الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن أجيبوا بهذا الجواب فأجيب بقوله تولوا، وأعينهم مبتدأ والواو للحال وجملة تفيض خبر ومن الدمع تمييز أي تفيض دمعا وهو أبلغ من يفيض دمعها لأن العين جعلت كأنها كلها دمع فائض وقد تقدم القول في هذه الجملة في المائدة مع بسط لم يسبق إليه فجدد به عهدا، وحزنا مفعول لأجله أو حال وأن لا يجدوا أن وما في حيزها مفعول لأجله والعامل فيه حزنا ويجوز أن نعرب حزنا مفعولا مطلقا فيكون العامل في أن لا يجدوا تفيض وما مفعول يجدوا وجملة ينفقون صلة.
وقد اعترض أبو البقاء على إعراب الزمخشري من الدمع تمييزا فقال: «لا يجوز ذلك لأن التمييز الذي أصله فاعل لا يجوز جره بمن وأيضا فإنه معرفة ولا يجوز إلا على رأي الكوفيين الذين يجيزون مجيء التمييز معرفة.
البلاغة:
فن التلميح أو التمليح:
في قوله: «ما على المحسنين من سبيل» فن من فنون البديع يسمى «التلميح» وهو أن يشار في فحوى الكلام الى مثل سائر أو شعر نادر أو قصة مشهورة أو ما يجري مجرى المثل، ومنه قول يسار ابن عدي حين بلغة قتل أخيه وهو يشرب الخمر:
اليوم خمر ويبدو في غد خبر
…
والدهر من بين إنعام وإيئاس
ويسميه قوم «التمليح» بتقديم الميم كأن الشاعر أتى في بيته
أو الناثر في فقرته بنكتة حسنة زادت الكلام ملاحة، كقول ابن المعتز:
أترى الجيرة الذين تداعوا
…
عند سير الحبيب وقت الزوال
علموا أنني مقيم وقلبي
…
راحل فيهم أمام الجمال
مثل صاع العزيز في أرحل القنو
…
م ولا يعلمون ما في الرحال
وهذا التمليح فيه إشارة الى قصة يوسف عليه السلام حين جعل الصاع في رحل أخيه وإخوته لم يشعروا بذلك، ومن لطائف التلميح قول أبي فراس:
فلا خير في رد الأذى بمذلة
…
كما رده يوما بسوءته عمرو
وهذا التمليح أو التلميح فيه إشارة الى قصة عمرو بن العاص مع الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في يوم صفين حين حمل عليه الإمام، ورأى عمرو أن لا مخلص منه فلم يسعه غير كشف العورة.
ومن لطائف التلميح قصة الهذلي مع منصور بني العباس فإنه حكى أن المنصور وعد الهذلي بجائزة ونسي، فحجا معا ومرا في المدينة النبوية ببيت عاتكة، فقال الهذلي: يا أمير المؤمنين هذا بيت عاتكة التي يقول فيها الأحوص:
يا بيت عاتكة الذي أتعزل
…
حذر العدا وبه الفؤاد موكل
فأنكر عليه أمير المؤمنين لأنه تكلم من غير أن يسأل، فلما رجع الخليفة نظر في القصيدة إلى آخرها ليعلم ما أراد الهذلي بإنشاد ذلك البيت من غير استدعاء فإذا فيها:
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم
…
مذق اللسان يقول ما لا يفعل
فعلم أنه أشار الى هذا البيت بتلميحه الغريب، فتذكر ما وعده به وأنجزه له واعتذر إليه من النسيان.
ومثله ما حكي أن أبا العلاء المعري كان يتعصب للمتنبي فحضر يوما مجلس الشريف المرتضى فجرى ذكر أبي الطيب فهضم المرتضى من جانبه فقال له أبو العلاء: لو لم يكن له من الشعر إلا قوله:
«لك يا منازل في القلوب منازل» لكفاه، فغضب المرتضى وأمر به فسحب وأخرج، وبعد إخراجه قال المرتضى:
هل تدرون ما عنى بذكر البيت؟ فقالوا: لا والله، فقال: عنى به قول أبي الطيب في قصيدته:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص
…
فهي الشهادة لي بأني كامل
ومن هذا القبيل قصة السّرّي الرفاء مع سيف الدولة بسبب المتنبي أيضا، فإن السري الرفاء كان من مداح سيف الدولة، وجرى يوما في مجلسه ذكر أبي الطيب فبالغ سيف الدولة في الثناء عليه فقال له السري: أشتهي أن الأمير ينتخب لي قصيدة من غرر قصائده لأعارضها له ويتحقق بذلك أنه أركب المتنبي في غير سرجه، فقال له سيف الدولة على الفور: عارض لنا قصيدته القافية التي مطلعها:
لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي
…
وللحب ما لم يبق مني وما بقي
قال السري: فكتبت القصيدة واعتبرتها في تلك الليلة فلم أجدها من مختارات أبي الطيب لكن رأيته يقول في آخرها عن ممدوحه: