المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قوله: {فَلِمَ} أصله: (لما) لامه للتعليل، دخلت على ما الاستفهامية، - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: قوله: {فَلِمَ} أصله: (لما) لامه للتعليل، دخلت على ما الاستفهامية،

قوله: {فَلِمَ} أصله: (لما) لامه للتعليل، دخلت على ما الاستفهامية، وسقطت الألف؛ فرقًا بين الاستفهامية والخبريّة. وصيغة الاستقبال في قوله:{تَقْتُلُونَ} ؛ لحكاية الحال الماضية، وهو جواب شرط محذوف، تقديره: قُلْ لهم إن كنتم مؤمنين بالتوراة كما تزعمون، فلأيِّ شيءٍ تقتلون أنبياء الله من قبل وهو فيها حرام؟.

فإن قلت: الخطاب (1) مع الموجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فلم خوطبوا بالقتل مع أنَّ قتل الأنبياء ليس واقعًا منهم، بل من أسلافهم؟.

قلتُ: خوطبوا بذلك؛ لأنّهم رضوا بفعل أسلافهم، والرضا بالكفر كفرٌ؛ أو لأنّهم أصرُّوا على قتل محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وقد تسبَّبُوا في ذلك مرارًا، كما مرّ. وعبارة "الروح": وأسند فعل الآباء وهو القتل إلى الأبناء؛ للملابسة بين الآباء والأبناء. اهـ.

قال أبو الليث: وفي الآية دليل على أنّ من رضي بالمعصية، فكأنَّه فاعلٌ لها؛ لأنّ اليهود راضون بقتل آبائهم، فسمَّاهم الله تعالى قاتلين، حيث قال:{قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ} الآية. وقرأ نافع وحده {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ} مهموزًا في جميع القرآن، ووقف (2) البزّيُّ (فَلِمَهْ) بالهاء، ووقف غيره بغير هاء، ولا يجوز هذا الوقف إلا للاختبار، أو لانقطاع النفس. وقوله:{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} شرط جوابه محذوف؛ لدلالة ما قبله عليه؛ أي: إن كنتم مؤمنين فلم تقتلونهم، وهو تكريرٌ للاعتراض؛ لتأكيد الإلزام، وتشديد التهديد. وقيل:{إن} نافية؛ أي: ما كنتم مؤمنين؛ لأنَّ من قتل أنبياء الله لا يكون مؤمنًا، فأخبر تعالى: أنَّ الإيمان لا يجامع مع قتل الأنبياء؛ أي ما اتَّصف بالإيمان مَنْ هذه صفته. قيل: والأظهر أنَّ {إن} شرطية، والجواب محذوف كما مرَّ آنفًا.

‌92

- ثمّ ذكر سبحانه: أنّهم كفروا بالله مع وضوح الآيات في زمن موسى عليه

(1) العمدة.

(2)

البحر المحيط.

ص: 88

السلام، فقال:{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى} وهذا من (1) تمام التبكيت والتوبيخ، داخلٌ تحت الأمر بالقول، واللام موطِّئةٌ للقسم؛ أي: وعزّتي وجلالي: لقد جاءكم وأتاكم موسى بن عمران عليه السلام، حالة كونه ملتبسًا {بِالْبَيِّنَاتِ}؛ أي: بالمعجزات الواضحة الظاهرة الدالّة على صدقه، وصحّة نبوّته؛ يعني: الآيات التسع التي أوتيها موسى عليه السلام، المذكورةَ بقوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} وهي العصا، واليد، والسنون، ونقص الثمرات، والدم، والطوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، وفلق البحر {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ} إلهًا وعبدتموه {مِنْ بَعْدِهِ}؛ أي: من بعد مجيئه بها، أو من بعد ذهاب موسى إلى جبل الطور لأخذ التوراة، و {ثُمَّ} للتراخي في الرتبة، والدلالة على نهاية قبح ما فعلوا، وجملة قوله:{وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} أنفسكم بعبادته، حال من فاعل {اتخذْتُمُ}؛ أي: عبدتم العجل، والحال أنّكم واضعون العبادة في غير موضعها، أو حال كونكم ظالمين أنفسكم بعبادته، وهذه الآية توبيخ لليهود على كفرهم، وعبادتهم العجل بعدما رأوا آيات موسى، وبيان أنّهم كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فليس بأعجب من كفرهم في زمن موسى؛ لقرب عهدهم بما عاينوا من عجائب قدرة الله تعالى التي أجراها على يد موسى عليه السلام، ومع ذلك عبدوا العجل وكرّرت هذه الجملة - أعني: جملة اتخاذ العجل - لدعواهم أنّهم يؤمنون بما أنزل عليهم وهم كاذبون في ذلك، ألا ترى أنّ اتخاذ العجل ليس في التوراة؛ بل فيها أن يفرد الله سبحانه بالعبادة؛ أو لأنّ عبادة غير الله أكبر المعاصي، فكرّر عبادة العجل؛ تنبيهًا على عظيم جرمهم؛ ولأنّ ذكر ذلك أعقبه تعداد النعم بقوله:{ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ} و {فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} وهنا أعقبه التقريع والتوبيخ، ولأنّ في قصّة الطور ذكر توليهم عما أمروا به من قبول التوراة، وعدم رضاهم أحكامها اختيارًا حتى أُلْجِئُوا إلى القبول اضطرارًا، فدعواهم الإيمان بما أنزل إليهم غير مقبولة، ثمّ في قصّة الطور تذييلٌ لم يتقدّم ذكره، والعرب متى أرادت التنبيه على تقبيح شيء، أو تعظيمه كرَّرته، وفي هذا - التكرار أيضًا من الفائدة: تذكارهم

(1) البحر المحيط.

ص: 89

بتعداد نعم الله عليهم، ونقمه منهم؛ ليزدجر الأخلاف بما حلّ بالأسلاف. اهـ. من "البحر".

الإعراب

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)} .

{وَإِذْ} الواو عاطفة {إذ} ظرف لما مضى من الزمان {أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ} فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل الجرّ بإضافة {إذ} إليها، والظرف في محل النصب معطوف على الظروف السابقة المعطوفة على {نِعْمَتِيَ} تقديره: واذكروا يا بني إسرائيل! وقت أخذنا ميثاقكم {لَا} نافية {تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ} فعل وفاعل ومفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية جملة مفسّرة للميثاق لا محل لها من الإعراب، أو في محل النصب مقول لقول محذوف، تقديره: وإذ أخذنا ميثاقكم وقلنا: لا تسفكون دماءَكم {وَلَا} الواو عاطفة {لَا} نافية {تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ} فعل وفاعل ومفعول به {مِنْ دِيَارِكُمْ} جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بتخرجون، والجملة معطوفة على جملة قوله:{لَا تَسْفِكُونَ} . {ثُمَّ} حرف عطف وترتيب {أَقْرَرْتُمْ} فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الجرّ معطوفة على جملة {أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ} . {وَأَنْتُمْ} الواو حالية {أنتم} مبتدأ، وجملة {تَشْهَدُونَ} خبره، والجملة الاسمية في محل النصب حال من تاء {أَقْرَرْتُمْ} ، تقديره: حالة كونكم شاهدين على آبائكم قبول ذلك الميثاق.

{ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ} .

{ثُمَّ} حرف عطف وترتيب {أَنْتُمْ} مبتدأ {هَؤُلَاءِ} ها حرف تنبيه {أولاء} اسم إشارة للجمع المطلق في محل النصب منادى نكرة مقصودة، حذف منه حرف النداء للتخفيف، مبني بضمّ مقدّر على الأخير منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة البناء الأصلي، وجملة النداء جملة معترضة لا محل لها من الإعراب؛ لاعتراضها بين المبتدأ والخبر {تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} فعل وفاعل ومفعول به

ص: 90

ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، تقديره: ثمّ أنتم يا هؤلاء! قاتلون أنفسكم، والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله:{ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ} {وَتُخْرِجُونَ} الواو عاطفة {تُخْرِجون فريقًا} فعل وفاعل ومفعول به {مِنْكُمْ} جار ومجرور صفة لفريقًا {مِنْ دِيارهم} جار ومجرور متعلّق بتخرجون، والجملة الفعلية في محل الرفع معطوفة على جملة قوله:{تَقْتُلُونَ} . {تَظَاهَرُونَ} فعل مضارع وفاعل، والجملة الفعلية في محل النصب حال من فاعل {تخرجون}؛ أي: تخرجونهم من ديارهم حالة كونكم مُتعَاوِنيْن {عَلَيْهِمْ} متعلِّقٌ بتظاهرون {بِالْإِثْمِ} هو جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من فاعل {تَظَاهَرُونَ} والباء للملابسة {وَالْعُدْوَانِ} معطوف على الإثم، والتقدير: تظاهرون عليهم حالة كونكم ملتبسين بالإثم والعدوان {وَإِنْ} الواو استئنافية، أو اعتراضية إِنْ حرف شرط وجزم {يَأْتُوكُمْ} فعل مضارع وفاعل ومفعول به مجزوم بإن الشرطية على كونه فعل شرط لها، وعلامة جزمه حذف النون {أُسَارَى} حال من فاعل {يَأْتُوكُمْ}؛ أي: حالة كونهم مأسورين لحلفائكم {تُفَادُوهُمْ} فعل مضارع وفاعل ومفعول به مجزوم بإن الشرطية على كونه جوابًا لها، وعلامة جزمه حذف النون، وجملة إن الشرطية مستأنفة، أو معترضة؛ لاعتراضِها بين المعطوف وهو قوله: {وَهُوَ مُحَرَّمٌ

} الخ، والمعطوف عليه وهو جملة {تَظَاهَرُونَ} . أو في محل الرفع معطوفة على جملة {تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} . {وَهُوَ} الواو حالية {هو} ضمير الشأن في محل الرفع مبتدأ، ويسمّى ضمير القصّة، ولا يرجع إلّا على ما بعده، إذ لا يجوز للجملة المفسِّرة له أن تقدَّم هي، ولا شيءٌ منها عليه، وفائدته: الدلالة على تعظيم المخبَر عنه وتفخيمه، وهذا هو الظاهر من الوجوه المنقول فيه، فيكون في محل رفع بالابتداء، قال في "المغني": خالف القياس في خمسة أوجه:

أحدها: عوده على ما بعده لزومًا، إذ لا يجوز للجملة المفسِّرة له أن تتقدَّم عليه، ولا شيءٌ منه.

الثاني: أنَّ مفسِّره لا يكون إلّا جملةً.

ص: 91

الثالث: أن لا يتبع بتابع فلا يؤكَّد، ولا يعطف عليه، ولا يبدل منه.

الرابع: أنّه لا يعمل فيه إلّا الابتداء، أو ناسخٌ.

الخامس: أنّه ملازم للإفراد، ومن أمثلته:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ} . اهـ. "كرخي".

{مُحَرَّمٌ} خبر مقدّم، وفيه ضمير قائم مقام الفاعل {عَلَيْكُمْ} متعلق بمحرّم. {إِخْرَاجُهُمْ} مبتدأ مؤخّر، والجملة الاسمية في محل الرفع خبرٌ لضمير الشأن، ولم يحتج هنا إلى عائدٍ على المبتدأ؛ لأنَّ الخبر نفس المبتدأ وعينه. اهـ. "كرخي"، والجملة الاسمية من المبتدأ الأول وخبره في محل النصب، معطوفة على جملة {تَظَاهَرُونَ} على كونها حالًا من فاعل {تخرجون} ، تقديره: وحالة كونكم محرّمًا عليكم إخراجهم، ولكنّها حالةٌ سببيّةٌ، أو من مفعوله، أو منهما، وما بينهما اعتراض.

{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} .

{أَفَتُؤْمِنُونَ} الهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي، داخلة على محذوف، تقديره: أتفعلون ذلك، والجملة المحذوفة جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف {تؤمنون} فعل وفاعل، والجملة معطوفة على تلك المحذوفة {بِبَعْضِ الْكِتَابِ} جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بتؤمنون {وَتَكْفُرُونَ} فعل وفاعل معطوف على {تؤمنون} {بِبَعْضٍ} متعلق بتكفرون {فَمَا} الفاء فاء الفصيحة؛ لأنَّها أفصحت عن جواب شرط مقدّر، تقديره: إذا عرفتم قبح صنيعكم، وأردتم بيان جزاء من يفعل ذلك، فأقول لكم: ما جزاء {مَا} نافيةٌ مهملةٌ؛ لانتقاض نفيها بإلَّا {جَزَاءُ} مبتدأ، وهو مضاف {مَنْ} اسم موصول في محل الجرّ مضاف إليه {يَفْعَلُ} فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {مَنْ} . {ذَلِكَ} مفعول به، والجملة صلةُ {مَنْ} الموصولة، والعائد ضمير الفاعل {مِنْكُمْ} جار ومجرور متعلق بمحذوفٍ حالٍ من فاعل {يَفْعَلُ} ، تقديره: حالة كونه كائنًا منكم {إِلَّا} أداة استثناء مفرّغ {خِزْيٌ} خبر

ص: 92

المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدّرة، وجملة إذا المقدّرة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا {فِي الْحَيَاةِ} جار ومجرور متعلق بخزيٌ، أو بمحذوفٍ صفةٍ لخزي {الدُّنْيَا} صفة للحياة {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} الواو عاطفة {يَوْمَ القِيَامَةِ} ظرفٌ ومضاف إليه متعلِّق بيردُّون {يُرَدُّونَ} فعل مغيّر الصيغة ونائب فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على جملة قوله:{فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ} عطف فعليّة على إسميّة {إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} جار ومجرور ومضاف إليه متعلِّق بيردّون، {وَمَا اللَّهُ} الواو عاطفة مَا نافية حجازيّة ولفظ الجلالة اسمها مرفوع {بِغَافِلٍ} خبرها منصوب بفتحة مقدّرة والباء زائدة، وجملة مَا الحجازيّة من اسمها وخبرها في محلِّ النصب معطوفة على جملة قوله:{فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ} . {عَمَّا} جار ومجرور متعلق بغافل مَا موصولة، أو موصوفة، أو مصدريّة في محل الجرّ بعن، وجملة {تَعْمَلُونَ} صلة للموصولة، أو صفة للموصوفة، أو صلةٌ لما المصدريَّة؛ أي: عن عملكم، وعائد الموصولة محذوف، تقديره: عمّا تعملونه.

{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)} :

{أُولَئِكَ} مبتدأ {الَّذِينَ} خبره، والجملة مستأنفة {اشْتَرَوُا} فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد واو الفاعل {الْحَيَاةَ} مفعول به {الدُّنْيَا} صفة للحياة {بِالْآخِرَةِ} متعلّق باشتروا {فَلَا} الفاء حرف عطف وتفريغ، {لَا} نافية {يُخَفَّفُ} فعل مضارع مغيَّر الصيغة {عَنْهُمُ} متعلق به {الْعَذَابُ} نائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة {اشْتَرَوُا} على كونها صلة الموصول {وَلَا} الواو عاطفة {لَا} نافية {هُمْ} مبتدأ، وجملة {يُنْصَرُونَ} خبره، تقديره: ولا هم منصورون، والجملة معطوفة على جملة قوله:{فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ} عطف إسميةٍ على فعليّة.

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا

ص: 93

كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)}.

{وَلَقَدْ} الواو استئنافية {لقد} اللام موطِّئةٌ للقسم {قد} حرف تحقيق {آتَيْنَا} فعل وفاعل، وهو بمعنى، أعطينا يتعدَّى لمفعولين {مُوسَى} مفعول أوّل {الْكِتَابَ} مفعول ثانٍ، والجملة الفعلية جواب القسم، لا محلٌ لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة {وَقَفَّيْنَا} الواو عاطفة قفينا فعل وفاعل معطوفٌ على آتينا وهو بمعنى جئنا يتعدّى إلى المفعول بواسطة حرف الجر {مِنْ بَعْدِهِ} جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بقفَّيْنا، أو متعلقٌ بمحذوفٍ حال من الرُّسل {بِالرُّسُلِ} جار ومجرور متعلِّق بقفينا أيضًا {وَآتَيْنَا عِيسَى} فعل وفاعل ومفعول أوّل معطوف على {قفينا} . {ابْنَ} هو بدل أو صفة لعيسى {مَرْيَمَ} مضاف إليه مجرور بالفتحة للعَلَميَّة والعجمية، أو التأنيث المعنوي {الْبَيِّنَاتِ} مفعول ثان منصوب بالكسرة {وَأَيَّدْنَاهُ} فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {آتينا} . {بِرُوحِ الْقُدُسِ} جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بأيدناه {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ} الهمزة للاستفهام التوبيخي، داخلة على محذوف، والفاء عاطفة لجواب كلّما على ذلك المحذوف؛ لأنّ حقَّ الهمزة والفاء أن يدخلا على الجواب؛ لأنّه المستفهم عنه، والموبَّخ عليه، والمعيَّر به، والتقدير: أدمتم على التكذيب يا معشر اليهود! واستكبرتم عن الإيمان كلّما {جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ} . {كلّما} اسم شرط غير جازم في محل النصب على الظرفية الزمانية، مبنيٌّ على السكون؛ لشبهه بالحرف شبهًا معنويًّا، والظرف متعلِّق بالجواب {جَاءَكُمْ رَسُولٌ} فعل ومفعول به وفاعل، و {جاء} هنا بمعنى: أتى يتعدَّى إلى المفعول بلا واسطة حرف جرٍّ، والجملة الفعلية فعل شرط لـ {كلّما} لا محل لها من الإعراب {بِمَا} جار ومجرور متعلق بجاءكم {لَا} نافية {تَهْوَى} فعل مضارع {أَنْفُسُكُمُ} فاعل، والجملة صِلةٌ لما الموصولة لا محل لها من الإعراب، والعائد محذوف، تقديره: بما لا تهواه أنفسكم {اسْتَكْبَرْتُمْ} فعل وفاعل، والجملة جواب {كُلَّمَا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {كلّما} من فعل شرطها وجوابها، جملةٌ إنشائيّة لا محل لها من الإعراب {فَفَرِيقًا} الفاء عاطفة {فَرِيقًا} مفعول به مقدَّم لكذبتم؛ قُدِّم للاهتمام به {كَذَّبْتُمْ} فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {اسْتَكْبَرْتُمْ}

ص: 94

على كونها جوابًا لكلّما {وَفَرِيقًا} الواو عاطفة {فريقا} مفعول مقدّم لتقتلون؛ لرعاية الفواصل {تَقْتُلُونَ} هو فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {كَذَّبْتُمْ} .

{وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)} .

{وَقَالُوا} الواو استئنافية {قَالُوا} فعل وفاعل، والجملة مستأنفة {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول {قَالُوا} . {بَلْ} حرف إضراب وعطف، للإضراب الإبطالي {لَعَنَهُمُ اللَّهُ} فعل ماض ومفعول مقدّم وفاعل مؤخر وجوبًا {بِكُفْرِهِمْ} مُتعلِّق بلعنهم، والجملة معطوفة على جملة {قَالُوا} ، {فَقَلِيلًا} الفاء استئنافية، أو عاطفة {قليلًا} منصوب على المصدرية بيؤمنون، قدّم عليه؛ لرعاية الفاصلة؛ لأنّه صفة لمصدر محذوف؛ أي: يؤمنون إيمانًا قليلًا، أو منصوب على الظرفية بيؤمنون أيضًا؛ لأنّه صفة لزمان محذوف، تقديره: أي يؤمنون زمانًا قليلًا، أو على الحالية من فاعل {يُؤْمِنُونَ}؛ أي: حال كونهم جمعًا قليلًا و {مَا} زائدة؛ زيدت لتأكيد القلّة، والجملة معطوفة على جملة قوله:{بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} أو مستأنفة.

{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)} .

{وَلَمَّا} الواو استئنافية {لمَّا} حرف شرط غير جازم {جَاءَهُمْ} فعل ومفعول به {كِتَابٌ} فاعل، والجملة فعل شرطٍ للمَّا لا محل لها من الإعراب {مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف صفة أولى لكتاب، تقديره: منزَّلٌ من عند الله {مُصَدِّقٌ} صفة ثانية لكتاب، وفي قراءة: بالنصب على الحال من {كِتَابٌ} كما مرّ {لِمَا} اللام حرف جرٍ {مَا} اسم موصول في محل الجرّ باللام متعلِّق بمصدق {مَعَهُمْ} (مع) منصوب على الظرفية، والهاء ضمير الغائبين في محل الجر مضاف إليه، والظرف متعلق بمحذوفٍ صلة {لِمَا} الموصولة، وجواب {لِمَا} محذوف؛ لعلمه من جواب {لمَّا} الآتية، تقديره: كذّبوه وأنكروه، وجملة {لِمَا} مع جوابها المحذوف مستأنفة {وَكَانُوا} الواو حالية {كانوا} فعل ناقص واسمه {مِن} حرف جر {قَبْلُ} ظرف زمان في محل الجر بمن، مبني على الضمّ؛ لشبهه بالحرف شبهًا افتقاريًّا؛ لافتقاره إلى المضاف إليه

ص: 95

المحذوف لنية معناه، والجار والمجرور متعلق بيستفتحون، أو بكانوا {يَسْتَفْتِحُونَ} فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل النصب خبر كان، وجملة كان في محل النصب حال من فاعل الجواب المحذوف {عَلَى الَّذِينَ} جار ومجرور متعلق بيستفتحون، وجملة {كَفَرُوا} صلة الموصول {فَلَمَّا جَاءَهُمْ} الفاء عاطفة بمعنى الواو {لَمَّا} حرف شرط غير جازم جَاءَهُم فعل ومفعول به {مَا} اسم موصول في محل الرفع فاعل {عَرَفُوا} فعل وفاعل صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: ما عرفوه، وجملة {جَاءَهُمْ} فعل شرط لِلَمَّا لا محل لها من الإعراب {كَفَرُوا} فعل وفاعل جواب {لمَّا} لا محل لها من الإعراب {بِهِ} جار ومجرور متعلق بكفروا، وجملة {لَمَّا} من فعل شرطها وجوابها معطوفةٌ على جملة {لَمَّا} الأولى، {فَلَعْنَةُ اللَّهِ} الفاء استئنافيّة، أو فصيحة؛ لأنّها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت صنعهم القبيح، وأردت بيان ما يستحقون به، فأقول لك: لعنة الله على الكافرين {لَعْنَةُ اللَّهِ} مبتدأ ومضاف إليه {عَلَى الْكَافِرِينَ} جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، أو في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدّرة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا.

{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)} .

{بِئْسَمَا} {بئس} فعل ماض من أفعال الذمّ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا؛ لشبهه بالمثل، تقديره: يعود على شيء {مَا} نكرة موصوفة بمعنى شيء في محل النصب تمييز لفاعل {بئس} . {اشْتَرَوْا} فعل وفاعل {بِهِ} جار ومجرور متعلق باشتروا، والجملة صفة لما، والرابط ضمير {بِهِ} . {أَنْفُسَهُمْ} مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل النصب صفة لما، ولكنّها سببية، والتقدير: بئْسَ الشيء شيئًا مشترًى به أنفسهم {أَنْ} حرف نصب ومصدر {يَكْفُرُوا} فعل مضارع منصوب بأن، والواو فاعل {بِمَا} جار - ومجرور متعلق بيكفروا {أَنْزَلَ اللَّهُ} فعل وفاعل، والجملة صلة لما، أو صفة لها، والعائد محذوف، تقديره: بما أنزل الله به، وجملة {يَكْفُرُوا} صلة {أَنْ} المصدرية و {أَنْ} مع صلتها في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء، على كونه

ص: 96

مخصوصًا بالذمّ لبئس، وجملة {بئس} من الفعل والفاعل في محل الرفع خبرٌ عنه، والتقدير: كفرهم بما أنزل الله به، بئس شيئًا باعوا به أنفسهم، والجملة من المبتدأ والخبر جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب، أو مرفوعٌ على أنّه خبر مبتدأ محذوف، تقديره: والمخصوص بالذمّ كفرهم بما أنزل الله، كما قال: ابن مالك في "خلاصته":

ويُعْرَبُ المَخْصُوص بَعْدَ مُبْتَدَا

أوْ خَبَر اسْمٍ لَيْسَ يَبْدُو أبدَا

{بَغْيًا} مفعول لأجله منصوب بيكفروا {أَنْ} حرف نصب ومصدر {يُنَزِّلَ اللَّهُ} فعل وفاعل منصوب بأن المصدرية، وجملة {أَنْ} المصدرية مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، تقديره: بغيًا وحسدًا على إنزال الله من فضله على من يشاء، والجار المحذوف متعلِّقٌ ببغيًا؛ لأنّه بمعنى حسدًا {مِنْ فَضْلِهِ} جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف معمول لـ {يُنَزِّلَ اللَّهُ} ، تقديره: أن ينزّل الله وحْيًا كائنًا من فضله وإحسانه {عَلَى مَنْ} جار ومجرور متعلق بينزّل {يَشَاءُ} فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {مِنْ} الموصولة، والجملة صلة {مِنْ} الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: على من يشاؤهُ {مِنْ عِبَادِهِ} جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المحذوف العائد على {مَنْ} الموصولة {فَبَاءُوا} الفاء استئنافية، أو فصيحة؛ لأنّها أفصحت عن جواب شرط مقدَّر، تقديره: إذا عرفت بغيهم الشنيع، وحسدهم الفظيع، وأردت بيان جزائهم، فأقول لك: باءوا بغضبٍ {باءوا} فعل وفاعل، والجملة الفعلية مستأنفة، أو في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة {بِغَضَبٍ} متعلِّق بباءوا، أو حال من فاعل {باءوا}؛ أي: حال كونهم ملتبسين بغضب {عَلَى غَضَبٍ} صفة لغضب {وَلِلْكَافِرِينَ} الواو استئنافية {للكافرين} خبر مقدم {عَذَابٌ} مبتدأ مؤخر {مُهِينٌ} صفة العذاب، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا لا محل لها من الإعراب.

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)} .

ص: 97

{وَإِذَا قِيلَ} الواو استئنافية {إِذَا} ظرف لما يستقبل من الزمان {قِيلَ} فعل ماض مغيّر الصيغة {لَهُمْ} جار ومجرور متعلق بقيل {آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} نائب فاعل محكي لقيل مرفوع بضمّة مقدّرة على لفظ الجلالة الممنوعة بحركة الحكاية، والجملة من الفعل المُغيَّر ونائب فاعله، في محل الجر بإضافة إذا إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي، وإن شئت قلت:{آمِنُوا} فعل أمر وفاعله، والجملة في محل الرفع نائب فاعل {بِمَا} جار ومجرور متعلق بآمنوا {أَنْزَلَ اللَّهُ} فعل وفاعل، والجملة صلة لـ (ما}، والعائد محذوف، تقديره: بما أنزله الله {قَالُوا} فعل وفاعل، والجملة جواب {إِذَا} الشرطية لا محل لها من الإعراب، وجملة {إِذَا} الشرطية مستأنفة استئنافًا نحويًّا {نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} مقول محكي لقالوا، وإن شئت قلت:{نُؤْمِنُ} فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على اليهود، تقديره: نحن، والجملة في محل النصب مقول لقالوا {بِمَا} جار ومجرور متعلق بنؤمن {أُنْزِلَ} فعل ماض مغيّر الصيغة، ونائب فاعله ضمير مستتر يعود على {مَا} تقديره: هو، والجملة صلة لـ {ما} الموصولة {عَلَيْنَا} متعلق بـ {أَنزَلَ} {وَيَكْفُرُونَ} الواو حالية {يكفرون} فعل وفاعل. والجملة في محل النصب حال من فاعل {قَالُوا} تقديره قالوا ذلك حال كونهم كافرين بما وراءه {بِمَا} جار ومجرور متعلق بيكفرون {وَرَاءَهُ} منصوب على الظرفيّة، والهاء مضاف إليه، والظرف متعلق بواجب الحذف؛ لوقوعه صلة لـ {ما} الموصولة {وَهُوَ} الواو حالية {هُوَ} مبتدأ {الْحَقُّ} خبره، والجملة الإسمية في محل النصب حالٌ من {مَا} في قوله:{بِمَا وَرَاءَهُ} والعامل فيها {يكفرون} تقديره: ويكفرون بما وراءه حالة كونه حقًّا {مُصَدِّقًا} حال ثانية من {مَا} أيضًا مؤكّدة لمضمون الجملة؛ لأنّ تصديق القرآن لازم له، لا ينتقل عنه؛ لأنّ قوله:{وَهُوَ الْحَقُّ} قد تضمّن معناها، وصاحبها ضمير دلّ عليه الكلام، وعاملها فعل مضمر، تقديره: أحقّه مصدّقًا {لِمَا} جار ومجرور متعلّق بمصدّقًا {مَعَهُمْ} ظرف ومضاف إليهم متعلق بمحذوف صلة {لِمَا} ، أو صفة لها {قُل} فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة مستأنفة {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ} إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت:{فَلِمَ} الفاء رابطة لجواب شرط

ص: 98

مقدّر، تقديره إن كنتم آمنتم بما أنزل عليكم فلم تقتلون أنبياء الله، اللام حرف جرّ {مَا} اسم استفهام للاستفهام التوبيخي في محل الجر باللام، مبني بسكون على الألف المحذوفة؛ فرقًا بينها وبين الموصولة؛ لشبهها بالحرف شبهًا معنويًّا، وقد تحمل الاستفهامية على الخبريّة فتثبت ألفها، وقد تحمل الخبريّة على الاستفهامية فتحذف ألفها. انتهى. "سمين". الجار والمجرور متعلق بتقتلون {تَقْتُلُونَ} فعل وفاعل، والجملة في محل الجزم بأن الشرطيّة على كونها جوابًا لها، وجملة {إنْ} الشرطية المحذوفة في محل النصب على كونها مقولًا لقل {أَنْبِيَاءَ اللَّهِ} مفعول به ومضاف إليه {مِنْ قَبْلُ} جار ومجرور متعلق بتقتلون {إن} حرف شرط {كُنْتُمْ} فعل ناقص واسمه في محل الجزم بإن الشرطية على كونها فعل شرط لها {مُؤْمِنِينَ} خبرها، وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله، تقديره: إن كنتم مؤمنين، فلم فعلتم ذلك، وجملة {إن} هو الشرطية في محل النصب مقول لقل.

وفي "الفتوحات الإلهية" قوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} في {إن} قولان:

أحدهما: أنّها شرطيّة، وجوابها محذوف، تقديره: إن كنتم مؤمنين، فَلِم فعلتم ذلك، ويكون الشرط وجوابه قد ذكر مرتين، فحذف الشرط من الجملة الأولى، وبقي جوابها وهو فلِمَ تقتلون، وحذف الجواب من الثانية، وبقي شرطه، فقد حُذف من كل واحدٌ ما أثبت في الأخرى، فيُسمَّى هذا احتباكًا، عند البديعيين، وقال ابن عطيّة: جوابها متقدّم وهو قوله: {فَلِمَ} وهذا إنّما يتأتَّى على قول الكوفيين، وأبي زيد.

والقول الثاني: أَنّ {إِن} نافية بمعنى (ما)، أي: ما كنتم مؤمنين لمنافاة ما صدر منكم للإيمان. اهـ. "سمين".

{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)} .

{وَلَقَدْ} الواو عاطفة جملة القسم على جملة قوله: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ} على كونها مقولًا لقل، أو استئنافية، واللام موطِّئة للقسم {قَدْ} حرف

ص: 99

تحقيق {جَاءَكُمْ مُوسَى} فعل ومفعول به وفاعل، والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة، أو معطوفة على جملة قوله:{فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ} فهو داخل تحت الأمر السابق، والتقدير: وقيل لهم: لقد جاءكم موسى بالبينات، كما في "الجمل". {بِالْبَيِّنَاتِ} جار ومجرور متعلّق بمحذوف حال من موسى، تقديره: حالة كونه متلبسًا بالبينات {ثُمَّ} حرف عطف وترتيب مع تراخ في الرتبة، والدلالة على نهاية قبح ما صنعوا {اتَّخَذْتُمُ} فعل وفاعل {الْعِجْلَ} مفعول أوّل، والثاني محذوف، تقديره: إلهًا، والجملة معطوفة على جملة قوله:{قد جاءكم} على كونها جواب القسم {مِنْ بَعْدِهِ} جار ومجرور ومضاف إليه متعلق باتخذتم {وَأَنْتُمْ} الواو حالية {أَنْتُمْ} مبتدأ {ظَالِمُونَ} خبره، والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل {اتَّخَذْتُمُ} ، تقديره: ثمّ اتخذتم العجل من بعده حالة كونكم ظالمين؛ أي: واضعين العبادة في غير موضعها، والله أعلم.

التصريف ومفردات اللغة

{لَا تَسْفِكُونَ} السفك: الصبُّ والإراقة، وفي "المصباح"؛ سفكت الدمع والدمّ سَفْكًا من باب ضرب، وفي لغةٍ من باب قتل، أَرَقْتُه، والفاعل السَّافِكُ وسَفَّاكٌ مبالغةٌ. اهـ. وفي "السمين": وقرىء: {لَا تَسْفُكُون} بضم الفاء، وتُسْفِكُون من أسفك الرباعيِّ. اهـ.

{دِمَاءَكُمْ} جمع دم، والدم معروفٌ وهو محذوف اللام، وهي ياءٌ لقول الشاعر:

لَقَدْ جَرَى الدَّمْيانِ بِالخَبرِ اليْقِينِ

أو واوٌ لقولهم: (دَمَوان) ووزنه فَعْلٌ، وقيل: فَعَلٌ، وقد سمع مقصورًا، قال:

غفلَتْ ثُمَّ أتَتْ تَطْلُبُهُ

فَإذا هِيَ بعِظَامٍ وَدَمَا

وقال: آخر

ص: 100

وَلَكِنْ عَلَى أعْقَابِنَا يَقْطُرُ الدَّمَا

في رواية من رواه كذلك، وقد سمع مشدَّد الميم، قال الشاعر:

أَهَانَ دَمَّكَ فَرْغًا بَعْدَ عِزَّتِهِ

يَا عَمْرُو نَعْيُكَ إصْرارًا عَلَى الحَسَدِ

قال سيبويه: أصله: دَمْيٌ على وزن فَعْل بالتسكين؛ لأنّه يجمع على دماء نظير ظَبْي وظِبَاءٍ، ولو كان مثل قفا وعصا لما جمع هذا الجمع، وعلى هذا فلامه الذاهبة ياءٌ، وقال المبرّد: أَصْلُهُ: دَمَيٌ بوزن فَعَلٍ بالتحريك، وجاء جمعه مخالِفًا لنظائره، ويثنَّى: على دَمَيان، وقال الجوهري: في "صحاحه": الدم أصله: دَمَوٌ بالتحريك، وإنّما قالوا: دَمِيَ يَدْمَى؛ لحال الكسرة التي قبل الياء، كما قالوا: رضي يرضى وهو من الرضوان، وعلى كُلِّ حالٍ، فالهمزة في قوله:{دِمَاءَكُمْ} إمّا بدلٌ من واوٍ، كما هو رأيُ الجوهري ومن وافقه، أو بدلٌ من ياءٍ، كما هو رأي سيبويه، والمبرد، وصاحب "القاموس" ومن وافقهم، تطرَّف حرف العلة بعد ألف زائدةٍ، فقلبت همزةً {مِنْ دِيَارِهِمْ} جمع دار، وأصل دار: دَوَرٌ، تحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا، فلمّا أُعِل اللفظُ في المفرد حُمل عليه الجمعُ، فأُعِلَّ بإبدال الواو ياءً، إذ الأصل في الجمع أن يقال: دِوَارٌ، ولمَّا وقعت الواو بين كسرةٍ وألفٍ قلبت ياءً، كما سيأتي نظائره في المصادر، كالصيام، والقيام، وعبارة "السمين" هنا: وديار جمع دار والأصل: دِوار؛ لأنّها من دار يدور، وإنّما قلبت الواو ياء؛ لانكسار ما قبلها، واعتلالها في الواحد. اهـ. وقال أبو حيان: الديار: جمع دار وهو قياسٌ في فَعَلٍ الاسم إذا لم يكن مضاعفًا، ولا معتلَّ لامٍ، نحو: طَلَلٍ، وفتى، والياء في هذا الجمع منقلبةٌ عن واو، إذ أصله: دِوَارٌ وهو قياسٌ - أعني: هذا الإبدال - إذا كان جمعًا لواحدٍ معتل العين، كثوب، وحوض، ودار بشرط أن يكون فعالٌ صحيح اللام، فإن كان معتلَّه لم يبدل، نحو: رَاوٍ، وقالوا في جمع طويل: طِوالٌ، وطِيالٌ. اهـ.

{ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ} أقرَّ الشي اعترف به، والإقرار: شهادة المرء على نفسه وهو مجازٌ عن القبول، والرضا بالشيء. {تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ} تتعاونون عليهم كأنَّ المتظاهرين يسند كُلُّ واحد منهم ظهره إلى صاحبه، والظهر المعين، قريء

ص: 101

بتخفيف الظَّاء على حذف إحدى التاءين، والأصل: تتظاهرون على حدِّ قول ابن مالك في "الخلاصة" في باب الإدغام:

وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِى قدْ يُقْتَصَرْ

فِيهِ عَلَى تَا كَـ (تَبَيَّنُ) العِبَرْ

الأصل: تتبيَّنُ العبر، ولم يكن هناك سبيلٌ إلى الإدغام لاستدعائه همزة الوصل، وهمزة الوصل لا تدخل على المضارع، ومذهب سيبويه، والجمهور: أنَّ المحذوفة الأخيرة؛ لأنَّ الثقل وقع بها؛ ولعدم دلالتها على معنى المضارعة، ومذهب الكوفيين: أنَّ المحذوفة الأولى، ولا طائل تحت هذا الخلاف. وقرىء:{تَظَّاهَرُون} بالتشديد، ووُجِّه ذلك أنَّ التاء الثانية أبدلت ظاءً وأدغمت في الظاء، وكذلك ما سيأتي في سورة التحريم من قوله:{وإن تظاهرا عليه} {تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} وصلة الفعل محذوفةٌ، والمعنى: تظاهرون بحلفائكم من العرب حال كونكم مُلْتَبسين بالإثم والعدوان. اهـ. شيخنا. والإثم في الأصل: الذَّنْبُ، وجمعه آثام، ويطلق على الفعل الذي يستحقُّ به صاحبه الذم واللَّوْم، وقيل: هو ما تنفر منه النفس، ولا يطمئن إليه القلب، فالإثم في الآية يحتمل أن يكون مرادًا به ما ذكرتُ من هذه المعاني، ويحتمل أن يتجوَّز به عمّا يوجب الإثم إقامة للسبب مقام المسبب، والعدوان: التجاوز في الظلم وهو مصدرٌ، كالغفران، والكفران، والمشهور: ضمُّ فائه، وفيه لغةٌ بالكسر. اهـ. "سمين".

{أُسَارَى} وفي "المصباح": أنَّ كُلًّا من أسرى، وأُسارى جمع أسير، وفي "السمين": يحتمل أنَّ أُسارى جمع أسرى، وأسرى جمع أسير. اهـ. وفي "البحر": الأسرى: جمع أسير، وفعلى مقيسٌ في فعيلٍ بمعنى: مُمْسَكٍ، أو مُوجَعٍ، كقتيلٍ، وجريحٍ، وأمّا الأُسارى فقيل: جمع أسير، وسمع الأَسارى بفتح الهمزة، وليست بالعالية، وقيل أُسارى: جمع أسرى، فيكون جمع الجمع، قاله المفضَّلُ. وقال أبو عمرو بن العلاء: الأسرى من في اليد، والأسارى من في الوِثاقِ، والأسير هو المأخوذ على سبيل القهر والغلبة {تُفَادُوهُمْ}؛ أي: تنقذوهم. من الأسر بالمال، وفي "المختار": فاداه، وفداه: أعطى فداءه من المال، أو الرجال، فأنقذه. اهـ. وفي "البحر" الفداء بالكسر فيُمدُّ، كما قال النابغة:

ص: 102

مَهْلًا فِدَاءً لَكَ الأقْوَامُ كُلُّهُم

وَمَا أثْمَرُوا مِنْ مَالٍ وَمِنْ وَلَدِ

ويقصر قال:

فِدًا لله مِنْ رَبِّ طَرِيْفِي وَتالِدِي

وإذا فُتح أوّلهُ قصر يقال قُمْ فَدًا لَكَ أَبِي قاله الجوهري، ومعنى: فَدَى فلانٌ فلانًا أي أعطى عوضه.

{وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ} المحرَّم: اسم مفعول من حرَّم، وهو راجع إلى معنى المنع، تقول: حرَّمه يحرِّمه إذا منعه {فَمَا جَزَاءُ} الجزاء: المقابلة، ويطلق في الخير والشرّ، والهمزة فيه مبدلة من ياء؛ لتطرّفها إثر ألفٍ زائدة، فالأصل: جزايُ {إِلَّا خِزْيٌ} الخزي: الهوان، قال الجوهري: خَزِي بالكسر يخزَى خِزْيًا، وقال ابن السكيت: وقع في بليّةٍ، وأخزاه الله أيضًا، وخزِي الرجل في نفسه، يخزى خزايةً إذا استحيا وهو خزيانٌ، وقومٌ خَزَايا، وامرأةٌ خَزْيا، وفي "المصباح": خَزِي خِزْيًا من باب علم، إذا ذَلَّ وهان، وأخزاه الله أذلَّه وأهانه، وخَزِي خَزايةً بالفتح وهو الاستحياء، فهو خَزْيانٌ. اهـ. {فِي الْحَيَاةِ} تقدَّم أن ألف الحياة منقلبةٌ عن واو {الدُّنْيَا} وصفٌ جاء على وزن فعلى هو من الدُّنُوِّ بمعنى: القرب، والمعروف أنَّ فُعلى إذا كانت وصْفًا، وكانت لامُها واوًا أُعِلَّت؛ أي: أبدلت ياءً، كما في الدنيا، أصلها: الدُّنْو، أبدلت الواو ياءً، وسلمت في الاسم فلم تُبْدَل، ولم يأت ذلك في القرآن، ولكن ورد في "لسان العرب"، قال ذُو الرُّمَّةِ:

أَدَارٌ بِحُزْوَى هُجْتِ لِلْعَيْنِ عَبْرَةً

فَمَاءُ الهَوَى يَرْفَضُّ أوْ يَتَرَقْرَقُ

فَتراهُ قال: حُزْوَى، ولم يَقُلْ حُزْيا؛ لأنّه اسمٌ لا وَصْفٌ، وعلى العَكْسِ من ذلك إذا كانَتْ وَصْفًا، أما عَدمُ إعلالِ قُصْوَى في قوله تعالى:{وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى} فهو فصيحٌ في الاستعمال نادرٌ في القياس، وقد بَيَّن ابنُ مالك هذه الأحكام، فقال:

مِنْ لَامِ فَعْلَى اسْمًا أتَى الوَاوُ بَدَلْ

يَاءٍ كَتَقْوَى غَالِبًا جَا ذَا البَدَلْ

بِالعَكْسِ جَاءَ لَامُ فُعْلَى وَصْفاَ

وَكَوْنُ قُصْوَى نَادِرًا لا يَخْفَى

ص: 103

قال أبو حيان: والألف في الدنيا للتأنيث، ولا تحذف منها الألف واللام إلّا في شعرٍ:

في سَعْي دُنْيَا طَالَمَا قَدْ سُدَّت

والدنيا تارةً تستعمل صفةً، وتارة تستعمل استعمال الأسماء، فإذا استعملت صفةً، فالياء مُبْدَلة من واوٍ إذْ هي مشتقَّةٌ من الدُّنُوّ، وذلك نحو: العليا، ولذلك جَرَتْ صفةً على الحياة في قوله:{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} فأمَّا القصوى والحلوى: فشاذٌّ، وإذا استعملت استعمال الأسماء فكذلك، وقال أبو بكر بن السرَّاج في "المقصور والممدود" له: الدُّنيا مؤنّثةُ الأدنى، مقصورةٌ تكتب بالألف، هذه لغة نجدٍ، وتميمٍ خاصَّةً، إلّا أنَّ أهل الحجاز، وبني أسد يلحقونها ونظائرها بالمصادر ذوات الواو، فيقولون: دُنْوَى، مثل: شُرْوَى، وكذلك يستعملون بكل فُعْلى موضع لامها واوًا يفتتحون أوَّلها، ويقلبون الواوَ ياءً؛ لأنّهم يستثقلون الضمّة والواو. انتهى. {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} القيامة فيه إعلال بالقلب، فالياء فيه منقلبة عن واو؛ لأنّه من قام يقوم، واويَّ العين، أعلَّت عين المصدر حملًا له على الفعل قام، فالأصل: القوامة، أبدلت الواو ياءً؛ لوقوعها إثر كسرةٍ وبعدها ألفٌ {يُرَدُّونَ} أصله: يردد، نقلت حركة الدال الأولى إلى الراء فسكنت، فأدغمت في الدال الثانية {إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} أصله: أشدد، نقلت حركة الدال الأولى إلى الشين فسكنت، فأدغمت في الدال الثانية {اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أصله: اشتريوا من اشترى بوزن افتعل من الشراء، تحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها، فَقُلِبَتْ ألفًا، فالتقى ساكنان الألف، وواو الجماعة، فحذفت الألف {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} آتينا أصله: أَأْتينا بوزن أَفْعلنا، أبدلت الهمزة الساكنة حرف مدّ للأولى {وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ} يقال: قفوت الأثر اتَّبعته، والأصل: أن يجيء الإنسان تابعًا لقفا الذي اتَّبعه، ثُمَّ تُوسِّع فيه حتى صار لمطلق الاتباع، وإنْ بَعُد زمان المتبوع من زمان التابع، وقال أُميَّةُ:

قَالَتْ لأخْتٍ لَهُ قُصِّيْهِ عَنْ جُنُبٍ

وَكيَفْ تَقْفُو ولا سَهْلَ ولا جُدَدُ

وفي "السمين": {وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ} التضعيف فيه للتعدية، إذ لو كان

ص: 104

كذلك لتعدَّى إلى اثنين؛ لأنّه قبل التضعيف يتعدَّى لواحدٍ، نحو: قفوت زيدًا، ولكنّه ضُمِّن بمعنى جئنا، كأنَّه قيل: وجئنا من بعده بالرسل، وأصله: قفَّونا، ولكن لمَّا وقعت الواو رابعةً قلبت ياء، واشتقاقه من قفوته إذا اتبعت قفاه، ثُمَّ اتسع فيه، فأُطلق على كُلِّ تابع وإن بعد التابع من زمان المتبوع، كما مرّ آنفًا، والقفا: مؤخّر العنق، ويقال له: القافية أيضًا، ومنه قافية الشعر.

{بِالرُّسُلِ} جمع رسول بمعنى: المرسل، ولا ينقاس فُعْلٌ في فعول بمعنى مفعول، وتسكين عينه لغة أهل الحجاز، والتحريك لغة بني تميم {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} عيسى: اسمٌ أعجميٌّ، علم لا يصرف للعجمة والعَلَميَّة، ووزنه عند سيبويه: فِعْلى، والياء فيه مُلْحَقةٌ ببنات الأربعة بمنزلة ياء معزى؛ يعني: بالياء، الألف سمَّاها ياءً؛ لكتابتهم إيّاها ياءً. قال أبو علي: وليست، ألفه للتأنيث، كالتي في ذكرى؛ بدلالة صرفهم له في النكرة، ومن زعم أنّه مشتقٌّ من العيس وهو بياضٌ يخالطه شُقْرةٌ، فغير مُصيب؛ لأنَّ الاشتقاق العربيَّ لا يدخل الأسماء الأعجمية {ابْنَ مَرْيَمَ} مريم باللُّغة السريانية، معناه: الخادم، وسُمّيت به أمُّ عيسى، فصار علمًا، فامتنع الصرف للتأنيث والعلمية، ومريم باللِّسان العربي من النساء، كالزِّيْرِ من الرجال، وبه فُسِّر قول رؤْبة:

قُلْتُ لِزِيْرٍ لَمْ تَصلْهُ مَرْيَمُهْ

والزِّيْرُ: الذي يُكْثِرُ خُلطةَ النساء وزيارتَهنّ، والياء فيه مبدلة من واو، كالريح، إذ هما من الزَّوْرِ، والرَّوْحِ، فصار هذا اللفظ مشتركًا بالنسبة إلى اللِّسانين، ووزن مَرْيَم عند النحويِّين مَفْعَلٌ؛ لأنَّ فَعْيَلًا بفتح الفاء لم يثبت في الأبنية، كما ثبت نحو: عَثْبَرٍ، وعَلْبَبٍ. قاله الزمخشري، وغيره {الْبَيِّنَاتِ} جمع بَيِّنَة بوزن فَيْعِلَة، فأصلها: بَيْيَنَةٌ بوزن فيْعَلَة، أدغمت ياء فيعل في عين الكلمة، وكذلك بَيِّنَاتٌ وَزْنُه فَيْعِلاتٌ، والبَيّنُ: الواضح من كل شيء من بان إذا وضح وظهر. {وَأَيَّدْنَاهُ} وفي "المختار": آد الرجل: اشتدَّ وقوى، وبابه: باع، والأيد والآد بالمدِّ: القوَّةُ، تقول: أيَّده تأييدًا، والفاعل منه مُؤيِّد بوزن مُكَرِّم، وتأيَّد الشيء تقوَّى، ورجلٌ أيِّدٌ بوزن جَيّدٍ؛ أي: قَوِيٌّ. اهـ. يقال: أيَّد تأييدًا من باب

ص: 105

فَعَّل المضعَّف، وآيد إئْيادًا من باب أفعل، وكلاهما من الأيد، وهو القُوَّة {بِرُوحِ الْقُدُسِ} والرُّوح من الحيوان: اسمٌ للجزء الذي تحصل به الحياة، قال الراغب: واختلف الناس فيه وفي النفس، أهما من المشترك أم من المتباين؟ وفي ماهية الروح والنفس، وقد صُنِّف في ذلك {الْقُدُسِ} الطهارة، وقيل البركة {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ} الرسول: فعول، بمعنى: المرسل وهو قليلٌ في كلامهم، ومنه الحلوب، والرَّكُوب بمعنى: المحلوب، والمَرْكُوب {بِمَا لَا تَهْوَى}؛ أي: تُحِبّ وتختار، ماضيه على فَعِل كرضي، ومصدره الهوى، وفيه إعلالٌ بالقلب، أصله: تَهْوَى بوزن تَفْعَل، تحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا، وفي "الجمل": وتهوى: مضارع هَوِيَ بالكسر إذا مال وأحبَّ، وفي "المختار": هَوِيَ أحبَّ، وبابه: صَدِيَ، ويقال: هَوَى يَهْوِي، كرمى يرمي، هَوْيًا بالفتح إذا سقط. اهـ. وهُويًّا بضمّ الهاء وفتحها. انتهى. اهـ. "مصباح".

{وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} وفي "السمين": وغُلْفٌ بسكون اللام: جمع أغلف، كأحمر وحُمْرٍ، وأصفر وصفر، وهو الذي لا يفقه، والمعنى على هذا: إنّها خلقت وجبلت مُغشَّاةً لا يصل إليها الحق. اهـ. أو جمع غلافٍ وهو الغشاء، فيكون أصله التثقيل فخفِّف. اهـ. من "البحر" {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} واللَّعْنُ: الطَّرد والإبعاد، يقال: شَأْوٌ لَعِينٌ؛ أي: بعيدٌ، وقال الشَّمَّاخُ:

ذَعَرْتُ بِهِ القَطَا وَنُغَيْتُ عَنْهُ

مَقامَ الذِئْبِ كَالرَّجُلِ اللَّعِيْنِ

{عَلَى مَنْ يَشَاءُ} مضارع شَيِءَ بكسر العين يشاء بفتحها، كعلم يعلم، نقلت حركة الياء إلى الشين في المضارع، فسكنت الياء وفتح ما قبلها، ثُمَّ قلبت ألفًا نظرًا إلى حركتها في الأصل، وفتح ما قبلها في الحال، فكأنَّها توفَّرت فيها شروط القلب نظرًا لحالها الأوَّل، وحالها الرَّاهن، ولهذا نظائر كثيرةٌ في القرآن، مِثْلُ: يكادُ، ويراد، وفي كلام العرب. {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا} المعرفة: العلم المتعلق بالمفردات، ويسبقه الجهل، بخلاف أصل العلم، فإنّه يتعلَّق بالنِّسَبِ، وقد لا يسبقه الجهل، ولذلك لم يوصَفِ الله تعالى بالمعرفة، ووُصِفَ بالعلم {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} بئس: فعلٌ وضع للذمِّ، وأصله: فعل، وله، ولنِعْم باب معقودٌ في النحو {بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ} .

ص: 106

البَغْيُ: الظلم، وأصله: الفساد، من قولهم: بغى الجرح إذا فسد. قاله الأصمعي. وقيل: أصله: شدة الطلب، ومنه ما نَبْغِي، ومنه سُمِّيت الزانية: بَغِيًّا؛ لشدّة طلبها للزنا {باءوا بغضب} أصله: بَوَأ، تحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا، ثمّ أسند الفعل إلى ضمير الجماعة، فبني على الضمّ {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} مهين: اسم فاعل من أهان الرباعي، واشتقاقه من الهوان، فأصله: مُهْوِنٌ على وزن مُفْعِل، نقلت حركة حرف العلة إلى الساكن الصحيح قبله، فسكنت الواو، إثر كسرة، فقلبت ياءً حرف مدّ، والإهانة: الإذلال، ويقال: هان هوانًا لم يُحْتَمل به، وهو معنى الذُّلِّ، وهو كون الإنسان لا يُؤْبَهُ به، ولا يُلْتَفت إليه {وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ} والوَرَاءُ من الظروفِ المتوسطةِ التصرفِ، وتكون بمعنى: قُدَّام، وبمعنى: خلف، وهو الأشهر فيه.

البلاغة

وقد تضمّنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: المجاز المرسل في قوله: {لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ} ؛ أي: لا تُسَبِّبُوْا في إراقة دمائكم؛ لأنَّ من أراق دم غيره، فكأنَّما أراق دم نفسه، فهو من باب المجاز بأدنى ملابسةٍ؛ أو لأنّه يوجب قصاصًا، فهو من باب إطلاق المسبَّب وإرادة السبب.

ومنها: الاستعارة التصريحيَّة التبعيَّة في قوله: {ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ} ؛ لأنّه استعار الإقرار لقبول الميثاق ورضاه، ثُمَّ اشتقَّ منه أقررتم بمعنى: قبلتم على طريقة الاستعارة التصريحية التبعيَّة.

ومنها: الإسناد العقليُّ في قوله: {ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ} ؛ لأنَّ الإقرار إنَّما وقع للأسلاف، فأسنده إلى الأخلاف الذين خوطبوا بهذا الكلام؛ لرضاهم بما فعل أسلافهم.

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} عبَّر عن قتل الغير

ص: 107

بقتل النفس؛ لأنَّ من أراق دم غيره، فكأنَّما أراق دم نفسه، فهو من باب المجاز لأدنى ملابسة، كما مرّ آنفًا.

ومنها: الاستفهام الإنكاري التوبيخي في قوله: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ} .

ومنها: بيان جزائهم بطريق القصر في قوله: {إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ؛ لقطع أطماعهم الفارغة من ثمرات إيمانهم بِبَعْضِ الكتاب، وإظهار أنّه لا أثر له أصلًا مع الكفر ببعض.

ومنها: التنكير في قوله: {إِلَّا خِزْيٌ} ؛ لإفادة التهويل والتفخيم.

ومنها: الاستعارة المكنية التبعية في قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} حيث استعار الشراء للاستبدال تقدّم نظيرها.

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ} فإنّه أطلق الملزوم الذي هو الإيمان، وأراد لازمه الشرعي وهو فعل الواجبات، وترك المنهيات، وقد فعلوا بعض الواجبات، وهو الفداء، ولم يتركوا المحرم، وهو القتال والإخراج.

ومنها: تقديم المفعول على عامله في قوله: {فريقا كذّبتم} وقوله: {وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} ؛ للاهتمام به، وتشويق السامع إلى ما يلقى إليه؛ وللفاصلة.

ومنها: التعبير بالمضارع في قوله: {فريقا تقتلون} ولم يقل قتلتم، كما قال {كذبتم} ؛ لأنّ الفعل المضارع كما هو المألوف في أساليب البلاغة، يستعمل في الأفعال الماضية التي بلغت من الفظاعة مبلغًا عظيمًا، فكأنّه أحضر صورة قتل الأنبياء أمام السَّامع، وجعله ينظر إليها بعينه، فيكون إنكاره لها أبلغ، واستفظاعه لها أعظم، ويسمَّى هذا عند البلغاء: حكايته الحال الماضية، وصورتها: أن يُقدَّر، ويفرض الواقع في الماضي واقعًا وقت التكلُّم، ويخبرَ عنه بالمضارع الدال على الحال اهـ. من "الفتوحات".

ومنها: إضافة الموصوف إلى الصفة في قوله: {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} أي:

ص: 108

بالروح المقدَّس وهو جبريل، وتسميته روحًا على سبيل الاستعارة، لمشابهته الروح الحقيقيَّ في أنَّ كُلًّا جسمٌ لطيفٌ نورانيٌّ، وأنَّ كلًّا مادّة الحياة، فجبريل تحيا به القلوب والأرواح من إتيانه بالوحي، والعلوم، والروح تحيا به الأبدان والأجساد.

ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} جمع أغلف مستعارٌ من الأغلف الذي لا يُختَن؛ أي: مغشَّاةٌ بالغشاء المعنويِّ، كما أنَّ الحشفة مُغطَّاةٌ بالقُلْفة.

ومنها: زيادة ما في قوله: {فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} ؛ لإفادة المبالغة في القِلَّة.

ومنها: وصف الكتاب بكونه من عند الله في قوله: {كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} ؛ للتشريف.

ومنها: وضع الظاهر موضع المضمر في قوله: {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} حيث لم يقل: عليهم؛ للدلالة على أنَّ اللَّعنة لحقتهم لكفرهم.

ومنها: التعبير بالمضارع في قوله: {أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا} ؛ حكايةً للحال الماضية، واستحضارًا لفعلهم الشَّنِيع.

ومنها: الإظهار في موضع الإضمار في قوله: {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} حيث لم يقل: ولهم؛ للإشعار بعِلِّية كفرهم لما حاق بهم.

ومنها: المجاز العقليُّ في قوله: {عَذَابٌ مُهِينٌ} حيث أسند الإهانة إلى العذاب؛ لكونه سببها.

ومنها: التعبير بالمضارع في قوله: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ} حيث لم يقل: فلم قتلتم أنبياء الله؛ لحكاية الحال الماضية.

ومنها: الزيادة والحذف في عدّة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 109

قال الله سبحانه جلّ وعلا:

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)} .

المناسبة

قوله: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات

ص: 110

لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى، لمّا عدَّد (1) في الآيات السالفة ما أنعم به على بني إسرائيل من النعم، وذكر ما قابلوها به من الكفران، ذكر هنا أنَّ الآيات البينات الدالة على صدق دعوة موسى، ووحدانية الله، وعظيم قدرته، لم تزدهم إلّا انهماكًا في الشرك، وتوغّلًا في ضروب الوثنية، فالنعم التي أسبغها عليهم لم يكن لها من شكر إلّا اتخاذ العجل إلهًا يعبدونه من دون الله، فكيف يعتذرون عن عدم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، بأنَّهم لا يؤمنون إلّا بما أنزل إليهم، وهذا دليل على قسوة قلوبهم، وفساد عقولهم، فلا أمل فيهم لهداية، ولا مطمع لفكرٍ وتأمُّلٍ، بعد أن اختلَّ الوجدان، وضعف الجنان، وهذه الآيات البينات التي ذكرت هنا: كانت في مصر قبل الميعاد الذي نزلت فيه التوراة، وما ذكر من النعم هناك كان في أرض الميعاد.

قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ

} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه، لما ذكر في الآيات السالفة معاذير لليهود اعتذروا بها عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من الآيات البينات، كقولهم: إنهم مؤمنون بكتابٍ من ربّهم، فلا حاجة لهم بهداية غيره، فَنَقَض دعواهم، وأَلْزمَهم الحجة، وقولَهم: إنّهم ناجون حتمًا في الآخرة؛ لأنّهم شَعْبُ الله وأبناؤُه، فأبطل مزاعمهم، ودَحضَ حُجَجهم

ذكر (2) هنا تَعِلَّةً أخرى هي أعجبُ من كل ما تقدَّم، وفنَّدَها كما فنَّد ما قبلها، تلك هي قولهم: إنَّ جبريل الذي يَنِزل على محمد صلى الله عليه وسلم بالوحي عدوُّهم، فلا يؤمنون بما يجيء به منه، وقد أُثِر عنهم عدَّة روايات تشرحُ هذه المقالةَ:

منها: أن أحد علمائهم وهو عبد الله بن صوريا، سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الملك الذي ينزل عليه بالوحي؟ فقال: هو جبريل، فقال ابن صوريا: هو عدو اليهود؛ لأنّه أنذرهم بخراب بيت المقدس، فكان ما أنذر به.

ومنها: أنّ عمر بن الخطاب دخل مِدْراسهم، فذكر جبريل، فقالوا: ذاك

(1) المراغي.

(2)

المراغي.

ص: 111

عدونا يطلع محمدًا على أسرارنا، وأنّه صاحب كل خسف وعذاب، وأنّ ميكائيل ملك الرحمة ينزل بالغيث والرخاء.

ولا شكّ أنّ هذا منهم دليل على خطل الرأي، وعدم التدبُّر، وإنّما ذكره الكتاب الكريم؛ ليستبين للناس حجج أهل الكتابِ، ويعرفوا مِقدارَ مِرائهِم وسخفهم في جَدَلهِم، وأنهم ضعات الأحلام، قليلوا التَدبرِ في عواقب ما يقولون.

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى، لمَّا ذَكَّر فيما سبق ببعض أحوالهم الشَّنيعة، ومقالاتهم القبيحة .. بيَّن في هذه الآيات حالًا من أحوالهم هي عِلَّةُ ما يصدر عنهم من جحود، وعناد، ومعاداةٍ للنبي صلى الله عليه وسلم، هي أنَّ فريقًا منهم نبذوا كتاب الله الذي به يَفْخَروُن حين جاء الرسول بكتابٍ مصدِّقٍ لما بين أيديهم، فإنَّ ما في كتابهم من البشارة بنبيٍّ يجيءُ من ولد إسماعيل لا ينطبق إلّا على هذا النبي الكريم، وليس المراد (1): أنّهم نبذوا الكتاب جملةً وتفصيلًا، بل نبذوا منه ما يُبشّر بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويُبيِّن صفاته، وما يأمرهم بالإيمان به واتباعه، ولا شك أنَّ ترك بعضه كترك كله، إذ إنَّه يُذْهِب باحترام، ويفتح البابَ لترك الباقي، وهذا الجحود لم يكن بِضَائرٍ للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا لدعوته، وقد قبلها، واهتدى بها كثيرٌ من اليهود، ومن غيرهم، وحين نبذوه اشتغلوا بصناعات، وأعمال صادَّةٍ عن الأديان من صنع شياطين الإنس والجنّ، فاشتغلوا بالسحر، والشَّعوذة، والطلسمات التي نسبوها إلى سليمان، وزعموا أنَّ ملكه كان قائمًا عليها، وهذه أباطيل منهم وسوسوا بها إلى بعض المسلمين، فصدَّقوهم فيما زعموا منها، وكذّبوهم فيما رموا به سليمان من الكفر، ولا يزال حال الدجالين من المسلمين إلى اليوم يتلون العزائم، ويخطُّون خطوطًا، ويعملون طلسمات يسمُّونها خاتم سليمان، وعهودًا يزعمون أنّها تحفظ

(1) المراغي.

ص: 112

من يحملها من اعتداء الجنّ، ومسِّ العفاريت. وإنَّما قصَّ القرآن علينا هذا القصص (1)؛ للذكرى؛ وليبيِّن لنا ما افتراه أهل الأهواء على سليمان من أمر السحر، فكان صادًّا عن العمل بالدين وأحكامه لدى اليهود، ومن ثمَّ لم يهتدوا بالنبيِّ الذي بشَّر به كتابهم.

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا

} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أنّه سبحانه وتعالى، لما فرغ من الأحاديث الخاصَّة باليهود، انتقل إلى حديثٍ مشترك بينهم وبين المؤمنين، والنصارى في أمرٍ من أمور الدِّين.

أسباب النزول

قوله تعالى: {إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ

} الآية، سبب نزولها (2): ما أخرجه ابن جرير عن أبي العالية قال: قالت اليهود: لن يدخل الجنَّة إلّا من كان هودًا، فأنزل الله سبحانه: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً

} الآية.

قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ

} الآية، سبب نزولها: ما روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: سمع عبد الله بن سلام، مقدم رسول الله وهو في أرضٍ يخترف، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنّي سائلك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلّا نبيٌّ ما أوّلُ أشراط الساعة؟ وما أوّل طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمّه؟ قال: أخبرني بهنّ جبريل آنفًا، قال جبريل: قال نعم، قال: ذاك عدوُّ اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ

}.

قال شيخ الإِسلام ابن حجر العسقلانيُّ في "فتح الباري": ظاهر السياق: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الآية ردًّا على اليهود، ولا يستلزم ذلك نزولها حينئذ، قال: وهذا هو المعتمد: فقد صحَّ في سبب نزول الآية: قصّةٌ غير قصّة عبد الله بن سلام، فأخرج أحمد، والترمذي، والنسائي من طريق بكر بن شهاب، عن سعيد بن جبير، عن

(1) المراغي.

(2)

لباب النقول.

ص: 113

ابن عباس قال: (أقبلت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا القاسم! إنَّا نسألك عن خمسة أشياء، فإن أنبأتنا بهنّ عرفنا أنّك نبيٌّ) فذكر الحديث، وفيه أنَّهم سألوه عمَّا حرَّم إسرائيل على نفسه، وعن علامة النبي، وعن الرَّعد وصوته، وكيف تذكر المرأة وتؤنث، وعمَّن يأتيه بخبر السماء؛ إلى أن قالوا: فأخبرنا عن صاحبك، قال: جبريل، قالوا: جبريل، ذاك ينزل بالحرب والقتال والعذاب، عدوُّنا، لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر، لكان خيرًا، فنزلت.

وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده، وابن جرير عن طريق الشعبي: أنَّ عمر كان يأتي اليهود فيسمع من التوراة، فيتعجَّب كيف تُصدِّق ما في القرآن، فمرَّ بهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقلت: نشدتكم بالله، أتعلمون أنّه رسول الله؟ فقال عالمهم: نعم نعلم أنَّه رسول الله، قلت: فلم لا تتبعونه؟ قالوا: سألناه عمَّن يأتيه بنبوّته، فقال: عدوُّنا جبريل؛ لأنّه ينزل بالغلظة، والشدّة، والحرب، والهلاك، قلت: فمن رسلكم من الملائكة؟ قالوا: ميكائيل ينزل بالقطر، والرحمة، قلت: وكيف منزلتهما من ربّهما؟ قالوا: أحدهما عن يمينه، والآخر عن الجانب الآخر قلت: فإنّه لا يحلُّ لجبريل أن يعادي ميكائيل، ولا يحلُّ لميكائيل أن يسالم عدوَّ جبريل، وإنني أشهد أنَّهما وربَّهما سِلْمٌ لمن سالموا، وحَرْبٌ لمن حاربوا، ثمَّ أتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأنا أريد أن أخبره، فلمَّا لقيته قال: ألا أخبرك بآياتٍ - أنزلت عليَّ؟ فقلت: بلى يا رسول الله! فقرأ: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} حتى بلغ {لِلْكَافِرِينَ} قلت: يا رسول الله! والله ما قمت من عند اليهود إلّا إليك، لأخبرك بما قالوا لي وقلت لهم، فوجدت الله سبقني. وإسناده صحيح إلى الشعبي، لكنّه لم يدرك عمر، وقد أخرجه ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم من طريق آخر عن الشعبي، وأخرجه ابن جرير من طريق السدي، عن عمر، ومن طريق قتادة عن عمر، وهما أيضًا منقطعان.

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق آخر، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أنَّ يهوديًّا لقي عمر بن الخطاب، فقال: إن جبريل الذي يذكر صاحبكم هو عدوّ لنا، فقال عمر: من كان عدوًّا لله، وملائكته، ورسله، وجبريل، وميكائيل فإنَّ الله عدوُّه، قال: فنزلت على لسان عمر، فهذه طرقٌ يقوِّي بعضها بعضًا. وقد نقل ابن جرير الإجماع على أنَّ سبب الآية ذلك؛ أي: أنّها نزلت جوابًا لليهود، إذْ زعموا

ص: 114

أنَّ جبريل عدوٌّ لهم، وأنَّ ميكائيل وليٌّ، فيكون الإجماع مؤيِّدًا للحديث على ما به من الضعف؛ لأنّ بكير بن شهاب قد خولف فيه.

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ

} الآيتين، سبب نزولهما (1): ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد، أو عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال ابن صوريا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: يا محمد! ما جئتنا بشيء نعرفه، وما أنزل الله عليك من آية بينة، فأنزل في ذلك:{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} الآية. وقال: مالكُ بن الصيف حِينَ بُعِثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكَرَ ما أُخذ عليهم من الميثاق، وما عُهد إليهم في محمد، والله ما عُهِدَ إلينا في محمدٍ، ولا أُخذَ علينا ميثاق، فأنزل الله تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا

} الآية.

وقوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ

} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه ابن جرير، عن شهر بن حوشب، قال: قالت اليهود: انظروا إلى محمد يخلُط الحقَّ بالباطل، يذكر سليمان مع الأنبياء، أفما كان ساحرًا يركب الريح؟! فأنزل الله عز وجل: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ

} الآية.

وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي العالية: أنَّ اليهود سألوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم: زمانًا عن أمور من التوراة، لا يسألونه عن شيء من ذلك إلّا أنزل الله عليه ما سألوا عنه، فلمَّا رأوا ذلك قالوا: هذا أعلم بما أنزل إلينا منّا، وأنَّهم سألوا عن السحر وخاصموه به، فأنزل الله عز وجل:{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ} .

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا

} الآيات، سبب نزولها: ما أخرجه ابن المنذر (2)، عن السدي قال: كان رجلان من اليهود مالك ابن الصيف، ورفاعة بن زيد، إذا لقيا النبي صلى الله عليه وسلم قالا وهما يكلِّمانه: راعنا سمعك، واسمع غير مسمع، فظنَّ المسلمون أنّ هذا اللفظ كان أهل الكتاب يعظِّمون به أنبيائهم، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فأنزل تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

(1) لباب النقول.

(2)

لباب النقول.

ص: 115