الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله وفعله. وإن كان صراط الرسل وأتباعهم هو موافقة أمره، فصراطه الذي هو سبحانه عليه، هو ما يقتضيه حمده وكماله ومجده من قوله الحق وفعله، وبالله التوفيق.
وفي الآية قول ثان مثل الآية الأولى سواء: إنه مثل ضربه الله للمؤمن والكافر.
وقد تقدم ما في هذا القول وبالله التوفيق. انتهى بحروفه. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النحل (16) : آية 77]
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
الآية إما جواب لاستعجالهم ما يوعدون، أو لاستبطائهم الساعة. أو لبيان كماله في العلم والقدرة، تعريضا بأن معبوداتهم عريّة منهما. فأشار إلى الأول بقوله:
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي يختص به علم ما غاب فيهما عن العباد وخفي عليهم علمه. أو غيبهما هو يوم القيامة. فإن علمه غائب عن أهلها، لم يطلع عليه أحد منهم، وأشار إلى الثاني بقوله: وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ و (الساعة) الوقت الذي تقوم فيه القيامة. و (اللمح) النظر بسرعة. أي كرجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها (أو هو أقرب) من ذلك، أي أسرع زمانا. بأن يقع في بعض زمانه. وفيه من كمال تقرير قدرته تعالى ما لا يخفى. وقوله: إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تعليل له، إشارة إلى أن مقدوراته تعالى لا تتناهى، وأن ما يذكر بعض منها. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النحل (16) : الآيات 78 الى 79]
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَاّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً عطف على قوله تعالى:
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً منتظم معه في سلك أدلة التوحيد من قوله تعالى: وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً وقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وقوله تعالى:
وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ أفاده أبو السعود. و (شيئا) منصوب على المصدرية أو مفعول (تعلمون) والنفي منصبّ عليه. أي لا تعلمون شيئا أصلا من حق المنعم وغيره.
وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ أي فتدركون به الأصوات وَالْأَبْصارَ فتحسون المرئيات وَالْأَفْئِدَةَ أي العقول لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي لتصرفوها فيما خلقت له من التوحيد والاعتبار بها والمشي على السنن الكونية. ثم نبه تعالى على آيته في خلقه الطير بقوله: أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ أي مذللات فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ أي ما يمسكهن في الجوّ من غير تعلق بمادة ولا اعتماد على جسم ثقيل، إلا هو سبحانه. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ قال الحجة الغزالي في الحكمة في خلق المخلوقات، في حكمة الطير، في هذه الآية، ما مثاله:
اعلم رحمك الله أن الله تعالى خلق الطير وأحكمه حكمة تقتضي الخفة للطيران. ولم يخلق فيه ما يثقله. وخلق فيه ما يحتاج إليه وما فيه قوامه وصرف غذائه فقسم لكل عضو منه ما يناسبه. فإن كان رخوا أو يابسا أو بين ذلك، انصرف إلى كل عضو من غذائه ما هو لائق به. فخلق للطير الرجلين دون اليدين لضرورة مشيه وتنقله. وإعانة له في ارتفاعه عن الأرض وقت طيرانه، واسعة الأسفل ليثبت في موطن على الأرض وهي خف فيه. أو بعض أصابع مخلوقة من جلد رقيق صلب من نسبة جلد ساقيه. وجعل جلد ساقيه غليظا متقنا جدا ليستغني به عن الريش في الحر والبرد. وكان من الحكمة، خلقه على هذه الصفة. لأنه في رعيه وطلب قوته لا يستغني عن مواضع فيها الطين والماء. فلو كسيت ساقاه بريش لتضرر ببلله وتلويثه.
فأغناه سبحانه عن الريش في موضع لا يليق به حتى يكون مخلصا للطيران. وما خلق من الطير ذا أرجل طوال جعلت رقبته طويلة لينال غذاءه من غير حرج بها. إذ لو طالت رجله وقصر عنقه لم يمكنه الرعي في البراري ولا في البحائر حتى ينكبّ على صدره. وكثيرا ما يعان بطول المنقار أيضا مع طول العنق، ليزداد مطلبه عليه سهولة.
ولو طال عنقه وقصرت رجلاه أثقله عنقه واختل رعيه. وخلق صدره ودائره ملفوفا على عظم كهيئة نصف دائرة، حتى يخرق في الهواء بغير كلفة، وكذلك رؤوس أجنحته مدورة إعانة له على الطيران. وجعل لكل جنس من الطير منقارا يناسب رعيه ويصلح لما يغتذي به من تقطيع ولقط وحفر وغير ذلك. فمنه مخلب لتقطيع خص به الكواسر وما قوته اللحم. ومنه عريض مشرشر جوانبه تنطبق على ما يلتقطه انطباقا محكما. ومنه معتدل اللقط وأكل الخضر. ومنه طويل المنقار جعله صلبا شديدا