الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع
فيما يتعلق بسائر المساجد
وفيه مسائل
الأول:
يجوز للمحدث الحدث الأصغر الجلوس في المسجد ، وادعى بعضهم فيه الإجماع ، ودليله أن أهل الصفة كانوا ينامون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي مصنف ابن أبي شيبة:
حدثنا معتمر بن سليمان. عن ابن عون قال. كان أبو السوار يكره أن يتعمد الرجل أن يجلس في المسجد على غير وضوء.
حدثنا عبدالله بن نمير عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن في الرجل يحدث. قالا: يمر في المسجد مارا ولا يجلس فيه.
تنبيه: جزم ابن الأستاذ الحلبي في شرح الوسيط بتحريم المكث في المسجد على السكران واستثناه من جوازه للمحدث وهو ظاهر.
قلت: ويوافقه قول الرافعي في كتاب الاعتكاف. السكران ممنوع من المسجد لقوله تعالى: "لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى " أي مواضع الصلاة انتهى.
الثاني:
المتطهر إذا جلس في المسجد لعبادة ، من اعتكاف ، أو قراءة قرآن أو علم ، أو سماع موعظة، أو انتظار صلاة، ونحوها كان مستحبا،
وإن لم يكن لشيء من ذلك كان مباحا. وقيل مكروه. قاله المتولى. قال النووى: ولاأعلم أحدا وافقه على الكراهة. قلت: قد جزم به الروياني في البحر. فقال: لو أراد أن يقعد في المسجد ، لا لغرض صحيح يكره لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما بنيت المساجد لذكر الله. انتهى وهو ضعيف لأنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم منع منه ، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه ، لايمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة،
وفي البخاري من حديثه أيضا. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [إن] الملائكة تصلى على أحدكم مادام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث تقول: اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه. قال المهلب: معناه: أن الحدث في المسجد خطيئة يحرم بها المحدث استغفار الملائكة ودعاءهم المرجو بركته.
وقال ابن بطال: من كان كثير الذنوب ، وأراد أن يحطها عنه بغير تعب ، فليغنم ملازمة مكان مصلاه بعد الصلاة ليستكثر من دعاء الملائكة واستغفارهم له ، فهو مرجو إجابته لقوله تعالى: "ولايشفعون إلا
لمن ارتضى " فإن قيل: قد روى أبو داود وابن خزيمة في صحيحه عن عبد الرحمن بن شبل قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب ، وافتراش السبع ،وأن يوطن الرجل المكان من المسجد كما يوطن البعير. ورواه النسائي أيضا بلفظ: وأن يوطن الرجل المقام للصلاة كما يوطن البعير،
فالجواب: أن هذا الحديث مداره على تميم بن محمود. وقد قال البخاري: فيه نظر. وقد رواه ابن حبان في صحيحه من حديثه.
ثم قال: ذكر البيان بأن النهي عن إيطان المكان الواحد من المسجد إنما زجر عنه إذا فُعل ذلك لغير الصلاة ، وذكر الله ، ثم ساق بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يوطن الرجل المسجد للصلاة أو لذكر الله ، إلا يتبشبش الله له كما يتبشبش أهل الغائب إذا قدم عليهم غائبهم.
قال أبوحاتم: يتبشبش هنا معناه: ينظر إليه بالرأفة والرحمة والمحبة لذلك الفعل منه كما قال: " من تقرب إلى شبرا تقربت منه ذراعا ".
الثالث:
يكره دخول المسجد على غير وضوء قاله الغزالي في الإحياء. بل صار بعض السلف إلى أنه كالجنب يمر فيه ولا يجلس. نقل ذلك عن سعيد ابن المسيب والحسن البصري. وقد يحتج له بقوله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين من حيث إن المأمور بالصلاة مأمور بشرطها ، وهو الوضوء. قال الغزالي: فلو دخل وجلس استحب أن يقول سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، فإنها تعدل ركعتين في الفضل. وذكر ابن الرفعة في الكفاية نحوه.
قال النووى في الأذكار ،قال بعض أصحابنا: من دخل المسجد فلم يتمكن من صلاة التحية لحدث ، أو شغل يستحب أن يقول أربع مرات: سبحان الله والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر. فقد قال به بعض السلف. وهذا لابأس به انتهى.
وقد يحتج له بأنه صلى الله عليه وسلم علم ذلك لمن لم يحسن قراءة الفاتحة فإذا صح قيامها مقام الفرض ، فالنفل أولى ، لكن
هناك النائب والمنوب عنه من جنس واحد وهو القول وهنا نيابة قول عن فعل وذكر ابن بطال في شرح البخاري عن جابر بن زيد الإمام الكبير التابعي أنه قال: إذا دخلت المسجد فصل فيه ، فإن لم تصل فاذكر الله فكأنك قد صليت.
الرابع:
يستحب لزوم المساجد والجلوس فيها لما في ذلك من إحياء البقعة ،
وانتظار الصلاة وفعلها في أوقاتها على أكمل الأحوال وقد روى ابن أبى شيبة عن محمد بن واسع قال: قال أبو الدرداء لابنه: يا بنى ، ليكن المسجد بيتك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المساجد بيوت المتقين ، فمن يكن المسجد بيته يضمن الله له الروح والرحمة ، والجواز على الصراط إلى الجنة ،
وعن عطاء بن يسار عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من غدا إلى المسجد أو راح إلى المسجد أعد الله له في الجنة نُزُلا كلما غدا أو راح.
وقال سعيد بن المسيب: إن [لزوار] المساجد من عباد الله أوتادا جلساء. وهم الملائكة ، فإذا فقدوهم سألوا عنهم ، فإن كانوا مرضى عادوهم وإن كانوا في حاجة أعانوهم
وعن الأعمش عن عبد الرحمن بن مَعقِل ،قال: كنا نتحدث أن المسجد حصن حصين من الشيطان.
وقال عمر رضي الله عنه: المساجد بيوت الله في الأرض ، وحق على المزور أن يكرم زائره
وعن عبد الرحمن بن مسعود الفزاري عن أبي الدرداء قال: ما من رجل يغدو إلى المسجد لخير يفعله أو يعلمه إلا كتب له أجر مجاهد ، لا ينقلب إلا غانما.
الخامس:
يجوز النوم في المسجد. نص عليه الشافعي في الأم. وذكره الشاشى في المعتمد. وقل من تعرض له. وحكاه في الروضة. في باب الغسل عن
الشافعي والأصحاب، وقال في شروط الصلاة: للمحدث المكث في المسجد. وكذا النوم بلا كراهة وصرح به الرافعي أيضا في باب القسم والنشوز. وقال القاضي أبو منصور بن الصباغ في كتاب الإشعار باختلاف العلماء: الذي حكاه ابن المنذر في الإشراف: أن ابن عمر قال: كنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن عمرو بن دينار قال: كنا نبيت على عهد ابن الزبير في المسجد، وأن سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء والشافعي رخصوا فيه، وأن ابن عباس قال: لا تتخذ المساجد مرقدًا، وعنه أنه قال: إن كنت تنام فيه للصلاة فلا باس وأن مالكا قال: أما الغرباء الذين يأتون فيمن يريد الصلاة. فإني أراه واسعا. وأما رجل حاضر فلا أرى له ذلك، وأن أحمد قال: إذا كان على رِجْل سفر وما أشبهه فلا بأس، فأما أن تتخذه مبيتًا، او مقيلًا فلا.
وبه قال اسحق وذكر: أن ابن حنيف الدينوري الحنفي حكى عن جماعة منهم الشافعي أنه لا بأس بالنوم في المسجد. قال أبو منصور: وهذه المسألة لم أجدها فيما تأملت من كتب أصحابنا. وذاكرت بها شيخنا أبا نصر ابن الصباغ، فكان جوابه، أنه لا يكره قال: وقد جعلها ذلك دليلا على جواز اجتياز الجنب في المسجد ولم يحك عن صاحبنا شيئا وهذا الذي حكاه ابن المنذر والدينوري عن صاحبنا إلى الآن لم أجده في في كتب أصحابنا
والذي أستحسنه من ذلك قول مالك انتهى وقد بينا أن الشافعي نص عليه في الأم. وقال أيضا في مختصر المزني ولا بأس أن يبيت لمشرك في كل مسجد، إلا المسجد الحرام، وحكى ابن أبي شيبة في مصنفه عن عطاءٍ وطاوس، ومجاهد كراهته، وحكى جوازه عند ابن سيرين والحسن. وابن عمرو وابن عباس. واحتج من جوزه بنوم علي وابن عمر وغيرهم من أهل الصفَّة فيه. وحديث المرأة صاحبة الوشاح. وحديثهم في الصحيح. وقد صح عن ابن عمر قال: كنا نبيت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فإن قيل: فقد روى ابن لَهِيعة عن عمرو بن الحارث عن ابن زياد عن سعد بن أبي وقاص: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على ناس من أصحابه وهم رقود في المسجد - فقال: انقلبوا. فإن هذا ليس للمرء بمرقد. وروى داود بن أبي هند عن أبي حرب ابن أبي الأسود عن عمه عن أبي ذر قال: رآني الني صلى الله عليه وسلم في المسجد نائما فضربني برجله وقال: لا أراك نائمًا فيه. قلت: يا رسول الله غلبتني عيني - فالجواب
قال أبو عبد الله الأثرم في الناسخ والمنسوخ: الأحاديث الأُول أثبت التي جاءت بالرخصة، لأن حديث سعد إسناده مجهول منقطع وحديث أبي ذر فيه رجل مجهول. وهم عم أبي حرب - وليس فيه أيضا بيان انتهى.
السادس:
يحرم البصاق في المسجد كما جزم به النووي في التحقيق وشرح المهذب لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: البصاق في المسجد خطيئة وكذلك قال الصيمري: البصاق في المسجد معصية. وأما إطلاق الروياني والجرجاني والعمراني والمحاملي وسليم الرازي وغيهم الكراهة - فمحمول على إرادة التحريم، فمن بصق فقد ارتكب محرما، وكفارته دفنه في رمل المسجد. ولو مسحها بيده أو خرقة كان أفضل. قال في شرح المهذب: ومن رأى من يبصق في المسجد لزمه الإنكار عليه ومنعه إن قدر، ومن رأى بصاقا أو نحوه في المسجد، فالسنة أن يزيله بدفنه وإخراجه ويستحب تطييب محله قال: وأما ما يفعله كثير من الناس إذا بصق، أو رأى بصاقا دلكه بأسفل مداسه الذي داس به النجاسة والأقذار فحام، لأنه تنجيس للمسجد وتقذير له. وعلى من رآه يفعل ذلك الإنكار على شرطه. واختلفوا في المراد بدفنها. فقدال الجمهور: في تراب المسجد ورمله ورمله وحصبائه
إن كان فيه، فإن كان أرضا صلبة فليخرجها او يمسحها بخرقة ونحوها. وحكى الروياني قولا: إن المراد إخراجها مطلقا. ولعله لأجل خلاف بعضهم في نجاسة البزاق. وقد حكاه ابن أبي شيبة عن سلمان الفارسي وإبراهيم النخعي، وحكى أبو العباس القرطبي عن بعضهم أنه قال: إنما يكون البزاق في المسجد خطيئة لمن تفل فيه ولم يدفنه لأنه يقذر المسجد، ويتأذى به من يعلق به، فأما من اضطر إلى ذلك ففعل ودفنه فلم يأت خطيئة ولهذا سماه كفارة، والتكفير التغطية. فكأن دفنها غطى ما يتصور عليه من الإثم. قال: أبو العباس: ويدل على صحة هذا التأويل حديث أبي ذر. ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن فلم يثبت لها حكم السيئة بمجرد إيقاعها في المسجد بل بذلك وببقائها غير مدفونة.
فائدة: قال القفال في فتاويه - وقد ذكر حديث النخامة في المسجد خطيئة - هذا الخبر محمول على ما كان نزل من الرأس أما إذا كان من صدره نجسا فلا يجوز دفنه في المسجد.
السابع:
يحرم إدخال النجاسة إلى المسجد، وأما من على بدنه نجاسة فإن خاف تلويث المسجد فلم يجز الدخول وإن أمن ذلك جاز، نقله في شرح
المهذب عن التتمة وأقره، وأما إذا افَتصد في المسجد واحتجم، فإن كان في غير إناء فحرام وإن قطر دمه في إناء فمكروه، والأولى تركه كما قاله في شرح المهذب وجزم البندنيجي في كتاب تذهيب المذهب - بأنه حرام أيضا. وأما إذا بال في المسجد في إناء ففيه احتمالان لابن الصباغ، وأصحهما في الروضة أنه حرام، ويخالف الحجامة، لأنه مما يستقبح ويستحقر فينزه المسجد عنه. وهذا ما اختاره الشاشي وجزم به في التتمة ونقله العبدري عن الأكثرين، والثاني أنه مكروه، وفي كتاب الطهور لأبي عبيد عن سعيد بن أبي بردة أنه أبصر أبا وائل شقيق بن سلمة في المسجد يبول في طست وهو معتكف. وفي صحيح البخاري في باب الاعتكاف عن عائشة رضي الله عنها قالت: اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه مستحاضة، فكانت ترى الحمرة والصفرة فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي. وفي سؤالات السلمي للدارقطني، قال ابن لَهِيعة عن موسى بن عقبة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتجم في المسجد- وأخطأ فيه وإنما هو يحتجر في المسجد.
[قال الحليمي: ويكره أن يتبول بقرب جدار المسجد والظاهر أن البوم في رحاب المسجد يحتل أن يحرم مطلقا وإن لم يجعلها من المسجد]
ويجب الجزم به إذا كانت مطروقة.
الثامن:
قال ابن المنذر: أباح كل من يحفظ عنه العلم الوضوء في المسجد إلا أن يتوضأ في مكان يبله ويتأذى الناس به فإنه مكروه، ويشترط ألا يحصل تمخط بالاستنشاق ولا بصاق بالمضمضة، ونحو ذلك من التنخع. وإلا فينتهي إلى التحريم، وحكى المازرى عن بعضهم الجواز مع ذلك، لأن البصاق إذا خالطه الماء، صار في حكم المستهلك، فكان كالعدم، وهو يقتضي الماء الذي يتمضمض به للخلاص من ذلك، ويحصل به سنة المضمضة، وروى ابن أبي شيبه الوضوء فيه عن ابن عمر وجبير بن مطعم، وحكاه ابن بطال عن أكثر الصحابة والتابعين
وحكى عن ابن سيرين ومالك كراهيته تنزيلها للمسجد،
وقال النووى فى الروضة قبل باب السجدات: ولا بأس بالوضوء إذا لم يتأذ به الناس.
وقال في الاعتكاف نقلا عن البغوى: ولا يجوز نضح المسجد بالماء المستعمل، لأن النفس قد تعافه. وقال في شرح المهذب: هذا الذي قاله البغوى ضعيف، والمختار أن المستعمل كالمطلق، والنفس إنما تعاف شربه، وقد اتفق الأصحاب على جواز الوضوء في المسجد، وإسقاط مائه في أرضه، ونقل ابن المنذر الإجماع عليه،
وقال المارودى الأولى غسل اليد حيث يبعد عن نظر الناس وعن مجالس العلماء، وكيف فعل جاز،
وقال الروياني في البحر في باب الاعتكاف
المعتكف يغسل في الطست حتى لا يلوث فإن غسله من غير طست كره وقيل لا يكره ولكن الأحسن غيره والوضوء على ظهر المسجد كالوضوء في المسجد وفي الصحيح عن نعيم المجمر قال رقيت مع أبي هريرة على ظهر المسجد فتوضأ وذكر الحديث إلا أن يتضرر من في المسجد بنقط الماء عليه فيكره للضرر أو يضر سقف المسجد بملازمة النداوة فيمنع منه.
التاسع
يكره إدخال البهائم والمجانين والصبيان الذين لا يميزون المسجد من غير حاجة مقصودة لأنه لا يؤمن تنجيسهم المسجد وفي المعجم الكبير للطبراني من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وخصوماتكم وأصواتكم وسل سيوفكم وإقامة حدودكم وجمروها في تسع واتخذوا على أبواب مساجدكم المطاهر)) لكن لا يحرم ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بيانا للجواز أو ليظهر فيستفتى كما يستحب ذلك للعالم من أمته نعم روى البخاري عن ابن عمر قال كانت الكلاب تقبل وتدبر في المسجد رواه أبوداود وزاد وتبول فيه، وذكر أنه وقع في بعض نسخ البخاري أيضا، وأطلق النووي
في الروضة المنع من دخول الصبيان والمجانين المسجد وهو في المجانين ظاهر إذا خيف منه تلويثه، أما مع الأمن والتمييز فلا لكن غير المميز كالبهيمة ويحمل على أن يمنعه وليه من إدخال المسجد إذا خيف حدثه فيه وقال في شرح مسلم يجوز إدخال الصبي المسجد وإن كان الأولى فيه تنزيه المسجد عمن لا يؤمن منه حدث. انتهى وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة وفيه تضعيف لحديث جنبوا مساجدكم صبيانكم
فائدة:كره مالك قتل البراغيث وللقمل في المسجد وصرح النووي في فتاويه بأنه إذا قتلها لا يجوز القاؤها في المسجد، لأنها ميتة وفي مسجد أحمد عن أبي أيوب قال: وجد رجل في ثوبه قملة فأخذها ليطرحها في المسجد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل ردها في ثوبك حتى تخرج من المسجد.
العاشر
لا يحرم إخراج الريح من الدبر في المسجد لكن الأولى اجتنابه لقوله صلى الله عليه وسلم: فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، وقال بعض المتكلمين على الحديث من القدماء: الحدث في المسجد خطيئة
يحرم بها المحدث استغفار الملائكة ودعاءهم المرجو بركته يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها. فلما كان للنخامة كفارة قيل للمتنخم تمادى في المجلس في صلاتك وابق فيه مدعوا لك، وإنما لم يكن للحدث في المسجد كفارة ترفع أذاها كما رفع الدفن أذى النخامة لم يتأد الاستغفار له ولا الدعاء وجب زوال الملائكة عنه لما آذاهم بالرائحة الخبيثة.
الحادي عشر:
يحرم على الجنب المسلم اللبث في المسجد، وإن توضأ، ويجوز له العبور من غير لبث سواء كان لحاجة أم لا.؟ هذا مذهبنا، وحكاه ابن المنذر عن جماعة من الصحابة والتابعين، وحكى عن سفيان الثوري وإسحق ابن راهويه منع المرور إلا أن يجد ترابا فيتيمم ثم يمر، وقال أبو حنيفة يحرم عليه اللبث والعبور إلا أن يكون مضطرا فيتيمم ثم يمر وقال المزني وداود وابن المنذر. يجوز له اللبث مطلقا. وقال أحمد: متى توضأ الجنب جاز له المكث في المسجد، ورواه سعيد ابن منصور في سننه إسناد صحيح عن جماعة من الصحابة، لنا قوله تعالى:((ولا جنبا إلا عابري سبيل))
قال الشافعي في الأم: قال بعض أهل العلم بالقرآن} معناه {لا تقربوا مواضع الصلاة. قال الشافعي: وما أشبه ما قال بما قال، لأنه ليس في الصلاة عبور} سبيل إنما عبور {السبيل في موضعها وهو في المسجد،
قال الخطابي: وكذا تأولها أبو عبيدة معمر بن المثنى، وروى البيهقي هذا التفسير عن ابن عباس، وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا أحل المسجد لحائض ولا جنب. رواه أبو داود وروى ابن ماجه في سننه نحوه من حديث أم سلمة، وضعف أحمد بنن حنبل اسناده، واحتج من جوز المكث إذا توضأ بما روى أحمد في مسنده وسعيد بن منصور في سسنه عن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالا من الصحابة يجلسون في المسجد وهم جنب إذا توضؤوا وضوء الصلاة، رواه سعيد بن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن هشام بن سعد عن يزيد بن أسلم عن عطاء به، وهذا إسناد على شرط مسلم، وروى حنبل بن اسحق صاحب أحمد قال: حدثنا أبو نعيم، حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون في المسجد، وهم على غير وضوء، وكان الرجل يكون جنبا فيتوضأ، ثم يدخل المسجد فيتحدث، ولقوله صلى الله عليه وسلم:((إن المؤمن لا ينجس)) وبأن المشرك يمكث في المسجد، فالمسلم الجنب أولى وتأولوا الآية على المسافر، والجواب أنه لا حجة في قول أحمد مع وجود السنة. وقد صح الحديث المتقدم،
وحسنه ابن القطان وغيره، ثم إن العبور وإن لم يكن حرتما فهو مكروه إلا لغرض كما إذا كان المسجد طريقه إلى مقصده أو كان أقرب الطريق إليه.
فروع: إطلاق الشافعي والأصحاب يقتضي جواز المرور للجنب لحاجة وغيرها، والكافر الحربي بالحاجة مثل إن كان فيه رجل يريد أن يناديه، أو كان طريقه إلى الدار في المسجد. قال: والمرور فيه لغير غرض مكروه. إذا أجنب في المسجد استحب له أن يراعي أقرب الطرق إلى الخروج وحكى الإمام عن أبي حنيفة تخييره مع أنه يحرم عليه المرور، وهل يوصف الأبعد بالكراهة قال القاضي الحسين يحتمل وجهين بناء على أنه إذا كان للبلد الذي يقصر له} طريقان {فتارة يسلك الأبعد لغير غرض هل يقصر أم لا؟} فيه قولان {وجرى عليه في التتمة والبحر. لو كان للمسجد بابان، وأراد أن يخرج من الأبعد، فإن كان لغرض جاز وإلا فوجهان في أنه هل يكره أم لا؟ قاله في البحر.
الثاني عشر:
لو أجنب وهو خارج المسجد، والماء في المسجد قال القاضي الحسين وغيره، ليس له أن يدخل ويغتسل فيه، لأنه يلبث في المسجد لحظة مع الجنابة قال في التهذيب، فإن كان معه إناء تيمم ثم دخل، وأخرج الماء للغسل، وإن لم يكن معه إناء صلى بالتيمم ثم يعيد. قال النووي:
وهذا الذي قاله فيه نظر وينبغي أن يجوز الاغتسال فيه إذا لم يجد غيره، ولم يجد إناء، ولا يباح له التيمم مع ذلك فإن جوزنا المرور في المسجد الطويل لغير حاجة فكيف يمتنع مكث بعض لحظة بسبب الضرورة التي لا مندوحة عنها، وما ذكره البغوي سبقه إليه شيخه القاضي حسين فقال لو كان فيه نهر جار _ وأراد أن يغتسل منه لم يجز لأنه يحتاج إلى المكث.
الثالث عشر:
يجوز المكث للجنب في المسجد للضرورة، بأن نام في المسجد واحتلم ولم يمكنه الخروج لإغلاق الباب أو الخوف على نفسه أو ماله. قال في الروضة، ويجب أن يتيمم، إن وجد غير تراب المسجد ولا يتيمم بترابه انتهى، وتصريحه بالوجوب وهم منه على الرافعي، لأن عبارته: وليتيمم إن وجد غير تراب المسجد، فظن الشيخ محيي الدين أن مراد الرافعي الوجوب وهو محتمل لكنه بين مراده في الشرح الصغير فقال: ويحسن أن يتيمم، ويؤيده أن من أحدث ومعه مصحف، ولم يجد الماء وقدر على التراب كان له حمله من غير تيمم. قاله القاضي أبو الطيب في تعليقه، لكن صرح القفال في فتاويه في المسألة السابقة بوجوب التيمم للمقام في المسجد.
قال: وإن كان لا يجوز أن يصلي به، وقول الرافعي ولا يتيمم بتراب المسجد كما لو لم يجد إلا ترابا مملوكا نازعه فيه النووي في شرح التنبيه، فقال، هكذا قال تبعا لصاحبي التهذيب والتتمة، وفيه نظر، وأي مانع يمنع من
غبار يسير للضرورة، والفرق بينه وبين المملوك ظاهر، وقال الروياني في البحر: لو احتلم في المسجد، وخاف العسس يتيمم بغير تراب المسجد، فإن لم يجد إلا تراب المسجد، لا يتيمم، كما لو وجد فيه ترابا مملوكا للغير ولكنه لو تيمم به جاز.
الرابع عشر:
يجوز للجنب دخول المسجد للاستسقاء، ولا يقف إلا قدر حاجة الاستسقاء.
الخامس عشر:
يمكن الكافر من دخول المسجد واللبث فيه، وإن كان جنبا، فإن الكفار كانوا يدخلون مسجده صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن فيهم الجنب. وقد ترجم البخاري دخول المشرك المسجد، وأدخل فيه حديث الأعرابي السائل عن الإسلام وحديث اليهود الذين ذكروا أن امرأة ورجلا منهم زنيا، والفرق بينه وبين المسلم، أن المسلم يعتقد تحريمه، ولا شك أنه لا يمكن المجاورة دائما مع أنهم قد صرحوا في الكافرة الحائض بتحريم دخولها للمسجد إن خافت التلويث صونا له من النجاسة بخلاف الجنب وصرح الماوردي وغيره أنها إذا انقطع دمها على الوجهين في الجنب، والنفساء كالحائض، وأما دخول الحائضة المسلمة المسجد
فحرام إلا اذا أمنت التلويث فيجوز على الصحيح في الشرح والروضة، وصحح الإمام المنع وهذا قبل الإنقطاع، فإن انقطع دمها جاز على الأصح.
وقال القاضي أبو الطيب الطبري في تعليقه في الكلام على الصلاة على الميت في المسجد: إن الحائض إذا لم تكن قد استحكمت من نفسها، واستوثقت من ثفرها فإنه يكره لها دخول المسجد وإن كان ذلك محكما لم يكره لها دخوله انتهى لفظه، ونقله عنه ابن الرفعة أيضا قال: ودل كلامه على أن كراهة تنزيه يعني، والمعروف التحريم جزما. والظاهر أن القاضي أراد كراهة التحريم فإنه قال. وإذا علم من الميت الانفجار بأمارات تدل عليه كره إدخاله المسجد. فأما الحائض، وذكر ما سبق. وأفاد بأن أمنها التلويث بأن تستحكم من نفسها وتستوثق من ثفرها، أي بحيث لو خرج منها شيء بغتة لرده ذلك لا بمجرد الظن مع ترك ذلك. وأعلم أن الرافعي والنووي رحمهما الله أطلقا أنه يجوز للكافر أن يدخل مساجد غير الحرم بإذن المسلم. وعليها تسعة تقييدات.
أجدها: قال الماوردي: هذا إذا لم يكن شرط عليه في عقد الذمة عدم الدخول، فإن كان قد شرط عليه ذلك لم يؤذن له وهذا صحيح لما في ذلك من مخالفة عقد الإمام والافتيات عليه، ومن أورد هذا وجها لم يصنع شيئا بل هو تقييد للحكم المذكور. نعم لو لم يعلم هل شرط ذلك عليهم
أم لا؟ فهل نقول: الأصل عدم الشرط فيأذن أو الأصل المنع فلا يأذن مالم يعلم انتفاء الشرط. فيه نظر، والثاني أقرب إلى كلامهم.
الثاني: يشترط في الإذن التكليف والإسلام. فلا عبرة بإذن الصبي والمجنون. وقد يجئ فيه وجه كما قيل في أمانه. وقيل الإذن للإمام ونحوه.
وقال الروياني: لا يكفي في الجامع إلا إذن السلطان ويكفي في مساجد المحال والقبائل إذن من يصح أمانه على الأصح. وفي الحاوي أن الدخول إن كان لمقام أكثر من ثلاثة أيام لم يصح الإذن في الدخول إلا من} الإمام أو يجمع عليه أهل تلك الناحية بشرط ألا يتضرر به أحد من المصلين وإن كان لاجتياز أو لبث يسير فإن كان من الجوامع التي لا ترتب فيه الأئمة إلا بإذن السلطان لم يصح الإذن في الدخول إلا من {السلطان ونحوه،
وإن كان من مساجد القبائل فوجهان. أظهرهما أنه يكفي إذن من يصح أمانه والثاني، لا يصح إلا ممن كان من أهل الجهاد. انتهى. وأما إذا لم يأذن له المسلمون فليس له الدخول على الصحيح هكذا أطلقه النووي وغيره، وقضية كلام الرافعي تخصيص الوجهين بالذمي ل
انه قال في أحدهما نعم، لأنه يبذل الجزية فصار من أهل دار الإسلام، فلو دخل بغير إذن عزر إلا أن يكون جاهلا بتوقفه على الإذن، فيعذر.
الثالث: هذا إذا استأذن لسماع قرآن أو علم ورجى إسلامه، أو دخل لإصلاح بنيان ونحوه، وقضية كلام القاضي أبي على الفارقي أنه لو دخل لسماع القرآن أو العلم، وهو ممن لا يرجى إسلامه أنه يمنع. وليس لنا أن نأذن له في دخوله، أي كما إذا كانت حاله تشعر بالاستهزاء، فأما إذا استأذن
لنوم أو أكل أو نحوه، قال في الروضة: فينبغي ألا يؤذن له في دخوله لذلك، وظاهره الجواز، وقال غيره: لا يجوز لنا أن نأذن له في ذلك.
قال الفارقي: وفي معنى ذلك الدخول لتعلم الحساب واللغة، وما كان في معناه. ولا خفاء أن موضع التجويز إذا لم يخض على المسجد ضرر ولا تنجيس ولا تشويش على المصلين وأطلق جماعة القول بأن له الدخول بلا إذن لسماع القرآن، أو الحديث، أو العلم أو ليسلم أو ليستفتي كما قال الماوردي.
تنبيه: يستثنى من إطلاقهم مسألتان
احداهما ما لو جلس فيه الحاكم للحكم فللذمي دخوله للمحاكمة بغير إذن وننزل جلوسه} للحكم {منزلة إذنه. نقله في الروضة عن البغوي، وأقره وهو ظاهر إذا كان في محلة أهل الذمه، أما لو لم يكن، فاجتاز به مسافرون، فلا. والظاهر أن المستأمن كالذمي فيما ذكرناه.
الثانية: دخوله لحاجته إلى مسلم أو حاجو مسلم إليه. ذكره الروياني وفيه نظر.
السادس عشر:
ذكر صاحب التلخيص: أنه كان يحل للنبي صلى الله عليه وسلم دخول المسجد جنبا ونازعه القفال. وقال الإمام: الوجه القطع بتخطئته. وقال النووي: قد يستدل له بما رواه الترمذي عن عطية عن
أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي لا يحل لأحد يجنب في المسجد غيري وغيرك. وقد حسنه الترمذي واستغربه. ونقل عن ضرار بن صرد أن معناه: لا يحل لأحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك، ثم نقل النووي كلام الإمام وقال: فهذا كلام من لم يقف على الحديث، لكم يقدح قادح في الحديث من جهة عطية، فإنه ضعيف عند الجمهور، لكن الترمذي حسنه فلعله اعتضد بما اقتضى حسنه، فظهر بهذا ترجيح مقالة صاحب التلخيص. قلت: لكنه لا يوافق مقالته، لأن مدعاه الخصوصية، والحديث ينفيه بمشاركة غير النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
السابع عشر:
ينبغي ألا ينشد في المسجد شعر ليس فيه مدح للإسلام، ولا حث على مكارم الأخلاق ونحوه فإن كان لغير ذلك حرم، قاله النووي في شرح المهذب، وفي كتاب اللقطة من البيان للعمراني قال الصميري كره قوم إنشاد الشعر في المساجد وليس ذلك عندنا بمكروه، وقد كان حسان ابن ثابت ينشد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعر في المسجد، وقد أنشده كعب بن زهير قصيدتين في المسجد ولكن لا يمكن منه في المسجد
انتهى. والظاهر أن هذا محمول على الشعر المباح، أو المرغب في الآخرة أو المتعلق بمدح النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر بعض مناقبه ومآثره، لا مطلق الشعر، وعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأيتموه ينشد شعرا في المسجد فقولوا: فضّ الله فاك ثلاث مرات: رواه ابن السّنِّى، وقال الماوردي والروياني في آخر باب حد الشرب: لعل الحديث في المنع من إنشاد الشعر في المسجد محمول على ما فيه هجو أَو مدح بغير حق، فإنه عليه السلام مدح وأُنشد مدحه في المسجد فلم يمنع منه: وقال ابن بطال: لعله فيما يتشاغل الناس به حتى يكون كل من في المسجد يغلب عليه كما تأّول أبو عبيدة في قوله عليه السلام: " لأَن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً [يريه] خير من أن يمتلئ شعرا - أَنه الذي يغلب على صاحبه، وروى البخاري في كتاب بدءِ الخلق عن سعيد بن المسيب قال مَرّ عمر في المسجد _ وحسان ينشد [فلحظ إليه] فقال: كنت أنشد وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة وقال: أَنشُدُك بالله، أسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أَجب عنى، اللهم أَيده بروح القدس، قال نعم، وقال ابن خزيمة في صحيحه: ذِكْرُ الخبر الدال على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن تناشد بعض الأَشعار في المساجد لا عن جميعها، ثم ذكر هذا الحديث.
الثامن عشر:
ينبغي أَلا ينشد فيه ضالة، ولا يبيع ولا يشتري ولا يؤجر ولا يستاجر، هذا هو الصحيح المشهور، وللشافعي قول: إنه لا يكره فيه البيع ولا الشراءُ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليه فإن المساجد لم تبن لهذا. يقال: نشَدت الضالة بمعنى طلبتها وأَنشدتها بمعنى عَرّفتها قاله يعقوب وغيره. ومنه قوله: إصاخة الناشد للمنشد، والإصاخة، الاستماع، ورى الترمذي عنه أيضاً، أن رسول الله قال: إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشُد فيه ضالة فقولوا: لا ردها الله عليك. قال الترمذي: حسن غريب والعمل عليه عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد واسحق، ورخص فيه بعضهم وقال ابن خزيمة في صحيحه: لو لم يكن البيع منعقداً لم يكن لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا أربح الله تجارتك معنى انتهى. وقال الطحاوي: هذا إذا غلب عليه حتى يكون كالمستغرق أما الفعل القليل فلا باس به، وينبغي اجتنابه، ومن الغريب قول ابن الرفعة في المطلب في الكلام على بيع العصير من عاصر الخمر: أنه لم يَرَ هذا الفرع في كلام أصحابنا وإنما ورد الحديث بالنهي.
عنه. وقد قال الرافعي في كتاب الشهادات. قال صاحب العُدّة ومن الصغائر: البيع والشراء في المسجد. قال في الروضة: والمختار كراهته.
وقال النووي في زوائد الروضة في آخر كتاب الجمعة: البيع في المسجد مكروه يوم الجمعة وغيره على الأظهر. وقال في كتاب إحياءِ الموات: ومنها الجلوس للبيع والشراء والحرفة وهو ممنوع منه إذ حرمة المسجد تأبى اتخاذَه حانوتاً انتهى. وذكر صاحب البيان المسألة في كتاب الاعتكاف، وحكى فيه قولين عن حكاية ابن الصباغ وقال:
أصحهما كراهته.
والثاني: لا يكره بل يباح. قال ابن الصباغ، فإن كان محتاجاً إلى شراءِ قوته وما لا بد منه لم يكره. فإن أَكثر من ذلك لم يبطل اعتكافه، وقال في القديم: إن فعل ذلك_ والاعتكاف منذور. رأَيت أَن يستقبله.
وهذا قول مرجوع عنه.
التاسع عشر:
قال ابن الصباغ: تكره الخياطة في المسجد إلا أن يخيط ثوبه وما يحتاج إلى لبسه فلا يكره. وقال مالك: إن كانت الخياطة حرفة لم يصح اعتكافه لأَنه بعد محترفاً [لا] معتكفاً. وقال النووي، فأَما من ينسخ فيه شيئاً من العلم أو اتفق قعوده فيه فخاط ثوباً ولم يجعله مقعداً
للخياطة فلا بأس به، وقال الشيخ عز الدين في الفتاوي الموصلية: لا ينبغي أن يعمل في المسجد [ألا ترى أن] من دخل دار ملك فجلس بين يدي الملك وهو ينظر إليه، وإلى ما يفعل في بيته [كيف تكون حاله فيه]، وقال في الروضة: يكره عمل الصنائع فيه، أي المداومة، أما لو دخل لصلاة أو اعتكاف فخاط ثوبه لم يكره، وأطلق الرافعي في باب الاعتكاف كراهة النسخ في المسجد إذا كثر، وينبغي تقييده بغير نسخ كتب العلم، أما هي فلا يكره سواء قل أو كثر، وقد صرح بذلك النووي في شرح المهذب.
تمام العشرين:
يكره اللغظ ورفع الصوت في المسجد ففي مصنف ابن أبي شيبة: أن عمر سمع رجلا رافعا صوته في المسجد فقال: أتدري أين أنت،؟ وفي البخاري نحوه، وحكي ابن عبد البر في كتاب بيان العلم عن مالك أنه سئل عن رفع الصوت في المسجد بالعلم فقال: لا خير في ذلك العلم ولا في غيره، ولقد أدركت الناس قديمًا يعيبون ذلك على من يكون في مجلسه، وأنا أكره ذلك، ولا أرى فيه خيرًا، قال أبو عمر: وأجاز
ذلك قوم منهم أبو حنيفة ومحمد بن مسلمة من المالكية، واحتجوا بحديث عبد الله بن عمرو قال: تخلف فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ ونمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته. ويل للاعقاب من النار، وليس في الحديث أنهم كانوا في المسجد وفي الصحيح من حديث كعب بن مالك وابن أبي حدرد في الدين الذي له عليه، وأنهما دخلا المسجد، وارتفعت أصواتهما فيه ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: ضع من دينك الشطر، الحديث.
الحادي والعشرون:
سئل القفال عن تعليم الصبيان في المسجد، فقال: الأغلب من الصبيان الضرر بالمسجد فيجوز منعهم، انتهي وقال القرطبي: منع بعض العلماء من تعليم الصبيان فيه، ورأوا انه من باب البيع، وهذا إذا كان بأجرةن فلو كان تبرعا فهو ممنوع أيضا لعدم تحرز الصبيان عن القذر والوسخ؟، فيؤدي ذلك إلى عدم تنظيف المساجد وقد ورد الأمر بتنظيفها، وفي الحديث: جنبوا مساجدكم صبيانكم، وقال القاضي عياض: قال بعض مشايخنا: إنما يمنع من المساجد من عمل الصنائع التي يختص ببعضها آحاد الناس، ويتكسب به ولا تتخذ المساجد متجرا، فأما الصنائع
التي يشمل نفعها المسلمين في دينهم كالمتفقهة وإصلاح آلات الجهاد، وما لا امتهان للمسجد في عمله فلا بأس به.
الثاني والعشرون:
يستحب عقد حلق العلم في المساجد، وذكر المواعظ والرقائق ونحوها، والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة مشهورة، قاله النووي في شرح المهذب: ونقل ابن بطال فيه الإجماع، وقد ورد في فضل حلق الذكر ما لا يخفي وقد روى ابن ماجة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومن دخل مسجدنا هذا ليعلم خيرا أو ليتعلم كان كالمجاهد في سبيل الله، ولا فرق في هذا بين المعتكف وغيره، وعن أحمد ومالك كراهته للمعتكف، قال النووي: وتجوز قراءة الأحاديث المشهورة والمغازي والرقائق ونحوها مما ليس فيه موضوع ولا ما تحمله عقول العوام، قال: ولا يجوز أن يقرأ فيه ما ذكره أهل التواريخ من قصص الأنبياء وحكاياتهم فيها. وأن بعضهم جرى له كذا من فتنة ونحوها، فهذا كله ممنوع منه ذكره في كتاب الاعتكاف.
الثالث والعشرون:
قال الغزالي في الإحياء: يكره الجلوس للحق قبل الصلاة يوم الجمعة، قلت: وفي سنن أبي داود من حديث عبد الله بن عمر أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن الحلق قبل الصلاة يوم الجمعة وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه وقال يعني في المسجد، وذكر ذلك أيضا أبو نعيم في كتاب رياضة المتعلمين، قال الخطابي: وكان بعضهم يرويه الحلق بإسكان اللام وأخبرني أنه بقي أربعين سنة لا يحلق رأسه قبل الصلاة قال: فقلت له: إنما هو الحلق بفتحها جمع حلقة، وإنما كره الاجتماع قبل الصلاة للعلم وأمر بأن يشتغل بالصلاة وينصب للخطبة.
الرابع والعشرون:
يجوز أكل الخبز والفاكهة، والبطيخ وغير ذلك في المسجد، وقد روى ابن ماجة عن عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدي، قال: كنا نأكل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الخبز واللحم، وقال مالك: يكره الأكل في المسجد إلا اللقمة واللقمتين، ولا يعجبه الأكل في رحابه لأنها من المسجد وينبغي أن يبسط شيئا ويحترز خوفا من التلوث، ولئلا يتناثر شيء من الطعام فتجتمع عليه الهوام هذا إذا لم يكن له رائحة كريهة – فإن كانت كالثوم والبصل والكرات ونحوه فيكره أكله فيه ويمنع آكله من المسجد حتى يذهب ريحه، فإن دخل المسجد أخرج منه ففي الصحيحين من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، او ليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته، وذهب
الظاهرية إلى تحريم أكله بناء على أن صلاة الجماعة فرض عين، وهل كان ذلك حراما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وجهان أصحهما الكراهة، ظاهر الأحاديث يقتضي تحريم حضور المسجد كما أشار إليه ابن حبان في صحيحه، وصرح به ابن المنذر في الإقناع، وهذا كله مع رائحته، فإن أميت بالطبخ ونحوه فلا منع، ففي صحيح مسلم: فمن أكلها فليمتها طبخا – وفي السنن عن عائشة أنها سئلت عن البصل فقال: إن آخر طعام أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيه بصل، وزعم بعضهم ان هذا خاص بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقوله مسجدنا فإنه كان مهبط الملك بالوحي، والمشهور خلاف ذلك، وأنه عام في جميع المساجد، لأن الحكم يعم بعموم علته، وقد روى مسلم: فلا يأتين المساجد، وقد توسع بعضهم فقال: إن من به بخر، أو خرج منه ريج يجري هذا المجرى.
الخامس والعشرون:
يجوز الاستلقاء في المسجد ومد الرجل، والاتكاء للأحاديث الصحيحة المشهورة، وفي البخاري من طريق عباد بن تميم عن عمه أنه رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى
قال البغوي، في شرح السنة:، إلا الانبطاح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، وقال: إنها ضجعة يبغضها الله، قال البخاري، وقال سعيد بن المسيب وكان عمر وعثمان يضعان إحدى رجليهما على الأخرى، وأما ما رواه حماد بن سلمة وابن جرير والليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى، وهو مستلق على ظهره، قال ابن بطال: كان البخاري يراه منسوخا بحديث عباد ولذلك أردفه بفعل عمر وعثمان: قال الزهري: وجاء الناس بأمر عظيم في إنكار ذلك واستدل على نسخه بعمل الخليفتين بعده، إذ لا يجوز عليهما مثل ذلك، قال البغوي في شرح السنة: موضع النهي والله أعلم، أن ينصب الرجل ركبته فيعرض عليها رجله الأخرى ولا إزار عليه، أو إزاره ضيق فيكشف معه بعض عورته، فإن كان واسعا بحيث لا تبدو منه عورته فلا بأس به.
السادس والعشرون:
يجوز التشبيك بين الأصابع في المسجد، ففي حديث ذي اليدين أنه صلى الله عليه وسلم: شبك بين أصابعه وحكاه ابن أبي شيبة عن ابن عمر وسالم والحسن وغيرهم، وحكي كراهته عن إبراهيم النخعي وكعب وعن النعمان ابن أبي عياش، قال: كانوا ينهون عن تشبيك الأصابع يعني في الصلاة. واحتج المانعون بأحاديث – الأول: رواه أبو داود عن أبي تمامة الحناط، أن كعب بن عجرة أدركه وهو يريد المسجد، أو أدرك أحدهما صاحبه
قال: فوجدني وأنا مشبك بيدي فسأل عن ذلك، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدًا إلى المسجد، فلا يشبك بيديه، فإنه في صلاة، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه، وأخرج الحاكم في مستدركه عن إسماعيل بن أمية عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع فلا يفعل هكذا وشبك بين أصابعه، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد تابعه محمد بن عجلان عن المقبري، وهو صحيح على شرط مسلم ثم ساقه كذلك بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة إذا توضأت ثم دخلت المسجد فلا تشبك بين أصابعك قال: ورواه شريك بن عبد الله عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عنه بغير وهم في ذلك. انتهى. الثاني: رواه أحمد في مسنده وابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن، فإن التشبيك من الشيطان، وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه.
الثالث: رواه ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن أصابعه [وأجاب] المجوزون عن الأول بأن أبا ثمامة تكلم فيه الدارقطني - وإن وثقه ابن حبان – وعلى تقدير صحته فلا يعارض حديث ذي اليدين لأن حديث كعب فيه النهي عن التشبيك لمن هو منتظر الصلاة، وفي حديث ذي اليدين إنما
شبك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعتقد أنه أكمل الصلاة ففيه دليل لإباحة التشبيك في المسجد، وعن الثاني بأن ابن أبي شبية رواه عن مولي لأبي سعيد، وهو مجهول. وقد تكلم ابن خزيمة في صحيحه على هذا الحديث وقال: وجاء خالد بن حبان الرقي بطامة، رواه عن ابن عجلان عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد قال: ولا أحل لأحد يروى عني هذا الخبر إلا على هذه الصفة، فإن هذا إسناد مقلوب ويشبه أن يكون الصحيح ما رواه أنس بن عياض عن سعد بن إسحاق مقلوب ويشبه أن يكون الصحيح ما رواه أنس بن عياض عن سعد بن إسحاق عن أبي سعيد المقبري عن أبي ثمامة لأن داود ابن قيس أسقط من الإسناد سعيد المقبري، فقال: عن سعيد بن إسحاق عن أبي ثمامة فأما ابن عجلان، فقد وهم في الإسناد، وقد خلط فيه فمرة يقول: عن أبه عن أبي هريرة، ومرة يرسله، ومرة يقول: عن سعيد عن كعب، وابن أبي ذئب بين أن المقبري سعيد بن أبي سعيد إنما رواه عن رجل من بني سالم، وهو عندي سعد بن إسحاق، إلا انه غلط فيمن فوق سعد بن إسحاق، وقال: عن أبيه عن جده كعب، وداود بن قيس وأنس بن عياض جميعا قد اتفقا على أن الخبر إنما هو عن أبي ثمامة، وعلى تقدير صحته فهو محمول على الكراهية، وحديث ذي اليدين على الجواز، وفعله صلى الله عليه وسلم إذا كان بيانا للجواز لم يكن مكروها وعن الثالث بأنه مرسل أو محمول على من يريد الصلاة كما سبق، وقال القفال في محاسن الشريعة: أمر الماشي إلى الصلاة: ألا يشبك بين أصابعه،
لأن الإنسان في صلاة ما دام يمشي إلى الصلاة، ثم له وجوه، أحدها، أن الاستحباب في الصلاة نشر الأعضاء الثاني التفاؤل بانبساط الأعضاء، والتشبيك خلاف النشر، الثالث أن العرب كانت إذا سارت إلى موضع لتهييج حرب، وإثارة قتال شبكت بين أصابعها إشارة إلى اشتباك الحرب كما قيل:
وكتيبة لبستها بكتيبة
…
حتى إذا اشتبكت نفضت لهايدي
فكأنه أريد بالنهي عن التشبيهك الإشارة لما في موضع الاجتماع من السلم لا الحرب والتآلف لا التباين، وقال الخطابي: تشبيك اليد: هو إدخال الأصابع بعضها في بعض والاشتباك فيها، قد يفعله بعض الناس عبثا، وبعضهم يفعله ليفرقع أصابعه عندما يجد مس التخدر فيها، وربما قعد الإنسان فشبك بين أصابعه واحتبي بيديه يريد الاستراحة: وربما استجلب به النوم فيكون ذلك سبببا لانتفاض طهارته، فقيل: لمن تطهر وخرج إلى المسجد متوجها إلى الصلاة لا تشبك بين أصابعك، لأن جميع ما ذكرناه. من هذه الوجوه على اختلاف أنواعها لا يلائم شيء منها الصلاة انتهى، وقسم بعض المتأخرين التشبيك إلى أقسام:
أحدها: إذا كان الإنسان في الصلاة ولا شك في كراهته.
وثانيها: إذا كان في المسجد منتظرا للصلاة، أو هو عائد إلى المسجد يريدها بعدما تطهر، فالظاهر كراهته، لحديث كعب.
ثالثها: أن يكون في المسجد بعد فراغه من الصلاة، وليس يريد صلاة أخرى ولا ينتظرها فلا يكره لحديث ذي اليدين.
رابعها: في غير المسجد فهو اولى بالإباحة وعدم الكراهة.
السابع والعشرون:
يستحب إستحبابًا متأكدًا كنس المسجد وتنظيفه لما روى أبو داود والترمذي عن أنس يرفعه، عرضت على أجور أمتى حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعن عائشة قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب وفي المصنف، عن يعقوب بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتبع غبار المسجد بجريدة.
الثامن والعشرون:
يكره نقش المسجد واتخاذ الشرفات له، ذكره في الروضة قبل باب السجداتن لأنها تشغل القلب، وروى البيهقي عن أنس مرفوعا:
ابنوا المساجد واتخذوها جما بضم الجيم، وتشديد الميم، قال أبو عبيد: الجم الذي لا شرف له، وعن ابن عمر: نهانا، أو نهينا أن نصلي في مسجد مشرف، والشرف بضم الشين وفتح الراء: جمع شرفة كغرفة وغرف، ولا شك أنه لا يجوز صرف غلة، ما وقف على عمارته في ذلك، وعبارة القاضي الحسين: لا يجوز صرفها إلى التجصيص والتزويق، وقد روى أن ابن مسعود مر بمسجد مزخرف، فقال: لعن الله من زخرفه، أو قال لعن الله من فعل هذا، المساكين أحوج من الأساطين، انتهى، وما يفعله جهلة النظار من ذلك سفه مضمن [في] أموالهم، وقال البغوي في شرح السنة: لا يجوز تنقيش المسجد بما لا إحكام فيه، وقال في الفتاوي، فإن كان فيه إحكام فلا بأس فإن عثمان رضي الله عنه بني المسجد بالقصة والحجارة المنقوشة، قال البغوي ومن زوق مسجدا أي تبرعا لا يعد من المناكير التي يبالغ فيها كسائر المنكرات، لأنه يفعله تعظيما لشعائر الإسلام، وقد سامح فيه بعض العلماء واباحه بعضهم ثم قال في موضع آخر: لا يجوز نقش المسجد من غلة الوقف ويغرم القيمة إن فعله فلو فعله رجل بماله كره، لأنه يشغل قلب المصلين انتهى، وأطلق غيره عدم الجواز لأنه بدعة منهي عنه، ولأن فيه تشبها بالكفار، وذكر أبو نعيم في الحلية حديثا مرفوعا إذا ساء عمل قوم زخرفوا مساجدهم، وإذا وقف على النقش
والتزويق لا يصح على الأصح لأنه منهي عنه، ولأنه من أشراط الساعة ولأنه مما يلهي عن الصلاة بالنظر إليه، وقيل يصح لما فيه من تعظيم المسجد وإعزاز الدين، والخلاف يقرب من الخلاف في تحلية المصحف.
التاسع والعشرون:
يكره زخرفتها، ففي سنن أبي داود عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمرت بتشييد المساجد، قال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصاري وعن انس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قالأ: لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد، وروى البخاري في صحيحه أن عمر رضي الله عنه أمر ببناء مسجد وقال: أكن الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس وقال أبو الدرداء إذا حليتم مصاحفكم، وزخرفتم مساجدكم فالدبار عليكم، وقال علي رضي الله عنه، إن القوم إذا رفعوا مساجدهم فسدت أعمالهم، ويكره أن يكتب في قبلة المسجد آية من القرآن أو شيئا منه قاله مالك، وجوزه بعض العلماء، وقال: لا بأس به لقوله تعالى: إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله، الاية، ولما روى من فعل عثمان ذلك بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر ذلك.
الثلاثون:
يستحب تجمير المسجد بالبخور، وكان عبد الله بن المجمر يجمر المسجد إذا قعد عمر على المنبر، وأنكر مالك تجمير المسجد، واستحب بعض السلف تخليق المساجد بالزعفران والطيب، وروى عنه صلى الله عليه وسلم فعله، وقال الشعبي: وسنة وذكر ابن أبي شيبة عن ابن أبي نجيح أن ابن الزبير لما بني الكعبة طلا حيطانها بالمسك.
الحادي والثلاثون:
في تحلية المساجد بالذهب والفضة وتعليق قناديلها وجهان، أصحهما التحريم فإنه لم ينقل عن السلف، والثاني الجواز كما يجوز ستر الكعبة بالديباج، وحكم الزكاة مبني على الوجهين، لكن لو جعل المسجد وقفا فلا زكاة بحال، واضطرب كلام الشيخ محي الدين فإنه صحح التحريم، ثم حكم بصحة الوقف، وقد اتفقوا على بطلان الوقف على الأشياء المحرمة بل اختلفوا في اشتراط القربة.
الثاني والثلاثون:
قد تقدم في الباب الأول أنه يحل الحرير لإلباس الكعبة وحكم البيوت أيضا، وأما باقي المساجد فقال الشيخ عز الدين بن
عبد السلام: لا بأس بستر المسجد بالثياب من غير الحرير، وأما الحرير فيحتمل أن يلحق بالتزيين بقناديل الذهب والفضة، ويحتمل أن يكون قولا واحدا لأن أمره أهون – ولم تزل الكعبة تستر بالحرير فلا يبعد إلحاق غيرها بها، قلت: وفي فتاوي الغزالي: لا فرق في الإباحة بين الكعبة وغيرها، لأن الحرير إنما حرم على الرجال لا على النساء فكيف الجمادات والمساجد، ذكره في التسعين ثم رأيت في فتاوي قاضي القضاة أبي بكر الشامي أنه لا يجوز أن يعلق على حيطان المسجد ستورا من حرير ولا من غيره ولا يصح وقفها عليه وهي باقية على ملك الواقف قال: وأما البيوت فالقياس يقتضي أنه لا يجوز تعليق الستر عليها، وإنما تركنا ذلك لأنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم/ ولا أحدا من أصحابه أنكر ذلك انتهى، وفي هذه الدعوى نظر لما سبق من الأدلة في ذلك، والقصد أن احتمالي الشيخ عز الدين منقولان للغزالي والشامي، وأما مشاهد العلماء والصالحين، فحكمها حكم البيوت في الجواز والمنع.
الثالث والثلاثون:
يستحب فرش المساجد وتعليق القناديل والمصابيح ويقال: أول من فعل ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما جمع الناس على أبي بن كعب في صلاة التراويح، ولما رأي علي رضي الله عنه اجتماع الناس في المسجد على الصلاة والقناديل تزهر وكتاب الله يتلي/ قال/: نورت مساجدنا، نور الله قبرك يا ابن الخطاب، وروى ابن ماجه عن ميمونة مولاة النبي صلى
الله عليه وسلم: قلت: يارسول الله: أفتنا في بيت المقدس قال: ائتوه فصلوا فيه، وكانت البلاد إذ ذاك حربا فإن لم تأتوه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله.
الرابع والثلاثون:
لا بأس بإغلاق المسجد في غير وقت الصلاة صيانة وحفظا لما فيه خلافا لأبي حنيفة فإنه منع من غلقها بحال، قاله الصيمري في شرح الكفاية ونقله في الروضة عنه، وأقره وجزم به قبل باب السجدات وفي بعض كتب الحنفية: يكره غلق باب المسجد لقوله تعالى ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وخولف في ذلك، فقيل: كان هذا في زمان السلف، فأما زمننا وقد كثرت الجنايات فلا بأس بإغلاقه احتياطا على متاع المسجد وتحرزا عن نقب بيوت الجيران من المسجد.
الخامس والثلاثون:
يحرم إخراج الحصى والحجر، والتراب وغيره من أجزاء المسجد منه ذكره في شرح المهذب، ومثله الزيت والشمع، وفي الحديث إن الحصاة لتناشد الذي يخرجها من المسجد، رواه أبو داود، وقال ابن عباس لنفيع ردها
وإلا خاصمتك يوم القيامة رواه ابن أبي شيبة، وكلام النهاية في أثناء الكلام على مبيت مزدلفة يقتضي الكراهة فإنه قال: ويكره أخذ حصى الجمار من المسجد والحش.
السادس والثلاثون:
يكره غرس الشجر والنخل، وحفر الآبار في المساجد لما فيه من التضييق على المصلين، ولأنه ليس من فعل السلف، وحكاه في البيان عن الصيمري وكذا جزم في الروضة بكراهة الغرس وهو وجه، والصحيح تحريمه لما فيه من تحجير موضع الصلاة والتضييق وجلب النجاسات من ذرق الطيور، وفي فتاوي جمال الإسلام بن البارزي وغيره من الحمويين: قطع العراقيون بمنع الزرع والغرس في المسجد قال: وعلى هذا لو عثر به إنسان ضمنه الغارس، وقال الغزالي: لا يجوز الزرع وإن غرس غرسا يستظل به فهلك به إنسان فلا ضمان، قيل للمحب إذا كان يجيء كل سنة للمسجد شيء كثير من التمر لم لا يجوز؟ قال: كما لا يجوز إجازة المسجد وإن كان ينتفع بالأجرة فإنه تغيير لما أرصد له، وذكر أبو الوليد بن الفرضي في تاريخ الإندلسي: أن صعصعة بن سلام الشامي يروي عن الأوزاعي قال – وولي القضاء بقرطبة، وفي أيامه غرست الشجر في المسجد الجامع - قال: وهو مذهب الأوزاعي والشاميين ويكرهه مالك وأصحابه وقال الرافعي في كتاب الوقف: ولا ينبغي أن يغرس في المسجد لأنه يمنع المصلين
قال: في الروضة في باب السجدات، فإن غرس قلعه الإمام، وكلام الأصحاب في باب موجبات الضمان يقتضي جواز الحفر فيه إذا دعت إليه ضرورة، وقال القاضي حسين في تعليقه في الصلاة لا يجوز الغرس في المسجد ولا الحفر فيه، ولا أن يبني فيه منارة، ولا أن يضرب فيه اللبنات ويضعها في زواية منه، أو يجمع الحشيش في موضع منه، لأن هذه الأشياء مما يشغل موضع الصلاة، وقيل: إن اتخاذ المنارة أحق لأنه يمكن الصلاة على رأسها بخلاف حفر البئر ونحوه. قال: ولو اتخذ سردابا تحت المسجد يتقي به من حر الشمس جاز لأنه يمكن الصالة فيه وقال الرافعي في آخر كتاب الوقف: سئل أبو علي عبد الله الحناطي عن رجل غرس شجرة في المسجد كيف يصنع بثمارها؟ فقال: إن جعلها للمسجد لم يجز أكلها من غير عوض ويجب صرفها إلى مصالح المساجد، ولا ينبغي أن يغرس في المساجد الأشجار لأنها تمنع الصلاة قال: في زيادة الروضة، فإن غرسها مسبلة للأكل جاز أكلها بلا عوض وكذا إن جهلت نيته حيث جرت العادة به، وقد سبق في كتاب الصلاة أنها تقلع انتهى، وقال الغزالي في فتاويه التي سأله عنها الفقيه إبراهيم بن المطهر الجرجاني بالشام: إذا غرس شجرة في المسجد لنفسه منع منه مهما كان قصده الانتفاع بالمسجد فإن فعل وحصلت الفاكهة فهي له وعليه أجرة المثل للمسجد لأنه استوفي منافعه فهو كما لو أحرق خشبا من المسجد تلزمه الغرامة، ويجوز له الأكل من تلك الفاكهة بإذن المالك ما دام حيا، فإن مات قبل أداء الأجرة تعلق حق المسجد بالشجرة والثمرة، وصار مرهونا ولا يجوز الأكل منه بالإذن
السابق فإنه متعلق حق المسجد، وإن غرس على أن يكون الغراس للمسجد وينصرف الريع إلى مصالحه فذلك غير جائز إلا أن يكون المسجد واسعًا ويكون فيه فائدة للمصلين بالاستظلال فيه، ولم يكن فيه ما يجمع الطيور مما ينجس المسجد فيرخص فيه كما في بناء السقيفة للاستظلال، وأما إذا غرس على أن يكون وقفا على قوم لا تعلق لهم بالمسجد فيمنع منه كما لو غرس لنفسه إذ لا يجوز صرف منافع المسجد إلا لمصالحه، وإن غرس على أن يكون وقفا للمجاورين والمصلين فيه فله تعلق بالمسجد يحتمل جوازه، وإن أشكل الحال فالأصل بقاؤه على ملكه فيجعل كأنه غرسه لنفسه، فعلى المتولي قلعه انتهى، وأفتى قاضي حماة شرف الدين البارزي أنه إذا ضيق غرسها على المصلين ولم تجعل للمسجد – بالتحريم، فإن لم يضيق، وجعلت للمسجد – بالجواز لوجود النفع بلا ضرر.
السابع والثلاثون:
إذا بليت حصر المسجد، أو انكسرت جذوعه ولم يصلح لغير الإحراق، وإذا لم يبق في أستار الكعبة جمال، ففي جواز بيعها وجهان
أصحها أنها تباع كيلا تضيع ويضيق المكان بها، ويصرف ثمنها في مصالح المسجد قال الرافعي، والقياس أن يشترى بثمن الحصر الحصرُ، ولا يصرف في مصلحة أخرى، ويشبه أن يكون هذا هو المراد بإطلاقهم، والثاني وصححه في البيان، أنها لا تباع بل تبقي كذلك، لأن الوقف لا يمكن بيعه، ولا يمكن استبقاء عينه، فيترك أبدًا واستبعده الإمام،
ويجري الخلاف فيما إذا أشرفت الدار الموقوفة على الانهدام، لكن ذكر الإمام أن الأكثرين على المنع، وظاهر كلام الرافعي تصحيح الجواز رعاية للمصلحة، وبه قال أحمد، قال الرافعي: وهذا الخلاف فيما إذا كانت موقوفة على المسجد اما ما اشتراه المتولي للمسجد أو هبة ثمنه واهب فقبله المتولي فيجوز بيعه بلا خلاف عند الحاجة، لأنه ملكه حتى إذا كان المشتري للمسجد شقصا كان للشريك أخذه بالشفعة، وإن باع الشريك فللمتولي الأخذ بالشفعة عند الغبطة، قال النووي: هذا إذا اشتراه الناظر، ولم يقفه، فإن وقفه صار وقفا قطعا تجري عليه أحكام الوقف، وقال صاحب الكافي: إذا اشترى قيم المسجد لعمارته ما يحتاج إليه من الخشب والآجر، واللبن وصرفها إلى عمارته لا يجوز بيع شيء منها لأنها صارت في حكم جزئه، وكذلك حصر المسجد فلو بلى شيء منها، واستغنى المسجد عنه ففي جواز بيعه وجهان، قال: والأصح عندي أنه إن كان شيئا لم يتناوله وقف الواقف، ولا تولد من الوقف يجوز بيعه لأنه إنما أخذ حكم المسجد بحكم الاتصال، فإذا زال الاتصال عاد إلى أصله.
الثامن والثلاثون:
التاسع والثلاثون:
الأربعون:
إذا تعطل المسجد بتفرق الناس عن البلد أو خرابها أو بخراب المسجد فلا يعود مملوكا، خلافا لمحمد بن الحسن، ولا يجوز بيعه بحال، ولا التصرف فيه كما لو أعتق عبدا ثم زمن لا يعود مملوكا ثم إن خفيف أن تنقضه الشياطين، نقض وحفظ وإن رأى القاضي أن يبني بنقضه مسجدًا آخر، قال القاضي وابن الصباغ والمتولي يجوز وقال المتولي: الأولى أن ينقل إلى أقرب الجهات إليه، فإن نقل إلى البعيد جاز، ولا يصرف النقض إلى غير المسجد كالرباطات والقناطر والآبار كما لا يجوز عكسه، لأن الوقف لازم، وقد دعت الضرورة إلى تبديل المحل دون الجهة، والحاصل من ريع وقف عمارة هذا المسجد، يصرف إلى عمارة مسجد آخر، وكذا يفعل الحاكم بما في المسجد الخراب من حصر وقناديل ونحوها، ينقلها إلى غيره عند الخوف عليها، وقال في الحاوي، ريع المسجد الذي خربت محلته يصرف إلى المساكن لأنه مصرف لا ينقطع لفاقتهم على الأبد. وقال الخوارزمي في الكافي: إذا خرب المسجد لا يجوز بيعه ولا بيع شيء منه ولا نقله إلى موضع آخر، ولا نقل شيء منه، هذا هو المنقول عن عامة الأصحاب، قال: وكذلك مسجد في محلة أو قرية خربت المحلة واندرست القرية لا يجوز نقل ذلك المسجد إلى موضع آخر، قال: والأصلح عندي جواز نقله إلى موضع آخر وهو مذهب أحمد.
الحادي والأربعون:
رحاب المسجد من المسجد، حكاه الرافعي عن الأكثرين وفي وجه حسنه في الشرح الصغير ان الرحبة المنفصلة كآخر، وحكي في شرح المهذب خلافا في الرحبة فقال البندنيجي، وهو ما بني له جواره، وقال القاضي أبو الطيب ما حوله، وقال ابن الصباغ والعمراني ما أضيف إليه محجرا عليه، فلو صلى تحت الساعات بصلاة الإمام بجامع دمشق، قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام تصح لأنه رحبته، وأفتي الشيخ ابو عمرو بن الصلاح بعدم الصحة، قال، والرحبة: صحن الجامع، قال الشيخ محي الدين: ولا دليل له والصحيح الموافق للأصحاب الأول، وقال الرافعي في باب إحياء الموات: عد الشيخ أبو محمد وطائفة رحاب المسجد مع مقاعد الأسواق مما يقطع للارتفاق بالجلوس فيه للبيع والشراء قال وهذا كما يقدح في نفي الإقطاع يخالف المعروف في المذهب من المنع من الجلوس في المسجد للبيع والشراء إلا أن يراد بالرحاب الأفينة، الخارجة عن حد المسجد، ونقل في الروضة عن الأحكام السلطانية للماوردي أن حريم الجوامع والمساجد، إن كان الارتفاق به مضرا بأهل المسجد منع منه، ولم يجز للسلطان الإذن فيه، وإلا جاز، وهل يشترط فيه إذن السلطان وجهان.
الثاني والأربعون:
يجوز بناء المسجد في أي موضع كان كنيسة أو نحوها للاحاديث الصحيحة في ذلك، منها حديث عثمان بن أبي العاص: أن رسول الله صلى لله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد أهل الطائف حيث كانت طواغيتهم. رواه أبو داود وابن ماجه.
الثالث والأربعون:
يستحب لداخل المسجد أن يقدم رجله اليمني في الدخول، واليسرى في الخروج لحديث أنس رضي الله عنه أنه قال: من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى، رواه الحاكم في المستدرك، وقال صحيح على شرط مسلم وقال البخاري: وكان ابن عمر يفعله.
الرابع والأربعون:
يستحب لداخله أيضا أن يقول: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، وفي صحيح مسلم عن أبي حميد، وأبي أسيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم
وليقل: اللهم افتح أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك، وفي كتاب الصلاة للقاضي إسماعيل بسنده عن علي بن الحسين قال: قال علي بن أبي طالب: إذا مررتم بالمساجد فصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال المزني: من بلغ باب المسجد صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: اللهم اجعلني من أوجه من توجه إليك [وأقرب من تقرب إليك] وأنجح من دعاك وتضرع إليك، حكاه الروياني في البحر في صلاة الجمعة.
الخامس والأربعون:
يستحب الاستعاذة للخارج من المسجد في كتاب ابن السني عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن أحدكم إذا أراد أن يخرج من المسجد تداعت جنود إبليس وأجلبت، واجتمعت كما تجتمع النحل على يعسوبها فإذا قام أحدكم على باب المسجد فليقل: اللهم إني أعوذ بك من إبليس وجنوده فإنه إذا قالها لم يضره، وفي مستدرك الحاكم من حديث الضحاك بن عثمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم أجرني من الشيطان الرجيم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
السادس والأربعون:
يستحب لمن دخل المسجد وجلس فيه أن ينوي الاعتكاف سواء كثر جلوسه أم قل، قل النووي في البيان: وهذا الأدب ينبغي أن يعتني به ويشاع ذكره، ويعرفه الصغار والعوام، فإنه مما يغفل عنه، قال في الأذكار: وينبغي للمار أيضا أن ينوي الاعتكاف فإن بعض أصحابنا قال: يصح اعتكاف من دخل المسجد مارا، والأفضل أن يقف لحظة ثم يمر.
السابع والأربعون:
يستحب لمن دخل المسجد أن يصلي ركعتين تحية ولم تكرر دخوله ففي الصحيحين من حديث أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، ورواه الأثرم في سننه بلفظ أعطوا المساجد حقها قالوا: وما حقها يارسول الله؟ قال: أن تصلوا ركعتين قبل أن تجلسوا، وذهب الظاهرية إلى وجوبهما عملا بظاهر الأمر، وسواء في الاستحباب وقت الكراهة أم لا؟ خلافا لمالك ولو دخل وجلس هل يستحب له بعد الجلوس؟ قال في الروضة: إن طال الفصل لم يأت بها وإن لم يطل فالذي قاله الأصحاب
أنها تفوت بالجلوس فلا يفعلها، وذكر الإمام أبو الفضل بن عبدان في كتابه المصنف في العبادات: أنه لو نسي التحية وجلس فذكر بعد ساعة صلاها، وهذا غريب، وفي الصحيحين ما يؤيده في حديث يوم الجمعة وفي صحيح ابن حبان من حديث أبي ذر قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فقال يا أبا ذر: صليت؟ قلت: لا، قال فقم، فصل ركعتين، وههنا مسألة حسنة، وهي أن الداخل للمسجد لو رأي جماعة هل يشرع له تحية المسجد أولا قبل السلام عليهم أم لا؟ ففي السنن من حديث رفاعة في حديث المسيء صلاته أنه دخل المسجد فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فأنكر عليه صلاته، ولم ينكر عليه تأخير سلامه إلى ما بعد الصلاة، وعلى هذا فيكون لداخله ثلاث تحيات، أن يسمى الله ويصلي على رسوله، ثم يصلي ركعتين ثم يسلم على القوم.
الثامن والأربعون:
يستحب للقادم من السفر أن يصلي في المسجد ركعتين أول قدومه، وهذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر لا أنها تحية المسجد وفي المسألة أحاديث لكن تحصل التحية بهما كما لو صلى فريضة.
التاسع والأربعون:
يكره الخروج من المسجد بعد الأذان لغير ضرورة من انتقاض طهارة أو فوات رفقة، أو صلاة في غيره، وفي صحيح مسلم من حديث سليم بن أسود أبي الشعثاء قال: كنا مع أبي هريرة في المسجد فخرج رجل حين أذن المؤذن للعصر، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ المنذري وذكر بعضهم إن هذا موقوف، وذكر أبو عمر ابن عبد البر أنه مسند عندهم، وقال: لا يختلفون في هذا وذاك أنهما مسندان مرفوعان يعني هذا، وقول أبي هريرة: من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله، وأخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي صالح، عن أبي هريرة وقال: قد أضمر في هذا الخبر شيئان أحدهما، وقد أذن المؤذن وهو متوضيء، والثاني – وهو غير مؤد لفريضة، قال: وأبو صالح هذا من أهل البصرة اسمه ميزات ثقة.
الخمسون:
تجوز الصلاة على الميت في المسجد، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق، وهي رواية المدنيين عن مالك، ومستندهم الأحاديث الصحيحة فيه كقول عائشة: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد رواه مسلم وفي رواية، والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني البيضاء في المسجد، سهيل وأخيه، وقال أبو حنيفة
ومالك: لا تصح الصلاة عليه في المسجد: لحديث رواه أبو داود من طريق صالح مولي التوأمة عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له، وأجيب عنه بأجوبة أحدها أنه ضعيف، قال أحمد لا يجوز الاحتجاج به تفرد به صالح مولى التوأمة، وقال البيهقي / هذا حديث يعد في أفراد صالح، وحديث عائشة أصح منه وصالح مختلف في عدالته فإن مالكا يجرحه، ثم ذكر عن أبي بكر وعمر أنهما صليا عليهما في المسجد، ثانيهما، أن الصحيح فيه فلا شيء عليه، قال الحافظ أبو بكر الخطيب في روايته لكتاب السنن: المحفوظ فلا شيء عليه، وغيره يرويه فلا شيء له رواه ابن ماجه بلفظ: فليس له شيء. ثالثها: انه لو صح لوجب تأويله على، فلا شيء عليه ليجمع بينه وبين حديث عائشة – رابعها: أشار إليه الخطابي أنه محمول على بعض الأمر في حق من صلى في المسجد ورجع ولم يشيعها إلى المقبرة، ولم يحضر دفنها، خامسها: أنه لا دلالة فيه على عدم الحصة ألبتة، وداعى الطحاوي أن حديث عائشة منسوخ، وأن الترك آخر الفعلين من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل إنكار عامة الصحابة ذلك على عائشة ورد عليه جماعة منهم البيهقي وغيره، قال البيهقي، ولو كان عند أبي هريرة نسخ ما رويته عائشة لذكره يوم صلى على أبي بكر الصديق في المسجد، ويوم صلى على
عمر بن الخطاب في المسجد، وإنما أنكره لم يعرف الجواز، فلما روت الخبر سكنوا إليه.
الحادي والخمسون:
لا بأس أن يعطي السائل في المسجد شيئا لحديث عبد الرحمن ابن أبي بكر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا؟ فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه، رواه أبو داود في سننه والبزار في مسنده، وقال لا نعلمه يروى عن عبد الرحمن بن أبي بكر إلا بهذا الإسناد ويروى مرسلا، وأخرجه الحاكم في مستدركه في كتاب الزكاة، وقال: صحيح على شرط مسلم، قال المنذري، وقد أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي في سننه من حديث أبي حازم سليمان الأشجعي، عن أبي هريرة فتموه أتم منه، قلت: وأخرجه البخاري أيضا، وفي كتاب الكسب لمحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة: قال أبو مطيع البلخي: لا يحل للرجل أن يعطي سؤال المسجد لما روى في الآثار: ينادي يوم القيامة مناد، ليقم بفيض الله فيقوم سؤال المسجد، قال والمختار: أنه إن كان السائل لا يتخطى رقاب الناس، ولا يمر بين يدي المصلي، ولا يسأل الناس إلحافا، فلا بأس بالسؤال والإعطاء، لأن الؤال كانوا يسألون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حتى يروى أن عليا تصدق بخاتمه وهو في الركوع فمدحه
الله بقوله: يؤتون الزكاة وهم راكعون. وإن كان يتخطي رقاب الناس ويمر بين يدي المصلى فيكره إعطاؤه لأنه إعانة له على أذى الناس حتى قيل: هذا فلس واحد يحتاج إلى سبعين فلسا لكفارته.
الثاني والخمسون:
كره بعض السلف السقاية في المسجد، والمشهور الجواز وقد سقى سعد بن عبادة في المسجد، وقد سئل مالك عن الماء الذي يسقي في المسجد، وأترى يشرب منه؟ قال: نعم، إنما يجعل للعطشان ولم يرد به أهل المسكنة فلا أرى أن يترك شربه ولم يزل هذا من أمر الناس.
الثالث والخمسون:
السنة لمن دخل المسجد ومعه سهم أن يمسك بنصله أو رمح أن يمسك بسنانه لما روى البخاري عن جابر: أن رجلا مر بسهام في المسجد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك بنصالها، وفي الصحيحين من حديث أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من مر بشيء من مساجدنا أو أسواقنا فليقبض على نصالها بكفه أو يصيب المسلمين منها
شيء، والمعنى في ذلك تأكيد حرمة المسلم لئلا يروع بها، أو يؤذي لأن المساجد مملؤة بالخلق، ولا سيما في أوقات الصلوات.
الرابع والخمسون:
يكره سل السيف في المسجد، قال عطاء: نهي عن سل السيف في المسجد، وفيه آثار رواها ابن أبي شيبة في مصنفه، وأما إقراره صلى الله عليه وسلم الحبشة على لعبهم بالحراب والسيوف في المسجد يوم العيد فهو مخصوص بما أقره صلى الله عليه وسلم، من جهة التدريب على الحرب، والتمرين فيه والتنشيط عليه، فهو من باب المندوب ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد وأنواع البر.
الخامس والخمسون:
روى ابن عدي في الكامل من طريق حمزة بن أبي حمزة النصيبي عن ابي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي أن يمر باللحم النيء
في المسجد، قال ابن عدي وهذا منكر بهذا الإسناد، لا يرويه عن أبي الزبير غير حمزة، وحمزة يضع الحديث.
السادس والخمسون:
يكره اتخاذ المسجد طريقا، وفي المعجم الأوسط للطبراني عن سالم عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تتخذوا المساجد طرقا، إلا لذكر الله أو صلاة.
السابع والخمسون:
تزيين المسجد بقوارير الزجاج لا للوقود كرهه بعض العلماء، وممن جاء ذلك عنه عبد الملك بن حبيب.
الثامن والخمسون:
يكره بناء المسجد بين المقابر، لأنه نهي عن الصلاة في المقبرة، وقد صح: لا تتخذوا قبري مسجدًا، قال صاحب المغنى: وقد روى قتادة: أن أنسا مر على مقبرة، وهم يبنون فيها مسجدًا، فقال أنس: كان يكره أن يبني مسجد في وسط القبور.
التاسع والخمسون:
قيل إن وضع السجادة في المسجد بدعة، وحكي أن عبد الرحمن بن مهدي دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أقيمت الصلاة فوضع رداءه بين يديه وصلى مع الناس فجعل الناس يرمقونه، فلما فرغ أمر مالك بحبسه، ثم عرف أنه عبد الرحمن بن مهدي، فأمر بإحضاره، وقال له: أما خفت الله شغلت الناس عن الصلاة، وأحدثت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يكن، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في مسجدنا حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فبكى عبد الرحمن وحلف ألا يضع بعد رداءه بين يديه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مسجد غيره، وروى عن جبير بن مطعم، أنه قال: وضع الرجل نعله بين يديه في الصلا بدعة. قلت وقد ترجم البخاري في صحيحه: باب الصلاة على الخمرة، وروى عن ميمونة أنها كانت تصلي على الخمرة، قال ابن دريد في الجمهرة: الخمرة هي السجادة وجمعها خمر، وقال الطبري: الخمرة مصلي صغير ينسج من سعف النخل ويرمل بالخيوط ويسجد عليه، فإن كان كبيرا قدر طول الرحل أو أكثر قيل له: حصير ولا يقال له حمرة، قال ابن بطال: ولا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز الصلاة على الخمرة إلا شيء روى عن عمر بن عبد العزيز أنه كان لا يصلي على الخمرة، ويؤتى بتراب فيوضع على الخمرة في موضع سجوده فيسجد عليه، وقال عقبة عن حماد: رأيت في بيت إبراهيم النخعي حصيرا فقلت أتسجد عليه؟ فقال: الأرض أحب إلي، وهذا منهما على جهة
المبالغة في الخشوع لا أنهما يريان السجود على الخمرة غير جائز، لأنه صلى الله عليه وسلم، قد صلى عليها، وقال سعيد بن المسيب، الصلاة على الخمرة سنة، وإنما فعل ذلك على الاحتياط، لأنه الغالب من فعله صلى الله عليه وسلم، وقد انصرف من الصلاة وعلى وجهه أثر الماء والطين، وقال البخاري في صحيحه: وصلى أنس على فراشه، وقال:: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيسجد أحدنا على ثوبه.
الستون:
ذكر حجة الإسلام في الإحياء أنه قيل: أول بدعة أحدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجامع يوم الجمعة وأن الناس في القرن الأول كانوا يمشون إليه سحرا والطرقات مملوءة بالناس وبالسرج كأيام الأعياد، واختلف العلماء في المراد بالرواح، من قوله صلى الله عليه وسلم: من راخ في الساعة الأولى فقيل: المراد به من أول النهار، والساعات محسوبة من ذلك، وهذا مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة، وقيل: إنها أجزاء، من الساعة السادسة بعد الزوال، وهو مذهب مالك وحجته، أن الرواح لا يكون إلا بعد الزوال، لأنه مقابل للغدو، وأنكر مالك التبكير إليها من أول النهار.
وقال: لم يدرك عليه أهل المدينة، وقد تكلمت على هذه المسألة في أقوات الأوقات، وفي الذهب إلإبريز.
الحادي والستون:
صلاة المرأة في بيتها أفضل منها في المسجد، وفي مستدرك الحاكم من حديث أم سلمة: خير مساجد النساء قعر بيوتهن. وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن السائب مولى أم سلمة عنها، ثم قال: لا أعرف السائب هذا بعدالة ولا جرح، وفي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن تصلي المرأة في مخدعها أعظم لأجرها أن تصلي في بيتها، وفي رواية لا متنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه ابن خزيمة من حديث حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر وقال: لا أقف على سماع حبيب هذا الخبر من ابن عمر، فإن أرادت الخروج إلى المسجد للصلاة جاز لما في الصحيحين: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله. نعم. إذا كانت شابة يكره لها الحضور لقول عائشة،: لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم راي ما أحدث النساء بعده لمنعهن المساجد، كما منع نساء بني اسرائيل، رواه مسلم، وأشارت رضي الله عنها بذلك إلى ما أحدثنه من الفتن بالتطيب
واللباس عند خروجهن، فأما إذا كانت عجوزا لا تشتهي فلا يكره ذلك. ففي البيهقي عن ابن مسعود: نهي النساء عن الخروج إلا عجوزا في منقلها، والمنقل: الخف الخلق، وقال الشافعي رضي الله عنه في الأم: وأحب شهود العجائز وغير ذوات الهيئة للصلاة والأعياد، وأنا لشهودهن الأعياد أشد استحبابا من شهودهن غيرها من الصلوات المكتوبات انتهى لفظه، وقال النووي في شرح مسلم: النهي عن منعنه من الخروج محمول على كراهة التنزيه إذا كانت ذات زوج أو سيد، ووجدت الشروط المذكورة، فإن كانت خلية حرم المنع إذا وجدت الشروط، ومراده بالشروط ألا تكون متزينة ولا ذات خلاخل، ولا ثياب فاخرة، ولا مختلطة بالرجال وقال في التحقيق، والنساء في بيتوتهن أستر وأفضل، ويكره حضور المسجد لمشتهاة ولشابة لا غيرها عند أمن المفسدة، وإذا استأذنت زوجا أو وليا كره إذنه حينئذ، وإلا ندب وإذا أرادته كره التطيب وبفاخر الثياب انتهى.
الثاني والستون:
يستحب عقد النكاح في المسجد قاله أبو عمرو بن الصلاح واحتج بحديث اعلنوا النكاح في المسجد. رواه الترمذي.
الثالث والستون:
يعفى عن ذرق العصافير ونحوها من الطيور في المساجد، إذا كثر لمشقة الاحتراز عنه، وعموم البلوى، صرح به أصحابنا كما نقله ابن الرفعة في المطلب في الكلام على طهارة لبن الآدمي وهو نجس معفو عنه لا أنه، طاهر ومشاهدة السلف والخلف على التسهيل في ذلك في المحرم وغيره تدل على ذلك، وهذا إذا قلنا بنجاسة بول ما يؤكل لحمه، وهو المشهور، فإن قلنا بقول الإصطخري والروياني إنه طاهر فواضح، ونقل الرافعي في الشرح الصغير في كلامه على نجاسة الأرواث عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، أن ذرق العصفور معفو عنه؟ انتهى.
وفي هذا النقل تصرف بالعموم والخصوص، فإن الموجود في الخلافيات للشيخ أبي إسحاق: ذرق الطيور في المساجد معفو عنه: انتهى فعم الطيور وخص المساجد، والرافعي في النقل عنه خص الطيور وعم الأماكن.
الرابع والستون:
الأصح من قولي الشافعي، أنه يجوز الاستصباح بالدهن النجس وينبغي أن يستثني من ذلك، الاستصباح به في المساجد، فإن دخان النجاسة نجس، وقد ذكروا أنه لا يجوز إدخال النجاسات المساجد، ولا شك أن ما ينفصل من الدخان يؤثر في الحيطان وذلك يؤذي إلى تنجيسه فلا يجوز.
الخامس والستون:
في جواز التيمم بتراب المسجد وجهان عن تعليق القاضي الحسين لكن الذي جزم به الرافعي والنووي في باب الغسل، أنه لا يتيمم به كما تقدم في الثالث عشر قال بعض مشايخنا: وينبغي أن يكون محلها فيما هو جزء منه، أما ما حملته الريح إليه من الغبار الطاهر فيجوز التيمم به قطعا، ويظهر جوازه أيضا بما يجلب إليه ويفرش من خارج، وبتراب أراضي الغير، إذا لم تعلم كراهة المستحق لذلك فإنه مما يتسامح به عادة، نعم، لا يدع على أعضائه شيئا من الغبار بل ينفضه في أرضه.
السادس والستون:
يستحب الإبراد بالظهر في شدة الحر، في المسجد ونحوه من المجتمع للصلاة ولا فرق بين المسجد المطروق وعيره، وفي وجه أن المسجد الكبير المطروق لا يبرد فيه، لأنه يشهده أصناف لا يمكن تواعدهم.
السابع والستون:
المحاريب المنصوبة في بلاد المسلمين، لا يجوز الاجتهاد فيها في الجهة وهل يجوز بالتيامن والتياسر فيه وجهان أصحهما: نعم، بخلاف مسجد
المدينة، وكذا مسجد الكوفة والبصرة والشام، وبيت المقدس كما قاله الدارمي، لصلاته صلى الله عليه وسلم، في بعضها، والصحابة في بعضها وقد تقدم في التاسع عشر من الباب الثاني ما يتعين الإحاطة به هنا قيل: وقضية ما ذكره في مسجد الكوفة والبصرة، إلحاق الجامع العتيق بمصر بهما، لما اشتهر أنه من بناء عمرو بن العاص، ومن معه من الصحابة، وقد ذكر القضاعي في الخطط: أنه وقف على إقامة قبلته مع عمرو بن العاص بمصر ثمانون رجلا من الصحابة رضي الله عنهم، منهم الزبير، ولم يكن للمسجد الذي بناه عمرو محراب مجوف، وإنما قرة بن شريك جعل المحراب المجوف وأول من أحدث ذلك عمر بن عبد العزيز، وهو ويومئذ عامل الوليد بن عبد الملك على المدينة ليالي أسس مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هدمه وزاد فيه، انتهى كلام القضاعي، وهذا إنما يتمم في المحراب الأول، وأما اليوم فيقال: إن جداره القبلي قدم عما كان عليه فلعل الخلل منه، واهل هذا الفن في زماننا يقولون: إن قبلته منحرفة يسيرا وقبلة الجامع الطولوني منحرفة انحرافا كبيرا، وقبلة الشافعي وكثير من القرافة على خط نصف النهار، فلا أدري هل ذلك لقصور أهل الوقت في معرفة دلائل القبلة أم كيف اتفق ذلك؟ وهذا كله مما يؤكد النظر في أدلة القبلة، وعدم الاكتفاء بالمحاريب المنصوبة المجهولة انتهى. وهذا كلام صحيح والظاهر أن كثيرا من هذه المحاريب، إنما وضعها من
ليس له معرفة بهذا الفن، ولا حرر فيه التحرير، التام فالوجه القطع بجواز الاجتهاد فيها يمنة ويسرة.
فائدة: سمى موقف الإمام من المسجد محرابا، لأنه أشرف المجالس في المسجد، ومنه قيل للقصر: محراب، لأنه أشرف المنازل، وقد أحمد بن عبيد: المحراب مجلس الملك، سمى بذلك لانفراد الملك فيه، ولتباعد الناس فيه وكذلك محراب المسجد لانفراد الإمام فيه، وقيل: المحراب موضع مستقبل الصلاة، سمى بذلك لأن المصلي بطاعة الله محاريب لأعدائه، أو للشيطان.
الثامن والستون:
كره بعض السلف اتخاذ المحاريب في المسجد، قال الضحاك بن مزاحم أول شرك كان في أهل الصلاة هذه المحاريب، وفي مصنف عبد الرزاق عن الحسن أنه صلى واعتزل الطاق أن يصلي فيه، وقال: كره الصلاة في طاق المسجد سعيد بن جبير ومعمر والمراد يطاق المسجد المحراب الذي يقف فيه الإمام، وفي شرح الجامع الصغير للحنفية، لا بأس أن يكون مقام الإمام في المسجد، وسجوده في الطاق، ويكره أن يقوم في الطاق لأنه يشبه اختلاف المكانين، ألا ترى أنه يكره الانفراد، انتهى، والمشهور الجواز بلا كراهة، ولم يزل عمل الناس عليه من غير نكير.
التاسع والستون:
أطلق في الروضة في باب الأذان أنه إذا أقيمت الجماعة في مسجد
فحضر قوم، فإن لم يكن له إمام راتب لم يكره لهم إقامة الجماعة فيه، وإن كان فيه، كرهت على الأصح، ومحل الكراهة إذا كان غير مطروق، فإن كان مطروقا لم يكره، كما ذكره في صلاة الجماعة، وقال الماوردي في باب الأذان: إن كان المسجد عظيما له إمام راتب بولاية سلطانية لم يجز لمن دخله أن يقيم فيه جماعة بعد جماعة، ولا أن يجهر بالأذان بعد أذانه، ثم إنه فصل في باب صلاة الجماعة فقال: إذا كان للمسجد مؤذن راتب وإمام منتدب قد رسم لصلاة الجماعة فيه كره إقامة الجماعة ثانيا فيه لأداء ذلك إلى الاختلاف وتفريق الجماعات، وتشتيت الكلمة وإن كان طريقا يقيل فيه المارة والمجتازون فلا بأس بإعادة الجماعة فيه مرارا للعادة، وذكر في الأحكام السلطانية تفصيلا آخر فقال:
وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه: إذا كان المسجد له إمام راتب كره إقامة الجماعة فيه ثانيا: قال الشافعي: روى هذا عن بعض السلف وأحب الكراهة في حق قوم يعادون الإمام الراتب فكرهوا ذلك، لأنه يؤدي إلى العداوة والاختلاف فيفوت مقصود الجماعة.
السبعون:
تكرير الجماعة في المسجد الواحد خلف إمامين فأكثر كما هو الآن بمكة، ويجامع دمشق، لم يكن في الصدر الأول، والسبب في حدوثها بالمسجد الحرام أنه كان الإمام في ذلك الوقت مبتدعا، ولم يكن الأمراء بمكة في ذلك الوقت يحملون الناس على مذاهب أنفسهم فعندنا امتنع الناس من إقامة الجماعة مع إمامهم الذي أقاموه فسحوا للناس في اتخاذ الأئمة لأنفسهم، واستمر الأمر عليه وكذا جرى مثله في بيت المقدس، وجامع مصر قديما، وأما المسجد الحرام وجامع دمشق فللاختلاف بين مذاهب الأئمة، وقد اختلف أصحابنا في جواز صلاة الشافعي خلف الجنفي أو المالكي الترك للبسملة ونحوه، والأصح فيه اعتبار نية المأموم، فإن كانت مما يصح عنده صح اقتداؤه، به وإلا فلا، وإذا صحت فقيل الانفراد أفضل لاحتمال بطلانها بترك الواجب.
الحادي والسبعون:
أطلق الأصحاب استحباب أن يؤذن واحد بعد واحد إذا اتسع الوقت. وقال الغزالي في الإحياء في باب النهي عن المنكر، يكره أن يؤذن واحد بعد واحد في المسجد بعد الفجر فإنه لا فائدة فيه إذ لم يبق في المسجد
نائم، ولم يكن الصوت يخرج من المسجد لينبه من هو خارجه، وقضية كلامه أنه لو كان في قرية صغيرة، ولم يبق فيه نائم أن الحكم كذلك، وإطلاق الأصحاب ينازعه.
الثاني والسبعون:
ما يعتاده المؤذنون الآن من تأذين واحد بعد الجمع بدعة وإنما ورد الأذانان في الصبح فقط والمسألة تنبني على المعنى في الأذن فالصحيح أنه إعلام الغائبين بالوقت، فعلى هذا لا يشرع الأذان مرة ثانية في غير ما ورد فيه التكرار كالفجر والجمعة وقيل: إنه عبادة بنفسه كسائر العبادات. فعلى هذا يتكرر وأما النداء على باب المسجد للإعلام بالشروع في الصلاة فجائز، ومنهم من منع الإقامة على بابه في غير الجمعة، أما الجمعة فقد روى أن بلالا كان يقيم على باب المسجد.
الثالث والسبعون:
ليتحرز من أغلاط يستعملها المؤنون:
أحدها: مد الهمزة من أشهد فيخرج من الخبر إلى الاستفهام.
ثانيها: مد الباء من أكبر فينقلب المعنى إلى جمع كبر - وهو الطبل.
ثالثها: الوقف على إله ويبتديء إلا الله، فربما يؤدي إلى الكفر.
الرابع: إدغام الدال من محمد في الراء من رسول، وهو لحن خفي عند القراء.
خامسها: أن {لا} ينطق بالهاء من الصلاة فيصير دعاء إلى النار، ذكر هذه الخمسة صاحب التذكرة.
سادسها: أن يفتح الراء في أكبر الأولى أو يفتحها ويسكن الثانية.
سابعها: مد الألف من بسم الله ومن الصلاة والفلاح، فإن مده مدا زائدا على ما تكلمت به العرب لحن، قال أبو الفتح عبد الواحد بن الحسن بن الحسين المغربي: الزيادة في حرف المد واللين على مقدارها لكنه وخطا.
ثامنها: قلب الألف هاء من الله ..
الرابع والسبعون:
لباس الخطيب السواد ودعاؤه للسلطان في الخطبة قال الغزالي: كره جماعة لبس السواد، لأنه بدعة حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بمكروه، لكنه ليس بمحبوب إذ أحب الثياب إلى الله، البياض، وأما الدعاء للسلطان في الخطبة، فقال الشيخ أبو إسحاق: لا يستحب. سئل عنه عطاء: فقال: محدث، وإنما كانت الخطبة تذكيرا، وقال القاضي الفارقي، يكره تركه الآن لما في تركه من الضرر بعقوبة السلطان.
الخامس والسبعون:
قال مالك: لم تكن القراءة في المصحف بالمسجد من أمر الناس القديم وأول من أحدثه الحجاج بن يوسف، وقال أيضا: أكره أن يقرأ في المصحف في المسجد، وأرى أن يقاموا من المساجد إذا اجتمعوا للقراءة يوم الخميس أو غيره، قلت: وهذا استحسان لا دليل عليه، والذي عليه السلف والخلف استحباب ذلك لما فيه من تعميرها بالذكر، وفي الصحيح في قصة الذي بال في المسجد، إنما بنيت لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن، وقال تعالى:{ويذكر فيها اسمه} وهذا عام في المصاحب وغيرها.
السادس والسبعون:
قال حجة الإسلام في الإحياء: لو كانت أرض المسجد مباحة وسقفه حرام جاز المرور دون الجلوس، لأنه انتفاع بالحرام، قال النووي وفيه نظر والمختار أنه لا يحرم القعود، وهو من باب الانتفاع بضوء سراج غيره، والنظر في مرآته، إذا لم يستول عليها وهما جائزان بلا خلاف قال الغزالي، وإذا بني المسجد في ارض مغصوبة أو بخشب مغصوب من
مسجد آخر أو ملك إنسان حرم دخوله لصلاة الجمعة وغيرها، وإن لم يعرف مالكه فالورع العدول إلى مسجد آخر، فإن لم يجد لم يترك الجمعة والجماعة لاحتمال أنه بناه من ماله ويحتمل أنه ليس له مالك معروف فيكون للمصالح.
السابع والسبعون:
يستحب ألا يتخذ المسجد مجلسا للقضاء صغيرا كان أو كبيرا للحديث السابق وفي كراهته وجهان، أصحهما نعم لقوله صلى الله عليه وسلم، جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وخصوماتكم، فإن اتفق جلوسه فيه، وحضره خصمان لم يكره أن يحكم بينهما لأن عثمان رضي الله عنه حضر المسجد ونام فأتاه سقاء بقربة، ومعه خصمه فجلس وقضى بينهما، وروى إبراهيم الحربي في كتاب علل الحديث عن جهم ابن واقد قال، رأيت الشعبي يقضي في المسجد، وقال مالك جلوس القاضي في المسجد للقضاء من الأمر القديم المعمول به، وكان شريح وانب ابي ليلى يقضيان في المسجد، وعن سعيد بن المسيب كراهته، وقال الروياني في البحر: لا يكره القضاء في المسجد في حالتين.
إحداهما: لو كان في المسجد معتكفا أو منتظر الصلاة فتحاكم إليه اثنان لا يكره له الحكم بينهما، وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة في المسجد على هذا الوجه، وهذا لأن حضورهم في المسجد لم يكن مقصورا على القضاء فيه، ونقله عن الأصحاب.
الثانية: إذا لزمه تغليظ الأيمان بالمكان لأن النبي صلى الله عليه وسلم غلظ لعان العجلاني في مسجده، ذكره بعض أصحابنا.
فائدة: قال في البحر، قال أصحابنا: لا يكره الجلوس فيه للفتيا وتعلم العلم والقرآن لأنه ليس فيه ما ذكرنا في القضاء، وقد تقدمت المسألة.
الثامن والسبعون:
لا تقام الحدود في المسجد، ولا التعزير لاحتمال تلويث المسجد بجرح أو حدث نص عليه الشافعي في الأم، ونقله عن أبي حنيفة، وأن ابن أبي ليلى خالف فيه، وفي سنن ابي داود عن حكيم بن حزام قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم/: أن يستقاد في المسجد، وان تنشد فيه الأشعار، وأن تقام فيه الحدود، وفي سنده محمد بن عبد الله الشعيثي قال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به، وفيه أيضا زفر بن وثيمة جهله بن القطان، ووثقه ابن حزم، ولو فعل ذلك في المسجد
وقع الموقع، وهل يكون حراما، ظاهر كلام البغوي والرافعي في باب حد الشرب: أنه حرام، لأنهما شبهاه بالصلاة في الأرض المغصوبة، يعصي ويجزيء وعليه اقتصر ابن الصباغ في باب الأقضية، وصرح الرافعي في باب الأقضية بأنه مكروه كراهة تنزيه، وبه صرح الروياني في البحر ولعل وجه من حرمه أنه مظنة خروج النجاسة والتحق بالحائض في تحريم العبور إذا خافت التلويث، وعبارة الشافعي في المختصر، وأنا لإقامة الحدود في المساجد أكره، قال الروياني: فإن كان في إقامته تلويث المسجد كقطع اليد في السرقة ونحوه حرام فعله في المسجد، قال ابن المنذر: ورينا عن عمر بن الخطاب وعلى ابن طالب، أنهما أمرا بإخراج من عليه ضرب في المسجد، وهو مذهب عكرمة، ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق، والنعمان وابن أبي ليلى، وروينا عن الشعبي أنه ضرب يهوديا حدا في المسجد، وقال ابن أبي ليىل، فيه قول ثالث: وهو التسهيل في ضرب الدرة، والدرتين في المسجد، ومنع إقامة الحدود فيه، وهو قول أبي ثور وابن عبد الحكم قال أبو بكر: وهو استحسان لا معنى له. والأكثر من أهل العلم على القول الأول، ولا يتبين لي أن يأثم من اقام الحد في المسجد لأني لم أجد الدلالة على ذلك، قال الروياني، وحكم التعزير حكم الحد في أنه لا يقام في المسجد إلا التعزير بالكلام فلا بأس به في أي موضع كان.
التاسع والسبعون:
يجوز اللعان في المسجد، ففي الصحيح من حديث سهل بن سعد أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد.
الثمانون:
يستحب جعل المنبر في الجامع لأجل الخطبة، ففي البخاري عن جابر: قال كان جذع يقوم إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وضع المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العشار حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه، وفي سنن أبي داود عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بدن قال له تميم الداري: ألا أتخذ لك منبرا يارسول الله: بلى، الحديث.
الحادي والثمانون:
يستحب أن يكون المنبر على يسار القبلة تلقاء يمين المصلي إذا استقبل كذا قاله الصيمري والدارمي والرافعي وغيرهم، ووقع في شرح المهذب.
للنووي على يمين المحراب وصوابه يساره، قال الصيمري /: وينبغي أن يكون بين القبلة والمنبر مدى ذراع أو ذراعين.
الثاني والثمانون:
يكره [اتخاذ] المنبر الكبير الذي يضيق على المصلين إذا لم يكن المسجد متسع الخطة قاله الرافعي وقال القاضي الحسين: إن كان لا يضيق لسعة المسجد لم يكره، وإن كان يضيق المكان عليهم لا يجوز، هكذا نقله عنه العجلي، وظاهره التحريم، وهو ظاهر لأن فيه تعطيل بقعة من المسجد من غير حاجة، وهذا كله في المنبر الذي لا يزال في مكانه، أما لو كان له خزانة وراءه يرد إليها بعد الخطبة كما هو بالاسكندرية، وغيرها فلا؛ لأن حال الخطبة لا صلاة.
فائةد: زعم الغزالي في الإحياء: أن المنبر يقطع الصف الأول، قال: وإنما الصف الأول المتصل الذي في بناء المنبر، وما يلي طرفيه مقطوع به، وهذه المقالة غلطها النووي في شرح مسلم وقال: الصف الأول الممدوح: هو الذي يلي الإمام سواء جاء صاحبه متقدما أو متأخرا، وسواء تخلله مقصورة ونحوها أم لا؟ هذا هو الصحيح الذي تقتضيه ظواهر الأحاديث وصرح به الجمهور، قال: وقالت طائفة من العلماء: الصف الأول هو المتصل من طرف المسجد إلى طرفه، لا يتخلله مقصورة ونحوها،
فإن تخلل الذي يلي الإمام [شيء] فليس بأول، وقيل الصف الأول عبارة عن مجيء الإنسان المسجد أولا، وإن صلى في صف متأخر، قال: وهذا القولان غلط نبهت عليهما، وقد كان بعض ائمة السلف يوكلون رجالا يسوون الصفوف.
الثالث والثمانون.:
اتخاذ المقاصير في المسجد لم يعهد في الصدر الأول وقال، أبو العباس القرطبي في شرح مسلم: لا يجوز اتخاذها ولا يصل فيها لتفريقها الصفوف تقطع الصف الأول وفيه ما سبق في المنبر، وروى أن الحسن وبكرا المزني كانا لا يصليان فيها، لأنها أحدثت بعد النبي صلى الله عليه وسلم [في المسجد] والمسجد مطلق لجميع الناس، وذكر من صنف في الأوائل أن أول من اتخذها بجامع دمشق معاوية.
الرابع والثمانون:
صلاة الفرض في المسجد أفضل من فعلها فيما سواه، هذا إذا كانت الجماعة في الموضعين على السواء فإن كان يفعلها في البيت في جماعة، وفي المسجد منفردا كان فعلها في البيت في جماعة أولى، صرحوا به في كتاب الحج في الكلام على استحباب القرب من البيت في
الطاف وكذلك النووي في شرح المهذب في كتاب الصلاة في الكلام على ما إذا تعارضت فضيلة تتعلق بنفس العبادة وبمكانها.
الخامس والثمانون:
الصلاة في الجامع أفضل من المسجد الصغير لكثرة الجماعة، وفي الأوسط للطبراني عن زهير بن عباد الرؤاسي، ثنا عبد الله بن محمد التميمي عن يوسف بن زياد، عن نوح بن ذكوان، حدثني عطاء بن أبي رباح، حدثني نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصلاة في المسجد الجامع، تعدل الفريضة حجة مبرورة والنافلة كحجة مقبولة، وفضلت الصلاة في المسجد الجامع على ما سواه من المساجد بخمسمائة صلاة، لا يروى هذا الحديث عن نافع إلا عطاء، ولا عن عطاء إلا نوح. تفرد به زهير.
السادس والثمانون:
مذهب مالك أنه يكره الاستياك في المسجد خشية أن يخرج من فيه دم ونحوه مما ينزه المسجد عنه، قال القرطبي في المفهم: لم يثبت قط أنه صلى الله عليه وسلم استاك في المسجد فلا يشرع لما فيه من زوال الأقذار فيه، والمساجد منزهة عنها، واهل الهيئات والمروءات يمتنعون من زوال الأقدار في المحافل والجماعات، قال: ومعنى قوله: لولا أن أشق
على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة أي عند كل وضوء انتهى. وما قاله عجيب، فإن المعنى ينتفي بما لو استاك بالرطب بحيث لا يخرج منه شيء، ودعواه أنه لم يثبت الاستياك في المسجد اعجب، وقد صح وبلغ التواتر أنه صلى الله عليه وسلم كان يستاك عند كل صلاة وأكثر صلاته بالمسجد وروى البيهقي في سننه من حديث جابر: أن السواك كان منه صلى الله عليه وسلم موضع القلم من أذن الكاتب، وقوله أنه من باب إزالة الأقذار، قد يقال: إنه من باب الطيب ولهذا يخرج باليمني كما رواه أبو داود في كتاب اللباس من سننه، وأعجب من هذا تأويله الصلاة بالوضوء، بل لو قيل باستحباب فعله في المسد لم يبعد لظاهر الأخبار الدالة على فعله في المسجد والأمر به.
السابع والثمانون:
اختلف السلف في أن النفل إثر الفرائض أفضل [في المسجد] أم في البيت على ثلاثة أقوال:
أحدهما: وهو مذهب الشافعي وقاله النخعي وغيره، إن فعلها في البيت أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وعلل بخشية اختلاطها بالفرائض ولسلامتها من الرياء.
الثاني: أن فعلها في المسجد أثر الفرائض أجمع للخاطر حكاه القاضي عياض عن قوم.
والثالث: الفرق بين الليل والنهار، ففي النهار، المسجد أفضل، وفي الليل البيت افضل، حكاه القاضي عياض عن مالك، والثوري واحتج بقول ابن عمر: فأما المغرب والعشاء ففي بيته، وهو دال على أن ما سوى ذلك كان في المسجد، وما سواهما هو راتب النهار، وهذا لا حجر فيه، لأن فيه الجمعة وهي نهارية، وهو لا يقول بها وفصل بعض المتأخرين بين أن يكسل عن فعلها في البيت، ففي المسجد أولى، وإلا ففي البيت، وفي صحيح ابن حبان من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد الجمعة في المسجد، ولم ير صلاها قبل ذلك في المسجد – وهو محمول على بيان المشروعية به صلى الله عليه وسلم، وكذا حديث حذيفة: أنه عليه السلام صلى المغرب فمازال يصلي في المسجد حتى صلى العشاء الآخرة. أخرجه الترمذي تعليقا قبل أبواب الزكاة، وقال وجه دلالته أنه عليه السلام صلى ركعتين بعد المغرب في المسجد، واعلم أنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم فعل الركعتين بعد المغرب في المسجد، وروى حنبل ابن اسحاق عن معه الامام أحمد بن حنبل أنه قال: السنة ان يصلي الرجل الركعتين بعد المغرب في بيته، كذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال السائب بن يزيد: لقد رأيت الناس في زمن عمر بن الخطاب إذا انصرفوا من المغرب انصرفوا جميعا حتى لا يبقي في المسجد أحد كأنهم
لا يصلون بعد المغرب حتي يصيروا إلى أهلهم انتهى، فلو صلاها في المسجد فهل تجزي، اختلف فيه قول أحمد، فروى عنه ابنه عبد الله أنه قال: بلغني عن رجل سماه أنه قال: لو أن رجلا صلى الركعتين بعد المغرب في المسجد ما أجزأه فال: ما أحسن ما قال الرجل، وما أجود ما انتزع قال أبو حفص ووجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهذه الصلاة في البيوت، وفي رواية المروزي، من صلى الركعتين بعد المغرب في المسجد يكون عاصيا، قال: ما أعرف هذا، قلت له: يكي عن ابي ثور أنه قال هو عاص، قال: لعله ذهب إلى قوله صلى الله عليه وسلم: افعلوها في بيوتكم، قال أبو حفص: ووجهه أنه لو صلى الفرض في البيت وترك المسجد أجزأه، فكذلك السنة انتهى، ونازعه بعض أصحابه وقال: ليس هذا وجهه عند أحمد، وإنما وجهه أن السنن لا يشترط لها مكان معين ولا جماعة فيجوز فعلها في البيت والمسجد، وفي سنة المغرب شيئان أحدهما فعلها في البيت، والثاني ألا يفصل بينهما بكلام نص عليه أحمد وروى مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم/ من صلى ركعتين بعد المغرب قبل أن يتكلم رفعت صلاته في عليين.
الثامن والثمانون:
يجوز المشي في المسجد بالنعل إذا لم يكن فيه نجاسة، لحديث أبي سعيد لما خلع النبي صلى الله عليه وسلم نعله في الصلاة فخلع الناس نعالهم الحديث، وهو في السنن: وفي الصحيحين من حديث سعيد بن زيد، قال: سألت أنس بن مالك أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه قال: نعم، وهو يدل على جوازه، وفي سنن أبي داود وصحيح ابن حبان من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه [عن أبيه] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم، وظاهره أن ذلك سنة، وقال الغزالي في الإحياء الصلاة في النعلين جائزة، وإن كان نزع النعلين سهلا، فليست الرخصة في الخف لعسر النزع بل هذه النجاسة معفو عنها، قال: وفي معناها المداس قال: وقال بعضهم: الصلاة في النعلين أفضل فمن خلع فينبغي ألا يضع عن يمينه ويساره بل يضع بين يديه ولا يتركه وراءه، فيكون قلبه ملتفتا إليه، قال: ولعل من رأي أن الصلاة فيه أفضل راعي هذا المعنى، ويحتمل أنه يقال: إنه راعى المخالفة كما بينته السنة، قال: ووضعهما، رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يساره، وكان إماما فللإمام أن يفعل ذلك، ولا يقف أحد عن يساره، والأولى ألا يضعهما بين قدميه فيشغلاه ولكن قدام قدميه.
التاسع والثمانون:
اختلف العلماء في الصلاة في المسجد بين السواري فكرهه انس، وقال: كنا نتقيه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ كنا ننتهى عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها، صححهما الحاكم في المستدرك وقال ابن مسعود لا تصفوا بين الأساطين، وكرره حذيفة وإبراهيم، وقال القرطبي، إنما كرهت الصلاة بين الأساطين، لأنه روى في هذا الحديث أنها مصلى الجن المؤمنين، وأجازه الجمهور منهم الحسن ومحمد بن سيرين، وكان ابن جبير وإبراهيم التميمي وسويد بن غفلة يؤمون قومهم بين الأساطين وهو قول أبي حنيفة وقال مالك: لا بأس بذلك لضيق المسجد، وفي الصحيحين أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يبتدرون السواري عند المغرب.
التسعون:
يجوز نبش قبور المشركين، وبناء المسجد موضعها ففي الصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقبور المشركين فنبشت عند بناء المسجد فقيل: لأنها لا حرمة لها، لأنهم ليسوا أهل كتاب، وقيل: لأنها دثرت، ولم يظهر لها أثر، والحاجة داعية إلى الانتفاع بمحالها وكرهه مالك.
الحادي والتسعون:
يستحب بناء المسجد في الدور، ففي سنن أب داود والترمذي وابن ماجة في كتاب الصلاة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب وأخرجه ابن حبان في صحيحه، قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد: والدور القبائل والمحال.
الثاني والتسعون:
يجوز فتح الخوخة، والممر في المسجد، بوب عليه البخاري هكذا وأدخل فيه حديث أبي سعيد، أنه صلى الله عليه وسلم خطب وقال: لا يبقين في المسجد باب إلا سد، إلا باب أبي بكر وظاهر الخبر المنع
…
وخصوصية الصديق بذلك دون غيره، وقيل: إن ذلك إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى خلافته بعده، لأن جعل بابه في المسجد ليخلفه في الإمامه، فيخرج من بيته إلى المسجد كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل ومنع الناس كلهم من ذلك دليل عليه.
الثالث والتسعون:
قال ابن بطال يجب اتخاذ الأبواب للمساجد لتصان عن التراب وتنزه
عما لا يصلح فيها من غير الطاعات بالغلق، وفي صحيح البخاري قال ابن أبي مليكة لابن جريج، لو رأيت مساجد ابن عباس وأبوابها وفيه من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم فتح الباب ودخل الكعبة.
الرابع والتسعون:
يجوز بناء المطاهر بالقرب من المساجد والتوضية منها، وقد روى ابو عبد الله ابن بطة في كتاب جواز اتخاذ الشقاية في رحبة المسجد من جهة عبد الرزاق ثنا الثوري عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت: كن المعتكفات إذا حضن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجهن من المسجد، وأن يضربن الاخبية في رحبة المسجد حتى يطهرن وذكر فيه حكاية عن أحمد أنه احتج بذلك، وهو يدل على صحته عنده، وفي كتاب الطهور لأبي عبيد عن إبراهيم النخعي، قال: كانوا يتطهرون من مطاهر المساجد وروى فعل ذلك عن علي وأبي هريرة رضي الله عنهما.
الخامس والتسعون:
قال القاضي أبو منصور بن الصباغ في كتاب، الإشعار باختلاف العلماء اختلفوا في الصلاة في الكنائس والبيع والنواويس، فحكي ابن
المنذر عن ابن عباس ومالك، أنهما كانا يكرهان ذلك لأجل الصور، وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لنصراني: إنا لا ندخل عليكم بيعكم من أجل الصور التي فيها وعن أبي موسى الأشعري أنه صلى في كنيسة، وعن الحسن والشعبي وغيره الترخيص في الصلاة في البيع والكنائس، قال: وذاكرت شيخنا يعني أبا نصر بذلك فكان جوابه أنه ينبغي أن يكره لأجل الصور التي فيها، ولدخولها من غير إذن والله أعلم.
السادس والتسعون
تجوز الصلاة في مساجد الأسواق فرادى وجماعات لحديث أبي هريرة صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته، وفي سوقه خمسا وعشرين درجة، وأما ما رواه الآجري أن سائلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شر البقاع فلم يكن عنده علم ذلك حتى جاء جبريل فقال: شر البقاع الأسواق، وخيرها المساجد، فلا يقتضي وصف البقاع بالشر عدم صحة الصلاة فيها، ولعلها شر بالنسبة إلى أنها محل الشيطان.
السابع والتسعون:
كره النحعي وغيره من السلف أن يقال: مسجد بني فلان، لأن المساجد بيوت الله والمشهور الجواز، وقد ترجم له البخاري وأورد فيه حديث
ابن عمر انه صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، وليست الإضافة هنا للملك وإنما هي للتمييز ومثل ذلك لا يمتنع.
الثامن والتسعون:
تجوز القسمة ونحوها مما يتعلق بمصالح المسلمين في المسجد ذكره البخاري، وأورد فيه حديث أنس/ أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين، فقال انثروه في المسجد، والمعنى ألا يخص أحدا من الناس فلا يحجب أحد من دخوله من ذوي الحاجة.
التاسع والتسعون:
الأولى فعل العيدين في المصلي، كذلك كان صلى الله عليه وسلم يصل بهم فيه، وهو المصلي الذي على باب المدينة الشرقي، يوضع فيه محل الحاجة ولم يصل العيد في المسجد إلا مرة لأجل مطر أصابهم، كذا رواه أبو داود وابن ماجة.
تمام المائة:
سئل الغزالي في فتاويه عن المصلي الذي بني لصلاة العيد خارج البلد فقال: لا يثبت له حكم المسجد في الاعتكاف ومكث الجنب وغيره من الأحكام، لأن المسجد هو الذي أعد لرواتب الصلاة، وعين لها حتى لا ينتفع به في غيرها، وموضع صلاة العيد معد للاجتماعات ولنزول القوافل، ولركوب الدواب، ولعب الصبيان، ولم تجر عادة السلف بمنع شيء من ذلك فيه، ولو اعتقدوه مسجدا لصانوه عن هذه الأسباب ولقصد لإقامة سائر الصلوات، وصلاة العيد تطوع، وهو لا يكثر تكرره بل يبني لقصد الاجتماع والصلاة تقع فيه بالتبع.
الحادي بعد المائة:
مذهب الزهري أنه لا يصح الاعتكاف إلا في المسجد الجامع والشافعي في القديم رمز إليه إذا زاد على أسبوع، والمذهب الجديد أنه لا يختص لكن الأولى بالاعتكاف الجامع فقيل: للخروج من الخلاف، وقيل: لكثرة الجماعة فيه، وقيل: لئلا يحتاج إلى لخروج لصلاة الجماعة. قال الرافعي: وهذا أظهر المعاني عند الشافعي إذ لابد منه في ثبوت الأولوية، لأنه نص على أن العبد والمرأة والمسافر، يعتكفون حيث شاءوا من المساجد، لأنه لا جمعة عليهم، وتتفرع على هذه المعاني كما قاله ابن الرفعة في الكفاية صور
إحداها: أن اعتكاف المرأة في الجامع وغيره سواء نظرا للمعنيين السابقين: فإن صلاتها في بيتها أفضل في حقها.
الثانية: إذا كان قصده أن يعتكف دون الأسبوع استوي الاعتكاف في مسجد الجامع وفي غيره نظرا إلى معنى الجمعة وقد قاله القاضي الحسين.
الثالثة: إذا كان في جواره مسجد ليس فيه جماعة، وكانت تحصل بصلاته فيه، أن يكون اعتكافه فيه أفضل نظرا إلى معنى الجماعة، لأن الصلاة في مسجد الجوار بالصفة المذكورة أفضل.
الثاني بعد المائة:
في صحة اعتكاف المرأة في مسجد بيتها قولان للشافعي، أصحهما الصحة، وهو المعتكف المهيأ للصلاة، وهل الأفضل أن تعتكف في مسجد بيتها لأنه أستر لها، أو في المسجد الجامع لأجل الخروج من خلاف العلماء، فيه احتمالان لابن الرفعة، وقد نقل القاضي الحسين في تعليقه وابن الصباغ في الشامل وغيرهما نص الشافعي على أنه يكره لها الاعتكاف في غير مسجد بيتها، وهو ظاهر قال ابن الرفعة ولا يكره لها الاعتكاف في المسجد وهي التي يكره لها حضور الجماعات، فالاعتكاف في المسجد الجامع في حقها أشد كراهة.
الثالث بعد المائة:
حكى الشيح أبو بكر في قواعده وابن حزم في المحلي عن بعض العلماء،
أنه لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة، وما عداها لا يصح الاعتكاف فيه، والمشهور من مذاهب العلماء خلاف ذلك، قال ابن حزم: ولو صح ذلك باعتبار أنه صلى الله عليه وسلم لم يفعله في غيرها لزم ألا يصح الاعتكاف إلا في شهر رمضان، والعشر الأول من شوال، وهو خلاف الاجماع، إذا عرف هذا فلونذر الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة لم يتعين على الأصح عند الأكثرين، منهم الرافعي والنووي، ووهم ابن الرفعة فنقل في الكفاية: أن الرافعي صحح القول بالتعيين، وقال في البحر: القول بالتعيين غلط، والمسألة على قول واحد أنه لا يتعين وكلامه السابق محمول على الاستحباب أو على ما إذا كان قد عين أحد المساجد الثلاثة.
الرابع بعد المائة:
لو نذر إتيان مسجد غير المساجد الثلاثة لا يلزمه لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجدي هذا ومسجد الأقصى، رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد، وحكي الإمام عن الشيخ أبي على أن هذا الحديث لا يوجب تحريما وكراهة في شد الرحال إلى غيره ثم قال: وهو حسن عندي لا يصح غيره قال: وكان شيخي يفتي بالمنع من شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة من المساجد [وربما كان يقول يكره] وربما كان يقول: يحرم
أخذا بظاهر النهي، وأبو علي رده إلى تبيين محل القربة وتخصيصها بقصد المساجد الثلاثة، قال ابن الصلاح في مشكل الوسيط، وهو إلى رواية ما لم يسم فاعله أميل من قول الشيخ ابي محمد. وقال النووي في شرح مشلم: قال الشيخ أبو محمد: يحرم شد الرحال إلى غيرها وهو غلط انتهى، وحكي الرافعي كلام الامام عن شيخه وأبي علي، وأقره، قال الامام والظاهر أنه ليس فيه كراهة ولا تحريم، وقال الغزالي في الإحياء، ذهب بعض العلماء إلى الاستدال بهذا الحديث – يعني قوله: صلى الله عليه وسلم: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد - في المنع من الرحلة لزيارة المشاهد وقبور الشهداء والصالحين، وما تبين لي أن الأمر كذلك بل الزيارة مأمور بها قال صلى الله عليه وسلم: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، والحديث ورد في المساجد الثلاثة وليس في معناها باقي المساجد لأن المساجد بعد المساجد الثلاثة متماثلة، ولا بلد إلا وفيه مسجد، ولا معنى للرحلة إلى مسجد آخر، واما المشاهد فلا تتساوي بل [بركة] زيارتها على قدر درجاتهم عند الله تعالى، نعم، لو كان في موضع لا مسجد فيه فله أن يشد الرحال إلى موضع فيه مسجد، وينتقل إليه بالكلية إن شاء ثم ليت شعري هل يمنع هذا القائل من شد الرحال، إلى قبور الانبياء مثل قبر إبراهيم وموسي، ويحيى وغيرهم صلوات الله عليهم، والمنع من ذلك في غاية الإحالة
فإذا جوز ذلك فقبور الأولياء والعلماء والصلحاء في معناها فلا يبعد أن يكون ذلك من أغراض الرحلة كما أن زيارة العلماء في الحياة من المقاصد.
الخامس بعد المائة:
لو عين مسجدا غير المساجد الثلاثة لأداء فريضة أو نافلة لم يتعين، لأنه لم يثبت لبعضها فضل على بعض، فلم يتعين لأجل ذلك منها ما عينه، هذا هو المشهور ورواءه وجهان محكيان في الذخائر، أحدهما: أنه يتعين قد نسب القاضي أبو الطيب هذا الوجه إلى ابن القاص، قال: وسمعت أبا عبد الله الحسين يقول: وهذا ليس بصحيح عن ابي العباس، والثاني أنه إذا عين الجامع تعين، وفي الإبانة: أن النفل لا يتعين له مسجد وأما الفرض فإذا عين لإيقاعه مسجدا بالنذر فإن انتقل إلى مسجد آخر تكون الجماعة فيه أعظم وأكثر جاز وإلا فلا يجوز، وعلى المشهور هل يتعين فعل الصلاة في مسجد أو يجوز فعلها في البيت والسوق، أما الصلاة المفروضة فالظاهر اللزوم لأن تطولي القراءة يلزم بالنذر، وأما غيرها مما التزم بالنذر فالمشهور جواز فعلها [في] أي موضع شاء ذكره الماوردي، وابن الصباغ وقال: وخالف هذا ما لو نذر صوم يوم فإنه يتعين ذلك اليوم، لأن النذر مردود إلى أصل الشرع وقد وجب الصوم في زمان بعينه لا يجوز له في غيره، فكذلك إذا نذره، وليس كذلك الصلاة فإنها لم تخص بمكان بعينه فيما وجب ابتداء
كذا النذر وهذا منه تفريع على تعيين الصوم وهو الأصح، وقال في البحر: لو نذر الصلاة في الجامع له أن يصلي في مسجد، وإن لم يكن جامعًا وهذا مؤذن بأنه لو أراد فعلها في غير مسجد لم يجز ويقرب منه قول القاضي الحسين: إذا نذر الصلاة في الجامع كان في خروجه عن موجب النذر بالصلاة في السوق، إشكال، لأن الصلاة في الجامع أفضل من الصلاة في وسط السوق، ولو نذر أن يصلي ركعتين يقرأ فيهما سورة البقرة وآل عمران لزمه ذلك، لأن طول القيام أفضل، وكذا ههنا الصلاة في المسجد، أفضل.
السادس بعد المائة:
من سبق إلى موضع من المسجد فجلس فيه للصلاة لم يثبت له حق الاختصاص به في صلاة أخرى بعدها، بل من سبق بعد إلى ذلك الموضع فهو أحق به وليس لغيره إزعاجه منه لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يقيم أحدكم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه، أخرجه مسلم، فإن فارقه قبلها، فإن لم يكن لعذر بطل اختصاصه، وإن كان لعذر كإجابة داع، أو سبق رعاف، أو تجديد وضوء أو قضاء حاجة، وعاد في بقاء حقه وجوه، أحدها: لا. كما لا يبقى إذا عاد لصلاة أخرى، وأصحهما، يبقى لقوله صلى الله عليه وسلم: من قام من مجلسه ثم رجع
إليه فهو أحق به رواه مسلم. وذكر الشيخ نجم الدين في المطلب، أن البخاري رواه وهو وهم. وقد شهد بذلك الحميدي وغيره فعدوه في أفراد مسلم، وثالثهما عن القاضي أبي الطيب - أنه إن ترك سجادته أو منديله بقي حقه كما إذا قام صاحب المقعد لحاجته وترك فيه قماشه.
وأشار إليه الإمام.
السابع بعد المائة:
إذا جلس الشيخ في المسجد ليقرأ عليه القرآن أو يتعلم منه العلم أو يستفتى، فالذي ذكره الغزالي وحكاه الرافعي عن أبي عاصم العبادي، وقال: إنه أشبه بمأخذ الباب. أنه يثبت اختصاصه به كمقاعد الأسواق لأن له غرضا في ملازمة لك الموضع لإلف الناس به، وحكاه الإمام عن بعض الأصحاب. وقال: إن شيخه أباه قال: ووجدت صاحب التقريب على موافقته، قال: والأمر عندي مثبت على هذا الوجه فإذن المسجد في ذلك كالشارع، فإن الاختصاص فيه محمول على غرض ظاهر في المعاملة، ولا يتحقق مثله في المساجد، فبقاع المساجد تضاهي بقاع المتحدثين، في الشوارع، ويوافق هذا قول القاضيين الماوردي، والروياني: إنه كالجالس للصلاة يبطل حقه منه مهما قام، ويكون السابق إليه أحق لقوله تعالى:{سواء العاكف فيه والباد} ، ونسبه في الأحكام السلطانية
إلى جمهور الفقهاء وغير مالك، وقال: وإذا ارتسم بموضع من جامع أو مسجد، فقد جعله مالك أحق بالموضع لأنه عرف به، والذي عليه جمهور الفقهاء أن هذا يستعمل في عرف الاستحسان، وليس بحق مشروع وإذا قام عنه زال حقه فيه، وكان السابق إليه أحق للآية، وقال النووي: جلوس الفقيه في موضع معين حال التدريس، الظاهر فيه دوام الاختصاص لطرد العرف وفيه احتمال.
الثامن بعد المائة:
لو جلس للاعتكاف قال النووي: ينبغي أن يقال: له الاختصاص بموضعه ما لم يخرج من المسجد إن كان اعتكافا مطلقا، وإن نوي اعتكاف أيام فخرج لحاجة جائزة ففي بقاء اختصاصه إذا رجع احتمال، والظاهر بقاؤه، ويحتمل أن يكون على الخلاف فيما إذا خرج المصلي لعذر.
التاسع بعد المائة:
الجلوس لاستماع الحديث والوعظ – قال النووي: الظاهر أنه كالصلاة فلا يختص بما سوى ذلك المجلس ولا فيه إن فارق بلا عذر، ويختص إن فارق بعذر على المختار، قال: ويحتمل أن يقال: إن كان له عادة بالجلوس بقرب كبير المجلس، وينتفع الجالسون بقربه منه لعلمه، ونحو ذلك، دام اختصاصه في كل مجلس بكل حال.
العاشر بعد المائة:
يمنع الناس من استطراق حلق الفقهاء والقراء توقيرا لها، قاله الرافعي، وكذا ذكره الماوردي والروياني، واستدلوا بحديث انه صلى الله عليه وسلم قال: لا حمى إلا في ثلاث وذكر منها حلقة القوم وهو جلوسهم للتشاور والحديث.
الحادث عشر بعد المائة:
قال الإمام: ليس للإمام أن يتصرف في المساجد والأقطاع فإنها لله تعالى: قال الرافعي: وهذا يخدشه شيئان: أحدهما أن القاضي الماوردي ذكر: أن الترتيب في المسجد للتدريس والفتوى كالترتيب للإمامة حتى لا يعتبر إذن الإمام في مساجد المحال، ويعتبر في الجوامع، وكبار المساجد إذا كانت عادة البلد فيه الاستئذان فجعل لإذن الامام فيه اعتبار، الثاني عد الشيخ أبو حامد وطائفة في جملة ما يقطع ليرتفق بالجلوس فيه للبيع والشراء [مع مقاعد الأسواق رحاب المسجد – وهذا كما يقدح في نفس الأقطاع يعترض على المشهور في المنع من الجلوس في
المسجد للبيع والشراء] إلا أن يراد بالرحاب الأفنية الخارجة عن حد المسجد وقال الماوردي في الأحكام السلطانية: تولية الأئمة في المساجد، ونصب المتصدرين في العلم وغيره فيها لواقفها، وأما المساجد الكبار كالجوامع ومساجد الشوارع، فالتولية فيها للسلطان لأن ذلك من الأمور العظام، فاختصت بنظره.
الثاني عشر بعد المائة:
إذا كان له في أرض حصة مشاعة فوقفها مسجدا، ففي فتاوى الشيخ أبي عمرو بن الصلاح أن الوقف يصح في الحال، ويثبت للبقعة كلها حرمة المسجد في الحال، فلا يجوز للجنب المكث فيهن وتجب القسمة لتعينها طريقا إلى الانتفاع بالموقوف، ولو اعتكف فيها قبل القسمة فهل يصح أم لا؟ فيه نظر:
الثالث عشر بعد المائة:
لابد في الوقف من اللفظ إلا أنه إذا بني مسجدا في موات صار مسجدا بذلك من غير توقف على لفظ، ذكره الماوردي لأن النية مع الفعل تغنيان عن القول فيزول ملكه عن الالة بعد استقرارها في مواضعها وهي قبل الاستقرار باقية على ملكه إلا أن يصرح بأنها للمسجد فتخرج عن ملكه، وهو نظير قولهم إن أراضي الفيء تصير وقفًا
بمجرد الاستيلاء على قول: وأما إذا أذن بالصلاة في ملكه فلا يصير وقفا بمجرد هذا خلافا لأب حنيفة لنا أن العتق أسرع نفوذا من الوقف، ولا يصح إلا باللفظ المقتضي له، فإن قيل: فقد بني رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده، ولم ينقل عنه أنه تلفظ بوقفه، وقال: من بني لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بني الله له بيتا في الجنة، أناط ذلك بالبناء دون اللفظ فالجواب – أن عدم نقل التلفظ بالوقف لا يدل على عدم اعتباره، وقد قام الدليل على اعتباره فوجب المصير إليه، وإنما خرجت الصورة التي ذكرها الماوردي عن القاعدة، لأن البقعة لم تدخل في ملكه ثم زالت والكلام في وقف يتضمن إزالة الملك، وإنما حصل الإحياء للمسجد ابتداء.
الرابع عشر بعد المائة:
لو قال: جعلت هذه البقعة مسجدا ففي الوجيز أنها تصير مسجدا وإن لم يأت بلفظ الوقف والمنقول عن القاضي والبغوي والمتولي والخوارزمي، أنها لا تصير مسجدا بذلك لأنه لم يوجد فيه شيء من ألفاظ الوفق، قال الرافعي: وبه أجاب الاستاذ أبو طاهر، ووجهه بانه وصفها بما هي موصوفة، قال صلى الله عليه وسلم: وجعلت لي الأرض مسجدا: [قال الرافعي في موضع والأشبه أنه لا بأس باستعمال لفظ الوقف وأن قوله جعلته مسجدًا] يقوم مقامه لإشعاره بالمقصود واشتهاره فيه، على أنه نقل عن القاضي والمتولي الصحة فيما إذا نوى مع ذلك.
الخامس عشر بعد المائة:
إذا وقف بقعته مسجدًا فلا يثبت حق الاختصاص فيه لأحد، فلو شرط في الوقف اختصاص المسجد بأصحاب الحديث وهم الشافعية والمالكية والحنابلة أو بأصحاب الرأي وهم الحنفية أو بطائفة معلومة فوجهان، أحدهما واختاره الإمام والغزالي فساد الشرط، لأن جعل البقعة مسجدا من قبل التحرير فلا يثبت فيه الشرط [كالعتق، ولا معنى لاختصاص جماعة بالمسجد] وعلى هذا قال في التتمة: يفسد الوقف لفساد الشرط، وقال الامام: لا يفسد على المذهب: إذ لا أثر للشرط الفاسد في التحرير كالعتق، وأصحهما عند الرافعي في المحرر وبه جزم القاضي الحسين – أن الشرط يصح ويختص بالمذكورين رعاية لشرط الواقف قطعا للنزاع في إقامة الشعائر لاختلاف المذاهب.
السادس عشر بعد المائة:
أفتى الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله بأن متولي تدريس المدرسة هو الذي يقرر مقدار الجامكية للفقهاء وينزلهم وليس للناظر في الوقف إلا تحصيل الريع وقسمته على المنزلين.
السابع عشر بعد المائة:
إذا استناب إمام المسجد من يصلي عنه بغير عذر لي يستحق شيئا من الجامكية لا هو ولا النائب، لكن إن جعل للنائب جعلا استحقه
وإلا فلا، أفتى بذلك الشيخ أبو زكريا النووي وابن عبد السلام، وقال: إن أذن له الناظر في الاستنابة جاز واستحق النائب المشروط للإمام دونه، وليس هو نائبا عنه، بل هو وكيل في هذه التولية فإن تواطؤوا على أن يأخذ الوكيل بعضا والقائم بالامامة بعضا لم يجز [وفي صحة التولية] في هذه الصورة نظر مبني على أن المعلوم كالمشروط ولو شرط ذلك في التولية بطلت، ولم يستحق القائم بالامامة شيئا لبطلان التولية. فإن لم يجر شرط ولا توطؤ فتبرع الامام على الوكيل فلا بأس به. وخالفهما الشيخ تقي الدين وغيره، فأفتوا بجواز الاستنابة. وذكر ولده الشيخ بهاء الدين حمه الله: أن الشيه عز الدين بن عبد السلام ولي ابن الخويي مدرسا بالمدرسة الدماغية بدمشق، وعمره عشر سنين، وأذن له أن يدرس فيها وحضر درسها بحضوره وقال: أرجو أن يكون ذلك مرغبا له في الاشتغال وكان كذلك.
الثامن عشر بعد المائة
لو وقف شيئا على من يصلي الصلوات الخمس في هذا المسجد، او على من يشتغل بالعلم في هذه المدرسة، أو يقرأ كذا كل يوم في هذه التربة، فأخل الامام والمشتغل والقاريء بهذه الوظائف في بعض الأيام قال الشيخ
عز الدين لم يستحق شيئا من الغلة في مقابلة الايام التي أدى فيها الوظيفة بخلاف ما لو استأجره لخياطة خمسة أثواب فخاط بعضها، فإنه يستحق حصة ما خاطه من الأجرة ن والفرق أنا نتبع في الاعواض والعقود المعاني، وفي الشروط والوصايا الألفاظ، والوقف من باب الارصاد والأرزاق، لا من باب المعاوضات، فمن أخل بشيء من الشروط لم يستحق شيئا انتهى، وفيه نظر، بل ينبغي أن يقال يستحق قدر ما عمل، وعليه عمل الناس ويدل له قول الأصحاب إن من استؤجر للنيابة في الحج فمات، وقد بقي عليه بعض الأركان أنه يوزع على العمل والسير وهو واضح.
التاسع عشر بعد المائة:
لو وقف على مدرس يقريء الناس في المسجد أو المدرسة كل يوم وجرت عادة البلد بترك الإقراء يوم الجمعة مثلا، ففي فتاوي ابن الصلاح: أنه ليس له ترك الإقراء فيه، لأن قوله كل يوم تصريح منه بالعموم فلا يترك لعرف خاص، ثم إن كان هناك ممن يريد القراءة عدد محصور فيشترط في الاستحقاق إقراؤهم كلهم وإن لم يكونوا عددا محصورا استحق بإقراء ثلاثة، وقال الشخ عز الدين، العرف المطرد بمنزلة الشروط فيه فينزل الوقف عليه، فإذا وقف على المدرس والمعيد والفقهاء بمدرسة كذا نزل على ما يقتضيه العرف من التفاوت بينهم، ومن الفقيه والأفقه، وكذلك ينزل على إلقاء الدرس في الغدوات ولا يكفي إلقاء الدرس ليلا ولا عشية، ولا ظهرا فيها.
العشرون بعد المائة:
ذكر الرافعي في الفروع المنتثورة في آخر كتاب الأيمان عن الحنفية ووافقهم، أنه لو حلف لا يدخل هذا المسجد فزيد فيه فدخل موضع الزيادة حنث، قال في الروضة: وفيه نظر، وينبغي ألا يحنث بدخولها، لأن اليمين لم يتناولها حالة الحلف.
الحادي والعشرون بعد المائة:
لو استأجر بيتا ليصلي فيه الناس مدة يجوز، وعند أبي حنيفة لا يجوز، ونحن نقول: بأن هذه منفعة مقصودة من الموضع فيجوز الاستئجار لأجلها كما لو استأجره للنوم، ووضع المتاع فيه.
الثاني والعشرون بعد المائة:
[لو أجر متولي المسجد حانوته الخراب بشرط أن يعمره المستأجر ويكون ما انفقه محسوبا من أجرته لم تصح الإجارة لأنه عند الإجارة غير منتفع به. ذكره الرافعي في أواخر الإجارة وهو مما تعمم البلوي بها]
الثالث والعشرون بعد المائة:
سئل أبو زكريا النووي عمن شغل بقعة من المسجد بمتاع له؟ فقال: قال الغزالي: في فتاويه: إذا طرح في مسجد غلة أو غيرها لزمة أجرة البقعة، فإن أغلق باب المسجد لزمة أجرة جميع المسجد كما لو طرح ذلك في بيت لهدهليز وأغلق الباب، فإنه يلزمه أجرة جميع الدار وكما تضمن أجزاء المسجد بالإتلاف تضمن منفعته بالإتلاف كمفعة الأملاك، قال النووي:
وهذا صحيح معتبر، وإن شغل بالخلة جانبا من المسجد ولم يغلقه لزمه أجرة ما يستغله، وتصرف الأجرة في مصالح المسجد.
الرابع والعشرون بعد المائة:
لو وقف على عمارة مسجد لم يجز صرف الريع إلى النقش والتزويق، قال في الحاوي والعدة: ولا إلى أئمته ومؤذنيه، ويجوز إلى قوامه، والفرق أن القيم يحفظ العمارة واختصاص الأئمة والمؤذنين بأحوال المصلين، ويشتري منه البواري، ولا يشتري منه الدهن في الأصح، قال الرافعي: وكأن الفرق أن ما يفرش حافظ للعمارة وإيناس المسجد ومنفعة الدهن تختص بالمصلي، والذي ذكره صاحب التهذيب وأكثر من تعرض للمسألة: أنه لا يشتري به الدهن ولا الحصر، والتجصيص الذي فيه إحكام معدود من العمارات ولو وقف على مصلحة المسجد لم يصرف إلى النقش والتزويق وتجوز عمارته [منه] وسواء الحصر والدهن ونحوها، قال الرافعي: والقياس جواز الصرف إلى الامام والمؤذن أيضا، ولو وقف على المسجد مطلقا وصححناه وهو الأصح، فقد ألحقه البغوي بما إذا وقف على عمارته وفي الجرجانيات لأبي العباس حكاية وجهين في جواز الصرف إلى النقش والتزويق.
الخامس والعشرون بعد المائة:
إذا وقف على دهن السراج في المسجد جاز إسراجه في جميع الليل،
لأنه أنشط للمصلي، وقال النووي، إنما يسرج جميع الليل إذا انتفع به من في المسجد كمصل ونائم وغيرهما فإن كان المسجد مغلقا ليس فيه أحد ولا يمكن دخوله لم يسرج لأنه إضاعة مال، وأفتى الشيخ أبو محمد بن عبد السلام بجواز إيقاد اليسير من المصابيح ليلا مع حلو المسجد من الناس احتراما له وتنزيها عن وجشة الظلمة، ولا يجوز نهارا لما فيه من السرف والإضاعة والتشبه بالنصارى.
السادس والعشرون بعد المائة:
في فتاوى الغزالي: يجوز وقف الستور ليستر بها جدران المسجد، قال الرافعي: وينبغي أن ياتي فيه الخلاف المذكور في النقش والتزويق.
السابع والعشرون بعد المائة:
تقبل شهادة الحسبة في الوقف على المساجد والجهات العامة بلا خلاف، لأنها لا تتقاصر عن الوصية لفقراء غير محصورين، وإن كان الوقف على معين فإن قلنا الملك لله فيه، لم تسمع شهادة الحسبة وإلا فوجهان أصحهما المنع أيضا ولا تثبت إلا بالدعوى، وقال القاضي الحسين في كتاب الشهادات: لو شهد شاهدان بأن هذه الدار للمسجد الجامع، أو بأن في ذمته للمسجد الجامع شيئا، هل تسمع هذه الشهادة؟ فيه جوابان بناء على ما لو أقر للحمل بمال مطلقا، وفيه قولان ووجه الشبه أنه لا يتصور المعاملة بينه وبين الحمل كما لا يتصور أن يعامل المسجد، فإذا قلنا: تقبل
فيحمل على وجه صحيح كأنه اشترى للمسجد من غلة المسجد أو وهب للمسجد وقبل هو وكان قيم المسجد.
الثامن والعشرون بعد المائة:
قال القاضي أبو الطيب الطبري، لا يجوز بناء المسجد باللبن المعجون بالماء النجس بناء على نجاسته، ويطهر بالغسل ظاهره دون باطنه على الجديد الأصح.
التاسع والعشرون بعد المائة:
قال الشافعي: يكره للرجل أن يقيم الرجل عن مجلسه ويجلس هو في مكانه إماما كان أو مأموما، في يوم الجمعة أو غيره لأن السابق إلى المكان أحق به، فإن اختار صاحب المكان أن يقوم منه ويجلس غيره فيه لم يكره للثاني أن يجلس في مكان الأول، فأما الأول فإن تحول إلى حيث يسمع الخطبة مثل، ما كان في المجلس الأول لم يكره له، فإن تباعد عن ذلك كره له، قال: ولو نصب رجل صاحبا له فجلس في مكان حتى إذا جاء قام هو وجلس فيه لم يكره له، ولا يكره لهذا الجالس أن يتحول عنه أيضا وروى ابن المنذر عن محمد بن سيرين: أنه كان يرسل غلامه إلى مجلس له يوم الجمعة فيجلس فيه، فإذا جاء محمد قام الغلام وجلس فيه محمد، فلو لم يفعل هكذا ولكن بعث شيئا يفرش له حتى إذا جاء جلس عليه وصلي، قال في الأم: ليس لغيره أن يجلس عليه لأنه ملك لغيره،
قال الشيخ أبو حامد، ولكن له أن ينجيه، ويجلس في ذلك المكان، لأن الحرمة للإنسان دون فرشه، نقله الروياني في البحر.
الثلاثون بعد المائة:
[من جلس في مكان جلس في صف مستقبل القبلة على العادة فإن ضاق به المكان لضيق المسجد وكثرة المصلين فجلس مستقبل المصلين لم يكره له قاله الروياني في صلاة الجمعة].
الحادي والثلاثون بعد المائة:
إذا جاء والموضع ضيق بأهله يقول: تفسحوا وتوسعوا، ولا يقم أحدا من مجلسه، فقد ورد النهي عنه، قال الشافعي: فإن قعد المأموم في مصلي الإمام، أو في طريق الناس، إن قعد مستقبلا للمصلين، والمسجد امتلأ من الناس لا تكره إقامته لأن في جلوسه ضررا على الناس.
الثاني والثلاثون بعد المائة:
الدارس الموقوفة على الفقهاء، هل يجوز لغيرهم دخول بيوت الخلال فيها، والجلوس في مجالسها والشرب من مياها؟ أفتى ابن الصلاح وبالجواز على ما جرت به العادة، واستمر به العرف في المدارس وينزل العرف في ذلك منزلة شرط الواقف له في وقفه تصريحا، قال وبذلك أفتى الغزالي ونقل الفتيا إلى الإحياء في آخر كتاب الحلال والحرام.
الثالث والثلاثون بعد المائة:
نقل عن الشيخ أبي محمد الجويني: أنه أبطل الوقف على الصوفية، لأنه لا حد لهم يوقف، عليه وصحح المتولي وغيره الوقف عليهم، وقال: يصرف إلى المعرض عن الدنيا المشتغل بالعبادة في أكثر أوقاته، وقال ابن الصلاح ما وقف على الصوفية لا يصرف إلا إلى من يعد في العرف صوفيا، ويعرف ذلك بأن يكون بحيث إذا نزل الرباط المخصوص بهم لم يستنكروا نزوله فيه ومقامه بينهم، ولابد فيه من وجود صفات، منها الصلاح، ومجانبة الأسباب المفسقه، ومنها زي الصوفية ومخالطتهم له، وسكناه بينهم، وإن لم يكن على زيهم، ومنها ألا يكون ذا ثروة ظاهرة، ومنها ألا يكون صاحب حرفة، واكتساب مباين لحالهم كالتجارة، وكل صناعة يقترن بها القعود في الحانوت ونحوه، ولا يقدح في ذلك النسج والخياطة التي يعتادها كثير من الصوفية ولا كونه فقيها، ومن أهل العلم إذا وجدت فيه الصفات المذكورة فإن الجهل ليس من شرط التصوف على مجرده، فليس كافيا في استحقاق ذلك، وليس عدمه قادحا في الاستحقاق والاعتبار بالصفات المذكورة، قال: وبمثل لك أفتى الغزالي.
الرابع والثلاثون بعد المائة:
قال الشيخ أبو محمد الجويني في كتاب موقف الامام والمأموم: لو سأل واحد من أهل العلم الناس مالا، واستجداهم وقال، إنما أطلب ذلك لبناء
مدرسة فبذلوا له مالا، فاشترى بقعة وجعلها مدرسة، ووزن ثمنها من ذلك المال ثم زعم، أني اشتريت هذه البقعة لنفسي وصارت لي فأتصرف فيها حيث شيئت فأجلعا مسجدا أو أستديم ملكي عليها فهذا غلط منه، ولا سبيل إلى ذلك، والواجب صرف تلك البقعة إلى الجهة التي بذلوا المال لها، وإن جعلها هذا العالم مسجدا لم تصر مسجدا، وصارت بتعين الشراء مدرسة لما تقدم من البيان والتقييد السابق، وإنما ذكرنا هذا هذا الجواب على أصل منصوص للشافعي في بعض كتبه القديمة، ولو لم يصيرها مصروفة إلى الموصوفة لأوجبنا على هذا العالم المشتري أن يرد على الناس ما أخذ منهم من الاموال، لأنها مبذولة لجهة مخصوصة ولم يستعملها في تلك الجهة، وهذه طريقة سلكها أبو العباس ابن سريج، وفرع عليها مسائل، وفيها مصالح لأموال الناس، وإن كان القياس غيرها انتهى لفظه.
الخامس والثلاثون بعد المائة:
لو دخل مسجدا وكشف عورته وأغلق الباب أو لم يغلقه فنظر إليه إنسان لم يكن له رميه، لأن الموضع لا يختص به، نقله الرافعي في باب الصيال عن ابن المرزبان.
السادس والثلاثون بعد المائة:
كره مالك الأخذ من الشعر الظفر في المسجد لحرمته، قال الشيخ مجد الدين الحنبلي، وقياس مذهبنا أنه لا بأس به كما في غسل يده في الطست، وترجيل شعره كما جاء عن عكرمة: أن عائشة كانت ترجله وهو في المسجد مع كون الترجيل غالبا لا يخلو من شعر ناشيء من السفر.
السابع والثلاثون بعد المائة:
كره مالك أن يبني مسجدا ويتخذ فوقه مسكنا يسكن فيه بأهله. قلت: وفي فتاوى البغوي: ما يقتضي منع مكث الجنب فيه لأنه جعل ذلك هواء المسجد، وهواء المسجد، حكمه حكم المسجد، والله أعلم.
تم الكتاب
آخر كتاب {إعلام الساجد بأحكام المساجد} ، تصنيف الشيخ بدر الدين الزركشي علقه لنفسه على استعجال، لأمر اقتضاه الحال، في آخر المحرم سنة خمس وأربعين وثمانمائة بالمدرسة المنكوتمرية بحارة بهاء الدين بالقاهرة المحروسة العبد الفقير محمد بن محمد بن عبد الله الخيضري الشافعي غفر الله ذنوبه، وستر عيوبه بمنه وكرمه آمين.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. حسبنا الله ونعم الوكيل، والنسخة التي نقلت منها سقيمة جدًا، وقد بيض المصنف في نسخته مواضع.