الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخلقها مختلفة الأشكال والألوان والطعوم والروائح في تلك البقاع المتباينة المتجاورة، وجعلها حدائق ذات بهجة- قادر على إعادة ما أبداه، بل هو أهون في القياس.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الرعد (13) : آية 5]
وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (5)
وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم أي: إن تعجب من شيء فقولهم عجيب حقيق بأن يقتصر عليه التعجب لأن من شاهد ما عدّد من الآيات العجيبة التي تدل على قدرة يصغر عندها كل عظيم- أيقن بأن من قدر على إنشائها ولم يعي بخلقها، كانت الإعادة أهون شيء عليه وأيسره، فكان إنكارهم أعجوبة من الأعاجيب. وجوز أن يكون خطابا لكل من يصلح له، أي:
إن تعجب، يا من نظر في هذه الآيات، وعلم قدرة من هذه أفعاله، فازدد تعجبا ممن ينكر، مع هذا، قدرته على البعث، وهو أهون من هذه! قال أبو السعود: والأنسب بقوله: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ [الرعد: 6] ، هو الأول و (عجب) خبر قدم على المبتدأ للقصر، والتسجيل من أول الأمر بكون قولهم ذاك أمر عجيبا.
وقوله تعالى: أُولئِكَ أي المنكرون لقدرته على البعث الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أي: تمادوا في الكفر فإن من أنكر قدرته تعالى فقد أنكره لأن الإله لا يكون عاجزا، وفيه تكذيب لخبره ولرسله عليهم السلام وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ أي: السلاسل في أيمانهم مشدودة إلى أعناقهم يوم القيامة لأنهم غلّوا أفكارهم عن النظر في هذه الأمور كما جعلوا خالقهم مغلول القدرة على ذلك وهو القادر الحكيم. وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الرعد (13) : آية 6]
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (6)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ أي: يستعجلونك بالعقوبة قبل العافية
والسلامة منها وذلك أنهم سألوا رسول الله صلوات الله عليه، أن يأتيهم بالعذاب استهزاء منهم بإنذاره.
قال الشهاب: والمراد بكونها قبل الحسنة، أن سؤالها قبل سؤالها، أو أنّ سؤالها قبل انقضاء الزمان المقدّر لها! وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ أي: عقوبات أمثالهم من المكذبين. فما لهم لا يعتبرون بها ولا يخشون حلول مثلها؟ أو العقوبات التي يضرب بها المثل في الشدة. والجملة خالية أو مستأنفة. و (المثلات) قراءة العامة فيها فتح الميم وضم الثاء جمع مثلة- كسمرة وسمرات- وهي العقوبة الفاضحة. سميت بها لما بين العقاب والمعاقب عليه من المماثلة كقوله وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها أو هي مأخوذة من المثال بمعنى القصاص. ويقال: أمثلته وأقصصته بمعنى واحد، أو هي من المثل المضروب لعظمها. وقرئ بفتح الميم وسكون المثلثة، وهي لغة أهل الحجاز، وقرئ بضم الميم وسكون المثلثة، وقرئ بفتحهما وبضمهما.
وقوله تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ من الناس من حمل المغفرة على المتعارف منها، وهو مغفرة الذنوب مطلقا إلّا حيث دلّ الدليل على التقييد في غير الموحّد فإن ظلمه- أعني شركه- لا يغفر
…
وما عدا الشرك فغفرانه في المشيئة. ومنهم من ذهب إلى المغفرة مراد بها معناها اللغويّ. وهو الستر والصفح، بالإمهال وتأخير العقاب إلى الآخرة، أي: إنه ذو صفح عظيم لا يعاجل بالعقوبة. مع أنهم يظلمون ويخطئون بالليل والنهار. كما قال سبحانه: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ [فاطر: 45] ، وهذا التأويل أنسب بالسياق الرهيب! وعجب من الشهاب حيث وافق الرازي في دعواه (إن تأخير العقاب لا يسمى مغفرة لأنه مخالف للظاهر، ولاستعمال القرآن. وللزومه كون الكفار كلهم مغفورا لهم لأجل تأخير عقابهم إلى الآخرة) ولا يخفاك صحة تسميته مغفرة لأنه في اللغة الستر.
ومن أفراده الستر بالإمهال؟ ودعوى أنه مخالف للظاهر ولاستعمال القرآن، تحكّم بحت على أسلوب القرآن، وبإرجاعه إلى ما أصّلوه. مع أن التحاكم إليه في الفروع والأصول، وهو الحجة في اللغة والاستعمال! ودعوى فساد اللزوم وتهويل خطبه- فارغة، لأنه لا محذور في ذلك. لا سيما وهو المناسب لاستعجالهم العذاب المذكور قبل، فالتلازم صحيح! ثم من المقرر أن القرآن يفسر بعضه بعضا، فهذه الآية في