المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بابما جاء في أول الآيات خروجا - إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة - جـ ٢

[حمود بن عبد الله التويجري]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب أشراط الساعة

- ‌معنى الساعة

- ‌بابما جاء في ضعف الإيمان وقلته في آخر الزمان

- ‌بابما جاء في رفع الأمانة والحياء

- ‌بابما جاء في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌بابفي عودة العلم جهلًا والجهل علمًا

- ‌بابما جاء في الذين يفتخرون بالقراءة والعلم

- ‌بابما جاء في الذين يتكلفون في قراءة التجويد

- ‌بابما جاء في قلة المال الحلال

- ‌بابما جاء في الزمان العضوض

- ‌بابما جاء في ظهور الزنا وكثرته

- ‌بابما جاء في استحلال الخمر بتغيير اسمها

- ‌بابما جاء في التطاول في البنيان

- ‌بابما جاء في الكنز الذي يقتتل عنده أبناء الخلفاء

- ‌بابما جاء في قيء الأرض للذهب والفضة

- ‌بابما جاء في التباغض والتلاعن وظهور العداوة

- ‌بابما جاء في الخسف ببعض المعادن

- ‌بابما جاء في خروج النار

- ‌بابما جاء في المهدي

- ‌بابما جاء في القحطاني

- ‌بابما جاء في تتابع الآيات

- ‌بابما جاء في أول الآيات خروجًا

- ‌باب‌‌ما جاء في ابن صياد

- ‌ما جاء في ابن صياد

- ‌بابمن أين يخرج الدجال

- ‌بابفي سبب خروج الدجال

- ‌بابالأمر بالمبادرة بالأعمال قبل خروج الدجال

- ‌بابفيما يعصم من الدجال

- ‌بابفي أشد الناس على الدجال

الفصل: ‌بابما جاء في أول الآيات خروجا

‌باب

ما جاء في أول الآيات خروجًا

عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير؛ قال: جلس ثلاثة نفر من المسلمين إلى مروان بالمدينة، فسمعوه وهو يحدث في الآيات: أن أولها خروج الدجال. قال: فانصرف النفر إلى عبد الله بن عمرو، فحدثوه بالذي سمعوه من مروان في الآيات، فقال عبد الله: لم يقل مروان شيئًا، قد حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك حديثًا لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إن أول الآيات خروجًا: طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة ضحى، فأيتهما كانت قبل صاحبتها؛ فالأخرى على إثرها". ثم قال عبد الله - وكان يقرأ الكتب -: "وأظن أولاها خروجًا طلوع الشمس من مغربها»

الحديث.

رواه: الإمام أحمد وهذا لفظه، وأبو داود الطيالسي، ومسلم، وأبو داود السجستاني، وابن ماجه مختصرًا، والبزار، والطبراني في "الكبير". قال الهيثمي:"ورجاله رجال الصحيح".

وسيأتي الحديث مطولًا في (باب ما جاء في طلوع الشمس من مغربها) إن شاء الله تعالى.

وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول الآيات: طلوع الشمس من مغربها» .

رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "وفيه فضالة بن جبير، وهو ضعيف، وأنكر هذا الحديث".

قال الحافظ ابن كثير في كتاب "النهاية" في الكلام على حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: «إن أول الآيات خروجًا:»

ص: 319

«طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى» ؛ قال: "أي: أول الآيات التي ليست مألوفة، وإن كان الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام من السماء قبل ذلك، وكذلك خروج يأجوج ومأجوج، فكل ذلك أمور مألوفة؛ لأنهم بشر يشاهدهم الناس، وأمثالهم مألوفة، فأما خروج الدابة على شكل غير مألوف، ومخاطبتها الناس، ووسمها إياهم بالإيمان والكفر؛ فأمر خارج عن مجاري العادات، وذلك أول الآيات الأرضية؛ كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية".

وقال ابن كثير أيضًا في موضع آخر من "النهاية": "وقد ذكرنا أن المراد بالآيات هاهنا التي ليست مألوفة، وهي مخالفة للعادة المستقرة؛ فالدابة التي تكلم الناس وتعين المؤمن من الكافر وطلوع الشمس من مغربها أمر باهر جدًا؛ فهذه أول الآيات الأرضية، وهذه أول الآيات السماوية، وقد ظن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن طلوع الشمس من مغربها متقدم على الدابة، وذلك محتمل ومناسب".

قلت: وقد جاء ذلك صريحًا في حديث أبي أمامة رضي الله عنه الذي تقدم ذكره في هذا الباب، ولكنه حديث ضعيف؛ فلا يعتمد عليه.

قال ابن كثير: "وقد حكى البيهقي عن الحاكم: أنه قال: أول الآيات ظهورًا خروج الدجال، ثم نزول عيسى ابن مريم، ثم فتح يأجوج ومأجوج، ثم خروج الدابة، ثم طلوع الشمس من مغربها".

ونقل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" عن الحاكم: أنه قال: "الذي يظهر أن طلوع الشمس يسبق خروج الدابة، ثم تخرج الدابة في ذلك اليوم أو الذي يقرب منه".

قال الحافظ: "والحكمة في ذلك أن عند طلوع الشمس من المغرب يغلق

ص: 320

باب التوبة، فتخرج الدابة تميز المؤمن من الكافر، تكميلًا للمقصود من إغلاق باب التوبة، وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة النار التي تحشر الناس من المشرق إلى المغرب؛ كما في حديث أنس في "مسائل عبد الله بن سلام " ".

انتهى.

وقد تقدم حديث أنس رضي الله عنه في (باب ما جاء في خروج النار) .

ونقل الحافظ أيضًا عن الطيبي أنه قال: "الآيات أمارات للساعة: إما على قربها، وإما على حصولها؛ فمن الأول: الدجال، ونزول عيسى، يأجوج ومأجوج، والخسف. ومن الثاني: الدخان، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، والنار التي تحشر الناس".

قال ابن حجر: "والذي يترجح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض، وينتهي ذلك بموت عيسى ابن مريم، وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة".

ثم ذكر الحافظ حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما الذي تقدم في أول الباب، وإنكاره لقول مروان بن الحكم، ثم قال:"ولكلام مروان محمل يعرف مما ذكرته". انتهى.

وسيأتي إن شاء الله تعالى في ذكر خروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث إذا خرجن؛ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض» .

رواه: مسلم، والترمذي، وابن جرير، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح"، وقد رواه الإمام أحمد، وقال فيه:"والدخان "؛ بدل: " الدجال ".

ص: 321

وظاهر هذا الحديث الصحيح يدل على أن التوبة لا تزال مقبولة حتى تخرج الثلاث كلها.

وقد تواترت الأحاديث الدالة على أن التوبة لا تزال مقبولة ما لم تطلع الشمس من مغربها، وسيأتي ذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى، فيستفاد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مع الأحاديث الواردة في قبول التوبة ما لم تطلع الشمس من مغربها، أن خروج الدابة والدخان متقدم على طلوع الشمس من مغربها. والله أعلم.

أبواب

ما جاء في الدجال

قال ابن الأثير: "أصل الدجل: الخلط، يقال: دجل إذا لبس وموه، ومنه الحديث: «يكون في آخر الزمان دجالون» ؛ أي: كذابون مموهون، وقد تكرر ذكر الدجال في الحديث، وهو الذي يظهر في آخر الزمان يدعي الألوهية، وفعال من أبنية المبالغة؛ أي يكثر منه الكذب والتلبيس".

وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": " الدجال - بفتح أوله والتشديد - من الدجل، وهو التغطية، وسمي الكذاب دجالًا؛ لأنه يغطي الحق بباطله". انتهى.

ويسمى الدجال: المسيح الكذاب، وسيأتي ذكر السبب في تسميته بالمسيح، وذكر الفرق بينه وبين المسيح عيسى ابن مريم عند ذكر عيسى إن شاء الله تعالى.

قال ابن كثير في "النهاية": "وهو رجل من بني آدم، خلقه الله تعالى ليكون محنة للناس في آخر الزمان، فيضل به كثيرًا، ويهدي به كثيرًا، وما يضل

ص: 322

به إلا الفاسقين".

وقد روى الحافظ أحمد بن علي الأبار في "تاريخه" من طريق مجالد عن الشعبي: أنه قال: "كنية الدجال أبو يوسف". انتهى.

وقد تقدم في (باب ما جاء في الآيات الكبار) حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه؛ قال: «اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: "ما تذاكرون؟ ". قالوا نذكر الساعة. قال: "إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات.... (فذكر الدخان والدجال) » الحديث.

رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم، وأهل السنن، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح ".

وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

رواه: الطبراني، وابن مردويه، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي على ذلك، وقد تقدم في الباب المذكور.

باب

ما جاء أن الدجال كان موجودًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم

عن عمران بن حصين رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أكل الطعام ومشى في الأسواق (يعني: الدجال) » .

رواه: الإمام أحمد، والطبراني، والآجري في كتاب "الشريعة". قال الهيثمي:"وفي إسناد أحمد علي بن زيد، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح، وفي إسناد الطبراني محمد بن منصور النحوي الأهوازي، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح ".

ص: 323

وعن معقل بن يسار رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقد أكل الطعام، ومشى في الأسواق (يعني: الدجال) » .

رواه الطبراني في "الأوسط) . قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح؛ غير علي بن زيد بن جدعان، وهو لين، وثقة العجلي وغيره، وضعفه جماعة ".

انتهى.

وقد رواه الآجري في كتاب "الشريعة"، ولكنه قال عن ابن مغفل:"ولعل ذلك غلط من بعض الكتاب".

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا إن كل نبي قد أنذر أمته الدجال، وإنه يومه هذا قد أكل الطعام»

.

الحديث.

رواه الحاكم في "مستدركه"، وفيه عطية العوفي، وهو ضعيف. وسيأتي بتمامه في ذكر الرجل المؤمن الذي يقتله الدجال إن شاء الله تعالى.

ويشهد لهذه الأحاديث ما يأتي من حديث فاطمة بنت قيس وحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم في ذكر الجساسة والدجال.

باب

في خبر الجساسة

عن ابن بريدة - وهو عبد الله - قال: حدثني عامر بن شراحيل الشعبي - شعب همدان - أنه سأل فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس، وكانت من المهاجرات الأول، فقال: حدثيني حديثًا سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسنديه إلى أحد غيره. فقالت: لئن شئت لأفعلن. فقلت لها: أجل؛ حدثيني (فذكر

ص: 324

الحديث في تأيمها من زوجها، واعتدادها عند ابن أم مكتوم) . قالت:«فلما انقضت عدتي؛ سمعت نداء المنادي (منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته؛ جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: "ليلزم كل إنسان مصلاه"، ثم قال: "أتدرون لم جمعتكم؟ ". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميمًا الداري كان رجلًا نصرانيًا، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلًا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرًا في البحر، ثم أرفؤوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك! ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة. قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم! انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير؛ فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمت لنا رجلًا؛ فرقنا منها أن تكون شيطانة. قال: فانطلقنا سراعًا حتى دخلنا؛ فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقًا، وأشده وثاقًا، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد. قلنا: ويلك! ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهرًا، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة، فلقينا دابة أهلب كثير الشعر لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك! ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة. قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير؛ فإنه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعًا، وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة. فقال: أخبروني عن نخل بيسان. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟»

ص: 325

«قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا يثمر، أخبروني عن بحيرة الطبرية. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر. قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم؛ هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني، إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج، فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة؛ غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة (أو: واحدًا) منهما؛ استقبلني ملك بيده السيف صلتًا يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها". قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر: "هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة (يعني: المدينة) ، ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ ". فقال: الناس: نعم. "فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا؛ بل من قبل المشرق ما هو (وأومأ بيده إلى المشرق) ". قالت: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

رواه: مسلم، وأبو داود، وهذا لفظ مسلم.

ورواه الطبراني في "الكبير" بنحو رواية مسلم. وفي إسناده حفص بن عمر بن الصباح الرقي، ذكره ابن حبان في "الثقات " وقال:"ربما أخطأ، وبقية رجاله رجال الصحيح".

ص: 326

ورواه: مسلم أيضًا، وأبو داود الطيالسي؛ والطبراني في "الكبير" من حديث قرة بن خالد: حدثنا سيار أبو الحكم: حدثنا الشعبي؛ قال: «دخلنا على فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، فأتحفتنا برطب يقال له: رطب ابن طاب، وأسقتنا سويق سلت، فسألتها عن المطلقة ثلاثًا أين تعتد؟ قالت: طلقني بعلي ثلاثًا، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعتد في أهلي. قالت: فنودي في الناس: إن الصلاة جامعة. قالت: فانطلقت فيمن انطلق من الناس. قالت: فكنت في الصف المتقدم من النساء، وهو يلي المؤخر من الرجال. قالت: فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يخطب، فقال: "إن بني عم لتميم الداري ركبوا في البحر (وساق الحديث) "، وزاد فيه: فكأنما أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأهوى بمخصرته إلى الأرض، وقال: "هذه طيبة"؛ يعني: المدينة.»

هذا لفظ مسلم، وقد ساقه أبو داود الطيالسي والطبراني بنحو ما تقدم في رواية ابن بريدة؛ إلا أن روايتهما أخصر من روايته.

ورواه مسلم والطبراني أيضًا من حديث غيلان بن جرير عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها؛ قالت: «قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم الداري، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ركب البحر، فتاهت به سفينته، فسقط إلى جزيرة، فخرج إليها يلتمس الماء، فلقي إنسانًا يجر شعره واقتص الحديث وقال فيه، ثم قال: أما إنه لو قد أذن لي في الخروج قد وطئت البلاد كلها غير طيبة، فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحدثهم؛ قال: "هذه طيبة وذاك الدجال» .

هذه رواية مسلم، وقد أحال الطبراني بلفظه على الحديث الطويل قبله.

ورواه مسلم والطبراني أيضًا من حديث أبي الزناد عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قعد على المنبر، فقال: "أيها الناس! حدثني تميم الداري أن أناسًا من قومه كانوا في البحر في سفينة لهم،»

ص: 327

«فانكسرت بهم، فركب بعضهم على لوح من ألواح السفينة، فخرجوا إلى جزيرة في البحر» .... (وساق الحديث) ".

هذه رواية مسلم، ورواية الطبراني أطول منها بكثير.

ورواه الإمام أحمد من حديث مجالد عن عامر - وهو الشعبي - قال: قدمت المدينة، فأتيت فاطمة بنت قيس، فحدثتني (فذكر الحديث في طلاقها وعدتها وإنكاحها أسامة بن زيد) ؛ قال: فلما أردت أن أخرج؛ قالت: اجلس حتى أحدثك حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا من الأيام، فصلى صلاة الهاجرة، ثم قعد، ففزع الناس، فقال: "اجلسوا أيها الناس؛ فإني لم أقم مقامي هذا لفزع، ولكن تميمًا الداري أتاني فأخبرني خبرًا منعني القيلولة من الفرح وقرة العين، فأحببت أن أنشر عليكم فرح نبيكم صلى الله عليه وسلم: أخبرني أن رهطًا من بني عمه ركبوا البحر، فأصابتهم ريح عاصف، فألجأتهم الريح إلى جزيرة لا يعرفونها، فقعدوا في قويرب بالسفينة، حتى خرجوا إلى الجزيرة، فإذا هم بشيء أهلب، كثير الشعر، لا يدرون أرجل هو أو امرأة، فسلموا عليه، فرد عليهم السلام. قالوا: ألا تخبرنا؟ قال: ما أنا بمخبركم ولا بمستخبركم، ولكن هذا الدير قد رهقتموه؛ ففيه من هو إلى خبركم بالأشواق أن يخبركم ويستخبركم. قال: قلنا: فما أنت؟ قال: أنا الجساسة. فانطلقوا حتى أتوا الدير، فإذا هم برجل موثق شديد الوثاق، مظهر الحزن، كثير التشكي، فسلموا عليه، فرد عليهم، فقال: ممن أنتم؟ قالوا: من العرب. قال: ما فعلت العرب؟ أخرج نبيهم بعد؟ قالوا: نعم. قال: فما فعلوا؟ قالوا: خيرًا، آمنوا به وصدقوه. قال: ذلك خير لهم. وكان له عدو، فأظهره الله عليهم. قال: فالعرب اليوم إلههم واحد، ودينهم واحد، وكلمتهم واحدة؟ قالوا: نعم. قال: فما فعلت عين زغر؟ قالوا: صالحة؛ يشرب منها أهلها لشفتهم، ويسقون منها زرعهم. قال: فما فعل نخل بين عمان وبيسان؟ قالوا: صالح؛ يطعم جناه كل عام. قال: فما»

ص: 328

«فعلت بحيرة الطبرية؟ قالوا: ملأى. قال: فزفر، ثم زفر، ثم زفر، ثم حلف؛ لو خرجت من مكاني هذا ما تركت أرضًا من أرض الله إلا وطئتها غير طيبة ليس لي عليها سلطان " قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إلى هذا انتهى فرحى (ثلاث مرار) ، إن طيبة المدينة، إن الله حرم حرمي على الدجال أن يدخلها (ثم حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم:) والذي لا إله إلا هو؛ ما لها طريق ضيق ولا واسع في سهل ولا جبل إلا عليه ملك شاهر بالسيف إلى يوم القيامة، ما يستطيع الدجال أن يدخلها على أهلها» .

قال عامر: فلقيت المحرر بن أبي هريرة، فحدثته حديث فاطمة بنت قيس، فقال: أشهد على أبي أنه حدثني كما حدثتك فاطمة؛ غير أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه نحو المشرق» .

قال: ثم لقيت القاسم بن محمد، فذكرت له حديث فاطمة، فقال: أشهد على عائشة أنها حدثتني كما حدثتك فاطمة؛ غير أنها قالت: «الحرمان عليه حرام؛ مكة والمدينة» .

فيه مجالد بن سعيد، وثقه النسائي في موضع، وقال في آخر:"ليس بالقوي"، وضعفه كثير من الأئمة، وقال الذهبي في كتابه "المغني في الضعفاء":"مشهور، صالح الحديث"، واخرج له مسلم في "صحيحه" مقرونًا بغيره.

وفيه أيضًا المحرر بن أبي هريرة، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الذهبي في "الكاشف ":"وثق"، وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب":"مقبول، وبقية رجاله رجال الصحيح".

وما تقدم من الروايات الصحيحة يشهد له ويقويه.

وقد رواه الطبراني في "الكبير" بنحو رواية أحمد، ورواه أبو داود مختصرًا،

ص: 329

وأحال بلفظه على ما تقدم قبله من رواية عبد الله بن بريدة عن الشعبي، ورواه ابن ماجه والآجري بنحو رواية أحمد؛ إلا أنهما لم يذكرا الشاهدين لحديث فاطمة بنت قيس، وهما ما رواه الشعبي عن المحرر بن أبي هريرة عن أبيه وعن القاسم بن محمد عن عائشة.

وقد جاء في رواية ابن ماجه والآجري: «فإذا هم بشيخ موثق» ، وهذا مخالف لما في "صحيح مسلم " وغيره عن النواس بن سمعان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الدجال: «إنه شاب قطط» ، والعمدة على ما في الصحيح، والله أعلم.

ورواه الطبراني من حديث الشيباني - وهو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان - عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها (فذكر الحديث مطولًا بنحو رواية مجالد عن الشعبي)، وفيه أن الدجال قال لهم:«من أنتم؟ قالوا: من أهل فلسطين من جزيرة العرب» . وفيه أيضًا ذكر الشاهدين لحديث فاطمة بنت قيس، وهما ما رواه الشعبي عن المحرر بن أبي هريرة عن أبيه وعن عبد الله بن أبي بكر عن عائشة.

هكذا جاء في هذه الرواية: "عن عبد الله بن أبي بكر "، ولعله عبد الله بن محمد بن أبي بكر، وهو أخو القاسم بن محمد الذي روى عنه الشعبي كما تقدم في رواية مجالد عنه، ولعل كلا من القاسم بن محمد وأخيه عبد الله رويا عن عائشة رضي الله عنها ما روته في قصة الجساسة والدجال، والله أعلم.

في إسناد هذه الرواية الحسين بن إسحاق التستري شيخ الطبراني. قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء": "كان من الحفاظ الرحالة"، وبقية رجاله رجال الصحيح.

ورواه الإمام أحمد والطبراني أيضًا من حديث داود بن أبي هند عن عامر

ص: 330

- وهو الشعبي - عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم مسرعًا، فصعد المنبر، فنودي في الناس: الصلاة جامعة، واجتمع الناس، فقال: "يا أيها الناس! إني لم أدعكم لرغبة نزلت ولا لرهبة، ولكن تميمًا الداري أخبرني أن ناسًا من أهل فلسطين ركبوا البحر فقذفتهم الريح إلى جزيرة من جزائر البحر، فإذا هم بدابة أشعر لا يدرى أذكر أم أنثى من كثرة شعره، فقالوا: من أنت؟ فقالت: أنا الجساسة. قالوا: فأخبرينا. قالت: ما أنا بمخبرتكم ولا بمستخبركم ولكن في هذا الدير رجل فقير إلى أن يخبركم ويستخبركم. فدخلوا الدير؛ فإذا رجل ضرير ومصفد في الحديد، فقال: من أنتم؟ قلنا: نحن العرب. قال: هل بعث فيكم النبي؟ قلنا: نعم. قال: فهل اتبعه العرب؟ قالوا: نعم. قال: ذاك خير لهم. قال: ما فعلت فارس؟ هل ظهر عليها؟ قالوا: لم يظهر عليها بعد. قال: أما إنه سيظهر عليها. ثم قال: ما فعلت عين زغر؟ قالوا: هي تدفق ملأى. قال: فما فعلت بحيرة طبرية؟ قالوا: هي تدفق ملأى. قال: فما فعل نخل بيسان؟ هل أطعم بعد؟ قالوا: قد أطعم أوائله. قال: فوثب وثبة ظننا أنه سيفلت، فقلنا: من أنت؟ قال: أنا الدجال، أما إني سأطأ الأرض كلها غير مكة وطيبة". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبشروا معشر المسلمين؛ فإن هذه طيبة لا يدخلها الدجال» .

هذا لفظ أحمد، وإسناده صحيح على شرط مسلم.

ورواه أيضًا بإسناد صحيح على شرط مسلم، وقال فيه:«فدخلوا الدير؛ فإذا رجل أعور مصفد في الحديد»

، وذكر بقية الحديث بنحو ما تقدم، وقد رواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه.

ورواه الترمذي من حديث قتادة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: «أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فضحك، فقال: "إن تميمًا الداري»

ص: 331

«حدثني بحديث، ففرحت، فأحببت أن أحدثكم: إن ناسًا من أهل فلسطين ركبوا سفينة في البحر، فجالت بهم، حتى قذفتهم في جزيرة من جزائر البحر، فإذا هم بدابة لباسة ناشرة شعرها، فقالوا: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة. قالوا: فأخبرينا. قالت: لا أخبركم ولا أستخبركم، ولكن ائتوا أقصى القرية؛ فإن ثم من يخبركم ويستخبركم. فأتينا أقصى القرية؛ فإذا رجل موثق بسلسلة، فقال: أخبروني عن عين زغر. قلنا: ملأى تدفق. قال: أخبروني عن البحيرة. قلنا: ملأى تدفق. قال: أخبروني عن نخل بيسان الذي بين الأردن وفلسطين؛ هل أطعم؟ قلنا: نعم. قال: أخبروني عن النبي؛ هل بعث؟ قلنا: نعم. قال: أخبروني كيف الناس إليه؟ قلنا: سراع. قال: فنزى نزوة حتى كاد. قلنا: فما أنت؟ قال: أنا الدجال، وإنه يدخل الأمصار كلها إلا طيبة، وطيبة المدينة» .

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث قتادة عن الشعبي. وقد رواه غير واحد عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس ". انتهى.

وقد رواه الطبراني في "الكبير" من حديث قتادة وإبراهيم بن عامر عن الشعبي، وفيه أن الجساسة قالت:«الخبر عند صاحب هذا الدير، فأتوا الدير، فإذا رجل موقر بالحديد، فسألهم: ممن هم؟ فأخبروه. فقال: ما فعل نبي العرب؟ أخرج بعد؟ قالوا: نعم. قال: من يتبعه؛ السفلة أم أشراف الناس؟ قالوا: يتبعه السفهاء. قال: يكثرون أم يقلون؟ قالوا: يكثرون. قال: يرجع أحد ممن أتاه؟ قالوا: لا. قال: ذلك خير لهم. ثم سألهم عن بحيرة طبرية ونخل بيسان وعين زغر فأخبروه. قال: أما إنه لو قد أذن لي؛ لقد وطئت برجلي هذه الأرض كلها غير طيبة". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذه طيبة، على كل نقب منها ملك شاهر سيفه، نحو العراق ما هو، نحو العراق ما هو» .

إسناده ضعيف، ولبعضه شواهد مما تقدم قبله من الأحاديث الصحيحة.

ص: 332

ورواه الطبراني أيضًا من طرق كثيرة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس سوى ما تقدم ذكره من الروايات، وفي بعضها زيادات ليست في الروايات التي تقدم ذكرها:

منها في رواية محمد بن أيوب أبي عاصم الثقفي عن الشعبي عن فاطمة: «إن الجساسة قالت لهم: إن كنتم تريدون الخبر؛ فعليكم بهذا الدير. وأشارت إلى دير في الجزيرة غير بعيد، فانطلقنا نمشي حتى دخلنا؛ فإذا رجل موثق بحديد كبير ثقيل، وإذا هو مستند ظهره إلى سفح جبل. قال: من أنتم؟ قلنا: أناس من العرب. قال: ما فعل النبي الأمي الذي ينتظر؟ قلنا: قد خرج

(ثم سألهم عن نخل بين عمان وبيسان، وعن عين زغر، وعن بحيرة الطبرية، فأخبروه، قال:) ، فضرب بيده بطن قدمه، وقال: إني لو قد خرجت من مجلسي هذا؛ لم أدع في الأرض بقعة إلا وطئتها؛ إلا مكة وطيبة. قال: ثم زفر، فسار في الجبل ثم وقع، ثم سار أخرى أبعد من ذلك ثم وقع، ثم سار الثالثة فذهب في الجبل ثم وقع. قال: قلنا: ما له لا بارك الله فيه؟ وكأنه سر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك قوله: مكة والمدينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طيبة (مرتين) لا يدخلها الدجال، ليس منها نقب إلا عليه ملك شاهر السيف، ومن نحو اليمن ما هو. ثم قال بيده وكم قميصه قريبا من ثلاثين مرة: من نحو العراق ما هو» .

إسناد هذه الرواية صحيح على شرط مسلم.

ومنها ما في رواية عمران بن سليمان القيسي عن الشعبي؛ قال: حدثتني فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى: الصلاة جامعة؛ في ساعة لم يكن ينادي فيها، فخرج الناس إلى المسجد، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فصعد المنبر، ثم قال: أنذركم الدجال (ثلاثًا) ، إنه لم يكن فيما مضى، وإنه كائن فيكم أيتها الأمة، وإن تميمًا الداري أخبرني أنه ركب بحر الشام في نفر من لخم»

ص: 333

«وجذام، فألقتهم الريح إلى جزيرة من جزائره، فإذا هم بالدهماء تجر شعرها، فقالوا: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة. قالوا: أخبرينا. قالت: ما أنا بمخبرتكم ولا أستخبركم، ولكن ائتوا رجلًا في هذا الدير؛ فإنه إلى خبركم بالأشواق. فأتوه؛ فإذا رجل ممسوح العين، موثق إلى سارية في الحديد. فقال: ما أنتم؟ قالوا: نحن العرب. قال: ما فعلت العرب؟ قلنا: بعث إليهم نبي أمي يدعوهم إلى الله. قال: فما فعل الناس؟ قالوا: اتبعه قوم وتركه قوم. قال: أما إنهم إن يتبعونه ويصدقونه خير لهم لو كانوا يعلمون. ثم قال: ما فعلت العرب؟ أي شيء لباسهم؟ قلنا: صوف وقطن تغزله نساؤهم. فضرب بيده على فخذه، ثم قال: هيهات. ثم قال: ما فعلت نخل بيسان؟ قلنا: قوي، ونجدها في كل عام. فضرب بيده على فخذه، ثم قال: هيهات. ثم قال: ما فعلت عين زغر؟ قلنا: كثير ماؤها يتدفق يروي من أتاها. فضرب بيده على فخذه، ثم قال: هيهات ثم قال: لو قد أطلقني الله من وثاقي؛ لم يبق منهل إلا دخلته؛ إلا مكة وطيبة؛ فإنه ليس لي دخولهما. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك مكة وهذه طيبة حرمها الله كما حرم إبراهيم مكة، أما إنه ليس نقب ولا سكة إلا وعليها ملك شاهر للسيف يمنعها من الدجال إلى يوم القيامة» .

عمران بن سليمان القيسي: ذكره البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وبقية رجاله كلهم ثقات.

وقد رواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه.

ومنها ما في رواية أبي الأشهب جعفر بن حيان العطاردي عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها؛ قالت: «سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة.... (فذكر الحديث عن الجساسة والدجال وفيه:) قال: فأتينا الدير؛ فإذا نحن برجل أعظم رجل رأيته قط، وأحسنه جسمًا، فإذا هو ممسوح»

ص: 334

«العين اليمنى، كأن عينه نخامة في جدار مجصص، وإذا يداه مغلولتان إلى عنقه، وإذا رجلاه مشدودتان بالكبول من ركبتيه إلى قدميه، فقلنا له: ما أنت أيها الرجل؟ فقال: أما خبري؛ فقد قدرتم عليه، ولكن أخبروني: ما أوقعكم هذه الجزيرة، وهذه الجزيرة لم يصل إليها آدمي منذ خرجت إليها؟ فأخبرناه، فقال: أخبروني عن بحيرة الطبرية؛ ما فعلت؟ قلنا: عن أي أمرها تسأل؟ قال: هل نضب ماؤها؟ وهل بدا فيها من العجائب؟ قلنا: لا. قال: أما إنه سيكون. ثم سكت مليًا، ثم قال: أخبروني عن عين زغر؛ ما فعلت؟ قلنا: عن أي أمرها تسأل؟ قال: هل يحترث أهلها عليها؟ قلنا: نعم. قال: أما إنه سيغور عنها ماؤها. ثم سكت مليًا، فقال: أخبروني عن نخيل بيسان؛ ما فعل؟. فقلنا له: عن أي أمرها تسأل؟ قال: هل يثمر؟ قلنا: نعم. قال: أما إنه لا يثمر. ثم سكت مليًا، فقال: أخبروني عن النبي الأمي؛ ما فعل. قلنا: عن أي أمره تسأل؟ قال: هل ظهر بعد؟ قلنا: نعم. قال: فما صنعت معه العرب؟ فقلنا له: منهم من قاتله، ومنهم من صدقه. قال: أما إنه من صدقه فهو خير له. فقلنا: أخبرنا خبرك أيها الرجل؟ فقال: أما تعرفونني؟ ! قلنا: لو عرفناك ما سألناك. قال: أنا الدجال، يوشك أن يؤذن لي في الخروج، فإذا خرجت؛ وطئت جزائر العرب كلها؛ غير مكة وطيبة، كلما أردتها؛ استقبلني ملك بيده السيف مصلتًا فردني عنهما".

قالت فاطمة: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعًا يديه حتى رأينا بياض إبطيه، ثم قال:"ألا أخبركم أن هذه طيبة (ثلاثًا) ؟ "، ثم قال:"ألا أخبركم أنه في بحر الشام (ثلاثًا) ؟ "، ثم أغمي عليه ساعة، ثم سري عنه، فقال: "بل هو في بحر العراق» .

في إسناده سيف بن مسكين، وهو ضعيف جدًا، ولبعضه شواهد مما تقدم قبله من الأحاديث الصحيحة.

ص: 335

وعن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر العشاء الآخرة ذات ليلة، ثم خرج، فقال: "إنه حبسني حديث كان يحدثنيه تميم الداري عن رجل كان في جزيرة من جزائر البحر، فإذا بامرأة تجر شعرها. قال: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة، اذهب إلى ذلك القصر. فأتيته، فإذا رجل يجر شعره مسلسل في الأغلال ينزو فيما بين السماء والأرض، فقلت: من أنت؟ قال: أنا الدجال، خرج نبي الأميين بعد؟ قلت: نعم. قال: أطاعوه أم عصوه؟ قلت: بل أطاعوه. قال: ذلك خير لهم» .

رواه أبو داود: قال المنذري: "في إسناده عثمان بن عبد الرحمن القرشي مولاهم الحراني المعروف بالطرائقي (ثم ذكر كلام العلماء فيه، فمنهم من تكلم فيه، ومنهم من وثقه) ".

قلت: وقد رواه الطبراني في "الكبير" بإسنادين: أحدهما قال: حدثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف المصري: حدثنا أحمد بن صالح: حدثنا ابن أبي فديك: حدثني ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها (فذكر الحديث بنحو ما تقدم في رواية أبي داود، وزاد في آخره أن الدجال قال: "وهل غارت المياه؟ ") .

رجاله رجال الصحيح، سوى إسماعيل بن الحسن الخفاف؛ فإني لم أجد له ترجمة، وقد ذكره المزي في "تهذيب الكمال" فيمن روى عن أحمد بن صالح المصري.

ولهذا الحديث شواهد مما تقدم في الروايات عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها.

وقد زعم أبو عبية في تعليقه على "النهاية" لابن كثير في (ص96) منها أن حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها عليه طابع الخيال وسمة الوضع، ثم

ص: 336

نفى صدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: "ولو صح صدوره عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى المنبر، وفي حشد من الصحابة؛ لتواتر نقله".

والجواب عن هذا من وجوه:

أحدها: أن يقال: من عجيب أمر أبي عبية قدحه في حديث قد رواه مسلم في "صحيحه" الذي قد أجمع أهل العلم على صحته وتلقيه بالقبول، وهذا في الحقيقة من الاستهانة بالأحاديث الصحيحة والغض من شأنها ومخالفة أهل العلم والشذوذ عنهم، ومن سلك هذا المسلك الذميم؛ فهو على شفا هلكة، ولو أن حديث الجساسة جاء في بعض الأقاصيص التي يذكرها كتاب الإفرنج؛ لبادر الأغبياء من العصريين إلى تصديقه، وأنكروا على من شك في صحته.

الوجه الثاني: أن هذا الحديث قد رواه الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، والشعبي إمام من أئمة التابعين، لا سبيل لأحد إلى الكلام فيه، وقد تابعه عليه أبو سلمة بن عبد الرحمن، فرواه عن فاطمة بنت قيس كما تقدم ذكره. ورواه عن الشعبي جماعة من الثقات الأثبات؛ منهم: عبد الله بن بريدة، وسيار أبو الحكم، وغيلان بن جرير، وأبو الزناد، وداود بن أبي هند، وقتادة، ومحمد بن أيوب الثقفي، وعمران بن سليمان القيسي، وغيرهم من الثقات.

وإذًا؛ فمن هو المتهم عند أبي عبية بوضعه؟ ! هل يتهم بذلك فاطمة بنت قيس رضي الله عنها؟ أو يتهم الشعبي؟ أو يتهم من دونه من الحفاظ الأثبات؟ أما يستحي أبو عبية من التهجم على الأحاديث الصحيحة التي لا مطعن فيها بوجه من الوجوه؟ .

الوجه الثالث: أن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها لم تنفرد برواية حديث الجساسة، بل قد رواه بمثل روايتها أبو هريرة وعائشة رضي الله عنهما كما تقدم ذكره، ورواه أيضًا أبو داود من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما،

ص: 337

وإسناده حسن؛ كما سيأتي. وفي هذا رد على من قدح في الحديث وزعم أنه موضوع.

الوجه الرابع: أن يقال: ليس التواتر شرطًا في صحة الأحاديث ولا في وجوب الإيمان بها؛ كما قد توهم ذلك أبو عبية تقليدًا لبعض أهل البدع من المتقدمين والعصريين، والذي عليه أهل السنة والجماعة الإيمان بكل ما صح سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان متواترًا أو آحادًا، وقد تقدم إيضاح ذلك في أول الكتاب؛ فليراجع.

الوجه الخامس: أن صدور الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وفي حشد من الصحابة رضي الله عنهم لا يلزم منه التواتر في النقل، وكم من خطبة خطبها النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وفي حشد عظيم من الصحابة ومع ذلك لم يروها أو يرو البعض منها إلا الواحد أو الاثنان أو أكثر من ذلك ممن لا يبلغ عددهم شرط التواتر؟ ! وقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عدة خطب في أعظم حشد كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم ينقل خطبة إلا العدد القليل من الصحابة رضي الله عنهم.

وقد روى الإمام أحمد ومسلم عن أبي زيد وعمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه؛ قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا» . وقد كانت هذه الخطبة العظيمة الطويلة جدًا على المنبر، وفي حشد من الصحابة رضي الله عنهم، ومع ذلك لم ينقل شيء منها بالتواتر.

وإذا علم هذا؛ فما زعمه أبو عبية من شرط التواتر لصحة حديث الجساسة

ص: 338

لا أصل له؛ فلا يعول عليه.

وعن الوليد بن عبد الله بن جميع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر (وهو ابن عبد الله رضي الله عنهما ؛ قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على المنبر: " إنه بينما أناس يسيرون في البحر، فنفد طعامهم، فرفعت لهم جزيرة، فخرجوا يريدون الخبز، فلقيتهم الجساسة ". قلت لأبي سلمة: وما الجساسة؟ قال: امرأة تجر شعر جلدها ورأسها. "قالت: في هذا القصر (فذكر الحديث، وسأل عن نخل بيسان وعن عين زغر قال: هو المسيح) » . فقال لي ابن أبي سلمة: إن في هذا الحديث شيئًا ما حفظته. قال: شهد جابر أنه هو ابن صائد.

قلت: فإنه قد مات. قال: وإن مات. قلت: فإنه قد أسلم. قال: وإن أسلم. قلت: فإنه قد دخل المدينة. قال: وإن دخل المدينة.

رواه أبو داود. قال ابن كثير: "وهو غريب جدًا". وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "سنده حسن".

وقد رواه الفاكهي في "أخبار مكة" مختصرًا، ولفظه: قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قام على المنبر، فذكر حديث الجساسة والدجال، فقال:«ما يأتي بابًا من أبوابها (يعني المدينة) ؛ إلا عليه ملك صالت سيفه يمنعه منها، وبمكة مثلها» .

وقد قال أبو عبية في تعليقه على هذا الحديث في كتاب " النهاية " لابن كثير ما نصه: "الغرابة بكل غيومها تحيط بهذا الحديث الذي يرفض القلب والعقل معًا التصديق بصدوره عن الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم " انتهى.

والجواب عن هذا من وجهين:

أحدهما: أن يقال: هذا الحديث وإن قال فيه ابن كثير: "إنه غريب جدًا"؛ فقد قال الحافظ ابن حجر: "إسناده حسن". والحسن مقبول عند أهل

ص: 339

العلم بالحديث، لا يرده أحد منهم.

الوجه الثاني: أن الغرابة في الحديث لا تقتضي اطراحه بالكلية، وعدم التصديق بصدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما تطرح الأحاديث التي يكون في رواتها أحد ممن أجمع العلماء على أنه وضاع أو كذاب أو ساقط الرواية أو متروك، وليس في رواة حديث جابر رضي الله عنه أحد من هؤلاء، ولا أحد ممن أجمع العلماء على ضعفهم، وقد تقدم له شاهد صحيح عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، وعلى هذا؛ فلا يجوز لأحد رفضه وعدم التصديق بصدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يرفضه إلا أصحاب القلوب السقيمة والعقول التي ليست بمستقيمة.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استوى على المنبر، فقال:«حدثني تميم "، فرأى تميمًا في ناحية المسجد، فقال: "يا تميم! حدث الناس ما حدثتني ". قال: كنا في جزيرة؛ فإذا نحن بدابة لا يدرى قبلها من دبرها، فقالت: تعجبون من خلقي؟ وفي الدير من يشتهي كلامكم. فدخلنا الدير؛ فإذا نحن برجل موثق في الحديد من كعبه إلى أذنه؛ فإذا أحد منخريه مسدود وإحدى عينيه مطموسة؛ قال: من أنتم؟ فأخبرناه، فقال: ما فعلت بحيرة طبرية؟ قلنا: بعهدها. قال: فما فعل نخل بيسان. قلنا: بعهده. قال: لأطأن الأرض بقدمي هاتين؛ إلا هاتين؛ إلا بلدة إبراهيم وطابا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طابا هي المدينة» .

رواه أبو يعلى من طريق أبي عاصم سعد بن زياد. قال ابن كثير: "وهذا حديث غريب، وقد قال أبو حاتم: عاصم هذا ليس بالمتين".

قلت: ولهذا الحديث شواهد كثيرة مما تقدم في هذا الباب وما سيأتي إن شاء الله تعالى في حراسة مكة والمدينة من الدجال.

ص: 340