الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمّ بيّن تعالى إعراضهم بجسمهم أيضا، إلى الإشارة إلى توليهم بقلبهم، بقوله:
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ أي يزورّون عن الحق واستماعه بصدورهم لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ أي في قلوبهم وَما يُعْلِنُونَ أي يجهرون بأفواههم إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أي بما في ضمائر القلوب. ونظير ما حكي هنا عن مشركي مكة من كراهتهم لاستماع كلامه تعالى، ما قاله تعالى عن قوم نوح: وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً [نوح: 7] ، وما ذكرناه هو أظهر ما تحمل عليه الآية- والله أعلم-.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة هود (11) : آية 6]
وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَاّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (6)
وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها أي ما تعيش به، وإنما جيء ب (على) اعتبارا لسبق الوعد به، وتحقيقا لوصوله إليها البتة، بطريق التكفل الشبيه بالإيجاب وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها أي مسكنها في الدنيا. أو في الصّلب وَمُسْتَوْدَعَها أي بعد الموت، أو في الرحم كُلٌّ أي من الدواب ورزقها ومستقرها ومستودعها فِي كِتابٍ مُبِينٍ أي مسطور في كتاب عنده تعالى، مبين عن جميع ذلك.
ثم بين تعالى عظيم قدرته في تكوينه وإبداعه بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة هود (11) : آية 7]
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَاّ سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ من الأحد إلى الجمعة وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ أي ما كان تحته قبل خلق السموات والأرض، وارتفاعه فوقها، إلا الماء. وفيه دليل على أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل السموات والأرض- كذا في الكشاف-.
قال القاضي: أي لم يكن بينهما حائل، لا أنه كان موضوعا على متن الماء.
قال: قتادة: ينبئنا تعالى في هذه الآية كيف كان بدء خلقه قبل أن يخلق السموات والأرض.
روى الإمام أحمد «1» عن أبي رزين- واسمه لقيط بن عامر العقيليّ- قال: قلت يا رسول الله! أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، ثم خلق العرش بعد ذلك. ورواه الترمذي «2»
وحسنه وقال: قال أحمد:
يريد بالعماء أنه ليس معه شيء.
وقال البيهقيّ في كتاب (الأسماء والصفات) : (العماء) ممدود كما رأيته مقيدا كذلك، ومعناه السحاب الرقيق، أي فوق سحاب، مدبرا له، وعاليا عليه. كما قال تعالى: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ [الملك: 16]، يعني من فوق السماء. وقوله:
(ما فوقه هواء) أي ما فوق السحاب هواء. وكذلك قوله: (وما تحته هواء) أي ما تحت السحاب هواء.
وقد قيل: إن ذلك (العمى) مقصور، بمعنى لا شيء ثابت، لأنه مما عمي عن الخلق، فكأنه قال في جوابه: كان قبل أن يخلق الخلق، ولم يكن شيء غيره. و (ما) فيهما نافية. أي: ليس فوق العمى، الذي هو لا شيء موجود، هواء، ولا تحته هواء.
لأنه إذا كان غير موجود، فلا يثبت له هواء بوجه. انتهى ملخصا.
وقال ابن الأثير: العماء في اللغة: السحاب الرقيق، وقيل الكثيف، وقيل هو الضباب. وفي الحديث حذف، أي أين كان عرش ربنا؟ دل عليه قوله تعالى: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ.
وحكى بعضهم أنه العمى المقصور. قال: وهو كل أمر لا يدركه الفطن.
وقال أبو عبيد: إنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم، وإلا فلا ندري كيف كان ذلك العماء!.
قال الأزهريّ: فنحن نؤمن به ولا نكيّف صفته.
وقوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أي أخلصه، متعلق ب (خلق) أي:
خلقهن لحكمة بالغة، وهي أن يجعلهن مساكن لعباده، وينعم عليهم بفنون النعم، فيعبدوه وحده، ويتسابقوا في العمل الذي يرضيه. ولما كان الابتلاء والاختبار لمن تخفى عليه عاقبة الأمور، قيل: إنه هنا تمثيل واستعارة، فشبه معاملته تعالى عباده في خلق المنافع لهم، وتكليفهم شكره، وإثابتهم إن شكروا، وعقوبتهم إن كفروا-
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 4/ 11.
(2)
أخرجه الترمذي في: التفسير، 11- سورة هود، حدثنا أحمد بن منيع.