الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكتاب والسنة على أن أكرم الناس عند الله أتقاهم.
وفي السنن «1» عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا فضل لعربيّ على عجميّ، ولا لعجمي على عربيّ ولا لأسود على أبيض، ولا لأبيض على أسود، إلا بالتقوى» .
وعنه أيضا صلى الله عليه وسلم أنه قال «2» : «إن الله تعالى أذهب عنكم عبّية الجاهلية وفخرها بالآباء. الناس رجلان: مؤمن تقيّ وفاجر شقي» .
فصل
وليس من شرط وليّ الله أن يكون معصوما لا يغلط ولا يخطئ، بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين، حتى يحسب بعض الأمور مما أمر الله به، مما نهى الله عنه. ويجوز أن يظن في بعض الخوارق أنها من كرامات أولياء الله تعالى، وتكون من الشيطان لبّسها عليه، لنقص درجته، ولا يعرف أنها من الشيطان، وإن لم يخرج بذلك عن ولاية الله تعالى. فإن الله سبحانه وتعالى تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ولم يؤثّم النبيّ صلى الله عليه وسلم المجتهد المخطئ بل جعل له أجرا على اجتهاده، وجعل خطأه مغفورا له، ولهذا لما كان وليّ الله يجوز أن يغلط، لم يجب على الناس الإيمان بجميع ما يقوله من هو وليّ الله، إلا أن يكون نبيّا، بل ولا يجوز لوليّ الله أن يعتمد على ما يلقى إليه في قلبه، إلا أن يكون موافقا، وعلى ما يقع له مما يراه إلهاما ومحادثة وخطابا من الحق، بل يجب عليه أن يعرض ذلك جميعه على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فإن وافقه قبله وإن خالفه لم يقبله، وإن لم يعلم أموافق هو أم مخالف توقف فيه. والناس في هذا الباب ثلاثة أصناف: طرفان ووسط. فمنهم من إذا اعتقد في شخص أنه وليّ الله وافقه في كل ما يظن أنه حدثه به قلبه عن ربه، وسلم إليه جميع ما يفعله. ومنهم من إذا رآه قد قال أو فعل ما ليس بموافق للشرع، أخرجه عن ولاية الله بالكلية، وإن كان مجتهدا مخطئا، وخيار الأمور أوساطها. وهو ألا يجعل معصوما ولا مأثوما، إذا كان مجتهدا مخطئا، فلا يتبع في كل ما يقوله، ولا يحكم عليه بالكفر والفسق مع اجتهاده. والواجب على الناس اتباع ما بعث الله به رسوله.
وأما إذا خالف قول بعض الفقهاء. ووافق قول آخرين، لم يكن لأحد أن يلزمه بقول المخالف، ويقول: هذا خالف الشرع!
(1) أخرجه أحمد في مسنده 5/ 411.
(2)
أخرجه أبو داود في: الأدب، 111- باب في التفاخر بالأحساب، حديث رقم 5116.
وفي الصحيحين «1» عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قد كان في الأمم قبلكم محدّثون، فإن كان في أمتي أحد، فعمر منهم»
. وكان عمر يقول: اقتربوا من أفواه المطيعين، واسمعوا منهم ما يقولون، فإنه يتجلى لهم أمور صادقة. والمحدّث الذي يأخذ عن قلبه أشياء، ليس بمعصوم، فيحتاج أن يعرضه على ما جاء به النبيّ المعصوم صلى الله عليه وسلم ولهذا كان عمر رضي الله عنه يشاور الصحابة ويناظرهم ويرجع إليهم في بعض الأمور، وينازعونه في أشياء فيحتج عليهم، ويحتجون عليه بالكتاب والسنة، ويقررهم على منازعته، ولا يقول لهم: أنا محدّث ملهم مخاطب فينبغي لكم أن تقبلوا مني ولا تعارضوني. فأيّ من ادعى له أصحابه أنه وليّ الله، وأنه مخاطب يجب على أتباعه أن يقبلوا منه كل ما يقوله ولا يعارضوه ويسلموا له حاله من غيره اعتبار بالكتاب والسنة- فهو وهم مخطئون. ومثل هذا من أضل الناس. فعمر بن الخطاب رضي الله عنه أفضل منه، وهو أمير المؤمنين، وكان المسلمون ينازعونه ويعرضون ما يقول، هو وهم، على الكتاب والسنة. وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من الفروق بين الأنبياء وغيرهم. ولذا قال الجنيد: علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة. وقال أبو عثمان النيسابوريّ: من أمّر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة، ومن أمّر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة، لقوله تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور: 54] وقال أبو عمرو بن نجيد:
كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل.
فأولياء الله تعتبر بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن، وبحقائق الإيمان الباطنة، وشرائع الإسلام. فإذا كان الشخص مباشرا للنجاسات والخبائث التي يحبها الشيطان، أو يأوي إلى الحمّامات والحشوش التي تحضرها الشياطين، أو يأكل الحيات والعقارب والزنابير وآذان الكلاب التي هي خبائث وفواسق. أو يشرب البول ونحوه من النجاسات التي يحبها الشيطان. أو يدعو غير الله فيستغيث بالمخلوقات، ويتوجه إليها، أو يسجد إلى ناحية شيخه ولا يخلص الدين لرب العالمين. أو يلابس الكلاب أو النيران، أو يأوي إلى المزابل، والمواضع النجسة، أو يأوي إلى المقابر، لا سيما إلى مقابر الكفار من
(1) أخرجه البخاريّ في: فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، 6- باب مناقب عمر بن الخطاب، أبي حفص القرشيّ العدويّ رضي الله عنه، حديث رقم 1628، عن أبي هريرة.
وأخرجه مسلم في: فضائل الصحابة، حديث رقم 23، عن عائشة.