ولد؟ فقالا: مكثنا ثلاثين عامًا لا يولد لنا ولد، ثم ولد لنا غلام أعور أضر شيء وأقله منفعة، تنام عيناه ولا ينام قلبه. قال: فخرجنا من عندهما؛ فإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة، وله همهمة، فكشف عن رأسه، فقال: ما قلتما؟ قلنا: وهل سمعت ما قلنا؟ قال: نعم؛ تنام عيناي ولا ينام قلبي» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والترمذي؛ من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة "، زاد أحمد في روايته:"قال حماد: وهو ابن صياد ".
وفي رواية لأحمد: ثم نعت أبويه، فقال:«أبوه رجل طوال، مضطرب اللحم، طويل الأنف، كأن أنفه منقار، وأمه امرأة فرضاخية، عظيمة الثديين» .
وقال في آخره: "فإذا هو ابن صياد ".
وفي رواية له أخرى؛ قال: «وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم صفة الدجال وصفة أبويه؛ قال: يمكث أبوا الدجال ثلاثين سنة لا يولد لهما، ثم يولد لهما ابن مسرور مختون، أقل شيء نفعًا وأضره، تنام عيناه ولا ينام قلبه» ، فذكره؛ إلا أنه قال:«ثم ولد لنا هذا: أعور، مسرورًا، مختونًا، أقل شيء نفعًا وأضره» .
قوله في صفة أبي الدجال أنه «ضرب اللحم» ؛ أي: خفيف اللحم، وقوله في صفة أم الدجال أنها "فرضاخية"؛ أي: ضخمة.
وقد أنكر أبو عبية ما جاء في هذا الحديث من صفة أبوي الدجال، فقال في (ص156) من "النهاية" لابن كثير ما نصه:"هذا الوصف لا يرد مثله على لسان الرسول عليه السلام".
والجواب أن يقال: لو أن أبا عبية قال كما قال ابن كثير في هذا الحديث: "إنه حديث منكر"؛ لكان أهون، فأما الجزم بأن هذا الوصف لا يرد مثله على لسان النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففيه نظر ظاهر؛ لأن هذا الحديث ليس في إسناده وضاع ولا كذاب ولا أحد ممن أجمع العلماء على ضعفهم، وإذا كان إسناد الحديث خاليًا من هؤلاء وأشباههم؛ فليس من الموضوعات، ولا ينبغي الجزم بنفيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم أن الترمذي حسن هذا الحديث، والحسن مقبول عند أهل العلم، ولا عبرة بمن خالفهم وشذ عنهم.
وعن أم سلمة رضي الله عنها: «أن ابن صياد ولدته أمه مسرورًا مختونًا» .
رواه ابن أبي شيبة.
وعن هشام بن عروة عن أبيه؛ قال: «ولد ابن صياد أعور مختتنًا» .
رواه عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر عن هشام بن عروة.
وعن زيد بن وهب؛ قال: «قال أبو ذر رضي الله عنه: لأن أحلف عشر مرار»
رواه: الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، والبزار، والطبراني في "الأوسط" قال الهيثمي:"ورجال أحمد رجال الصحيح، غير الحارث بن حصيرة، وهو ثقة". وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "سنده صحيح". وفي رواية ابن أبي شيبة، قالت:«صاح صاح صبي شهرين» .
رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
وقال سالم بن عبد الله: سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: «انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب الأنصاري إلى النخل التي فيها ابن صياد، حتى إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل؛ طفق يتقي بجذوع النخل وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئًا قبل أن يراه ابن صياد، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراش في قطيفة له فيها زمزمة، فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتقي بجذوع النخل، فقالت لابن صياد: يا صاف (وهو اسم ابن صياد) ! هذا محمد. فثار ابن صياد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو تركته بين» .
قال سالم: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال: "إني لأنذركموه، ما من نبي إلا وقد أنذره قومه، لقد أنذره نوح قومه، ولكن أقول لكم فيه قولًا لم يقله نبي لقومه: تعلموا أنه أعور، وأن الله تبارك وتعالى ليس بأعور» .
رواه: الإمام أحمد، وعبد الرزاق في "مصنفه" مفرقًا، والشيخان، وهذا لفظ مسلم. وروى أبو داود والترمذي بعضه. وزاد عبد الرزاق ومسلم في روايتهما: قال ابن شهاب: وأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري: أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حذر الناس الدجال: إنه مكتوب بين عينيه: كافر، يقرؤه من كره عمله (أو: يقرؤه كل مؤمن) ، وقال:»
«تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت» .
هذا لفظ مسلم.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري": "قال العلماء: استكشف النبي صلى الله عليه وسلم أمره ليبين لأصحابه تمويهه؛ لئلا يلتبس حاله على ضعيف لم يتمكن في الإسلام ". انتهى.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمررنا بصبيان فيهم ابن صياد، ففر الصبيان وجلس ابن صياد، فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "تربت يداك، أتشهد أني رسول الله؟ ". فقال: لا، بل تشهد أني رسول الله؟ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ذرني يا رسول الله حتى أقتله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن يكن الذي ترى؛ فلن تستطيع قتله» .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وهذا لفظه.
رواه: الإمام أحمد، ومسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صائد: "قد خبأت لك خبيئًا؛ فما هو؟ ". قال: الدخ. قال: "اخسأ» .
رواه البخاري.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن»
رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد مولى بني هاشم عن مهدي بن عمران، وهو من ثلاثيات أحمد، وقد رواه الطبراني بنحوه. قال الهيثمي:"وفيه مهدي بن عمران؛ قال البخاري: لا يتابع على حديثه".
قلت: وقد ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال:"عداده في أهل البصرة"، ولبعض حديثه شواهد مما تقدم من حديث جابر وابن عمر وابن مسعود وأبي سعيد رضي الله عنهم.
رواه: البزار، والطبراني في "الكبير" و "الأوسط". قال الهيثمي:"وفيه زياد بن الحسن بن فرات، ضعفه أبو حاتم، ووثقه ابن حبان ".
وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم خبأ لابن صياد»
رواه عبد الرزاق في "مصنفه"، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
ورواه الطبراني بإسنادين، قال الهيثمي:"ورجال أحدهما رجال الصحيح". وقد أشار إليه الترمذي في "جامعه"، وتقدم ذكره.
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه؛ قال: «ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر مما سألته، فقال: "ما تصنع به؟ ليس بضارك". قلت: ألا أقتل ابن صياد؟ قال: "ما تصنع بقتله؟ إن كان هو الدجال؛ فلن تخلص إلى قتله، وإن لم يكن الدجال؛ فما تصنع به» .
رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح؛ غير جهور بن منصور، وهو ثقة".
رواه مسلم من حديث داود (وهو ابن أبي هند) عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه.
ورواه أيضًا من حديث معتمر عن أبيه عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ (قال: «قال لي ابن صائد - وأخذتني منه ذمامة -: هذا»
وقد رواه الترمذي من حديث الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه، فذكره بنحوه، وقال في آخره: "فوالله ما زال يجيء بهذا حتى قلت: فلعله مكذوب عليه. ثم قال: يا أبا سعيد! والله لأخبرتك خبرًا حقًا، والله إني
لأعرفه وأعرف والده وأين هو الساعة من الأرض. فقلت: تبًا لك سائر اليوم".
ثم قال الترمذي: "هذا حديث حسن".
ورواه الإمام أحمد من حديث التيمي عن أبي نضرة «عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ "قال: لقيني ابن صائد، فقال: عد الناس يقولون (أو: أحسب الناس يقولون) وأنتم يا أصحاب محمد! أليس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (أو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو يهودي، وأنا مسلم، وإنه أعور، وأنا صحيح، ولا يأتي مكة ولا المدينة، وقد حججت، وأنا معك الآن بالمدينة، ولا يولد له، وقد ولد لي، ثم قال: مع ذلك إني لأعلم أين ولد ومتى يخرج وأين هو. قال: فلبس علي» .
إسناده صحيح على شرط مسلم.
ورواه أيضًا من حديث عوف الأعرابي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ "قال: «أقبلنا في جيش من المدينة قبل هذا المشرق. قال: فكان في الجيش عبد الله بن صياد، وكان لا يسايره أحد، ولا يرافقه، ولا يؤاكله، ولا يشاربه، ويسمونه الدجال، فبينا أنا ذات يوم نازل في منزل لي، إذ رآني عبد الله بن صياد جالسًا، فجاء حتى جلس إلي، فقال: يا أبا سعيد! ألا ترى إلى ما يصنع الناس، لا يسايرني أحد، ولا يرافقني أحد، ولا يشاربني أحد، ولا يؤاكلني أحد، ويدعوني الدجال، وقد علمت أنت يا أبا سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الدجال لا يدخل المدينة، وإني ولدت بالمدينة، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الدجال لا يولد له، وقد ولد لي، فوالله؛ لقد هممت مما يصنع بي هؤلاء الناس أن آخذ حبلًا، فأخلو، فأجعله في عنقي، فأختنق، فأستريح من هؤلاء الناس، والله؛ ما أنا بالدجال، ولكن والله لو شئت؛»
«لأخبرتك باسمه واسم أبيه واسم أمه واسم القرية التي يخرج منها» .
إسناده صحيح على شرط مسلم.
ورواه أيضًا من حديث الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ "قال: «حججنا، فنزلنا تحت شجرة، وجاء ابن صائد، فنزل في ناحيتها، فقلت: إنا لله؛ ما صب هذا علي؟ قال: فقال: يا أبا سعيد! ما ألقى من الناس وما يقولون لي؛ يقولون: إني الدجال. أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الدجال لا يولد له، ولا يدخل المدينة ولا مكة؟ قال: قلت: بلى. قال: قد ولد لي، وقد خرجت من المدينة، وأنا أريد مكة. قال أبو سعيد: فكأني رققت له، فقال: والله إن أعلم الناس بمكانه لأنا. قال: قلت: تبًا لك سائر اليوم» .
رواه مسلم.
وقد رواه الإمام أحمد من حديث أيوب وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أنه رأى ابن صائد في سكة من سكك المدينة، فسبه ابن عمر ووقع فيه، فانتفخ حتى سد الطريق، فضربه ابن عمر رضي الله عنهما بعصا كانت معه حتى كسرها عليه، فقالت له حفصة: ما شأنك وشأنه؟ ما يولعك به؟ أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما يخرج الدجال من غضبة يغضبها» ؟ .
ورواه: الإمام أحمد، ومسلم أيضًا؛ من حديث ابن عون عن نافع عن
هذا لفظ أحمد.
وفي رواية مسلم: "قال: «فلقيته لقية أخرى وقد نفرت عينه. قال: فقلت: متى فعلت عينك ما أرى؟ قال: لا أدري. قال: قلت: لا تدري وهي في رأسك؟ ! قال: إن شاء الله خلقها في عصاك هذه» ..... (وذكر بقيته بنحوه".
وقد رواه عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: "لقيت ابن صياد يومًا ومعه رجل من اليهود، فإذا عينه قد كفيت وهي خارجة مثل عين الجمل، فلما رأيتها؛ قلت: يا ابن صياد! أنشدك الله؛ متى طفيت عينك؟ قال: لا أدري والرحمن. فقلت: كذبت، لا تدري وهي في رأسك! قال: فمسحها، ونخر ثلاثًا، فزعم اليهودي أني ضربت بيدي على صدره. قال: ولا أعلمني فعلت ذلك. وقلت له: اخسأ؛ فلن تعدو قدرك. قال: أجل لعمري ولا أعدو قدري. قال: فذكرت ذلك لحفصة، فقالت لي: اجتنب هذا الرجل؛ فإنا نتحدث أن الدجال يخرج عند غضبة يغضبها".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: "لقيت ابن صياد في طريق من طرق المدينة، فانتفخ حتى ملأ الطريق، فقلت: اخسأ؛ فإنك لن تعدو قدرك، فانضم بعضه إلى بعض ومررت".
رواه ابن أبي شيبة.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ابن صائد عن تربة الجنة، فقال: درمكة بيضاء، مسك خالص. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق» .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وهذا لفظ أحمد.
وفي رواية لمسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه: «أن ابن صياد سأل النبي»
«صلى الله عليه وسلم عن تربة الجنة، فقال: " درمكة بيضاء، مسك خالص» .
وعنه رضي الله عنه؛ قال: «"ذكر ابن صياد عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عمر رضي الله عنه: إنه يزعم أنه لا يمر بشيء إلا كلمه» .
رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: "وفيه مجالد بن سعيد، وهو ضعيف وقد وثق، وبقية رجاله ثقات".
وعن محمد بن المنكدر؛ قال: «رأيت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحلف بالله إن ابن صائد الدجال، فقلت: أتحلف بالله؟ ! قال إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره النبي صلى الله عليه وسلم» .
رواه: الشيخان، وأبو داود.
وقد تقدم ما رواه أبو داود من طريق الوليد بن عبد الله بن جميع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر رضي الله عنه في ذكر الجساسة والدجال، وفيه:"فقال لي ابن أبي سلمة: إن في هذا الحديث شيئًا ما حفظته. قال: شهد جابر أنه ابن صياد. قلت: فإنه قد مات. قال: وإن مات. قلت: فإنه أسلم. قال: وإن أسلم. قلت: فإنه دخل المدينة. قال: وإن دخل المدينة".
وتقدم أيضًا ما رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة والبزار والطبراني عن زيد بن وهب؛ قال: قال أبو ذر رضي الله عنه: "لأن أحلف عشر مرار أن ابن صائد هو الدجال أحب إلي من أن أحلف مرة واحدة أنه ليس به".
إسناد أحمد صحيح. وقد تقدم التنبيه على ذلك.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "لأن أحلف بالله تسعًا أن ابن صياد هو الدجال أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه ليس به".
رواه: الطبراني وأبو يعلى بنحوه. قال الهيثمي: "ورجال أبي يعلى رجال
الصحيح".
وعن نافع؛ قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "والله؛ ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد ".
رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وعن سالم (وهو ابن أبي الجعد) عن جابر (وهو ابن عبد الله رضي الله عنهما ؛ قال: فقدنا ابن صياد يوم الحرة.
رواه أبو داود بإسناد صحيح، ورواه ابن أبي شيبة بمثله.
فصل
قال النووي في "شرح مسلم " في ذكر ابن صياد: "قال العلماء: قصته مشكلة، وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره؟ ولا شك في أنه دجال من الدجاجلة. قال العلماء: وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولا غيره، وإنما أوحي إليه بصفات الدجال، وكان في ابن صياد قرائن محتملة؛ فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره، ولهذا قال لعمر رضي الله عنه:«إن يكن هو؛ فلن تستطيع قتله» .
وأما احتجاجه هو بأنه مسلم والدجال كافر، وبأنه لا يولد للدجال وقد ولد له هو، وأنه لا يدخل مكة والمدينة وأن ابن الصياد دخل المدينة وهو متوجه إلى مكة؛ فلا دلالة له فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عن صفاته وقت فتنته وخروجه في الأرض.
ومن اشتباه قصته وكون أحد الدجاجلة الكذابين قوله للنبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ ودعواه أنه يأتيه صادق وكاذب، وأنه يرى عرشًا فوق الماء، وأنه
لا يكره أن يكون هو الدجال، وأنه يعرف موضعه، وقوله: إني لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن، وانتفاخه حتى ملأ السكة، وأما إظهاره الإسلام وحجه وجهاده وإقلاعه عما كان عليه؛ فليس بصريح في أنه غير الدجال.
قال الخطابي: واختلف السلف في أمره بعد كبره، فروي عنه أنه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة، وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه؛ كشفوا عن وجهه، حتى رآه الناس، وقيل لهم: اشهدوا. قال: كان ابن عمر وجابر فيما روي عنهما يحلفان أن ابن صياد هو الدجال؛ لا يشكان فيه، فقيل لجابر: إنه أسلم. فقال: وإن أسلم! فقيل: إنه دخل مكة وكان في المدينة. فقال: وإن دخل.
وروى أبو داود في "سننه" بإسناد صحيح عن جابر؛ قال: "فقدنا ابن صياد يوم الحرة".
وهذا يعطل رواية من روى أنه مات بالمدينة وصلي عليه.
وقد روى مسلم في هذه الأحاديث أن جابر بن عبد الله حلف بالله تعالى إن ابن صياد هو الدجال، وإنه سمع عمر رضي الله عنه يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عمر: أنه كان يقول: "والله؛ ما أشك أن ابن صياد هو المسيح الدجال ".
قال البيهقي في كتاب "البعث والنشور": اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافًا كثيرًا؛ هل هو الدجال؟ قال: ومن ذهب إلى أنه غيره؛ احتج بحديث تميم الداري في قصة الجساسة الذي ذكره مسلم.
قال: ويجوز أن توافق صفة ابن صياد صفة الدجال؛ كما ثبت في الصحيح أن أشبه الناس بالدجال عبد العزى بن قطن. وكان أمر ابن صياد فتنة
ابتلى الله تعالى بها عباده، فعصم الله تعالى منها المسلمين، ووقاهم شرها.
قال: وليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبي صلى الله عليه وسلم لقول عمر، فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان كالمتوقف في أمره، ثم جاءه البيان أنه غيره؛ كما صرح به في حديث تميم.
هذا كلام البيهقي، وقد اختار أنه غيره.
وقد قدمنا أنه صح عن عمر وعن ابن عمر وجابر رضي الله عنهم أنه الدجال، والله أعلم". انتهى كلام النووي.
وما اختاره البيهقي هو الأرجح المختار، وقد جزم به ابن كثير، وذكره عن بعض العلماء.
قال في كتاب "النهاية": "قال بعض العلماء إن ابن صياد كان بعض الصحابة يظنه الدجال الأكبر، وليس به، إنما كان دجالًا صغيرًا
…
".
إلى أن قال: "والمقصود أن ابن صياد ليس بالدجال الذي يخرج في آخر الزمان قطعًا؛ لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية؛ فإنه فيصل في هذا المقام ".
وقال ابن كثير أيضًا: "والأحاديث الواردة في ابن صياد كثيرة، وفي بعضها توقف في أمره؛ هل هو الدجال؟ ويحتمل أن يكون هذا قبل أن يوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الدجال وتعيينه، وقد تقدم حديث تميم الداري في ذلك، وهو فاصل في هذا المقام".
وقال ابن كثير أيضًا: "وقد قدمنا أن الصحيح أن الدجال غير ابن صياد، وأن ابن صياد كان دجالًا من الدجاجلة، ثم تيب عليه بعد ذلك، فأظهر الإسلام، والله أعلم بضميره وسريرته، وأما الدجال الأكبر؛ فهو المذكور في حديث فاطمة بنت قيس الذي روته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تميم الداري، وفيه
قصة الجساسة، ثم يؤذن له في الخروج في آخر الزمان ". انتهى المقصود من كلامه رحمه الله تعالى.
وقد ذكر نعيم بن حماد في كتاب "الفتن" أحاديث تتعلق بالدجال وخروجه:
منها ما أخرجه من طريق جبير بن نفير وشريح بن عبيد وعمرو بن الأسود وكثير بن مرة؛ قالوا جميعًا: «الدجال ليس هو إنسانًا، وإنما هو شيطان، موثق بسبعين حلقة، في بعض جزائر اليمن، لا يعلم من أوثقه سليمان النبي أو غيره، فإذا آن ظهوره؛ فك الله عنه كل عام حلقة، فإذا برز؛ أتته أتان عرض ما بين أذنيها أربعون ذراعًا، فيضع على ظهرها منبرًا من نحاس، ويقعد عليه، ويتبعه قبائل الجن؛ يخرجون له خزائن الأرض» .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" بعد إيراده لهذا الأثر: "وهذا لا يمكن معه كون ابن صياد هو الدجال، ولعل هؤلاء مع كونهم ثقات تلقوا ذلك من بعض كتب أهل الكتاب".
قلت: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم «أن الدجال له حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعًا» .
رواه: الإمام أحمد، والحاكم بإسناد صحيح على شرط مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
وروى الحاكم أيضًا بإسناد صحيح عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه: أنه قال في الدجال: «ولا يسخر له من المطايا إلا الحمار، فهو رجس على رجس» .
ففي هذين الحديثين شاهد لما في الأثر الذي رواه نعيم بن حماد من كون
الدجال يركب على أتان عرض ما بين أذنيها أربعون ذراعًا.
وأما قولهم: "إن الدجال ليس هو إنسانًا وإنما هو شيطان "؛ فهو مردود بما في حديث تميم الداري رضي الله عنه: أنه قال: «فانطلقنا سراعًا، حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقًا»
…
" الحديث.
رواه: مسلم، وأبو داود، وتقدم ذكره.
قال الحافظ ابن حجر: "وذكر ابن وصيف المؤرخ أن الدجال من ولد شق الكاهن المشهور. قال: وقيل: بل هو شق نفسه، أنظره الله، وكانت أمه جنية، عشقت أباه، فأولدها، وكان الشيطان يعمل له العجائب، فأخذه سليمان، فحبسه في جزيرة من جزائر البحر".
قال الحافظ: "وهذا في غاية الوهي".
قلت: لم يقم دليل يدل على أن الدجال هو شق الكاهن، ولا أنه من ولده؛ فلا ينبغي الالتفات إلى هذا الخبر الواهي.
ومما يدل على بطلانه ما ذكره المؤرخون عن ربيعة بن نصر - أحد ملوك التبابعة - أنه رأى رؤيا هالته، فسأل سطيحًا وشقًا عنها، فأخبراه عن تأويلها بأن الحبشة يملكون اليمن بعد حين أكثر من ستين أو سبعين سنة وأن سلطانهم ينقطع عن اليمن لبضع وسبعين سنة، وذلك حين يخرجهم سيف بن ذي يزن الحميري، وكان ظهور سيف بن ذي يزن على الحبشة بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، فيؤخذ من هذا أن شقًا كان في الفترة التي بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، وذلك بعد زمان سليمان عليه الصلاة والسلام بمدة طويلة.
قال الحافظ ابن حجر: "وقد أخرج أبو نعيم الأصبهاني في "تاريخ أصبهان" ما يؤيد كون ابن صياد هو الدجال، فساق من طريق شبيل - بمعجمة
وموحدة مصغرًا آخره لام - ابن عزرة - بمهملة بوزن ضربة - عن حسان بن عبد الرحمن عن أبيه؛ قال: لما افتتحنا أصبهان؛ كان بين عسكرنا وبين اليهودية فرسخ، فكنا نأتيها فنمتار منها، فأتيتها يومًا؛ فإذا اليهود يزفنون ويضربون، فسألت صديقًا لي منهم، فقال: ملكنا الذي نستفتح به على العرب يدخل، فبت عنده على سطح، فصليت الغداة فلما طلعت الشمس؛ إذا الرهج من قبل العسكر، فنظرت؛ فإذا رجل عليه قبة من ريحان واليهود يزفنون ويضربون، فنظرت؛ فإذا هو ابن صياد، فدخل المدينة، فلم يعد حتى الساعة".
قال الحافظ ابن حجر: " وحسان بن عبد الرحمن ما عرفته والباقون ثقات. وقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن جابر رضي الله عنه؛ قال: فقدنا ابن صياد يوم الحرة".
قال الحافظ: "وهذا يضعف ما تقدم أنه مات بالمدينة، وأنهم صلوا عليه وكشفوا عن وجهه، ولا يلتئم خبر جابر هذا مع خبر حسان بن عبد الرحمن؛ لأن فتح أصبهان كان في خلافة عمر رضي الله عنه؛ كما أخرجه أبو نعيم في "تاريخها"، وبين قتل عمر ووقعة الحرة نحو أربعين سنة، ويمكن الحمل على أن القصة إنما شاهدها والد حسان بعد فتح أصبهان بهذه المدة، ويكون جواب (لما) في قوله: "لما افتتحنا أصبهان" محذوفًا، تقديره: صرت أتعاهدها وأتردد إليها فجرت قصة ابن صياد، فلا يتحد زمان فتحها وزمان دخولها ابن صياد ".
قلت: في هذا الحمل والتوجيه نظر لا يخفى، والأولى أن يقال: إن الخبر الذي رواه أبو نعيم في "تاريخه" لا يعتمد عليه؛ لأن في إسناده من لا يعرف.
ثم قال الحافظ: "وأقرب ما يجمع به بين ما تضمنه حديث تميم وكون ابن صياد هو الدجال: أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثقًا، وأن ابن صياد شيطان تبدى في صورة الدجال في تلك المدة إلى أن توجه إلى أصبهان،
فاستتر مع قرينه إلى أن تجيء المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها".
قلت: وفي هذا الجمع نظر لا يخفى؛ فإن ابن صياد قد ولد في المدينة وكان أبوه وأمه من اليهود، وكان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قارب الحلم، ثم أسلم بعد ذلك، وولد له ابنان من خيار التابعين، ومن كانت هذه حاله؛ فليس بشيطان تبدى في صورة الدجال، وإنما هو آدمي قطعًا.
والأحسن في هذا أن يقال: إن ابن صياد دجال من الدجاجلة، وليس بالدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان؛ كما قرر ذلك الحافظ ابن كثير وغيره من المحققين. والله أعلم.
فصل
وقد قدح أبو عبية في حديث جابر الذي تقدم ذكره في أول الباب، وقرر عدم صحته بغير حجة يستند إليها، بل بمجرد رأيه وما تميل نفسه إليه من القدح في الأحاديث الصحيحة والغض من شأنها، ثم زعم في عنوان وضعه في (ص104) أن الأحاديث الواردة في ابن صياد مرويات مرفوضة لا تصدق عقلًا، وليس بمعقول صدورها عن الرسول عليه السلام، وقال في حاشية (ص104) : "إن ابن صياد خرافة على بعض العقول فعاشت قصتها في بعض الكتب منسوبة إلى الرسول
…
" إلى آخر كلامه.
والجواب أن يقال: قد ورد في شأن ابن صياد أحاديث كثيرة، منها ما هو في "الصحيحين"، ومنها ما هو في أحدهما، ومنها ما رواه الإمام أحمد وغيره من الأئمة بأسانيد جيدة، وقد ذكرت من ذلك ما فيه كفاية في رد ما توهمه أبو عبية ومن على شاكلته من المخرفين الذين لا يعبؤون بالأحاديث الصحيحة ولا يقيمون لها وزنًا، ولا يرفض الأحاديث الواردة في ابن صياد وينفي صدورها عن
النبي صلى الله عليه وسلم إلا أصحاب القلوب السقيمة والعقول التي ليست بمستقيمة، فأما أصحاب القلوب السليمة والعقول المستقيمة؛ فإنهم يصدقون بها وبكل ما صحت أسانيده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعترضون على شيء منها بمجرد الآراء والتخرصات.
باب
لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره
عن راشد بن سعد؛ قال: لما فتحت إصطخر؛ نادى مناد: ألا إن الدجال قد خرج. قال: فلقيهم الصعب بن جثامة رضي الله عنه، فقال: لولا ما تقولون لأخبرتكم أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يخرج الدجال حتى يذهل النسا عن ذكره، وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابر» .
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد من رواية بقية عن صفوان بن عمرو. قال الهيثمي: "وهي صحيحة كما قال ابن معين، وبقية رجاله ثقات". وقد رواه ابن السكن وقال: "إسناده صالح"، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في "الإصابة" في ترجمة الصعب بن جثامة، وقال في "تهذيب التهذيب":"إنما أشار بقوله: "صالح الإسناد": إلى ثقة رجاله، لكن راشدًا لم يدرك زمن الصعب". انتهى.
باب
ما جاء في تمني الدجال
عن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمان يتمنون فيه الدجال ". قلت: يا رسول الله! بأبي وأمي مم ذاك؟ قال: "مما يلقون من العناء» .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "ورجاله ثقات". ورواه البزار بنحوه. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات". ورواه نعيم بن حماد في "الفتن" بنحوه، وقال في آخره:«مما يلقون في الدنيا من الزلازل والفتن» .
وعن صلة بن زفر: أنه سمع حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، وقال له رجل: خرج الدجال، فقال حذيفة رضي الله عنه:"أما ما كان فيكم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فلا والله، لا يخرج حتى يتمنى قوم خروجه، ولا يخرج حتى يكون خروجه أحب إلى أقوام من شرب الماء البارد في اليوم الحار".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: «لا يخرج الدجال حتى لا يكون شيء أحب إلى المؤمن من خروج نفسه» .
رواه أبو نعيم في "الحلية".
باب
في علامات خروج الدجال
قد تقدم في ذلك عدة أحاديث:
منها حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: «كنا قعودًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الفتن، فأكثر في ذكرها..... الحديث، وفيه: "ثم فتنة الدهيماء، لا تدع أحدًا من هذه الأمة؛ إلا لطمته لطمة، فإذا قيل: انقضت؛ تمادت، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، حتى يصير الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذلكم؛ فانتظروا الدجال من يومه أو غده» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والحاكم في "مستدركه"، وأبو نعيم في "الحلية". وقال الحاكم:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي في "تلخيصه". وقد تقدم بتمامه في أول الكتاب في (باب ما جاء في الفتن الكبار) .
ومنها حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال (ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدثه أو منكبه، ثم قال:) إن هذا الحق كما أنك هاهنا (أو: كما أنك قاعد) (يعني: معاذًا) » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، وقد تقدم في (باب علامة فتح القسطنطينية) .
ومنها حديث معاذ أيضًا رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الملحمة الكبرى، وفتح القسطنطينية، وخروج الدجال في سبعة أشهر» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم في "مستدركه". وقال الترمذي:"هذا حديث حسن". وقد تقدم هذا الحديث في (باب تواتر الملاحم في آخر الزمان) .
ومنها حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين، ويخرج المسيح الدجال في السابعة» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وقد تقدم في (باب تواتر الملاحم في آخر الزمان) .
ومنها حديثه أيضًا: أنه قال: «"يا ابن أخي! لعلك تدرك فتح القسطنطينية؛ فإياك إن أدركت فتحها أن تترك غنيمتك منها؛ فإن بين فتحها وبين خروج الدجال»
«سبع سنين» .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن"، وقد تقدم في (باب تواتر الملاحم في آخر الزمان) .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ قال: "للدجال آيات معلومات: إذا غارت العيون، ونزفت الأنهار، واصفر الريحان، وانتقلت مذحج وهمدان من العراق فنزلت قنسرين؛ فانتظروا الدجال غاديًا أو رائحًا".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي ظبيان؛ قال: "ذكرنا الدجال، فسألنا عليًا رضي الله عنه: متى خروجه؟ قال: لا يخفى على مؤمن، عينه اليمنى مطموسة، مكتوب بين عينيه كافر؛ يتهجاها لنا علي رضي الله عنه. قلنا: ومتى يكون ذلك؟ قال: حين يفخر الجار على جاره، ويأكل الشديد الضعيف، وتقطع الأرحام، ويختلفوا اختلاف أصابعي هؤلاء (وشبكها ورفعها) ، فقال له رجل من القوم: كيف تأمر عند ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: إنك لن تدرك ذلك. فطابت أنفسنا".
رواه ابن أبي شيبة.
وعن علي أيضًا رضي الله عنه: "أنه خطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه، ثم قال: معاشر الناس! سلوني قبل أن تفقدوني (يقولها ثلاث مرات) . فقام إليه صعصعة بن صوحان العبدي، فقال: يا أمير المؤمنين! متى يخرج الدجال؟ فقال: مه يا صعصعة! قد علم الله مقامك وسمع كلامك، ما المسؤول بأعلم بذلك من السائل، ولكن لخروجه علامات وأسباب وهنات يتلو بعضهن بعضًا حذو النعل بالنعل، ثم إن شئت أنبأتك بعلامته. فقال: عن ذلك
سألتك يا أمير المؤمنين. قال: فاعقد بيدك واحفظ ما أقول لك: إذا أمات الناس الصلوات، وأضاعوا الأمانات، وكان الحكم ضعفًا، والظلم فخرًا، وأمراؤهم فجرة، ووزراؤهم خونة، وأعوانهم ظلمة، وقراؤهم فسقة، وظهر الجور، وفشا الزنى، وظهر الربا، وقطعت الأرحام، واتخذت القينات، وشربت الخمور، ونقضت العهود، وضيعت العتمات، وتوانى الناس في صلاة الجماعات، وزخرفوا المساجد، وطولوا المنابر، وحلوا المصاحف، وأخذوا الرشى، وأكلوا الربا، واستعملوا السفهاء، واستخفوا بالدماء، وباعوا الدين بالدنيا، واتجرت المرأة مع زوجها حرصًا على الدنيا، وركب النساء على المياثر وتشبهن بالرجال، وتشبه الرجال بالنساء، وكان السلام بينهم على المعرفة، وشهد شاهدهم من غير أن يستشهد، وحلف من قبل أن يستحلف، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب، وكانت قلوبهم أمر من الصبر، وألسنتهم أحلى من العسل، وسرائرهم أنتن من الجيف، والتمس الفقه لغير الدين، وأنكر المعروف، وعرف المنكر، فالنجا النجا، والوحا الوحا
…
" الحديث.
رواه ابن المنادي. قال في "كنز العمال": "وفيه حماد بن عمرو: متروك، عن السري بن خالد: قال في "الميزان": لا يعرف. وقال الأزدي: لا يحتج به ".
قلت: وله شواهد كثيرة مما تقدم في أول أشراط الساعة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال في الدجال: "تكون آية خروجه تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتهاون بالدماء، وضيعوا الحكم، وأكلوا الربا، وشيدوا البناء، وشربوا الخمور، واتخذوا القيان، ولبسوا الحرير، وأظهروا بزة آل فرعون، ونقضوا العهد، وتفقهوا لغير الدين، وزينوا المساجد، وخربوا القلوب، وقطعوا الأرحام، وكثرت القراء، وقلت الفقهاء، وعطلت
الحدود، وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، وتكافأت الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، بعث الله عليهم الدجال، فسلط عليهم حتى ينتقم منه، وينحاز المؤمنون إلى بيت المقدس
…
" الحديث.
رواه: إسحاق بن بشر، وابن عساكر.
باب
ما جاء في السنوات التي بين يدي الدجال
عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"إن أمام الدجال سنين خداعة؛ يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويتكلم فيها الرويبضة". قيل: وما الرويبضة؟ قال: "الفويسق يتكلم في أمر العامة» .
رواه الإمام أحمد، وفي إسناده محمد بن إسحاق وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات.
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"يكون أمام الدجال سنون خوادع؛ يكثر فيها المطر، ويقل فيها النبت، ويكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويؤتمن فيهال الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة ". قيل: يا رسول الله! وما الرويبضة؟ قال: "من لا يؤبه له» .
رواه الطبراني بأسانيد. قال الهيثمي: "وفي أحسنها ابن إسحاق وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات".
ورواه: أبو يعلى، والبزار، وعنده:«قيل: يا رسول الله! وما الرويبضة؟»
«قال: "المرء التافه يتكلم في أمر العامة» . قال البوصيري: "رواه أبو يعلى والبزار بسند واحد رواته ثقات".
قال الجوهري: " (الرويبضة) : التافه الحقير". وقال ابن الأثير: "التافه الحقير الخسيس".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: «"تكون قبل خروج المسيح الدجال سنوات خداعة؛ يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، ويتكلم الرويبضة". قيل: وما الرويبضة؟ قال: "الوضيع من الناس» .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
باب
ما جاء في حبس المطر والنبات عند خروج الدجال
«عن أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها؛ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فذكر الدجال، فقال: "إن بين يديه ثلاث سنين: سنة تمسك السماء ثلث قطرها والأرض ثلث نباتها، والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها والأرض ثلثي نباتها، والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله، فلا يبقى ذات ضرس ولا ذات ظلف من البهائم إلا هلكت
…
" الحديث.
وفيه: قالت أسماء: يا رسول الله! إنا والله لنعجن عجينتنا فما نختبزها حتى نجوع؛ فكيف بالمؤمنين يومئذ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجزيهم ما يجزي أهل السماء من التسبيح والتقديس» .
رواه: عبد الرزاق في "مصنفه"، والإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي،
والطبراني. قال الهيثمي: "وفيه شهر بن حوشب وفيه ضعف وقد وثق".
قلت: قد روى له مسلم في "صحيحه"، ووثقه أحمد وابن معين ويعقوب بن سفيان، وقال أبو زرعة:"لا بأس به"، وعلى هذا؛ فأقل الأحوال في حديثه أن يكون من قبيل الحسن.
وقد قال ابن كثير في "النهاية" بعدما أورد حديثه هذا من رواية الإمام أحمد: "إسناده لا بأس به".
وفي رواية لأحمد: «يكفي المؤمنين عن الطعام والشراب يومئذ التكبير والتسبيح والتحميد» .
وقد رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة" من حديث شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها؛ قالت: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه الدجال، فقال: "أحذركم المسيح الدجال، وإن كل نبي قد أنذر قومه، وإنه فيكم أيتها الأمة، وسأجلي لكم من نعته ما لم تجلي الأنبياء قبلي لقومهم: يكون قبل خروجه سنون جدب، حتى يهلك كل ذي حافر". فناداه رجل، فقال: يا رسول الله! بم يعيش المؤمنون؟ فقال: "بما يعيش به الملائكة.....» الحديث.
وسيأتي بتمامه في (باب اتباع الدجال) إن شاء الله تعالى.
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه؛ قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أكثر خطبته حديثًا حدثناه عن الدجال وحذرناه.... فذكر الحديث بطوله، وفي آخره:«"وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد، يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله»
رواه: ابن ماجه، وابن خزيمة، والضياء المقدسي.
باب
ما جاء في الجوع الذي يكون عند خروج الدجال وفي أيامه وما يكون طعام المؤمنين يومئذ
فيه حديث أسماء بنت يزيد وحديث أبي أمامة رضي الله عنهما، وقد تقدم ذكرهما في الباب قبله.
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى. قال الهيثمي:"ورجاله رجال الصحيح". وقال ابن كثير: "تفرد به أحمد، وإسناده صحيح، وفيه غرابة".
رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه راو لم يسم، وبقية رجاله رجال الصحيح".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن طعام المؤمنين في زمن الدجال؟ قال: "طعام الملائكة". قالوا: وما طعام الملائكة؟ قال: "طعامهم منطقهم بالتسبيح والتقديس، فمن كان منطقه يومئذ التسبيح والتقديس؛ أذهب الله عنه الجوع؛ فلم يخش جوعًا» .
رواه الحاكم في "مستدركه" من طريق سعيد بن سنان، وقال "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وتعقبه الذهبي فقال:" سعيد متهم تالف".
قلت: ولهذا الحديث شواهد مما تقدم.
فصل
وقد أنكر أبو عبية ما جاء في أحاديث هذا الباب والباب قبله من كون التسبيح والتكبير والتحميد يقوم للمؤمنين مقام الطعام عند عدمه في آخر الزمان، فقال في (ص115) في الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم في آخر حديث أبي أمامة الطويل في ذكر الدجال: «وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد، يصيب الناس فيها جوع شديد
…
إلى أن قال: فقيل: ما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: "التهليل والتكبير والتسبيح والتحميد، ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام» ؛ قال أبو عبية:
"هذا يتنافى وطبيعة الأحياء، وهو الأمر الذي يجعلنا ننفي نسبة الحديث
للرسول عليه السلام، وإلا؛ فكيف يعيش الناس بدون طعام ولا شراب؟ ! ".
وقال أيضًا في عنوان وضعه في (ص134) : "التسبيح والتهليل والتكبير لا تطعم الأجساد".
وقال أيضًا في حاشية (ص135) ما نصه: "سبقت الإشارة إلى أن حياة الناس في دنيانا بدون طعام ولا شراب أمر غير ممكن، ولذا فنحن نطمئن إلى نفي هذا الحديث عن الرسول الكريم ".
وقال أيضًا في حاشية (ص136) تعليقًا على قول ابن كثير في حديث عائشة رضي الله عنها الذي تقدم ذكره في الباب: "تفرد به أحمد، وإسناده صحيح، وفيه غرابة".
قال أبو عبية: "متنه أشد غرابة، ونفيه عن الرسول حق من الحق".
والجواب عن هذا من وجهين:
أحدهما: أن يقال: قد صح حديث أبي أمامة وحديث عائشة رضي الله عنهما في ذلك، وإذا صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالإيمان به واجب، ومن رده ولم يؤمن به؛ فقد رد على الله أمره، ورد على الرسول صلى الله عليه وسلم خبره الصادق، وقد تقدم كلام الإمام أحمد وغيره في ذلك في أول الكتاب؛ فليراجع.
الوجه الثاني: أن اجتزاء المؤمنين بالتهليل والتكبير والتسبيح والتحميد عن الطعام عند خروج الدجال وفي أيامه أمر خارق للعادة وكرامة من كرامات الأولياء.
ونظير ذلك فتحهم للقسطنطينية ورومية بالتسبيح والتهليل والتكبير؛ كما تقدم ذكر الأحاديث في ذلك في (باب ما جاء في الملحمة الكبرى وفتح القسطنطينية ورومية) .
ونظير ذلك أيضًا ما تقدم في (باب قتال اليهود) أن الحجر والشجر يقول: "يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله".
ونظيره أيضًا ما رواه الحاكم والبيهقي في "دلائل النبوة" إجازة عن الحاكم عن هشام بن العاص الأموي؛ قال: "بعثت أنا ورجل آخر إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام (فذكر الحديث إلى أن قال:) ، حتى انتهينا إلى غرفة له، فأنخنا في أصلها وهو ينظر إلينا، فقلنا: لا إله إلا الله والله أكبر؛ فالله يعلم؛ لقد انتفضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح (فذكر الحديث في دخولهم عليه إلى أن قال:) قال: فما أعظم كلامكم؟ قلنا: لا إله إلا الله والله أكبر. فلما تكلمنا بها، والله يعلم؛ لقد انتفضت الغرفة حتى رفع رأسه إليها؛ قال: فهذه الكلمة التي قلتموها حيث انتفضت الغرفة، كلما قلتموها في بيوتكم تنفضت عليكم غرفكم؟ قلنا: لا؛ ما رأيناها فعلت هذا قط إلا عندك. قال: لوددت أنكم كلما قلتم تنفض كل شيء عليكم وأني قد خرجت من نصف ملكي. قلنا: لم؟ قال: لأنه كان أيسر لشأنها وأجدر أن لا تكون من أمر النبوة وأنها تكون من حيل الناس
…
(وذكر تمام الحديث)"، وقد نقله ابن كثير في تفسير سورة الأعراف عند قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} الآية. قال ابن كثير: "وإسناده لا بأس به".
ونظيره أيضًا أن الصحابة رضي الله عنهم في بعض قتالهم للفرس عبروا دجلة على خيولهم، وخرجوا منها، لم تبتل سرجهم، ولم يفقدوا شيئًا من متاعهم.
وأمثال هذا من كرامات الأولياء وخوارق العادات كثير جدًا.
ومن أصول أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات، فمن لم يصدق بذلك؛ فقد خالف ما عليه أهل السنة والجماعة، واتبع طريق أهل البدع والضلالة.
باب
ما جاء في صفة أبوي الدجال
فيه حديث أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة أبوي الدجال، وقد تقدم في أول الأحاديث المتعلقة بابن صياد؛ فليراجع.
باب
ما جاء أن الدجال يولد في القبر
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: «ذكر الدجال عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "تلده أمه وهي منبوذة في قبرها، فإذا ولدته؛ حملت النساء بالخطائين» .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "وفيه عثمان بن عبد الرحمن الجمحي؛ قال البخاري: مجهول".
قلت: وظاهر هذا الحديث أن الدجال لا يولد إلا في آخر الزمان؛ لقوله: «فإذا ولدته؛ حملت النساء بالخطائين» . وهذا مخالف لما تقدم في حديثي عمران بن حصين ومعقل بن يسار رضي الله عنهما أن الدجال قد أكل الطعام ومشى في الأسواق، ومخالف أيضًا لما تقدم من حديث فاطمة بنت قيس وجابر رضي الله عنهما في خبر الجساسة والدجال؛ فإن فيه أن الدجال كان موجودًا في
زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان موثقًا بالحديد في بعض جزائر البحر، والعمدة على ما تقدم لا على هذا الحديث الضعيف، والله أعلم.
باب
ما جاء في صفة الدجال
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا، إن مسيح الدجال رجل قصير، أفحج، جعد، أعور، مطموس العين، ليس بناتئة ولا جحراء، فإن ألبس عليكم؛ فاعلموا أن ربكم تبارك وتعالى ليس بأعور، وأنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وأبو بكر الآجري؛ بأسانيد جيدة، وفيها بقية بن الوليد. قال المنذري في "تهذيب السنن":"وفيه مقال".
قلت: قد قال النسائي: "إذا قال: حدثنا وأخبرنا؛ فهو ثقة". وقال ابن عدي: "إذا حدث عن أهل الشام؛ فهو ثبت". وقال الجوزجاني: "إذا حدث عن الثقات؛ فلا بأس به". وهذا الحديث قد صرح فيه بالتحديث عن يحيى بن سعيد، وهو حمصي ثقة، فصار بقية في هذا الحديث ثقة ثبتًا، وبقية رواته كلهم ثقات.
قال ابن الأثير: " (الفحج) : تباعد ما بين الفخذين".
وقال ابن منظور في "لسان العرب": " الفحج) : تباعد ما بين أوساط الساقين في الإنسان والدابة، وقيل: تباعد ما بين الفخذين، وقيل: تباعد ما بين الرجلين، والأفحج الذي في رجليه اعوجاج، ورجل أفحج بين الفحج، وهو
الذي تتدانى صدور قدميه وتتباعد عقباه وتتفحج ساقاه".
وقال الخطابي: " (الأفحج) : الذي إذا مشى باعد بين رجليه". قال: " (والجحراء) : التي قد انخسفت فبقي مكانها غائرًا كالجحر، يقول: إن عينه سادة لمكانها، مطموسة؛ أي: ممسوحة، ليست بناتئة ولا منخسفة". انتهى.
وعن جبير بن نفير عن أبيه رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال، فقال: "إن يخرج وأنا فيكم؛ فأنا حجيجه، وإن يخرج ولست فيكم؛ فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، ألا وإنه مطموس العين كأنها عين عبد العزى بن قطن الخزاعي، ألا وإنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مسلم
…
» الحديث.
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه الطبراني بنحوه. قال الهيثمي: "وفيه عبد الله بن صالح، وقد وثق، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات".
ورواية الحاكم تشهد لرواية الطبراني بالصحة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال في الدجال: «أعور، هجان، أزهر، كأن رأسه أصلة، أشبه الناس بعبد العزى بن قطن، فإما هلك الهلك؛ فإن ربكم تبارك وتعالى ليس بأعور» .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني.
وفي رواية عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «رأيت الدجال هجانًا، ضخمًا، فيلمانيًا، كأن شعره أغصان شجرة، أعور كأن عينيه كوكب الصبح، أشبه بعبد العزى بن قطن (رجل من خزاعة) » .
قال الهيثمي: "ورجال الجميع رجال الصحيح، وقد روى الرواية الأولى عبد الله ابن الإمام أحمد في "كتاب السنة" من طريق أبيه ومن طريق أخرى، وأبو داود الطيالسي في "مسنده"، وابن خزيمة في "كتاب التوحيد"، وابن حبان في "صحيحه" بنحوه، ورجال أبي داود وابن خزيمة رجال الصحيح".
قال ابن الأثير وابن منظور في "لسان العرب": " (الهجان) : الأبيض، و (الأزهر) : الأبيض المستنير، والزهر والزهرة: البياض النير، وهو أحسن الألوان".
قال ابن منظور: "والزاهر والأزهر: الحسن الأبيض من الرجال، وقيل: هو الأبيض فيه حمرة، ورجل أزهر؛ أي: أبيض مشرق الوجه، و (الفيلم) : العظيم الضخم الجثة من الرجال، والفيلماني: منسوب إليه بزيادة الألف والنون للمبالغة، و (الأصلة) ؛ بفتح الهمزة والصاد: الأفعى، وقيل: هي الحية العظيمة الضخمة القصيرة، والعرب تشبه الرأس الصغير الكثير الحركة برأس الحية". قال ابن منظور: "شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس الدجال بها لعظمه واستدارته، وفي الأصلة مع عظمها استدارة".
رواه: الإمام أحمد، والنسائي، وأبو يعلى؛ بأسانيد صحيحة.
قال ابن قتيبة وغيره من أهل اللغة: " (الأقمر) : الأبيض الشديد البياض، والأنثى قمراء".
وتقدم بيان معنى الفيلماني والهجان، و (المبطن) : هو الضامر البطن.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أراني الليلة في المنام عند الكعبة، فإذا رجل آدم كأحسن ما ترى من أدم الرجال، تضرب لمته بين منكبيه، رجل الشعر، يقطر رأسه ماء، واضعًا يديه على منكبي رجلين، وهو بينهما يطوف بالبيت، فقلت: من هذا؟ فقالوا: المسيح ابن مريم، ورأيت وراءه رجلًا جعدًا، قططًا، أعور عين اليمنى، كأشبه من رأيت من الناس بابن قطن، واضعًا يديه على منكبي رجلين، يطوف بالبيت، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا المسيح الدجال» .
رواه: مالك، وأحمد، وأبو داود الطيالسي، والشيخان.
وفي رواية لأحمد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «"رأيت عند الكعبة مما يلي وجهها (وفي رواية له أخرى: رأيت عند الكعبة مما يلي المقام) رجلًا آدم، سبط الرأس، واضعًا يده على رجلين، يسكب رأسه (أو: يقطر) ، فسألت: من هذا؟ فقيل: عيسى ابن مريم أو المسيح ابن مريم (لا أدري ذلك قال) ، ثم رأيت وراءه رجلًا أحمر، جعد الرأس، أعور عين اليمنى، أشبه من رأيت به ابن قطن، فسألت: من هذا؟ فقيل: المسيح الدجال» .
وفي رواية لأحمد والشيخين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «"بينا أنا نائم؛»
زاد البخاري: " وابن قطن رجل من بني المصطلق من خزاعة". وفي رواية: "قال الزهري: رجل من خزاعة هلك في الجاهلية ". وفي رواية لأحمد: "قال ابن شهاب: رجل من خزاعة من بني المصطلق مات في الجاهلية ".
قوله: "رجل الشعر"؛ أي: بين الجعودة والسبوطة، و (الجعد) من الشعر: ضد السبط، و (القطط) : الشديد الجعودة. قاله ابن الأثير. قال: "وقيل: الحسن الجعودة، والأول أكثر". وقال ابن منظور في "لسان العرب": " (القطط) : شعر الزنجي". قال: "وجعد قطط؛ أي: شديد الجعودة".
وقوله في هذا الحديث: "فإذا رجل أحمر": المراد به الأبيض؛ فلا منافاة بين ما هنا وبين ما تقدم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه هجان أزهر، وفي الرواية الأخرى أنه أقمر، وقد تقدم تفسير ذلك بأنه الأبيض.
وقد نقل ابن منظور في "لسان العرب" عن المبرد أنه قال: "يقال لولد العربي من غير العربية: هجين؛ لأن الغالب على ألوان العرب الأدمة، وكانت العرب تسمي العجم الحمراء؛ لغلبة البياض على ألوانهم، ويقولون لمن علا لونه البياض: أحمر، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: «يا حميراء!» ؛ لغلبة البياض على لونها. وقال صلى الله عليه وسلم: «بعثت إلى الأحمر والأسود» ؛ فأسودهم العرب، وأحمرهم العجم، وقالت العرب لأولادها من العجميات اللاتي يغلب على ألوانهن البياض: هجن وهجناء؛ لغلبة البياض على ألوانهم وإشباههم أمهاتهم " انتهى.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية» ؛ فقال النووي في "شرح مسلم ": "روي بالهمز وبغير همز، فمن همز: معناه: ذهب ضوؤها، ومن لم يهمز: معناه: ناتئة بارزة، ثم إنه جاء هنا أنه «أعور العين اليمنى» ، وجاء في رواية أخرى:«أعور العين اليسرى» ، وقد ذكرهما مسلم في آخر الكتاب، وكلاهما صحيح.
قال القاضي عياض رحمه الله: روينا هذا الحرف عن أكثر شيوخنا بغير همز، وهو الذي صححه أكثرهم. قال: وهو الذي ذهب إليه الأخفش، ومعناه: ناتئة كنتوء حبة العنب من بين صواحبها. قال: وضبطه بعض شيوخنا بالهمز، وأنكره بعضهم، ولا وجه لإنكاره، وقد وصف في الحديث بأنه ممسوح العين، وأنها ليست جحراء ولا ناتئة، بل مطموسة، وهذه صفة حبة العنب إذا سال ماؤها، وهذا يصحح رواية الهمز، وأما ما جاء في الأحاديث الأخر:«جاحظ العين وكأنها كوكب» ، وفي رواية له:«حدقة، جاحظة، كأنها نخاعة في حائط» ؛ فتصحح رواية ترك الهمزة، ولكن يجمع بين الأحاديث وتصحح الروايات جميعا بأن تكون المطموسة والممسوحة والتي ليست بجحراء ولا ناتئة هي العوراء الطافئة بالهمز، وهي العين اليمنى كما جاء هنا، وتكون الجاحظة والتي كأنها كوكب وكأنها نخاعة هي الطافية بغير همز، وهي العين اليسرى كما جاء في الرواية الأخرى، وهذا جمع بين الأحاديث والروايات في الطافئة بالهمز وبتركه، وأعور العين اليمنى واليسرى؛ لأن كل واحدة منهما عوراء؛ فإن الأعور من كل شيء المعيب، لا سيما ما يختص بالعين، وكلا عيني الدجال معيبة عوراء: إحداهما بذهابها، والأخرى بعيبها.
هذا آخر كلام القاضي، وهو في نهاية من الحسن ". انتهى.
وعن النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه؛ قال: «ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة
…
فذكر الحديث بطوله، وفيه: "إنه شاب جعد، قطط،»
«عينه طافية» .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه، وهذا لفظ أحمد، وإسناده إسناد مسلم، ولفظ مسلم:«إنه شاب قطط عينه طافئة كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن» .
ولفظ الترمذي وابن ماجه مثله؛ إلا أنهما قالا: عينه قائمة. وقال الترمذي: "هذا حديث غريب حسن صحيح".
وعن الفلتان بن عاصم رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها، ورأيت مسيح الضلالة؛ فإذا رجلان في أندر فلان يتلاحيان، فحجزت بينهما، فأنسيتها؛ فاطلبوها في العشر الأواخر، وأما مسيح الضلالة؛ فرجل أجلى الجبهة، ممسوح العين اليسرى، عريض النحر، كأنه عبد العزى بن قطن» .
رواه البزار. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".
وقد رواه البغوي وابن السكن وابن شاهين من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن «خاله الفلتان بن عاصم؛ قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فيمن أتاه من الأعراب، فجلسنا ننتظره، فخرج وفي وجهه الغضب، فجلس طويلًا لا يتكلم، ثم قال: "إني خرجت إليكم وقد بينت لي ليلة القدر ومسيح الضلالة، فخرجت لأبينهما لكم، فلقيت بسدة المسجد رجلين متلاحيين معهما الشيطان، فحجزت بينهما، فأنسيتها، واختلست مني، وسأشدو لكم شدوًا: أما ليلة القدر؛ فالتمسوها في العشر الأواخر وترًا، وأما مسيح الضلالة؛ فإنه رجل أجلى الجبهة، ممسوح العين، عريض النحر، فيه دفاء، كأنه فلان ابن عبد العزى» .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"خرجت إليكم وقد بينت لي ليلة القدر ومسيح الضلالة، فكان تلاح بين رجلين بسدة المسجد،»
رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: "وفيه المسعودي وقد اختلط". وقد رواه أبو داود الطيالسي من طريق المسعودي أيضًا.
قوله: "وسأشدو لكم منهما شدوًا"؛ معناه: أذكر لكم طرفًا مما يدل عليهما.
قال ابن منظور في "لسان العرب": " (الشدو) : كل شيء قليل من كثير، شدا من العلم والغناء وغيرهما شدوًا: أحسن منه طرفًا. قال: والشدا أيضًا: الشيء القليل". انتهى.
وأما (الأجلى) ؛ فهو الذي انحسر الشعر عن مقدم رأسه: قال الجوهري: "الجلاء: انحسار الشعر عن مقدم الرأس". وقال ابن الأثير وابن منظور في "لسان العرب": "الأجلى: الخفيف شعر ما بين النزعتين من الصدغين، والذي انحسر الشعر عن جبهته ".
و (الدفا) مقصور: الانحناء، يقال: رجل أدفى. قال ابن الأثير: "هكذا ذكره الجوهري في المعتل، وجاء به الهروي في المهموز، فقال: أدفأ وامرأة دفآء".
وقوله: "كأنه قطن بن عبد العزى
…
" إلى آخره، هذا مما أخطأ فيه المسعودي، واختلط عليه حديث بحديث.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "وهذه الزيادة ضعيفة؛ فإن في
سنده المسعودي، وقد اختلط، والمحفوظ أنه عبد العزى بن قطن، وأنه هلك في الجاهلية؛ كما قال الزهيري ".
قلت: وقد تقدم ذلك في حديثي ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم.
قال الحافظ: "والذي قال: هل يضرني شبهه هو أكثم بن أبي الجون، وإنما قاله في حق عمرو بن لحي؛ كما أخرجه أحمد، والحاكم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه: «"عرضت علي النار، فرأيت فيها عمرو بن لحي
…
" الحديث. وفيه: "وأشبه من رأيت به أكثم بن أبي الجون " فقال أكثم: يا رسول الله! أيضرني شبهه؟ قال: "لا، إنك مسلم وهو كافر» . فأما الدجال؛ فشبهه بعبد العزى بن قطن، وشبه عينه الممسوحة بعين أبي تحي الأنصاري ". انتهى.
وعن أبي قلابة عن هشام بن عامر رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن رأس الدجال من ورائه حبك حبك، وإنه سيقول: أنا ربكم، فمن قال: أنت ربي؛ افتتن، ومن قال: كذبت، ربي الله، وعليه توكلت، وإليه أنيب؛ فلا يضره (أو قال: فلا فتنة عليه) » .
رواه: عبد الرزاق في "مصنفه" واللفظ له، والإمام أحمد، وإسناد كل منهما صحيح على شرط الشيخين. ورواه الطبراني والحاكم بمثله، وقال الحاكم:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
«ربنا، لكن ربنا الله، عليه توكلنا، وإليه أنبنا، نعوذ بالله من شرك؛ لم يكن له عليه سلطان» .
رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وفي رواية له عن أبي قلابة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من بعدكم (أو إن من ورائكم) الكذاب المضل، وإن رأسه من ورائه حبك حبك، وإنه سيقول: أنا ربكم، فمن قال: كذبت؛ لست ربنا، ولكن الله ربنا، وعليه توكلنا، وإليه أنبنا، ونعوذ بالله منك؛ فلا سبيل له عليه» .
إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد رواه أبو قلابة عن هشام بن عامر رضي الله عنه كما تقدم ذكره، ورواه عن هذا الصحابي الذي لم يسم؛ فلعله هشام بن عامر، والله أعلم.
قال ابن الأثير: "ومنه الحديث في صفة الدجال رأسه حبك؛ أي: شعر رأسه متكسر من الجعودة مثل الماء الساكن أو الرمل إذا هبت عليهما الريح فيتجعدان ويصيران طرائق، وفي رواية أخرى: محبك الشعر؛ بمعناه".
وكذا قال ابن منظور في "لسان العرب".
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدجال أعور العين اليسرى، جفال الشعر، معه جنة ونار؛ فناره جنة وجنته نار» .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وابن ماجه.
قال ابن الأثير: "وفي صفة الدجال أنه (جفال الشعر) ؛ أي: كثيره". قال: "والجافل القائم الشعر المنتفشه ".
وقال ابن منظور في "لسان العرب": "الجفال من الشعر: المجتمع الكثير". قال: "ولا يوصف بالجفال إلا في كثرة، وفي صفة الدجال أنه جفال
الشعر؛ أي: كثيره، وشعر جفال؛ أي: منتفش".
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الدجال ممسوح العين اليسرى، عليها ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه: كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب» .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وهذا لفظ أحمد.
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أعلم بما مع الدجال منه
…
(الحديث وفيه:) واعلموا أنه مكتوب بين عينيه: كافر، يقرؤه من يكتب ومن لا يكتب، وإن إحدى عينيه ممسوحة عليها ظفرة» .
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي في "تلخيصه".
قال ابن الأثير وابن منظور في "لسان العرب": "وفي صفة الدجال: "وعلى عينه ظفرة غليظة": هي بفتح الظاء والفاء؛ لحمة تنبت عند المآقي، وقد تمتد إلى السواد فتغشيه".
وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أهبط الله تعالى إلى الأرض منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أعظم من فتنة الدجال، وقد قلت فيه قولًا لم يقله أحد قبلي، إنه آدم، جعد، ممسوح عين اليسار، على عينه ظفرة غليظة
…
» الحديث.
رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط". قال الهيثمي: "ورجاله ثقات، وفي بعضهم ضعف لا يضر".
وسيأتي الحديث بتمامه في (باب فتنة الدجال) إن شاء الله تعالى.
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدجال»
«خارج، وهو أعور عين الشمال، عليها ظفرة غليظة
…
» الحديث.
رواه: الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط الشيخين، والطبراني.
قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح".
وسيأتي بتمامه في (باب فتنة الدجال) إن شاء الله تعالى.
وعن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ألا إنه لم يكن نبي قبلي إلا قد حذر أمته الدجال، هو أعور عينه اليسرى، بعينه اليمنى ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه كافر
…
» الحديث.
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والطبراني. قال الهيثمي:"ورجاله ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر".
وسيأتي بتمامه في (باب فتنة الدجال) إن شاء الله تعالى.
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «إن الدجال أعور العين الشمال، عليها ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه كافر» ، قال:"وكفر".
رواه الإمام أحمد، وإسناده ثلاثي على شرط الشيخين.
وفي رواية قال: «إن الدجال ممسوح العين اليسرى، عليها ظفرة، مكتوب بين عينيه كافر» . وقد رواه أبو بكر الآجري في "كتاب الشريعة"، ولفظه: قال: «الدجال ممسوح العين، عليها ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه: كافر» .
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وإنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابًا، آخرهم الأعور الدجال، ممسوح العين اليسرى، كأنها عين أبي تحي (لشيخ حينئذ من الأنصار بينه وبين حجرة عائشة رضي الله عنها
…
» الحديث.
رواه: الإمام أحمد، والبزار، والطبراني في "الكبير"، وابن حبان في
"صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
قوله: "أبي تحي"؛ قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري ": "هو بكسر المثناة الفوقانية، ضبطه ابن ماكولا عن جعفر المستغفري، ولا يعرف إلا من هذا الحديث ". انتهى.
وعن جنادة بن أبي أمية؛ قال: أتينا رجلًا من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلنا عليه، فقلنا: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تحدثنا ما سمعت من الناس، فشددنا عليه، فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، فقال: «أنذرتكم المسيح، وهو ممسوح العين (قال: أحسبه قال:) اليسرى
…
» . الحديث.
رواه الإمام أحمد بأسانيد صحيحه، وفي رواية له قال:«وإنه آدم جعد أعور عينه اليسرى» .
وعن جنادة بن أبي أمية أيضًا: أن قومًا دخلوا على معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو مريض، فقالوا له: حدثنا حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشتبه عليك، فأخذ بعض القوم بيده، فجلس، فقال: لا أحدثكم إلا حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:«ما من نبي إلا وقد حذر أمته الدجال، وأنا أحذركم الدجال؛ إنه أعور، مكتوب بين عينيه: كافر، يقرؤه الكاتب وغير الكاتب، معه جنة ونار، فناره جنة وجنته نار» .
رواه: البزار، والطبراني. قال الهيثمي:"وفيه خنيس بن عامر، ولم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا، وقد رواه يعقوب بن سفيان الفسوي في "مسنده"، فقال: حدثنا يحيى بن بكير: حدثني خنيس بن عامر بن يحيى المعافري عن أبي قبيل عن جنادة بن أبي أمية عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدجال أعور بعين الشمال، بين عينيه مكتوب كافر، يقرؤه الأمي والكاتب» .
رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال، فقال:«إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء، وتعوذوا بالله تبارك وتعالى من عذاب القبر» .
رواه: أبو داود الطيالسي، والإمام أحمد؛ من طريقهم ومن طريق محمد بن جعفر وروح، ورواته كلهم ثقات، وابن حبان في "صحيحه".
وعن أبي الوداك؛ قال: قال لي أبو سعيد: هل يقر الخوارج بالدجال؟ فقلت: لا. فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني خاتم ألف نبي وأكثر، ما بعث نبي يتبع؛ إلا وقد حذر أمته الدجال، وإني قد بين لي من أمره ما لم يبين لأحد، وإنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وعينه اليمنى عوراء جاحظة ولا تخفى، كأنها نخامة في حائط مجصص، وعينه اليسرى كأنها كوكب دري، معه من كل لسان، ومعه صورة الجنة خضراء يجري فيها الماء، وصورة النار سوداء تدخن» .
رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: "فيه مجالد بن سعيد وثقه النسائي في رواية، وقال في أخرى: ليس بالقوي، وضعفه جماعة".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: «إنه لم يكن نبي؛ إلا قد أنذر الدجال قومه، وإني أنذركموه؛ إنه أعور، ذو حدقة جاحظة ولا تخفى، كأنها كوكب دري
…
» الحديث.
رواه: أبو يعلى، والبزار. قال الهيثمي:"وفيه الحجاج بن أرطاة وهو مدلس، وعطية ضعيف وقد وثق".
وقد رواه الحاكم في "مستدركه"، ولفظه:«ألا كل نبي قد أنذر أمته»
«الدجال، وإنه يومه هذا قد أكل الطعام، وإنى عاهد عهدًا لم يعهده نبي لأمته قبلي، ألا إن عينه اليمنى ممسوحة الحدقة جاحظة، فلا تخفى، كأنها نخاعة في جنب حائط، ألا وإن عينه اليسرى كأنها كوكب دري
…
» الحديث.
وفيه عطية العوفي وهو ضعيف.
(جحوظ العين) : نتوؤها.
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج الدجال من يهودية أصبهان، عينه اليمنى ممسوحة، والأخرى كأنها زهرة تشق الشمس شقًا» .
رواه الحاكم في "مستدركه" بإسناد ضعيف.
رواه: الإمام أحمد، والطبراني. قال الهيثمي:"وفيه شهر بن حوشب، وفيه ضعف، وقد وثق ".
«وعنها رضي الله عنها: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين ظهراني أصحابه يقول: "أحذركم المسيح وأنذركموه، وكل نبي قد حذره قومه، وهو فيكم أيتها الأمة، وسأجلي لكم من نعته ما لم تجلي الأنبياء قبلي لقومهم
…
(فذكر الحديث وفيه:) وهو أعور، وليس الله بأعور، بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب
…
» الحديث.
رواه الطبراني، وفيه شهر بن حوشب، وفيه ضعف، وقد وثق. قال الهيثمي:"وبقية رجاله ثقات، وقد رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب "السنة" بنحوه، وإسناده حسن".
وعن الزهري عن سالم بن عبد الله: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال: "إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولًا لم يقله نبي لقومه: إنه أعور، وإن الله ليس بأعور» .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي.
زاد مسلم والترمذي: قال ابن شهاب: «وأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حذر الناس الدجال: "إنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه من كره عمله (أو: يقرؤه كل مؤمن) "، وقال: "تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت» .
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
وقد رواه الإمام أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عمر بن ثابت الأنصاري، فذكره بنحوه، وإسناده صحيح على شرط مسلم.
ورواه الإمام أحمد أيضًا من حديث محمد بن زيد؛ قال: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «كنا نحدث بحجة الوداع ولا ندري أنه الوداع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان في حجة الوداع؛ خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر المسيح الدجال، فأطنب في ذكره، ثم قال: "ما بعث الله من نبي إلا وقد أنذره أمته، لقد أنذره نوح أمته والنبيون من بعده، ألا ما خفي عليكم من شأنه فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور، ألا ما خفي عليكم من شأنه فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور» .
إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وعن نافع عن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال بين ظهراني الناس، فقال:«إن الله تعالى ليس بأعور، ألا وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافئة» .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي، وقال:"هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث عبد الله بن عمر ". قال: "وفي الباب عن سعد وحذيفة وأبي هريرة وأسماء وجابر بن عبد الله وأبي بكرة وعائشة وأنس وابن عباس والفلتان بن عاصم رضي الله عنهم".
قلت: وقد تقدم ذكر بعض هذه الأحاديث، ويأتي ذكر بقيتها إن شاء الله تعالى.
وفي رواية لأحمد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا وصفه لأمته؛ ولأصفنه صفة لم يصفها من كان قبلي: إنه أعور والله تبارك وتعالى ليس بأعور، عينه اليمنى كأنها عنبة طافية» .
إسناده حسن.
وفي رواية له أخرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدجال أعور عين اليمنى، وعينه الأخرى كأنها عنبة طافية» .
إسناده صحيح على شرط مسلم.
وعن وهب بن كيسان عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الدجال، وإني سأبين لكم شيئًا، تعلمون أنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإنه بين عينيه مكتوب كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب» .
رواه ابن حبان في "صحيحه".
وعن قتادة؛ قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن الله تبارك وتعالى ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي واللفظ له، والشيخان، وأبو داود السجستاني، والترمذي وقال:"هذا حديث صحيح".
وفي رواية لمسلم: قال: «مكتوب بين عينيه ك ف ر» . ورواه الإمام أحمد وأبو داود بهذا اللفظ أيضًا.
وفي رواية لأحمد ومسلم: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدجال مكتوب بين عينيه ك ف ر؛ أي: كافر» . زاد أحمد: «يقرؤها المؤمن أمي وكاتب» .
وفي رواية لأحمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لم يبعث نبي قبلي إلا حذر قومه الدجال الكذاب، فاحذروه؛ فإنه أعور، ألا وإن ربكم ليس بأعور» .
وقد رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود أيضًا؛ من حديث شعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدجال ممسوح العين، مكتوب بين عينيه كافر (ثم تهجاها) ك ف ر؛ يقرؤه كل مسلم» .
ورواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد من حديث شعيب عن أنس رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنذركم الدجال، أما إنه أعور عين اليمني، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه ك ف ر، يقرؤه كل مؤمن يقرأ وكل مؤمن لا يقرأ» .
ورواه الإمام أحمد أيضًا بإسناد صحيح من حديث حميد وشعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدجال»
«أعور، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب» .
ورواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "كتاب السنة" من هذا الطريق بهذا اللفظ، وإسناده صحيح.
وفي رواية لأحمد؛ قال: «إن الدجال أعور، وإن ربكم عز وجل ليس بأعور، بين عينيه ك ف ر، يقرؤه كل مؤمن قارئ وغير قارئ» .
قال النووي في "شرح مسلم ": "وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى ليس بأعور والدجال أعور» : فبيان لعلامة بينة تدل على كذب الدجال دلالة قطعية بديهية يدركها كل أحد. وقوله صلى الله عليه وسلم: «مكتوب بين عينيه كافر (ثم تهجاها فقال:) ك ف ر، يقرؤه كل مسلم» . وفي رواية: «يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب» : الصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها، وأنها كتابة حقيقة، جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله، ويظهرها الله تعالى لكل مسلم كاتب وغير كاتب، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته، ولا امتناع في ذلك، وذكر القاضي فيه خلافًا، منهم من قال: هي كتابة حقيقة كما ذكرنا، ومنهم من قال: هي مجاز وإشارة إلى سمات الحدوث عليه، واحتج بقوله: "يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب"، وهذا مذهب ضعيف ". انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "ولا يلزم من قوله: «يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب» : أن لا تكون الكتابة حقيقة، بل يقدر الله على غير الكاتب علم الإدراك، فيقرأ ذلك، وإن لم يكن سبق له معرفة الكتابة".
وقال الحافظ أيضًا في الكلام على قوله: «يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب» : "إخبار بالحقيقة، وذلك أن الإدراك في البصر يخلقه الله للعبد كيف شاء ومتى شاء، فهذا يراه المؤمن بعين بصره وإن كان لا يعرف الكتابة، ولا يراه
الكافر ولو كان يعرف الكتابة، كما يرى المؤمن الأدلة بعين بصيرته ولا يراها الكافر، فيخلق الله للمؤمن الإدراك دون تعلم؛ لأن ذلك الزمان تنخرق فيه العادات في ذلك. ويحتمل قوله:"يقرؤه من كره عمله": أن يراد به المؤمنون عمومًا، ويحتمل أن يختص ببعضهم ممن قوي إيمانه". انتهى.
قلت: والاحتمال الأول أقوى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يقرؤه كل مؤمن» ؛ فهذا يدل على أن المؤمنين عمومًا يقرؤون الكتابة التي بين عيني الدجال. والله أعلم.
وقد ذهب أبو عبية في تعليقه على "النهاية" لابن كثير في (ص91) في تأويل الكتابة التي بين عيني الدجال مذهبًا باطلًا يدور فيه على إنكار وجود الدجال؛ كما صرح بذلك في تقديمه لـ "النهاية"، وفي عدة تعاليق له عليها، زعم فيها أن الدجال رمز لاستشراء الفتنة واستعلاء الضلال فترة من الزمان، وهذا قول باطل مردود؛ فلا يغتر به.
وعن جابر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال في خفقة من الدين وإدبار من العلم.... (فذكر الحديث، وفيه) فيقول للناس: أنا ربكم، وهو أعور، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر، ك ف ر مهجاة، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب
…
» الحديث.
رواه الإمام أحمد وإسناده صحيح على شرط الشيخين، ورواه الحاكم في "مستدركه"، وقال "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وقال الذهبي في "تلخيصه":"على شرط مسلم "، ورواه ابن خزيمة في "كتاب التوحيد" مختصرًا وإسناده على شرط الشيخين.
وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: «ما كانت فتنة ولا تكون حتى تقوم الساعة أكبر من فتنة الدجال، ولا من نبي إلا وقد حذر أمته،»
رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وعنه رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه مكتوب بين عيني الدجال كافر، يقرؤه كل مؤمن» .
رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط مسلم.
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الدجال أعور، وهو أشد الكذابين» .
رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لخاتم ألف نبي أو أكثر، وإنه ليس منهم نبي إلا قد أنذره قومه، وإنه قد تبين لي ما لم يتبين لأحد منهم؛ إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور» .
رواه البزار. قال الهيثمي: "وفيه مجالد بن سعيد، وقد ضعفه الجمهور، وفيه توثيق. وقد رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة" مختصرًا، وفي إسناده مجالد، وبقية رجاله رجال الصحيح ".
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يذكر المسيح الدجال: «إني سأقول لكم فيه كلمة ما قالها نبي قبلي: إنه أعور، وإن الله ليس بأعور، بين عينيه كتاب كافر» . قال جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب
…
» الحديث.
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "وفيه زمعة بن صالح، وهو ضعيف".
رواه رزين.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: «ذكر الدجال عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إن الله لا يخفى عليكم، إن الله ليس بأعور (وأشار بيده إلى عينه» .
رواه رزين.
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر الدجال، فقال:«لفتنة بعضكم أخوف عندي من فتنة الدجال، إنها ليست من فتنة صغيرة ولا كبيرة إلا تتضع لفتنة الدجال، فمن نجا من فتنة ما قبلها؛ نجا منها، وإنه لا يضر مسلمًا، مكتوب بين عينيه كافر، بهجاوة ك ف ر» .
رواه ابن حبان في "صحيحه".
«وعن أسماء بنت عميس رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها لبعض حاجته ثم خرج، فشكت إليه الحاجة، فقال: "كيف بكم إذا ابتليتم بعبد قد سخرت له أنهار الأرض وثمارها
…
(الحديث وفيه:) إن بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب» .
رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه راو لم يسم، وبقية رجاله رجال الصحيح".
وسيأتي بتمامه في (باب فتنة الدجال) إن شاء الله تعالى.
رواه ابن خزيمة في "كتاب التوحيد"، وإسناده صحيح على شرط مسلم، ورواه الطبراني بنحوه باختصار يسير. قال الهيثمي:"ورجاله ثقات؛ إلا أن شيخ الطبراني أحمد بن محمد بن نافع الطحان لم أعرفه".
قلت: ورواية ابن خزيمة تشهد لروايته بالصحة.
رواه: الإمام أحمد، وابنه عبد الله في كتاب "السنة"، وابن حبان في "صحيحه" وإسناد أحمد وابنه رجالهما رجال الصحيح؛ غير الحضرمي بن لاحق، وهو ثقة، وقد رواه ابن حبان من طريقه.
رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أحدثكم حديثًا عن الدجال ما حدث به نبي قومه؟ إنه أعور، وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار؛ فالتي يقول: إنها الجنة: هي النار، وإني أنذركم به كما أنذر به نوح قومه» .
متفق عليه.
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه لم يكن نبي إلا وصف الدجال لأمته، ولأصفنه صفة لم يصفها أحد كان قبلي: إنه أعور وإن الله عز وجل ليس بأعور» .
رواه: الإمام أحمد بإسناد حسن، وأبو يعلى، والبزار، وعبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة" من طريق أبيه.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال في الدجال: «ما شبه عليكم منه؛ فإن الله عز وجل ليس بأعور
…
» الحديث.
رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه من لم أعرفهم".
وسيأتي بتمامه في ذكر الرجل المؤمن الذي يقتله الدجال إن شاء الله.
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه؛ قال: «خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أكثر خطبته حديثًا حدثناه عن الدجال وحذرناه
…
فذكر الحديث بطوله، وفيه: "وإنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب
…
» الحديث.
رواه: ابن ماجه، وعبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة" مختصرًا، وابن خزيمة، والحاكم في "مستدركه"، والحافظ الضياء المقدسي، وقال الحاكم:"صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر
…
فذكر حديث الجساسة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وإنه خارج فيكم، فما شبه عليكم؛ فاعلموا أن ربكم ليس بأعور» .
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة" بإسناد ضعيف، وله شواهد مما تقدم.
«وعن أبي الطفيل رضي الله عنه؛ قال: مررت على حذيفة بن أسيد رضي الله عنه، فقلت: ما يقعدك وقد خرج الدجال؟ قال: اقعد
…
فذكر الحديث؛ قال: "وفيه ثلاث علامات: هو أعور وربكم ليس بأعور، ومكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب» .
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة"؛ وإسناده صحيح على شرط الشيخين، ورواه الحاكم في "مستدركه"، وقال "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه":"على شرط البخاري ومسلم ".
وعن عبيد - يعني ابن عمير - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الدجال أعور، وإن الله ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير»
«كاتب» .
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة"، وهو مرسل صحيح الإسناد على شرط الشيخين.
باب
ما جاء في عظم خلق الدجال
عن هشام بن عامر رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال» .
رواه مسلم. وفي رواية له نحوه؛ إلا أنه قال: «أمر أكبر من الدجال» .
ورواه الإمام أحمد بهذا اللفظ، وبلفظ آخر يأتي في (باب ما جاء أن فتنة الدجال أعظم الفتن) إن شاء الله تعالى.
باب
في صفة الزمان الذي يخرج فيه الدجال
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال في خفقة من الدين وإدبار من العلم
…
» الحديث.
رواه: الإمام أحمد، وابن خزيمة في "كتاب التوحيد " وإسناد كل منهم صحيح على شرط الشيخين. ورواه الحاكم في "مستدركه" وقال "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه":"على شرط مسلم ".
وسيأتي بتمامه في (باب ما جاء في فتنة الدجال) إن شاء الله تعالى.