الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والبوار، ومبنى الشرائع على العدل والإنصاف والابتعاد عن طرفى الإفراط والتفريط.
ومن أقبح العصيان الزنا، ولا سيما من النساء، لأن الفتنة بهن أكثر، والضرر منهن أخطر، لما يفضى إليه من توريث أولاد الزنا وانتسابهم إلى غير آبائهم.
الإيضاح
(وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ) يقال أتى الفاحشة وجاءها وغشيها إذا فعلها قال تعالى «لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا» وفى التعبير عن الإقدام على الفواحش بهذه العبارات معنى دقيق وهو أن الفاعل لها ذهب إليها بنفسه واختارها بطبعه، والفاحشة الفعلة القبيحة والمراد بها هنا الزنا لزيادتها فى القبح على كثير من القبائح، وقوله من نسائكم أي من المؤمنات.
(فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) أي اطلبوا شهادة أربعة رجال أحرار منكم.
قال الزهري «مضت السنة من رسول الله والخليفتين بعده ألا تقبل شهادة النساء فى الحدود» والحكمة فى هذا إبعاد النساء عن مواقع الفواحش والجرائم والعقاب والتعذيب رغبة فى أن يكنّ دائما غافلات عن القبائح لا يفكرن فيها ولا يخضن مع أربابها.
والخطاب للمسلمين جميعا لأنهم متكافلون فى أمورهم العامة كما تقدم مرارا، فهم الذين يختارون لأنفسهم الحكام الذين ينفذون الأحكام ويقيمون الحدود.
(فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) التوفى الاستيفاء وهو القبض، تقول توفيت مالى على فلان واستوفيته إذا قبضته، والسبيل الطريق للخروج من الحبس بما يشرعه الله من العقوبة لهن.
والمعنى فان شهد الأربعة بفعلها فاحبسوهن فى بيوتهم وامنعوهن الخروج منها عقوبة لهن حتى لا يعدن إلى ارتكابها مرة أخرى إلى أن يمتن ويقبض أرواحهنّ الموت أو يجعل الله لهن طريقا بما يشرعه من حدّ الزنا.
وفى الآية إشارة إلى أن منع النساء عن الخروج عند الحاجة إليه فى غير هذه الحالة لمجرد الغيرة أو لمجرد الهوى والتحكم من الرحال لا يجوز، وكذلك فيها إيماء إلى أن هذه العقوبة مقرونة بما يدل على التوقيت.
وقد روى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «خذوا عنى خذوا عنى، قد جعل الله لهن سبيلا، الثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة، والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام»
ومن هذا تعلم أن السبيل كان مجملا فبينه الحديث وخصص عموم آية الجلد الآتية فى سورة النور (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) .
ثم بين عقاب كل من الزانيين فقال:
(وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما) أي والزاني والزانية اللذان يرتكبان جريمة الزنا آذوهما بالتأنيب والتوبيخ بعد ثبوت ذلك بشهادة أربعة من الرجال.
وهذا العقاب كان أول الإسلام من قبيل التعزير وأمره مفوض إلى الأمة فى كيفيته ومقداره فلما نزلت آية النور التي تقدم ذكرها وجاء الحديث الشريف السابق بينا مقدار هذا الإيذاء وحدداه، وبهما استبان أن عقاب الثيب والرجل المتزوج الرجم بالحجارة حتى يموتا وعقاب البكر والرجل الذي لم يتزوج جلد مائة ونفيه سنة.
ثم بين أن هذا العقاب إنما يكون إذا لم يتوبا فإن تابا وأصلحا رفع عنهما ذلك فقال:
(فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) أي فان رجعا عن فعل الفاحشة وندما على ما فات وأصلحا عملهما وغيّرا أحوالهما كما هو شأن المؤمن يطهر نفسه بالإقبال على الطاعة ويزكيها من أدران المعاصي التي فرطت منه ويقوى داعية الخير حتى تغلب داعية الشر فكفوا عن أذاهما بالقول والفعل.
ثم علل الأمر بالإعراض عنهما بقوله:
(إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً) التواب الذي يعود على عبده بفضله ومغفرته إذا تاب إليه من ذنبه، والرحيم واسع الرحمة، والجملة جاءت تعليلا للأمر بالإعراض، والخطاب هنا لأولى الأمر والحكام.