الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكأنه لا خطأ منكم. و (اليوم) متعلق بالتثريب، أو بالمقدر في (عليكم) من معنى الاستقرار، والمعنى: ولا أثرّبكم اليوم، وهو اليوم الذي هو مظنة التثريب، فما ظنكم بغيره من الأيام؟! فتعبيره ب (اليوم) ليس لوقوع التثريب في غيره، لأن من لم يثرب أول لقائه واشتعال ناره، فبعده بطريق الأولى.
وقال الشريف المرتضى في (الدرر) : إن اليوم موضوع موضع الزمان كله كقوله:
اليوم يرحمنا من كان يغبطنا
…
واليوم نتبع من كانوا لنا تبعا
ثم زادهم تكريما بأن دعا لهم بالمغفرة، لما فرط منهم بقوله: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ.
وقوله: وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ تحقيق لحصول المغفرة لأنه عفا عنهم، فالله أولى بالعفو والرحمة لهم، وبيان للوثوق بإجابة الدعاء. وجوز تعلق (اليوم) ب (يغفر) . والجملة خبرية سيقت بشارة بعاجل غفران الله، لما تجدد يومئذ من توبتهم وندمهم على خطيئتهم. والوجه الأول أظهر. والثاني من الإغراب في التوجيهات.
تنبيه:
قال بعضهم: إن تجاوز يوسف عن ذنب إخوته، وإبقاءه عليهم، ومصافاته لهم، تعلمنا أن نغفر لمن يسيء إلينا، ونحسن إليه، ونصفي له الودّ، وأن نغضي عن كل إهانة تلحق بنا، فيسبغ الله تعالى إذ ذاك علينا نعمه وخيراته في هذه الدنيا، كما أوسع على يوسف ويورثنا السعادة الأخروية. وأما إذا أضمرنا السوء للمسيئين إلينا، ونقمنا منهم، فينتقم الله منا، ويوردنا مورد الثبور، فنعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا.
ثم قال لهم يوسف:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يوسف (12) : آية 93]
اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)
اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ
أراد يوسف تبشير أبيه بحياته، وإدخال السرور عليه بذلك، وتصديقه بإرسال حلة من حلله التي كان يستشعر بها أو يتدثر، ليكون في مقابلة القميص الأول، جالب الحزن، وغشاوة العين. و (الإلقاء على وجهه) بمعنى المبالغة في تقريبه منه، لما ناله من ضعف بصره، فتتراجع إليه قوة بصره، بانتعاش قلبه، بشمّه واطمئنانه على سلامته. وللمفرحات تأثير عظيم في صحة الجسم، وتقوية الأعضاء، وقد جوّد الكلام في ذلك الحكيم داود الأنطاكيّ في (تذكرته) في مادة مفرح بما لا يستغنى عن مراجعته.
وفي (الكنوز) من كتب الطب: الفرح، إن كان بلطف، فإنه ينفع الجسم، ويبسط النفس، ويريح العقل، فتقوى الأعضاء وتنتعش. انتهى.
ثم رأيت الرازيّ عوّل على نحو ما ذكرناه، وعبارته: قال المفسرون: لما عرفهم يوسف سألهم عن أبيه، فقالوا: ذهبت عيناه، فأعطاهم قميصه. قال المحققون: إنما عرف أن إلقاء القميص على وجهه يوجب قوة البصر بوحي من الله تعالى، ولولا الوحي، لما عرف ذلك، لأن العقل لا يدل عليه. ويمكن أن يقال: لعل يوسف عليه السلام علم أن أباه ما صار أعمى إلا أنه من كثرة البكاء، وضيق القلب، ضعف بصره، فإذا ألقي عليه قميصه، فلا بد أن ينشرح صدره، وأن يحصل في قلبه الفرح الشديد.
وذلك يقوي الروح، ويزيل الضعف عن القوى، فحينئذ يقوى بصره، ويزول عنه ذلك النقصان. فهذا القدر مما يمكن معرفته بالقلب. فإن القوانين الطبية تدل على صحة هذا المعنى. انتهى.
ولعل الرازيّ عنى بالمحققين الصوفية، أو من يقف على الظاهر وقوفا بحتا، ولا يخفى أن أسلوب التنزيل في كناياته ومجازاته أسلوب فريد، ينبغي التفطن له.
وقد جوز في قوله: يَأْتِ بَصِيراً أن يكون معناه يصير بصيرا، أو يجيء إليّ بصيرا، على حقيقة الإتيان ف (بصيرا) حال. قيل: ينصره قوله: وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ أي: بأبي وغيره، وفيه نظر، لأن اتحاد الفعلين هنا في المبنى لا يدل على اتحادهما في المعنى. ولا يقال: الأصل الحقيقة، لأن ذلك فيما يقتضيه السياق، ولا اقتضاء هنا. فالأول أرق وأبدع، لما فيه من التجانس.
روي أن يوسف عليه السلام، بعد أن دعا لهم بالمغفرة قال لهم: إن الله بعثني أمامكم لأحييكم وقد مضت سنتا جوع في الأرض وبقي خمس سنين، ليس فيها حرث ولا حصاد. فأرسلني الله أمامكم ليجعل لكم بقية في الأرض، ويستبقيكم