الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالثَلَاثُونَ:
نَاسِخُ الْحَدِيثِ وَمنسُوخُهُ
. هُوَ فَنٌّ مُهِمٌّ صَعْبٌ، وَكَانَ لِلشَّافِعِيِّ فِيهِ يَدٌ طُولَى: وَسَابِقَةٌ أُولَى، وَأَدْخَلَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مَا لَيْسَ مِنْهُ لِخَفَاءِ مَعْنَاهُ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ النَّسْخَ رَفْعُ الشَارِعِ حُكْمًا مِنْهُ مُتَقَدِّمًا بِحُكْمٍ مِنْهُ مُتَأْخرٍ؛ فَمْنهُ مَا عُرِفَ بِتَصْرِيحِ رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُهَا» ، وَمِنْهُ مَا عُرِفَ بِقَوْلِ الصَحَابيِّ:«كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ» ، وَمِنْهُ مَا عُرِفَ بِالتَّارِيخَ، وَمِنْهُ مَا عُرِفَ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ كَحَدِيثِ قَتْلِ شَارِبِ الْخَمْرِ فِي الرَّابِعَةِ، وَالْإِجْمَاعُ لَا يَنْسَخُ وَلَا يُنْسَخُ لَكِنْ يَدُلُّ عَلَى نَاسِخٍ.
ــ
[تدريب الراوي]
(وَقَلَّمَا يَسْلَمُ عَنْ خَلَلٍ فِي التَّسَلْسُلِ، وَقَدْ يَنْقَطِعُ تَسَلْسُلُهُ فِي وَسَطِهِ) ، أَوْ أَوَّلِهِ، أَوْ آخِرِهِ، (كَمُسَلْسَلِ أَوَّلِ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ)، وَهُوَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو:«الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ» .
فَإِنَّهُ انْتَهَى فِيهِ التَّسَلْسُلُ إِلَى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَانْقَطَعَ فِي سَمَاعِ سُفْيَانَ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَانْقَطَعَ فِي سَمَاعِ عَمْرٍو مِنْ أَبِي قَابُوسَ، وَفِي سَمَاعِ أَبِي قَابُوسَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَفِي سَمَاعِ عَبْدِ اللَّهِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ فِيهِ) .
وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ كَامِلَ السَّلْسَلَةِ فَوَهِمَ فِيهِ.
فَائِدَةٌ
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: مِنْ أَصْلَحِ مُسَلْسَلٍ يُرْوَى فِي الدُّنْيَا الْمُسَلْسَلُ بِقِرَاءَةِ سُورَةِ الصَّفِّ.
قُلْتُ: وَالْمُسَلْسَلُ بِالْحُفَّاظِ، وَالْفُقَهَاءِ أَيْضًا.
بَلْ ذَكَرَ فِي " شَرْحِ النُّخْبَةِ " أَنَّ الْمُسَلْسَلَ بِالْحُفَّاظِ مِمَّا يُفِيدُ الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ.
[النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالثَلَاثُونَ نَاسِخُ الْحَدِيثِ وَمَنْسُوخُهُ]
(النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالثَلَاثُونَ) : (نَاسِخُ الْحَدِيثِ وَمَنْسُوخُهُ، وَهُوَ فَنٌّ مُهِمٌّ) .
فَقَدْ مَرَّ عَلَى عَلِيٍّ قَاصٌّ، فَقَالَ: تَعْرِفُ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ؛ أَسْنَدَهُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَأَسْنَدَ نَحْوَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَأُسْنِدَ عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ: إِنَّمَا يُفْتِي مَنْ عَرَفَ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، قَالُوا: وَمَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ؟ قَالَ، عُمَرُ.
(صَعْبٌ) فَقَدْ رُوِّينَا عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَعْيَا الْفُقَهَاءَ وَأَعْجَزَهُمْ أَنْ يَعْرِفُوا نَاسِخَ الْحَدِيثِ مِنْ مَنْسُوخِهِ.
(وَكَانَ لِلشَّافِعِيِّ فِيهِ يَدٌ طُولَى، وَسَابِقَةٌ أُولَى) ؛ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِابْنِ وَارَةَ وَقَدْ قَدِمَ مِنْ مِصْرَ: كَتَبْتَ كُتُبَ الشَّافِعِيِّ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَرَّطْتَ، مَا عَلِمْنَا الْمُجْمَلَ مِنَ الْمُفَسَّرِ، وَلَا نَاسِخَ الْحَدِيثِ مِنْ مَنْسُوخِهِ حَتَّى جَالَسْنَا الشَّافِعِيَّ.
(وَأَدْخَلَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ) مِمَّنْ صَنَّفَ فِيهِ (مَا لَيْسَ مِنْهُ لِخَفَاءِ مَعْنَاهُ) أَيِ النَّسْخِ وَشَرْطِهِ.
(وَالْمُخْتَارُ) فِي حَدِّهِ (أَنَّ النَّسْخَ رَفْعُ الشَّارِعِ حُكْمًا مِنْهُ مُتَقَدِّمًا بِحُكْمٍ مِنْهُ مُتَأَخِّرٍ) .
فَالْمُرَادُ بِرَفْعِ الْحُكْمِ قَطْعُ تَعَلُّقِهِ عَنِ الْمُكَلَّفِينَ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ بَيَانِ الْمُجْمَلِ، وَبِإِضَافَتِهِ لِلشَّارِعِ عَنْ إِخْبَارِ بَعْضِ مَنْ شَاهَدَ النَّسْخَ مِنَ الصَّحَابَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ نَسْخًا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلِ التَّكْلِيفُ بِهِ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ قَبْلَ ذَلِكَ إِلَّا بِإِخْبَارِهِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
وَبِالْحُكْمِ عَنْ رَفْعِ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى نَسْخًا.
وَبِالتَّقَدُّمِ عَنِ التَّخْصِيصِ الْمُتَّصِلِ بِالتَّكْلِيفِ، كَالِاسْتِثْنَاءِ وَنَحْوِهِ.
وَبِقَوْلِنَا: بِحُكْمٍ مِنْهُ مُتَأَخِّرٍ، عَنْ رَفْعِ الْحُكْمِ بِمَوْتِ الْمُكَلَّفِ، أَوْ زَوَالِ تَكْلِيفِهِ بِجُنُونٍ وَنَحْوِهِ، وَعَنِ انْتِهَائِهِ بِانْتِهَاءِ الْوَقْتِ.
كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ مُلَاقُو الْعَدُوِّ غَدًا، وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا» ؛ فَالصَّوْمُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَيْسَ نَسْخًا.
(فَمِنْهُ مَا عُرِفَ) النُّسَخُ فِيهِ (بِتَصْرِيحِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ، ك ( «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» ) ، «وَكُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَكُلُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَكُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الظُّرُوفِ» ، الْحَدِيثَ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ بُرَيْدَةَ.
(وَمِنْهُ مَا عُرِفَ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ: ك «كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرٍ.
وَكَقَوْلِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «كَانَ الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْغُسْلِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
وَشَرَطَ أَهْلُ الْأَصُولِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُخْبِرَ بِتَأَخُّرِهِ؛ فَإِنْ قَالَ: هَذَا نَاسِخٌ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ النَّسْخُ، لِجَوَازِ أَنْ يَقُولَهُ عَنِ اجْتِهَادٍ.
قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَإِطْلَاقُ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَوْضَحُ وَأَشْهَرُ، لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ بِالِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ، إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ عِنْدَ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ، وَالصَّحَابَةُ أَوْرَعُ مِنْ أَنْ يَحْكُمَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِنَسْخٍ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفَ تَأَخُّرَ النَّاسِخِ عَنْهُ، وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ أَيْضًا.
(وَمِنْهُ مَا عُرِفَ بِالتَّارِيخِ) كَحَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ مَرْفُوعًا: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» ؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ» ؛ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ؛ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إِنَّمَا صَحِبَهُ مُحْرِمًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ شِدَادٍ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ زَمَنَ الْفَتْحِ سَنَةَ ثَمَانٍ.
(وَمِنْهُ مَا عُرِفَ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ: كَحَدِيثِ قَتْلِ شَارِبِ الْخَمْرِ فِي الرَّابِعَةِ)، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ:«مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ» .
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: دَلَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى نَسْخِهِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
وَإِنْ كَانَ ابْنُ حَزْمٍ خَالَفَ فِي ذَلِكَ فَخِلَافُ الظَّاهِرِيَّةِ لَا يَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ.
نَعَمْ: وَرَدَ نَسْخُهُ فِي السُّنَّةِ أَيْضًا، كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ شَرِبَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ، ثُمَّ أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فِي الرَّابِعَةِ فَضَرَبَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ» .
قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا.
قَالَ: فَرُفِعَ الْقَتْلُ وَكَانَتْ رُخْصَةً. انْتَهَى.
وَمَا عَلَّقَهُ التِّرْمِذِيُّ أَسْنَدَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ.
وَقَبِيصَةُ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الصَّحَابَةِ وَقَالَ: وُلِدَ أَوَّلَ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَقِيلَ عَامَ الْفَتْحِ.
فَالْمِثَالُ الصَّحِيحُ لِذَلِكَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «كُنَّا حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكُنَّا نُلَبِّي عَنِ النِّسَاءِ، وَنَرْمِي عَنِ الصِّبْيَانِ» .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يُلَبِّي عَنْهَا غَيْرُهَا.