الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثاني: النص المحقق
فصل: مقدمة الكتاب
…
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلَّى الله على سَيِّدنا محمَّدٍ وآله وصحبه وسلم1
[مقدّمة الكتاب]
"قال الفقير إلى رحمة ربه، المستوهب مغفرة ذنبه: محمد بن عبد الله ابن مالك الطائي الجياني رحمه الله"2
أمَّا بعد حَمْدِ اللهِ الذي لا رَدَّ لكلمته، ولا حَدَّ لعظمته، والصَّلاةِ على صَفْوَة العَالَم وخيرته، وناسخ الشرائع بشريعته، وعلى آله وأصحابه وأسرته؛ فإنَّ التَّصريف علمٌ تتشوَّفُ إليه الهِمَم العليِّة، ويتوقَّف عليه وضوح الحِكَم العربية، ويفتح من أبواب النَّحو ما كان مُقْفَلاً، ويُفَصِّل مِنْ أصوله ما كان مُجْمَلاً، وقد مُكِّنْتُ فيه بتوفيقٍ إلهيٍّ، وسعدٍ ناصريٍّ من انقياد الشوارد، وازدياد الفوائد، وتحصيل القواعد، وتفصيل المقاصد، " بعبارةٍ "3 تُسْتَعْذَب "وإشارة" 4 لا تُسْتَصْعَب، فألَّفْتُ ذلك في مجموع سَمَّيْتُهُ:
إيجاز التعريف في علم التَّصريف:
"و"5 الباعث على ثني عنان العناية إليه، وشحذ سنان العزم عليه؛
(1) في ب: "وصلَّى الله على خيرته من خلقه سيدي محمَّد وآله وسلّم".
(2)
ما بين الأقواس" "لا يوجد في ب.
(3)
في ب: "بعبارات".
(4)
في ب: "وإشارات".
(5)
في ب: "فالباعث".
التشرُّف بخدمة مولانا السلطان: الملك الناصر صلاح الدين1
أعزَّ الله ببقائه الدين والعباد، وأدام مزيد ارتقائه ما استمرَّت الآباد، فلقد اختصَّ من السجايا الكريمة بأجملها، ومن المزايا العميمة بأكملها؛ فلذلك لم يشغله تدبير مملكته الواسعة، وأقطارها الشاسعة، عن الإعياء في الفضائل، والإرباء على الأوائل، حتى استقَلَّ الفضلاءُ حَاصِلَهم فيما لديه، واضمحلَّ طائلهُم إذا نظروا إليه، فأعداؤه من سَطْوَتِهِ وَجِلُون، وأولياؤه عند رؤيَته خَجِلُون، علماً بأنَّ الأزمنة تضيق عن حصر معاليه، والألسنة " لا تطيق شكر أياديه " 2، لكن المحبة "إلى" 3 إنفاذ الوسع داعية، والنفوس بحسب الإمكان في مراضيه ساعية؛ فلهذا سَهُلَ إقدامي على ما أنا فيه وإن فقت الدَّارين كحامل المسك إلى دارين 4.
وفي تقبُّل الله تعالى تقرب أوليائه بأعمال هي من جملة آلائه، تمهيد المعذرة للأنفس الحذرة والله تعالى سعف بحصول المنويّ وقبول المحفوظ والمروي بِمَنِّه ويُمْنِه.
(1) تقدَّمت ترجمته في ص 30 من الدراسة.
(2)
في أ: "والألسنة لا تضيق عن حصر شكر أياديه".
(3)
في ب: "في إنفاذ".
(4)
دارين: فرضة بالبحرين يجلب إليها المسك من الهند. ويُنْسَب إليها المسك، فيقال: مسك دارين. ينظر: معجم البلدان 2/432،والقاموس مادَّة (درن) ، وتمثال الأمثال 1/138.
فصل
التصريف1: علم يتعلَّق بِبِنْيَةِ الكلمة وما لحروفها من زيادة وأصالة، وصحة واعتلال "وشبه2 ذلك"3
ومتعلِّقه من الكلمات: الأسماء التي لا تشبه الحروف، والأفعال4.
(1) التصريف في اللغة التحويل والتغيير والتبديل، ومنه قوله تعالى:
{وتصريف الرياح} . ينظر: اللسان (صرف) .
(2)
في ب: " وشبهه ".
(3)
تعريف المصنِّف للتصريف هنا مطابق لتعريفه له في التسهيل، فلا فرق بينهما إلَاّ تقديمه لكلمة " زيادة " على " أصالة " كما هنا، وفي التسهيل عكس ذلك. ينظر: التسهيل ص 290.
وما ذكره المصنِّف هو أحد التعريفات الاصطلاحية للتصريف. ومن العلماء مَنْ يُعَرِّفه بأنَّه علمٌ بأصولٍ تُعْرَف بها أحوال أبنية الكلمة التي ليست بإعراب. شرح الشافية للرضي 1/1، وعنوان الظرف في علم الصرف ص 4 ودروس التصريف لمحمد محي الدين ص 4
وعرَّفه بعضهم بأنَّه تحويل الأصل الواحد إلى أمثلة مختلفة لمعانٍ مقصودة
لا تحصل إلَاّ بها. مختصر التصريف العربي ص 24
وينظر: فتح اللطيف شرح حديقة التصريف ص 8، وشذا العرف في فن الصرف ص 19، وفي علم الصرف للدكتور أمين على السيد ص 5، وتصريف الأفعال والأسماء للدكتور محمد سالم محيسن ص 15.
(4)
زاد في التسهيل ص 290: " المتصرفة "، وهذه الزيادة لازمة لأنَّ الأفعال الجامدة لا يدخلها التصريف كما لا يدخل الحروف والأسماء المبنية. وقد أشار المصنِّف إلى ذلك في الخلاصة بقوله:
حرف وشبهه من الصرف بري
…
وما سواهما بتصريفٍ حري
وقال ابن عصفور في الممتع 1/35: (اعلم أنَّ التصريف لا يدخل في أربعة أشياء وهي: الأسماء الأعجمية التي عجمتها شخصية كإسماعيل ونحوه، لأنَّها نقلت من لغة قوم ليس حكمها كحكم هذه اللغة، والأصوات ك " عاق " ونحوه؛ لأنَّها حكاية ما يصوت به وليس لها أصل معلوم، والحروف وما شُبِّهَ بها من الأسماء المتوغلة في البناء من نحو " من وما "؛ لأنَّها - لافتقارها - بمنزلة جزء من الكلمة التي تدخل عليها
…
الخ) .
[المجرد]
وكُلُّ ما ليس بعض حروفه زائداً من "القبيلين"1 يُسَمَّى مجرَّداً2.
ولا يتجاوز المجرَّد خمسة أحرف إن كان اسماً3، ولا أربعة أحرف إنْ كان فعلاً4 ولا ينقصان في الوضع عن ثلاثة أحرف: حرف مبدوء به، وحرف موقوف عليه، وحرف مفصول / (2-أ) به بينهما 5.
[أوزان الاسم المجرَّد الثلاثي]
فالاسم المجرَّد الثلاثي مفتوح الأول أو مكسوره أو مضمومه. والمفتوح الأول إمَّا ساكن الثاني نحو: كَعْب، وصَعْب. وإمَّا مفتوح الثاني نحو: رَسَن 6، وحَسَن. وإمَّا مكسور الثاني نحو: نَمِر، وحَذِر. وإمَّا
(1) في ب: " القبلين ".
(2)
قال في التسهيل ص 290: " وما ليس بعض حروفه زائداً سُمِّيَ مجرّداً".
(3)
قالوا: " لأنَّه لو كان سداسياً لكان ثقيلاً أولاً، ولتوهم أنَّه مكون من كلمتين ثلاثيتين ثانياً ". ينظر: تصريف الأسماء للطنطاوي ص 11.
وتقسيم الاسم المجرد إلى ثلاثي ورباعي وخماسي هو رأي سيبويه وجمهور البصريين، أمَّا الكسائي والفراء وجمهور الكوفيين فإنَّهم يرون أنَّه ثلاثي وما عداه زائد بحرف أو حرفين. ينظر الكتاب 4/242 وما بعدها، والارتشاف 1/28، وشرح الكافية 1/47.
(4)
قالوا: للمحافظة على الاعتدال بينه وبين الاسم حيث إنَّ الفعل أثقل من الاسم لدلالته على الحدث والزمان والفاعل، فلو ضم إلى ذلك جعله خماسياً لتجاوز الاسم. أو لأنَّه يلحقه من الضمائر ما يصير به كالكلمة الواحدة.
ينظر: شرح مختصر التصريف للعزي ص 28، وشرح الشافية للرضي 1/9، والمغني في تصريف الأفعال ص 89
(5)
إنَّما احتاجوا للحرف الفاصل؛ لأنَّ المبدوء به يجب تحريكه، والموقوف عليه يجب تسكينه، فاحتاجوا للراحة بين المتضادين.
(6)
الرَّسَن هو الزمام الذي يوضع على أنف الفرس أو الناقة. اللسان (رسن)
مضموم الثاني نحو: سَبُع، وطَمُع1.
والمكسور الأول: إمَّا ساكن الثاني نحو: ظِلْف2 وجِلْف3. وإمَّا مفتوح الثاني نحو: إِرَم4وزِيَم5 وإمَّا مكسور الثاني نحو: إبِل 6 وبِلِز 7. والمضموم الأول إمَّا ساكن الثاني نحو: بُرٍّ ومُرٍّ. وإمَّا مفتوح الثاني نحو: نُغَر 8وغُدَر 9 وإمَّا مضموم الثاني نحو: طُنُب10 وجُنُب.
فهذه عشرة أبنية، أقلها استعمالاً المكسور الأول والثاني.
(1) يقال: رجُلٌ طَمُعٌ، إذا كان حريصاً على الشيء راجياً له. اللسان (طمع) . ويلاحظ هنا أنَّ المصنِّفَ ذكر لكل حالة مثالين، فالأول للاسم، والثاني للصفة.
(2)
الظِّلف: ظفر ما اجتر من الحيوان. اللسان (ظلف) .
(3)
الجلف: الجافي خَلْقُه وخُلُقه. اللسان (جلف) .
(4)
الإرم: حجارة تُنْصَب عَلَماً في المفازة، وهي في قوله تعالى:(إِرَم ذات العِمَاد (. إمَّا اسم قبيلة، وإمَّا امرأة، وإمَّا بلدة. ينظر: الصحاح (إرم) .
(5)
الزيم: المتفرق، واسم فرس. اللسان (زيم) .
(6)
لم يحفظ سيبويه غير هذه اللفظة. ينظر الكتاب 4/244
(7)
البلز: المرأة الضخمة. وهذه اللفظة من زيادات الأخفش الذي رواها بالتخفيف أمَّا سيبويه فقد رواها بالتشديد. وزاد غير الأخفش أمثلة أخرى منها: حِبِر لصفرة الأسنان، وإِطِل، وإِبِط، وإِقِط، ووِتِد، وإِثِر لغات في الأِطِل والإِبِط والأقط، والوَتَد، والأثر، وكذلك الإِبِد في الأَبد، وبلص لطائر، ورجل خِطِب ونِكِح.
ينظر: ليس من كلام العرب ص 13، وشرح الشافية للرضي 1/46، والممتع 1/62، والارتشاف 1/32، والأشموني 4/140
(8)
النُّغَر: طائر كالعصفور أحمر المنقار. الصحاح (نغر) .
(9)
الغُدَر: كثير ترك الوفاء، وأكثر ما يستعمل في النداء. اللسان والصحاح (غدر) .
(10)
الطُّنُب: حبل الخباء، وهو أيضاً عرق الشجر وعصب الجسد. الصحاح (طنب) .
وأهملوا مكسور الأول مضموم الثاني؛ لأنَّ الكسرة ثقيلة، والضمة أثقل منها، فكرهوا الانتقال من مستثقل إلى أثقل منه 1،
وليس كذلك الانتقال من ضمة إلى كسرة؛ لأنَّه تخلُّص من زيادة
الثقل، ولذلك لم يهملوا " فُعِل ": بل خصوه بالفعل الذي لم يُسَمّ فاعله 2. ثُمَّ نبَّهوا على أنَّ اطراحه في الأسماء ليس لمانع فيه بقولهم: " دُئِل " - لدويبة - 3 و " وُعِل " - في الوَعِل - 4،و " رُئِم " - للسه 5 - إلَاّ أنَّ أكثر النحويين لم يَعْتَدُّوا بهذا البناء في
(1) وردت على هذا الوزن كلمة (الحِبُك) في قراءة أبي مالك الغفاري. قال ابن جني في المحتسب 2/287: " وأمَّا الحِبُك - بكسر الحاء وضم الباء - فأحسبه سهواً. وذلك أنَّه ليس في كلامهم " فِعُل " بكسر الفاء وضم العين، وهو المثال الثاني عشر من تركيب الثلاثي، فإنَّه ليس في اسم ولا فعل أصلاً البتة، أو لعلَّ الذي قرأ به تداخلت عليه القراءتان: بالكسر: الحِبِك، والضم: الحُبُك.
وذكر ابن مالك في شرح الكافية الشافية 4/2021 توجيه ابن جني، ثُمَّ قال:" وهذا التوجيه لو اعترف به من عُزيت القراءة إليه، لدل على عدم الضبط ورداءة التلاوة، ومَنْ هذا شأنه لم يعتمد عليه.. "
وينظر: المفتاح في الصرف للجرجاني ص 30، والمنصف 1/20 وشرح الشافية للرضي 1/35، وشرح تصريف ابن مالك لابن إياز ص 6، وأوضح المسالك 3/303
(2)
قال سيبويه: " واعلم أنَّه ليس في الأسماء والصفات فُعِل ولا يكون إلَاّ في الفعل ". الكتاب 4/244. وينظر: المقتضب 1/45، والمنصف 1/20، وشرح الكافية الشافية 4/2026
(3)
الدُّئِل: دويبة صغيرة تشبه ابن عرس، وبها سُمِّيَت قبيلة أبي الأسود الدؤلي. ينظر: المنصف 1/20، وأدب الكاتب ص 586،والاقتضاب ص272، وشرح الشافية للرضي 1/36.
(4)
الوَعِل: تيس الجبل.
(5)
السّه: العجز. وينظر كلمة " رُئم " في المنتخب من غريب كلام العرب لكراع النمل 2/566، واللسان (رأم) والاقتضاب 272، وشرح الشافية للرضي 1/38، والمزهر 1/6.
الأسماء؛ لعلمهم أنَّه في الأصل مقصود به اختصاص الفعل الذي
لم يُسَمَّ فاعله 1.
واعتَدُّوا بموازن " فِعِل " على قِلَّته؛ لأنَّه لم يوجد في غير الأسماء، ولأنَّه لا مانع له من نفسه؛ إذ الكسرتان أقلّ ثقلاً من الضمَّتَيْن،
وذو الضَّمَّتَيْن في الكلام كثير، فذو الكسرتين حقيق بكثرة النظائر، إلَاّ أنَّه قلَّت نظائره اتفاقاً، فلم يَسَع إلَاّ التسليم.
فصل
الرباعي المجرَّد من الأسماء إن كان مفتوح الأول فله وزن واحد:
" فَعْلَل " ك " جَعْفَر، وقَرْهَب " وهو الثور المسن 1.
وإن كان مكسور الأول فله ثلاثة أوزان: (فِعْلَل) ك (دِرْهَم، وهِجْرَع) 2، و (فِعْلِل) ك (هِجْرِس 3، وخِرْمِل) 4، و (فِعَلّ) ك (فِطَحْلٍ 5 وقِمَطْرٍ)6.
(1) ذكر الصرفيون أنَّ الأسماء التي جاءت على هذا الوزن يجوز أن تكون منقولة من الفعل كما هي الحال في: شَمَّر، ويزيد علمين، وتُنُوِّط، وتُبُشِّرَ، وهما طائران.
ينظر: الاقتضاب ص 272، وشرح الشافية للرضي 1/36، وشرح المفصل لابن يعيش 1/30، وشرح تصريف ابن مالك لابن إياز ص 8.
(2)
ينظر: المنتخب من غريب كلام العرب 1/153، واللسان (قرهب) .
(3)
هو الطويل المضطرب، والأحمق، والكلب السلوقي الخفيف.
ينظر: المنتخب 1/156، 160، 2/598، والمساعد 4/14
(4)
الهجرس: الثعلب أو ولده. المنتخب 1/106، 134
(5)
الخِرمِل: الحمقاء الجريئة. المنتخب 1/158، واللسان (خرمل) .
(6)
الفِطَحْل قيل إنَّه زمن قديم لم يخلق الناس فيه. وقيل: زمان كانت الحجارة فيه رطبة. وقيل: زمن خروج نوح عليه السلام من السفينة. ينظر: المنتخب ص 569، والمساعد 4/13.
(7)
القِمَطْر العريض والشديد والقصير المتداني الخلق، وما تصان فيه الكتب. ينظر: المنتخب ص 168، 569، والكتاب 4/289، والمنصف 3/3، والأشموني 4/246.
وإن كان مضموم الأول فله وزنان: (فُعْلُل) ك (بُرْثنٍ 1، وجُرْشُع)2. و (فُعْلَل) ك (بُرْقَع 3، وجُرْشَع) 4.
ولم يروه 5 سيبويه 6. لكن رواه الأخفش 7 من أئمة البصرة،
(1) البرثن: واحد البراثن للسباع كالمخلب. ينظر: المنتخب ص 57، واللسان (برثن) .
(2)
الجُرشُع من الإبل العظيم. وقيل: العظيم الصدر المنتفخه. الصحاح (جرشع)، وينظر: سيبويه 4/288.
(3)
البرقع - بضم القاف وفتحها - خرقة تلبسها المرأة تغطي بها ما قَبَل من رأسها وما دبر غير وسط رأسها. ينظر: المنتخب من غريب كلام العرب 2/471، 511.
(4)
ذكر كراع النمل في المنتخب عِدَّة ألفاظ على وزن فُعْلَل وفُعْلُل. انظره ص511، وينظر شرح الملوكي ص 26، والممتع 1/67.
(5)
أي الوزن السادس الذي هو (فُعْلَل) بضم الفاء وفتح اللام.
(6)
هو إمام أهل البصرة أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، فارسي الأصل، وُلِدَ بالبيضاء من مدن كورة اصْطخر بفارس، ثُمَّ هاجر إلى البصرة فنشأ بها وطفق يطلب العلم بها، وقد أخذ اللغة العربية عن الخليل بن أحمد والأخفش ويعقوب الضرير وعيسى بن عمر وغيرهم، وكان ذكياً متوقِّد الذِّهن، جيد القريحة، مِمَّا جعله يفوق أقرانه ويكفيه شاهداً على ذلك كتابه الذي لم يُؤَلَّف مثله في فنِّه. توفي سنة 179 هـ وقيل 180 هـ.
تنظر ترجمته في مقدمة كتابه، تحقيق عبد السلام هارون.
(7)
سعيد بن مسعدة المجاشعي الأخفش الأوسط، قرأ النحو على سيبويه، وكان أسنَّ منه، أدَّب ولدي الكسائي واتصل به، ويقال إنَّ الكسائي قرأ عليه كتاب سيبويه سرّاً بعدما جرى له مع سيبويه ما جرى، وأمره أن يضع كتاباً في معاني القرآن فوضع كتابه المعروف، وكان من أبرع أصحاب سيبويه، وله مصنَّفات منها: الأوسط، ومعاني القرآن، والمقاييس، وهو الذي زاد في عروض الخليل بحر المتدارك. توفي سنة 215 هـ. تنظر ترجمته في مراتب النحويين ص 111، وأخبار النحويين ص 50، وإنباه الرواة 2/36، ونزهة الألباء ص 107.
وقد نسب له إثبات هذا الوزن في المنصف 1/24، 27، والخصائص 1/67، والمفتاح في الصرف للجرجاني ص 33، والأمالي الشجرية 2/333، وشرح الكافية الشافية 4/2023، بل إنَّه منسوب له في أكثر كتب الصرف.
والفرَّاء 1من أئمة الكوفة، وزيادة الثقة مقبولة. وزعم الفراء أنَّ الفتح في جُرشع أكثر من الضم 2. ومِمَّا يؤيد رواية هذين الإمامين قول العرب:(ما لي من ذلك عُنْدَد) أي بُدٌّ، فجاءوا به مفكوكاً غير مدغم، ولا يفعلون ذلك بذي مثلين متحركين لا يوازن: فَعَلاً ولا فِعَلاً ولا فُعَلاً، إلَاّ إذا كان أحدهما مزيداً للإلحاق ك (قُرْدَد) 3. أو كان ما قبلهما مزيداً للإلحاق نحو:(أَلَنْدَد) بمعنى الألَدّ.
ومعلوم أنَّ (عُنْدَداً) ليس موازناً لفَعَل وأخواته 4 / (2 - ب) فيتعين كونه ملحقاً بفُعْلَل، إمَّا بزيادة إحدى الدالين فيكون من العُنُود 5. وإمَّا بزيادة النون قبلها فيكون من الأعداد، وأيضاً إذا ثبت فُعْلَل كان للضمة ثلاثة مواقع في الرباعي، وللكسرة أربعة، وللفتحة خمسة، فتثبت المزية للفتحة بموضع خامس، فلو لم يكن فُعْلَل مثبتاً كان للفتحة أربعة مواقع: فاء فَعْلَل ولامه، وعين فِعَلّ، ولام فِعْلَل الأولى على عدد مواقع الكسرة
(1) هو يحي بن زياد الديلمي أبو زكريا الفراء، أخذ عن الكسائي، وكان من أنجب تلامذته، لذلك كان يعد الرجل الثاني في علماء اللغة بالكوفة، له مصنَّفات كثيرة منها معاني القرآن. توفي بطريق مكَّة سنة 207 هـ. تنظر ترجمته في: إنباه الرواة 4/1، ومراتب النحويين ص 139.
وتنظر نسبة هذا القول له في شرح ابن إياز لتصريف ابن مالك ص 11، والتصريح2/356، وينسب هذا الرأي لعموم الكوفيين في أكثر الكتب.
(2)
قال الأشموني: " وزعم الفرَّاء أنَّ الفتح في جؤذر أكثر ". شرح الألفية 4/247.
(3)
القُردَد: الأرض الغليظة الواسعة. ينظر شرح أبنية سيبويه لابن الدهان ص138، والمنصف 3/9.
(4)
ينظر الكتاب 4/311، وشرح أبنية سيبويه لابن الدهان ص 40، وأدب الكاتب ص 483.
(5)
عَنَدَ الرَّجُلُ يَعْنُد عَنْداً وعُنُوداً وعَنَداً: عتا وطغا وجاوز قدره. اللسان (عند) .
وهن فاء فِعْلِل، ولامها الأولى، وفاء فِعْلَلٍ وفِعَلٍّ. فكان يفوت التنبيه على كون الفتحة أخف في الاستعمال وأحق بسعة المجال 1.
[أوزان الخماسي المجرَّد]
وقد نبَّه على ذلك أيضاً في الخماسي المجرَّد، وله أربعة
أوزان: (فَعَلْلَلٌ) بفتح الأول والثاني والرابع، ك (سَفَرْجَل 2، وهَمَرْجَلٍ)3. و (فَعْلَلِل) بفتح الأول والثالث ك (قَهْبَلٍس 4، وجَحْمَرِشٍ) 5.
و (فِعْلَلٌ) بكسر الأول وفتح الثالث ك (قِرْطَعبٍ 6،وجِرْدَحْلٍ)
(1) لقد رجَّح ابن مالك هنا، وفي كتابيه: الكافية الشافية، والألفية، قول الأخفش والكوفيين بأصالة هذا الوزن. وذكر في التسهيل أنَّ المختار تفريعه على (فُعْلُل) . ينظر: شرح الكافية الشافية 4/2022، والتسهيل ص 291 والتصريح 2/356، وشرح الألفية للأشموني 4/247. وينظر تفصيل هذه المسألة وحجج كُلّ فريق في تصريف الأسماء للشيخ محمد الطنطاوي ص 23 وما بعدها. (2) السَّفَرْجَل: نبت معروف يكثر في بلاد العرب. اللسان (سفرجل) .
(3)
الهَمَرْجَل السريع، والجمل الضخم، ويرى بعض العلماء أنَّ حروفه أصول كلها. وقيل: إنَّ اللام زائدة. وقيل: الميم زائدة. وقيل بزيادتهما معاً. وقيل: بزيادة الهاء. ينظر: الكتاب 4/301، وشرح أمثلة سيبويه للعطار ص 173، وشرحها لابن الدهان ص 193، والممتع 1/7، واللسان (همرجل) ، والمزهر 2/31
(4)
القَهْبَلس: المرأة العظيمة، والعجوز الكبيرة، والكمرة الضخمة. شرح أبنية سيبويه لابن الدهان ص 145، وشرحها للعطار ص 154، والمفتاح في الصرف ص 33، والممتع 1/70.
(5)
الجَحْمَرِش: العجوز الكبيرة والأفعى العظيمة. مختصر شرح أمثلة سيبويه للجواليقي ص 73، وشرحها لابن الدهان ص61، والتصريح 2/356.
(6)
القِرْطَعْب: دابة. ويقال: ما عنده قرطعب، أي شيء. مختصر شرح أمثلة سيبويه للجواليقي ص 73، وشرحها لابن الدهان ص 144،155.
(7)
الجردحل: البعير العظيم الشديد الضخم. مختصر شرح أمثلة سيبويه للجواليقي ص 73، والمنصف 3/5.
و (فُعَلِلٌ) بضم الأول وفتح الثاني وكسر الرابع، ك (قُذَعْمِلٍ 1، وخُبَعْثِن)2. فهذه عشرون مثالاً للمجرَّد من الأسماء 3.
وقد يُنتصر لسيبويه رحمه الله في إلغائه (فُعْلَلاً) بأن يقال: سَلَّمنا صحة نقله عن العرب، إلَاّ أنَّه فرع على (فُعْلُلٍ) ؛ لأنَّ كل
ما نُقٍل فيه الفتح نُقِل فيه الضم، ولا ينعكس 4.
فلو كان (فُعْلَلٌ) أصلاً كغيره من الرباعي، لجاز أن ينفرد عن فُعْلُلٍ. فعلم بذلك أنَّ فتح ما فتح لم يكن إلَاّ فراراً من توالي الضمَّتين ليس بينهما إلَاّ ساكن، وهو حاجز غير منيع، فكان عدولهم عن (فُعْلُلٍ) إلى (فُعْلَلٍ) شبيهاً بعدولهم في جمع"جديد" ونحوه من " فُعُلٍ " إلى " فُعَلٍ " تخلُّصاً من توالي الضمَّتين. وكان مقتضى الدليل أن يفروا إلى السكون، إلَاّ أنَّه منع منه في (فُعْلُل) خوف التقاء الساكنين.
وفي " جُدُدٍ " ونحوه خوف إدغام اسم لا يشبه الفعل فلجئ إلى شبيه السكون في الخفة وهو الفتح.
(1) القُذَعْمل: الشيء الحقير والفقير الذي لا يملك شيئاً. شرح أبنية سيبويه لابن الدهان ص 138، والممتع 1/70
(2)
الخُبَعْثِن: الشديد الخلق، العظيم من الرجال، والأسود. مختصر شرح أمثلة سيبويه للجواليقي ص 92، وشرحها لابن الدهان ص 78، والتهذيب 3/366
(3)
عشرة للثلاثي، وستة للرباعي، وأربعة للخماسي.
(4)
ذكر المصنف فيما تقدَّم في ص 24 ما يقوي رأي الأخفش من إثبات هذا الوزن. وذكر هنا ما يرجح رأي سيبويه من كونه فرعاً على (فُعْلُل) وعلى ذلك يكون القولان متكافئين.