الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «1» هَاهُنَا مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زِيَادَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ حَدِيثَ النُّزُولِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: مَنْ يَسْتَغْفِرْنِي أَغْفِرْ له، من يسألني أعطيه، مَنْ يَدْعُنِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، فَلِذَلِكَ يَقُولُ: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً فَيَشْهَدُهُ اللَّهُ وَمَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ، فَإِنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ زِيَادَةً، وَلَهُ بِهَذَا حديث في سنن أبي داود.
وقوله تَعَالَى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ أَمْرٌ لَهُ بِقِيَامِ اللَّيْلِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ، كَمَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «2» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إن سُئِلَ أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ؟
قَالَ «صَلَاةُ اللَّيْلِ» ، وَلِهَذَا أَمَرَ تَعَالَى رَسُولَهُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَاتِ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّ التَّهَجُّدَ مَا كَانَ بعد النوم. قَالَهُ عَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَكَذَلِكَ ثَبَتَتِ الْأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَتَهَجَّدُ بَعْدَ نَوْمِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: هُوَ مَا كَانَ بَعْدَ الْعَشَاءِ وَيُحْمَلُ عَلَى ما كان بعد النوم، واختلف في معنى قوله تعالى: نافِلَةً لَكَ فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّكَ مَخْصُوصٌ بِوُجُوبِ ذَلِكَ وَحْدَكَ، فَجَعَلُوا قِيَامَ اللَّيْلِ وَاجِبًا فِي حَقِّهِ دُونَ الْأُمَّةِ، رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ، وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَقِيلَ: إِنَّمَا جُعِلَ قِيَامُ اللَّيْلَ فِي حَقِّهِ نَافِلَةً عَلَى الْخُصُوصِ، لِأَنَّهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَغَيْرُهُ مِنْ أُمَّتِهِ إِنَّمَا يُكَفِّرُ عَنْهُ صَلَوَاتُهُ النَّوَافِلُ الذُّنُوبَ الَّتِي عَلَيْهِ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ: وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ «3» عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه.
وَقَوْلُهُ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً أَيْ افْعَلْ هَذَا الَّذِي أَمَرْتُكَ بِهِ لِنُقِيمَكَ يوم القيامة مقاما محمودا، يحمدك في الْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ وَخَالِقُهُمْ تبارك وتعالى. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: ذَلِكَ هُوَ المقام الذي يقومه مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلشَّفَاعَةِ لِلنَّاسِ لِيُرِيحَهُمْ رَبُّهُمْ مِنْ عَظِيمِ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ شِدَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
[ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ]
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: يُجْمَعُ النَّاسُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، حفاة عراة كما
(1) تفسير الطبري 8/ 127.
(2)
كتاب الصيام حديث 201.
(3)
مسند أحمد بن حنبل 5/ 255، 256.
خُلِقُوا، قِيَامًا لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، يُنَادَى: يَا مُحَمَّدُ، فَيَقُولُ:«لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، وَالْمَهْدِيُّ مَنْ هديت، وعبدك بين يديك، ومنك وَإِلَيْكَ لَا مَنْجَى وَلَا مَلْجَأَ مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ سُبْحَانَكَ رَبَّ الْبَيْتِ» فَهَذَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ عز وجل «1» .
ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِهِ، وَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَالثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وقال الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ تنشق عنه الأرض يوم القيامة وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَكَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ يَرَوْنَ أَنَّهُ المقام المحمود الذي قال الله تَعَالَى: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَشْرِيفَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُشْرِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ، وَتَشْرِيفَاتٌ لَا يُسَاوِيهِ فِيهَا أَحَدٌ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَيُبْعَثُ رَاكِبًا إِلَى الْمَحْشَرِ، وَلَهُ اللِّوَاءُ الَّذِي آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِهِ، وَلَهُ الْحَوْضُ الَّذِي لَيْسَ فِي الْمَوْقِفِ أَكْثَرُ وَارِدًا مِنْهُ، وَلَهُ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى عِنْدَ اللَّهِ لِيَأْتِيَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْخَلَائِقِ، وذلك بعد ما تسأل النَّاسُ آدَمَ ثُمَّ نُوحًا ثُمَّ إِبْرَاهِيمَ ثُمَّ مُوسَى ثُمَّ عِيسَى، فَكَلٌّ يَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، حَتَّى يَأْتُوا إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُ «أَنَا لَهَا أَنَا لَهَا» كَمَا سَنَذْكُرُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُشَفَّعُ فِي أَقْوَامٍ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ فَيُرَدُّونَ عَنْهَا، وَهُوَ أَوَّلُ الْأَنْبِيَاءِ يُقْضَى بَيْنَ أُمَّتِهِ، وَأَوَّلُهُمْ إِجَازَةً عَلَى الصِّرَاطِ بِأُمَّتِهِ، وَهُوَ أَوَّلُ شَفِيعٍ فِي الْجَنَّةِ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ.
وَفِي حَدِيثِ الصُّورِ إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ كُلَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا بِشَفَاعَتِهِ، وَهُوَ أَوَّلُ دَاخِلٍ إِلَيْهَا، وَأُمَّتُهُ قَبْلَ الْأُمَمِ كُلِّهِمْ، وَيُشَفَّعُ فِي رَفْعِ دَرَجَاتِ أَقْوَامٍ لَا تَبْلُغُهَا أَعْمَالُهُمْ وَهُوَ صَاحِبُ الْوَسِيلَةِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى مَنْزِلَةٍ فِي الْجَنَّةِ لَا تَلِيقُ إِلَّا لَهُ، وَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الشَّفَاعَةِ لِلْعُصَاةِ، شَفَّعَ الْمَلَائِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ وَالْمُؤْمِنُونَ فَيُشَفَّعُ هُوَ فِي خلائق لا يعلم عدتهم إلا الله تعالى، وَلَا يُشَفَّعُ أَحَدٌ مِثْلَهُ وَلَا يُسَاوِيهِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ بَسَطْتُ ذَلِكَ مُسْتَقْصًى فِي آخِرِ كِتَابِ السِّيرَةِ فِي بَابِ الْخَصَائِصِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَلْنَذْكُرِ الْآنَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ «2» :
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ آدَمَ بن علي، سمعت ابن عمر قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاء كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّهَا يَقُولُونَ: يَا فُلَانُ اشْفَعْ يَا فُلَانُ اشْفَعْ، حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إلى محمد صلى الله عليه وسلم فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا. وَرَوَاهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الله عن أبيه،
(1) انظر تفسير الطبري 8/ 131.
(2)
كتاب التفسير، تفسير سورة 17، باب 11. [.....]