الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة الحج (22) : آية 17]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ أَهْلِ هَذِهِ الْأَدْيَانِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْيَهُودِ وَالصَّابِئِينَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ «1» التَّعْرِيفَ بِهِمْ وَاخْتِلَافَ النَّاسِ فِيهِمْ، وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَالَّذِينَ أشركوا فعبدوا مع الله غيره، فَإِنَّهُ تَعَالَى: يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ، فَيُدْخِلُ مَنْ آمَنَ بِهِ الْجَنَّةَ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ النَّارَ، فَإِنَّهُ تَعَالَى شَهِيدٌ عَلَى أَفْعَالِهِمْ، حَفِيظٌ لِأَقْوَالِهِمْ، عَلِيمٌ بِسَرَائِرِهِمْ وَمَا تكن ضمائرهم.
[سورة الحج (22) : آية 18]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ (18)
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِعَظَمَتِهِ كُلُّ شَيْءٍ طَوْعًا وَكَرْهًا، وَسُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ مما يختص به، كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ [النَّحْلِ: 48] وَقَالَ هَاهُنَا: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ أَيْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِي أَقْطَارِ السموات، وَالْحَيَوَانَاتِ فِي جَمِيعِ الْجِهَاتِ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الْإِسْرَاءِ: 44] وَقَوْلُهُ: وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ إِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ عَلَى التَّنْصِيصِ، لِأَنَّهَا قَدْ عُبِدَتْ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَبَيَّنَ أَنَّهَا تَسْجُدُ لِخَالِقِهَا وَأَنَّهَا مَرْبُوبَةٌ مُسَخَّرَةٌ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ [فصلت: 37] الآية.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ؟» قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّهَا تَذْهَبُ فَتَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ، ثُمَّ تُسْتَأْمَرُ فَيُوشِكُ أَنْ يُقَالَ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ» «2» وَفِي الْمُسْنَدِ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ فِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ خَلْقَانِ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عز وجل إِذَا تَجَلَّى لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ خَشَعَ لَهُ» «3» .
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: مَا فِي السَّمَاءِ نَجْمٌ وَلَا شَمْسٌ وَلَا قَمَرٌ إِلَّا يَقَعُ لله ساجدا حين يغيب، ثم
(1) انظر تفسير الآية 62 من سورة البقرة.
(2)
أخرجه البخاري في بدء الخلق باب 4، ومسلم في الإيمان حديث 250، 251.
(3)
أخرجه أبو داود في الاستسقاء باب 3، والنسائي في الكسوف باب 16، وابن ماجة في الإقامة باب 152، وأحمد في المسند 4/ 267، 269.
لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُ فَيَأْخُذَ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى مَطْلَعِهِ «1» ، وَأَمَّا الْجِبَالُ وَالشَّجَرُ فَسُجُودُهُمَا بِفَيْءِ ظِلَالِهِمَا عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَأَيْتُنِي اللَّيْلَةَ وَأَنَا نَائِمٌ كَأَنِّي أُصَلِّي خَلْفَ شَجَرَةٍ فَسَجَدْتُ، فَسَجَدَتِ الشَّجَرَةُ لِسُجُودِي، فَسَمِعْتُهَا وَهِيَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا، وَضَعْ عَنِيَ بِهَا وِزْرًا، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ، قَالَ ابْنُ عباس: فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
سَجْدَةً ثُمَّ سَجَدَ، فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ مِثْلَ مَا أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ عَنْ قَوْلِ الشَّجَرَةِ «2» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَالدَّوَابُّ أَيِ الْحَيَوَانَاتُ كُلُّهَا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، نَهَى عَنِ اتِّخَاذِ ظُهُورِ الدَّوَابِّ مَنَابِرَ «3» ، فَرُبَّ مَرْكُوبَةٍ خَيْرٌ وَأَكْثَرُ ذِكْرًا لِلَّهِ تعالى مِنْ رَاكِبِهَا.
وَقَوْلُهُ: وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَيْ يَسْجُدُ لِلَّهِ طَوْعًا مُخْتَارًا مُتَعَبِّدًا بِذَلِكَ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ أَيْ مِمَّنِ امْتَنَعَ وَأَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَدَّاحُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قِيلَ لَعَلِّيٍّ: إِنَّ هَاهُنَا رَجُلًا يَتَكَلَّمُ فِي الْمَشِيئَةِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا عَبْدَ اللَّهِ خَلَقَكَ اللَّهُ كَمَا يَشَاءُ أَوْ كَمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلْ كما شاء. قال: فيمرضك إذ شَاءَ أَوْ إِذَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلْ إِذَا شَاءَ. قَالَ: فَيَشْفِيكَ إِذَا شَاءَ أَوْ إِذَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلْ إِذَا شَاءَ. قَالَ: فَيُدْخِلُكَ حيث يشاء أو حيث شاء؟ قَالَ: بَلْ حَيْثُ يَشَاءُ. قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ قُلْتَ غَيْرَ ذَلِكَ لَضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ بِالسَّيْفِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ» «4» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «5» : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المقرئ قالا:
حدثنا ابن لهيعة، قال: حَدَّثَنَا مِشْرَحُ بْنُ هَاعَانَ أَبُو مُصْعَبٍ الْمُعَافِرِيُّ قال: سمعت عقبة بن عامر قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى سَائِرِ الْقُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ؟ قَالَ «نَعَمْ فَمَنْ
(1) انظر تفسير الطبري 9/ 122.
(2)
أخرجه الترمذي في الجمعة باب 55، والدعوات باب 33، وابن ماجة في الإقامة باب 70.
(3)
أخرجه أبو داود في الجهاد باب 55.
(4)
أخرجه مسلم في الإيمان حديث 133، وابن ماجة في الإقامة باب 70، وأحمد في المسند 6/ 400.
(5)
المسند 4/ 151، 152.