الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن قلت: لم أفرد الضمير، وقد وقع الخطاب أولا بالجمع في قوله تعالى:(فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ)؟ فالجواب: أنه لما كانت حالة العسر أقل من حالة اليسر، أفرد الضمير إشعارا بالوحدة الدالة على القلة.
قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ
…
(8)}
كان بعضهم يقول: الظاهر أن الجواب: (أعد الله لهم) وقرره بأن الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والمناسب في التسلية تكرير الأشياء والمتسلي بها وإعداد العقاب أخص من العتو عن أمر الله، فتعليق التسلية على الأخص أبلغ، لأن كل ما لزم الأخص لزم الأعم، دون رده عليه بأن التسلية إنما تكون بأمر نزل جنسه لغير المخاطب، وإما ذكر ما يحل من العذاب بقومه في [الدنيا*] فيزيده غما وتأسفا وحزنا عليهم، وإنما يتسلى بعتو [أمثالهم*] على كثير من الأنبياء، فإن قلت: لم قرن الشدة [بالحساب*]، [والنكر*] بالعذاب، فهلا قال:[(فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا نُكْرًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا شَدِيدًا) *]، قلت: الحساب ليس فيه ما ينكر، والعذاب غير المعهود منكر.
قوله تعالى: {وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا
(9)}
لأن الإنسان قد يذوق العذاب ثم يعقبه الخير والسلامة.
قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ
…
(12)}
ابن عطية: لَا خلاف بين العلماء أن السماوات سبع، لقوله تعالى:(أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا)، فسر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أمرهن في حديث الإسراء حتى قال:"ثم صعدنا إلى السماء السابعة"، وقال لسعد:"حَكَمْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقُعَةٍ" انتهى، هذا ما يتم إلا على أصول الحكماء الفاسدة التي [نخالف*] نحن فيها، لأن كونها كذلك [حجة*]، إما للعقل أو للسمع، فالعقل لَا مدخل له في عددها، وإن ادعوا إسناد ذلك إلى العادة، فهي دعوى باطلة إذ لَا يعلم ذلك بالعادة بوجه فلم يبق إلا السمع، وهو مخالف لهم ومبني على أنها لَا تقبل الخرق، وأما عندنا فيصح قبولها للخرق، كما نشاهده في جرم السمع وجرم الميناء [تخرقه*] السفينة، ويرجع كما كان ففي الممكن أن تلك الكواكب والشمس والقمر [تخرقها*] كلها، وتنتقل من سماء إلى سماء، وإذا كان كذلك فيبطل استدلالهم على الطول، وغير ذلك بالرصد، ومذهب الحكماء أن السماوات كربطة البصلة، واحدة فوق أخرى متلاصقة، ومذهب أهل السنة أن بينها فضاء حاجزا، [وَرَدَ*] أن غلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماءين خمسمائة عام، لكنه لم يصح، وأشار له الزمخشري في سورة النازعات، وذكر الحكماء: أن الأفلاك تسعة منها
السبعة المشهورة، [والفلك الأطلس، وفلك البروج [وذلك المسمى*] بفلك البروج هو الثامن، والأطلس فوقه ليس فيه كواكب بوجه، [**وفلك الوهم] محيط بالجميع حركته أسرع من طرفة العين، فإن قلت: هلا كانت الملائكة مخلوقين قبل السماوات [أو لا*]؟ فالجواب إن قلنا: بإثبات الجوهر الفارق، وهو موجود لَا يتحيز ولا قائم بالمتحيز، وهو مذهب الحكماء، فنقول: يصح أن يكونوا مخلوقين قبل ذلك، وإن منعنا ذلك فيمنع صحة خلقهم، قيل: لأن الموجود إما متحيز أو قائم بالمتحيز، فهو إما في مكان أو في حيز أو نقول: كانوا في الفضاء وهو حيزهم كما هي السماوات الآن في الحيز لا في المكان.
قوله تعالى: (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ)،
ابن عطية: روي عن قوم من العلماء أنهم قالوا: الأرض واحدة، وهي مماثلة لكل سماء بانفرادها في ارتفاع جرمها، وفي أن فيها عالما يعبد، كما أن في الأرض عالما يعبد، انتهى، لَا يصح أن تكون المماثلة في الذات والصفات، لأنهم قرروا في علم الهيئة، أن الشمس أكبر من الأرض، وهي أصغر من السماء، فكيف يكون جرم الأرض قدر جرم [السماء*]؟ المماثلة ليست من جميع الوجود، وهذا كقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إذا سمعتم النداء، فقولوا مثل ما يقول المؤذن، مع أنه لا يحاكيه في الحيعلة والحوقلة، وذكر ذلك ابن رشد في البيان والتحصيل في كتاب الصرف في مسألة سعيد بن المسيب، وحكى ابن سينا الخلاف في الأرضين أنها سبع أو لَا؟ واختار أنها سبع، وقال المازري في المعلم: سألني عن ذلك شيخنا عبد الحميد الصائغ، وكتب لي بعد فراقي له، هل وقع في الشرع ما يدل على أن الأرضين سبع؟ فأجبته بقول الله تعالى (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ)، وبحديث " [مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ*] " خرجه مسلم، قال [فأتم*] كتابه إلي، وقال: إن الآية محتملة هل مثلهن في الشكل والهيئة [أو*] في العدد، والحديث أخبار [آحاد، والقرآن*] إذا احتمل، والحديث إذا لم يتواتر، لم يصح القطع بذلك، والمسألة علمية ليست من العمليات، فلا يتمسك فيها بالظواهر، وبأخبار الآحاد، قال: فأعدت إليه المجاوبة [فاحتج*] ببعد الاحتمال من القرآن، وبسط القول في ذلك، وترددت له في آخر كتابي في احتمال ما قال: فقطع المجاوبة، قال في شرح الجوزقي: لأنه كان انقطع في آخر عمره للعبادة، ذكره لما تكلم في الأذان، انتهى، [إلا أن*] ظاهر كلامهما أن المسائل العلمية لَا تثبت إلا بالدلائل القطعية [مطلقا*]، ولذلك منعت فرقة التفضيل بين الصحابة، لأن ذلك أمر علمي عندهم [صرف*]، ودلائل التفضيل لَا تنهض للقطع، وإلا ظهر أن المسائل العلمية على قسمين فما يرجع منهما لأحكام العقائد، كالأحكام المتعلقة بالذات [العَليَّة*]، كالحكم بجواز [رؤيته*] عز وجل مع تنزيهه وتقديسه عن الجهة والمكان، والحكم بكونه سميعا بصيرا مع تنزيهه عن الجارحة وأعضاء السمع
(يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)
والبصر [وأحكام النبوة وختمها*]، وانقطاعها؛ [وهذا*] لَا يصح إلا بما يفيد القطع اتفاقا، وأما ما يرجع إلى ما ليس من أحكام العقائد [كـ كون*] الأرضين سبعا، وكأفضلية بعض الصحابة على بعض، والحكم بأن الكفار مخاطبون بالفروع [أم لا؟ *] على رأي القاضي أبي بكر الباقلاني، وأكثر الأصوليين من أن ثمرة ذلك إنما هي حاصلة في الدار الآخرة، وكالحكم بجواز كرامات الأولياء، وهو مذهب جمهور أهل السنة، وكون الذبيح إسماعيل أو إسحاق فهذا يصح إثباته بالدلائل الظنية [ولَا يلزم*] من تحصيله بها إخلال بواجب، ومعنى كونها علمية أنها اعتقادية فقط لَا عمل فيها بوجه.
(الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ)
قرره الغزالي في [**المضنون به] بكلام جار على قواعد الحكماء.
قوله تعالى: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
ابن عطية: عام مخصوص بالواجب والمستحيل، ابن التلمساني في شرح المعالم الفقهية: أجمعوا على أن المعدوم المستحيل في نفيه كقلب الأجناس واللون في محلين في زمن واحد، لَا يتعلق به قدرة لَا قديمة ولا حادثة، وقال السراج في الموجز: قولك: (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، دال بالمطابقة على عموم العلم [لا [حادثه*]، [فقولك*] الله قادر عَلى كل شيء، دال بالتضمن، لأنه إنما يدل على بعض مسماه، لأن القدرة لَا تتعلق بالواجب ولا بالمستحيل، وقال القرافي: دلالة العالم على بعض أفراده، لَا يصح أن [تكون*] مطابقة ولا التزاما، لأنه داخل في المسمى، ولا تضمنا، لأنه كلية لَا كل. انتهى، ويرد بأنه إن أريد دلالته عليه من حيث كونه جزءا من كل فهي تضمن، وإن أريد دلالته عليه من حيث كونه [
…
] فهي مطابقة فهل هو من قسم الجزئي والكلي، أو من قسم الجزء أو الكل، ابن التلمساني في فروع المسألة الرابعة من الباب الثالث: المخاطب يندرج في العموم على الأصح، قال تعالى (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، وهو عليم بذاته وصفاته، واحتج المانع بقوله تعالى:(خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ)، ويقول القائل: من دخل داري فأعطه درهما، فإنه يتناوله واجب بأن الأول: مخصوص بدليل العقل، والثاني: العرف، والحكم في ذلك كله للقرائن، انتهى، والقدرة مختصة بالله عز وجل، والعلم يشاركه فيه الغير، فكذلك عبر فيه بالإحاطة الخاصة بالله، والصفات على ثلاثة أقسام: صفة قاصرة على ذات الله تعالى، كالحياة والبقاء، وصفة متعلقة مؤثرة، كالقدرة، وصفة متعلقة غير مؤثرة، كالعلم، وأما الإرادة فاختلفوا هل هي من الصفات المؤثرة أو لَا؟ وسبب الخلاف النظر في [التأثير*] أعم من ذلك، ومن التخصيص فالإرادة مؤثرة.
* * *