المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عن هذه السبع، فقد أغلق سبعة أبواب جهنم، ودخل الجنّة. - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: عن هذه السبع، فقد أغلق سبعة أبواب جهنم، ودخل الجنّة.

عن هذه السبع، فقد أغلق سبعة أبواب جهنم، ودخل الجنّة. وأوصى إبراهيم بن أدهم بعض أصحابه، فقال: كُنْ ذَنَبًا ولا تكن رأسًا، فإنَّ الرأس يهلك، والذنب يسلم. ومعنى قوله: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ

} إلخ؛ أي: أَبَلَغَ (1) الأمر بكم أنَّكم كُلَّما جاءكم رسولٌ من رسلي بغير الذي تهوى نفوسكم أعرضتم، فاستكبرتم عليه تجبُّرًا وبغيًا في الأرض، فبعضًا منهم تكذِّبون، وبعضًا تقتلون، فلا عجب بعد هذا إن لم تؤمنوا بدعوة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فإنَّ العناد والجحود من طبعكم، وسجيَّةٌ عرفت عنكم، ولا غرابة في صدور ما صدر منكم. قال ابن عطيّة: روي أنَّ بني إسرائيل كانوا يقتلون في اليوم ثلاثمائة نبي، ثم تقوم سُوقهُم آخرَ النهار. وروي: قتلوا سبعين نبيًّا، ثمّ تقوم سُوقُ بَقْلِهم آخرَ النهار، فضلًا عن سوق الأقمشة النفيسة.

‌88

- ثُمَّ أخبر سبحانه وتعالى عن اليهود المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم وبين ضلالهم في اقتدائهم بأسلافهم، فقال حكايةً عنهم:{وَقَالُوا} ؛ أي: اليهود المعاصرون لمحمد صلى الله عليه وسلم {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} جمع أغلف، كحمر جمع أحمر، مستعارٌ من الأغلف الذي لم يختن؛ أي: قلوبنا مغشّاة مغطّاة بأغشيةٍ جِبِليَّةٍ، وأغطية خِلْقية لا يكاد يصل إليها ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ولا تفقهُهُ، ولا تفهمُهُ. وقرأ الجمهور (2){غُلْفٌ} بإسكان اللام، واختلف في سكون اللام، أهو سكونٌ أصليٌّ، فيكون جمع أغلف، كحمر وأحمر؟ أم هو سكون تخفيف، فيكون جمع غلاف؟ وأصله: الضُمُّ، كحمار وحمر. وقرأ ابن عباس، والأعرج، وابن هرمز، وابن محيصن {غُلُف} بضمّ اللام وهي مرويّةٌ عن أبي عمرو - وليست في المتواتر عنه - وهو جمع غلاف، ولا يجوز أن يكون في هذه القراءة جمع أغلف؛ لأنّ تثقيل فُعَّل الصحيح العين لا يجوز إلّا في الشعر، يقال: غلفت السيف، جعلت فيه غلافًا، وأمّا من قرأ {غُلْفٌ} بالإسكان، فمعناه: أنَّها مستورة عن الفهم والتمييز، وقال مجاهد؛ أي: عليها غشاوة. وقال عكرمة: عليها طابعٌ. وقال الزجاج: ذوات غلفٍ؛ أي: عليها غُلْفٌ لا تصل إليها الموعظة.

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

ص: 78

وقيل معناه: خُلِقَتْ غُلفًا لا تتدبَّر ولا تعتبر. وقيل: محجوبةٌ عن سماع ما تقُول، وفهمِ ما تُبيِّن، ويحتمل على هذه القراءة أن يكون قولهم هذا على سبيل البَهْتِ والمدافعة حتى يُسْكِتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون ذلك خبرًا منهم بحال قلوبهم؛ لأن الأوّل فيه ذَمُّ أنفسهم بما ليس فيها، وكانوا يدفعون بغير ذلك، وأسباب الدفع كثيرةٌ.

وأمّا من قرأ بضمّ اللام (1)، فمعناه: أنّها أوعيةٌ للعلم، أقاموا العلم مقام شيءٍ مجسَّدٍ، وجعلوا الموانع التي يمنعهم غلفًا له؛ ليستدلّ بالمحسوس على المعقول، ويحتمل أن يريدوا بذلك أنَّها أوعية للعلم، فلو كان ما تقوله حقًّا وصدقًا لوَعَتْهُ، قاله ابن عباس، وقتادة، والسدي، ويحتمل أنّ يكون المعنى: أنَّ قلوبنا غُلُفٌ؛ أي: مملوءة علمًا فلا تسع شيئًا، ولا تحتاجُ إلى علمٍ غيرِه، فإنَّ الشيء المغلق لا يسع غلافه غيره، ويحتمل أن يكون المعنى: إنّ قلوبهم غُلْفٌ على ما فيها من دينهم وشريعتهم واعتقادهم؛ أي: أنَّ دوامَ ملَّتهم إلى يوم القيامة، وهي لصلابتها، وقوَّتها، تمنع أن يصل إليها غير ما فيها، كالغلاف الذي يَصُونُ المُغَلَّف أن يصل إليه ما يغيِّره. وقيل المعنى: كالغلاف الخالي الذي لا شيء فيه. اهـ. من "البحر".

والغرض (2): إقناطه صلى الله عليه وسلم من إيمانهم، رَدَّ الله تعالى أن تكون قلوبهم مخلوقةً كذلك؛ لأنها خلقت على الفطرة، والتمكُّن من قبول الحق، وأضرب وقال:{بَلْ لَعَنَهُمُ} وطردهم وأبعدهم {اللَّهُ} سبحانه وتعالى عن رحمته {بِكُفْرِهِمْ} ؛ أي: بسبب كفرهم وضلالهم: أي: ليس عدم قبولهم لخللٍ في قلوبهم، ولكنَّ الله سبحانه أبعدهم عن رحمته، وخَذلَهم، وخلَّاهُم وشَأنَهم بسبب كفرهم العارض، وإبطالهم لاستعدادهم بسوءِ اختيارهم بالمرَّةِ. وقال أبو حيَّانْ و {بَلْ} هنا (3) للإضراب الإبطاليّ عن النسبة التي تضمَّنها قولهم: إنّ قلوبهم غُلفٌ، وليس

(1) البحر المحيط.

(2)

العمدة.

(3)

البحر المحيط.

ص: 79