الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُشْرِقِينَ أي داخلين في وقت شروق الشمس فَجَعَلْنا أي من تلك الصيحة المحرّكة للأرض عالِيَها سافِلَها قال المهايمي لجعلهم الرجال العالين كالنساء السافلات.
وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ أي طين متحجر، لرجمهم على لواطهم إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ أي الناظرين بطريق في الآيات وَإِنَّها يعني مدينة قوم لوط المدمّرة لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ أي ثابت يسلكه الناس، لم يندرس بعد، وهم يبصرون تلك الآثار.
قال الزمخشري: وهو تنبيه لقريش. كقوله: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ، وَبِاللَّيْلِ، أَفَلا تَعْقِلُونَ
[الصافات: 137- 138] .
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ أي في هلاكهم لعبرة لهم.
تنبيهان:
الأول- قال ابن القيّم: في (أقسام القرآن) : أكثر المفسرين من السلف والخلف بل لا يعرف السلف فيه نزاعا- أن هذا، يعني قوله تعالى لَعَمْرُكَ قسم من الله بحياة رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا من أعظم فضائله أن يقسم الربّ عز وجل بحياته.
وهذه مزية لا تعرف لغيره.
ولم يوفق الزمخشري لذلك. فصرف القسم إلى أنه بحياة لوط. وإنه من قول الملائكة.
فقال: هو على إرادة القول. أي قالت الملائكة للوط عليه السلام:
لَعَمْرُكَ
…
الآية وليس في اللفظ ما يدل على واحد من الأمرين بل ظاهر اللفظ وسياقه إنما يدل على أن ما فهمه السلف أطيب، لا أهل التعطيل والاعتزال.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لَعَمْرُكَ أي حياتك: قال: وما أقسم الله تعالى بحياة نبيّ غيره. والعمر والعمر واحد. إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لإثبات الأخف، لكثرة دور الحلف على ألسنتهم. وأيضا فإن العمر حياة مخصوصة. فهو عمر شريف عظيم أهل أن يقسم به، لمزيته على كل عمر من أعمار بني آدم. ولا ريب أن عمره وحياته من أعظم النعم والآيات. فهو أهل أن يقسم به. والقسم به أولى من القسم بغيره من المخلوقات. ثم قال ابن القيّم: وإنما وصف الله سبحانه اللوطية بالسكرة، لأن للعشق سكرة مثل سكرة الخمر كما قال القائل:
سكران: سكر هوى وسكر مدامة
…
ومتى إفاقة من به سكران؟
الثاني- قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ قال السيوطيّ في (الإكليل) : هذه الآية أصل في الفراسة.
أخرج الترمذيّ من حديث أبي سعيد مرفوعا: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» «1» . ثم قرأ هذه الآية.
وقد كان بعض قضاة المالكية يحكم بالفراسة في الأحكام، جريا على طريق إياس بن معاوية. انتهى.
وقد أجاد الكلام في الفراسة، الراغب الأصفهانيّ في كتاب (الذريعة) حيث قال في الباب السابع: وأما الفراسة، فالاستدلال بهيئة الإنسان وأشكاله وألوانه وأقواله، على أخلاقه وفضائله ورذائله.
وربما يقال: هي صناعة صيادة لمعرفة أخلاق الإنسان وأحواله. وقد نبه الله تعالى على صدقها بقول: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر: 75]، وقوله:
تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ [البقرة: 273]، وقوله: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد:
30] ، ولفظها من قولهم (فرس السبع الشاة) فكأن الفراسة اختلاس المعارف. وذلك ضربان: ضرب يحصل للإنسان عن خاطر لا يعرف سببه، وذلك ضرب من الإلهام، بل ضرب من الوحي. وإياه عنى النبي صلى الله عليه وسلم
بقوله «2» : «المؤمن ينظر بنور الله»
وهو الذي يسمى صاحبه المروّع والمحدّث.
وقال عليه الصلاة والسلام (إن يكن في هذه الأمة محدّث، فهو عمر)«3» .
وقيل في قوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الشورى: 51] الآية: إنما كان وحيا بإلقائه في الروع، وذلك للأنبياء كما قال عز وجل: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلى قَلْبِكَ [الشعراء: 193- 194] ، وقد يكون بإلهام في حال اليقظة وقد يكون في حال المنام. ولأجل ذلك
قال عليه الصلاة والسلام: (الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة)«4» .
والضرب الثاني من الفراسة يكون بضاعة متعلمة وهي معرفة ما بين الألوان والأشكال، وما بين الأمزجة والأخلاق والأفعال الطبيعية. ومن عرف ذلك كان ذا فهم
(1) أخرجه الترمذيّ في: التفسير، 15- سورة الحجر، 6- باب حدثنا محمد بن إسماعيل.
(2)
أخرجه الترمذيّ في: التفسير، 15- سورة الحجر، 6- باب حدثنا محمد بن إسماعيل، عن أبي سعيد الخدريّ، من حديث.
(3)
أخرجه البخاريّ في: فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، 6- باب مناقب عمر بن الخطاب، أبي حفص القرشيّ، العدويّ، رضي الله عنه، الحديث رقم 1628 عن أبي هريرة.
(4)
أخرجه البخاريّ في: التعبير، 2- باب رؤيا الصالحين، الحديث رقم 2536، عن أنس بن مالك.