الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهُمَا كَانَا عَاجِزَيْنِ، وَالْوَاجِبُ لَا يَكُونُ عَاجِزًا وَيَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ مُرَادَيْهِمَا لِلتَّضَادِّ، وَمَا جَاءَ هَذَا الْمُحَالُ إِلَّا مِنْ فَرْضِ التَّعَدُّدِ، فَيَكُونُ مُحَالًا فَأَمَّا إِنْ حَصَلَ مُرَادُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الْوَاجِبُ وَالْآخِرُ الْمَغْلُوبُ مُمْكِنًا، لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِصِفَةِ الْوَاجِبِ أَنْ يَكُونَ مقهورا، ولهذا قال تعالى: وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ أَيْ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ الْمُعْتَدُونَ فِي دَعْوَاهُمُ الْوَلَدَ أَوِ الشَّرِيكَ عُلُوًّا كَبِيرًا عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَيْ يَعْلَمُ مَا يَغِيبُ عَنِ الْمَخْلُوقَاتِ وَمَا يُشَاهِدُونَهُ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ أَيْ تَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ وَتَعَالَى وَعَزَّ وَجَلَّ عَمَّا يَقُولُ الظالمون والجاحدون.
[سورة المؤمنون (23) : الآيات 93 الى 98]
قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (97)
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)
يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم أَنَّ يدعو بهذا الدُّعَاءَ عِنْدَ حُلُولِ النِّقَمِ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ أي إن عاقبتهم وأنا أشاهد ذَلِكَ، فَلَا تَجْعَلُنِي فِيهِمْ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ «وَإِذَا أَرَدْتَ بِقَوْمٍ فِتْنَةً فَتَوَفَّنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مفتون» «1» . وقوله تعالى: وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ أَيْ لَوْ شِئْنَا لَأَرَيْنَاكَ مَا نُحِلُّ بِهِمْ من النقم والبلاء والمحن. ثم قال تعالى مُرْشِدًا لَهُ إِلَى التِّرْيَاقِ النَّافِعِ فِي مُخَالَطَةِ الناس وهو الإحسان إلى من يسيء إليه، لِيَسْتَجْلِبَ خَاطِرَهُ فَتَعُودُ عَدَاوَتُهُ صَدَاقَةً وَبُغْضُهُ مَحَبَّةً، فقال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا [فصلت: 34- 35] الآية، اي وما يلهم هذه الوصية أو هذه الْخَصْلَةُ أَوِ الصِّفَةُ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا أَيْ عَلَى أَذَى النَّاسِ فَعَامَلُوهُمْ بِالْجَمِيلِ مَعَ إِسْدَائِهِمْ الْقَبِيحَ وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ أَيْ في الدنيا والآخرة.
وقوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ أمره الله أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنَ الشَّيَاطِينِ.
لِأَنَّهُمْ لَا تَنْفَعُ مَعَهُمُ الْحِيَلُ وَلَا يَنْقَادُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عِنْدَ الِاسْتِعَاذَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ:«أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ ونفثه» «2» .
وقوله تعالى: وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ أَيْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِي، وَلِهَذَا أَمَرَ بِذِكْرِ اللَّهِ في ابتداء الأمور وذلك لطرد الشيطان عِنْدَ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَالذَّبْحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ، وَلِهَذَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بك من الهدم
(1) أخرجه الترمذي في تفسير سورة 38، باب 2، 4، وأحمد في المسند 5/ 243.
(2)
أخرجه أبو داود في الصلاة باب 119، والترمذي في المواقيت باب 65، وابن ماجة في الإقامة باب 2، وأحمد في المسند 1/ 403، 404، 3/ 50، 5/ 253، 6/ 256.