الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَقَالَ قَتَادَةُ ثُمَّ اهْتَدى أَيْ لَزِمَ الْإِسْلَامَ حَتَّى يَمُوتَ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ثُمَّ اهْتَدى أَيْ عَلِمَ أَنَّ لِهَذَا ثَوَابًا، وَثُمَّ هَاهُنَا لِتَرْتِيبِ الْخَبَرِ عَلَى الْخَبَرِ، كَقَوْلِهِ: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ [الْبَلَدِ: 17] .
[سورة طه (20) : الآيات 83 الى 89]
وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسى (83) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (84) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قالُوا مَا أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)
فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هَذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (88) أَفَلا يَرَوْنَ أَلَاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (89)
لَمَّا سَارَ مُوسَى عليه السلام بِبَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ هلاك فرعون فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ [الْأَعْرَافِ: 137- 138] وَوَاعَدَهُ رَبُّهُ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ أتبعها عشرا، فتمت أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، أَيْ يَصُومُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْفُتُونِ بَيَانُ ذَلِكَ، فَسَارَعَ مُوسَى عليه السلام مُبَادِرًا إِلَى الطُّورِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَخَاهُ هَارُونَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسى قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي أَيْ قَادِمُونَ يَنْزِلُونَ قَرِيبًا مِنَ الطُّورِ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى أَيْ لِتَزْدَادَ عَنِّي رِضًا قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ أَخْبَرَ تَعَالَى نَبَيَّهُ مُوسَى بِمَا كَانَ بَعْدَهُ مِنَ الْحَدَثِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعِبَادَتِهِمُ الْعَجَلَ الَّذِي عَمِلَهُ لَهُمْ ذَلِكَ السَّامِرِيُّ.
وَفِي الْكُتُبِ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ اسْمُهُ هَارُونَ أَيْضًا، وَكَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الْأَلْوَاحَ الْمُتَضَمِّنَةَ لِلتَّوْرَاةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ [الْأَعْرَافِ: 145] أَيْ عَاقِبَةَ الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَتِي الْمُخَالِفِينَ لِأَمْرِي.
وَقَوْلُهُ: فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً أَيْ بَعْدَ مَا أَخْبَرَهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي غَايَةِ الْغَضَبِ وَالْحَنَقِ عَلَيْهِمْ، هُوَ فِيمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الِاعْتِنَاءِ بِأَمْرِهِمْ، وَتَسَلُّمِ التَّوْرَاةِ الَّتِي فِيهَا شَرِيعَتُهُمْ، وَفِيهَا شَرَفٌ لَهُمْ، وَهُمْ قَوْمٌ قَدْ عَبَدُوا غَيْرَ اللَّهِ، مَا يَعْلَمُ كُلُّ عَاقِلٍ لَهُ لُبٌّ وَحَزْمٌ بُطْلَانَ مَا هُمْ فِيهِ وَسَخَافَةَ عقولهم وأذهانهم، ولهذا قال: رَجَعَ إِلَيْهِمْ غَضْبَانَ أَسِفًا، وَالْأَسَفُ شِدَّةُ الْغَضَبِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: غَضْبَانَ أَسِفًا أَيْ جَزِعًا، وَقَالَ قتادة والسدي: أسفا حَزِينًا عَلَى مَا صَنَعَ قَوْمُهُ مِنْ بَعْدِهِ قالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَيْ أَمَا وَعَدَكُمْ عَلَى لِسَانِي كُلَّ خير في
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَحُسْنَ الْعَاقِبَةِ، كَمَا شَاهَدْتُمْ مِنْ نُصْرَتِهُ إِيَّاكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ وَإِظْهَارِكُمْ عَلَيْهِ وَغَيْرِ ذلك من أيادي الله.
أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَيْ فِي انْتِظَارِ مَا وَعَدَكُمُ اللَّهُ وَنِسْيَانِ مَا سَلَفَ مِنْ نِعَمِهِ وَمَا بِالْعَهْدِ مِنْ قِدَمٍ، أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ أَمْ هَاهُنَا بِمَعْنَى بَلْ، وَهِيَ لِلْإِضْرَابِ عَنِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَعُدُولٌ إِلَى الثَّانِي، كَأَنَّهُ يَقُولُ: بَلْ أَرَدْتُمْ بِصَنِيعِكُمْ هَذَا أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي، قَالُوا أَيْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي جَوَابِ مَا أَنَّبَهُمْ مُوسَى وَقَرَّعَهُمْ مَا أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا أَيْ عَنْ قُدْرَتِنَا وَاخْتِيَارِنَا، ثُمَّ شَرَعُوا يَعْتَذِرُونَ بِالْعُذْرِ الْبَارِدِ، يُخْبِرُونَهُ عَنْ تَوَرُّعِهِمْ عَمَّا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ حُلِيِّ الْقِبْطِ الَّذِي كَانُوا قَدِ اسْتَعَارُوهُ مِنْهُمْ حِينَ خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ، فَقَذَفْنَاهَا أَيْ أَلْقَيْنَاهَا عَنَّا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْفُتُونِ أَنَّ هَارُونَ عليه السلام هُوَ الَّذِي كَانَ أَمَرَهُمْ بِإِلْقَاءِ الْحُلِيِّ في حفرة فيها نار، وهي في رِوَايَةِ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِنَّمَا أَرَادَ هَارُونُ أَنْ يَجْتَمِعَ الْحُلِيُّ كُلُّهُ فِي تِلْكَ الْحُفَيْرَةِ، وَيُجْعَلَ حَجَرًا وَاحِدًا، حتى إذا رجع موسى عليه السلام، رأى فيه ما يشاء ثم جاء ذَلِكَ السَّامِرِيُّ فَأَلْقَى عَلَيْهَا تِلْكَ الْقَبْضَةَ الَّتِي أخذها من أثر الرسول، وسأل من هَارُونَ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَهُ فِي دَعْوَتِهِ، فَدَعَا لَهُ هَارُونُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَا يُرِيدُ فَأُجِيبَ لَهُ، فَقَالَ السَّامِرِيُّ عِنْدَ ذَلِكَ: أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ عِجْلًا، فَكَانَ عِجْلًا لَهُ خُوَارٌ أَيْ صَوْتٌ اسْتِدْرَاجًا، وإمهالا ومحنة واختبارا، ولهذا قال: فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن هَارُونَ مَرَّ بِالسَّامِرِيِّ وَهُوَ يَنْحِتُ الْعِجْلَ، فَقَالَ لَهُ: مَا تَصْنَعُ؟ فَقَالَ: أَصْنَعُ مَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، فَقَالَ هَارُونُ: اللَّهُمَّ أَعْطِهِ مَا سَأَلَ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ، وَمَضَى هَارُونُ. وقال السَّامِرِيُّ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ يَخُورَ فَخَارَ، فَكَانَ إِذَا خَارَ سَجَدُوا لَهُ، وَإِذَا خَارَ رَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حَمَّادٍ وَقَالَ: أَعْمَلُ مَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ. وَقَالَ السُّدِّيُّ كَانَ يَخُورُ وَيَمْشِي فَقَالُوا: أَيِ الضُّلَّالُ مِنْهُمُ الَّذِينَ افْتُتِنُوا بِالْعِجْلِ وَعَبَدُوهُ: هَذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ أَيْ نَسِيَهُ هَاهُنَا وَذَهَبَ يَتَطَلَّبُهُ، كَذَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْفُتُونِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَالَ سِمَاكٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَنَسِيَ، أَيْ نَسِيَ أَنْ يُذَكِّرَكُمْ أَنَّ هَذَا إِلَهُكُمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فقال: هَذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى قَالَ: فَعَكَفُوا عَلَيْهِ وَأَحَبُّوهُ حُبًّا لَمْ يُحِبُّوا شَيْئًا قَطُّ يَعْنِي مِثْلَهُ، يَقُولُ اللَّهُ:
فَنَسِيَ أَيْ تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِسْلَامِ يَعْنِي السَّامِرِيَّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ وَتَقْرِيعًا لَهُمْ وَبَيَانًا لِفَضِيحَتِهِمْ وَسَخَافَةِ عُقُولِهِمْ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ: أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ