الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي قل لهؤلاء المشركين (الزاعمين أن لله شركاء من خلقه، العابدين معه غيره، ليقربهم إليه زلفى) : لو كان الأمر كما تقولون، وأن معه آلهة تعبد لتقرّب إليه وتشفع لديه، لكان أولئك المعبودون يعبدونه ويتقربون إليه، ويبتغون الزلفى والطاعة لديه، فاعبدوه أنتم وحده كما يعبده من تدعونه من دونه. ولا حاجة لكم إلى معبود يكون واسطة بينكم وبينه. فإنه لا يحب ذلك ولا يرضاه. بل يكرهه ويأباه. وقد نهى عن ذلك على ألسنة جميع رسله وأنبيائه. هذا ما اختاره ابن كثير، وسبقه إليه ابن جرير.
وحاصله: أن السبيل بمعنى الوسيلة الموصلة إليه. وفيه إشارة إلى قياس اقترانيّ تقريره هكذا: ولو كان كما زعمتم معه آلهة لتقربوا إليه. وكل من كان كذلك ليس إلها، فهم ليسوا بآلهة. وقيل: معنى لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا أي لطلبوا إليه سبيلا بالمغالبة والممانعة، كما هو ديدن الملوك بعضهم مع بعض، على طريقة قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: 22] وهذا الوجه قدمه الزمخشري على الأول. وقال أبو السعود: إنه الأظهر الأنسب لقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإسراء (17) : الآيات 43 الى 44]
سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (44)
سُبْحانَهُ فإنه صريح في أن المراد بيان أنه يلزم مما يقولونه محذور عظيم، من حيث لا يحتسبون. وأما ابتغاء السبيل إليه تعالى بالتقرب، فليس مما يختص بهذا التقرير، ولا هو مما يلزمهم من حيث لا يشعرون. بل هو أمر يعتقدونه رأسا.
انتهى. ومعنى سُبْحانَهُ أي تنزه عن الولد والشريك تنزها حقيقا به وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً أي تعاظم عن ذلك تعاظما كبيرا. فإن مثل هذه الفرية والبهتان، مما يتنزه عنه مقامه الأسمى.
قال الشهاب: وذكّر العلوّ، بعد عنوانه ب (ذي العرش) . في أعلى مراتب البلاغة. وقوله تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ، إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً أي تنزّه الله، وتقدسه وتجلّه السموات والأرض ومن فيهن من المخلوقات عما يصفه به المشركون.
وتشهد جميعها له بالوحدانية في إلهيته وربوبيته، كما قال: تَكادُ السَّماواتُ
يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً
[مريم:
90-
91] ، وقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ أي لأنها بخلاف لغاتكم.
قال ابن كثير: وهذا عام في الحيوانات والجمادات والنباتات، على أشهر القولين. ثم استدل بما صح من تسبيح الطعام، والحصا، ممّا خرج في الصحيحين والمسانيد، مما هو مشهور. واختاره الراغب في (مفرداته) وقال: إنه تسبيح على الحقيقة بدلالة قوله: وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ودلالة قوله: وَمَنْ فِيهِنَّ بعد ذكر السموات والأرض لا يصح أن يكون تقديره (يسبح له من في السموات ويسجد له من في الأرض) لأن هذا من نفقهه، ولأنه محال أن يكون ذلك تقديره،. ثم يعطف عليه بقوله: وَمَنْ فِيهِنَّ والأشياء كلها تسبح له وتسجد بعضها بالتسخير وبعضها بالاختيار. والآية تدل على أن المذكورات تسبح باختيار، لما ذكر من الدلالة. انتهى.
وذهب كثيرون إلى أن التسبيح المذكور مجازيّ، على طريقة الاستعارة التمثيلية أو التبعية. ك (نطقت الحال) . فإنه استعير فيه للتسبيح للدلالة على وجود فاعل قادر حكيم واجب الوجود منزه عن الولد والشريك، كما يدل الأثر على مؤثره.
فجعلت تلك الدلالة الحالية كأنه تنزيه له عما يخالفه.
وفي كل شيء له آية
…
تدل على أنه الواحد
قالوا: والخطاب في قوله تعالى: وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ للمشركين. أي لإخلالكم بالنظر الصحيح الذي به يفهم تسبيحهم. وقد بالغ في رد القول الأول واختيار الثاني، الإمام ابن حزم في كتابه (الملل والنحل) ولا بأس بإيراده، لما فيه من الغرائب.
قال رحمه الله في الرد على من قال: (إنّ في البهائم رسلا) : إنما يخاطب الله تعالى بالحجة من يعقلها. قال الله تعالى: يا أُولِي الْأَلْبابِ [البقرة: 179] ، وقد علمنا بضرورة الحس أن الله تعالى إنما خص بالنطق- الذي هو التصرف في العلوم ومعرفة الأشياء على ما هي عليه، والتصرف في الصناعات على اختلافها- الإنسان خاصة. وأضفنا إليهم، بالخبر الصادق، الجن والملائكة. ثم قال رحمه الله وقد قاد السخف بعضهم إلى أن جعل للجمادات تمييزا لمثل قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا
يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ
ونحوه من الآيات. ولا حجة لهم فيه. لأن القرآن واجب أن يحمل على ظاهره، كذلك كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن خالف ذلك كان عاصيا لله عز وجل، مبدلا لكلماته، ما لم يأت نص في أحدهما، أو إجماع متيقن، أو ضرورة حسّ على خلاف ظاهره، فيوقف عند ذلك. ويكون من حمله على ظاهره حينئذ ناسبا الكذب إلى الله عز وجل، أو كاذبا عليه وعلى نبيّه عليه السلام، نعوذ بالله من كلا الوجهين.
وإذ قد بينا قبل بالبراهين الضرورية أن الحيوان (غير الإنسان والجن والملائكة) لا نطق له. نعني أنه لا تصرف له في العلوم والصناعات. وكان هذا القول مشاهدا بالحس معلوما بالضرورة، لا ينكره إلا وقح مكابر لحسّه، وبينّا أن كل ما كان بخلاف التمييز المعهود عندنا، فإنه ليس تمييزا. وكان هذا أيضا يعلم بالضرورة والعيان والمشاهدة- فوجب أنه بخلاف ما يسمى في الشريعة واللغة نطقا وقولا وتسبيحا وسجودا. فقد وجب أنها أسماء مشتركة اتفقت ألفاظها. وأما معانيها فمختلفة، لا يحل لأحد أن يحملها على غير هذا. لأنه إن فعل كان مخبرا أن الله تعالى قال ما يبطله العيان والعقل الذي به عرفنا الله تعالى، ولو لاه ما عرفناه.
فاللفظ مشترك والمعنى هو ما قام الدليل عليه، بيان ذلك: أن التسبيح عندنا إنما هو قول (سبحان الله وبحمده) وبالضرورة نعلم أن الحجارة والخشب والهوامّ والشحرات والألوان لا تقول (سبحان الله بالسين والباء والحاء والألف والنون واللام والهاء) هذا ما لا يشك فيه من له مسكة عقل. فإذ لا شك في هذا، فباليقين علمنا أن التسبيح الذي ذكره الله تعالى هو حق وهو معنى غير تسبيحنا نحن بلا شك. فإذ لا شك في هذا فإن التسبيح في أصل اللغة هو تنزيه الله تعالى عن السوء. فإذ قد صح هذا، فإن كل شيء في العالم بلا شك منزّه لله تعالى عن السوء الذي هو صفة الحدوث. وفي العالم شيء إلا وهو دالّ (بما فيه من دلائل الصنعة واقتضائه صانعا لا يشبهه) على أن الله تعالى منزه عن كل سوء ونقص وهذا هو الذي لا يفهمه ولا يفقهه كثير من الناس كما قال تعالى: وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ فهذا هو تسبيح كل شيء بحمد الله تعالى بلا شك. وهذا المعنى حق لا ينكره موحد. فإن كان قولنا هذا متفقا على صحته. وكانت الضرورة توجب أنه ليس هو التسبيح المعهود عندنا، فقد ثبت قولنا وانتفى قول من خالفنا بظنه.
وأيضا فإن الله تعالى يقول: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ والكافر الدهريّ شيء لا يشك في أنه شيء وهو لا يسبح بحمد الله تعالى