المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الآخر، لآيات: لأدلة على وجود الله وقدرته، الألباب واحدها لب: - تفسير المراغي - جـ ٤

[المراغي، أحمد بن مصطفى]

فهرس الكتاب

- ‌[تتمة سورة آل عمران]

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 93 الى 97]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 98 الى 99]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 100 الى 103]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 104 الى 109]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 110 الى 112]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 113 الى 115]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 116 الى 117]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 118 الى 120]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 121 الى 129]

- ‌تفسير المفردات

- ‌استطراد دعت إليه الحاجة

- ‌وقعة بدر

- ‌وقعة أحد أحد جبل على نحو ميل من المدينة إلى الشمال

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 130 الى 136]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 137 الى 141]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 142 الى 148]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 149 الى 151]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 152 الى 155]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 156 الى 158]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 159 الى 160]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 161 الى 164]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 165 الى 168]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 169 الى 175]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 176 الى 179]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 180 الى 184]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 185 الى 186]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 187 الى 189]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 190 الى 195]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 196 الى 200]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌سورة النساء

- ‌ما حوته السورة من الموضوعات

- ‌[سورة النساء (4) : آية 1]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌بحث فى حقيقة النفس أو الروح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 2 الى 4]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مزايا تعدد الزوجات عند الحاجة إليه

- ‌حكمة تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 5 الى 6]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 7 الى 10]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 11 الى 12]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 13 الى 14]

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 15 الى 16]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 17 الى 18]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 19 الى 21]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 22 الى 23]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌فهرس أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الفصل: الآخر، لآيات: لأدلة على وجود الله وقدرته، الألباب واحدها لب:

الآخر، لآيات: لأدلة على وجود الله وقدرته، الألباب واحدها لب: وهو العقل، قياما وقعودا واحدهما قائم وقاعد، باطلا أي عبثا لا فائدة منه، سبحانك أي تنزيها لك عما لا يليق بك، قنا عذاب النار: أي اجعل العمل الصالح وقاية لنا من عذاب النار، ويقال أخزاه: أي أذله وأهانه، الذنب: هو التقصير فى المعاملة بين العبد وربه، والسيئة: هى التقصير فى حقوق العباد ومعاملة الناس بعضهم بعضا، وتوفنا: أي أمتنا، والأبرار وأحدهم بارّ: وهو المحسن فى العمل، على رسلك: أي على تصديق رسلك، والميعاد:

الوعد، استجاب: أي أجاب، لا أضيع عمل عامل: أي لا أترك ثوابه، بعضكم من بعض: أي مختلطون متعاونون، فى سبيلى: أي بسبب طاعتى وعبادتى ودينى.

‌المعنى الجملي

قال الرازي: اعلم أن المقصود من هذا الكتاب الكريم جذب القلوب والأرواح من الاشتغال بالخلق إلى الاستغراق فى معرفة الحق، فلما طال الكلام فى تقرير الكلام والجواب عن شبهات المبطلين، عاد إلى إثارة القلوب بذكر ما يدل على التوحيد والألوهية والكبرياء والجلال فذكر هذه الآية.

وروى الطبراني وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال: أتت قريش اليهود فقالوا بم جاءكم موسى من الآيات؟ فقالوا عصاه ويده بيضاء للناظرين، وأتوا النصارى فقالوا كيف كان عيسى؟ قالوا كان يبرىء الأكمه والأبرص ويحيى الموتى. فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا، فدعا ربه فنزلت هذه الآية:

إن فى خلق السموات إلخ فليتفكروا فيها.

‌الإيضاح

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) أي إن فى نظام السموات والأرض وبديع تقديرهما وعجيب صنعهما، وفى اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما بنظام دقيق طوال العام، نرى آثاره فى أجسامنا وعقولنا بتأثير

ص: 161

حرارة الشمس وبرد الليل، وفى الحيوان والنبات وغير ذلك- لآيات ودلائل على وحدانية الله وكمال علمه وقدرته.

عن عائشة رضى الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هل لك يا عائشة أن تأذنى لى الليلة فى عبادة ربى؟ فقلت: يا رسول الله إنى لأحب قربك وأحب هواك (ما تهوى وتريد) قد أذنت لك، فقام إلى قربة من ماء فى البيت فتوضأ ولم يكثر من صب الماء ثم قام يصلى فقرأ من القرآن وجعل يبكى حتى بلغت الدموع حقويه ثم جلس فحمد الله وأثنى عليه وجعل يبكى ثم رفع يديه فجعل يبكى حتى رأيت دموعه قد بلت الأرض، فأتاه بلال يؤذنه بصلاة الغداة فرآه يبكى فقال له: يا رسول الله أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا بلال أفلا أكون عبدا شكورا؟

ثم قال ومالى لا أبكى وقد أنزل الله علىّ فى هذه الليلة: إن فى خلق السموات والأرض إلخ ثم قال ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها» وروى «ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأملها» .

(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) أي أولو الألباب هم الذين ينظرون ويستفيدون ويهتدون ويستحضرون عظمة الله ويتذاكرون حكمته وفضله وجليل نعمه فى جميع أحوالهم من قيام وقعود واضطجاع.

والخلاصة- إنهم هم الذين لا يغفلون عنه تعالى فى عامة أوقاتهم باطمئنان قلوبهم بذكره، واستغراق سرائرهم بمراقبته.

وذكر الله وحده لا يكفى فى الاهتداء، بل لا بد معه من التفكر فى بديع صنعه وأسرار خليقته، ومن ثم قال:

(وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي ويتفكرون فى خلق السموات والأرض، وما فيهما من الأسرار والمنافع الدالة على العلم الكامل، والحكمة البالغة، والقدرة التامة.

والخلاصة- إن الفوز والنجاة إنما يكون بتذكر عظمة الله والتفكر فى مخلوقاته

ص: 162

من جهة دلالتها على وجود خالق واحد له العلم والقدرة، ويتبع ذلك صدق الرسل وأن الكتب التي أنزلت عليهم مفصّلة لأحكام التشريع، حاوية لكامل الآداب، وجميل الأخلاق، ولما يلزم نظم المجتمع فى هذه الحياة، وللحساب والجزاء على الأعمال بدخول الجنة والنار.

وإنما ذكر التفكر فى خلق الله، لورود النهى عن التفكر فى الخالق، لعدم الوصول إلى حقيقة ذاته وصفاته.

فقد أخرج الأصبهانى عن عبد الله بن سلام قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يتفكرون فقال: «تفكروا فى الخلق ولا تفكروا فى الخالق»

وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تفكروا فى آلاء الله ولا تفكروا فى الله تعالى» .

(رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ) أي يقول الذاكرون المتفكرون: ربنا ما خلقت هذا الذي نشاهده من العوالم العلوية والأرضية باطلا، ولا أبدعته عبثا، سبحانك ربنا تنزهت عن الباطل والعبث، بل كل خلقك حق مشتمل على حكم جليلة ومصالح عظيمة.

والإنسان بعض خلقك لم يخلق عبثا، فإن لحقه الفناء، وتفرقت منه الأجزاء، بعد مفارقة الأرواح للأبدان، فإنما يهلك منه كونه الفاسد أي الجسم، ثم يعود بقدرتك فى نشأة أخرى كما بدأته فى النشأة الأولى، فريق أطاعك واهتدى، وفريق حقت عليه الضلالة فالأول يدخل الجنة بصالح أعماله والآخر يكبّ فى النار بما اجترح من السيئات، وما عمل من الموبقات، جزاء وفاقا.

والخلاصة- إن المؤمن المتفكر يتوجه إلى الله بمثل هذا الثناء والدعاء والابتهال بعد أن رأى الدلائل على بديع الحكمة، وواسع العلم بدقائق الأكوان التي تربط الإنسان بربه.

وفى هذا تعليم للمؤمنين كيف يخاطبون ربهم عند ما يهتدون إلى شىء من معانى إحسانه وكرمه فى بدائع خلقه.

ص: 163

(فَقِنا عَذابَ النَّارِ) أي فوفقنا بعنايتك لصالح العمل بما فهمنا من الدلائل حتى يكون ذلك وقاية لنا من عذاب النار.

(رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) أي إنهم بعد أن يدعوا ربهم أن يقيهم دخول النار يتوجهون إليه قائلين هذا القول، دلالة على عظم هذا العقاب وشدته وهو الخزي والفضيحة، ليكون موقع السؤال أعظم، لأن من طلب من ربه شيئا وشرح عظم المطلوب وقوّته، كانت الداعية إلى الدعاء أكمل والإخلاص فى الطلب أشد.

(وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) الظالم هو الذي يتنكب الطريق المستقيم، وقد وصف من يدخل النار بالظلم للدلالة على أن سبب دخوله إياها هو جوره وظلمه، وللتشنيع عليه بهذا العمل القبيح.

أي إن هؤلاء المتفكرين الذاكرين ينظرون إلى هيبة ذلك الرب العلىّ الذي خلق تلك الأكوان المملوءة بالأسرار والحكم، فيعلمون أنه لا يمكن أحدا أن ينتصر عليه، وأن من عاداه فلا ملجأ له إلا إليه.

(رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) المنادى هو الرسول، وذكره بوصف المنادى تعظيما لشأن هذا النداء، أي إنهم بعد أن عرفوا الله تعالى حق معرفته بالذكر والفكر عبروا عن وصول دعوة الرسول إليهم واستجابتهم دعوته سراعا بدون تلبّث بهذا القول، لأنه دعاهم إلى ما اهتدوا إليه من قبل وزادهم معرفة وبصيرة فى عالم الغيب والحياة الآخرة.

وفى تقدمة الدعاء بالنداء إشارة إلى كمال توجههم إلى مولاهم وعدم غفلتهم عنه مع إظهار كمال الضراعة والابتهال إلى من عوّدهم الإحسان والإفضال.

(رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) الغفران: الستر والتغطية يقال: رجل مكفّر بالسلاح أي مغطى به، قال لبيد:«فى ليلة كفر النجوم ظلامها» .

أي إنهم طلبوا من الله تعالى فى هذا الدعاء ثلاثة أشياء: غفران الذنوب المتقدمة، وتكفير السيئات المستقبلة، وأن تكون وفاتهم مع الأبرار بأن يموتوا على مثل أعمالهم

ص: 164

حتى يكونوا فى درجاتهم يوم القيامة كما يقال فلان فى العطاء مع أصحاب الألوف أي هو مشارك لهم فى أنه يعطى ألفا قال تعالى: «فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ» .

وفى هذا رمز إلى أنهم كانوا يحبون لقاء الله «ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه» .

(رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) أي ربنا أعطنا ما وعدتنا من حسن الجزاء كالنصر فى الدنيا والنعيم فى الآخرة جزاء على تصديق رسلك واتباعهم.

وخلاصة ذلك- إنهم قالوا أعطنا ذلك بتوفيقنا للثبات على ما نستحق ذلك به إلى أن تتوفانا مع الأبرار، وفى هذا استشعار بتقصيرهم وعدم الثقة بثباتهم إلا بتوفيق الله ومزيد عنايته.

(وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي ولا تفضحنا ولا تهتك سترنا يوم القيامة بإدخالنا النار التي يخزى من دخلها.

(إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) أي لا تخلف ما وعدت به على الإيمان وصالح العمل، فقد وعدت بسيادة الدنيا فى قولك «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ» وقلت «إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ» ووعدت بسعادة الآخرة فقلت «وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ» .

(فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي فاستجاب لهم ربهم دعاءهم، لصدقهم فى إيمانهم وذكرهم وتفكيرهم وتنزيههم لربهم وتصديقهم للرسل وشعورهم بالضعف والتقصير فى الشكر واحتياجهم إلى المغفرة.

وإنا لنستخلص من هذه الآية أمورا:

(1)

إن الاستجابة يصح أن تكون بغير ما طلب، فقد سألوه غفران الذنوب وتكفير السيئات والوفاة مع الأبرار، فأجابهم بأن كل عامل سيوفى جزاء عمله،

ص: 165

وفى ذلك تنبيه إلى أن العبرة فى النجاة من العذاب والفوز بحسن الثواب، إنما تكون بإحسان العمل والإخلاص فيه.

(2)

إن الذكر والأنثى متساويان عند الله فى الجزاء متى تساويا فى العمل حتى لا يغترّ الرجل بقوته ورياسته على المرأة فيظن أنه أقرب إلى الله منها.

(3)

إن الله قد بين علة هذه المساواة بقوله: بعضكم من بعض، فالرجل مولود من المرأة والمرأة مولودة من الرجل، فلا فرق بينهما فى البشرية ولا تفاضل إلا بالأعمال.

(4)

إنها رفعت قدر النساء المسلمات فى أنفسهن وعند الرجال المسلمين.

(5)

إن هذا التشريع قد أصلح معاملة الرجل للمرأة واعترف لها بالكرامة، وأنكر تلك المعاملة القاسية التي كانت تعاملها بها بعض الأمم فقد كان بعضها يعدها كالبهيمة المسخّرة لمصلحة الرجل، وبعضها يعدّها غير أهل للتكاليف الدينية، إذ زعموا أنه ليس لها روح خالد، فما زعمه الإفرنج من أنهم السبّاقون إلى الاعتراف بكرامة المرأة ومساواتها للرجل ليس مبنيا على أساس صحيح، فالإسلام هو الذي سبق كل الشرائع فى هذا، ولا تزال شرائعهم الدينية والمدنية تميّز الرجل من المرأة، نعم إن المسلمين قصّروا فى تعليم النساء وتربيتهن، لكن هذا لا يصلح حجة على الدين نفسه.

(6)

إن ما يفضل به الرجال النساء من العلم والعقل وما يقومون به من الأعمال الدنيوية التي جرى عرف المجتمع على إسنادها إلى الرجال، وجعل حظ الرجل فى الإرث مثل حظ الأنثيين لأنه يتحمل نفقة امرأته، فلا دخل لشىء منه فى التفاضل عند الله بثواب وعقاب (فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) . بعد أن ربط الله الجزاء بالعمل، بيّن أن العمل الذي يستحقون به ما طلبوا من تكفير السيئات، ودخول الجنات، هو الهجرة من الوطن فى خدمة الرسول صلى الله عليه وسلم، والإخراج من الديار، بإلجاء الكافرين إياهم إلى الخروج والإيذاء فى سبيل الله والقتال والقتل وبذل

ص: 166

لمهجة لله عز وجل، كل أولئك يكفر الله به عنهم سيئاتهم ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ولهذه الآية نظائر فى الكتاب الكريم كقوله «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» وقوله:«إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ» وقوله «وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ» .

وقد ذكر الله صفات المؤمنين هكذا، لينبهنا إلى أن نروز أنفسنا ونختبرها، فإن رأيناها تحتمل الأذى فى سبيل الله حتى القتل فلها الرضوان من ربها، وإلا فلنروّضها حتى تصل إلى هذه المنزلة، والسر فى هذا التكليف الشاق أن الحق لا يقوى إلا إذا وجد من ينصره ويؤيده، ويقاوم الباطل وأعوانه، حتى تكون كلمة الله هى العليا وكلمة الباطل هى السفلى، فيجب على أنصار الحق ألا يفشلوا ولا ينهزموا، بل يثبتوا مهما لاقوا من المحن والأرزاء، فقد كتب الله النصر لعباده المؤمنين.

(ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) الثواب والمثوبة الجزاء، وقد جعله الدين أثرا طبيعيا للعمل، فللأعمال تأثير فى نفس العامل بتزكيتها فتكون منعمة فى الآخرة، أو تدسيتها فتكون معذبة فيها.

وقد وعد الله تعالى من فعل ذلك بأمور ثلاثة:

(1)

محو السيئات وغفران الذنوب ودل على ذلك بقوله: (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) وذلك ما طلبوه بقولهم (فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا) .

(2)

إعطاء الثواب العظيم وهو قوله: (وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) وهذا ما طلبوه بقولهم: (وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) .

(3)

أن يكون هذا الثواب عظيما مقرونا بالتعظيم والإجلال، وهو قوله:

(مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) وهذا ما طلبوه بقولهم (وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ) والمعنى لأكفرنّ

ص: 167