المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فلما جاء الإسلام أقرهم على الأول والثالث دون الثاني فقال - تفسير المراغي - جـ ٤

[المراغي، أحمد بن مصطفى]

فهرس الكتاب

- ‌[تتمة سورة آل عمران]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 93 الى 97]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 98 الى 99]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 100 الى 103]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 104 الى 109]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 110 الى 112]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 113 الى 115]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 116 الى 117]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 118 الى 120]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 121 الى 129]

- ‌تفسير المفردات

- ‌استطراد دعت إليه الحاجة

- ‌وقعة بدر

- ‌وقعة أحد أحد جبل على نحو ميل من المدينة إلى الشمال

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 130 الى 136]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 137 الى 141]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 142 الى 148]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 149 الى 151]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 152 الى 155]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 156 الى 158]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 159 الى 160]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 161 الى 164]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 165 الى 168]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 169 الى 175]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 176 الى 179]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 180 الى 184]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 185 الى 186]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 187 الى 189]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 190 الى 195]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 196 الى 200]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌سورة النساء

- ‌ما حوته السورة من الموضوعات

- ‌[سورة النساء (4) : آية 1]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌بحث فى حقيقة النفس أو الروح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 2 الى 4]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مزايا تعدد الزوجات عند الحاجة إليه

- ‌حكمة تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 5 الى 6]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 7 الى 10]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 11 الى 12]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 13 الى 14]

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 15 الى 16]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 17 الى 18]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 19 الى 21]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 22 الى 23]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌فهرس أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الفصل: فلما جاء الإسلام أقرهم على الأول والثالث دون الثاني فقال

فلما جاء الإسلام أقرهم على الأول والثالث دون الثاني فقال «وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ» والمراد به التوارث بالنسب وقال:

(وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) والمراد به التوارث بالعهد.

وقال (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) والمراد به التوارث بالتبني.

وزاد شيئين آخرين:

(1)

الهجرة، فكان المهاجر يرث من المهاجر وإن كان أجنبيا عنه إذا كان بينهما مخالطة وودّ ولا يرثه غير المهاجر وإن كان من أقاربه.

(2)

المؤاخاة- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤاخى بين كل اثنين من الرجال وكان ذلك سببا للتوارث ثم نسخ التوارث بهذين السببين بقوله: «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ» ثم استقر الأمر بعد نزول أحكام الفرائض على أن أسباب الإرث ثلاثة: النسب والنكاح والولاء.

وسبب نزول الآية ما

أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث جابر قال: «جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك فى أحد شهيدا وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا تنكحان إلا ولهما مال فقال يقضى الله فى ذلك فنزلت آية الميراث (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ) الآية، فأرسل رسول الله إلى عمهما فقال: أعط بنتي سعد الثلثين وأمها الثمن وما بقي فهو لك»

قالوا وهذه أول تركة قسمت فى الإسلام.

‌الإيضاح

(يُوصِيكُمُ اللَّهُ) الوصية: ما تعهد به إلى غيرك من العمل كما تقول أوصيت المعلم أن يراقب آداب الصبى ويؤدبه على ما يسىء فيه، وهى فى الحقيقة أمر له بعمل ما عهد إليه له، فالمراد يأمركم الله ويفرض عليكم.

ص: 195

(فِي أَوْلادِكُمْ) أي فى شأن أولادكم من بعدكم، أو فى ميراثهم ما يستحقونه مما تتركونه من أموالكم سواء كانوا ذكورا أو إناثا كبارا أو صغارا، ولا خلاف فى أن ولد الولد يقوم مقامه عند فقده أو عدم إرثه لمانع كقتل مورّثه، قال:

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

(لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) أي للذكر منهم مثل نصيب اثنتين من إناثهم إذا كانوا ذكورا وإناثا، واختير هذا التعبير ولم يقل للأنثى نصف حظ الذكر إيماء إلى أن إرث الأنثى كأنه مقرر معروف وللذكر مثله مرتين، وإشارة إلى إبطال ما كانت عليه العرب فى الجاهلية من منع توريث النساء.

والحكمة فى جعل حظ الذكر كحظ الأنثيين، أن الذكر يحتاج إلى الإنفاق على نفسه وعلى زوجه فجعل له سهمان، وأما الأنثى فهى تنفق على نفسها فحسب، فإن تزوجت كانت نفقتها على زوجها.

ويدخل فى عموم الأولاد:

(1)

الكافر لكن السنة بينت أن اختلاف الدين مانع من الإرث،

قال عليه الصلاة والسلام «لا يتوارث أهل ملتين» .

(2)

القاتل عمدا لأحد أبويه ويخرج بالسنة والإجماع.

(3)

الرقيق وقد ثبت منعه بالإجماع، لأن المملوك لا يملك، بل كل ما يصل إلى يده من المال فهو ملك لسيده ومالكه، فلو أعطيناه من التركة شيئا كنا معطين ذلك للسيد يكون هو الوارث بالفعل.

(4)

الميراث من النبي صلى الله عليه وسلم فقد استثنى

بحديث «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» .

(فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) أي فإن كانت المولودات نساء ليس معهن ذكر زائدات على ثنتين مهما بلغ عددهن فلهن ثلثا ما ترك والدهن المتوفى أو والدتهن (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) أي وإن كانت المولودة واحدة ليس معها أخ

ص: 196

ولا أخت فلها النصف مما ترك والباقي لسائر الورثة بحسب الاستحقاق كما يعلم من أحكام المواريث.

وخلاصة ذلك- إنه إذا كان الأولاد ذكورا وإناثا كان للذكر مثل حظ الأنثيين وإن كان المولود أنثى واحدة كان لها النصف، وإن كن ثلاثا فصاعدا كان لهن الثلثان ولم يذكر حكم الثنتين، ومن ثم اختلفوا فيهما، فروى عن ابن عباس أن لهما النصف كالواحدة، والجمهور على أن لهما الثلثين كالعدد الكثير.

وقد علم من ذلك أن البنات لا يستغرق فرضهن التركة، والولد الذكر إذا انفرد يأخذ التركة، وإذا كان معه أخ له فأكثر كانت قسمة التركة بينهما أو بينهم بالمساواة.

(وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) أي ولكل من أبوى الميت السدس مما ترك الولد على السواء فى هذه الفريضة إن كان لهذا الميت ولد فأكثر والباقي بعد هذا الثلث يقسمه الأولاد بحسب التفصيل المتقدم.

(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) أي فإن لم يكن له ولد ولا ولد ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث مما ترك والباقي للأب كما هو معلوم من انحصار الإرث فيهما.

والسر فى تساوى الوالدين فى الميراث مع وجود الأولاد، الإشارة إلى وجوب احترامهما على السواء، وفى أن حظ الوالدين من الإرث أقل من حظ الأولاد مع عظم حقهما على الولد، أنهما يكونان فى الغالب أقل حاجة إلى المال من الأولاد، إما لكبرهما وإما لتمولهما، وإما لوجود من تجب عليه نفقتهما من أولادهما الأحياء وأما الأولاد، فإما أن يكونوا صغارا لا يقدرون على الكسب، وإما أن يكونوا على كبرهم محتاجين إلى نفقات كثيرة فى الحياة كالزواج وتربية الأطفال ونحو ذلك.

(فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) أي فإن كان للميت مع إرث أبويه له إخوة فلأمه السدس مما ترك، سواء كان الإخوة ذكورا أو إناثا من الأبوين أو أحدهما، فكل جمع منهم يحجب الأم من الثلث إلى السدس، وحكم الأخوين أو الأختين حكم الإخوة عند أكثر الصحابة، وخالف فى ذلك ابن عباس فقد أثر عنه أنه قال

ص: 197

لعثمان: بم صار الأخوان يردّان الأم من الثلث إلى السدس، وإنما قال الله تعالى:

(فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) والأخوان فى لسان قومك ليسا بإخوة؟ فقال عثمان: لا أستطيع أن أرد قضاء قضى به من قبلى ومضى فى الأمصار (يريد عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين أقاموا الاثنين مقام الجماعة فى اعتبار الشرع لا فى اعتبار اللغة) والخلاصة- إن الآية ذكرت حكم الأبوين مع الولد، وحكمهما منفردين ليس معهما وارث آخر، وحكمهما مع الإخوة، ولم يبق إلا حكمهما مع أحد الزوجين، وجمهور الصحابة على أن الزوج يأخذ نصيبه وهو النصف إن كان رجلا، والربع إن كان أنثى، والباقي للأبوين، ثلثه للأم وباقيه للأب. وقال ابن عباس يأخذ الزوج نصيبه، وتأخذ الأم ثلث التركة كلها، ويأخذ الأب ما بقي، وقال لا أجد فى كتاب الله ثلث الباقي.

ومن هذا تعلم أن حقوق الزوجية فى الإرث مقدمة على حقوق الوالدين، إذ أنهما يتقاسمان ما يبقى بعد أخذ الزوج حصته، وسرّ هذا أن صلة الزوجية أشد وأقوى من صلة البنوة، ذاك أنهما يعيشان مجتمعين وجود كل منهما متمم لوجود الآخر حتى كأنه نصف شخصه، وهما حينئذ منفصلان عن الوالدين أشد الانفصال، فبهذا كانت حقوق المعيشة بينهما آكد، ومن ثم جعل الشارع حق المرأة على الرجل فى النفقة هو الحق الأول، فإذا لم يجد الرجل إلا رغيفين سدّ رمقه بأحدهما ووجب عليه أن يعطى الثاني لامرأته لا لأحد أبويه ولا لغيرهما من أقاربه.

(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) أي يوصيكم بأن لأولاد من يموت منكم كذا من التركة ولأبويه كذا منها من بعد وصية يقع الإيصاء بها من الميت، ويتحقق نسبتها إليه ومن بعد قضاء دين يتركه عليه.

وقدمت الوصية على الدين فى الذكر مع أن الدين مقدم عليها وفاء كما

قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه علىّ كرم الله وجهه وأخرجه عنه جماعة، لأ تؤخذ كالميراث بلا عوض فتشق على الورثة.

ص: 198

وجاء عطف الدين على الوصية بأو دون الواو إشارة إلى أنهما متساويان فى الوجوب متقدمان على قسمة التركة مجموعين أو منفردين.

ثم أتى بجملة معترضة للتنبيه إلى جهل المرء بعواقب الأمور فقال:

(آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) أي إنكم لا تدرون أىّ الفريقين أقرب لكم نفعا آباؤكم أو أبناؤكم، فلا تتبعوا فى قسمة التركات ما كان يتعارفه أهل الجاهلية من إعطائها للأقوياء الذين يحاربون الأعداء، وحرمان الأطفال والنساء لأنهم من الضعفاء، بل اتبعوا ما أمركم الله به، فهو أعلم منكم بما هو أقرب نفعا لكم مما تقوم به فى الدنيا مصالحكم وتعظم به فى الآخرة أجوركم (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) أي فرض الله ما ذكر من الأحكام فريضة لا هوادة فى وجوب العمل بها.

(إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) أي إنه تعالى لعلمه بشئونكم ولحكمته العظيمة لا يشرع لكم إلا ما فيه المنفعة لكم، إذ لا تخفى عليه خافية من وجوه المصالح والمنافع- إلى أنه منزه عن الغرض والهوى اللذين من شأنهما أن يمنعا من وضع الشيء فى غير موضعه، ومن إعطاء الحق لمن يستحقه.

وبعد أن بين سبحانه فرائض الأولاد والوالدين، وقدم الأهم منهما من حيث حاجته إلى المال المتروك وهم الأولاد- ذكر هنا فرائض الزوجين فقال:

(وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) أي ولكم نصف ما تركته الزوجات من المال إن لم يكن لهن ولد، سواء أكان منكم أم من غيركم، وسواء أكان ذكرا أم أنثى، وسواء أكان واحدا أم أكثر، وسواء أكان من بطنها مباشرة، أو صلب بنيها أو بنى بنيها، وباقى التركة لأولادها ووالديها على ما بينه الله فى الآية السالفة: ولا يشترط فى الزوجة أن يكون مدخولا بها، بل يكفى مجرد العقد.

(فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ) والباقي من التركة للأقرب إليها من ذوى الفروض والعصبات أو ذوى الأرحام أو لبيت المال إن لم يكن وارث آخر.

ص: 199

(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ) أي لكم ذلك فى تركتهن فى الحالين السابقتين بعد نفاذ الوصية ووفاء الديون، إذ لا يأخذ الوارث شيئا إلا ما يفضل عنهما إذا وجدا أو وجد أحدهما.

(وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ) بحسب التفصيل السابق فى أولادهن فإن كانت واحدة فلها هذا الربع وحدها، وإن كان له زوجان فأكثر اشتركتا أو اشتركن فيه على طريق التساوي والباقي يكون لمن يستحقه من ذوى القربى وأولى الأرحام.

(فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) والباقي لأولادكم ووالديكم كما تقدم.

(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) بالطريق التي علمتها فيما سلف، وبهذا تعلم أن فرض الرجل بحق الزواج ضعف فرض المرأة كما فى النسب، ولم يعط الله تعالى للزوجات فى الميراث إلا مثل ما أعطى للزوج الواحدة لإرشادنا إلى أن الأصل الذي ينبغى أن نسير عليه فى الزوجية أن تكون للرجل امرأة واحدة، وإنما يباح الأكثر بشروط مضيقة، وأن التعدد من الأمور النادرة التي تدعو إليها الضرورة فلم يراعها الشارع فى الأحكام، إذ الأحكام إنما توضع للأصل الذي عليه العمل والنادر لا حكم له.

وبعد أن بين سبحانه حكم ميراث الأولاد والوالدين والأزواج ممن يتصل بالميت مباشرة شرع يبين من يتصل به بالواسطة وهو الكلالة. فقال:

(وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) الكلالة لغة: الإحاطة، ومنه الإكليل لإحاطته بالرأس، وسمى من عدا الوالد والولد بالكلالة لأنهم كالدائرة المحيطة بالإنسان وكالإكليل المحيط برأسه، أما قرابة الولادة ففيها يتفرع بعض من بعض كالشىء الذي يتزايد على نسق واحد.

أي إن كان الميت رجلا أو امرأة موروثا كلالة أي ذا كلالة ليس له ولد ولا والد وله أخ أو أخت من أم، لأن الأخوين من العصبة سيأتى حكمهما فى آخر السورة (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) إلخ.

ص: 200

(فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) أي إن الأخ لأم يأخذ فى الكلالة السدس، وكذلك الأخت، لا فارق بين الذكر والأنثى، لأن كلا منهما حل محل أمه فأخذ نصيبها، فإذا تعددوا أخذوا الثلث وكانوا أيضا فيه سواء لا تفاضل بين ذكورهم وإناثهم.

(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ) أي من بعد وصية يوصى بها أو دين يقرّبه وهو غير مضارّ للورثة قال النخعي: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يوص، وقبض أبو بكر وقد وصى، فإن أوصى الإنسان فحسن، وإن لم يوص فحسن أيضا، ومن الحسن أن ينظر الإنسان فى قدر ما يخلف ومن يخلف ثم يجعل وصيته بحسب ذلك، فإن كان ماله قليلا وفى الورثة كثرة لم يوص، وإن كان فى المال كثرة أوصى بحسب ماله وبحسب حاجتهم بعده كثرة وقلة،

وقد روى عن على أنه قال: لأن أوصى بالخمس أحب إلىّ من أن أوصى بالربع، ولأن أوصى بالربع أحب إلىّ من أن أوصى بالثلث.

والضرار فى الوصية والدين يقع على وجوه:

1) أن يوصى بأكثر من الثلث، وهو لا يصح ولا ينفّذ، وعن ابن عباس أن الضرار فيها من الكبائر.

2) أن يوصى بالثلث فما دونه لا لغرض من القربة والتصدق لوجه الله بل لغرض تنقيص حقوق الورثة.

3) أن يقر بدين لأجنبى يستغرق المال كله أو بعضه، ولا يريد بذلك إلا مضارة الورثة، وكثيرا ما يفعله المبغضون للوارثين ولا سيما إذا كانوا كلالة، ومن ثم جاء ذكر هذا القيد (غير مضارّ) فى وصية ميراث الكلالة، لأن القصد إلى مضارة الوالدين أو الأولاد وكذا الأزواج نادر.

4) أن يقرّ بأن الدين الذي كان له على فلان قد استوفاه ووصل إليه.

(وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ) أي يوصيكم بذلك وصية منه عز وجل، فهى جديرة أن يعتنى بها ويذعن للعمل بموجبها.

ص: 201