الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وله أن يجيب: بأن هنا يغني عنه، وهو التصريح بكونه منكرا، أو زورا فهو إغناء عن التعبير عن ذلك بلفظ الخطاب.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ
…
(3)}
عطف هذا بالواو دون الأول، لأن الأول: جواب عن سؤال، لأن خولة سألت عن ذلك، وشكت أمرها إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، الثاني: معطوف عليه وهو كالمبتدأ، لأن الأولى اقتضت تحليل المظاهر، وأن الظهار لَا يوجب تحريمها، فالتحليل سبب في الكفارة فعطف بالواو، والآية حجة لمن يقول: إن الظهار لَا يكون في الأَمَة، لأن الإضافة في قوله تعالى:(مِنْ نِسَائِهِم)، ليست للملك، وإنما هي للتشريف [فيقتضي*] الحرائر دون الإماء، والاستحقاق كذلك، لأن الحر إنما يستحق [النكاح*]، وبدليل قول مالك: إن الحرة تكون فراشا بنفس العقد عليها، بخلاف الأمة فإنها فراش للسيد بعد عقد الزوج عليها حتى يطأها الزوح، فقال ابن العربي: أجمعنا على أن العبد ليس من رجالنا، في قوله تعالى:(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ)، فكذلك الأمة لَا تكون من نسائنا، ولذا قال: من النساء لضم الحرائر والإماء.
قوله تعالى: (ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا).
قال ابن رشد في المقدمات: اختلفوا في العود الموجب للكفارة على ستة أقسام أقوال أحدهما:
إذا أراد الوطء واجتمع عليه لزمته الكفارة، وإن مات أو طلقها، قاله مالك في الموطأ.
الثاني: إرادته الوطء وإجماعه عليه مع استدامة العصمة، فمتى انفرد أحدهما لم تجب الكفارة إن اجتمع على الوطء ثم قطع العصمة بطلاق، أو موت سقطت الكفارة، وإن كان قد عمل بعضها سقط سائرها، وكذلك إن استدامة العصمة، ولم يرد الوطء ولا اجتمع عليه لم تجب عليه الكفارة بل لَا تجز به إن فعلها وهو غير عازم على الوطء وغير مجمع عليه، قاله مالك في المدونة، وعليه جماعة أصحابه، قال ابن رشد: وهو أصح الأقاويل، وأجراها على القياس وأبينها لظاهرِ القرآن، لأنه إذا أراد الوطء وجب عليه تقديم الكفارة قبله لقوله تعالى:(مِنْ قَبْلِ أنْ يَتَمَاسَّا)، ما لم تنقطع العصمة ويرجع بنيته عن إرادة الوطء.
والثالث: [أنه*] عودة الوطء نفسه روى عن مالك حكى الثلاثة أقاويل عنه عبد الوهاب، فقيل: هذا القول [لَا تجزئ*] به الكفارة قبل الوطء، وإن أراد الوطء وأجمع عليه واستدام العصمة، وله أن يطأ قبل الكفارة مرة، فإذا وطء وجبت عليه الكفارة إن أراد الوطء ثانية، فاستدام العصمة، فإن رجعت نيته عن الوطء وانقطعت العصمة بموت أو فراق، سقطت الكفارة ما لم يطأ ثانية، وحكى هذا القول أصبغ في العتبية عن أهل المشرق، ومن يرتضي من أهل المذهب.
والرابع: استدامة العصمة، وترك الفراق قاله الشافعي رحمه الله قال: وأما من ظاهر ثم لم يطلق زوجته طلاقا متصلا بالظهار، فقد وجبت عليه الكفارة.
قال الخامس: [أنه*] العود فيعود فيتكلم بالظهار مرة أخرى، وهو مذهب داود، وأهل الظاهر وبكير بن الأشج.
السادس: قول ابن قتيبة: أنها العودة في الإسلام، أي نفس القول بالظهار الذي كانوا يظاهرون به في الجاهلية، ويعدونه طلاقا، ولما ذكر ابن رشد القول الرابع عن الشافعي رحمه الله قال: وهو فاسد يدل على فساده القرآن واللغة، على أن [أصحابه*] يدعون له علم اللغة، لأن الله تعالى قال (ثُمَّ يَعُودُونَ)، ثم للتراخي بلا خلاف، والعصمة لم تنقض بالظهار فمحال أن يقال: ثم يكون كذا لم يزل كائنا، وهو خطأ من وجه آخر؛ لأنه إنما أوجب عليه الكفارة لتركه الطلاق، فيكون معنى (ثُمَّ يَعُودُونَ) عنده، ثم لم يطلقوا، وقوله (ثُمَّ يَعُودُونَ)، إيجاب ولم يطلقوا نفي، ولو صح ذلك لكان الإيجاب نفيا، والنفي إيجابا، وهو محال، انتهى، قوله: إن أصحاب الشافعي رحمه الله يدعون له علم اللغة نحو ما قال ابن التلمساني في باب الأوامر في المسألة السابعة اعتمد بعض الأئمة في إثبات دلالة المفهوم على أنه قال به كثير من أئمة العربية، كأبي عبيدة، قال: رحمة منهم، وقد احتج الأصمعي، وصحح ديوان الهذليين، انتهى، وهذا خلاف في تقييده في باب العطف، لما حكى أن الواو للترتيب، وقول ابن رشد، أن ثم للتراخي، بلا خلاف غير صحيح، قال ابن عاصم وغيره: وقيل: إنها بمعنى الواو ولا مهلة فيها، وقوله: لَا يكون الإيجاب نفيا، إن أراد حقيقة النفي والإثبات فمسلم، وإن أراد باعتبار المعنى فممنوع إذ لَا يكون الإيجاب نفيا؛ إن أراد حقيقة النفي والإثبات فمسلم لَا يجوز أن يقال: هذا متحرك لأنه لم يسكن، هذا ساكن لأنه لم يتحرك، فيصح تفسير الإثبات بالنفي، وإنما الممنوع توارد النفي والإثبات على شيء واحد، لأنه تناقض، فإِن قلت: قد قال الفخر: في الآيات البينات أن الفصل لَا يكون عدميا، لأنه لَا يفسر الإثبات بالنفي، قلت: ما قاله غير
صحيح، لأن الفصل أمر ذاتي للماهية، مقدم لها والماهية لَا تتقدم بالعدم، بخلاف الخاصة، فإِنها يصح أن تكون عربية لأنها خارجة عن الماهية لَا تتقدم بها، فحقه إن كان يقول الفصل لَا يكون عدميا، لأن الماهية لَا تتقدم بالعدم، ولا نتعلل بالإثبات والنفي، لأنه في الخاصة يفسر الإثبات بالنفي، وهذا ليس من ذلك القبيل. لأن ذلك في التصورات، وهذا من الرسم لَا من الحد. لأن معرفات الفقه كلها رسوم بالجنس، وخاصة [
…
] بحدود.
قوله تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ).
العطف بالفاء دليل على أنها للترتيب؛ لأن الكفارة إنما تجب بالعودة، وإذا فعلت قبل العود، وكانت [نفلا*] يسد مسد الفرض، وقال في كفارة القتل (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)، فهل يرد المطلق على المقيد أو لَا؟ فيه خلاف في أصول الفقه في المطلق والمقيد إذا اختلفا في السبب واتحدا في الموجب، هل يرد المطلق إلى المقيد أو لَا؟، قالوا: والصحيح أنه لَا يرد إليه، لأن المطلق أعم فيتناول صورة المقيد وغيرها، والأعم لَا إشعار له بالأخص، ومالك اشترط فيها الإيمان، وحجته إما [برد*] المطلق للمقيد، وإما بقاعدة الاحتياط في الخروج من العهدة.
قوله تعالى: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا).
فائدة إدخال (مِنْ) لتدل على ابتداء أزمنة الصلة، فيكون الأمر بالكفارة على الفور، أي بنفس الفرد تجب الكفارة، ولذلك دخلت الفاء لتفيد أيضا التعقيب، وفي الآية سؤالان:
الأول: لم قيل: (يَتَمَاسَّا)، ولم يقل: يتماسوا كما قال: يظاهرون؟ وجوابه: أن التماس صفة لَا تعقل إلا من اثنين [ماس وممسوس*]، والظهار من فعل الرجال فقط، وفعل الجماعة لَا يدل على [المشاركة*] بين اثنين، وإنما يدل على وقوع ذلك عن كل واحد على حدته، ولأن المظاهر منها يجب عليها أن تمنع زوجها من نفسها حتى يكفِّر، والمماسة من [فعلهما*] معا بخلاف الظهار.
السؤال الثاني: قال ابن رشد في مقدماته في كتاب الطهارة في قوله تعالى: (أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ)، الملامسة لَا تكون إلا عن قصد، والمماسة أعم، تكون عن قصد وغير قصد، فيقال: تماس الحجران، وكفارة الظهارة إنما تجب بالملامسة لَا بالمماسة، فهلا عبر باللفظ الأخص فهو أخص في بيان ما يقع به الوجوب، لأنهم قالوا: إذا مسها ناسيا فلا كفارة عليه، وجوابه من وجهين: