الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ هَذَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ- إِلَى قَوْلِهِ- لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ [يونس: 5- 6] وقال تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة: 189] الآية.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ فِي قَوْلِهِ: فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً قال: ظلمة الليلة وسدف النهار «1» . وقال ابن جرير عَنْ مُجَاهِدٍ: الشَّمْسُ آيَةُ النَّهَارِ وَالْقَمَرُ آيَةُ اللَّيْلِ، فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ قَالَ: السَّوَادُ الَّذِي فِي الْقَمَرِ، وَكَذَلِكَ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الْقَمَرُ يُضِيءُ كَمَا تُضِيءُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ آيَةُ اللَّيْلِ، وَالشَّمْسُ آيَةُ النَّهَارِ، فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ السَّوَادَ الَّذِي فِي الْقَمَرِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ جَيِّدَةٍ أَنَّ ابْنَ الْكَوَّاءِ سَأَلَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا هَذِهِ اللَّطْخَةُ الَّتِي فِي الْقَمَرِ؟ فَقَالَ: وَيْحَكَ أما تقرأ القرآن؟ فقال: فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ فَهَذِهِ مَحْوُهُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ مَحْوَ آيَةِ اللَّيْلِ سَوَادُ الْقَمَرِ الَّذِي فِيهِ، وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً أَيْ مُنِيرَةً، وخلق الشَّمْسِ أَنْوَرُ مِنَ الْقَمَرِ وَأَعْظَمُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ قَالَ لَيْلًا وَنَهَارًا، كَذَلِكَ خَلَقَهُمَا الله عز وجل «2» .
[سورة الإسراء (17) : الآيات 13 الى 14]
وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (13) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14)
يَقُولُ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ الزَّمَانِ وَذِكْرِ مَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَطَائِرُهُ هُوَ مَا طَارَ عَنْهُ مِنْ عَمَلِهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عباس ومجاهد وغيرهما، من خير وشر ويلزم بِهِ وَيُجَازَى عَلَيْهِ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزَّلْزَلَةِ: 7- 8] وَقَالَ تَعَالَى: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 17- 18] وقال: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار: 10- 14] وقال: إِنَّما تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الطُّورِ: 16] وَقَالَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء: 123] الآية، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ عَمَلَ ابْنِ آدَمَ مَحْفُوظٌ عَلَيْهِ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ، وَيُكْتَبُ عَلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، صَبَاحًا وَمَسَاءً.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «3» : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لهيعة عن أبى الزبير عَنْ جَابِرٍ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَطَائِرُ كُلِّ إِنْسَانٍ فِي عُنُقِهِ» قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: يَعْنِي الطِّيرَةَ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنَ ابْنِ لَهِيعَةَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ غَرِيبٌ جدا، والله أعلم.
(1) انظر تفسير الطبري 8/ 46.
(2)
انظر هذا الأثر والآثار التي قبله في تفسير الطبري 8/ 45، 46، 47.
(3)
المسند 3/ 360.
وقوله: وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً أَيْ نَجْمَعُ لَهُ عَمَلَهُ كُلَّهُ فِي كِتَابٍ يُعْطَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِمَّا بِيَمِينِهِ إِنْ كَانَ سَعِيدًا أَوْ بِشِمَالِهِ إِنْ كَانَ شَقِيًّا، مَنْشُورًا أَيْ مَفْتُوحًا يَقْرَؤُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ فِيهِ جَمِيعُ عمله من أول عمره إلى آخره يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ
[الْقِيَامَةِ: 13- 15] وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً أي إنك لم تظلم ولم يكتب عليك إلا مَا عَمِلْتَ، لِأَنَّكَ ذَكَرْتَ جَمِيعَ مَا كَانَ مِنْكَ، وَلَا يَنْسَى أَحَدٌ شَيْئًا مِمَّا كَانَ مِنْهُ، وَكُلُّ أَحَدٍ يَقْرَأُ كِتَابَهُ مِنْ كَاتِبٍ وأمي. وقوله: أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ إِنَّمَا ذَكَرَ الْعُنُقَ لأنه عضو من الأعضاء لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْجَسَدِ، وَمَنْ أُلْزِمَ بِشَيْءٍ فِيهِ فَلَا مَحِيدَ لَهُ عَنْهُ، كَمَا قال الشاعر. [مجزوء الكامل]
اذْهَبْ بِهَا اذْهَبْ بِهَا
…
طُوِّقْتَهَا طَوْقَ الْحَمَامَةِ «1» .
قَالَ قَتَادَةُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيرَةَ، وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ» كَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «2» ، وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ مُتَّصِلًا، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «طَيْرُ كُلِّ عَبْدٍ فِي عُنُقِهِ» .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «3» : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«لَيْسَ مِنْ عَمَلِ يَوْمٍ إِلَّا وَهُوَ يُخْتَمُ عَلَيْهِ فَإِذَا مَرِضَ الْمُؤْمِنُ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا عَبْدُكَ فُلَانٌ قَدْ حَبَسْتَهُ، فَيَقُولُ الرَّبُّ جل جلاله: اخْتِمُوا لَهُ عَلَى مِثْلِ عَمَلِهِ حَتَّى يَبْرَأَ أَوْ يَمُوتَ» إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ: أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ قَالَ عَمَلَهُ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ قَالَ:
نُخْرِجُ ذَلِكَ الْعَمَلَ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً قَالَ مَعْمَرٌ، وَتَلَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ [ق: 17] يَا ابْنَ آدَمَ بَسَطْتُ لَكَ صَحِيفَتَكَ، وَوَكَلَ بِكَ مَلَكَانِ كَرِيمَانِ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِكَ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِكَ، فَأَمَّا الَّذِي عَنْ يَمِينِكَ فَيَحْفَظُ حَسَنَاتِكَ، وَأَمَّا الذي عن شمالك فَيَحْفَظُ سَيِّئَاتِكَ، فَاعْمَلْ مَا شِئْتَ أَقْلِلْ أَوْ أَكْثِرْ حَتَّى إِذَا مِتَّ طُوِيَتْ صَحِيفَتُكَ فَجُعِلَتْ فِي عُنُقِكَ مَعَكَ فِي قَبْرِكَ، حَتَّى تَخْرُجَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا تَلْقَاهُ مَنْشُورًا، اقْرَأْ كِتَابَكَ الآية، فقد عدل والله من جعلك حسيب نفسك «4» ، هذا من أحسن كلام الحسن، رحمه الله.
(1) البيت لأبي أحمد بن جحش في سيرة ابن هشام 1/ 500.
(2)
تفسير الطبري 8/ 47.
(3)
المسند 4/ 146. [.....]
(4)
انظر تفسير الطبري 8/ 49.