الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
ما جاء في قيء الأرض للذهب والفضة
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة". قال: "فيجيء السارق، فيقول: في هذا قطعت يدي! ويجيء القاتل فيقول: في هذا قتلت! ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي! ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئًا» .
رواه: مسلم، والترمذي، وقال:"هذا حديث حسن غريب".
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «لا تقوم الساعة حتى تبعث ريح حمراء من قبل اليمن.... (فذكر الحديث وفيه:) وتقيء الأرض أفلاذ كبدها من الذهب والفضة، ولا ينتفع بها بعد ذلك اليوم، يمر بها الرجل، فيضربها برجله ويقول: في هذه كان يقتتل من كان قبلنا، وأصبحت اليوم لا ينتفع بها» .
رواه ابن حبان في "صحيحه".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "الزموا هذه الطاعة والجماعة؛ فإنه حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة، وإن الله تعالى لم يخلق شيئًا قط؛ إلا جعل له منتهى، وإن هذا الدين قد تم، وإنه صائر إلى نقصان، وإن أمارة ذلك: أن تقطع الأرحام، ويؤخذ المال بغير حقه، ويسفك الدماء، ويشتكي ذو القرابة قرابته، ولا يعود عليه بشيء، ويطوف السائل بين الجمعتين لا يوضع في يده شيء، فبينما هم كذلك؛ إذ خارت خوار البقر، يحسب كل الناس أنما خارت من قبلهم، فبينما الناس كذلك؛ إذ قذفت الأرض بأفلاذ كبدها من الذهب والفضة، لا ينفع بعد ذلك شيء من الذهب والفضة".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد رواه الطبراني، وعنده: قال: "ثم تتقاحم الأرض، تقيء أفلاذ كبدها. قيل يا أبا عبد الرحمن! ما أفلاذ كبدها؟ قال: أساطين ذهب وفضة. فمن يومئذ لا ينتفع بذهب ولا فضة إلى يوم القيامة".
قال الهيثمي: "رواه الطبراني بأسانيد، وفيه مجالد، وقد وثق، وفيه خلاف، وبقية رجال إحدى الطرق ثقات".
باب
ما جاء في ذهاب ماء الفرات
عن قيس بن أبي حازم؛ قال: "خرج حذيفة بظهر الكوفة، ومعه رجل، فالتفت إلى جانب الفرات، فقال لصاحبه: كيف أنتم يوم تراهم يخرجون أو يخرجون منها؛ لا يذوقون منها قطرة؟ ! قال رجل: وتظن ذاك يا أبا عبد الله؟ قال: ما أظنه، ولكن أعلمه".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد رواه ابن أبي شيبة بنحوه، وقال فيه:" ما أظنه، ولكن أستيقنه".
وتقدم قريبًا حديث ابن مسعود رضي الله عنه: "يوشك أن تطلبوا في قراكم هذه طستًا من ماء؛ فلا تجدونه، ينزوي كل ماء إلى عنصره، فيكون في الشام بقية المؤمنين والماء".
رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي على تصحيحه.
وهذا الأثر والذي قبله لهما حكم المرفوع؛ لأن الأمور الغيبية لا مجال للرأي فيها، وإنما تقال عن توقيف.
باب
ما جاء أن أرض العرب تعود مروجًا وأنهارًا
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، حتى يخرج الرجل بزكاة ماله؛ فلا يجد أحدًا يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا» .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم.
وفي رواية لأحمد: «لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا، وحتى يسير الراكب بين العراق ومكة لا يخاف إلا ضلال الطريق، وحتى يكثر الهرج. قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: "القتل» .
قال النووي في قوله: "حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا": "معناه: أنهم يتركونها ويعرضون عنها، فتبقى مهملة لا تزرع ولا تسقى من مياهها، وذلك لقلة الرجال، وكثرة الحروب، وتراكم الفتن، وقرب الساعة، وقلة الآمال، وعدم الفراغ لذلك والاهتمام به".
قلت: وفي هذا التأويل نظر؛ لأن أرض العرب أرض قاحلة لا أنهار فيها، وإنما تسقى نخيلها وزروعها من مياه الآبار، ولو تركت وأعرض عنها وبقيت مهملة لا تزرع ولا تسقى من مياه الآبار؛ لبقيت قاحلة يابسة.
والصحيح أن هذه إشارة إلى ما ابتدئ فيه الآن من حفر الآبار الارتوازية التي ينبع الماء منها بكثرة، وإلى عمل السدود التي تحبس مياه السيول، فتكون أنهارًا تجري إلى الأراضي الطيبة، فتكون مزارع ومروجًا للدواب.
و (المروج) : جمع مرج. قال ابن الأثير: " (المرج) : الأرض الواسعة ذات نبات كثير، تمرج فيه الدواب؛ أي: تخلى تسرح مختلطة كيف شاءت". انتهى.
وقد ظهر مصداق ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض العرب بما ظهر فيها الآن من الآبار الارتوازية، وسيتم ذلك فيما بعد، فتكون مروجًا وأنهارًا؛ كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه.
باب
ما جاء في الإقبال على الحرث
عن أبي أمامة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى ترجعوا حراثين» ..... الحديث.
رواه الطبراني. وقد تقدم في باب ما جاء في تزوج النبطيات على المعيشة.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلًا لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم» .
رواه أبو داود بهذا اللفظ، وتقدم في (باب ما جاء في ترك الجهاد) .
باب
ما جاء في فيضان المال والاستغناء عن الصدقة
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"يتقارب الزمان، ويفيض المال، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج". قالوا: وما الهرج يا رسول»
رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال، فيفيض، حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه، فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي فيه» .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.
وعن حارثة بن وهب رضي الله عنه؛ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «تصدقوا؛ فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته؛ فلا يجد من يقبلها، يقول الرجل: لو جئت بها بالأمس؛ لقبلتها، فأما اليوم؛ فلا حاجة لي بها» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والشيخان، والنسائي.
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب، ثم لا يجد أحدًا يأخذها منه، ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به؛ من قلة الرجال وكثرة النساء» .
رواه الشيخان.
وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه؛ قال: «كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه رجلان: أحدهما يشكو العيلة، والآخر يشكو قطع السبيل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما قطع السبيل؛ فإنه لا يأتي عليك إلا قليل حتى تخرج العير إلى مكة بغير خفير، وأما العيلة؛ فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه» .
رواه البخاري.
وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «"هل تعلم مكان»
«الحيرة؟ ". قال: قد سمعت بها ولم آتها. قال: "لتوشكن الظعينة أن تخرج منها بغير جوار، حتى تطوف بالكعبة، ولتوشكن كنوز كسرى بن هرمز أن تفتح". قال: قلت: كسرى بن هرمز؟ ! قال: " كسرى بن هرمز ". قال: قلت: كسرى بن هرمز؟ ! قال: " كسرى بن هرمز "؛ ثلاث مرات، "وليوشكن أن يبتغي من يقبل ماله منه صدقة؛ فلا يجد» . قال: فلقد رأيت ثنتين: قد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالكعبة، وكنت في الخيل التي أغارت على المدائن، وايم الله؛ لتكونن الثالثة؛ إنه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنيه.
رواه الإمام أحمد. ورواه أيضًا بنحوه وفيه: «وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد» . ورواه الحاكم في "مستدركه" بنحوه، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "يوشك الرجل يشق عليه أن يؤدي زكاة ماله".
رواه ابن عساكر في "تاريخه".
وعن يسير بن جابر: أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: "إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة".
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم؛ في حديث طويل تقدم ذكره في (باب ما جاء في الملحمة الكبرى) .
باب
ما جاء في تقارب الزمان والأسواق
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"يتقارب الزمان، وينقص العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح، ويكثر الهرج". قيل: يا»
«رسول الله! أيما هو؟ قال: "القتل، القتل» .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، وابن ماجه.
وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «"لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن، ويكثر الكذب، وتتقارب الأسواق، ويتقارب الزمان، ويكثر الهرج". قيل: وما الهرج؟ قال: "القتل» .
رواه الإمام أحمد، ورواته ثقات. وقد رواه ابن حبان في "صحيحه"، وزاد فيه:"ويقبض العلم".
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة» .
رواه الإمام أحمد وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقد رواه ابن حبان في "صحيحه"، وعنده في آخره:«كاحتراق السعفة أو الخوصة» .
وعن أنس؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، وتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالضرمة بالنار» .
رواه الترمذي، وقال:"هذا حديث غريب".
وقد اختلف العلماء في معنى قوله: "يتقارب الزمان"، وفي ذلك أقوال كثيرة، ذكر الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" جملة منها.
وزعم أبو عبية في تعليقه على "النهاية" في (صفحة 213) : أن ذلك كناية عن نزع البركة من الوقت، حتى يبقى الانتفاع به وثمرة العمل فيه أقل مما يحصل في الأيام العادية التي لم تنزع بركتها. انتهى.
والظاهر - والله أعلم بمراد رسوله صلى الله عليه وسلم أن ذلك إشارة إلى ما حدث في زماننا من المراكب الأرضية والجوية والآلات الكهربائية التي قربت كل بعيد، والمعنى على هذا: يتقارب أهل الزمان؛ كقوله تعالى إخبارًا عن إخوة يوسف أنهم قالوا لأبيهم: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} ؛ يعني: واسأل أهل القرية وأصحاب العير. وكقوله صلى الله عليه وسلم: «أيما قرية عصت الله ورسوله؛ فإن خمسها لله ولرسوله» .... ونظائر ذلك كثيرة جدًا في كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ولغة العرب، ولولا خشية الإطالة؛ لذكرت من ذلك أمثلة كثيرة.
وحديث أنس والحديث قبله ينطبقان على سير المراكب الأرضية في هذه الأزمان؛ فإنها تقطع مسافة السنة في شهر فأقل، ومسافة الشهر في جمعة فأقل، ومسافة الجمعة في يوم فأقل، ومسافة اليوم في ساعة فأقل، ومسافة الساعة في مثل احتراق السعفة، وبعضها أسرع من ذلك بكثير، وأعظم من ذلك المراكب الجوية؛ فإنها هي التي قربت البعيد غاية التقريب؛ بحيث صارت مسافة السنة تقطع في يوم وليلة أو أقل من ذلك، وأعظم من ذلك الآلات الكهربائية التي تنقل الأصوات؛ كالإذاعات، والتلفونات الهوائية؛ فإنها قد بهرت العقول في تقريب الأبعاد؛ بحيث كان الذي في أقصى المشرق يخاطب من في أقصى المغرب كما يخاطب الرجل جليسه، وبحيث كان الجالس عند الراديو يسمع كلام من في أقصى المشرق ومن في أقصى المغرب ومن في أقصى الجنوب ومن في أقصى الشمال وغير ذلك من أرجاء الأرض في دقيقة واحدة؛ كأن الجميع حاضرون عنده في مجلسه. فالمراكب الأرضية والجوية قربت الأبعاد من ناحية السير، والآلات الكهربائية قربت الأبعاد من ناحية التخاطب وسماع الأصوات، فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم.
وأما تقارب الأسواق؛ فقد جاء تفسيره في حديث ضعيف بأنه كسادها وقلة أرباحها.
والظاهر - والله أعلم - أن ذلك إشارة إلى ما وقع في زماننا من تقارب أهل الأرض بسبب المراكب الجوية والأرضية والآلات الكهربائية التي تنقل الأصوات؛ كالإذاعات والتلفونات، والتي تنقل الكتابة؛ كالفاكس والتلكس، وغيرها من الآلات الحديثة التي صارت أسواق الأرض متقاربة بسببها، فلا يكون تغيير في الأسعار في قطر من الأقطار؛ إلا ويعلم به التجار أو غالبهم في جميع أرجاء الأرض، فيزيدون في السعر إن زاد، وينقصون إن نقص، ويذهب التاجر في السيارات إلى أسواق المدائن التي تبعد عنه مسيرة أيام، فيقضي حاجته منها، ثم يرجع في يوم أو بعض يوم، ويذهب في الطائرات إلى أسواق المدن التي تبعد عنه مسيرة شهر فأكثر، فيقضي حاجته منها، ويرجع في يوم أو بعض يوم؛ فقد تقاربت الأسواق من ثلاثة أوجه:
الأول: سرعة العلم بما يكون فيها من زيادة السعر ونقصانه.
والثاني: سرعة السير من سوق إلى سوق، ولو كانت بعيدة عنها.
والثالث: مقاربة بعضها بعضًا في الأسعار، واقتداء بعض أهلها ببعض في الزيادة والنقصان، والله أعلم.
باب
ما جاء في ترك السفر على الإبل
عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله؛ لينزلن ابن مريم حكمًا عادلًا؛ فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص؛ فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال؛ فلا يقبله أحد» .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة".
(القلاص) : جمع قلوص. قال الجوهري: " (القلوص) من النوق: الشابة، وهي بمنزلة الجارية من النساء ". وقال العدوي: " (القلوص) : أول ما يركب من إناث الإبل إلى أن تثني، فإذا أثنت؛ فهي ناقة، والقعود أول ما يركب من ذكور الإبل إلى أن يثني، فإذا أثنى؛ فهو جمل، وربما سموا الناقة الطويلة القوائم قلوصًا". وقال صاحب "القاموس": " (القلوص) من الإبل: الشابة، أو الباقية على السير، خاص بالإناث ". وقال مرتضى الحسيني في "تاج العروس": "قال ابن دريد: هو خاص بالإناث، ولا يقال للذكور: قلوص".
وقد اختلف في معنى ترك السعي على القلاص: فقال النووي: "معناه أن يزهد فيها، ولا يرغب في اقتنائها؛ لكثرة الأموال، وقلة الآمال، وعدم الحاجة، والعلم بقرب القيامة، وإنما ذكرت القلاص لكونها أشرف الإبل التي التي هي أنفس الأموال عند العرب، وهو شبيه بمعنى قول الله عز وجل: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} ، ومعنى: "لا يسعى عليها": لا يعتنى بها؛ أي: يتساهل أهلها فيها، ولا يعتنون بها. هذا هو الظاهر. وقال القاضي عياض وصاحب "المطالع": معنى: "لا يسعى عليها"؛ أي: لا تطلب زكاتها إذ لا يوجد من يقبلها".
قلت: وهكذا قال ابن الأثير وابن منظور في "لسان العرب": "إن معنى "لا يسعى عليها"؛ أي: لا يخرج ساع إلى زكاة؛ لقلة حاجة الناس إلى المال، واستغنائهم عنه".
قال النووي: "وهذا باطل من وجوه كثيرة".
قلت: بل هو أقوى وأظهر من قول النووي، ويؤيده ما رواه ابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر الدجال ونزول عيسى
عليه الصلاة والسلام، وفيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فيكون عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام في أمتي حكمًا عدلًا وإمامًا مقسطًا؛ يدق الصليب، ويذبح الخنزير ويضع الجزية، ويترك الصدقة؛ فلا يسعى على شاة ولا بعير» ..... الحديث.
ويحتمل أن يكون معنى قوله: "وتترك القلاص؛ فلا يسعى عليها"؛ أي: يترك ركوبها في الأسفار والحمل عليها، وهذا أقوى وأظهر مما قبله، وهو مطابق للواقع في زماننا؛ حيث إنه قد ترك الركوب على الإبل بسبب المراكب الجوية والأرضية، حتى إن الأعراب الذين هم أهل الظعن على الإبل والمعروفون بكثرة الأسفار عليها قد تركوا ركوبها والسفر عليها بالكلية، ولو كان المراد به الزهد فيها وعدم الرغبة في اقتنائها، أو كان المراد به عدم الطلب لزكاتها؛ لما خص القلاص بترك السعي عليها دون غيرها من بهيمة الأنعام.
ويحتمل أن يكون كل من الأمرين مرادًا في الحديث؛ أعني: ترك ركوبها والحمل عليها، وترك السعي عليها للصدقة، وقد وقع الأمر الأول في زماننا، وسيقع الأمر الثاني إذا نزل عيسى عليه الصلاة والسلام. والله أعلم.
باب
ما جاء في الأمور العظام بين يدي الساعة
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وابن حبان في "صحيحه"؛ بإسناد مسلم.
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته بعد صلاة الكسوف: «وإنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابًا، آخرهم الأعور الدجال.... (فذكر الحديث في شأن الدجال، ونزول عيسى، وإهلاك الدجال وجنوده، ثم قال: (ولن يكون ذلك كذلك حتى تروا أمورًا عظامًا يتفاقم شأنها أنفسكم، وتساءلون بينكم: هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرًا؟ حتى تزول جبال عن مراتبها» .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تروا أمورًا عظامًا لم تكونوا ترونها ولا تحدثون بها أنفسكم» .
رواه: ابن وضاح، والطبراني، وفيه عفير بن معدان، وهو ضعيف، والحديث قبله يشهد له ويقويه.
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سترون قبل أن تقوم الساعة أشياء تستنكرونها عظامًا، تقولون: هل كنا حدثنا بهذا؟ ! فإذا رأيتم ذلك؛ فاذكروا الله تعالى، واعلموا أنها أوائل الساعة» .
رواه: الطبراني، والبزار. قال الهيثمي:"وإسناده ضعيف، وفليه من لم أعرفهم".
قلت: والحديث الأول يشهد له ويقويه.
وفي هذه الأحاديث إشارة إلى ما حدث في هذه الأزمان من المراكب الجوية والبرية والبحرية، والآلات الكهربائية التي تنقل الأصوات، والتي
تسجلها وتحفظها، والتي تنقل صور المتكلمين مع كلامهم، وغيرها من المخترعات العجيبة التي لم تكن تخطر ببال أحد فيما مضى.
وقد تفاقم شأن هذه المخترعات في أنفس الناس حين رأوها، وكثر تساؤلهم: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها أو أشار إليها؟ !.
والجواب أن يقال: نعم؛ قد أشار إليها على طريق الإجمال في هذه الأحاديث التي ذكرنا في هذا الباب.
وأشار أيضًا إلى المراكب الجوية والبرية والبحرية والآلات الكهربائية التي تنقل الأصوات بقوله صلى الله عليه وسلم: «يتقارب الزمان» ..... الحديث، وقد تقدم قريبًا. وأشار أيضًا إلى المراكب الجوية والبرية بقوله صلى الله عليه وسلم:«ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها» . وقد تقدم قريبًا.
وأشار إلى المراكب البرية بقوله صلى الله عليه وسلم: «سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات» ، وفي رواية:«سيكون في أمتي رجال يركبون نساءهم على سروج كأشباه الرحال» . وفي رواية: «سيكون في آخر هذه الأمة رجال يركبون على المياثر حتى يأتوا أبواب مساجدهم» ..... الحديث، وقد تقدم في (باب الإخبار عن الكاسيات العاريات) .
وأشار أيضًا إلى المراكب الجوية والبرية والبحرية في حديث فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه؛ قال: «غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، فجهد الظهر جهدًا شديدًا، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بظهرهم من الجهد، فتحين رسول الله صلى الله عليه وسلم مضيقًا سار الناس فيه وهو يقول: "مروا باسم الله". فمر الناس عليه بظهرهم، فجعل ينفخ بظهرهم وهو يقول: "اللهم احمل عليها في سبيلك؛ فإنك تحمل على القوي والضعيف، والرطب واليابس، في البر»
«والبحر» . قال فضالة: فما بلغنا المدينة؛ حتى جعلت تنازعنا أزمتها، فقلت: هذه دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القوي والضعيف؛ فما بال الرطب واليابس؟ فلما قدمنا الشام؛ غزونا غزوة قبرس في البحر، فلما رأيت السفن في البحر وما يدخل فيها؛ عرفت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه: الإمام أحمد ورواته ثقات، وابن حبان في "صحيحه".
والمراد بـ (الرطب) : الإبل والخيل والبغال والحمير، والمراد بـ (اليابس) : المراكب البحرية والبرية والجوية. والله أعلم.
وإذا علم ما ذكرنا؛ فالإجمال في هذه الأحاديث قد صار كالتفصيل عند من أدرك ذلك وشاهده وكان له أدنى علم ومعرفة.
ولعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما ترك التفصيل خشية أن يفتتن بسببه من لم يرسخ الإيمان في قلبه؛ كما وقع ذلك في قصة الإسراء، لما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسري به إلى بيت المقدس ورجع في ليلته، فأنكر ذلك المشركون، وارتد ناس ممن آمن به وصدقه! وهو صلى الله عليه وسلم إنما أخبرهم عن أمر خارق للعادة.
وإذا كان المشركون قد أنكروا الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس في ليلة واحدة؛ فكيف لو أخبرهم أن بني آدم يصنعون في آخر الزمان مراكب من حديد تسير بهم في البر، وتحمل التجارة والأثقال العظيمة، ويصنعون مراكب من حديد تطير بهم في الهواء، وتحمل الجماعة الكثيرة من الناس وما معهم من الأمتعة، وتذهب من الحجاز إلى الشام وترجع في ساعتين فأقل، وأن أهل الشام ومصر والعراق والهند وغيرها من الأقطار البعيدة يسافرون من ديارهم للحج في يوم عرفة، فيدركون الوقوف مع الناس بعرفة، وكذلك لو أخبرهم أن أهل الأرض يتخاطبون بواسطة آلات يتخذونها كما يتخاطب أهل البيت الواحد، فيكلم الذي في أقصى المشرق من كان في أقصى المغرب كما يكلم الجالس عنده
وبالعكس، ويستمع الإنسان إلى الألسن المختلفة في مشارق الأرض ومغاربها وهو جالس في مجلسه..... ونحو ذلك مما لا تحتمله أكثر العقول البشرية دون أن ترى ذلك عيانًا وتقف على حقيقته؟ .
فلو وقع الإخبار بذلك مفصلًا؛ لم تؤمن الفتنة على أهل الإيمان الضعيف، فكان من حكمة الشارع الحكيم أن أخبر بذلك مجملًا بما أغنى من شاهده عن التفصيل. والله أعلم.
باب
ما جاء في رفع الإلفة
عن عمير بن إسحاق؛ قال: "كنا نتحدث أن أول ما يرفع من الناس الإلفة".
رواه البخاري في "الأدب المفرد".
باب
ما جاء في إخوان العلانية أعداء السريرة
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يكون في آخر الزمان أقوام إخوان العلانية أعداء السريرة". فقيل: يا رسول الله! وكيف يكون ذلك؟ قال: "ذلك برغبة بعضهم إلى بعض ورهبة بعضهم من بعض» .
رواه: الإمام أحمد، والبزار، والطبراني، وأبو نعيم في "الحلية".
وعن محمد بن سوقة؛ قال: "أتيت نعيم بن أبي هند، فأخرج إلي صحيفة؛ فإذا فيها: من أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل إلى عمر بن
الخطاب: سلام عليك....... (فذكر الكتاب، وفيه:) وإنا كنا نتحدث أن أمر هذه الأمة في آخر زمانها سيرجع إلى أن يكونوا إخوان العلانية أعداء السريرة.... (ثم ذكر جواب عمر رضي الله عنه لهما، وفيه:) وكتبتما تحذراني أن أمر هذه الأمة سيرجع في آخر زمانها إلى أن يكونوا إخوان العلانية أعداء السريرة، ولستم بأولئك، وليس هذا بزمان ذلك، وذلك زمان تظهر فيه الرغبة والرهبة، تكون رغبة بعض الناس إلى بعض لصلاح دنياهم".
رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات إلى هذه الصحيفة".
قلت: ورواه أبو نعيم في "الحلية" بمثله.
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ مرفوعًا: «لا تقوم الساعة حتى تناكر القلوب، وتختلق الأقاويل، وتختلف الإخوان من الأب والأم في الدين» .
رواه الديلمي.
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه: أنه قال: "إذا ظهر العلم (وفي رواية: القول) وخزن العمل، وائتلفت الألسن واختلفت القلوب، وقطع كل ذي رحم رحمه؛ فعند ذلك لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم".
رواه: الإمام أحمد في "الزهد"، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم؛ موقوفًا على سلمان رضي الله عنه. ورواه: ابن وضاح، والحسن بن سفيان، وأبو نعيم، وغيرهم؛ مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن الحسن مرسلًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أظهر الناس العلم وضيعوا العمل، وتحابوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب، وتقاطعوا في الأرحام؛ لعنهم الله عند ذلك فأصمهم وأعمى أبصارهم» .
رواه ابن أبي الدنيا.