الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ أي لطيف التدبير له، والرفق به، إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ بوجوه المصالح الْحَكِيمُ في أفعاله وأقضيته.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يوسف (12) : آية 101]
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ أي بعضا منه عظيما، وهو ملك مصر، وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ أي تعبير الرؤيا، فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي مبدعهما وخالقهما، أَنْتَ وَلِيِّي أي مالك أموري، فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ أي من النبيين والمرسلين. دعا يوسف عليه السلام بهذا الدعاء لما تمت نعمة الله عليه باجتماعه بأبويه وإخوته وما آثره به من العلم والملك، فسأل ربه عز وجل، كما أتم عليه نعمته في الدنيا، أن يحفظها عليه باقي عمره، حتى إذا حان أجله قبضه على الإسلام، وألحقه بالصالحين. فلبس فيه تمنّ للموت، وطلب التوفي منجزا كما قيل.
روى الإمام أحمد والشيخان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنينّ أحدكم الموت لضر نزل به، إن كان محسنا فيزداد، وإن كان مسيئا فلعله يستعتب:
ولكن ليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي
وفي رواية: وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي «1» .
تنبيهان:
الأول- في فقه هذه الآيات: قال بعض اليمانين: يستدل مما
روي أن يوسف خرج للقاء أبيه، على حسن التعظيم باللقاء
، وكذا يأتي مثله في التشييع، ومنه ما روي في تشييع الضيف: ويستدل مما روي أن المراد بأمه خالته- كما مر- أن من نسب رجلا إلى خالته فقال: يا ابن فلانة! لم يكن قاذفا لها ويستدل من رفعهما على العرش- وهو السرير الرفيع- جواز اتخاذه، ورفع الغير، تعظيما للمرفوع، ويستدل من قوله:
وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ على أن الانتقال منه نعمة، وذلك لما يحلق أهل البادية من
(1) أخرجه البخاريّ في: الدعوات، 30- باب الدعاء بالموت والحياة، حديث 2245.
ومسلم في: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث رقم 10.
والإمام أحمد في مسنده 3/ 101.
الجفاء، والبعد عن موارد العلوم، وعن رفاهة المدنية، ولطف المعاشرة، والكمالات الإنسانية، وروي لجرير:
أرض الحراثة لو أتاها جرول
…
أعني الحطيئة لاغتدى حرّاثا
ما جئتها من أي وجه جئتها
…
إلا حسبت بيوتها أجداثا
وفي الحديث «1» : (من بدا جفا) أي: من حل البادية. وفي آخر «2» : (إنّ الجفا والقسوة في الفدادين) . ففي هذا دليل على حسن النقلة من البوادي إلى المدن.
بزيادة.
الثاني- قص كثير نبأ استقرار يعقوب وآله بمصر. ومجمله أن يوسف اختار لمستقرهم أرض جاسان. فلما دخلوا مصر أخبر يوسف فرعون بقدوم أبيه وإخوته وجميع ما لهم إلى أرض جاسان، ثم أدخل أباه على فرعون. فأكرمه وكلمه حصة.
وسأله عن عمره فأجابه: مائة وثلاثون سنة، وأقطعه وبنيه أجود أرض في مصر، وهي أرض رعمسيس، أي عين شمس، وملكها إياهم، ودعا له يعقوب ثم انصرف. ثم أخذ يوسف خمسة من إخوته، فمثلهم بين يدي فرعون، فقال لهم: ما حرفتكم فأجابوه-: كما أوصاهم يوسف-: نحن وآباؤنا رعاة غنم! فقال فرعون ليوسف: إن كنت تعلم أن فيهم ذوي حذق، فأقمهم وكلاء على ماشيتي. وأجرى يوسف لأبيه وإخوته وسائر أهله طعاما على حسبهم. وأقاموا في أرض مصر بجاسان، فتملكوا فيها، ونموا وكثروا جدّا. وعاش يعقوب في أرض مصر سبع عشرة سنة، فكانت مدة عمره كله مائة وسبعا وأربعين سنة. ولما دنا أجله قال ليوسف: لا تدفني بمصر إذا مت، بل احملني منها إلى مدفن آبائي، فأجابه لذلك. ثم بعد مدة أخبر يوسف بمرض أبيه، فأخذ ولديه وسار إلى أبيه، فانتعش أبوه بمقدمه، ورأى ولديه، فقال:
من هذان؟ فقال: ابناي رزقنيهما الله هاهنا. فقال: أدنهما مني، فأدناهما، فقبلهم، ودعا لهما، وقال له: لم أكن أظن أني أرى وجهك، والآن أراني الله نسلك أيضا. ثم أعلم يوسف بدنو أجله، وبشره بأن الله سيكون معكم، ويردكم إلى أرض آبائكم. ثم دعا بقية بنيه، ودعا لهم بالبركة، وأوصاهم بأن يضموه إلى قومه، ويدفنوه مع آبائه في
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 2/ 371.
(2)
أخرجه البخاريّ في: بدء الخلق، 15- باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، حديث 1562 عن ابن مسعود، من حديث، ونصه: ألا إن القسوة وغلظ القلوب.. إلخ.
وأخرجه مسلم في: الإيمان، حديث رقم 81.