الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن عطية: قيل: هو الحائط الشرقي من بيت المقدس، وهو بعيد انتهى، إنما استبعده لوقوفه مع الأمور العادية، والمحل محل خرق العادة، فلا مانع من أن يمد الله تعالى ذلك النور حتى يعظم في جرمه فيسترهم كلهم.
قوله تعالى: (بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ).
إن قلنا: إنه الحائط الشرقي من بيت المقدس فظاهر، لأن باطنه هو الذي على مسجد الصلاة وعلى العبادة، فناسب أن تكون الرحمة، وإن قلنا: إنه سور خلقه الله تعالى حينئذٍ، فهو كما يقول في سور المدينة، إن باطنه [هو*] الذي على داخل البلد، لأنها هي الجهة المصونة بالسور المحفوظة به، كما أن باطن الحائط هو الذي نحوه [
…
]، [وخص*] الرحمة بالباطن، لأنه هو الخفي المستور، ولما كان طرفه أقل من الظاهر قرن الأول بصريح البطن فيه دون الثاني.
قوله تعالى: (مِن قِبَلِهِ).
إشارة إلى أن العذاب بعيد عن السور لكونه للمؤمنين، حتى [لَا يفزعهم*] شيء من ذلك العذاب.
قوله تعالى: {قَالُوا بَلَى
…
(14)}
قيل: هذا التصديق إما أن يكون حقا، أو باطلا، لَا جائز أن يكون باطلا، لأن المؤمنين في دار الحق فلا يقرون إلا بالحق، ولا جائز أن يكون حقا؛ لأنهم ما سألوهم عن كونهم الكون الموجب [للنجاة*]، وهو الكون ظاهرا وباطنا، فصدقوهم على ذلك، قيل: التصديق مرتبط بالاستدراك الذي بعده، قيل: انتهى الكلام عندنا، قيل: مرادهم بالتصديق أنهم كانوا معهم في الظاهر فقط، قيل: فلم يصدقوهم إذًا في سؤالهم.
قوله تعالى: (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ).
لم يقل: أمانيكم تهويلا عليهم وتعظيما لما صدر منهم، حتى [كأنها*] أماني أخر غير أمانيهم، مضافة لأمانيهم، وانظر [لم يقل: وأغررتم بالأماني*]؛ لأنه المطابق لما قبله.
قوله تعالى: (حَتى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ)
إن أريد به الموت فالغاية راجعة للمغرور، والتربص.
قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ
…
(15)}
الفاء للتسبيب ويبعد كونها للتعقيب، لأن عدم الأخذ ليس متأخرا عن الغرور؛ بل متقدما، لأنه عدم قبل الحكم، [فعدم*] الأخذ متأخر عن الغرور، قيل: بل تقدم أيضا
أولا، ويجاب: بأن الأخذ هنا تقيد باليوم، ولا شك أن ذلك اليوم متأخر عن الغرور، فصح أنها للتعقيب أو أعم منه، بدليل أن من وهب لرجل [جُبَّة*] فقبلها منه، ولم يأخذها حتى مات، أن [الهبة*] باطلة، فترى القبول لَا يستلزم الأخذ، ولو كان أخص لاستلزمه، لأن وجود الأخص يستلزم وجود الأعم، فالجواب بينهما [عموم وخصوص*] من وجه دون وجه، فتارة استعمل أحدهما، وتارة استعمل الآخر.
قوله تعالى: (وَلَا مِنَ الَّذِين كَفَرُوا).
من عطف الأعم على الأخص، لأن المنافقين من الكافرين، لكن لما كان جانب المنافقين أعظم لقوله تعالى:(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)، وكان عطف الكفار تأسيسا، ولَا يلزم من عدم أخذ الفدية من المنافقين عدم أخذها من الكافرين، قال الفخر (1): والفدية ما يفتدى به، فيتناول التوبة والإيمان، والمال، [وفيها*] حجة للمعتزلة في قولهم: إن قبول التوبة غير واجب عقلا، لأنا أجمعنا على أن التوبة من الذنوب تنفع في الدنيا، فلو كانت [عقلية*] لاستوي حالها في الدنيا والآخرة (1)، انتهى، يقول: إنها عقلية في الدنيا فقط، وأما في الآخرة فهي شرعية، لأن المكلف في الدنيا تمكن من المعاصي، ومن الكفر فيحتاج حين التوبة للتكليف الامتناع من المخالفات، وحبس نفسه عن شهواتها بخلاف الآخرة، فإنه غير متمكن من ذلك فيها.
قوله تعالى: (مَأوَاكُمُ النارُ).
إن قلت: هذا التركيب يقتضي الخلود، لأن مأواكم مبتدأ والنار خبره، والقاعدة: أن المبتدأ إما مساو للخبر، أو أخص منه فإن كان [مساويا*]، فالمأوى هو النار، وإن كان أخص [فإن*] وجد المأوى، وجدت النار، لأنه مهما وجد الأخص وجد الأعم، قلت: الخلود [يقضي بانعدامهم*]، لجواز أن يعذبهم الله تعالى فينعدم المأوى.
قوله تعالى: (مَوْلاكُم).
الزمخشري: أي هي أولى بكم، وأنشد قول لبيد:
فَعَدَتْ كِلا الفَرجَينِ تَحْسِبُ أَنّه
…
مَوْلى المَخَافَةِ خَلْفُها وَأَمَامُهَا
(1) هكذا النص في مفاتيح الغيب:
وَاعْلَمْ أَنَّ الْفِدْيَةَ مَا يُفْتَدَى بِهِ فَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْإِيمَانَ وَالتَّوْبَةَ وَالْمَالَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَبُولَ التَّوْبَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَقْلًا عَلَى مَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْفِدْيَةَ أَصْلًا وَالتَّوْبَةُ فِدْيَةٌ، فَتَكُونُ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ أَصْلًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَكُنِ التَّوْبَةُ وَاجِبَةَ الْقَبُولِ عَقْلًا. اهـ