الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ أي مؤاخذة المرة الآخرة وعقوبتها. وقوله تعالى: لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ متعلق بجواب (إذا) المحذوف. أي بعثناهم ليسوؤا وجوهكم، أي ذواتكم بالإذلال والقهر.
قال الشهاب: عديت المساءة إلى الوجوه، وإن كانت عليهم، لأن آثار الأعراض النفسانية إنما تظهر في الوجه. كنضارة الوجه وإشراقه بالفرح. وكلوحه وسواده بالخوف والحزن. فالوجه، بمعنى الذات مجاز مرسل، أو استعارة تبعية. وقيل:
الوجوه بمعنى الرؤساء. وهو تكلف. واختير هذا على (ليسوؤكم) مع أنه أخصر وأظهر، إشارة إلى أنه جمع عليهم ألم النفس والبدن، المدلول بقوله: وَلِيُتَبِّرُوا.
انتهى.
وقوله تعالى: وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ أي الأقصى كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا أي يدمروا ما عَلَوْا تَتْبِيراً أي عظيما فظيعا، والتتبير: التدمير. وكل شيء كسرته وفتّته فقد تبرته. ثم أشار إلى أن فعله تعالى ليخلصوا توبتهم وأعمالهم بقوله:
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ أي إذ أخلصتم للإنابة، وأحسنتم الأعمال، وأقمتم الكتاب وما نزل إليكم، لأنكم علمتم من سنته تعالى أنه لا ينزل بلاء إلا بذنب ولا يرفعه إلا بتوبة، ولذا قال: وَإِنْ عُدْتُمْ أي بعد هذه التوبة والإنابة إلى الاستكبار عُدْنا أي إلى تسليط الأعداء وسلب الأموال والأولاد في الدنيا.
وَجَعَلْنا أي يوم القيامة جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً أي محبسا وسجنا يحصرهم في العذاب والحرمان عن الثواب.
قال الشهاب: إن كان- (حصيرا) - اسما للمكان فهو جامد لا يلزم تذكيره وتأنيثه. وإن كان بمعنى حاصرا أي محيطا بهم، وفعيل بمعنى فاعل، يلزم مطابقته.
فإما لأنه على النسب. كلابن وتامر. أو لحمه على (فعيل) بمعنى (مفعول) . أو لأن تأنيث جهنم غير حقيقيّ أو لتأويلها بمذكر. انتهى.
وقيل: حصيرا، أي بساطا كما يبسط الحصير. مثل قوله تعالى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ [الأعراف: 41] ، فهو تشبيه بليغ. والحصير بهذا المعنى بمعنى محصور لحصر بعض طاقاته على بعض. كما قاله الراغب.
تنبيه:
روي أن بني إسرائيل كان الأمر مستتبا لهم في فلسطين إلى موت سليمان عليه
السلام. فلما ملك ابنه بعده، وذلك قبل المسيح بما ينيف على تسعمائة سنة، وقع من الاختلال في عهده ما أفضى إلى تقريره عبادة الأوثان. فعوجل بعد خمس سنين من ملكه بأخذ ملك مصر بيت المقدس وسلب كنوز هيكلها (المسجد الأقصى) ونهب ما فيها. ولما ساء تصرفه تمرد عليه شعبه وخلعوا طاعته. فانقسمت مملكته إلى قسمين: أحدهما دعى مملكة يهوذا وهي المؤلفة من سبطي يهوذا وبنيامين، بقيا خاضعين لابن سليمان.
وثانيهما: دعي مملكة إسرائيل وهي المؤلفة من بقية الأسباط العشرة. وكان أول ملك على مملكة إسرائيل رجل يقال له يربعام. خاف من رجوع رعاياه إلى طاعة ابن سليمان إذا صعدوا إلى أورشليم في الأعياد الاحتفالية ليعبدوا الله في الهيكل ويقربوا ذبائحهم هناك. فأقام في مملكته عجلين من ذهب. وأمر رعيته بعبادتهما.
ورتب لهم أعيادا احتفالية وكهنة وقامت حروب هائلة بين ملوك هاتين الطائفتين.
وكان يتخللهما من الملوك من ينزع عبادة الأوثان. إلا أنه لا يلبث الحال حين يأتي ملك آخر فيعيد الوثنية. واستمرت مملكة إسرائيل نحوا من مائتين وخمسين سنة.
وفي نهاية أمرهم عظمت خطيئاتهم فسلط عليهم ملك أشّور ففتح السامرة- بلدهم- وسباهم إلى أشّور وانقرضت مملكة العشرة الأسباط ولم يسمع ذكرهم بعد. ثم أرسل ملك أشّور قوما من بلده وأسكنهم مدن السامرة ليعمروها مع من بقي من أهلها. وأرسل معهم كاهنا من اليهود ليقيم لمن بقي طقوسهم. فعادوا إلى شركهم وعبادة الأوثان مع الله تعالى. وأما مملكة يهوذا فبقيت بعد انقراض مملكة إسرائيل ما ينيف على عشرين سنة، وفي أواخر أيامها قام فيها ملك شرير. فزحف إليه ملك بابل نبوخذ ناصر (بختنصر) فسبى قسما من شعبه، وكان السبي الأول.
ثم قام، بعد ذلك الملك الشرير، ابنه. فسار على طريقة أبيه. فعاد إليه ملك بابل المذكور واستأسره هو وآله ورؤساءه وقسما من الشعب. وسلب الهيكل. وكان هذا السبي الثاني بعد ثماني سنين من الأول.
ثم قام فيهم ملك أشرّ ممن تقدم- وهو آخر ملوكهم- وفي أيامه حاصر ملك بابل المذكور أيضا بيت المقدس، وأسره إلى بابل، وأحرق المدينة والهيكل، وسبى كل شعب يهوذا، ما عدا مساكين الأرض، إلى بابل. وهذا هو السبي الثالث والأخير.
وهكذا انقرضت هذه المملكة وكانت إقامتهم في بابل سبعين سنة. ثم أطلقوا من الأسر فعادوا إلى بيت المقدس. وجددوا عمارتها وقيام الهيكل. وبقيت اليهود تحت تسلط ملوك فارس إلى أن ظهر الإسكندر الكبير. وغلبت اليونان الفرس وجاء