الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَّا الشَّامَ، فَلَمَّا بَلَغَ تَبُوكَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مَا خُتِمَتِ السُّورَةُ وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها- إِلَى قَوْلِهِ- تَحْوِيلًا فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَ: فِيهَا مَحْيَاكَ ومماتك ومنه تُبْعَثُ.
وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ نَظَرٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هذا ليس بصحيح، فإن النبي لم يغز تبوك عن قول اليهود، وإنما غَزَاهَا امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ [التَّوْبَةِ: 123] ولقوله تَعَالَى: قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ [التَّوْبَةِ: 29] وَغَزَاهَا لِيَقْتَصَّ وَيَنْتَقِمَ مِمَّنْ قَتَلَ أَهْلَ مُؤْتَةَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَحُمِلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عُفَيْرِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي ثَلَاثَةِ أَمْكِنَةٍ: مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، وَالشَّامِ» قَالَ الْوَلِيدُ: يَعْنِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَتَفْسِيرُ الشَّامِ بِتَبُوكَ أَحْسَنُ، مِمَّا قَالَ الْوَلِيدُ إِنَّهُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي كَفَّارِ قُرَيْشٍ، هموا بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، فَتَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَأَنَّهُمْ لَوْ أَخْرَجُوهُ لَمَا لَبِثُوا بَعْدَهُ بِمَكَّةَ إِلَّا يَسِيرًا، وَكَذَلِكَ وَقَعَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ هِجْرَتِهِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ أَذَاهُمْ لَهُ إِلَّا سَنَةٌ وَنِصْفٌ، حَتَّى جَمَعَهُمُ اللَّهُ وَإِيَّاهُ بِبَدْرٍ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، فَأَمْكَنَهُ مِنْهُمْ وَسَلَّطَهُ عَلَيْهِمْ وَأَظْفَرَهُ بِهِمْ، فَقَتَلَ أَشْرَافَهُمْ وسبى ذراريهم، ولهذا قال تعالى: سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا الآية، أَيْ هَكَذَا عَادَتُنَا فِي الَّذِينَ كَفَرُوا بِرُسُلِنَا وآذوهم بخروج الرسول من بين أظهرهم يأتيهم العذاب، ولولا أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رَسُولُ الرَّحْمَةِ لَجَاءَهُمْ مِنَ النِّقَمِ فِي الدُّنْيَا مَا لَا قِبَلَ لِأَحَدٍ بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال: 33] الآية.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 79]
أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (79)
يقول تبارك وتعالى لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم آمِرًا لَهُ بِإِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ قِيلَ لِغُرُوبِهَا، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ. وَقَالَ هُشَيْمٌ عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: دُلُوكُهَا زَوَالُهَا، وَرَوَاهُ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَهُ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ أَيْضًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ وَقَتَادَةُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَمِمَّا اسْتُشْهِدَ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ عَنِ ابْنِ حُمَيْدٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ بَشِيرٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ رَجُلٍ عَنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: دَعَوْتُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ شَاءَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَطَعِمُوا عِنْدِي ثُمَّ خَرَجُوا حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «اخْرُجْ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَهَذَا حِينَ دَلَكَتِ
الشَّمْسُ» «1» .
ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ بَكَّارٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحٍ الْعَنَزِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ دَخَلَ فِيهَا أَوْقَاتُ الصلوات الخمس فَمِنْ قَوْلِهِ:
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَهُوَ ظَلَامُهُ، وَقِيلَ غُرُوبُ الشَّمْسِ، أُخِذَ مِنْهُ الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
وقوله: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ يعني صلاة الفجر، وقد بينت السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَاتُرًا مِنْ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ بِتَفَاصِيلَ هَذِهِ الأوقات على ما عليه أهل الإسلام اليوم مما تلقوه خلفا من سَلَفٍ وَقَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوَاضِعِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً قَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هذه الآية وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً قَالَ: تَشْهَدُهُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «2» : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«فَضْلُ صَلَاةِ الْجَمِيعِ عَلَى صَلَاةِ الْوَاحِدِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً، وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر» يقول أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «3» : حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَحَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً قَالَ: «تَشْهَدُهُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ» «4» . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَسْبَاطِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَفِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، فَيَعْرُجُ الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وَهُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: أَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَتَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» «5» وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَجْتَمِعُ الْحَرَسَانِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَيَصْعَدُ هَؤُلَاءِ وَيُقِيمُ هَؤُلَاءِ، وَكَذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ في تفسير هذه الآية.
(1) انظر تفسير الطبري 8/ 125.
(2)
كتاب التفسير، تفسير سورة 17، باب 10.
(3)
المسند 2/ 474.
(4)
أخرجه الترمذي في تفسير سورة 17، باب 5، وابن ماجة في الصلاة باب 2، والجنائز باب 65.
(5)
أخرجه البخاري في المواقيت باب 16، ومسلم في المساجد حديث 210.