الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
ما جاء في التطاول في البنيان
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: «لا تقوم الساعة حتى يتطاول الناس في البنيان» .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري في "الأدب المفرد" هكذا مختصرًا.
وقد رواه البخاري أيضًا في (كتاب الفتن) من "صحيحه" في حديث طويل في ذكر بعض أشراط الساعة.
وفي رواية لأحمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أشراط الساعة: أن يرى رعاة الشاء رؤوس الناس، وأن يرى الحفاة العراة الجوع يتبارون في البناء، وأن تلد الأمة ربها (أو: ربتها) » .
وقد رواه أبو نعيم في "الحلية" بنحوه، ولفظه: "من أشراط الساعة: «أن ترى الرعاة رؤوس الناس، وأن ترى الحفاة العراة رعاة الشاء يتبارون في البنيان، وأن تلد الأمة ربها وربتها» .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «"لا تقوم الساعة حتى يكون السلام على المعرفة» .... (الحديث، وفيه:)«وأن تتطاول الحفاة العراة رعاء الشاء في البنيان» .
رواه: ابن مردويه، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وتقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن الساعة؟ قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل". قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: "أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء»
«يتطاولون في البنيان» .... " الحديث.
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأهل السنن، وغيرهم. وقال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح". قال: "وفي الباب عن طلحة بن عبيد الله وأنس بن مالك وأبي هريرة رضي الله عنهم".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه نحو حديث عمر رضي الله عنه، وفيه «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام: ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربها؛ فذاك من أشراطها، وإذا كانت العراة الحفاة رؤوس الناس؛ فذاك من أشراطها، وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان؛ فذاك من أشراطها؛ في خمس لا يعلمهن إلا الله» .... الحديث.
رواه: الشيخان، وابن ماجه.
وعن أبي هريرة وأبي ذر رضي الله عنهما نحو حديث عمر رضي الله عنه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ولكن لها علامات تعرف بها: إذا رأيت رعاء البهم يتطاولون في البنيان، ورأيت الحفاة العراة ملوك الأرض، ورأيت المرأة تلد ربها؛ في خمس لا يعلمها إلا الله» .... الحديث.
رواه النسائي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما نحو حديث عمر رضي الله عنه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«"ولكن إن شئت حدثتك بمعالم لها دون ذلك". قال: أجل يا رسول الله! فحدثني. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيت الأمة ولدت ربتها (أو: ربها) ، ورأيت أصحاب الشاء تطاولوا بالبنيان، ورأيت الحفاة الجياع العالة كانوا رؤوس الناس؛ فذلك من معالم الساعة وأشراطها". قال: يا رسول الله! ومن أصحاب الشاء والحفاة الجياع العالة؟ قال: "العرب"» .
رواه الإمام أحمد.
وعن عامر (أو: أبي عامر، أو: أبي مالك) رضي الله عنه نحو حديث عمر رضي الله عنه، وفيه: فقال: «"إن شئت حدثتك بعلامتين تكونان قبلها". فقال: حدثني. فقال: "إذا رأيت الأمة تلد ربها، ويطول أهل البنيان بالنبيان، وعاد العالة الحفاة رؤوس الناس". قال: ومن أولئك يا رسول الله؟ قال: "العريب» .
رواه الإمام أحمد.
قوله: «"يتطاولون في البنيان» ؛ يعني: يتبارون ويتباهون في تطويله وزخرفته، وتكثير المجالس والمرافق.
قال النووي: "معناه: أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان". انتهى.
قلت: والتطاول في البنيان يكون بتكثير طبقات البيوت ورفعها إلى فوق، ويكون بتحسين البناء وتقويته وتزويقه، ويكون بتوسيع البيوت وتكثير مجالسها ومرافقها، وكل ذلك واقع في زماننا؛ حين كثرت الأموال، وبسطت الدنيا على الحفاة العراة العالة. فالله المستعان.
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة؛ إذا رأيتم الناس أماتوا الصلاة، وأضاعوا الأمانة، وأكلوا الربا، واستحلوا الكذب، واستخفوا بالدماء، واستعلوا البناء، وباعوا الدين بالدنيا»
…
الحديث.
رواه أبو نعيم في "الحلية"، وقد تقدم بطوله في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن ميمونة رضي الله عنها؛ قالت: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لنا ذات يوم: «ما أنتم إذا مرج الدين، وسفك الدماء، وظهرت الزينة، وشرف البنيان، واختلف الإخوان، وحرق البيت العتيق؟» .
رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات". وقد رواه الإمام أحمد وابن وضاح مختصرًا، ورواتهما ثقات.
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «لا تقوم الساعة حتى يجعل كتاب الله عارًا، ويكون الإسلام غريبًا»
…
(الحديث، وفيه:)«وحتى تبنى الغرف فتطاول» .
رواه ابن أبي الدنيا، وتقدم بطوله في أثناء الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: «أتى رجل، فقال: يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: "ما المسؤول بأعلم من السائل ". قال: فلو علمتنا أشراطها؟ قال: "تقارب الأسواق
…
(الحديث، وفيه:) ويظهر البناء» .
رواه ابن مردويه، وقد تقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن علي رضي الله عنه: «أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ فقال: "لقد سألتموني عن أمر ما يعلمه جبريل ولا ميكائيل، ولكن إن شئتم أنبأتكم بأشياء؛ إذا كانت؛ لم يكن للساعة كثير لبث»
…
(فذكر الحديث، وفيه:)«وظهر البناء على وجه الأرض» .
رواه ابن أبي شيبة، وقد تقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه: أنه قال: "إن من اقتراب الساعة: أن يظهر البناء على وجه الأرض، وأن تقطع الأرحام، وأن يؤذي الجار جاره".
رواه ابن أبي شيبة.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: «أنه كان يقول كل عشية خميس لأصحابه: سيأتي على الناس زمان؛ تمات فيه الصلاة، ويشرف فيه البنيان،»
رواه ابن أبي الدنيا، وله حكم الرفع كنظائره.
وعن عبد الله الرومي؛ قال: "دخلت على أم طلق، فقلت: ما أقصر سقف بيتك هذا! قالت: يا بني! إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عماله: أن لا تطيلوا بناءكم؛ فإنه من شر أيامكم".
رواه البخاري في "الأدب المفرد".
باب
ما جاء في نقش البنيان
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «لا تقوم الساعة حتى يبني الناس بيوتًا يشبهونها بالمراحل» .
رواه البخاري في "الأدب المفرد"، وإسناده حسن.
وفي رواية: «لا تقوم الساعة حتى يبني الناس بيوتًا يوشونها وشي المراحيل» . قال إبراهيم: يعني الثياب المخططة. وإبراهيم هذا هو ابن المنذر الحزامي شيخ البخاري.
قوله: "يوشونها"؛ يعني: ينقشونها ويصبغونها بأنواع الألوان المختلفة كما تنقش الثياب والفرش؛ يقال: وشى الثوب ووشاه وشيًا وشية: إذا نقشه وحسنه. قال الراغب الأصفهاني: "وشيت الشيء وشيًا: جعلت فيه أثرًا يخالف معظم لونه، واستعمل الوشي في الكلام تشبيهًا بالمنسوج ". انتهى.
و (المراحل) : جمع مُرَحَّل؛ بتشديد الحاء؛ يقال: ثوب مرحل وثوب فيه ترحيل: إذا كان منقوشًا بنقوش تشبه رحال الإبل. وهذا من باب التنبيه والإشارة إلى أجناس النقوش والأصباغ التي يعملها المتطاولون في البنيان في هذه الأزمان.
وقد ترجم البخاري رحمه الله تعالى على حديث أبي هريرة رضي الله عنه بقوله: "باب نقش البنيان"، وأورد في الباب حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم:«كان ينهى عن: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال» ، وأورد أيضًا حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «لن ينجي أحدًا منكم عمله»
…
(الحديث، وفيه:)«سددوا، وقاربوا، والقصد القصد؛ تبلغوا» .
وظاهر صنيع البخاري رحمه الله تعالى في إيراد هذين الحديثين في (باب نقش البنيان) : أنه أراد الاستدلال بهما على أن نقش البنيان لا يجوز لأمرين:
أحدهما: أن فيه إضاعة للمال، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال.
الثاني: أنه إسراف وبذخ مخالف لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاقتصاد في جميع الأمور ولزوم العدل.
والله أعلم.
باب
ما جاء في زخرفة المساجد والتباهي فيها
عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه".
ورواه: أبو يعلى، وابن خزيمة في "صحيحه"؛ بلفظ:«يأتي على أمتي زمان يتباهون بالمساجد، ثم لا يعمرونها إلا قليلًا» . وفي رواية لابن حبان: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتباهى الناس في المساجد» .
(المباهاة) في اللغة: المفاخرة، والمراد هاهنا المفاخرة بتشييد المساجد وزخرفتها وتنقيشها، وقد وقع ذلك وكثر في هذه الأزمان الأخيرة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أراكم ستشرفون مساجدكم بعدي كما شرفت اليهود كنائسها، وكما شرفت النصارى بيعها» .
رواه ابن ماجه.
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: «لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى» .
رواه: أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"، وذكره البخاري في "صحيحه" تعليقًا بصيغة الجزم.
قال ابن الأثير: " (الزخرف) : في الأصل الذهب، وكمال حسن الشيء". وقال الراغب الأصفهاني: " (الزخرف) : الزينة المزوقة، ومنه قيل للذهب: زخرف". انتهى.
وقد افتتن كثير من المسلمين في زماننا بتزويق المساجد وتحسين بنائها وتضخيمه؛ فالله المستعان.
وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للساعة أشراط".
»
«قيل: وما أشراطها؟ قال: "غلو أهل الفسق في المساجد»
…
الحديث.
رواه أبو نعيم في "الحلية"، وقد تقدم في باب ارتفاع الأسافل، والمراد به الغلو في التشييد والزخرفة والنقش.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا ابن مسعود! إن من أعلام الساعة وأشراطها أن تزخرف المحاريب وأن تخرب القلوب» .
رواه الطبراني في حديث طويل تقدم ذكره في الباب الثاني من أشراط الساعة.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: أنه قال: «إذا زخرفتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم؛ فعليكم الدمار» .
رواه ابن أبي الدنيا في "المصاحف".
باب
ما جاء في تعلية المنابر
تقدم في الباب الثاني من أشراط الساعة عدة أحاديث في ذلك.
منها حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر بعض أشراط الساعة، وفيه:«ورفعت المنابر» .
رواه الطبراني.
ومنها حديث حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة» .... (فذكر الخصال، ومنها:)«وطولت المنابر» .
رواه أبو نعيم في "الحلية".
ومنها حديث مكحول عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «من اقتراب الساعة» .... (فذكر الحديث، وفيه:)«وطولت المنابر» .
رواه: أبو الشيخ، والديلمي.
ومنها حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه:«إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن تكنف المساجد، وأن تعلو المنابر» .
رواه الطبراني.
ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر بعض أشراط الساعة، وفيه:«وتطول المنابر» .
رواه ابن مردويه.
باب
ما جاء في ترك الأذان على الضعفاء
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه سيأتي على الناس زمان يتركون الأذان على ضعفائهم» .
رواه ابن أبي حاتم.
باب
ما جاء في قلة من يصلح للإمامة
عن سلامة بنت الحر أخت خرشة بن الحر الفزاري رضي الله عنها؛ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل»
«المسجد لا يجدون إمامًا يصلي بهم» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، وهذا لفظه.
ولفظ أحمد: «إن من أشراط الساعة (أو: في شرار الخلق) : أن يتدافع أهل المسجد لا يجدون إمامًا يصلي بهم» .
وفي رواية لأحمد وابن ماجه؛ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يأتي على الناس زمان يقومون ساعة لا يجدون إمامًا يصلي بهم» .
وهذا حديث حسن.
باب
ما جاء في تطويل الخطبة وتقصير الصلاة
فيه حديث ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: «إنكم في زمان: الصلاة فيه طويلة، والخطبة فيه قصيرة، وعلماؤه كثير، وخطباؤه قليل، وسيأتي على الناس زمان: الصلاة فيه قصيرة، والخطبة فيه طويلة، خطباؤه كثير، وعلماؤه قليل» ..... الحديث.
رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح".
وقد رواه الإمام مالك في "موطئه" بنحوه، وفي روايته:«وسيأتي على الناس زمان: قليل فقهاؤه، كثير قراؤه، تحفظ فيه حروف القرآن، وتضيع حدوده، كثير من يسأل، قليل من يعطي، يطيلون فيه الخطبة، ويقصرون الصلاة، يبدون فيه أهواءهم قبل أعمالهم» .
وقد تقدم هذا الحديث في (باب ما جاء في كثرة الخطباء وقلة الفقهاء) .
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «إن قصر الخطبة وطول»
رواه البزار. وروى الطبراني بعضه موقوفًا في "الكبير". قال الهيثمي: "ورجال الموقوف ثقات، وفي رجال البزار قيس بن الربيع؛ وثقه شعبة والثوري وضعفه البخاري ".
قلت: وقد وثقه أيضًا: أبو الوليد الطيالسي، وعفان، وقال ابن عدي:"عامة رواياته مستقيمة، والقول ما قال شعبة، وأنه لا بأس به".
قوله: «مئنة من فقه الرجل» : قال ابن الأثير: "أي: إن ذلك مما يعرف به فقه الرجل، وكل شيء دل على شيء فهو مئنة له؛ كالمخلقة، والمجدرة". قال أبو عبيد: "معناه: أن هذا مما يستدل به على فقه الرجل". انتهى.
وقد ظهر مصداق هذا الحديث في زماننا، فصار كثير من الأئمة يطيلون الخطب يوم الجمعة والعيدين بثرثرة لا طائل تحتها ولا فائدة في كثير منها، وربما مكث بعضهم في خطبته نصف ساعة أو أكثر من ذلك، فإذا قام يصلي؛ لم يمكث في الصلاة إلا خمس دقائق أو نحوها! وهذا خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطالة الصلاة وتقصير الخطبة، وخلاف فعله صلى الله عليه وسلم أيضًا.
فأما الأمر بإطالة الصلاة وتقصير الخطبة:
ففيه حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وتقدم ذكره.
وروى: الإمام أحمد، ومسلم، والدارمي؛ عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه؛ فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة، وإن من البيان لسحرًا» .
وأما فعله صلى الله عليه وسلم:
فقد روى النسائي بإسناد صحيح عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه؛ قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل الصلاة ويقصر الخطبة» .
وروى: الإمام أحمد، ومسلم، والدارمي، وأهل السنن إلا أبا داود عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما؛ قال:«كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدًا وخطبته قصدًا» .
وروى: الإمام أحمد أيضًا، وأبو داود؛ عن الحكم بن حزن الكلفي رضي الله عنه؛ قال:«قدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سابع سبعة (أو: تاسع تسعة) ، فلبثنا عنده أيامًا شهدنا فيها الجمعة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئًا على قوس (أو قال: على عصا) ، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات» .
وإذا علم هذا؛ فقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} .
وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .
باب
ما جاء في عمارة مكة والخروج منها
عن جابر رضي الله عنه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخبره: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «سيخرج أهل مكة منها ثم لا يعمرونها (أو: لا تعمر إلا قليلًا) ، ثم تعمر وتمتلئ وتبنى، ثم يخرجون منها فلا يعودون إليها أبدًا» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى. قال الهيثمي:"وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح". وعن يوسف بن ماهك؛ قال: "كنت جالسًا مع عبد الله بن عمرو بن
العاص رضي الله عنهما في ناحية المسجد الحرام؛ إذ نظر إلى بيت مشرف على أبي قبيس، فقال: أبيت ذاك؟ فقلت: نعم. فقال: إذا رأيت بيوتها (يعني: مكة) قد علت أخشبيها، وفجرت بطونها أنهارًا؛ فقد أزف الأمر".
رواه أبو الوليد الأزرقي في "أخبار مكة"، وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي: وثقه ابن معين، وضعفه أبو داود، وقال ابن عدي:"حسن الحديث"، وقال أبو حاتم:"إمام في الفقه؛ تعرف وتنكر، ليس بذاك القوي، يكتب حديثه ولا يحتج به"، وقال النسائي:"ليس بالقوي". وبقية رجاله رجال الصحيح.
ويشهد لهذا الأثر ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن يعلى بن عطاء عن أبيه؛ قال: "كنت آخذًا بلجام دابة عبد الله بن عمرو، فقال: إذا رأيت مكة قد بعجت كظائم، ورأيت البناء يعلو رؤوس الجبال؛ فاعلم أن الأمر قد أظلك".
وقد ظهر مصداق هذا الأثر والحديث قبله في زماننا، فعمرت مكة، وبنيت، واتسعت اتساعًا عظيمًا، وامتلأت بالسكان، وعلت بيوتها على أخشبيها، وأجريت مياه العيون في جميع نواحيها؛ فعلم من هذا أن الأمر قد أزف؛ أي: دنا قيام الساعة وقرب.
وقوله: "بعجت كظائم"؛ أي: حفرت قنوات. ذكره ابن الأثير وابن منظور وغيرهما من أهل اللغة.
باب
ما جاء في عمارة المدينة
رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط مسلم. وعن زهير (وهو ابن معاوية) عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تبلغ المساكن إهاب أو يهاب» . قال زهير: قلت لسهيل: فكم ذلك من المدينة؟ قال: كذا وكذا ميلًا.
رواه مسلم.
وقد بنيت المدينة في زماننا، واتسعت اتساعًا عظيمًا لم يعهد مثله ولا قريب منه فيما مضى، وظهر بذلك مصداق هذين الحديثين الصحيحين، وسيخرج الناس منها، ويدعونها للطير والسباع كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، وذلك إنما يكون بعد خروج الدجال.
والله أعلم.
باب
ما جاء في الخروج من المدينة إلى الشام ابتغاء الصحة
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخرج الناس من المدينة إلى الشام يبتغون فيها الصحة» .
رواه الديلمي.
باب
ما جاء أن المدينة تنفي شرارها في آخر الزمان
عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها» .
رواه الديلمي.
وعن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: «ترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج منها كل منافق وكافر» .
رواه الطبراني.
وسيأتي شاهد لهذين الحديثين من حديث أبي أمامة الطويل في (باب ما جاء في فتنة الدجال) إن شاء الله تعالى.
باب
ما جاء في خراب المدينة
عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يتركون المدينة على خير ما كانت، لا يغشاها إلا العوافي (يريد: عوافي السباع والطير) ، ثم يخرج راعيان من مزينة؛ يريدان المدينة، ينعقان بغنمهما، فيجدانها وحشًا، حتى إذا بلغا ثنية الوداع؛ خرا على وجوههما» .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وهذا لفظ مسلم.
وفي رواية لأحمد ومسلم عن سعيد بن المسيب: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة: ليتركنها أهلها على خير ما كانت مذللة للعوافي (يعني: السباع والطير) » .
ورواه الإمام أحمد أيضًا من حديث أبي المهزم عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"ليدعن أهل المدينة المدينة وهي خير ما يكون مرطبة مونعة". فقيل: من يأكلها؟ قال: "الطير والسباع» .
أبو المهزم ضعيف، ولكن لحديثه شاهد مما قبله وما بعده.
وقد رواه مالك في "الموطأ" عن ابن خماس عن عمه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «"لتتركن المدينة على أحسن ما كانت، حتى يدخل الكلب أو الذئب، فيغذي على بعض سواري المسجد أو على المنبر ". فقالوا: يا رسول الله! فلمن تكون الثمار ذلك الزمان؟ قال: "للعوافي: الطير والسباع» .
ورواه: ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"؛ من طريق مالك مختصرًا، وقال الحاكم:"صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
قوله: "فيغذي": قال الزرقاني: "بضم التحتية وفتح الغين وكسر الذال الثقيلة المعجمتين؛ أي: يبول دفعة بعد دفعة". قال النووي: "المختار أن هذا الترك يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة. وقال المهلب في هذا الحديث: إن المدينة تسكن إلى يوم القيامة، وإن خلت في بعض الأوقات؛ لقصد الراعيين بغنمهما إلى المدينة". انتهى.
وعن أبي ذر رضي الله عنه؛ قال: «أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلنا ذا الحليفة، فتعجل رجال إلى المدينة، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم وبتنا معه، فلما أصبح؛ سأل عنهم؟ فقيل: تعجلوا إلى المدينة، فقال: "تعجلوا إلى المدينة والنساء! أما إنهم سيدعونها أحسن ما كانت"» .
رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات". ورواه: ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"المدينة يتركها أهلها وهي مرطبة". قالوا: فمن يأكلها يا رسول الله؟ قال:»
«"السباع والعائف» .
رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات". وفي رواية قال: «"ليتركنها أهلها مرطبة". قالوا: فمن يأكلها يا رسول الله؟ قال: "عافية الطير والسباع» .
وعن محجن بن الأدرع رضي الله عنه؛ قال: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة، ثم عارضني في بعض طرق المدينة، ثم صعد على أحد وصعدت معه، فأقبل بوجهه نحو المدينة، فقال لها قولًا، ثم قال: "ويل أمك (أو: ويح أمها) ! قرية يدعها أهلها أينع ما يكون، يأكلها عافية الطير والسباع"» .
رواه: الإمام أحمد وإسناده صحيح على شرط مسلم. ورواه أبو داود الطيالسي، والطبراني بنحوه، والحاكم وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقال الهيثمي: "رجال الطبراني رجال الصحيح".
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «"أما والله يا أهل المدينة! لتدعنها مذللة أربعين عامًا للعوافي ". قلنا: الله ورسوله أعلم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما العوافي؟ ". قالوا: لا. قال: "الطير والسباع» .
رواه: الإمام أحمد، والحاكم. وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه عمر بن شبة بإسناد صحيح، ولفظه: قال: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، ثم نظر إلينا، فقال: "أما والله؛ ليدعنها أهلها مذللة أربعين عامًا للعوافي، أتدرون ما العوافي؟ الطير والسباع» .
وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تخرب المدينة قبل يوم»
رواه الديلمي.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليسيرن الراكب في جنبات المدينة، ثم ليقولن: لقد كان في هذا حاضر من المؤمنين كثير» .
رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: "وإسناده حسن".
وعن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليسيرن راكب في جنب وادي المدينة، فليقولن: لقد كان في هذه مرة حاضرة من المؤمنين كثير» .
رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: "وإسناده حسن".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آخر قرية من قرى الإسلام خرابًا المدينة» .
رواه: الترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن غريب".
رواه الإمام أحمد. وأبو داود الطيالسي، ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: "لا يأتي عليكم إلا قليل، حتى يقضي الثعلب وسنته بين ساريتين من سواري المسجد (يعني: مسجد المدينة، يقول: من الخراب) ".
رواه ابن أبي شيبة.
قال ابن الأثير: "أي: يقضي نومته؛ يريد خلو المسجد من الناس بحيث ينام فيه الوحش".
باب
ما جاء في عمارة بيت المقدس ورجوع الخلافة إليه
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال (ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدثه أو منكبه، ثم قال:) إن هذا الحق كما أنك هاهنا (أو: كما أنك قاعد) (يعني: معاذًا) » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود. وفيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان: وثقه دحيم. وقال يعقوب بن شيبة: "كان رجل صدق ". وقال المنذري: "كان رجلًا صالحًا، وثقه بعضهم وتكلم فيه غير واحد ". وبقية رجالهما ثقات. وقد رواه الحاكم في "مستدركه" موقوفًا على معاذ رضي الله عنه، وقال:"إسناده صحيح "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن عبد الله بن حوالة الأزدي رضي الله عنه؛ قال: «وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي (أو: على هامتي) ، ثم قال: "يا ابن حوالة! إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة؛ فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك"» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والبخاري في "تاريخه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في
"تلخيصه".
وعن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني رضي الله عنه مرفوعًا: «تكون في بيت المقدس بيعة هدى» .
رواه ابن سعد.
باب
اجتماع المؤمنين في الشام في آخر الزمان
عن أبي أمامة رضي الله عنه؛ قال: "لا تقوم الساعة حتى يتحول خيار أهل العراق إلى الشام، ويتحول شرار أهل الشام إلى العراق".
رواه الإمام أحمد، وإسناده حسن.
وقد رواه ابن أبي شيبة وابن عساكر في "تاريخه" بنحوه، زاد ابن عساكر: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالشام» .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أنه قال: "يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه مؤمن إلا لحق بالشام".
رواه: عبد الرزاق في "مصنفه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "يوشك أن تطلبوا في قراكم هذه طستًا من ماء؛ فلا تجدونه، ينزوي كل ماء إلى عنصره، فيكون في الشام بقية المؤمنين والماء".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وقد رواه ابن أبي شيبة، ولفظه: قال: "أيها الناس! لا تكرهوا مد الفرات؛ فإنه يوشك أن يلتمس فيه طست من ماء فلا يوجد، وذلك حين يرجع كل ماء إلى عنصره، فيكون الماء وبقية المؤمنين يومئذ بالشام".
ورواه الطبراني من حديث القاسم؛ قال: "شكي إلى ابن مسعود الفرات فقالوا: إنا نخاف أن ينبثق علينا، فلو أرسلت إليه من يسكره. قال: لا أسكره، فوالله؛ ليأتين على الناس زمان لو التمستم فيه ملء طست من ماء؛ ما وجدتموه، وليرجعن كل ماء إلى عنصره، ويكون بقية الماء والمسلمين بالشام".
قال الهيثمي: "رجاله رجال الصحيح؛ إلا أن القاسم لم يدرك ابن مسعود ". وقد رواه عبد الرزاق في "مصنفه" من حديث القاسم بن عبد الرحمن: (فذكره بمثله) .
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "ليأتين على الناس زمان يكون للرجل أحمرة يحمل عليها إلى الشام أحب إليه من عرض الدنيا".
رواه ابن أبي شيبة.
باب
ما جاء في خزائن الأرض
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم؛ أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض، فوضعت في يدي» . قال أبو هريرة رضي الله عنه: فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتثلونها.
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، والنسائي.
وعنه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: «بينا أنا نائم؛ إذ أوتيت خزائن الأرض، فوضع في يدي سواران من ذهب، فكبرا علي وأهماني، فأوحي إلي أن انفخهما، فنفختهما، فطارا، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما: صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة» .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.
وقد ظهر مصداق هذه الأحاديث في زماننا، حيث ظهرت آبار البترول، والماء البعيد في أعماق الأرض، وما ظهر أيضًا من معادن الذهب وغير ذلك من خزائن الأرض التي لم يتمكن الناس من الوصول إليها إلا في هذه الأزمان.
وقد تأول كثير من العلماء قوله صلى الله عليه وسلم: «أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي» : على ما فتح على أوائل هذه الأمة من كنوز كسرى وقيصر وغيرهما من الملوك، وفي هذا التأويل نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نص في هذه الأحاديث على خزائن الأرض لا على خزائن الملوك، وخزائن الأرض هي ما أودعه الله فيها من الماء والمعادن السائلة والجامدة، وأما خزائن الملوك؛ فقد جاء ذكرها في الأحاديث الصحيحة باسم الكنوز، وأضيفت إلى أهلها لا إلى الأرض؛ كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال:«إذا هلك كسرى؛ فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر؛ فلا قيصر بعده، والذي نفس محمد بيده؛ لتنفقن كنوزهما في سبيل الله» .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان؛ من حديث أبي هريرة ومن حديث جابر
ابن سمرة رضي الله عنهما.
وفي حديث ثوبان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض» .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأهل السنن.
وفي حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ولئن طالت بك حياة؛ لتفتحن كنوز كسرى» .
رواه البخاري.
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لتفتحن عصابة من المسلمين (أو: من المؤمنين) كنز آل كسرى الذي في الأبيض» .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم.
وقد تقدمت هذه الأحاديث في أول كتاب الملاحم، ومن جمع بينها وبين أحاديث هذا الباب؛ تبين له أن خزائن الأرض شيء غير كنوز الملوك. والله أعلم.
وقد حصل للعرب وغيرهم من الذين ظهرت عندهم خزائن الأرض في زماننا من الثروة العظيمة ما لم يحصل مثله للذين فتحت عليهم كنوز الملوك في أول الإسلام، والله المسؤول أن يديم نعمته على المسلمين، وأن لا يغير عليهم بسبب الذنوب والمعاصي.
باب
ما جاء في المعادن
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة»
«حتى تظهر معادن كثيرة لا يسكنها إلا أراذل الناس» .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "وفيه من لم أعرفه".
وقد رواه عبد الرزاق في "مصنفه" عن رجل عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: " لتظهرن معادن في آخر الزمان، يخرج إليه شرار الناس".
رواه الإمام أحمد، وفيه راو لم يسم، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: «أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقطعة من ذهب كانت أول صدقة جاءته من معدن لنا، فقال: إنها ستكون معادن، وسيكون فيها شر الخلق» .
رواه الطبراني في "الصغير" و "الأوسط". قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يظهر معدن في أرض بني سليم، يقال له: فرعون وفرعان (وذلك بلسان أبي جهم قريب من السوء) ، يخرج إليه شرار الناس (أو: يحشر إليه شرار الناس) » .
رواه أبو يعلى. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".
وعن أبي غطفان؛ قال: سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول: «تخرج معادن مختلفة، معدن منها قريب من الحجاز، يأتيه من شرار الناس، يقال له: فرعون، فبينما هم يعملون فيه؛ إذ حسر عن الذهب، فأعجبهم معتمله؛ إذا خسف به وبهم» .
رواه: نعيم بن حماد في "الفتن"، والحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
باب
ما جاء في حسر الفرات عن الذهب
عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب، فمن حضره؛ فلا يأخذ منه شيئًا» .
رواه: الشيخان، وأبو داود.
وفي رواية لهم عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب؛ فمن حضره فلا يأخذ منه شيئًا» .
ورواه: الإمام أحمد، ومسلم أيضًا؛ من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، يقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو» .
هذا لفظ مسلم، وزاد في رواية: فقال أبي: " «إن رأيته؛ فلا تقربنه» . وفي رواية أحمد: «يا بني! إن أدركته؛ فلا تكونن ممن يقاتل عليه» .
ورواه: الإمام أحمد أيضًا، وابن ماجه؛ من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، فيقتتل الناس عليه، فيقتل من كل عشرة تسعة» .
زاد أحمد: «ويبقى واحد» .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وهذا لفظه.
وعن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تدوم الفتنة الرابعة اثني عشر عامًا، ثم تنجلي حين تنجلي وقد انحسر الفرات عن جبل من ذهب تكب عليه الأمة، فيقتل عليه من كل تسعة سبعة» .
رواه نعيم بن حماد في "الفتن"، وزاد في رواية:«فإن أدركتموه؛ فلا تقربوه» .
وقد زعم أبو عبية في تعليق له على حديث سهيل بن أبي صالح الذي تقدم ذكره أن الفرات قد حسر عن الذهب البترولي الأسود.
والجواب عن هذا من وجوه:
أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على جبل الذهب نصًا لا يحتمل التأويل، ومن حمل ذلك على البترول الأسود؛ فقد حمل الحديث على غير ما أريد به، وهذا من تحريف الكلم عن مواضعه.
يوضح ذلك الوجه الثاني: أن البترول ليس بذهب حقيقة ولا مجازًا، وأما تسمية بعض الناس له بالذهب الأسود؛ فليس مرادهم أنه نوع من أنواع الذهب، وإنما يقصدون بذلك أنه يحصل من ثمنه الذهب الكثير؛ فلذلك يطلقون عليه
اسم الذهب الأسود؛ اعتبارًا بما يستثمر منه.
الوجه الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الفرات يحسر عن جبل من ذهب؛ أي: ينكشف عنه لذهاب مائه، فيظهر الجبل بارزًا على وجه الأرض؛ وهذا لم يكن إلى الآن، وسيكون فيما بعد بلا ريب، وبحور البترول الأسود لم ينحسر الفرات عنها، وليست في مجرى النهر، وإنما هي في باطن الأرض، واستخراجها إنما يكون بالتنقيب عنها بالآلات من مسافة بعيدة في بطن الأرض.
الوجه الرابع: أن الذي جاء في الحديث الصحيح هو «حسر الفرات عن كنز من ذهب،» وفي الرواية الأخرى: «عن جبل من ذهب» ، وتخصيص الفرات بالنص ينفي أن يكون ذلك في غيره، ومن المعلوم أن بحور البترول ليست في نهر الفرات، وإنما هي في مواضع كثيرة في مشارق الأرض ومغاربها، وهي في البلاد العربية المجاورة للعراق أكثر منها في العراق.
الوجه الخامس: أن البترول من المعادن السائلة، والذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بانحسار الفرات عنه هو الذهب المعروف عند الناس، وهو من المعادن الجامدة، ومن جعل المعدنين سواء؛ فقد ساوى بين شيئين مختلفين.
الوجه السادس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الناس إذا سمعوا بانحسار الفرات عن جبل الذهب؛ ساروا إليه، فيكون عنده مقتلة عظيمة، يقتل فيها من كل مائة تسعة وتسعون، وهذا لم يكن إلى الآن، ومن المعلوم أن البترول الأسود قد وجد في العراق منذ زمان طويل، ولم يسر الناس إليه عند ظهوره، ولم يكن بسبب خروجه قتال ألبتة.
الوجه السابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى من حضر جبل الذهب أن يأخذ منه شيئًا، ومن حمله على البترول الأسود؛ فلازم قوله أن يكون الناس منهيين عن الأخذ منه، وهذا معلوم البطلان بالضرورة.