الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيضا، وتسجد غدوة عن أيمانهم، وعشية عن شمائلهم.
قال أبو السعود: وقد قيل: إن المراد حقيقة السجود، فإن الكفرة حال الاضطرار وهو المعنى بقوله تعالى: وَكَرْهاً يخصون السجود به سبحانه. قال تعالى: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت: 65] ، ولا يبعد أن يخلق الله تعالى في الظلال أفهاما وعقولا بها تسجد لله سبحانه، كما خلقها للجبال حتى اشتغلت بالتسبيح وظهر فيها آثار التجلي كما قاله ابن الأنباري. ويجوّز أن يراده بسجودها ما يشهد فيها من هيئة السجود تبعا لأصحابها. وأنت خبير بأن اختصاص سجود الكافر، حالة الضرورة والشدة، فالله سبحانه لا يجدي، فإن سجودهم لأصنامهم حالة الرخاء مخلّ بالقصر المستقاد من تقديم الجار والمجرور، فالوجه حمل السجود على الانقياد ولأن تحقيق انقياد الكل في إبداع والإعدام له تعالى، أدخل في التوبيخ على اتخاذ أولياء من دونه من تحقيق سجودهم له تعالى.
وتخصيص انقياد العقلاء بالذكر مع كون غيرهم أيضا كذلك لأنهم العمدة.
وانقيادهم دليل انقياد غيرهم. انتهى.
وهذه الآية كقوله تعالى: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [آل عمران: 83]، وقوله: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ..
[النحل: 48] الآية.
تنبيه:
هذه السجدة من عزائم سجود التلاوة، فيسنّ للقارئ والمستمع أن يسجد عقد قراءته واستماعه لهذه السجدة- كذا في (اللباب) .
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الرعد (13) : آية 16]
قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (16)
قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي خالقهما قُلِ اللَّهُ أمر بالجواب من قبله صلى الله عليه وسلم، إشعارا بتعينه للجواب، فهو والخصم في تقريره سواء. أو أمره بحكاية
اعترافهم، إيذانا بأنه أمر لا بدّ لهم منه. كأنه قيل: احك اعترافهم فبكتهم بما يلزمهم من الحجة قُلْ أي: إلزاما لهم وتبكيتا أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ أي: أبعد أن علمتموه ربّ السموات والأرض، عبدتم من دونه غيره فجعلتم ما كان يجب أن يكون سبب التوحيد من علمكم وإقراركم، سبب الإشراك؟ أفاده الزمخشري.
لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا أي: لا يقدرون على نفع أنفسهم ولا على دفع الضر عنها. فكيف يستطيعونه لغيرهم! فإذن عبادتهم محض العبث والسفه! قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ لما بيّن ضلالهم وفساد رأيهم في الحجة المذكورة، بيّن أن الجاهل بها يكون كالأعمى، والعالم بها كالبصير، والجهل بمثلها كالظلمات، والعلم بها كالنور! وكما أن كلّ أحد يعلم بالضرورة أن الأعمى لا يساوي البصير والظلمة لا تساوي النور، كذلك كل أحد يعلم بالضرورة أن الجاهل بهذه الحجة لا يساوي العالم بها! أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ أي:
بل أجعلوا، والهمزة للإنكار وقوله: خَلَقُوا كَخَلْقِهِ صفة ل (شركاء) داخلة في حكم الإنكار فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ أي: خلق الله وخلقهم والمعنى: أنهم ما اتخذوا لله شركاء خالقين مثله حتى يتشابه عليهم الخلق، فيقولوا هؤلاء خلقوا كما خلق الله فاستحقوا العبادة كما استحقها. ولكنهم اتخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق، فضلا عما يقدر عليه الخالق.
قال الناصر: وفي قوله تعالى: خَلَقُوا كَخَلْقِهِ في سياق الإنكار، تهكم بهم، لأن غير الله لا يخلق خلقا البتة، لا بطريق المشابهة والمساواة لله، تقدس عن التشبيه ولا بطريق الانحطاط والقصور. فقد كان يكفي في الإنكار عليهم، أن الشركاء التي اتخذوها لا تخلق مطلقا، ولكن جاء في قوله تعالى: كَخَلْقِهِ تهكم يزيد الإنكار تأكيدا! قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ أي: لا خالق غير الله، ولا يستقيم أن يكون له شريك في الخلق فلا يكون له شريك في العبادة! وَهُوَ الْواحِدُ أي. المتوحد بالربوبية الْقَهَّارُ الذي لا يغالب، وما عداه مربوب ومقهور! ثم ضرب تعالى مثلين للحق في ثباته وبقائه، والباطل في اضمحلاله وفنائه بقوله: