الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
ثُمَّ لَا تَتِمُّ لَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إِلَّا بِأَرْبَعٍ هِيَ مَنْ كَسْبِ الْعَبْدِ: مَعْرِفَةُ الْكِتَابَةِ، وَاللُّغَةِ، وَالصَّرْفِ، وَالنَّحْوِ، مَعَ أَرْبَعٍ هُنَّ مِنْ عَطَاءِ اللَّهِ تَعَالَى: الصِّحَّةُ، وَالْقُدْرَةُ، وَالْحِرْصُ، وَالْحِفْظُ؛ فَإِذَا صَحَّتْ لَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ هَانَ عَلَيْهِ أَرْبَعٌ: الْأَهْلُ، وَالْوَلَدُ، وَالْمَالُ، وَالْوَطَنُ، وَابْتُلِيَ بِأَرْبَعٍ: شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ، وَمَلَامَةُ الْأَصْدِقَاءِ، وَطَعْنُ الْجُهَلَاءِ، وَحَسَدُ الْعُلَمَاءِ؛ فَإِذَا صَبَرَ عَلَى هَذِهِ الْمِحَنِ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا بِأَرْبَعٍ: بِعِزِّ الْقَنَاعَةِ، وَبِهَيْبَةِ الْيَقِينِ، وَبِلَذَّةِ الْعِلْمِ، وَبِحَيَاةِ الْأَبَدِ، وَأَثَابَهُ فِي الْآخِرَةِ بِأَرْبَعٍ: بِالشَّفَاعَةِ لِمَنْ أَرَادَ مِنْ إِخْوَانِهِ، وَبِظِلِّ الْعَرْشِ حَيْثُ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، وَيَسْقِي مَنْ أَرَادَ مِنْ حَوْضِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِجِوَارِ النَّبِيِّينَ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ فِي الْجَنَّةِ؛ فَقَدْ أَعْلَمْتُكَ يَا بُنَيَّ بِمُجْمَلَاتِ جَمِيعِ مَا كُنْتُ سَمِعْتُ مِنْ مَشَايِخِي مُتَفَرِّقًا فِي هَذَا الْبَابِ، فَأَقْبِلِ الْآنَ عَلَى مَا قَصَدْتَنِي لَهُ، أَوْ دَعْ.
[النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ مَعْرِفَةُ الْإِسْنَادِ الْعَالِي وَالنَّازِلِ]
[الكلام في الإسناد]
(النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ الْإِسْنَادِ الْعَالِي وَالنَّازِلِ: الْإِسْنَادُ) فِي أَصْلِهِ (خِصِّيصَةٌ) فَاضِلَةٌ (لِهَذِهِ الْأُمَّةِ) لَيْسَتْ لِغَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: نَقْلُ الثِّقَةُ عَنِ الثِّقَةِ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَعَ الِاتِّصَالِ، خَصَّ اللَّهُ بِهِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ سَائِرِ الْمِلَلِ، وَأَمَّا مَعَ الْإِرْسَالِ وَالْإِعْضَالِ فَيُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْيَهُودِ، لَكِنْ لَا يَقْرُبُونَ مِنْ مُوسَى قُرْبَنَا مِنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، بَلْ يَقِفُونَ بِحَيْثُ يَكُونُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُوسَى أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِينَ عَصْرًا، وَإِنَّمَا يَبْلُغُونَ إِلَى شَمْعُونَ وَنَحْوِهِ.
قَالَ: وَأَمَّا النَّصَارَى فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ مِنْ صِفَةِ هَذَا النَّقْلِ إِلَّا تَحْرِيمُ الطَّلَاقِ فَقَطْ، وَأَمَّا النَّقْلُ بِالطَّرِيقِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى كَذَّابٍ أَوْ مَجْهُولِ الْعَيْنِ فَكَثِيرٌ فِي نَقْلِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.
النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ:
مَعْرِفَةُ الْإِسْنَادِ الْعَالِي وَالنَّازِلِ: الْإِسْنَادُ خَصِّيصَةٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَسُنَّةُ بَالِغَةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَطَلَبُ الْعُلُوِّ فِيهِ سُنَّةٌ، وَلِهَذَا اسْتُحِبَّتِ الرِّحْلَةُ.
ــ
[تدريب الراوي]
قَالَ: وَأَمَّا أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَلَا يُمْكِنُ الْيَهُودُ أَنْ يَبْلُغُوا إِلَى صَاحِبِ نَبِيٍّ أَصْلًا، وَلَا إِلَى تَابِعٍ لَهُ، وَلَا يُمْكِنُ النَّصَارَى أَنْ يَصِلُوا إِلَى أَعْلَى مِنْ شَمْعُونَ وَبُولِصَ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ: خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّةَ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، لَمْ يُعْطِهَا مَنْ قَبْلَهَا: الْإِسْنَادِ، وَالْأَنْسَابِ، وَالْإِعْرَابِ.
وَمِنْ أَدِلَّةِ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} [الأحقاف: 4]، قَالَ: إِسْنَادُ الْحَدِيثِ.
(وَسُنَّةٌ بَالِغَةٌ مُؤَكَّدَةٌ)، قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: الْإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ، لَوْلَا الْإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَ الزُّهْرِيُّ يَوْمًا بِحَدِيثٍ؛ فَقُلْتُ: هَاتِهِ بِلَا إِسْنَادٍ؛ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَتَرْقَى السَّطْحَ بِلَا سُلَّمٍ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: الْإِسْنَادُ سِلَاحُ الْمُؤْمِنِ.
(وَطَلَبُ الْعُلُوِّ فِيهِ سُنَّةٌ) قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: طَلَبُ الْإِسْنَادِ الْعَالِي سُنَّةٌ عَمَّنْ سَلَفَ، لِأَنَّ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ كَانُوا يَرْحَلُونَ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْ عُمَرَ وَيَسْمَعُونَ مِنْهُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْلَمَ الطَّوْسِيُّ: قُرْبُ الْإِسْنَادِ قُرْبٌ - أَوْ قُرْبَةٌ - إِلَى اللَّهِ.
(وَلِهَذَا اسْتُحِبَّتِ الرِّحْلَةُ) كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَيُحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ أَنَسٍ، «فِي الرَّجُلِ الَّذِي أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ كَذَا» ، الْحَدِيثَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ: وَلَوْ كَانَ طَلَبُ الْعُلُوِّ فِي الْإِسْنَادِ غَيْرَ مُسْتَحَبٍّ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ سُؤَالَهُ لِذَلِكَ، وَلَأَمَرَهُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى مَا أَخْبَرَهُ الرَّسُولُ عَنْهُ.
قَالَ: وَقَدْ رَحَلَ فِي طَلَبِ الْإِسْنَادِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ حَدِيثَ خُرُوجِ أَبِي أَيُّوبَ إِلَى عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، يَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيثٍ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ عُقْبَةَ، الْحَدِيثُ فِي سَتْرِ الْمُؤْمِنِ.
وَقَالَ الْعَلَائِيُّ: فِي الِاسْتِدْلَالِ بِمَا ذَكَرُوهُ نَظَرٌ، لَا يَخْفَى.
أَمَّا حَدِيثُ ضِمَامٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، هَلْ كَانَ أَسْلَمَ قَبْلَ مَجِيئِهِ أَوْ لَا؟
فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ كَمَا اخْتَارَهُ أَبُو دَاوُدَ، فَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ طَلَبًا لِلْعُلُوِّ، بَلْ كَانَ شَاكًّا فِي قَوْلِ الرَّسُولِ الَّذِي جَاءَهُ، فَرَحَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى اسْتَثْبَتَ الْأَمْرَ وَشَاهَدَ مِنْ أَحْوَالِهِ مَا حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ بِصِدْقِهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي كَلَامِهِ: فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ إِلَى آخِرِهِ، فَإِنَّ الزَّعْمَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي مَظِنَّةِ الْكَذِبِ.
قُلْنَا: كَانَ أَسْلَمَ فَلَمْ يَكُنْ مَجِيؤُهُ أَيْضًا لِطَلَبِ الْعُلُوِّ فِي إِسْنَادٍ، بَلْ لِيَرْتَقِيَ مِنَ الظَّنِّ إِلَى الْيَقِينِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ الَّذِي أَتَاهُمْ لَمْ يُفِدْ خَبَرُهُ إِلَّا الظَّنَّ، وَلِقَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَادَ الْيَقِينَ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ مَا يُحْتَجُّ بِهِ لِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ رِحْلَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي