الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن كل ما حمد فيه من النعوت والصفات التي وصف الله تعالى بها من أحبه من عباده، يلزم الاتصاف بها. كما أن ما ذمّ منها من مقته منهم، يجب اجتنابه.
وقد عدّ الإمام الغزاليّ في (الإحياء) من آداب ظاهر التلاوة البكاء. قال: البكاء مستحب مع القراءة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «1»
(اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا)
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا قرأتم سجدة سبحان، فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا، فإن لم تبك عين أحدكم، فليبك قلبه. وإنما طريق تكلف البكاء أن يحضر قلبه الحزن. فمن الحزن ينشأ البكاء، ووجه إحضار الحزن، أن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد والمواثيق والعهود. ثم يتأمل تقصيره في أوامره وزواجره فيحزن لا محالة ويبكي. فإن لم يحضره حزن وبكاء، كما يحضر أرباب القلوب الصافية، فليبك على فقد الحزن والبكاء. فإن ذلك أعظم المصائب. انتهى.
وذكر السيوطيّ في (الإكليل) أن الشافعيّ استدل بقوله تعالى وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا الآية، على استحباب هذا الذكر في سجود التلاوة. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ ردّ لما أنكره المشركون من تسمية الرحمن، وإذن بتسميته بذلك. أي سموه بهذا الاسم أو بهذا. و (أو) للتخيير. أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى أي أيّ هذين الاسمين سميتم وذكرتم فهو حسن. وقد وضع موضعه قوله فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى للمبالغة والدلالة على ما هو الدليل عليه. إذ حسن جميع أسمائه يستدعي حسن ذينك الاسمين. فأقيم فيه دليل الجواب مقامه، وهو أبلغ.
ومعنى كونها أحسن الأسماء، أنها مستقلة بمعاني الحمد والتقديس والتعظيم. وهذه الآية كآية وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها [الأعراف: 180] ، وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ أي بقراءة صلاتك. بتقدير مضاف، أو تسمية القراءة صلاة، لكونها من أهم أركانها. كما تسمى الصلاة ركعة وَلا تُخافِتْ بِها أي تسرّ وتخفي
(1) أخرجه ابن ماجة في: الإقامة، 176- باب في حسن الصوت بالقرآن. حديث 1337 عن سعد بن أبي وقاص.
وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا أي بين الجهر والمخافتة، أمرا وسطا. فإن خير الأمور أوساطها.
قال أبو السعود: والتعبير عن ذلك بالسبيل، باعتبار أنه أمر يتوجه إليه المتوجهون، ويؤمه المقتدرون، ويوصلهم إلى المطلوب.
روى الشيخان «1»
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع صوته بقراءته.
فإذا سمعها المشركون لغو وسبوا. فأمر بأن يتوسط في صوته، كيلا يسمع المشركون، وليبلغ من خلفه قراءته.
ثم بيّن سبحانه استحقاقه للحمد لاختصاصه بنعوت الكمال وصفات الجلال، بقوله تعالى: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً أي لم يكن علة لموجود من جنسه، لضرورة كون المعلول محتاجا إليه، ممكنا بالذات، معدوما بالحقيقة.
فكيف يكون من جنس الموجود حقّا، الواجب بذاته من جميع الوجوه؟ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ أي من يساويه في قوة القهر والمملكة من الشريك في الملك.
وإلا لكانا مشتركين في وجوب الوجود والحقيقة. فامتياز كل واحد منهما عن الآخر، لا بدّ وأن يكون بأمر غير الحقيقة الواجبة. فلزم تركبهما، فكانا كلاهما ممكنين لا واجبين. وأيضا فإن لم يستقلا بالتأثير، لم يكن أحدهما إلها. وإن استقل أحدهما دون الآخر فذلك هو الإله دونه، فلا شريك له. وإن استقلا جميعا، لزم اجتماع المؤثرين المستقلين على معلول واحد، إن فعلا معا. وإلا لزم إلهية أحدهما دون الآخر، رضي بفعله أو لم يرض. أفاده القاشانيّ.
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ أي ناصر من الذل ومانع له منه، لاعتزازه به. أو لم يوال أحدا من أجل مذلة به، ليدفعها بموالاته وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً أي عظمه عن أن يلحقه شيء من هذه النقائص تعظيما جليلا.
تمّ ما علقناه على هذه السورة الكريمة، ضحوة السبت في 26 شوال سنة 1323 في سدّة جامع السنانية بدمشق الشام. يسر الله لنا بعونه الإتمام، والحمد لله وحده.
تم الجزء السادس، ويليه، إن شاء الله تعالى، الجزء السابع، وفيه تفسير:
(18- سورة الكهف، و 19- سورة مريم، و 20- سورة طه، و 21- سورة الأنبياء، و 22- سورة المؤمنون، 23- سورة النور، 24- سورة الفرقان، و 25- سورة الشعراء، و 26- سورة النمل) .
(1) أخرجه البخاريّ في: التفسير، 17- سورة الإسراء، 14- باب ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها، حديث 2020 عن ابن عباس.
وأخرجه مسلم في: الصلاة، حديث رقم 145.