الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير المفردات
المراد بالمصيبة: ما أصابهم يوم أحد من ظهور المشركين عليهم، وقتل سبعين منهم، ومثليها أي ضعفها بقتل سبعين من المشركين، وأسر سبعين منهم يوم بدر، أنى هذا؟
أي من أين لنا هذا، وهو تعجب مما حل بهم من هذا المصاب، من عند أنفسكم أي بشؤم معصيتكم، الجمعان: جمع المؤمنين وجمع المشركين، فبإذن الله أي بإرادته الأزلية وقضائه السابق بارتباط بالمسببات بأسبابها، فادرءوا أي فادفعوا، إن كنتم صادقين أي فى دفع المكاره بالحذر.
المعنى الجملي
بعد أن حكى سبحانه عن المنافقين أنهم نسبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الغلول والخيانة، ثم برأه منه، وبين ما بعث لأجله- عاد هنا إلى كشف الشبهات التي عرضت للغزاة قبل الواقعة وبعدها، وبين خطأهم وضلالهم فى أقوالهم وأفعالهم.
الإيضاح
(أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا؟) أي لا ينبغى لكم أن تعجبوا مما حل بكم فى هذه الواقعة، فإن خذلانكم فيها لم يبلغ مبلغ ظفركم فى بدر، فقد كان نصركم فى تلك الواقعة ضعف انتصار المشركين فى هذه.
فلماذا نسيتم فضل الله عليكم فى بدر فلم تذكروه، وأخذتم تعجبون مما أصابكم فى أحد وتسألون عن سببه.
وفائدة قوله قد أصبتم مثليها- التنبيه إلى أن أمور الدنيا لا تدوم على نهج واحد فأنتم هزمتموهم مرتين، فكيف تستبعدون أن يهزموكم مرة واحدة.
وقد كان سبب تعجبهم أنهم قالوا: كيف ننصر الإسلام الذي هو الدين الحق ومعنا الرسول وهم ينصرون دين الشرك بالله، ومع ذلك ينصرون علينا؟.
وقد أجاب الله عن هذه الشبهة بجوابين:
(1)
قوله قد أصبتم مثليها.
(2)
قوله (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) أي إن هذا الذي وقع إنما وقع بشؤم معصيتكم لأنكم عصيتم الرسول فى أمور كثيرة:
(ا) إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: المصلحة فى البقاء فى المدينة، فلا نخرج إلى أحد، فأبيتم إلا الخروج، وكان الرأى ما رآه الرسول حتى إذا ما دخلها المشركون قاتلوهم على أفواه الأزقة والشوارع، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من سطوح المنازل.
(ب) إنكم فشلتم وضعفتم فى الرأى.
(ح) إنكم تنازعتم وحصلت بينكم مهاترة كلامية.
(د) إنكم عصيتم الرسول صلى الله عليه وسلم وفارقتم المكان الذي أمركم بالوقوف فيه لحماية ظهوركم بنضح عدوكم بالنبل إذا أراد أن يكون من ورائكم.
ولا شك أن العقوبات آثار لازمة للأعمال، والله تعالى إنما وعدكم النصر بشرط ترك المعصية كما قال:«إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ» .
(إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فهو القادر على نصركم لو ثبتم وصبرتم، وهو القادر على التخلي عنكم إن خالفتم وعصيتم، وهو سبحانه قد ربط الأسباب بالمسببات، ولا يشذ عن ذلك مؤمن ولا كافر.
فوجود الرسول بينكم وأنتم قد خالفتم سنن الله فى البشر لا يحميكم مما تقتضيه هذه السنن.
(وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ) أي وكل ما أصابكم أيها المؤمنون يوم التقى جمعكم بجمع المشركين فى أحد، فهو بإذن الله وإرادته وقضائه السابق بجعل المسببات نتائج لأسبابها فكل عسكر يخطىء الرأى، ويعصى قائده، ويخلّى بين العدو وبين ظهره، يصاب بمثل ما أصبتم به، أو بما هو أشد وأنكى منه.
وفى ذلك تسلية للمؤمنين وعبرة تشرح لهم ما تقدم من قوله: «قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ» .
(وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا) أي ليظهر علم الله بحال المؤمنين من قوة الإيمان وضعفه، واستفادتهم من المصايب حتى لا يعودوا إلى أسبابها، وليعرفوا سنن الله عند ما يظهر فيهم حكمها، كما يظهر حال المنافقين الذين أظهروا الإيمان وتبطنوا الكفر، فيترتب على ذلك العبرة بسوء عاقبة المنافقين حتى فيما ظنوه حزما واتقاء للمكروه، واحتياطا فى الأمر، كما تحدث العبرة بحسن عاقبة الصادقين حتى فيما ظنوه شرا وكرهوا حصوله.
(وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا) أي إن هؤلاء المنافقين دعوا إلى القتال، وقيل لهم: إن كان فى قلبكم حب الدين والذود عنه فقاتلوا لأجله، وإن لم تكونوا كذلك فقاتلوا دفعا عن أنفسكم وأهليكم وأموالكم.
والخلاصة- قاتلوا ابتغاء مرضاة الله وإقامة دينه، أو قاتلوا للدنيا ودافعوا عن أنفسكم وأهليكم ووطنكم، لكنهم راوغوا وقعدوا وتكاسلوا.
(قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ) أي قالوا: لو نعلم أنكم تلقون قتالا فى خروجكم ما أسلمناكم، بل كنا نتبعكم، لكنا نرى أن الأمر سينتهى بدون قتال.
روى أن الآية نزلت فى عبد الله بن أبىّ ابن سلول وأصحابه الذين خرجوا من
المدينة فى جملة الألف الذين خرج بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجعوا من الطريق وهم ثلاثمائة ليخذلوا المسلمين، ويوقعوا فيهم الفشل.
ولا شك أن هذا الجواب منهم يدل على كمال النفاق، وأنه ما كان غرضهم منه إلا التلبيس والاستهزاء، إذ ذهاب المشركين وهم مدججون بسلاحهم إلى أحد من أقوى الأمارات على أنهم يريدون قتالا.
(هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) أي هم يوم قالوا هذه المقالة «لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ» أقرب إلى الكفر منهم إلى الإيمان لظهور أماراته، بانخذالهم عن نصرة المؤمنين، واعتذارهم لهم على وجه الخديعة والاستهزاء، فإن الجهاد فى سبيل الله والدفاع عن الأهل والوطن عند هجوم الأعداء مما يجب على المؤمن، ولا ينبغى تركه بحال.
يرشد إلى ذلك قوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ» .
وإنما قال: إنهم أقرب إلى الكفر، ولم يقل إنهم كفار- منعا للنبز بالكفر بالعلامات والقرائن، دون أن يكون هناك كفر صريح، ومن ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاملهم معاملة المؤمنين، حتى إنه صلى على رئيسهم عبد الله بن أبىّ صلاة الجنازة بعد بضع سنين من وقعة أحد، إلى أن فضحهم الله بقوله:«وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً، وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ، إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» .
والخلاصة- إنه تعالى كان يعلم أنهم يبطنون الكفر لعملهم عمل الكفار بتركهم الجهاد، لكنه لم يصرح به، بل أومأ إليه، تأديبا لهم عسى أن يتوب على من لم يتمكن الكفر فى قلوبهم، ومنعا للناس من الهجوم على التكفير بالظّنة ووجود الأمارات فحسب.
(يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) أي إن ما تقوله ألسنتهم مخالف لما تضمره
قلوبهم، فهم يظهرون الإيمان باللسان ويبطنون الكفر، فالكذب دأبهم ليستروا به ما يضمرون، ويؤيدوا ما يظهرون.
وفى ذكر الأفواه والقلوب تصوير لنفاقهم، وتوضيح لمخالفة ظاهرهم لباطنهم.
والخلاصة- إنهم يتفوهون بقول لا وجود لمنشئه فى قلوبهم كقولهم: لو نعلم قتالا، وقولهم: لاتبعناكم، وهم كاذبون فى كل من الأمرين، فإنهم كانوا عالمين به وقد أصروا على الانخذال وعزموا على الارتداد.
ثم أكد كفرهم ونفاقهم وبين اشتغال قلوبهم بما يخالف أقوالهم من فنون الشر والفساد فقال:
(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ) من الكفر والكيد للمسلمين وتربص الدوائر بهم، فهو فى كل حين يبين مخبآت أسرارهم، ويكشف أستارهم، ثم يعاقبهم على ذلك فى الدنيا والآخرة.
والخلاصة- إنه لا ينفعهم النفاق، فالله أعلم بما تكنّه سرائرهم وقلوبهم.
وبعد أن ذكر قولا قالوه قبل القتال وبين بطلانه- أردفه قولا قالوه بعده وبيّن فساده، قال:
(الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا) أي هم الذين قالوا لأجل إخوانهم الذين قتلوا فى هذه الواقعة، والحال أنهم قعدوا عن القتال: لو أطاعونا فى القعود ولم يخرجوا للقتال كما لم نخرج- لما قتلوا كما أنّا لم نقتل.
وفى هذا إيماء إلى أنهم أمروهم بالانخذال حين انخذلوا.
أخرج ابن جرير عن السّدّى قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ألف رجل وقد وعدهم الفتح إن صبروا، فلما خرجوا رجع عبد الله بن أبىّ فى ثلاثمائة، فتبعهم أبو جابر السّلمى يدعوهم، فقالوا: لو نعلم قتالا لاتبعناكم، ولئن أطعتنا لترجعنّ معنا، فنعى الله عليهم ذلك بقوله- الذين قالوا لإخوانهم- الآية.
وقد دحض الله تعالى حجتهم، وأبان لهم كذبهم، ووبخهم على ما قالوا، فقال لنبيه: