الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيف يفهم ما ورد في حديث الشفاعة من أن الخلق يأتون إلى نوح عليه السلام ليشفع فيهم، فيذكر دعوته فيمتنع من الشفاعة مع أنه لم يدع إلا دعاء [
…
] فيه؟ فالجواب أن تلك الشفاعة عامة تشتمل الخلائق كلهم، وفيهم قومه، وقد كان دعا عليهم فكيف يشفع حينئذ فيهم.
قوله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ
…
(28)}
هذه ليست مغفرة الذنوب؛ لأن الأنبياء معصمون من ذلك، وإنَّمَا هو باعتبار تفاوت الدرجات؛ كما ورد "حسنات الأبرار سيئات المقربين"، وبدأ بنفسه على سبيل الإقرار والاعتراف [بأنه*] أحوج النَّاس إلى ذلك، وذكر المؤرخون أن آباءه كانوا مؤمنين إلى آدم، والآية تدل على صحة ذلك؛ لأن المغفرة إنما يُدعَى بها للمؤمن، قال تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) وما استثنوا من ذلكَ سوى إبراهيم، الزمخشري: أبوه لمك [بن متوشلخ*]، وأمه شمخا بنت أنوش كانا مؤمنين، انتهى الذي ذكر أبو عمر ابن عبد البر أن أباه لامك، وذكر البكري أن آدم عليه السلام عاش حتى رأى نوحا ولم يذكره غيره، قال شيخنا: لما قرأنا هذا المحل في مجلس السلطان ابن الحسن المريني، قال لبعض أولاده: يا ولدي الله الله [أكثِرْ*] من قراءة هذه السورة لاشتمالها على الدعاء، وكان بعض الشيوخ يقول: إذا قرأها بهذا القصد فإِنه يخرج الآية عن المعنى الذي سيقت [له*]، فإن المراد بالوالد فيها والد نوح قطعا، فإِذا دعا القارئ [نادي*] والده خرجت عن معناها فلا يسوغ له هذا وإلزامه بعضهم أنه لَا يصح دعاء من قرآن، فإنه كذلك مهما دعا به نفسه فقد أخرج الآية عما أريد بها، والصواب أن ذلك على قسمين: ففي الآيات العامة يجوز، وإلا فلا.
قوله تعالى: (وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا).
أي لمن دخل شريعتي مؤمنا، وهذه الحال إما مؤكدة؛ لأن دخول يستلزم الإيمان، وإما مبنية؛ لأن مؤمنا اسم فهو دال على الثبوت، أي لمن دخل شريعتي ثابتا على الإيمان فيرجع إلى كونها مؤكدة.
قوله تعالى: (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ).
ابن عطية: هذا رد مطرد في كل ملة، والذي استجاب دعوة نوح فأغرق أهل الأرض جدير أن يستجيب له فيرحم بدعوته المؤمنين، انتهى، وهنا سؤال وهو أن دعاء نوح عليه السلام للمؤمنين بالمغفرة إما أن يراد به عدم مؤاخذة العصاة بذنوبهم أو لَا، وعلى كل تقدير فيشكل باعتبار الفهم بأن يقال: فلا يبقى لشفاعة نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم الواردة في الحديث الصحيح؛ لأنه أريد بالمغفرة عدم المؤاخذة بالذنب أن تكون أمة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم لَا يدخلون النار فلا يحتاجون إلى الشفاعة؛ لأن الظن بهذه الدعوة أنها مستجابة، وإن أريد بالمغفرة الصفح عنهم بعد دخولهم النار؛ لزم أن يكون خروجهم منها بدعوة نوح عليه السلام لَا بشفاعة نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ والجواب: إما [أنَّ*] نوحا عليه السلام أراد مؤمني أهل زمانه، وإما بأن [تُأوَّل*] المغفرة على تخفيف العذاب؛ لَا على عدم المؤاخذة بالذنب فهم يخفف عنهم العذاب بدعوة نوح عليه السلام، ويخرجون من النار بشفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قوله تعالى: (إِلَّا تَبَارًا).
وقال قبله [(إِلَّا ضَلَالًا) *] فخص تلك بالضلال؛ لأنها في حال الحياة الدنيا وهذه في حال الموت؛ فناسب تعقبها بالهلاك، الزمخشري: فإن قلت: [ما فعل صبيانهم حين أغرقوا*]؟ فأجاب بأن غرقهم ليس عقابا؛ بل سبب من أسباب الموت كما يموتون بغيره من الأنواع، الطيبي، عن صاحب الانتصاف: هذا السؤال إنما يتقرر على قاعدة المعتزلة في التحسين والتقبيح؛ لأن هلاك الصبيان بغير سبب قبيح عندهم، انتهى.
يرد بأن السؤال بالإطلاق لَا يتقرر إلا على قواعدهم، [وإنما*] باعتبار التفصيل فيتقرر عندنا وعندهم، فنقول أما باعتبار النقل فلا يلزم عندنا؛ بل قد يهلكون وهم لم يعلموا شيئا، وهم يقولون: إنما يهلكون لسبب، وأما باعتبار الشرع فالتلازم معتبر عندنا وعندهم؛ لأن الشرع ورد بتنعيم الطائع وتعذيب [العاصين*]، والأطفال [لم يعملوا*] ما يعذبون عليه، فيرد السؤال على مذهبنا وعلى مذهبهم.