الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هِيَ شَاذَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، فَلَا يُحْتَجُّ بِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ أَيْ إِنَّهُ لَبَصِيرٌ بِهِمْ سَمِيعٌ لَهُمْ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : وَذَلِكَ فِي مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَدْحِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: مَا أَبْصَرَهُ وَأَسْمَعَهُ، وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ مَا أَبْصَرَ اللَّهَ لِكُلِّ مَوْجُودٍ، وَأَسْمَعَهُ لِكُلِّ مَسْمُوعٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ. ثُمَّ رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ:
أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ فَلَا أَحَدَ أَبْصَرُ مِنَ اللَّهِ وَلَا أَسْمَعُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ يَرَى أَعْمَالَهُمْ وَيَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ سَمِيعًا بَصِيرًا. وَقَوْلُهُ: مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً أَيْ أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، الَّذِي لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَيْسَ لَهُ وَزِيرٌ وَلَا نَصِيرٌ وَلَا شَرِيكٌ وَلَا مشير، تعالى وتقدس.
[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 28]
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)
يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِتِلَاوَةِ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ وَإِبْلَاغِهِ إِلَى النَّاسِ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ أَيْ لَا مُغَيِّرَ لَهَا وَلَا محرّف ولا مزيل. وَقَوْلُهُ: وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً عَنْ مُجَاهِدٍ مُلْتَحَدًا قَالَ: مَلْجَأً. وَعَنْ قَتَادَةَ: وَلِيًّا وَلَا مَوْلًى. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَقُولُ إِنْ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ لَمْ تَتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ، فَإِنَّهُ لَا مَلْجَأَ لَكَ مِنَ اللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [الْمَائِدَةِ: 67] وَقَالَ: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [الْقَصَصِ: 85] أَيْ سَائِلُكَ عَمَّا فَرَضَ عَلَيْكَ مِنْ إِبْلَاغِ الرِّسَالَةِ.
وَقَوْلُهُ: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ أَيْ اجْلِسْ مَعَ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ وَيُهَلِّلُونَهُ وَيَحْمَدُونَهُ وَيُسَبِّحُونَهُ وَيَكْبُرُونَهُ وَيَسْأَلُونَهُ بِكُرَةً وَعَشِيًّا، مِنْ عِبَادِ اللَّهِ سَوَاءً كَانُوا فُقَرَاءَ أَوْ أَغْنِيَاءَ، أو أقوياء أو ضعفاء، أَوْ ضُعَفَاءَ يُقَالُ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ حِينَ طَلَبُوا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُمْ، وَحْدَهُ، وَلَا يُجَالِسَهُمْ بِضُعَفَاءِ أَصْحَابِهِ، كَبِلَالٍ وَعَمَّارٍ وَصُهَيْبٍ وَخَبَّابٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلْيُفْرِدْ أُولَئِكَ بِمَجْلِسٍ عَلَى حِدَةٍ، فَنَهَاهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ الْآيَةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُصَبِّرَ نَفْسَهُ فِي الْجُلُوسِ مَعَ هَؤُلَاءِ، فَقَالَ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ [الأنعام: 52] الآية.
وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيُّ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ هُوَ ابْنُ أَبِي وَقَاصٍّ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ستة نفر
(1) تفسير الطبري 8/ 212.
فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترءون عَلَيْنَا قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَبِلَالٌ، وَرَجُلَانِ نَسِيتُ اسْمَيْهِمَا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ما يشاء اللَّهُ أَنْ يَقَعَ، فَحَدَّثَ نَفْسَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهِ عز وجل وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ «1» دُونَ الْبُخَارِيِّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «2» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْجَعْدِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَاصٍّ يَقُصُّ فَأَمْسَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «قُصَّ، فَلِأَنْ أَقْعُدَ غُدْوَةً إِلَى أَنْ تُشْرِقَ الشَّمْسُ أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب» . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «3» أَيْضًا: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ كُرْدُوسَ بْنَ قَيْسٍ، وَكَانَ قَاصَّ الْعَامَّةِ بِالْكُوفَةِ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابٍ بَدْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لِأَنْ أَقْعُدَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَجْلِسِ أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب» قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ أَيُّ مَجْلِسٍ؟ قَالَ: كَانَ قَاصًّا.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبَانٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَأَنْ أُجَالِسَ قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، وَلَأَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَقَ ثَمَانِيَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، دِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا» فَحَسِبْنَا دِيَّاتِهِمْ وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ أَنَسٍ، فَبَلَغَتْ سِتَّةً وَتِسْعِينَ أَلْفًا وَهَاهُنَا مَنْ يَقُولُ أَرْبَعَةٌ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاللَّهِ مَا قَالَ إِلَّا ثَمَانِيَةً، دِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ، عَنِ الْأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ وَهُوَ الْكُوفِيُّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِرَجُلٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَكَتَ، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم:«هَذَا الْمَجْلِسُ الَّذِي أُمِرْتُ أَنْ أُصَبِّرَ نَفْسِي مَعَهُمْ» ، هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو أَحْمَدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ علي بن الأقمر، عن الأغر مرسلا. وحدثنا يحيى بن المعلى عن المنصور، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ، عَنِ الْأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ، قَالَا:
جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْحِجْرِ، أَوْ سُورَةَ الْكَهْفِ، فَسَكَتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«هَذَا الْمَجْلِسُ الَّذِي أُمِرْتُ أَنْ أُصَبِّرَ نَفْسِي مَعَهُمْ» .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «4» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مَيْمُونٌ الْمَرَئِيُّ، حَدَّثَنَا ميمون بن سياه
(1) كتاب فضائل الصحابة حديث 46.
(2)
المسند 5/ 261.
(3)
المسند 3/ 473.
(4)
المسند 3/ 142.