الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبَرَاهِينَهُ عَلَى عُبُودِيَّةِ عِيسَى، وَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ كَآدَمَ، قال تعالى بَعْدَ ذَلِكَ: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ [آلِ عِمْرَانَ: 40] فَنَكَلُوا أَيْضًا عن ذلك.
[سورة مريم (19) : آية 76]
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76)
لَمَّا ذكر تَعَالَى إِمْدَادَ مَنْ هُوَ فِي الضَّلَالَةِ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَزِيَادَتَهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، أَخْبَرَ بِزِيَادَةِ الْمُهْتَدِينَ هُدًى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً [التوبة: 124- 125] الآيتين. وَقَوْلُهُ: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا وَإِيرَادُ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا فِي سُورَةِ الْكَهْفِ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً أَيْ جَزَاءً وَخَيْرٌ مَرَدًّا أَيْ عَاقِبَةً وَمَرَدًّا عَلَى صَاحِبِهَا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَأَخَذَ عُودًا يَابِسًا فَحَطَّ وَرَقَهُ، ثُمَّ قَالَ:«إِنَّ قَوْلَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ الله، والحمد لله، تَحُطُّ الْخَطَايَا كَمَا تَحُطُّ وَرَقَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الرِّيحُ، خُذْهُنَّ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ قَبْلَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُنَّ، هُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ، وَهُنَّ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ» قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ: لَأُهَلِّلَنَّ اللَّهَ، وَلَأُكَبِّرَنَّ اللَّهَ، وَلَأُسَبِّحَنَّ اللَّهَ، حَتَّى إذ رَآنِي الْجَاهِلُ حَسِبَ أَنِّي مَجْنُونٌ «1» ، وَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَكَذَا وَقَعَ فِي سُنَنِ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الدرداء، فذكر نحوه.
[سورة مريم (19) : الآيات 77 الى 80]
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَداً (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (78) كَلَاّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (80)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «2» : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا قَيْنًا وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ فأتيته أتقاضاه منه، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: فَإِنِّي إِذَا مُتُّ ثُمَّ بُعِثْتُ جِئْتَنِي وَلِي ثَمَّ مَالٌ وَوَلَدٌ فَأَعْطَيْتُكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَداً- إِلَى قَوْلِهِ- وَيَأْتِينا فَرْداً «3» أَخْرَجَهُ صاحبا
(1) انظر تفسير الطبري 8/ 374. [.....]
(2)
المسند 5/ 111.
(3)
أخرجه البخاري في البيوع باب 29، والإجارة باب 15، والخصومات باب 10، وتفسير سورة 19، باب 4، 5، ومسلم في المنافقين حديث 36.
الصَّحِيحِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ: كُنْتُ قَيْنًا بِمَكَّةَ فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ سَيْفًا، فَجِئْتُ أَتَقَاضَاهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ: أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً قَالَ: مَوْثِقًا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ: كُنْتُ قَيْنًا بِمَكَّةَ فَكُنْتُ أَعْمَلُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، فَاجْتَمَعَتْ لِي عَلَيْهِ دَرَاهِمُ فَجِئْتُ لِأَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ لِي: لَا أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ: لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ، قَالَ: فَإِذَا بُعِثْتُ كَانَ لِي مَالٌ وَوَلَدٌ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا «1» الآيات.
وَقَالَ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كانوا يطالبون الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ السَّهْمِيَّ بِدَيْنٍ، فَأَتَوْهُ يَتَقَاضُونَهُ، فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَحَرِيرًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى. قال: فإن موعدكم الآخرة، فو الله لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا، وَلَأُوتَيَنَّ مِثْلَ كِتَابِكُمُ الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ، فَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَهُ فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا- إِلَى قَوْلِهِ- وَيَأْتِينا فَرْداً «2» وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ.
وَقَوْلُهُ: لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَداً قَرَأَ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْوَاوِ مِنْ وَلَدًا، وَقَرَأَ آخَرُونَ بِضَمِّهَا، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ، قال رؤبة:[رجز]
الْحَمْدُ للَّهِ الْعَزِيزِ فَرْدًا
…
لَمْ يَتَّخِذْ مِنْ وُلْدِ شَيْءٍ وُلْدًا «3»
وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ: [مجزوء الكامل]
ولقد رأيت معاشرا
…
قد ثمّروا مالا وولدا «4»
وقال الشاعر: [الطويل]
فَلَيْتَ فُلَانًا كانَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ
…
وَلَيْتَ فُلَانًا كَانَ وُلْدَ حِمَارٍ «5»
وَقِيلَ: إِنَّ الْوُلْدَ بِالضَّمِّ جَمْعٌ، وَالْوَلَدَ بِالْفَتْحِ مُفْرَدٌ، وَهِيَ لُغَةُ قيس، والله أعلم.
(1) انظر تفسير الطبري 8/ 375.
(2)
تفسير الطبري 8/ 375.
(3)
الرجز في تفسير الطبري 8/ 376.
(4)
البيت للحارث بن حلزة في ديوانه ص 46، وجمهرة اللغة ص 1000، 1120، والأغاني 11/ 44، وشعراء النصرانية ص 417، وتفسير الطبري 8/ 376، وبلا نسبة في لسان العرب (ولد) ، وتهذيب اللغة 14/ 177، وتاج العروس (ولد) .
(5)
البيت بلا نسبة في لسان العرب (ولد) ، وتهذيب اللغة 14/ 178، والمخصص 13/ 217، وتاج العروس (ولد) ، وتفسير الطبري 8/ 376.