المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما جاء في خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم - جمع الوسائل في شرح الشمائل - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌باب ما جاء في خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي خَاتَمِ النُّبُوَّةِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرَجُّلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي شَيْبِ رَسُولِ اللَّهِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي خِضَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي كُحْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي لِبَاسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي عَيْشِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي خُفِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي نَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي ذِكْرِ خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تَخَتُّمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ دِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ مِغْفَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي عِمَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ إِزَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تَقَنُّعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي جِلْسَتِهِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تُكَأَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي اتِّكَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَكْلِ رَسُولِ اللَّهِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ خُبْزِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ إِدَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الطَّعَامِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الطَّعَامِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي قَدَحِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ فَاكِهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابٌ فِي صِفَةِ شَرَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي شُرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌باب ما جاء في خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

الْجَرُّ وَالنَّصْبُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: كَسْرُ التَّاءِ وَالْمِيمِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَضَمُّهَا وَفَتَحُ التَّاءِ وَكَسْرُ الْمِيمِ، وَهِيَ بَلْدَةٌ قَدِيمَةٌ عَلَى طَرَفِ نَهْرِ بَلْخٍ الْمُسَمَّى بِالْجَيْحُونِ، وَيُقَالُ لَهَا مَدِينَةُ الرِّجَالِ

مَاتَ بِهَا سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَهُ سَبْعُونَ سَنَةً، نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كَانَ جَدِّي مَرْوَزِيًّا فِي أَيَّامِ لَيْثِ بْنِ سَيَّارٍ ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْهُ إِلَى تِرْمِذَ.

قِيلَ: قَالَ الشَّيْخُ. . . إِلَى آخِرِهِ ; وَقَعَ مِنْ تَلَامِذَةِ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا الْحَمْدُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَنُكْتَةُ تَأْخِيرِ هَذَا الْكَلَامِ عَنِ الْحَمْدِ وُقُوعُ الِافْتِتَاحِ بِالْبَسْمَلَةِ وَيَحْتَمِلُ احْتِمَالًا بَعِيدًا أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ تَلَامِذَتِهِ، وَقِيلَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَصْفُ مِنْ نَفْسِهِ لِلِاعْتِمَادِ لَا لِلِافْتِخَارِ، وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنْ يُنْسَبَ الْبَسْمَلَةُ وَالْحَمْدَلَةُ إِلَى الْمُصَنِّفِ عَمَلًا بِحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إِبْدَاعُ لَفْظِ الْحَمْدِ وَالسَّلَامِ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ ثُمَّ إِنَّ تَلَامِذَتَهُ كَتَبُوا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِيسَى. . . إِلَى آخِرِهِ، وَلِمَا قَالَ الْخَطِيبُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ الْمُحَدِّثُ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ اسْمَ شَيْخِهِ وَكُنْيَتَهُ وَنِسْبَتَهُ ثُمَّ يَسُوقَ مَا سَمِعَهُ مِنْهُ هَذَا وَيَحْتَمِلُ احْتِمَالًا قَرِيبًا أَنْ يَكُونَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ، قَالَ أَبُو عِيسَى. . . إِلَخْ، وَزِيَادَةُ الشَّيْخِ الْحَافِظِ مِنَ التَّلَامِذَةِ إِجْلَالًا وَتَعْظِيمًا لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَقَعَ التَّصَرُّفُ فِي الْأُصُولِ أَصْلًا بَلْ تُحْفَظُ عَلَى وُجُوهٍ وَقَعَتْ مِنَ الْمَشَايِخِ، وَكَذَا لَوْ وَقَعَ سَهْوٌ فِي تَصْنِيفٍ وَلَوْ مِنْ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ لَا يُغَيَّرُ بَلْ يُنَبَّهُ عَلَيْهِ.

‌باب ما جاء في خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

(بَابُ مَا جَاءَ) : أَيْ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ. (فِي خَلْقِ رَسُولِ اللَّهِ) : بِفَتْحِ الْخَاءِ صُورَتُهُ وَشَكْلُهُ. صلى الله عليه وسلم :

ص: 7

قَالَ مِيرَكُ شَاهْ رحمه الله: هَكَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا وَالنُّسَخِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمَقْرُوءَةِ عَلَى الْمَشَايِخِ الْعِظَامِ وَالْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ، وَلَمْ أَرَ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَبِرَةٍ خِلَافَ ذَلِكَ، وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ فِي خَلْقِ النَّبِيِّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الرَّسُولِ، وَشَرَعَ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ الْفَاسِدِ فِي تَحْقِيقِ مَعْنَى النَّبِيِّ وَالرَّسُولِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا وَجَعْلَ أَلْ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ وَعَلَى مَا وَقَعَ فِي نُسْخَتِنَا الْمُصَحَّحَةِ وَأُصُولِ مَشَايِخِنَا الْمُعْتَبَرَةِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ فَإِنَّ لَفْظَ رَسُولِ اللَّهِ فِي عُرْفِ هَذَا الْفَنِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ صَارَ كَالْعَلَمِ لِذَاتِ أَشْرَفِ الْكَوْنَيْنِ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى. وَقَدْ كَرِهَ الشَّافِعِيُّ إِطْلَاقَ الرَّسُولِ لِلْإِيهَامِ، وَقَالَ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَقَامَ لَا يَسْتَدْعِي الْفَرْقَ بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَإِنْ تَحَقَّقَتَا فِي حَقِّهِ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ الْمَبْدَأِ وَالْمُنْتَهَى ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِأَنَّ النَّبِيَّ وَالرَّسُولَ هُنَا هُوَ الْمَوْصُوفُ بِهِمَا الْمُسَمَّى بِمُحَمَّدٍ وَلَوْ قَبْلَ الِاتِّصَافِ بِهِمَا، قَالَ الْكَافِيَجِيُّ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ، إِلَى هَاهُنَا بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَمَا بَعْدَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالنَّضْرُ أَبُو قُرَيْشٍ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ فِهْرٌ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. ثُمَّ أُمُّهُ صلى الله عليه وسلم آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ الْمَذْكُورِ. وَأَمَّا مَوْلِدُهُ صلى الله عليه وسلم فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَامَ الْفِيلِ، وَقِيلَ بَعْدَهُ بِثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ وَأَنَّهُ يَوْمُ الْإِثْنَيْنِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ثَانِيهِ أَوْ ثَامِنِهِ أَوْ عَاشِرِهِ أَوْ ثَانِي عَشَرِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَدْ ضَبَطْتُ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ فِي الْمَوْرِدِ الرَّوِيِّ لِلْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ.

قِيلَ الْبَابُ لُغَةً اسْمٌ لِمَدْخَلِ الْأَمْكِنَةِ كَبَابِ الْمَدِينَةِ وَالدَّارِ، وَفِي عُرْفِ الْعُلَمَاءِ الْبُلَغَاءِ يُقَالُ لِمَا تُوُصِّلَ مِنْهُ إِلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ هُنَا مَعْرِفَةُ أَحَادِيثَ جَاءَتْ فِي بَيَانِ

خَلْقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَنُوقِشَ فِيهِ بِأَنَّ الْبَابَ اسْمٌ لِطَائِفَةٍ مِنَ الْكِتَابِ لَهُ أَوَّلٌ وَآخِرٌ مَعْلُومَانِ، وَلَيْسَتْ مَدْخَلًا فِي شَيْءٍ، بَلْ هِيَ بَيْتٌ مِنَ الْمَعَانِي، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْبَابُ اسْمًا لِلْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْهَا لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ هُوَ بِمَعْنَى الْوَجْهِ إِذْ هُوَ مِنْ مَعَانِيهِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، وَكُلُّ بَابٍ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الْكَلَامِ سُمِّيَ بَابًا لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ كَاخْتِلَافِ الْوُجُوهِ إِلَّا أَنَّ جَمْعَ الْمُؤَلِّفِينَ لَهُ عَلَى الْأَبْوَابِ يُلَائِمُ الْأَوَّلَ إِذْ جَمْعُ الثَّانِي بَابَانِ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ الْكِتَابَ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ وَالْبَابُ بِمَنْزِلَةِ النَّوْعِ وَالْفَصْلُ بِمَنْزِلَةِ الصِّنْفِ، ثُمَّ إِنَّهُ شَبَّهَ الْمَعْقُولَ بِالْمَحْسُوسِ فَالْكِتَابُ كَالدَّارِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْبُيُوتِ فَكُلُّ نَوْعٍ مِنَ الْمَسَائِلِ كَبَيْتٍ وَأَوَّلُهُ كَبَابِهِ الَّذِي يُدْخَلُ مِنْهُ فِيهِ، وَبِالْجُمْلَةِ هُوَ مُضَافٌ إِلَى قَوْلِهِ مَا جَاءَ وَلَمْ يَقِلْ بَابُ خَلْقِ رَسُولِ اللَّهِ ; لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْبَابِ لَيْسَ الْخَلْقَ بَلْ مَا جَاءَ فِي الْخَلْقِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْخَلْقِ، قَالَ مِيرَكُ شَاهْ: اعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ الْمَسْمُوعَةَ فِي أَفْوَاهِ الْمَشَايِخِ بَابُ مَا جَاءَ إِلَى آخِرِهِ بِطَرِيقِ إِضَافَةِ الْبَابِ إِلَى مَا بَعْدَهُ وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذَا الْبَابُ أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ ; قُلْتُ: الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ خَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ حَدَّثَنَا إِلَى آخِرِ الْبَابِ بِتَأْوِيلِ هَذَا الْكَلَامِ ثُمَّ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بَابٌ بِالتَّنْوِينِ وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْضًا، وَيَكُونُ مَا جَاءَ اسْتِئْنَافًا كَأَنَّ الطَّالِبَ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَهُ «بَابٌ» خَطَرَ فِي بَالِهِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ، وَيَقُولَ: أَيُّ شَيْءٍ يُورَدُ فِي هَذَا الْبَابِ؟ فَيُجِيبَ بِقَوْلِهِ: مَا جَاءَ فِي الْأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِي بَيَانِ خَلْقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ تَكَلَّفَ وَقَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: الِاسْتِئْنَافُ ; يَكُونُ جُمْلَةً. وَقَوْلُهُ: مَا جَاءَ صِلَةٌ وَمَوْصُولٌ أَوْ صِفَةٌ وَمَوْصُوفٌ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَكُونُ جُمْلَةً، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافًا؟ قُلْتُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ مُبْتَدَأٌ أَيِ الْمَوْرُودُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا جَاءَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ اسْتِفْهَامِيَّةً بِمَعْنَى أَيُّ شَيْءٍ جَاءَ كَمَا فِي قَوْلِ الْبُخَارِيِّ بَابُ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ؟ تَأَمَّلْ، وَجَوَّزَ الشَّارِحُ الْكَرْمَانِيُّ فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ بَابٌ بِالْوَقْفِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْدَادِ لِلْأَبْوَابِ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لَهُ مَحَلٌّ مِنَ الْإِعْرَابِ وَمَا بَعْدَهُ اسْتِئْنَافٌ كَمَا سَبَقَ، لَكِنْ يَخْدِشُ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ التَّعْدَادَ فِي عُرْفِ الْبُلَغَاءِ إِنَّمَا يَكُونُ لِضَبْطِ الْعَدَدِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْمَعْدُودِ بِشَيْءٍ آخَرَ فَضْلًا عَنْ إِيرَادِ الْأَحْوَالِ الْكَثِيرَةِ بَيْنَ الْمَعْدُودَاتِ.

وَالْخَلْقُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ فِي اللُّغَةِ التَّقْدِيرُ الْمُسْتَقِيمُ الْمُوَافِقُ لِلْحِكْمَةِ ; يُقَالُ: خَلَقَ الْخَيَّاطُ الثَّوْبَ إِذَا قَدَّرَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ، وَعَلَيْهِ وَرَدَ قَوْلُهُ تَعَالَى:(فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي إِبْدَاعِ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ، وَفِي إِيجَادِ الشَّيْءِ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ. وَالْخُلُقُ بِضَمَّتَيْنِ وَبِضَمٍّ وَسُكُونٍ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ الدِّينُ وَالطَّبْعُ وَالسَّجِيَّةُ وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ لِصُورَةِ الْإِنْسَانِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ نَفْسُهُ وَأَوْصَافُهَا وَمَعَانِيهَا الْمُخْتَصَّةُ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الْخَلْقِ بِفَتْحِ اللَّامِ لِصُورَتِهِ الظَّاهِرَةِ وَأَوْصَافِهَا وَمَعَانِيهَا، قِيلَ: وَقَدَّمَ الْأَوْصَافَ الظَّاهِرَةَ عَلَى الْبَاطِنَةِ مَعَ أَنَّ مَنَاطَ الْكَمَالِ هُوَ الْبَاطِنُ، وَلِذَا

ص: 8

سُمِّيَ الْكِتَابُ بِالشَّمَايِلِ بِالْيَاءِ جَمْعُ شِمَالٍ بِالْكَسْرِ بِمَعْنَى الطَّبِيعَةِ لَا جَمْعُ شَمْأَلٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْهَمْزِ ; لِأَنَّهُ مُرَادِفٌ لِلْمَكْسُورِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الرِّيحِ الْغَيْرِ الْمُنَاسِبِ لِمَا نَحْنُ فِيهِ ; لِأَنَّهُمَا الْجُزْءُ الْأَشْرَفُ مِنْهُ فَغَلَبَ عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ أَوْ سُمِّيَ الْكُلُّ بِاسْمِهِ سُلُوكًا بِطَرِيقِ التَّرَقِّي وَرِعَايَةً لِتَرْتِيبِ الْوُجُودِ أَوْ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَبْدُو لِلْإِنْسَانِ وَلِأَنَّهُ كَدَلِيلٍ عَلَيْهِ

وَلِذَا قِيلَ: عُنْوَانُ الظَّاهِرِ عُنْوَانُ الْبَاطِنِ، ثُمَّ قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْخَلْقِ الَّذِي وَقَعَ فِي التَّرْجَمَةِ هُنَا هُوَ الْأَوَّلُ أَيْ صُورَتُهُ وَشَكْلُهُ الَّذِي يُطَابِقُ كَمَالَهُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ الْخِلْقَةُ وَنُوزِعَ فِيهِ بِأَنَّ الْخِلْقَةَ مَصْدَرٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ مَصْدَرٌ نَوْعِيٌّ بِمَعْنَى الْخَلْقِ الْحَسَنِ وَغَيْرُ نَوْعِيٍّ بِمَعْنَى التَّرْكِيبِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ حَاصِلٍ بِالْمَصْدَرِ كَمَا تَرَى، نَعَمْ قَدْ تُطْلَقُ الْخِلْقَةُ عَلَى الصُّورَةِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ إِلَّا أَنَّهُ خَارِجٌ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْخَلْقِ اسْمُ الْمَفْعُولِ الَّذِي هُوَ هَيْئَةُ الْإِنْسَانِ الظَّاهِرَةُ وَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ، وَهُوَ بَعِيدٌ مُوهِمٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ الْخَلْقُ فِي التَّرْجَمَةِ مُضَافٌ إِلَى مَفْعُولِهِ وَالْمَعْنَى بَابُ مَا جَاءَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي بَيَانِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى صُورَةَ رَسُولِهِ الْأَعْظَمِ وَنَبِيِّهِ الْأَكْرَمِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْوَجْهِ الْأَتَمِّ ; وَلِذَا قِيلَ مِنْ تَمَامِ الْإِيمَانِ بِهِ اعْتِقَادُ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ فِي بَدَنِ آدَمِيٍّ مِنَ الْمَحَاسِنِ الظَّاهِرَةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَحَاسِنِهِ الْبَاطِنَةِ مَا اجْتَمَعَ فِي بَدَنِهِ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ ثَمَّ نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ تَمَامُ حُسْنِهِ صلى الله عليه وسلم وَإِلَّا لَمَا أَطَاقَتْ أَعْيُنُ الصَّحَابَةِ النَّظَرَ إِلَيْهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَكَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:(وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ)، وَقَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ: أَكْثَرُ النَّاسِ عَرَفُوا اللَّهَ عز وجل وَمَا عَرَفُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ; لِأَنَّ حِجَابَ الْبَشَرِيَّةِ غَطَّتْ أَبْصَارَهُمْ، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ شُرَّاحٍ مِنْ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ابْتِدَاءِ خَلْقِهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا شَكَّ أَنَّهُ فِي مَحَلِّهِ بَلِ الْمَقَامُ يَسْتَدْعِي أَكْثَرَ مِنْهُ بِاسْتِيفَاءِ جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَسِيَرِهِ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى أَنْ بُعِثَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، لَكِنْ قَوْلُهُ وَإِنْ أَغْفَلَهُ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ وَارِدًا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَهُ وَإِنَّمَا يَذْكُرُ فِي كِتَابِهِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ بِإِسْنَادِهِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا وَقَالَ: (أَخْبَرَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ حَدَّثَنَا، وَفِي نُسْخَةٍ أَنَا تَخْفِيفُ كِتَابَةِ أَخْبَرَنَا، قَالَ النَّوَوِيُّ: جَرَتِ الْعَادَةُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الرَّمْزِ فِي حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا، وَاسْتَمَرَّ الِاصْطِلَاحُ مِنْ قَدِيمِ الْأَعْصَارِ إِلَى زَمَانِنَا، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى فَيَكْتُبُونَ مِنْ حَدَّثَنَا: ثَنَا بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالنُّونِ وَالْأَلِفِ، وَرُبَّمَا حَذَفُوا الْمُثَلَّثَةَ وَيَقْتَصِرُونَ بِالنُّونِ وَالْأَلِفِ، وَرُبَّمَا يَكْتُبُونَ دَنَا بِالدَّالِ قَبْلَ نَا، انْتَهَى. وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ الْعِرَاقِيِّ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ فِي حَدَّثَنَا: دَثَنَا بِزِيَادَةِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْضًا، قَالَ وَيَكْتُبُونَ مِنْ أَخْبَرَنَا: أَنَا، زَادَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِيهِ أَرَنَا، وَزَادَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ فِيهِ ابْنَا وَرَنَا، قَالَ مِيرَكُ وَنَقَلَ بَعْضٌ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي وُجُوهِ اخْتِصَارِ أَخْبَرَنَا: بَنَا أَيْضًا بِالْمُوَحَّدَةِ وَالنُّونِ، وَلَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِهِ لَا فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَلَا فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ افْتِرَاءٌ مَحْضٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ وَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَشْتَبِهُ بِاخْتِصَارِ حَدَّثَنَا ثَنَا لِاتِّحَادِ صُورَتِهِمَا، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَلَيْسَ يَحْسُنُ مَا يَفْعَلُهُ طَائِفَةٌ مِنْ كِتَابَةِ أَخْبَرَنَا بِالْأَلِفِ مَعَ عَلَامَةِ بَنَا فَيَكُونُ ابَنَا وَإِنْ كَانَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِمَّنْ فَعَلَهُ. قَالَ مِيرَكُ: وَكَانَ وَجْهُ عَدَمِ الْحُسْنِ أَنَّهُ رُبَّمَا يَشْتَبِهُ بِاخْتِصَارِ أَنْبَأَنَا فَإِنَّهُمْ يَقْتَصِرُونَهُ بِأَنْبَأَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّحْدِيثِ وَالْإِخْبَارِ وَالْإِنْبَاءِ وَالسَّمَاعِ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ كَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى الْقَطَّانِ وَأَكْثَرِ الْحِجَازِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَعَلَيْهِ اسْتَمَرَّ عَمَلُ الْمَغَارِبَةِ وَرَأَى

بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ صِيَغِ الْأَدَاءِ بِحَسَبَ افْتِرَاقِ التَّحَمُّلِ فَيَخُصُّونَ الْحَدِيثَ وَالسَّمَاعَ بِمَا يَلْفِظُ بِهِ الشَّيْخُ وَسَمِعَ الرَّاوِي عَنْهُ وَالْإِخْبَارَ بِمَا يَقْرَأُ التِّلْمِيذُ عَلَى الشَّيْخِ وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ جُرَيْجٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الشَّرْقِ ثُمَّ أَحْدَثَ أَتْبَاعُهُمْ

ص: 9

تَفْصِيلًا آخَرَ ; فَمَنْ سَمِعَ وَحْدَهُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ أُفْرِدَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي وَسَمِعْتُ، وَمَنْ سَمِعَ مَعَ غَيْرِهِ جَمَعَ فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَسَمَّعَنَا، وَمَنْ قَرَأَ بِنَفْسِهِ عَلَى الشَّيْخِ أَفْرَدَ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي، وَمَنْ سَمِعَ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا. وَكَذَا خَصُّوا الْإِنْبَاءَ بِالْإِجَازَةِ الَّتِي يُشَافِهُ بِهَا الشَّيْخُ مَنْ يُجِيزُهُ، وَكُلُّ هَذَا مُسْتَحْسَنٌ عِنْدَهُمْ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَهُمْ وَإِنَّمَا أَرَادُوا التَّمْيِيزَ بَيْنَ أَحْوَالِ التَّحَمُّلِ، وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ فَتَكَلَّفَ بِالِاحْتِجَاجِ لَهُ وَعَلَيْهِ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، نَعَمْ يَحْتَاجُ الْمُتَأَخِّرُونَ إِلَى مُرَاعَاةِ الِاصْطِلَاحِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً عِنْدَهُمْ فَمَنْ يَجُوزُ عَنْهَا احْتَاجَ إِلَى الْإِتْيَانِ بِقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى مُرَادِهِ وَإِلَّا فَلَا يُؤْمَنُ اخْتِلَاطُ الْمَسْمُوعِ بِالْمَجَازِ وَبَعْدَ تَقُرُّرِ الِاصْطِلَاحِ لَا يُحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنْ أَلْفَاظِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ بِخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِينَ، هَذَا وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ ; هَلْ تُسَاوِي السَّمَاعَ مِنْ لَفْظِهِ أَوْ هِيَ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَمُعْظَمُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْكُوفَةِ وَالْبُخَارِيُّ إِلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ إِلَى تَرْجِيحِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ عَلَى السَّمَاعِ مِنْ لَفْظِهِ، وَرَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَشُعْبَةَ وَابْنِ لَهِيعَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ وَغَيْرِهِمْ، وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الشَّرْقِ إِلَى تَرْجِيحِ السَّمَاعِ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ عَلَى الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ، قَالَ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، قُلْتُ: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَيَأْخُذُونَ عَنْهُ وَكَذَا كَانُوا يُؤَدُّونَهُمَا إِلَى التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الِاخْتِلَافُ اخْتِلَافُ عَصْرٍ فَإِنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ كَانَ لَهُمْ قَابِلِيَّةٌ تَامَّةٌ بِحَيْثُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْقِرَاءَةَ وَالْحَدِيثَ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ أَخْذًا كَامِلًا مُسْتَوْفِيًا يَصْلُحُ لِلِاعْتِمَادِ فِي التَّحَمُّلِ بِخِلَافِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِقِلَّةِ اسْتِعْدَادَاتِهِمْ وَبُطْءِ إِدْرَاكَاتِهِمْ فَهُمْ إِذَا قَرَءُوا الْقِرَاءَةَ عَلَى الشَّيْخِ أَوِ الْحَدِيثَ عَلَى الْمُحَدِّثِ وَقَرَّرَهُ فِي قِرَاءَتِهِ وَإِذَا أَخْطَأَ بَيَّنَ لَهُ مَوْضِعَ خَطَأِهِ كَانَ أَقْوَى فِي الِاعْتِمَادِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الشُّرَّاحَ لَهُمْ هُنَا إِطْنَابٌ فِي الْإِعْرَابِ مَعَ كَثِيرٍ مِنَ الِاضْطِرَابِ أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهِ لِقِلَّةِ فَائِدَتِهِ عِنْدَ أُولِي الْأَلْبَابِ.

(أَبُو رَجَاءٍ) : بِفَتْحِ الرَّاءِ وَجِيمٍ بَعْدَهُ أَلِفٌ بَعْدَهُ هَمْزَةٌ.

(قُتَيْبَةُ) : بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ وَفَوْقِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ وَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ قَبْلَ هَاءٍ وَهُوَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنْ مَشَايِخِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ.

(ابْنُ سَعِيدٍ) : بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ مَوْلَاهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى بَلْخٍ، قِيلَ: إِنَّ اسْمَهُ يَحْيَى وَلَقَبُهُ قُتَيْبَةُ وَقِيلَ: اسْمُهُ عَلِيٌّ، رَحَلَ إِلَى الْعِرَاقِ وَالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَسَمِعَ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَخَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الْأَعْلَامِ، رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَخَلْقٌ كَثِيرٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ فِي شَعْبَانَ وَكَانَ ثَبْتًا.

(عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ) : الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، أَخَذَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عَمْرَ وَعَنِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا قِيلَ بَلَغَ مَشَايِخُهُ

تِسْعَمِائَةٍ وَأَخْذَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَمْثَالُهُمَا، وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ، قِيلَ مَكَثَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً، وَقَدِ اجْتَمَعَ بِالْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَخَذَ عَنْهُ وَقِيلَ أَخَذَ كُلٌّ عَنِ الْآخَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْجَارُّ يَتَعَلَّقُ بِأَخْبَرَنَا أَوْ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ الْمَذْكُورِ أَوْ مِنَ الْمَفْعُولِ الْمُقَدَّرِ أَيْ أَخْبَرَنَا أَبُو رَجَاءٍ هَذَا الْحَدِيثَ حَالَ كَوْنِهِ نَاقِلًا أَوْ مَنْقُولًا وَجُوِّزَ كَوْنُهُ اسْتِئْنَافًا جَوَابًا لِمَنْ قَالَ عَمَّنْ يُحَدِّثُهُ.

(عَنْ رَبِيعَةَ) : بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ، وَقَدْ بَالَغَ الْأَئِمَّةُ فِي جَلَالَتِهِ أَيْ حَالَ كَوْنِ مَالِكٍ نَاقِلًا عَنْ رَبِيعَةَ (بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) : حَالَ كَوْنِهِ نَاقِلًا (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) : وَهُوَ أَبُو النَّضْرِ الْأَنْصَارِيُّ الْبُخَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ خَادِمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ وَعُمْرُهُ مِائَةُ سَنَةٍ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِينَ وَقِيلَ وُلِدَ لَهُ مِائَةُ وَلَدٍ مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ ذَكَرًا، رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ. (أَنَّهُ) : أَيْ أَنَّ رَبِيعَةَ وَقِيلَ أَنَّهُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ. (سَمِعَهُ) : أَيْ سَمِعَ رَبِيعَةَ أَنَسًا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ رَبِيعَةَ أَخَذَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَنَسٍ بِطَرِيقِ التَّحْدِيثِ لَا بِالْإِخْبَارِ. (يَقُولُ) : حَالٌ أَيْ قَائِلًا، وَقِيلَ بَيَانٌ،

ص: 10

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَغَيْرُهُ بَدَلٌ أَيْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ وَالْفِعْلُ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ أَعْجَبَنِي زَيْدٌ عِلْمُهُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ، وَقَالَ الْحَنَفِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا ثَانِيًا لِسَمِعَهُ وَالسَّمَاعُ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ عَلَى مَا فِي التَّاجِ، وَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا أَخْبَرَنَا، انْتَهَى. وَهُوَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَالَ الْعِصَامُ: سَمِعَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ لَوْ دَخَلَ عَلَى الصَّوْتِ يَقُولُ: سَمِعْتُ قَوْلَ زِيدٍ، وَيَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ لَوْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ الصَّوْتِ وَيَجِبُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولُهُ الثَّانِي فِعْلًا مُضَارِعًا، وَالْعَارِي عَنِ الْقَوَاعِدِ رُبَّمَا يَقُولُ فِيهِ مَا يَشَاءُ، وَقَالَ مِيرَكُ: لَا يَخْفَى أَنَّ السَّمَاعَ لَا يَتَعَلَّقُ إِلَّا بِالْقَوْلِ فَهُوَ إِمَّا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ مَحْذُوفَةٌ أَيْ سَمِعَ مِنْهُ يَقُولُ أَيْ هَذَا الْقَوْلَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ سَمِعَ قَوْلَهُ وَحِينَئِذٍ يَقُولُ بَيَانٌ لَهُ فَإِنْ قِيلَ الْمُنَاسِبُ لَسَمِعَ قَالَ لِيَتَوَافَقَا مُضِيًّا فَمَا الْفَائِدَةُ فِي الْعُدُولِ إِلَى الْمُضَارِعِ أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ اسْتِحْضَارُ صُورَةِ الْقَوْلِ لِلْحَاضِرِينَ وَالْحِكَايَةُ عَنْهَا كَأَنَّهُ يُرِيهِمْ أَنَّهُ قَائِلٌ بِهِ الْآنَ.

(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : قِيلَ كَانَ يُفِيدُ التَّكْرَارَ لُغَةً، وَقِيلَ عُرْفًا، وَقِيلَ لَا يُفِيدُهُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ.

(لَيْسَ بِالطَّوِيلِ) : الْجُمْلَةُ خَبَرُ كَانَ

وَالْمُنَاسِبُ هُنَا مَذْهَبُ غَيْرِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهَا لِنَفْيِ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ حَالًا لَا مَاضِيًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ حَتَّى يُحْتَاجَ إِلَى تُكَلِّفُ حِكَايَةِ حَالٍ مَاضِيَةٍ قُصِدَ دَوَامُ نَفْيِهَا.

(الْبَائِنُ) : بِالْهَمْزِ وَوَهِمَ مَنْ جَعَلَهُ بِالْيَاءِ وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ بَانَ أَيْ ظَهَرَ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ مِنْ بَانَ بِمَعْنَى بَعُدَ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا مِنَ التَّوَسُّطِ أَوْ مِنْ بَانَ بِمَعْنَى فَارَقَ مَنْ سِوَاهُ، وَسُمِّيَ فَاحِشُ الطُّولِ بَائِنًا لِأَنَّ مَنْ رَآهُ يَتَصَوَّرُ أَنْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَعْضَائِهِ مُبَانٌ عَنِ الْآخَرِ أَوْ لِأَنَّهُ يُبَايِنُ الِاعْتِدَالَ أَوْ كَأَنَّ طُولَهُ يَظْهَرُ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ.

(وَلَا بِالْقَصِيرِ) : أَيِ الْمُتَرَدِّدِ الدَّاخِلِ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى بِالطَّوِيلِ وَلَا مُذَكِّرَةٌ لِلنَّفْيِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الطُّولِ وَالْقِصَرِ لَا زَائِدَ الطُّولِ وَلَا الْقِصَرِ، وَفِي نَفْيِ أَصْلِ الْقِصَرِ وَنَفْيِ الطُّولِ الْبَائِنِ لَا أَصْلِ الطُّولِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ مَرْبُوعًا مَائِلًا إِلَى الطُّولِ وَأَنَّهُ كَانَ إِلَى الطُّولِ أَقْرَبُ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَلَا يُنَافِيهِ وَصْفُهُ الْآتِي بِأَنَّهُ رَبْعَةٌ لِأَنَّهَا أَمْرٌ نِسْبِيٌّ وَيُوَافِقُهُ خَبَرُ الْبَرَاءِ كَانَ رَبْعَةً وَهُوَ إِلَى الطُّولِ أَقْرَبُ، وَقَدْ وَرَدَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَابْنِ عَسَاكِرَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يُمَاشِيهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا طَالَهُ صلى الله عليه وسلم وَلَرُبَّمَا اكْتَنَفَهُ الرَّجُلَانِ الطَّوِيلَانِ فَيَطُولُهُمَا فَإِذَا فَارَقَاهُ نُسِبَ إِلَى الرَّبْعَةِ، وَفِي خَصَائِصِ ابْنِ سَبْعٍ كَانَ إِذَا جَلَسَ يَكُونُ كَتِفُهُ أَعْلَى مِنَ الْجَالِسِ، قِيلَ وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَتَطَاوَلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ صُورَةً كَمَا لَا يَتَطَاوَلُ عَلَيْهِ مَعْنًى.

(وَلَا بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ) : أَيِ الشَّدِيدِ الْبَيَاضِ الْخَالِي عَنِ الْحُمْرَةِ وَالنُّورِ كَالْجَصِّ وَهُوَ كَرِيهُ الْمَنْظَرِ وَرُبَّمَا تَوَهَّمَهُ النَّاظِرُ أَبْرَصَ، بَلْ كَانَ بَيَاضُهُ نَيِّرًا مُشْرَبًا بِحُمْرَةٍ كَمَا فِي رِوَايَاتٍ أُخَرَ مِنْهَا: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، فَالنَّفْيُ لِلْقَيْدِ فَقَطْ، وَأَمَّا رِوَايَةُ أَمْهَقَ لَيْسَ بِأَبْيَضَ فَمَقْلُوبَةٌ أَوْ وَهْمٌ كَمَا قَالَهُ عِيَاضٌ.

(وَلَا بِالْآدَمِ) : أَفْعَلُ صِفَةٌ مَهْمُوزُ الْفَاءِ وَأَصْلُهُ

ص: 11

أَءْدَمُ أُبْدِلَتِ الْفَاءُ أَلِفًا وَالْأُدْمَةُ شِدَّةُ السُّمْرَةِ وَهِيَ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ، فَنَفْيُهُ لَا يُنَافِي إِثْبَاتَ السُّمْرَةِ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ تَبَيَّنَ مِنْ مَجْمُوعِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيَاضِ الْمَنْفِيِّ مَا لَا يُخَالِطُهُ الْحُمْرَةُ وَالْمُرَادُ بِالسُّمْرَةِ الْحُمْرَةُ الَّتِي

يُخَالِطُهَا الْبَيَاضُ.

(وَلَا بِالْجَعْدِ) : بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ مِنَ الْجُعُودَةِ وَهِيَ فِي الشَّعْرِ أَنْ لَا يَتَكَسَّرَ تَكَسُّرًا تَامًّا وَلَا يَسْتَرْسِلُ.

(الْقَطَطُ) : بِفَتْحَتَيْنِ وَبِكَسْرِ الثَّانِي وَهُوَ شِدَّةُ الْجُعُودَةِ.

(وَلَا بِالسَّبِطِ) : بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَتُسَكَّنُ وَتُفْتَحُ، وَالسُّبُوطَةُ فِي الشَّعْرِ ضِدُّ الْجُعُودَةِ وَهُوَ الِامْتِدَادُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَعَقُّدٌ وَلَا نُتُوءٌ أَصْلًا، وَالْمُرَادُ أَنَّ شَعْرَهُ صلى الله عليه وسلم مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الْجُعُودَةِ وَالسُّبُوطَةِ.

(بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى) : خَبَرٌ ثَانٍ لِكَانَ ; أَيْ أَرْسَلَهُ الْحَقُّ إِلَى الْخَلْقِ لِلنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ وَالْحُكْمِ لِلْأُمَّةِ، قِيلَ وُلِدَ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرًا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ.

(عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً) : حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ، وَقِيلَ عَلَى بِمَعْنَى فِي، وَقِيلَ الرَّأْسُ مُقْحَمٌ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: أُنْزِلَ عَلَيْهِ أَيِ الْوَحْيُ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ شُرَّاحُ الْحَدِيثِ الْمُرَادُ بِالرَّأْسِ الطَّرَفُ الْأَخِيرُ مِنْهُ لِمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ مِنْ أَنَّهُ بُعِثَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ الطِّيبِيُّ: الرَّأْسُ هُنَا مَجَازٌ عَنْ آخِرِ السَّنَةِ كَقَوْلِهِمْ رَأْسُ الْآيَةِ أَيْ آخِرُهَا، وَتَسْمِيَةُ آخِرِ السَّنَةِ رَأْسَهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَبْدَأٌ مِثْلُهُ مِنْ عَقْدٍ آخَرَ، انْتَهَى. وَأَمَّا لَفْظُ الْأَرْبَعِينَ فَتَارَةً يُرَادُ بِهِ مَجْمُوعُ السِّنِينَ مِنْ أَوَّلِ الْوِلَادَةِ إِلَى اسْتِكْمَالِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَتَارَةً يُرَادُ بِهِ السَّنَةُ الَّتِي تَنْضَمُّ إِلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ، وَالِاسْتِعْمَالَانِ شَائِعَانِ ; فَالْأَوَّلُ كَمَا يُقَالُ عُمْرُ فُلَانٍ أَرْبَعُونَ، وَالثَّانِي كَقَوْلِهِمُ الْحَدِيثُ الْأَرْبَعُونَ ; وَإِيرَادُ التَّمْيِيزِ وَهُوَ قَوْلُهُ سَنَةً يُؤَيِّدُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ، قَالَ الْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ: هَذَا إِنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ بُعِثَ فِي الشَّهْرِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ وُلِدَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَبُعِثَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لَهُ حِينَ بُعِثَ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَنِصْفٌ أَوْ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ وَنِصْفٌ، فَمَنْ قَالَ أَرْبَعُونَ أَلْغَى الْكَسْرَ أَوْ جَبَرَهَا، لَكِنْ قَالَ الْمَسْعُودِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ بُعِثَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ

ص: 12

لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً سَوَاءٌ، وَقِيلَ بُعِثَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَقِيلَ عِشْرُونَ يَوْمًا، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ رِوَايَةً شَاذَّةً أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بُعَثَ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، انْتَهَى. وَلَعَلَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ بَعْثَ النُّبُوَّةِ فِي أَوَّلِ الْأَرْبَعِينَ وَبَعْثَ الرِّسَالَةِ

فِي رَأْسِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ، وَيُؤَيِّدُ قَوْلَهُ. (فَأَقَامَ) : أَيْ بَعْدَ الْبَعْثَةِ. (بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ) : بِسُكُونِ الشِّينِ أَيْ رَسُولًا وَثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً نَبِيًّا وَرَسُولًا ; لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ وَقَبْلَ الْهِجْرَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَقَوْلُهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ مُحْتَاجٌ إِلَى تَأْوِيلٍ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنِ الرَّاوِيَ اقْتَصَرَ عَلَى الْعَقْدِ وَتَرَكَ الْكَسْرَ، وَلَا خِلَافَ فِي قَوْلِهِ (وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ) : لَكِنْ يَشْكُلُ قَوْلُهُ. (فَتَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى) : أَيْ قَبَضَ رُوحَهُ. (عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً) : لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ سِنُّهُ سِتِّينَ، وَالْمُرَجَّحُ أَنَّهُ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ وَقِيلَ خَمْسٌ وَسِتُّونَ وَجُمِعَ بِأَنَّ مَنْ رَوَى الْأَخِيرَ عَدَّ سَنَتَيِ الْمَوْلِدِ وَالْوَفَاةِ وَمَنْ رَوَى ثَلَاثًا لَمْ يَعُدَّهُمَا، وَمَنْ رَوَى السِّتِّينَ لَمْ يَعُدَّ الْكَسْرَ، وَاعْلَمْ أَنَّ ابْتِدَاءَ التَّارِيخِ الْإِسْلَامِيِّ مِنْ هِجْرَتِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَدْ قَدِمَ بِهَا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ضُحًّى لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.

(وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ) : بِكَسْرِ اللَّامِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا. (عِشْرُونَ شَعْرَةً) : بِسُكُونِ الْعَيْنِ فَقَطْ وَقَدْ يُفْتَحُ وَأَمَّا الشَّعْرُ فَبِالْفَتْحِ وَيُسَكَّنُ. (بَيْضَاءَ) : صِفَةٌ لِشَعْرَةٍ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ مَفْعُولِ تَوَفَّاهُ وَجَعْلُهُ مَعْطُوفًا يُفْسِدُ الْمَعْنَى خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ فِيهِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا كَانَ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِحْيَتِهِ إِلَّا سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانِ عَشْرَةَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ، وَأَمَّا مَا جَاءَ مِنْ نَفْيِ الشَّيْبِ فِي رِوَايَةٍ فَالْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ كَثْرَتِهِ لَا أَصْلِهِ وَمِنْ ثَمَّ صَحَّ عَنْ أَنَسٍ وَلَمْ يُشِنْهُ اللَّهُ بِالشَّيْبِ، وَحِكْمَةُ قِلَّةِ شَيْبِهِ مَعَ أَنَّهُ وَرَدَ أَنَّ الشَّيْبَ وَقَارٌ وَنُورٌ وَمَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ; أَنَّ النِّسَاءَ بِالطَّبْعِ يَكْرَهْنَهُ غَالِبًا فَلَا يَحْصُلُ الْمُلَائَمَةُ وَالْمُمَايَلَةُ كَامِلًا، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ وَمَنْ كَرِهَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا كَفَرَ لَا يَصِحُّ عَلَى إِطْلَاقِهِ ; لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ الطَّبِيعِيَّةَ خَارِجَةٌ عَنِ الْأُمُورِ التَّكْلِيفِيَّةِ. وَسَيَأْتِي مَزِيدُ الْبَحْثِ لِبَحْثِ عُمْرِهِ وَشَيْبِهِ فِي بَابَيْهِمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ الْمُصَنِّفُ

(حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ) : بِالتَّصْغِيرِ. (ابْنُ مَسْعَدَةَ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْعَيْنِ. (

ص: 13

الْبَصْرِيُّ) : بِفَتْحِ الْبَاءِ وَتُكْسَرُ وَحُكِيَ الضَّمُّ، وَهُوَ أَبُو عَلِيٍّ السَّامِيُّ مِنْ بَنِي سَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ، وَاسِعُ الرِّوَايَةِ، كَثِيرُ الْحَدِيثِ، وَرَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ، سَمِعَ أَيُّوبَ وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ وَغَيْرَهُمَا، قِيلَ تَغَيَّرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَهُوَ مِنْ أَوْسَاطِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ (قَالَ) : أَيْ حُمَيْدٌ (حَدَّثَنَا) : وَفِي نُسْخَةٍ بِدُونِ قَالَ فَقِيلَ التَّقْدِيرُ إِنَّهُ قَالَ، وَقِيلَ إِنَّهُ حَدَّثَنَا ثُمَّ قَالَ أَهْلُ الصِّنَاعَةِ لَفْظُ قَالَ إِنْ كَانَ مَكْتُوبًا قَبْلَ حَدَّثَنَا الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَهَلُمَّ جَرَّا فَبِهَا وَإِلَّا فَهُوَ مَحْذُوفٌ خَطًّا وَيَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِ، كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ.

(عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ) : بِفَتْحَتَيْنِ نِسْبَةً إِلَى ثَقِيفٍ قَبِيلَةٍ.

(عَنْ حُمَيْدٍ) : أَيْ أَبِي عُبَيْدٍ الْخُزَاعِيِّ الْبَصْرِيِّ، يُقَالُ لَهُ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، رَوَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ الطَّوِيلُ لِقِصَرِهِ أَوْ لِطُولِ يَدِهِ أَوْ لِكَوْنِ جَارِهِ طَوِيلًا ثِقَةٌ مُدَلِّسٌ، وَعَابَهُ زَائِدَةُ لِدُخُولِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْأُمَرَاءِ، وَهُوَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ.

(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) : أَيْ نَاقِلًا عَنْهُ. (قَالَ) : أَيْ أَنَّهُ قَالَ وَالْقَائِلُ أَنَسٌ وَأَبْعَدَ الْعِصَامُ فَقَالَ الْقَائِلُ حُمَيْدٌ. (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَبْعَةً) : بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا بِمَعْنَى الْمَرْبُوعِ الْخَلْقِ، وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ النَّفْسِ ; يُقَالُ رَجُلٌ رَبْعَةٌ وَامْرَأَةٌ رَبْعَةٌ، وَمَعْنَاهُ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ. (وَلَيْسَ بِالطَّوِيلِ) : أَيِ الْبَائِنِ الْمُفْرِطِ فِي الطُّولِ، فَيُصْرَفُ الْمَفْهُومُ الْمُرَادُ إِلَى الْكَامِلِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ. (وَلَا بِالْقَصِيرِ) : أَيِ الْمُتَرَدِّدِ فَلَا يُنَافِي مَا يُذْكَرُ بَعْدُ أَنَّهُ أَطْوَلُ مِنَ الْمَرْبُوعِ، وَالْجُمْلَةُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَيُرْوَى لَيْسَ بِدُونِ الْوَاوِ فَيَكُونُ بَيَانًا لَهُ، كَذَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ أَصِيلُ الدِّينِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ وَقَالَ مُلَّا حَنَفِيٌّ: الْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى رَبْعَةٍ وَلَا بُعْدَ فِي عَطْفِ جُمْلَةٍ لَهَا مَحَلٌّ مِنَ الْإِعْرَابِ عَلَى مُفْرَدٍ وَلَا حُسْنَ فِي عَطْفِهِ عَلَى قَوْلِهِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ; لِأَنَّ قَوْلَهُ حَسَنُ الْجِسْمِ يَحْتَاجُ إِلَى تَكَلُّفٍ تَامٍّ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِدُونِ الْوَاوِ كَمَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ

بِعَلَامَةِ التِّرْمِذِيِّ فَهُوَ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ. (حَسَنَ الْجِسْمِ) : أَيْ لَوْنًا وَنُعُومَةً وَاعْتِدَالًا فِي الطُّولِ وَاللَّحْمِ وَنَصْبُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ آخَرُ لِكَانَ وَهُوَ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ. (وَكَانَ شَعَرُهُ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَيُسَكَّنُ. (لَيْسَ بِجَعْدٍ) : أَيْ قَطَطٍ ; لِلْقَاعِدَةِ الْمُقَرِّرَةِ أَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَلَا تَدَافُعَ بَيْنَهُمَا. (وَلَا سَبِطَ) : وَمَرَّ مَعْنَاهُمَا وَجَعَلَهُمَا هُنَا وَصْفًا لِلشَّعْرِ، وَفِيمَا مَرَّ وَصْفًا لِصَاحِبِهِ لِبَيَانِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوصَفُ بِذَلِكَ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ تَبَعًا لِلْعِصَامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ نِسْبَتَهُمَا هُنَا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَهُنَاكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَوْ لِلْمُبَالَغَةِ عَلَى حَدِّ رَجُلٍ عَدْلٍ. (أَسْمَرَ اللَّوْنِ) : يُرِيدُ نَفْيَ الْبَيَاضِ الْقَوِيِّ مَعَ حُمْرَةٍ قَلِيلَةٍ فَلَا يُنَافِي مَا سَبَقَ مَعَ قَوْلِهِ وَلَا بِالْآدَمِ الْمُرَادِ بِهِ شَدِيدِ السُّمْرَةِ، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ انْفَرَدَ بِهَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْهُ بِلَفْظِ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، ثُمَّ نَظَرْنَا إِلَى مَنْ رَوَى صِفَةَ لَوْنِهِ صلّى الله عليه

ص: 14

وسلم غَيْرَ أَنَسٍ فَكُلُّهُمْ وَصَفُوهُ بِالْبَيَاضِ دُونَ السُّمْرَةِ وَهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا، انْتَهَى. وَقِيلَ هَذَا يُنَافِي مَا سَيَجِيءُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَبْيَضَ كَأَنَّمَا صُبِغَ مِنْ فِضَّةٍ، وَجُمِعَ بِأَنَّ السُّمْرَةَ كَانَتْ فِيمَا يَبْرُزُ لِلشَّمْسِ وَالْبَيَاضَ فِيمَا تَحْتَ الثَّوْبِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّ رَقَبَتَهُ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ كَالْفِضَّةِ الْبَيْضَاءِ مَعَ أَنَّ الرَّقَبَةَ بَارِزَةٌ، انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهَا كَالْفِضَّةِ بِاعْتِبَارِ الصَّفَاءِ وَاللَّمَعَانِ، قَالَ الْعِصَامُ: وَنَحْنُ نَقُولُ تَصَرُّفُ الشَّمْسِ فِيهِ يُنَافِي مَا وَرَدَ أَنَّهُ كَانَ تَظَلُّهُ سَحَابَةٌ، قَالَ ابْنُ حَجْرٍ وَهُوَ غَفْلَةٌ إِذْ ذَاكَ كَانَ إِرْهَاصًا مُتَقَدِّمًا عَلَى النُّبُوَّةِ وَأَمَّا بَعْدَهَا فَلَمْ يُحْفَظْ ذَلِكَ كَيْفَ وَأَبُو بَكْرٍ قَدْ ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِثَوْبِهِ لَمَّا وَصَلَ الْمَدِينَةَ وَصَحَّ أَنَّهُ ظُلِّلَ بِثَوْبٍ وَهُوَ يَرْمِي الْجَمَرَاتِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ خَبَرٌ آخَرُ لِكَانَ الْأَوَّلِ وَحِينَئِذٍ قَوْلُهُ: وَكَانَ شَعْرُهُ. . . إِلَخْ ; جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ أَخْبَارِهِ ; إِذْ لَا يَسْتَقِيمُ جَعْلُ «أَسْمَرَ اللَّوْنِ» خَبَرًا لِكَانَ الثَّانِي، وَلَوْ قُدِّرَ قَبْلَ قَوْلِهِ «أَسْمَرَ» كَلِمَةٌ وَكَانَ لِئَلَّا يَلْزَمَ الِاعْتِرَاضُ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، وَقِيلَ ضَمِيرُ كَانَ الثَّانِي إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ خَبَرُ الْأَوَّلِ، «وَأَسْمَرَ اللَّوْنِ» خَبَرُهُ الثَّانِي، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ «أَسْمَرُ» بِالرَّفْعِ أَيْ هُوَ أَسْمَرُ (إِذَا مَشَى يَتَكَفَّأُ) : بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ بَعْدَهُ هَمْزٌ مُوَافِقًا لِمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ يُتْرَكُ هَمْزُهُ تَخْفِيفًا، قِيلَ وَرُوِيَ «يَتَكَفَّا» بِقَلْبِ هَمْزَتِهِ أَلِفًا، وَلَا وَجْهَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ وَقْفًا أَيْ يَتَمَايَلُ إِلَى قُدَّامٍ كَالسَّفِينَةِ فِي جَرْيِهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَتَوَكَّأُ أَيْ يَعْتَمِدُ

وَالْمُرَادُ التَّثَبُّتُ وَهَذَا لَا يُنَافِي سُرْعَةَ الْمَشْيِ بَلْ يُؤَيِّدُهَا، وَالْحَاصِلُ مِنْهُمَا أَنَّ خُطُوَاتِهِ كَانَتْ مُتَّسِعَةً لَا مُتَقَارِبَةً كَخُطُوَاتِ الْمُخْتَالِينَ، وَيَتَكَفَّأُ اسْتِقْبَالٌ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ التَّكَفُّأَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْمَشْيِ وَنَظِيرُهُ سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلَ الْبَلَدَ، أَوْ لِاسْتِحْضَارِ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ، أَوْ يَجْعَلُ كَانَ مَحْذُوفًا، وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ: إِذَا مَشَى تَكْفَّأَ، بِصِيغَةِ الْمَاضِي كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه.

(حَدَّثَنَا) : وَفِي نُسْخَةٍ ثَنَا. (مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) : بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَهُوَ ابْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَيْسَانَ الْبَصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِبُنْدَارٍ، كُنْيَتُهُ أَبُو بَكْرٍ، سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ وَخَلْقًا، رَوَى عَنْهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَخَلْقٌ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْآخِذِينَ عَنْ تَبَعِ التَّابِعِينَ مِمَّنْ لَمْ يَلْقَ التَّابِعِينَ. (يُعْنَى الْعَبْدِيَّ) : قَالَ شَيْخُنَا مِيرَكُ شَاهْ: كَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا يَعْنَى بِصِيغَةِ الْغَائِبِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَائِلُهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ تَلَامِذَتِهِ وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الرُّوَاةِ إِدْرَاجَ كَلَامِهِمْ فِي تَصَانِيفِ مَشَايِخِهِمْ كَصَنِيعِ مَنْ رَوَى الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الشَّيْخَيْنِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ «نَعْنِي» بِالنُّونِ عَلَى وَزَانِ حَدَّثَنَا

ص: 15

وَحِينَئِذٍ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، لَوْ كَانَ الرِّوَايَةُ مُسَاعَدَةً لَهُ، هَذَا وَقَدْ سَرَقَ بَعْضُ الْمُنْتَحِلِينَ هَذَا التَّحْقِيقَ مِنْ كَلَامِنَا وَأَوْرَدَهُ فِي شَرْحِهِ إِظْهَارًا أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَلَا تَغْتَرَّ بِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَتْ لَهُ رِوَايَةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَاللَّهُ الْهَادِي لِلصَّوَابِ، انْتَهَى. وَأَرَادَ بِبَعْضِ الْمُنْتَحِلِينَ مُلَّا حَنَفِي فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَا ذَكَرَ بِعَيْنِهِ وَأَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ التَّلَامِذَةِ لِتَكُفَّ الِالْتِفَاتَ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ إِلَّا عَلَى مَذْهَبِ السَّكَاكِيِّ، وَلَوْ قِيلَ عَلَى التَّجْرِيدِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ أَيْضًا، وَلَوْ قُرِئَ مَجْهُولًا لَكَانَ أَوْجَهُ لَوْلَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنُّسَخِ الْمَضْبُوطَةِ لَكِنْ يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الْعِصَامُ أَوْ لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ أَيِ الْمُفَسِّرَةِ إِذْ لَا قَصْدَ إِلَّا التَّفْسِيرُ وَيُعْنَى عَلَى صِيغَةِ الْغَيْبَةِ رِوَايَةً وَدِرَايَةً إِذْ لَا يُلَائِمُ جَعْلُهُ كَحَدَّثَنَا لِعَدَمِ مُشَارَكَتِهِمَا فِي تَشْرِيكِ الْغَيْرِ إِذِ التَّشْرِيكُ فِي التَّحْدِيثِ دُونَ الْعِنَايَةِ بِلَفْظِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، انْتَهَى. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ كَلَامِهِ لَمَا احْتَاجَ إِلَى قَوْلِهِ يَعْنِي بَلْ قَالَ مِنْ أَوَّلِ الْوَهْلَةِ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ الْعَبْدِيُّ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَسْمَاءِ الْمَنْسُوبَةِ، ثُمَّ الْعَبْدِيُّ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ نِسْبَةً إِلَى عَبْدِ قَيْسٍ وَهُوَ قَبِيلَةٌ مِنْ رَبِيعَةَ.

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) : أَيْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِغُنْدَرٍ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي صِحَاحِهِمْ، رَوَى عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ وَجَالَسَهُ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً، وَرَوَى عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) : كَانَ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ ابْنُ

بِسْطَامَ - بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ - بْنِ الْحَجَّاجِ الْعَتْكِيُّ مَوْلَاهُمْ بَصْرِيُّ الْأَصْلِ كَانَ إِمَامًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَرُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ بِهِ حَفِظَ اللَّهُ أَكْثَرَ الْحَدِيثِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْلَا شُعْبَةُ مَا عُرِفَ الْحَدِيثُ بِالْعِرَاقِ، سَمِعَ الْحَسَنَ وَالثَّوْرِيَّ وَخَلْقًا كَثِيرًا، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ. (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) : أَيْ رَاوِيًا عَنْهُ، وَقَالَ الْعِصَامُ مُتَعَلِّقٌ بِحَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ مِيرَكُ: اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّبِيعِيُّ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ رَأَى عَلِيًّا وَخَلْقًا، وَهُوَ تَابِعِيٌّ مَشْهُورٌ كَثِيرُ الرِّوَايَةِ، وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُثْمَانَ. (قَالَ) : أَيْ أَنَّهُ قَالَ: (سَمِعْتُ الْبَرَاءَ) : عَلَى وَزْنِ سَحَابٍ وَحُكِيَ فِيهِ الْقَصْرُ، وَهُوَ أَبُو عِمَارَةَ أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ الْخَنْدَقُ، وَهُوَ مِنَ الْمَشَاهِيرِ، نَزَلَ الْكُوفَةَ وَافْتَتَحَ الرَّيَّ وَمَاتَ بِالْكُوفَةِ أَيَّامَ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ. (ابْنُ عَازِبٍ) : بِكَسْرِ الزَّايِ صَحَابِيَّانِ. (يَقُولُ) : حَالٌ وَقَالَ الْعِصَامُ مَفْعُولٌ ثَانٍ. (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا) : بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَهُوَ الَّذِي بَيْنَ الْجُعُودَةِ وَالسُّبُوطَةِ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِي الْجَامِعِ شَعْرُ رَجُلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ شَدِيدَ الْجُعُودَةِ وَلَا شَدِيدَ السُّبُوطَةِ بَيْنَهُمَا، وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَاتِ الْمُعْتَمَدَةِ بِضَمِّ الْجِيمِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْمُتَبَادِرَ الْمُتَعَارَفَ الَّذِي يُرَادُ بِلَفْظِ الرَّجُلِ وَهُوَ الْمُقَابِلُ لِلْمَرْأَةِ وَمَعْنَاهُ وَاضِحٌ، وَهُوَ خَبَرٌ مُوَطِّئٌ لِأَنَّ الْخَبَرَ فِي الْحَقِيقَةِ قَوْلُهُ. (مَرْبُوعًا) : إِذْ هُوَ يُفِيدُ الْفَائِدَةَ الْمُعْتَدَّ بِهَا وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ لَا طَوِيلًا وَلَا قَصِيرًا، فَيُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ

ص: 16

فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ «كَانَ رَبْعَةً» ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ شَعْرُهُ الْأَطْهَرُ صلى الله عليه وسلم إِذِ الرَّجِلُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا وَسُكُونِهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الَّذِي فِي شَعْرِهِ تَكَسُّرٌ يَسِيرٌ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَحَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِهَا وَحِينَئِذٍ لَا يُحْتَاجُ إِلَى تَوْطِئَةِ الْخَبَرِ، وَكَانَ هَذَا الْمَعْنَى أَصْوَبُ ; إِذْ لَا يَلِيقُ بِحَالِ الصَّحَابِيِّ وَصْفُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِكَوْنِهِ رَجُلًا بِالْمَعْنَى الْمُتَبَادِرِ مِنْهُ، وَلَمْ يُسْمَعْ فِي غَيْرِ هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرُ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعُنْوَانٍ كَانَ رَجُلًا كَذَا بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ زِيَادَةِ بَعْضِ الرُّوَاةِ مِمَّنْ دُونَ الصَّحَابِيِّ فَإِنَّ الْحَدِيثَ سَيَأْتِي فِي بَابِ شَعْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبَرَاءِ بِلَفْظِ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرْبُوعًا» إِلَى آخِرِهِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا بِدُونِ لَفْظِ «رَجُلٌ» ، كَذَا حَقَّقَهُ مِيرَكُ شَاهْ رحمه الله، لَكِنَّ الطَّعْنَ فِي الرُّوَاةِ مُسْتَبْعَدٌ لِأَنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ إِجْمَاعًا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِفِ أَوْ عَلَى الْمُتَعَارَفِ، وَيُرَادُ بِهِ كَامِلُ الرُّجُولِيَّةِ أَوْ مُوِّطِئٌ لِلْخَبَرِ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْعُرْفِ يُقَالُ فُلَانٌ رَجُلٌ كَرِيمٌ وَرَجُلٌ صَالِحٌ، قَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ «أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ» ، «أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ» ، فَقَوْلُهُ «مَرْبُوعًا» صِفَةٌ لِرَجُلٍ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَخَبَرٌ آخَرُ لِكَانَ عَلَى

ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَكَذَا إِعْرَابُ قَوْلِهِ. (بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ) : وَالْبَعِيدُ ضِدُّ الْقَرِيبِ وَيُقْرَأُ مُضَافًا إِلَى مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، وَقِيلَ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ بَعِيدًا مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ بِدُونِ الْإِضَافَةِ وَمَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ وَقِيلَ زَائِدَةٌ وَلَا وَجْهَ لَهُ، وَأَرَادَ بِبَعِيدِ مَا بَيْنَهُمَا السِّعَةَ ; إِذْ هِيَ عَلَامَةُ النَّجَابَةِ، وَقِيلَ «بُعْدُ مَا بَيْنَهُمَا» كِنَايَةٌ عَنْ سِعَةِ الصَّدْرِ وَشَرْحِهِ الدَّالِّ عَلَى الْجُودِ وَالْوَقَارِ، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: الْمَنْكِبُ مَجْمَعُ عَظْمِ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ وَمَعْنَاهُ عَرِيضُ أَعْلَى الظَّهْرِ، انْتَهَى. وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِعَرْضِ الصَّدْرِ وَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي سَعْدٍ رَحِيبَ الصَّدْرِ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِصِيغَةِ التَّصْغِيرِ وَهُوَ تَصْغِيرُ تَرْخِيمٍ كَغُلَامٍ وَغُلَيْمٍ، وَالْأَصْلُ فِي تَصْغِيرِهِمَا بُعَيِّدٌ وَعُلَيِّمٌ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ فِيهِمَا، ثُمَّ فِي هَذَا التَّصْغِيرِ إِشَارَةٌ إِلَى تَصْغِيرِ الْبُعْدِ الْمَذْكُورِ أَيْ أَنَّ طُولَ مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ الشَّرِيفَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُتَنَاهِيًا إِلَى الْعَرْضِ الْوَافِي الْمُنَافِي لِلِاعْتِدَالِ الْكَافِي، وَأَمَّا قَوْلُ الْعِصَامِ: وَقَدْ يُرْوَى مُصَغَّرًا فَمَحَلُّ نَظَرٍ ; إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنَ النُّسْخَةِ الرِّوَايَةُ وَلِذَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقِيلَ بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ غَرِيبٌ بَلْ فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِعِيدٌ بِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ هُوَ، وَكَذَا. (عَظِيمَ الْجُمَّةِ) : بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ كَثِيفَهَا، فِي النِّهَايَةِ: الْوَفْرَةُ الشَّعْرُ إِلَى شَحْمَتَيِ الْأُذُنِ وَاللُّمَّةُ دُونَ الْجُمَّةِ ; سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَلَمَّتْ بِالْمَنْكِبَيْنِ، وَالْجُمَّةُ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ: مَا سَقَطَ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ، وَنَقَلَ الْجَزَرِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ قَاطِبَةً، وَفِي الْمُقَدِّمَةِ لِلزَّمَخْشَرِيِّ أَنَّ الْجُمَّةَ هِيَ الشَّعْرُ إِلَى شَحْمَتَيِ الْأُذُنِ، قَالَ مِيرَكُ: وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ جُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ، قَالَ مُلَّا حَنَفِي: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ جَمْعِهَا إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ وَيُلَائِمُهُ عِظَمُهَا وَوُصُولُهَا إِلَى الْمَنْكِبِ فِي حَالِ إِرْسَالِهَا، انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الصِّحَاحِ: الْجُمَّةُ ; الشَّعْرُ الْمَجْمُوعُ عَلَى الرَّأْسِ، وَمَا فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ: أَنَّ الْجُمَّةَ ; الشَّعْرُ مُطْلَقًا، وَيَنْصُرُهُ كَلَامُ الْعَسْقَلَانِيِّ: أَنَّ الْجُمَّةَ هِيَ مُجْتَمَعُ الشَّعْرِ إِذَا تَدَلَّى مِنَ الرَّأْسِ إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ وَإِلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَإِلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الَّذِي لَا يُجَاوِزُ الْأُذُنَيْنِ فَهُوَ الْوَفْرَةُ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ:(إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ) : بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْجُمَّةِ بِتَقْدِيرِ الْوَاصِلَةِ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ أَوْ حَالٌ مِنْهَا أَيْ

ص: 17

وَاصِلَةٌ إِلَى شَحْمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أُذُنَيْهِ، وَهِيَ مَا لَانَ مِنْهَا فِي أَسْفَلِهَا وَهُوَ مَحَلُّ الْقُرْطِ وَمُعَلَّقُهُ مِنْهَا، وَالْأُذُنُ بِضَمَّتَيْنِ وَسُكُونِ الذَّالِ لُغَتَانِ، وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُهَا وَالثَّانِي أَشْهَرُ، وَأَفْرَدَ الشَّحْمَةَ مَعَ إِضَافَتِهَا إِلَى التَّثْنِيَةِ كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِ التَّثْنِيَتَيْنِ مَعَ ظُهُورِ الْمُرَادِ، وَقِيلَ أَنَّهُ ظَرْفٌ لَغْوٌ لِعَظِيمٍ ; لِبَيَانِ أَنَّ عَظِيمَ جُمَّتِهَا

وَكَثْرَتَهَا مُنْتَهِي إِلَى شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ فَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ نِهَايَةِ غِلَظِهَا وَعِظَمِهَا لَا بَيَانُ نِهَايَةِ الْجُمَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ شَعْرُهُ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ، وَفِي أُخْرَى إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ، وَفِي أُخْرَى إِلَى أُذُنَيْهِ، وَفِي أُخْرَى يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ، وَفِي أُخْرَى إِلَى كَتِفَيْهِ، وَجَمَعَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَنَّ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ فَكَانَ إِذَا تَرَكَ تَقْصِيرَهَا بَلَغَتِ الْمَنْكِبَ وَإِذَا قَصَّرَهَا كَانَتْ إِلَى الْأُذُنِ أَوْ شَحْمَتِهَا أَوْ نَصِفِهَا فَكَانَتْ تَطُولُ وَتَقْصُرُ بِحَسَبِ ذَلِكَ. (عَلَيْهِ حُلَّةٌ) : بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ. (حَمْرَاءُ) : وَقِيلَ حَالٌ بِالضَّمِيرِ وَحْدَهُ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ: «وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ» بِالْوَاوِ، وَفِي الْقَامُوسِ الْحُلَّةُ بِالضَّمِّ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ مِنْ بُرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا يَكُونُ حُلَّةً إِلَّا مِنْ ثَوْبَيْنِ أَوْ ثَوْبٍ لَهُ بِطَانَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْحُلَّةُ لَا تَكُونُ إِلَّا ثَوْبَيْنِ وَيَكُونُ غَالِبًا إِزَارًا، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْحُلَلُ بُرُودُ الْيَمَنِ، وَالْحُلَّةُ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ وَلَا تُسَمَّى حُلَّةً حَتَّى تَكُونَ ثَوْبَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَإِفْرَادُ الْوَصْفِ إِمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى لَفْظِ الْحُلَّةِ أَوْ بِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّ الثَّوْبَيْنِ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ وَاحِدٍ لِلِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِمَا مَعًا فِي سَتْرِ الْبَدَنِ أَوْ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَبِهِ اسْتَدَلَّ إِمَامُنَا الشَّافِعِيُّ عَلَى حِلِّ لُبْسِ الْأَحْمَرِ وَإِنْ كَانَ قَانِيًا، وَحَمَلَهُ عَلَى ذِي الْخُطُوطِ - سَيَأْتِي رَدُّهُ -، قُلْتُ: قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: هِيَ ثِيَابٌ ذَاتُ خُطُوطٍ، انْتَهَى. أَيْ لَا حَمْرَاءَ خَالِصَةً وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي بُرُودِ الْيَمَنِ وَهُوَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ ; وَلِذَا أَنْصَفَ مِيرَكُ حَيْثُ قَالَ: فَعَلَى هَذَا أَيْ نَقْلِ الْعَسْقَلَانِيِّ لَا يَكُونُ الْحَدِيثُ حُجَّةً لِمَنْ قَالَ بِجَوَازِ لُبْسِ الْأَحْمَرِ - وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ فِي بَابِ لِبَاسِهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَغْرَبَ الْعِصَامُ حَيْثُ غَفَلَ عَنْ مَذْهَبِهِ وَقَالَ: قَوْلُهُ: حَمْرَاءُ يُنَافِي مَا وَرَدَ مِنَ الْمَنْعِ عَنْ لُبْسُ الْأَحْمَرِ ; فَلِذَا أُوِّلَ بِأَنَّهُ كَانَ مِنَ الْبُرُودِ الْيَمَانِيَةِ الَّتِي فِيهَا خُطُوطٌ حُمْرٌ غَلَبَتْ حُمْرَتُهُ، انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَنَا يُؤَوَّلُ الْحَمْرَاءُ بِالَّتِي لَهَا خُطُوطٌ حَمْرَاءُ أَوْ يُعَدُّ مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ أَوْ يُحْمَلُ لُبْسُهُ عَلَى مَا قَبْلَ نَهْيِهِ. (مَا رَأَيْتُ شَيْئًا) : أَيْ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ. (قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ) : إِعْرَابُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُحْتَمَلُ الِاسْتِئْنَافُ

ص: 18

لِبَيَانِ إِجْمَالِ جَمَالِهِ لِتَعَذُّرِ تَفْصِيلِ أَحْوَالِ كَمَالِهِ ثُمَّ الْأَحْسَنُ أَنَّ «أَحْسَنَ» مَفْعُولٌ ثَانٍ لِرَأَيْتَ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ عَمَلِيَّةٌ فَإِنَّهَا أَبْلَغُ مِنْ تَكْمِيلِ الْوَصْفِيَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِشَيْئًا عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ بَصَرِيَّةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْمُرَادُ بِنَفْيِ رُؤْيَةِ شَيْءٍ أَحْسَنَ مِنْهُ نَفْيُ رُؤْيَةِ الْأَحْسَنِ وَالْمُسَاوِي مَعًا كَمَا يُقَالُ لَيْسَ فِي الْبَلَدِ أَفْضَلُ مِنْ زَيْدٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ كُلِّ اثْنَيْنِ هُوَ التَّفَاضُلُ دُونَ التَّسَاوِي فَإِذَا نُفِيَ أَفْضَلِيَّةُ أَحَدِهِمَا ثَبَتَ أَفْضَلِيَّةُ الْآخَرِ كَذَا

ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَحَاصِلُهُ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا قَطُّ كَانَ حُسْنُهُ مِثْلَ حُسْنِهِ صلى الله عليه وسلم بَلْ هُوَ كَانَ أَحْسَنَ مِنْ كُلِّ حَسَنٍ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجْرٍ يَعْنِي مِثْلَ حُسْنِهِ ; إِذْ أَفْعَلُ قَدْ يُرَادُ بِهِ أَصْلُ الْفِعْلِ إِثْبَاتًا وَنَفْيًا وَإِنْ قُرِنَ بِمَنْ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ غَيْرِ وَاحِدٍ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: الْعَسَلُ أَحْلَى مِنَ الْخَلِّ وَالصَّيْفُ أَحَرُّ مِنَ الشِّتَاءِ، فَمَحَلُّ بَحْثٍ إِمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ نَفْيَ أَفْعَلَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى أَصْلِ الْفِعْلِ ; إِذْ لَا يُوجَدُ لَهُ مِثَالٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَتَقْدِيرُ الْمِثْلِ خِلَافُ الظَّاهِرِ بَعْدَ خِلَافِ الظَّاهِرِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى نَفْيِهِ، وَإِمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَنْ قَالَ لَا يَكُونُ أَفْعَلُ بِمَعْنَى أَصْلِ الْفِعْلِ إِذَا قُرِنَ بِمَنْ مَحَلُّهُ إِذَا كَانَ يُمْكِنُ مُشَارَكَةُ أَصْلِ الْفِعْلِ كَزَيْدٍ أَفْضَلُ مِنْ عَمْرٍو، وَالْمِثَالَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي كَلَامِهِ خَارِجَانِ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ بَلْ يُعَدَّانِ فِي الْحَقِيقَةِ مِنَ الْمَجَازِ فَتَنَبَّهْ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ الرَّضِيُّ وَالدَّمَامِينِيُّ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ أَنَّ أَفْعَلَ إِذَا كَانَ عَارِيًا عَنِ أَلْ وَالْإِضَافَةِ وَمِنْ قَدْ يُسْتَعْمَلُ مُجَرَّدًا عَنْ مَعْنَى التَّفْضِيلِ مُؤَوَّلًا بِاسْمِ الْفَاعِلِ كَهُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ أَيْ عَالِمٌ أَوْ صِفَةٍ مُشَبَّهَةٍ كَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ أَيْ هَيِّنٌ، وَأَمَّا مَعَ إِحْدَاهِمَا فَلَا، وَفِي التَّسْهِيلِ: وَاسْتِعْمَالُهُ دُونَ مِنْ مُجَرَّدًا عَنْ مَعْنَى التَّفْضِيلِ مُؤَوَّلًا بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَالصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ مُطَّرِدٌ عِنْدَ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ قِيلَ: قَدْ بَالَغَ الصَّحَابِيُّ حَيْثُ قَالَ: «مَا رَأَيْتُ شَيْئًا» دُونَ أَنْ يَقُولَ مَا رَأَيْتُ إِنْسَانًا لِيُفِيدَ التَّعْمِيمَ حَتَّى يَتَنَاوَلَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، قَالَ الْعِصَامُ: وَهَذَا مَعَ إِظْهَارِ جَمَالِهِ صلى الله عليه وسلم إِبْرَازُ كَمَالِ إِيمَانِهِ رضي الله عنه ; لِأَنَّ هَذَا فَرْعُ كَمَالِ الْمَحَبَّةِ، وَفِي لَفْظِ قَطُّ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَوَّلِ مَا صَارَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَانَ كَذَلِكَ، وَفِيهِ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا يَنْبَغِي لَهُ حَتَّى يَكُونَ مُؤْمِنًا صَادِقًا وَلِذَا قَالَ:«مَا رَأَيْتُ» وَلَمْ يَقُلْ «مَا كَانَ شَيْءٌ أَحْسَنَ مِنْهُ» ، انْتَهَى. وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَذَلِكَ لَكَانَ صَادِقًا أَيْضًا إِذْ نَفِيُهُ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى رُؤْيَتِهِ أَوْ عَمَلِهِ، ثُمَّ إِنَّ «قَطُّ» مِنَ الظُّرُوفِ الْمَبْنِيَّةِ مَفْتُوحَ الْقَافِ مَضْمُومَ الطَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ، وَهَذَا أَشْهَرُ اللُّغَاتِ، وَقَدْ تُخَفَّفُ الطَّاءُ الْمَضْمُومَةُ وَقَدْ يُضَمُّ الْقَافُ إِتْبَاعًا لِضَمَّةِ الطَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَوِ الْمُخَفَّفَةِ، وَجَاءَ «قَطْ» سَاكِنَةُ الطَّاءِ مِثْلَ قَطِ الَّذِي هُوَ اسْمُ فِعْلٍ ; فَهَذِهِ خَمْسُ لُغَاتٍ لِلْمَاضِي الْمَنْفِيِّ، كَذَا فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي النَّحْوِ.

(حَدَّثَنَا) : وَفِي نُسْخَةٍ دَثَنَا ; وَلِذَا قَالَ الْعِصَامُ أَيْ حَدَّثَنَا. (مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ) : بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَهُوَ أَبُو أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيُّ، سَمِعَ الْفَضْلَ بْنَ مُوسَى وَغَيْرَهُ، ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الْآخِذِينَ عَنْ تَبَعِ التَّابِعِينَ مِمَّنْ لَمْ يَلْقَ التَّابِعِينَ. (حَدَّثَنَا) :، وَفِي نُسْخَةٍ ثَنَا، وَفِي نُسْخَةٍ قَالَ حَدَّثَنَا، قَالَ الْعِصَامُ: هُوَ بَيَانٌ لِحَدَّثَنَا مَحْمُودٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: «فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ» فَاسْتَغْنَى عَمَّا يُقَالُ فِي أَمْثَالِهِ أَنَّهُ جَوَابُ مَا حَدَّثَكَ. (وَكِيعٌ) : أَيِ ابْنُ الْجَرَّاحِ، مِنْ كِبَارِ الطَّبَقَةِ السَّابِعَةِ أَبُو سُفْيَانَ الْكُوفِيُّ، ثِقَةٌ حَافِظٌ عَابِدٌ، قِيلَ أَصْلُهُ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى نَيْسَابُورَ، سَمَعَ الثَّوْرِيَّ وَخَلْقًا، رَوَى عَنْهُ قُتَيْبَةُ وَخَلْقٌ، قَدِمَ بَغْدَادَ وَحَدَّثَ بِهَا، وَهُوَ مِنْ مَشَايِخِ الْحَدِيثِ الثِّقَةِ الْمَعْمُولِ بِحَدِيثِهِمُ الْمَرْجُوعِ إِلَى

قَوْلِهِمْ كَبِيرُ الْقَدْرِ، وَكَانَ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَانَ قَدْ سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا كَثِيرًا، مَاتَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهُوَ رَاجِعٌ مِنْ مَكَّةَ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ فَيْدٌ. (حَدَّثَنَا) : وَفِي نُسْخَةٍ ثَنَا. (سُفْيَانُ) : بِضَمِّ السِّينِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَجَعَلَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ مُثَلَّثَةً كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، قَالَ: مِيرَكُ شَاهْ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ جَزْمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ فِي جَامِعِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِعَيْنِهِ فَبَطَلَ تَرَدُّدُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ فِي كَوْنِهِ ابْنَ عُيَيْنَةَ أَوِ الثَّوْرِيَّ، وَسَقَطَ عَلَى دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ قَوْلُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ جَزْمًا، انْتَهَى. وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْأَخِيرِ مَوْلَانَا الْعِصَامُ ; حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِهِ الْأَوَّلِ: سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ لِيَمْتَازَ عَنِ الثَّوْرِيِّ، انْتَهَى. ثُمَّ رَأَيْتُ شَارِحًا آخَرَ ذَكَرَ فِي تَرْجَمَتِهِ أَنَّهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ الثَّوْرِيَّ، وَقَالَ: سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ كُنْيَتُهُ أَبُو أَحْمَدَ، وُلِدَ بِالْكُوفَةِ، كَانَ إِمَامًا عَالِمًا ثَبْتًا حُجَّةً زَاهِدًا وَرِعًا مُجْمَعًا عَلَى صِحَّةِ حَدِيثِهِ وَرِوَايَتِهِ، سَمِعَ الزُّهْرِيَّ وَغَيْرَهُ، وَرَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ مَاتَ بِمَكَّةَ وَدُفِنَ بِالْحَجُونِ، وَكَانَ حَجَّ سَبْعِينَ حَجَّةً، انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ الثَّوْرِيُّ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى أَحَدِ أَجْدَادِهِ، رُوِيَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الْخَلِيفَةَ تَوَجَّهَ إِلَى مَكَّةَ وَقَدْ أَرْسَلَ النَّجَّارِينَ لِيَنْصِبُوا الْخُشْبَانَ فِي مَكَّةَ لِيَصْلِبَهُ عَلَيْهَا، وَسُفْيَانُ كَانَ مَضْطَجِعًا وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَرِجْلُهُ فِي حِجْرِ ابْنِ عُيَيْنَةَ فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ اخْتَفِ لَا تُشْمِتْ بِنَا أَعْدَاءَنَا،

ص: 19

فَقَامَ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَتَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَقَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْهَا إِنْ دَخَلَ أَبُو جَعْفَرٍ مَكَّةَ، فَمَاتَ أَبُو جَعْفَرٍ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ، وَذَهَبَ سُفْيَانُ إِلَى بَصْرَةَ مُخْتَفِيًا بِهَا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا وَدُفِنَ لَيْلًا فِي سَنَةِ سِتِّينَ وَمِائَةٍ، وَأَكْثَرُ الْأَقْوَالِ أَنَّ قَبْرَهُ فِي عَزِيٍّ الْمَعْرُوفِ بِالنَّجَفِ الْآنَ وَيُزَارُ وَيُتَبَرَّكُ بِهِ. (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) : يَعْنِي الْهَمْدَانِيَّ نِسْبَةً إِلَى قَبِيلَةٍ مِنَ الْيَمَنِ مَنْزِلُهُ كُوفَةُ، مُكْثِرٌ عَابِدٌ مِنَ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ. (عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ) : وَقَالَ مِيرَكُ: هَكَذَا قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ أَبِي إِسْحَاقَ وَخَالَفَهُمْ أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ فَقَالَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَقَالَ: إِسْنَادُ جَابِرٍ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ عَنِ الْبَرَاءِ، وَأَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ وَحَسَّنَهُ وَنَقَلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ حَدِيثُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ صَحِيحَانِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، كَذَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، أَقُولُ وَسَيَأْتِي حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ الَّذِي أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْضًا، لَكِنْ بَيْنَ سِيَاقِهِ وَسِيَاقِ حَدِيثِ الْبَرَاءِ تَفَاوُتٌ كَثِيرٌ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثَانِ مَعًا عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ فَلَا مَعْنَى لِتَخْطِئَةِ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ وَقَدْ وَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ مُتَابَعَةً. (قَالَ) : أَيْ أَنَّهُ قَالَ: (مَا رَأَيْتُ) : حَمْلُهُ عَلَى الْبَصَرِيَّةِ أَظْهَرُ هُنَا بَلْ مُتَعَيَّنٌ كَمَا لَا يَخْفَى مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ وَحِينَئِذٍ قَوْلُهُ. (مِنْ ذِي لِمَّةٍ) : بِكَسْرِ اللَّامِ، وَسَبَقَ مَعْنَاهَا مَفْعُولٌ عَلَى زِيَادَةِ مِنْ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ وَالتَّنْصِيصِ عَلَى اسْتِغْرَاقِهِ لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا زَائِدَةٌ لِأَنَّهَا لَوْ تُرِكَتْ لَمْ يَخْتَلَّ أَصْلُ الْمَعْنَى فَهِيَ لِلْمُبَالَغَةِ، وَقَوْلُهُ. (فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ) : صِفَةٌ، وَقَوْلُهُ. (أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَجْرُورًا أَوْ مَنْصُوبًا صِفَةٌ بَعْدَ صِفَةٍ لِذِي لِمَّةٍ أَوْ حَالٌ عَنْهُ، وَجُوِّزَ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ عِلْمِيَّةً وَ (ذِي لِمَّةٍ)

مَفْعُولَهُ الْأَوَّلَ (وَأَحْسَنَ) مَفْعُولَهُ الثَّانِيَ، وَقَوْلُهُ فِي حُلَّةٍ إِمَّا صِفَةُ ذِي لِمَّةٍ أَوْ ظَرْفٌ لَرَأَيْتُ. (لَهُ شَعْرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ) : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ ذِي لِمَّةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةً مُسْتَأْنِفَةً عَلَى نَمَطِ التَّعْدِيدِ وَإِيرَادُهُ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ كَأَنَّهُ حِينَ الْوَصْفِ مِنْ غَلَبَةِ الْمَحَبَّةِ جَعَلَهُ حَاضِرًا مَوْجُودًا فِي خَيَالِهِ وَكَمَالِ وِصَالِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَدَّرَ قَبْلَهُ لَفْظُ كَانَ، قَالَ مِيرَكُ: وَرِوَايَتُنَا فِي الشَّعَرِ فَتْحُ الْعَيْنِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا أَيْضًا، وَالضَّرْبُ كِنَايَةٌ عَنِ الْوُصُولِ. (بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ) : قَالَ مِيرَكُ: مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ الْمُقَدَّرُ أَوْ مَرْفُوعٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ وَالْجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةٌ، وَضُبِطَ فِي الرِّوَايَةِ بِالْوَجْهَيْنِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (بُعَيْدِ) بِالتَّصْغِيرِ، انْتَهَى. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ عِبَارَةَ الْعِصَامِ وَالْحَنَفِيِّ مَرْفُوعًا وَمَنْصُوبًا وَمُصَغَّرًا وَمُكَبَّرًا غَيْرُ مَرْضِيَّةٍ فِي اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ. (لَمْ يَكُنْ بِالْقَصِيرِ وَلَا بِالطَّوِيلِ) : إِعْرَابُهُ كَإِعْرَابِ سَابِقِهِ وَالتَّقْيِيدُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُرَادٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ.

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) : أَيِ الْبُخَارِيُّ صَاحِبُ الصَّحِيحِ إِمَامُ الْمُحَدِّثِينَ، كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رُوِيَ أَنَّهُ رُؤِيَ فِي الْبَصْرَةِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ لِحْيَتُهُ وَخَلْفَهُ أُلُوفٌ مِنْ طَلَبَةِ الْحَدِيثِ، وَرَوَى أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ بِالْيَمِينِ وَالْيَسَارِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَحْفَظُ مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ صَحِيحٍ وَمِائَتَيْ أَلْفِ حَدِيثٍ غَيْرِ صَحِيحٍ. (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) : بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ، وَهُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ التَّدْوِينِ أَنَّهُ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ، قِيلَ وَكَانَ مَزَّاحًا ذَا دُعَابَةٍ مَعَ فِقْهِهِ وَدِينِهِ وَكَانَ فِي غَايَةِ الْإِتْقَانِ وَالْحِفْظِ وَهُوَ حُجَّةٌ. (حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ) : اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ الْمَسْعُودِيُّ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ، قَالَ الْعِصَامُ: صَدُوقٌ اخْتَلَطَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَمَنْ سَمِعَ عَنْهُ بِبَغْدَادَ فَبَعْدَ الِاخْتِلَاطِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ. (عَنْ عُثْمَانَ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزٍ) : بِضَمِّ الْهَاءِ وَالْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَفِي نُسْخَةٍ مُنْصَرِفٌ، وَهُوَ نَسَائِيٌّ وَعُثْمَانُ هَذَا فِيهِ لِينٌ، أَخْرَجَ

ص: 20

حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي مُسْنَدِ عَلِيٍّ لَهُ. (عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ) : بِالتَّصْغِيرِ. (بْنِ مُطْعِمٍ) : كَمُسْلِمٍ وَهُوَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ، سَمِعَ عَلِيًّا وَعِدَّةً مِنَ الْأَصْحَابِ، وَأَبَوْهُ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ. (عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) : قَالَ الْعِصَامُ: يَعْنِي بِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ رُوَاةِ الْحَدِيثِ تِسْعَةٌ، فَتَرْكُ وَصْفِهِ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ خِلَافُ الْأَوْلَى، انْتَهَى. وَهَذَا غَفْلَةٌ عَنِ اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ مِنْ أَنَّهُ إِذَا أُطْلِقَ عَلِيٌّ فِي آخِرِ الْإِسْنَادِ فَهُوَ الْمُرَادُ كَمَا إِذَا أُطْلَقَ عَبْدُ اللَّهِ فَهُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَإِذَا أُطْلِقَ الْحَسَنُ فَهُوَ الْبَصْرِيُّ، وَنَظِيرُهُ إِطْلَاقُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُمْ بِقَيْدِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ أَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي عَدَمِ مُشَارَكَةِ الْأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ لِهَذَا الْوَصْفِ بَلْ وَلَا يُعْرَفُ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ يُسَمَّى بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ غَيْرُهُ، فَهَذَا نِشَأَ مِنْ عِرْقِ الْعَجَمِ - وَإِنْ كُنْتُ مِنْهُمْ - وَهُوَ أَبُو الْحَسَنِ وَأَبُو تُرَابٍ، وَاسْمُ أَبِي طَالِبٍ عَبْدُ مَنَافٍ الْهَاشِمِيُّ الْقُرَشِيُّ، وَأُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ الْهَاشِمِيَّةُ أَسْلَمَتْ وَهَاجَرَتْ، وَهُوَ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الصِّبْيَانِ وَقِيلَ مِنَ الذُّكُورِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي سِنِّهِ يَوْمَئِذٍ فَقِيلَ كَانَ لَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ وَقِيلَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ

وَقِيلَ ثَمَانِي سِنِينَ وَقِيلَ عَشْرُ سِنِينَ شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا غَيْرَ تَبُوكَ فَإِنَّهُ خَلَّفَهُ فِي أَهْلِهِ وَفِيهَا، قَالَ لَهُ: أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، اسْتُخْلِفَ يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانُ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لِثَمَانِيَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، وَضَرَبَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجِمٍ الْمُرَادِيُّ بِالْكُوفَةِ صَبِيحَةَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمَاتَ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ مِنْ ضَرْبَتِهِ وَغَسَّلَهُ ابْنَاهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَصَلَّى عَلَيْهِ الْحَسَنُ وَدُفِنَ سَحَرًا وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ أَرْبَعَ سِنِينَ وَتِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَأَيَّامًا، رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَكَانَ يَوْمَ مَاتَ أَفْضَلَ الْأَحْيَاءِ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ، ثُمَّ رَأَيْتُ الِاسْتِيعَابَ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي ذِكْرِ الْأَصْحَابِ فَلَمْ يَذْكُرْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ غَيْرَهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُسَمَّى بِعَلِيٍّ خَمْسَةَ أَنْفُسٍ أَحَدُهُمْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ صُحْبَةٌ. (قَالَ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ) : كَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي سَنٍّ، فَإِنَّهُ فِي كُلِّ سَنٍّ مِنْ سِنِي النُّبُوَّةِ كَانَ رَبْعَةً، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ دَائِمًا يُوصَفُ بِالِاعْتِدَالِ. (شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ) : قَالَ مِيرَكُ: الرِّوَايَةُ فِيهِ بِالرَّفْعِ فَيَكُونُ خَبَرًا لِهُوَ الْمَحْذُوفِ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ لِيُكُونَ خَبَرًا لِكَانَ الْمُقَدَّرِ وَلَا يَخْلُو تَكَلُّفُهُ وَلَيْسَ هُوَ رِوَايَةَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْمُنْتَحِلِينَ، وَقَالَ الْعِصَامُ: يُرْوَى مَرْفُوعًا خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَتَى بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ بَعْدَ الْمَاضَوِيَّةِ لِأَنَّهُ خَيَّلَهُ غَلَبَانُ مَحَبَّتِهِ عليه السلام عِنْدَ ذِكْرِهِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ مُتَحَقِّقٌ فَجَرَى لِسَانُهُ فِي الْوَصْفِ جَرَيَانَهُ فِي وَصْفِ الْمَوْجُودِ بِمَا يَتَّصِفُ بِهِ فِي الْحَالِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ نَبِيهٌ عَلَى أَنَّ ذِكْرَهُ صلى الله عليه وسلم يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، وَالشَّثْنُ جَعْلُهُ حَالًا أَوِ اسْتِئْنَافًا لَيْسَ بِذَلِكَ فَرِوَايَةُ النَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ لَيْسَتْ بِتِلْكَ الْجَزَالَةِ وَجَعْلُهُ خَبَرًا لِكَانَ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ فِي مَعْنَى كَانَ رَبْعَةً تَكَلُّفٌ جَدًّا، انْتَهَى.

وَقَدْ أَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ رَجَّحَ النَّصْبَ عَلَى الرَّفْعِ، ثُمَّ الشَّثْنُ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا أَوْ كَسْرِهَا أَيْضًا بَعْدَهَا نُونٌ فَسَّرَهُ الْأَصْمَعِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْمُؤَلِّفُ - كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ - بِالْغَلِيظِ الْأَصَابِعِ مِنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ: أَيْ غَلِيظُ الْأَصَابِعِ وَالرَّاحَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ضَخْمُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، قَالَ: وَفَسَّرَهُ الْخَطَّابِيُّ بِالْغِلَظِ وَالِاتِّسَاعِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، قَالَ: وَنُقِلَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّهُ فَسَّرَ فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ الشَّثْنَ بِالْخَشِنِ فَقِيلَ لَهُ أَنَّهُ وَرَدَ فِي وَصْفِ كَفِّهِ صلى الله عليه وسلم اللِّينُ وَالنُّعُومَةُ فَآلَى عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا يُفَسِّرَ شَيْئًا فِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ غَيْرُهُ

ص: 21

هُوَ غِلَظٌ فِي الرَّاحَةِ وَالْأَخْمَصِ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: كَانَتْ كَفُّهُ صلى الله عليه وسلم مُمْتَلِئَةً لَحْمًا غَيْرَ أَنَّهَا مَعَ غَايَةِ ضَخَامَتِهَا وَغِلْظَتِهَا كَانَتْ لَيِّنَةً كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَرْوِيِّ فِي الصَّحِيحِ مَا مَسِسْتُ خَزًّا وَلَا حَرِيرًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا فَسَّرَ الْأَصْمَعِيُّ بِهِ الشَّثْنَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي وَصَفَ حَالَتَيْ كَفِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ إِذَا عَمِلَ فِي الْجِهَادِ أَوْ مِهْنَةِ أَهْلِهِ صَارَ كَفُّهُ خَشِنًا لِلْعَارِضِ الْمَذْكُورِ وَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ صَارَ كَفُّهُ إِلَى أَصْلِ جِبِلَّتِهِ مِنَ النُّعُومَةِ

وَقَالَ الْقَاضِي: فَسَّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ اللُّغَوِيُّ: الشَّثْنُ بِغِلَظِ الْأَصَابِعِ وَالْكَفِّ مَعَ الْقِصَرِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي وَصْفِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ سَائِلَ الْأَطْرَافِ - كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ أَيْضًا - وَيُؤَيِّدُهُ مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ بَسِطُ الْكَفَّيْنِ، أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مُعَلَّقًا. . . وَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ: وَالْبَسِطُ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُهْمَلَتَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ: سَبِطُ بِمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مُوَحَّدَةٌ وَهْمَا بِمَعْنًى، وَالْمُرَادُ أَنَّ فِي كَفِّهِ وَأَصَابِعِهِ صلى الله عليه وسلم طُولًا غَيْرَ مُفْرِطٍ وَهُوَ مِمَّا يُحْمَدُ فِي الرِّجَالِ لِأَنَّهُ أَشَدُّ لِقَبْضِهِمْ وَيُذَمُّ فِي النِّسَاءِ، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: أَمَّا مَنْ فَسَّرَ الْبَسْطَ بِبَسْطِ الْعَطَاءِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ كَذَلِكَ لَكِنْ لَيْسَ مُرَادًا هُنَا، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الشَّثْنَ الْوَاقِعَ فِي صِفَتِهِ صلى الله عليه وسلم مَعْنَاهُ الْغِلَظُ مِنْ غَيْرِ قَيْدِ قِصَرٍ وَلَا خُشُونَةٍ، انْتَهَى. وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّهُمَا يَمِيلَانِ إِلَى الْغِلَظِ وَالْقِصَرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ جَمَعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَاللُّغَاتِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْعِصَامِ: وَالشَّثْنُ بِمُثَلَّثَتَيْنِ أَوْ بِمُثَلَّثَةٍ وَمُثَنَّاةٍ فَوْقَانِيَّةٍ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَمُخَالِفٌ لِمَا فِي الْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ وَإِنْ كَانَ لُغَةً عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ. (ضَخْمَ الرَّأْسِ) : بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى وَزْنِ الضَّرْبِ الْغَلِيظِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَظِيمَ الْهَامَةِ، وَوَصْفُهُ بِذَلِكَ وَرَدَ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى كَمَالِ الْقُوَى الدِّمَاغِيَّةِ وَبِكَمَالِهَا يَتَمَيَّزُ الْإِنْسَانُ عَنْ غَيْرِهِ. (ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ) : أَيْ رُءُوسِ الْعِظَامِ نَحْوَ الْمَنْكِبَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْوَرِكَيْنِ عَلَى مَا فِي الْفَائِقِ، جَمْعُ كُرْدُوسٍ بِضَمَّتَيْنِ: كُلُّ عَظْمَتَيْنِ الْتَقَيَا فِي مَفْصِلٍ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، أَرَادَ أَنَّهُ جَسِيمُ الْأَعْضَاءِ وَهُوَ وَمَا قَبْلُهُ يَدُلُّ عَلَى نَجَابَةِ صَاحِبِهِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مُنَاسَبَةٌ بَيْنَ الرَّأْسِ وَالْكَرَادِيسِ أُفْرِدَ كُلٌّ بِالْإِضَافَةِ بِخِلَافِ الْكَفِّ وَالْقَدَمَيْنِ. (طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ شَعْرٌ بَيْنَ الصَّدْرِ وَالسُّرَّةِ عَلَى مَا فِي الْمُهَذَّبِ، وَفِي رِوَايَةِ ذُو مَسْرُبَةٍ وَفِي أُخْرَى عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ لَهُ شَعَرَاتٌ مِنْ سُرَّتِهِ تَجْرِي كَالْقَضِيبِ لَيْسَ عَلَى صَدْرِهِ وَلَا عَلَى بَطْنِهِ غَيْرُهَا، وَعِنْدَ الطَّيَالِسِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ مَا رَأَيْتُ بَطْنَهُ إِلَّا ذَكَرْتُ الْقَرَاطِيسَ الْمُثَنَّى بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَا دَقَّ مِنْ شَعْرِ الصَّدْرِ سَائِلًا إِلَى السُّرَّةِ - كَمَا سَيُذْكَرُ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه الْمَسْرُبَةُ الشَّعْرُ الدَّقِيقُ الَّذِي كَأَنَّهُ قَضِيبٌ مِنَ الصَّدْرِ إِلَى السُّرَّةِ. (إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا) : بِالْهَمْزِ فِيهِمَا، وَفِي نُسْخَةٍ تَكَفَّى بِالْأَلِفِ الْمُنْقَلِبَةِ عَنْ يَاءٍ تَكَفِّيًا بِكَسْرِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ بَعْدَهَا يَاءٌ تَحْتِيَّةٌ أَيْ تَمَايَلَ إِلَى قُدَّامٍ، وَهِيَ جُمْلَةٌ أُخْرَى مُسْتَأْنَفَةٌ، قَالَ مِيرَكُ: وَتَكَفُّؤًا مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَهْمُوزٌ وَيُخَفَّفُ، فَإِذَا رُوِيَ عَلَى الْأَصْلِ يُقْرَأُ بِضَمِّ الْفَاءِ كَتَقَدَّمَ تَقَدُّمًا، وَإِذَا خُفِّفَ يُقْرَأُ تَكَفَّى تَكَفِّيًا بِكَسْرِ الْفَاءِ كَتَسَمَّى تَسَمِّيًا، وَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، انْتَهَى. وَفِي النِّهَايَةِ هَكَذَا رُوِيَ غَيْرُ مَهْمُوزٍ وَالْأَصْلُ الْهَمْزُ، وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ مَهْمُوزًا ; لِأَنَّ مَصْدَرَ تَفَعَّلَ مِنَ الصَّحِيحِ تَفَعُّلٌ كَتَقَدَّمَ تَقَدُّمًا وَتَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا وَالْهَمْزَةُ حَرْفٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا إِذَا اعْتُلَّ انْكَسَرَ عَيْنُ الْمَصْدَرِ مِنْهُ نَحْوَ تَخَفَّى تَخَفِّيًا فَإِذَا خُفِّفَتِ الْهَمْزَةُ الْتَحَقَ بِالْمُعْتَلِّ فَصَارَ تَكَفِّيًا بِالْكَسْرِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَزَعَمَ كَثِيرٌ أَنَّ أَكْثَرَ مَا يُرْوَى بِلَا هَمْزَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. (كَأَنَّمَا) : وَفِي نُسْخَةٍ كَأَنَّهُ. (يَنْحَطُّ) : وَهُوَ بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ. (مِنْ صَبَبٍ) : قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى التَّكَفُّؤِ فَهُوَ مُبَيِّنٌ

ص: 22

لِمَفْهُومِ إِذَا

مَشَى كَذَا قِيلَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ تَكَفَّأَ، وَالِانْحِطَاطُ النُّزُولُ وَالْإِسْرَاعُ وَأَصْلُهُ الِانْحِدَارُ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى سُفْلٍ، وَأَسْرَعُ مَا يَكُونُ الْمَاءُ جَارِيًا إِذَا كَانَ مُنْحَدِرًا فَمِنْ بِمَعْنَى فِي كَمَا فِي نُسْخَةٍ، وَالصَّبَبُ بِفَتْحَتَيْنِ الْحُدُورُ فَالْمَعْنَى فَكَأَنَّمَا يَنْزِلُ فِي مَوْضِعٍ مُنْحَدِرٍ، وَقِيلَ: هُوَ مَا انْحَدَرَ مِنَ الْأَرْضِ، وَفِي حَدِيثِ الطَّوَافِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي أَيِ انْحَدَرَتْ فِي الْمَسْعَى وَفِي رِوَايَةٍ كَأَنَّمَا يَهْوَى فِي صُبُوبٍ وَهُوَ بِالضَّمِّ جَمْعُ صَبَبٍ، قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَشْيًا قَوِيًّا يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ رَفْعًا ثَابِتًا لَا كَمَنْ يَمْشِي اخْتِيَالًا وَيُقَارِبُ خُطَاهُ تَنَعُّمًا، قِيلَ: وَلَمْ يُدْغَمْ صَبَبٌ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِالصَّبِّ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْعَاشِقِ. (لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ) : جُمْلَةٌ أُخْرَى مُنْبِئَةٌ عَنْ جَمَالِهِ وَكَمَالِهِ وَتُسْتَعْمَلُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي نَفْيِ الشَّبِيهِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحِظَةِ الْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ وَمَفْهُومُهَا فِي الْخَارِجِ حَتَّى يَرِدَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَرَ أَحَدًا قَبْلَهُ صلى الله عليه وسلم، وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ لَمْ أَرَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَبَعْدَهُ مِثْلَهُ، مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ عِلْمِيَّةً، ثُمَّ نَفْيُ الْمِثْلِ يَدُلُّ عُرْفًا عَلَى كَوْنِهِ أَحْسَنَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ كَمَا يُقَالُ فِي لَيْسَ فِي الْبَلَدِ مِثْلُ زَيْدٍ، وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا نُفِيَ الْمِثْلُ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَحْسَنِ فِي مَقَامِ ذِكْرِ الْمَحَاسِنِ فَكَانَ نَفْيُ الْأَحْسَنِ بِالْأَوْلَى وَالْأَحْرَى.

(حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ) : أَيُ ابْنُ الْجَرَّاحِ بْنِ مَلِيحٍ، وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ الرُّوَاسِيُّ الْكُوفِيُّ، كَانَ صَدُوقًا إِلَّا أَنَّهُ ابْتُلِيَ بِالْوِرَاقَةِ وَهِيَ حِرْفَةُ ضَرْبِ الدَّرَاهِمِ فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ فَنُصِحَ فَلَمْ يَقْبَلْ فَسَقَطَ حَدِيثُهُ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قِيلَ وَكَانَ مِنَ الْمُكْثِرِينَ فِي الْحَدِيثِ وَجَمْعِهِ، يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ وَمُطَلِّبِ بْنِ زِيَادٍ، قِيلَ: هُوَ ضَعِيفٌ. (قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي) : يُرِيدُ أَبَاهُ وَكِيعًا. (عَنِ الْمَسْعُودِيِّ) : مُتَعَلِّقٌ بِحَدَّثَنَا أَبِي. (بِهَذَا الْإِسْنَادِ) : مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، وَقَوْلِهِ حَدَّثَنَا أَبِي

عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ، وَالْإِسْنَادُ رَفْعُ الْحَدِيثِ إِلَى قَائِلِهِ، وَالسَّنَدُ الْإِخْبَارُ عَنْ طَرِيقِ الْمَتْنِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ وَلِذَا يَسْتَعْمِلُهُمَا الْمُحَدِّثُونَ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ. (نَحْوَهُ) : أَيْ نَحْوَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ. (بِمَعْنَاهُ) : أَيْ بِلَفْظٍ آخَرَ مُفِيدٍ لِمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ، قَالَ مِيرَكُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ جَرَتْ عَادَةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَدِيثَ إِذَا رُوِيَ بِإِسْنَادَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَسَاقُوا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادٍ أَوَّلًا ثُمَّ سَاقُوا إِسْنَادًا آخَرَ يَقُولُونَ فِي آخِرِهِ مِثْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ اخْتِصَارًا،

ص: 23

وَالْمِثْلُ يُسْتَعْمَلُ بِحَسَبِ الِاصْطِلَاحِ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَالنَّحْوِ يُسْتَعْمَلُ إِذَا كَانَتِ الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعْنَى فَقَطْ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ بِمَعْنَاهُ لَا إِرَادَةَ أَنَّ النَّحْوَ يُسْتَعْمَلُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِلْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ مَجَازًا، انْتَهَى. وَقَالَ الْعِصَامُ: نَحْوَهُ ; مَفْعُولُ حَدَّثَنَا الثَّانِي أَوِ الْأَوَّلُ وَمَفْعُولُ الْأَخِيرِ مَحْذُوفٌ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ الْأَوَّلُ، فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ تَحَقَّقَ أَنَّ سُفْيَانَ سَاقِطُ الْحَدِيثِ فَكَيْفَ ذُكِرَ الْحَدِيثُ بِإِسْنَادِهِ بَعْدَ الْإِسْنَادِ الْعَالِي؟ قُلْتَ: صَارَ سَاقِطَ الْحَدِيثِ آخِرًا وَرِوَايَةُ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ رُبَّمَا تُذْكَرُ فِي الْمُتَابَعَةِ وَالشَّاهِدِ فَأَرَادَ تَأْيِيدَ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ بِالشَّاهِدِ، وَالشَّاهِدُ مَا يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الْمُسْنَدَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي الْمَعْنَى، وَالْمُتَابِعُ مَا يُؤَيِّدُهُ مِنَ الْمُوَافِقِ فِي اللَّفْظِ الْمُخَالِفِ فِي الْإِسْنَادِ لَكِنْ بِشَرْطِ الْمُوَافَقَةِ فِي مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْإِسْنَادِ، فَإِنْ وَافَقَ فِي شَيْخِ الرَّاوِي فَالْمُتَابَعَةُ تَامَّةٌ وَإِلَّا فَنَاقِصَةٌ، وَتَفْصِيلُ هَذَا الْبَحْثِ فِي شَرْحِ النُّخْبَةِ.

(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ) : بِعَيْنٍ مَفْتُوحَةٍ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ. (الضَّبِّيُّ) : بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ نِسْبَةً إِلَى بَنِي ضَبَّةَ قَبِيلَةٍ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ سُكَّانِ الْبَصْرَةِ ; وَلِذَا قَالَ: (الْبَصْرِيُّ) : وَهُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَتُكْسَرُ، قِيلَ احْتَرَزَ بِالضَّبِّيِّ مِنَ الْأُبُلِّيِّ وَهُوَ أَوْثَقُ مِنَ الْأُبُلِّيِّ فَإِنَّ الضَّبِّيَّ ثِقَةٌ، رُمِيَ بِالنَّصْبِ يَعْنِي بِكَوْنِهِ مِنَ الْخَوَارِجِ دُونَ الْأُبُلِّيِّ، وَفِيهِ أَيْضًا سُوءُ الْمَذْهَبِ، قَالَ شَارِحٌ: رَوَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَخَلْقٍ، وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَخَلْقٌ، وَثَّقَهُ. . . أَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ. (وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ) : بِضَمِّ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ جِيمٍ، ثِقَةٌ حَافِظٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ شَارِحٌ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ حُجْرِ بْنِ إِيَاسِ بْنِ مُقَاتِلِ بْنِ مُخَادِشٍ السَّعْدِيُّ الْمَرْوَزِيُّ، أَحَدُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، سَمِعَ كَثِيرًا مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ. (وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ وَهُوَ) : أَيِ الْحُسَيْنُ عَلَى مَا ذَكَرَ مِيرَكُ وَالْحَنَفِيُّ، وَقَالَ الْعِصَامُ: هُوَ رَاجِعٌ إِلَى مُحَمَّدٍ إِذْ لَوْ كَانَ رَاجِعًا إِلَى الْحُسَيْنِ لَقَالَ: الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي حَلِيمَةَ لَكِنْ فِي شَرْحَيْنِ لِهَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْحُسَيْنِ وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ سَهْوٌ إِذْ ذُكِرَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الشَّرْحَيْنِ فِي تَكْمِلَةِ شَرْحِهِ فِي ضَبْطِ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ أَبِي حَلِيمَةَ، انْتَهَى. وَفِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى إِذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَيَانًا لِمَا أَجْمَلَهُ أَوَّلًا وَأَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ أَحَدِ تَلَامِذَتِهِ بَيَّنَ إِجْمَالَ كَلَامِهِ وَتَحْقِيقَ مَرَامِهِ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ عَلَى كُلِّ مَقَالٍ. (ابْنُ أَبِي حَلِيمَةَ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ وَاللَّامِ الْمَكْسُورَةِ مَقْبُولٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ وَكَأَنَّهُ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِ بَالَغَ فِي تَوْضِيحِهِ. (وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ) : بِالْوَاوِ فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ أَيْ حَدَّثُونَا حَالَ كَوْنِ الْمَعْنَى فِي أَحَادِيثِهِمْ وَاحِدًا، قَالَ مِيرَكُ: أَيْ مَرْوِيَّاتُهُمْ وَقَعَتْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَمَعْنَى الْكُلِّ

وَاحِدٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمَعْنَى وَاحِدٌ وَهُوَ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ بِغَيْرِ وَاوٍ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنَ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ ; أَيْ حَالَ كَوْنِ الْمَعْنَى فِي أَحَادِيثِهِمْ وَاحِدًا، وَالْأَحَادِيثِ حَالَ كَوْنِهَا بِحَسَبِ الْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَفِي نُسْخَةٍ بِحَذْفِ الْوَاوِ صِفَةٌ لِمَفْعُولِ حَدَّثَنَا ; أَيِ الْأَحَادِيثُ الْمَعْنَى فِيهَا وَاحِدٌ، انْتَهَى. وَتَوْضِيحُهُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ إِلَى آخِرِهِ الْأَحَادِيثَ الْمَعْنَى فِيهَا وَاحِدٌ، قَالَ الْعِصَامُ: أَيْ حَدَّثَنَا بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الْمَرْوِيَّ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَفْظُ عَلِيٍّ بِعَيْنِهِ وَهُنَا بَحْثٌ هُوَ مِنْ أَسْرَارِ الْمَبَاحِثِ وَهُوَ أَنَّ الِاتِّحَادَ فِي اللَّفْظِ لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ أَنْ لَا تَخْتَلِفَ الْعِبَارَةُ بَلْ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ اللَّفْظَانِ فِي الصِّيغَةِ لِحُكْمٍ وَاحِدٍ وَالِاتِّحَادُ فِي الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَسُوقًا لِمَعْنًى وَيَلْزَمُ مَا سِيقَ لَهُ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ فَإِنَّهُمْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالتَّابِعِ قَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الشَّاهِدَ حَدِيثٌ بِمَعْنَى حَدِيثٍ وَالتَّابِعُ مَا يَكُونُ بِلَفْظِهِ، وَذَكَرُوا فِي أَمْثَالِ الْمُتَابَعَةِ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام:«أَلَا نَزَعْتُمْ جِلْدَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ» ، وَجَعَلُوهُ مُتَابِعًا لِقَوْلِهِ:«لَوْ أَخَذُوا إِهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَاسْتَمْتَعُوا بِهِ» ، وَذَكَرُوا شَاهِدًا لَهُ قَوْلَهُ:«أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» فَأَحْسِنِ التَّأَمُّلَ لَوْ بَلَغْتَ حَقِيقَةَ التَّحْقِيقِ بِمَعُونَةِ التَّوْفِيقِ. (قَالُوا) : هُوَ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ لِحَدَّثَنَا الْأَوَّلِ أَيْ «حَدَّثَنَا أَحْمَدُ وَعَلِيٌّ وَمُحَمَّدٌ» ، وَمَعْنَى كَلَامِهِمْ وَاحِدٌ حَيْثُ قَالُوا أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. (حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ) : ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، رَأَى جَدَّهُ أَبَا إِسْحَاقَ السَّبِيعِيَّ وَسَمِعَ مِنْهُ، وَرَوَى عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَعَنْهُ أَبُوهُ يُونُسُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَجَمَاعَةٌ، سَكَنَ الشَّامَ، وَيُقَالُ لَمَّا حَجَّ الرَّشِيدُ دَخَلَ الْكُوفَةَ أَمَرَ أَبَا يُوسُفَ أَنْ يَأْمُرَ الْمُحَدِّثِينَ بِمُلَاقَاتِهِ فَأَطَاعُوهُ إِلَّا اثْنَيْنِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ إِدْرِيسَ وَعِيسَى بْنَ يُونُسَ، فَأَرْسَلَ وَلَدَيْهِ الْمَأْمُونَ وَالْأَمِينَ أَنْ يَرُوحَا إِلَيْهِ وَيَقْرَأَا بِالْحَدِيثِ عَلَيْهِ فَفَعَلَا، فَأَمَرَ لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَامْتَنَعَ، فَظَنُّوا أَنَّهُ اسْتَقَلَّهَا فَضُوعِفَتْ لَهُ فَقَالَ: إِنْ مَلَأْتُمُ الْمَسْجِدَ إِلَى السَّقْفِ ذَهَبًا لَمْ آخُذْ شَيْئًا عَلَى الْحَدِيثِ. كَانَ عَلَمًا فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، كَانَ يَغْزُو سَنَةً وَيَحُجُّ سَنَةً قِيلَ، حَجَّ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ حَجَّةً وَغَزَا خَمْسًا

ص: 24

وَأَرْبَعِينَ غَزْوَةً. (عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) : كَثِيرُ الْإِرْسَالِ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، يُقَالُ أَدْرَكَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَسَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ أَنَسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ. (مَوْلَى غُفْرَةَ) : بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ بَعْدَهَا رَاءٌ فَهَاءٌ. (قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ) : صَدُوقٌ، رَوَى عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. (مِنْ وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) : صِفَةٌ لِإِبْرَاهِيمَ، وَهَذَا بِالْمَقَامِ أَنْسَبُ اهْتِمَامًا بِحَالِ الرَّاوِي، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْوَلَدُ بِفَتْحَتَيْنِ قَدْ يَكُونُ مُفْرَدًا وَجَمْعًا، وَكَذَلِكَ الْوُلْدُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ، وَقَدْ يَكُونُ الثَّانِي جَمْعًا لِلْأَوَّلِ مِثْلَ أَسَدٍ وَأُسْدٍ، وَالْوِلْدُ بِالْكَسْرِ لُغَةٌ فِي الْوَلَدِ، وَقَالَ مِيرَكُ: الرِّوَايَةُ بِالْوَاوِ وَاللَّامِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ، قَالَ الْعِصَامُ: وَمِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ أَوْ بَيَانِيَّةٌ وَالْجُمْلَةُ لِبَيَانِ مُحَمَّدٍ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْوَلَدِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، يَعْنِي بِهِ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ الْمُكَنَّى بِأَبِي الْقَاسِمِ الْمُشْتَهِرَ بِالْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْعِبَادَةِ، وَهُوَ أَفْضَلُ أَوْلَادِ عَلِيٍّ بَعْدَ السِّبْطَيْنِ، انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ لِبَيَانِ تَعْيِينِ مُحَمَّدٍ وَقِيلَ (مِنْ وَلَدِ) حَالٌ

مِنْ إِبْرَاهِيمَ لَكِنْ لَا حُسْنَ فِي تَقْيِيدِ الْعَامِلِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْحَنَفِيَّةُ أُمُّهُ حَصَلَتْ لِعَلِيٍّ مِنْ سَبْيِ بَنِي حَنِيفَةَ، قِيلَ مِنْ سَخَافَةِ عُقُولِ طَائِفَةٍ مِنَ الرَّافِضَةِ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ فِي مُحَمَّدٍ هَذَا الْأُلُوهِيَّةَ مَعَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الْمُعْطِي عَلِيًّا أُمَّهُ فَلَوْلَا إِعْطَاؤُهُ لَهُ لِحَقِيَّةِ كَوْنِهِ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ لَكَانَ إِلَهَهُمْ دَعِيًّا، ثُمَّ أَغْرَبَ الْعِصَامُ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَسَبَقَ تَحْقِيقُ الْمَرَامِ. (قَالَ كَانَ عَلِيٌّ) : قَالَ مِيرَكُ: فِيهِ انْقِطَاعٌ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ هَذَا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جِدِّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ، وَلِذَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي جَامِعِهِ بَعْدَ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ. (إِذَا وَصَفَ رَسُولَ اللَّهِ) : وَفِي نُسْخَةٍ (النَّبِيَّ) . صلى الله عليه وسلم قَالَ:) : أَيْ عَلِيٌّ. (لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ) : قَالَ مِيرَكُ: بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَةِ بَعْدَهَا طَاءٌ مُهْمَلَةٌ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الِانْمِغَاطِ مِنْ بَابِ الِانْفِعَالِ أَيِ الْمُتَنَاهِي فِي الطُّولِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: امَّغَطَ النَّهَارُ إِذَا امْتَدَّ، وَأَصُلُهُ مُنْمَغِطٌ وَالنُّونُ لِلْمُطَاوَعَةِ فَقُلِبَتْ مِيمًا وَأُدْغِمَتْ فِي الْمِيمِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي تَصْحِيحِ هَذَا اللَّفْظِ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ: هُوَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ، وَبَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَهُ بِتَشْدِيدِ الْغَيْنِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَكَذَا النِّهَايَةُ أَيْضًا بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ، قَالَ: وَيُقَالُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَصَحَّحَهُ الْجَوْهَرِيُّ بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَتَشْدِيدِ الْعَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَةِ، وَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ التَّفْعِيلِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ قَوْلَهُ: وَأَغْرَبَ شَارِحُ الْمَصَابِيحِ الْمَعْرُوفُ بِزَيْنِ الْعَرَبِ فَقَالَ: هُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. (وَلَا بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ) : أَيِ الْمُتَنَاهِي فِي الْقِصَرِ كَأَنَّهُ رُدَّ بَعْضُ خَلْقِهِ عَلَى بَعْضٍ وَتَدَاخَلَتْ أَجْزَاؤُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ) : عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ، وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ كَانَ بِدُونِ الْوَاوِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَهُوَ كَالْمُبَيِّنِ أَوِ الْمُؤَكِّدِ لِمَا قَبْلَهُ، وَيَنْبَغِي

ص: 25

أَنْ يُرَادَ بِرَبْعَةٍ نَوْعًا مِنْهُ وَهُوَ الْمَائِلُ إِلَى الطُّولِ فَلَا يُنَافِي مَا وَرَدَ أَنَّهُ كَانَ أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ. (لَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطِطِ) : بِكَسْرِ الطَّاءِ الْأُولَى وَيُفْتَحُ. (وَلَا بِالْسَّبِطِ) : بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُسَكَّنُ وَيُفْتَحُ وَسَبَقَ مَعْنَاهُمَا. . (كَانَ) : بِلَا وَاوٍ بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهُ. (جَعْدًا رَجِلًا) : قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَقَدْ يُضَمُّ وَقَدْ يُفْتَحُ وَقَدْ يُسَكَّنُ أَيْ فِيهِ تَكَسُّرٌ يَسِيرٌ فَكَانَ بَيْنَ السُّبُوطَةِ وَالْجُعُودَةِ. . . .

(لَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ وَلَا بِالْمُكَلْثَمِ) : قَالَ مِيرَكُ: الرِّوَايَةُ فِيهِمَا بِلَفْظِ اسْمِ الْمَفْعُولِ لَا غَيْرِ، الْأَوَّلُ مِنَ التَّطْهِيمِ وَالثَّانِي مِنَ الْكَلْثَمَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَنَفِيُّ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ التَّكَلْثُمُ مِنَ الْمُتَكَلْثِمِ عَلَى وَزْنِ التَّفَعُّلِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ، انْتَهَى. وَمَعْنَى الْمُطَهَّمِ: الْمُنْتَفِخُ الْوَجْهِ الَّذِي فِيهِ جَهَامَةٌ أَيْ عُبُوسٌ مِنَ السِّمَنِ، وَقِيلَ النَّحِيفُ الْجِسْمِ وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ، وَالْمُكَلْثَمُ الْمُدَوَّرُ الْوَجْهِ، وَقَالَ الشَّارِحُ: التُّورِبِشْتِيُّ: لَمَّا كَانَ الْمُكَلْثَمُ الْمُسْتَدِيرُ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (وَكَانَ فِي وَجْهِهِ تَدْوِيرٌ) : وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: «فِي الْوَجْهِ» بَدَلَ «فِي وَجْهِهِ» ، وَأَمَّا جَعْلُ الْحَنَفِيِّ «فِي الْوَجْهِ» أَصْلًا، وَقَوْلُهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ «وَجْهَهُ» فَلَا وَجْهَ لَهُ لِمُخَالَفَتِهِ الْأُصُولَ ; أَيْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَدِيرًا كُلَّ الِاسْتِدَارَةِ بَلْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ ذَلِكَ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ فِي وَجْهِهِ تَدْوِيرٌ مَا، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ فِيهِ سُهُولَةٌ وَهِيَ أَحْلَى عِنْدَ الْعَرَبِ، وَالسُّهُولَةُ ضِدُّ الْحُزُونَةِ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَا غَلُظَ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الِاسْتِدَارَةِ وَالْإِسَالَةِ كَذَا قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ. (أَبْيَضُ) : أَيْ هُوَ أَبْيَضُ. (مُشْرَبٌ) : صِفَةُ أَبْيَضَ أَيْ مُشْرَبٌ حُمْرَةً كَمَا فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ مِنَ الْإِفْعَالِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّشْدِيدِ، وَالْإِشْرَابُ خَلْطُ لَوْنٍ بِلَوْنٍ كَأَنَّ أَحَدَ اللَّوْنَيْنِ سَقَى اللَّوْنَ الْآخَرَ، يُقَالُ بَيَاضٌ مَشْرَبٌ حُمْرَةً بِالتَّخْفِيفِ فَإِذَا شُدِّدَ كَانَ لِلتَّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ فَعَلَى هَذَا الْبَيَاضُ الْمُثْبَتُ هُنَا مَا يُخَالِطُهُ الْحُمْرَةُ وَالْبَيَاضُ الْمَنْفِيُّ فِيمَا سَبَقَ مَا لَا يُخَالِطُهُ الْحُمْرَةُ. (أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ) : أَيْ شَدِيدُ سَوَادِ حَدَقَتِهِمَا كَمَا فِي رِوَايَةٍ عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا: «كَانَ أَسْوَدَ الْحَدَقَةِ» لَكِنْ قُيِّدَ مَعَ سِعَةِ الْعَيْنِ وَشِدَّةِ بَيَاضِهَا. (أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ) : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ شُفْرٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَقَدْ يُفْتَحُ وَهُوَ حَرْفُ جَفْنِ الْعَيْنِ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَيْهِ الشَّعْرُ، وَيُقَالُ لَهُ: الْهُدْبُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهُ مُوَحَّدَةٌ، فَفِي الْقَامُوسِ هَدِبَ الْعَيْنُ كَفَرِحَ طَالَ أَهْدَابُهَا أَيْ أَشْفَارُهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَهْدَبَ هُوَ

الَّذِي شَعْرُ أَجْفَانِهِ كَثِيرٌ مُسْتَطِيلٌ. (جَلِيلُ الْمُشَاشِ) : بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الشِّينِ ; أَيْ عَظِيمُ رُءُوسِ الْعِظَامِ كَالْمِرْفِقَيْنِ وَالْكَتِفَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ. (وَالْكَتَدِ) :

ص: 26

بِفَتْحِ التَّاءِ وَيُكْسَرُ أَيْ مَجْمَعِ الْكَتِفَيْنِ وَهُوَ الْكَاهِلُ أَيْ عَظِيمُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ الْقُوَّةِ وَفَخَامَةِ الشَّجَاعَةِ. (أَجْرَدَ) : أَيْ هُوَ أَجْرَدُ أَيْ غَيْرُ أَشْعَرَ، وَهُوَ مَنْ عَمَّ الشَّعْرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ، فَالْأَجْرَدُ مَنْ لَمْ يَعُمَّهُ الشَّعْرُ فَيَصْدُقُ بِمَنْ فِي بَعْضِ بَدَنِهِ شَعْرٌ كَالْمَسْرُبَةِ وَالسَّاعِدَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ وَقَدْ كَانَ لَهُ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ شَعْرٌ، فَوَصْفُهُ صلى الله عليه وسلم بِهِ بِاعْتِبَارِ أَكْثَرِ مَوَاضِعِهِ إِمَّا بِجَعْلِ الْأَكْثَرِ فِي حُكْمِ الْكُلِّ أَوْ تَغْلِيبِ مَا لَا شَعْرَ لَهُ عَلَى مَا لَهُ شَعْرٌ، قَالَ الْعِصَامُ: وَمَنْ قَالَ أَنَّهُ جَاءَ أَجْرَدَ، بِمَعْنَى صَغِيرِ الشَّعْرِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ وَصْفُهُ صلى الله عليه وسلم بِصِغَرِ شَعْرِ بَدَنِهِ، فَفِيهِ أَنَّهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالْأَهْدَابِ وَالْحَاجِبَيْنِ يَرُدُّهُ مَا فِي الْقَامُوسِ أَنَّ الْأَجْرَدَ إِذَا جُعِلَ وَصْفًا لِلْفَرَسِ كَانَ بِمَعْنَى صِغَرِ شَعْرِهِ، وَأَمَّا إِذَا جُعِلَ وَصْفًا لِلرَّجُلِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا شَعْرَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَقِيلَ أَجْرَدُ أَيْ لَيْسَ فِيهِ غِلٌّ وَلَا غِشٌّ فَهُوَ عَلَى أَصْلِ الْفِطْرَةِ فَنُورُ الْإِيمَانِ يُزْهِرُ فِيهِ وَفِيهِ أَنَّهُ بِإِشَارَاتِ الصُّوفِيَّةِ أَشْبَهُ. (ذُو مَسْرُبَةٍ شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ) : مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا. (إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ) : جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ عَلَى طَرِيقِ التَّعْدِيدِ، وَقَوْلُهُ. (كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ) : فِي مَوْقِعٍ الْبَيَانِ لِلْجَزَاءِ يُقَالُ تَقَلَّعَ فِي مَشْيِهِ إِذَا كَانَ كَأَنَّهُ يُقْلِعُ رِجْلَهُ مِنْ رَجَلَ إِذَا أَرَادَ قُوَّةَ مَشْيِهِ كَأَنَّهُ يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ رَفْعًا بَائِنًا لَا كَمَنْ مَشَى اخْتِيَالًا وَيُقَارِبُ خُطَاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مَشْيِ النِّسَاءِ، فَالتَّقَلُّعُ قَرِيبٌ مِنَ التَّكَفِّي وَقَدْ سَبَقَ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ عَنِ التِّرْمِذِيِّ يَمْشِي بَدَلَ يَنْحَطُّ، وَقَوْلُهُ. (فِي صَبَبٍ) : قِيلَ بِمَعْنَى مِنْ صَبَبٍ كَمَا فِي رِوَايَةٍ وَلِأَنَّهُ بِالتَّقَلُّعِ أَنْسَبُ، وَيَجُوزُ وُقُوعُ قِيَامِ بَعْضِ حُرُوفِ الْجَرِّ مَقَامَ بَعْضٍ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ هُنَا ابْتِدَائِيَّةٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِي ظَرْفِيَّةٌ إِذْ هِيَ مُنَاسِبَةٌ لِلِانْحِطَاطِ كَمَا لَا يَخْفَى. (وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا) : أَيْ جَمِيعًا يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُسَارِقُ النَّظَرَ، وَقِيلَ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَلْوِي عُنُقَهُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً إِذَا نَظَرَ إِلَى الشَّيْءِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الطَّائِشُ الْخَفِيفُ وَلَكِنْ كَانَ يُقْبِلُ جَمِيعًا إِظْهَارًا لِلِاهْتِمَامِ بِشَأْنِ مَنْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ وَيُدْبِرُ جَمِيعًا بَعْدَ مَا قَضَى حَاجَتَهُ عَنْهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى إِنْسَانٍ لِلتَّكَلُّمِ أَوْ غَيْرِهِ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ بِجَمِيعِهِ وَلَا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ بِلَيِّ الْعُنُقِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْمُخْتَالِينَ، قِيلَ وَلَعَلَّ الْمَعْنَى الْأَخِيرَ أَظْهَرُ لِمَا سَيَأْتِي فِي وَصْفِهِ «جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ» أَيِ النَّظَرُ بِلِحَاظِ الْعَيْنِ. (بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ) : بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا مَا يُخْتَمُ بِهِ الْأَوَّلُ اسْمٌ وَالثَّانِي صِفَةٌ فَعَبَّرَ عَنِ الْآلَةِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَإِضَافَتُهُ إِلَى النُّبُوَّةِ لِأَنَّهُ خُتِمَ بِهِ بَيْتُ النُّبُوَّةِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ بَعْدَهُ أَحَدٌ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ عَلَامَةُ تَمَامِهَا لِأَنَّ الشَّيْءَ يُخْتَمُ بَعْدَ تَمَامِهِ - وَسَيَأْتِي مَزِيدُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ -، وَهُوَ جُمْلَةٌ مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ عَلَى مَا قَبْلَهَا لِعَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا، وَقَوْلُهُ

(وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ) : يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةً حَالِيَّةً مُكَمِّلَةً لِمَا قَبْلَهَا وَأَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى مَا قَبْلَهَا لِوُجُودِ الْمُنَاسَبَةِ، وَهُوَ كَالْخَاتَمِ الْمَذْكُورِ لَفْظًا وَمَعْنًى أَيْ خَاتَمُ نُبُوَّةِ النَّبِيِّينَ بِمَعْنَى عَلَامَةِ تَمَامِهَا أَوْ عَلَامَةِ الْوُثُوقِ بِالنُّبُوَّةِ أَوْ خَاتِمِ بَيْتِ نُبُوَّتِهِمْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَسْرَ التَّاءِ بِمَعْنَى أَنَّهُ خَتَمَهُمْ أَيْ جَاءَ آخِرَهُمْ فَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ أَيْ لَا يُتَنَبَّأُ أَحَدٌ بَعْدَهُ فَلَا يُنَافِي نُزُولَ عِيسَى عليه السلام مُتَابِعًا لِشَرِيعَتِهِ مُسْتَمِدًّا مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَأَمَّا فَتْحُ التَّاءِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ بِهِ خُتِمُوا فَهُوَ الطَّابَعُ وَالْخَاتَمُ لَهُمْ. (أَجْوَدُ النَّاسِ صَدْرًا) : جَعَلَ صَدْرَهُ أَجْوَدَ لِأَنَّ الْجُودَ فَرْعُ انْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَالصَّدْرُ مَحَلُّ الْقَلْبِ الَّذِي فِيهِ الْجُودُ فَيَكُونُ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَحَلِّهِ أَوْ مُجَاوَرِهِ، وَالْمَعْنَى أَجْوَدُ النَّاسِ قَلْبًا

ص: 27

أَيْ قَلْبُهُ أَجْوَدُ الْقُلُوبِ فَإِنَّهُ لَا يَبْخَلُ شَيْئًا مِنْ زَخَارِفِ الدُّنْيَا وَلَا مِنْ عَوَارِفِ الْمَوْلَى، وَالْمُرَادُ أَنَّ جُودَهُ كَانَ عَنْ طِيبِ قَلْبٍ وَشَرْحِ صَدْرٍ وَسَجِيَّةِ طَبْعٍ لَا عَنْ تَكَلُّفٍ وَتَصَلُّبٍ، وَقِيلَ أَنَّهُ مِنَ الْجَوْدَةِ بِفَتْحِ الْجِيمِ بِمَعْنَى السِّعَةِ أَيْ أَوْسَعُهُمْ قَلْبًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَمَلُّ وَلَا يَضْجَرُ قَلْبُهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي كِتَابِ الطَّبَقَاتِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَالْحَكَمِ بْنِ مُوسَى، قَالَا: ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِلَفْظِ «أَجْوَدُ النَّاسِ كَفًّا وَأَرْحَبُ النَّاسِ صَدْرًا» وَالرُّحْبَ بِمَعْنَى السِّعَةِ، قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَقَطَ مِنْ رَاوِيَةِ التِّرْمِذِيِّ شَيْءٌ، وَقِيلَ: أَجْوَدُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْجَوْدَةِ بِفَتْحِ الْجِيمِ مَصْدَرُ جَادَ إِذْ صَارَ جَيِّدًا أَيْ أَحْسَنُهُمْ قَلْبًا بِسَلَامَتِهِ مِنْ كُلِّ رَذِيلَةٍ مِنْ بُخْلٍ وَغِشٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَدْنَاسِ الْبَاطِنِيَّةِ وَالصِّفَاتِ الدَّنِيَّةِ كَيْفَ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ جِبْرِيلَ شَقَّهُ وَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، وَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ. ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتِ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ. (وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً) : بِفَتْحَتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي أَيْ لِسَانًا عَلَى مَا فِي الْمُهَذَّبِ أَوْ تَحْرِيكُهُ عَلَى مَا فِي الْفَائِقِ وَالْمَعْنَى أَصْدَقُهُمْ قَوْلًا، وَأَغْرَبَ شَارِحٌ وَقَالَ: يُرِيدُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ لِسَانُهُ أَصْدَقَ الْأَلْسِنَةِ فَيَتَكَلَّمُ بِمَخَارِجِ الْحُرُوفِ كَمَا يَنْبَغِي بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ. (وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً) : أَيْ طَبِيعَةً وَزْنًا وَمَعْنًى أَيْ سَلِسًا مُطَاوِعًا مُنْقَادًا قَلِيلَ الْخِلَافِ وَالنُّفُورِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُنْبِئَةٌ عَنْ كَمَالِ مُسَامَحَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَوُفُورِ حِلْمِهِ وَتَوَاضُعِهِ مَعَ أُمَّتِهِ. (وَأَكْرَمُهُمْ عَشِيرَةً) : بِوَزْنِ الْقَبِيلَةِ وَمَعْنَاهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمَصَابِيحِ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُوَافِقِ لِلتِّرْمِذِيِّ وَجَامِعِ الْأُصُولِ عِشْرَةً بِكَسْرِ أَوَّلِهَا وَسُكُونِ ثَانِيهَا صُحْبَةً وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ صَادِقٌ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ قَبِيلَتَهُ أَشْرَفُ الْقَبَائِلِ كَمَا وَرَدَ:«إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ الْقَبَائِلَ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً» ، وَقَالَ تَعَالَى:(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفَسِكُمْ) بِفَتْحِ الْفَاءِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ مَرْفُوعًا وَمُعَاشَرَتُهُ وَمُخَالَطَتُهُ أَكْرَمُ مِنْ جَمِيعِ

مُخَالَطَةِ النَّاسِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً) : أَيْ رُؤْيَةَ بَدِيهَةٍ فَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ أَوَّلَ رُؤْيَةٍ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ. (هَابَهُ) : أَيْ خَافَهُ لِأَنَّ مَعَهُ الْهَيْبَةَ وَالْمَهَابَةَ السَّمَاوِيَّةَ. (وَمَنْ خَالَطَهُ) : أَيْ عَاشَرَهُ وَصَاحَبَهُ. (مَعْرِفَةً) : أَيْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً تَبَيَّنَ بِهَا حُسْنَ خُلُقِهِ. (أَحَبَّهُ) : لِكَمَالِ مُعَاشَرَتِهِ وَبَاهِرِ عَظِيمِ مُؤَالَفَتِهِ حُبًّا شَدِيدًا حَتَّى صَارَ عِنْدَهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدَيْهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. (يَقُولُ نَاعِتُهُ) : أَيْ وَاصِفُهُ إِجْمَالًا عَجْزًا عَنْ بَيَانِ جَمَالِهِ وَكَمَالِهِ تَفْصِيلًا. (

ص: 28

لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ) : إِذْ لَيْسَ فِي النَّاسِ مَنْ يُمَاثِلُهُ فِي الْجَمَالِ وَلَا فِي خُلُقٍ مَنْ يُشَابِهُهُ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ. (قَالَ أَبُو عِيسَى:) : كَذَا فِي الْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَفْظُ «أَبُو عِيسَى» ، قَالَ السَّيِّدُ أَصِيلُ الدِّينِ: يُرِيدُ بِهِ نَفْسَهُ إِذْ هَذِهِ كُنْيَتُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الرُّوَاةِ عَنْهُ كَمَا سَبَقَ مِثْلُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَيُشْعِرُ بِهِ ذِكْرُ الْكُنْيَةِ. (سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ) : يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَلِيمَةَ، وَهُوَ أَحَدُ الشُّيُوخِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ رُوِيَ عَنْهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ

قِيلَ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ. (يَقُولُ:) : قَالَ الْحَنَفِيُّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ: قَالَ الْعِصَامُ: يَقُولُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِقَوْلِهِ: «سَمِعْتُ» ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُضَارِعًا فَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَدَلُ يَقُولُ قَالَ، لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي، انْتَهَى. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ يَقُولَ حَالٌ. (سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ) : لُغَوِيٌّ مَشْهُورٌ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدِّهِ أَصْمَعَ، بَصْرِيٌّ، رَوَى الْحَدِيثَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ يَقُولُ: سَمِعَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ ثِقَةٌ، قِيلَ: وَكَانَ هَارُونُ الرَّشِيدُ اسْتَخْلَصَهُ لِمَجْلِسِهِ، وَكَانَ يُقَدِّمُهُ عَلَى أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي، وَكَانَ عِلْمُهُ عَلَى لِسَانِهِ، وَرَوَى الْأَزْهَرِيُّ عَنِ الرِّيَاشَيِّ قَالَ: كَانَ الْأَصْمَعِيُّ شَدِيدَ التَّوَقِّي لِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: كَانَ شَدِيدَ التَّوَقِّي لِلتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ. (يَقُولُ فِي تَفْسِيرِ صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : أَيْ فِي شَرْحِ بَعْضِ اللُّغَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي الْخَبَرِ الْمَرْوِيِّ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُرَاعِ تَرْتِيبَ الْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِ غَرِيبِهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ رَوَى كَلَامَ الْأَصْمَعِيِّ كَمَا سَمِعَ، وَالْأَصْمَعِيُّ لَمْ يُذْكُرْهُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِي تَفْسِيرِ صِفَةِ النَّبِيِّ دُونَ أَنْ يَقُولَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ. (الْمُمَّغِطُ) : وَسَبَقَ ضَبْطُهُ. (الذَّاهِبُ طُولًا) : أَيِ الشَّخْصُ الَّذِي يَكُونُ طُولُ قَامَتِهِ مُفْرِطًا، وَطُولًا تَمْيِيزٌ عَنْ نِسْبَةِ الذَّاهِبِ إِلَى فَاعِلِهِ أَوْ مَفْعُولٌ لَهُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيُّ، وَقَالَ الْعِصَامُ: الطُّولُ الِامْتِدَادُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ أَيِ الذَّاهِبُ طُولُهُ، وَالْإِسْنَادُ إِلَى مَفْعُولِهِ بِوَاسِطَةِ فِي أَيِ الذَّاهِبِ فِي طُولِهِ، وَمَنْ جَعَلَهُ مَفْعُولًا لَهُ لَا أَظُنُّ أَنَّهُ صَارَ مَفْعُولًا لَهُ. (قَالَ:) أَيِ الْأَصْمَعِيُّ، وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ فَاعِلَهُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبْعَدَ مَنْ جَوَّزَ احْتِمَالَ رُجُوعِهِ إِلَى الْمُصَنِّفِ. (وَسَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا) : قِيلَ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِتَقْدِيمِ الْوَاوِ عَلَى مَا قَالَ، وَفِي بَعْضٍ آخَرَ لَا وَاوَ أَصْلًا. (يَقُولُ:) : أَيِ الْأَعْرَابِيُّ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى الْإِعْرَابِ ; أَهْلِ الْبَادِيَةِ مِنَ الْعَرَبِ وَهُمْ أَفْصَحُ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْحَضَرِ مِنَ الْقُرَى لِمُخَالَطَتِهِمُ الْعَجَمَ يَقُولُ: (فِي كَلَامِهِ) : أَيْ فِي أَثْنَاءِ عِبَارَاتِهِ. (تَمَغُّطٌ) : إِنَّمَا أَتَى بِهَذَا الْكَلَامِ لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ مَعْنَاهُ وَبَيْنَ أَصْلِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنَ الْحَدِيثِ، وَهُوَ الِامْتِدَادُ وَإِلَّا فَمَا فِي الْحَدِيثِ اسْمُ الْفَاعِلِ مِنْ بَابِ الِانْفِعَالِ - كَمَا سَبَقَ - لَا مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ هَذَا مِنَ الْمَادَّةِ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا وَهُوَ الْمُمَّغِطُ فَذِكْرُهُ لِبَيَانِ أَنَّ الْمَادَّتَيْنِ تَقَارَبَتَا لَفْظًا وَمَعْنًى فَبَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّ مَادَّتَهُمَا مُتَّحِدَةٌ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ بَابَهُمَا مُخْتَلِفٌ، وَقِيلَ: إِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ نَظِيرُ الْمَبْحُوثِ عَنْهُ، وَذِكْرُهُ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ وَاقِعٌ وَتَفْسِيرُهُ نَافِعٌ. (فِي نُشَّابَتِهِ) : بِضَمِّ النُّونِ وَشَدِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِحَذْفِ الْفَوْقِيَّةِ

ص: 29

وَهُوَ السَّهْمُ، وَ «فِي» لِلتَّعْدِيَةِ، وَفِي الْقَامُوسِ: تَمَغَّطَ فِي قَوْسِهِ وَمَغَّطَهُ أَغْرَقَ فِيهِ، وَالتَّمَغُّطُ فِي النُّشَّابَةِ مَجَازٌ عَنِ التَّمَغُّطِ فِي الْقَوْسِ ; لِأَنَّ النُّشَّابَةَ سَبَبُ التَّمَغُّطِ فِي الْقَوْسِ، وَقِيلَ إِضَافَةُ الْمَدِّ إِلَى النُّشَّابَةِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ لِأَنَّ الْمَمْدُودَ حَقِيقَةً وَتَرُ الْقَوْسِ، قَالَ الْعِصَامُ: وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ تَوْضِيحِ اللُّغَةِ بِتَوْضِيحِ نَظِيرِهِ، وَبَيَانِ أَنَّ الْكَلِمَةَ لَا تَخْرُجُ عَنِ الْمَدِّ وَالِامْتِدَادِ، وَمِثْلُهُ غَيْرُ عَزِيزٍ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ. فَقَوْلُهُ:(أَيْ مَدَّهَا مَدًّا شَدِيدًا) : إِشَارَةٌ إِلَى لُزُومِ الْمَدِّ وَالِامْتِدَادِ لِلْكَلِمَةِ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا اسْتَصْعَبَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ لَفْظُ التَّمَغُّطِ فَلَا وَجْهَ

لِلتَّعَرُّضِ لَهُ وَمِنْ أَنَّهُ كَيْفَ فَسَّرَ التَّمَغُّطَ بِالْمُتَعَدِّي فَاعْتَذَرَ بِأَنَّ «فِي» مَزِيدَةٌ لِتَقْوِيَةِ الْعَمَلِ وَلَا رِيبَةَ لِلْمُتَدَرِّبِ فِي كَثْرَةِ زِيَادَةِ حُرُوفِ الْجَرِّ لِلتَّقَوِّي، وَلَا يَخْفَى مَا فِي اعْتِذَارِهِ فَإِنَّ الْمَسْمُوعَ زِيَادَةُ اللَّامِ لِلتَّقْوِيَةِ، لَكِنْ لَا لِتَقْوِيَةِ الْفِعْلِ الْمُتَقَدِّمِ بَلْ لِتَقْوِيَةِ الِاسْمِ وَالْفِعْلِ الْمُتَأَخِّرِ، وَالتَّمَغُّطُ لَازِمٌ، وَمَا اسْتَصْعَبَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِيءُ سِوَى الْبَاءِ لِلتَّعْدِيَةِ فَكَيْفَ جَعَلَ تَمَغَّطَ مُتَعَدِّيًا بِفِي، انْتَهَى. وَقِيلَ: تَفْسِيرُهُ هَذَا يُقَوِّي أَنَّ مَقُولَ الْأَعْرَابِيِّ هُوَ النُّشَّابَةُ بِالتَّأْنِيثِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ النُّشَّابَ بِدُونِ التَّاءِ جِنْسٌ وَيَجُوزُ تَأْنِيثُ ضَمِيرِهِ. (وَالْمُتَرَدِّدُ الدَّاخِلُ بَعْضُهُ فِي بَعْضِهِ) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ فِي بَعْضٍ بِدُونِ الضَّمِيرِ. (قِصَرًا) : بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الصَّادِ مَفْعُولٌ لَهُ لِلدُّخُولِ يَعْنِي مَنْ كَانَ فِي غَايَةِ الْقِصَرِ يُقَالُ لَهُ الْمُتَرَدِّدُ بِلَا تَرَدُّدٍ قَالُوا: كَأَنَّ بَعْضَ أَعْضَائِهِ تَرَدَّدَ إِلَى بَعْضٍ وَتَدَاخَلَتْ أَجْزَاؤُهُ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَتَرَدَّدُ النَّاظِرُ فِيهِ هَلْ هُوَ صَبِيٌّ أَوْ رَجُلٌ. (وَأَمَّا الْقَطَطُ) : أَيْ عَلَى الضَّبْطِ السَّابِقِ. (فَالشَّدِيدُ الْجُعُودَةِ) : وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَشَدِيدُ الْجُعُودَةِ بِدُونِ اللَّامِ أَيْ كَالزُّنُوجِ وَفِي بَعْضِ الْهُنُودِ. (وَالرَّجِلُ) : بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِهَا. (الَّذِي فِي شَعْرِهِ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِهَا وُصِفَ صَاحِبُ الشَّعْرِ بِهِ مَجَازًا وَالْحَقِيقَةُ وُصِفُ نَفْسِ الشَّعْرِ الْمَذْكُورِ بِهِ، وَقِيلَ أَنَّهُ بَيَانٌ لِلْمُرَادِ بِهِ فِي الْحَدِيثِ دُونَ اللُّغَةِ. (حُجُونَةٌ) : بِضَمِّ الْحَاءِ وَالْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ أَيِ انْعِطَافٌ. وَقَوْلُهُ: (أَيْ تَثَنٍّ) : بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ مَصْدَرُ تَثَنَّى عَلَى زِنَةِ تَفَعَّلَ تَفْسِيرٌ لِكَلَامِ الْأَصْمَعِيِّ مِنْ غَيْرِهِ أَعَمُّ مِنْ أَبِي عِيسَى أَوْ أَبِي جَعْفَرٍ فَلَا يُرَدُّ أَنَّ الْأَوْلَى الَّذِي فِي شَعْرِهِ تَثَنٍّ قَصْرًا لِلْمَسَافَةِ. وَقَوْلُهُ: (قَلِيلًا) : أَيِ انْعِطَافٌ بِوَصْفِ الْقِلَّةِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ، وَفِيهِ أَنَّهُ يُخَالِفُ مَا فِي الْقَامُوسِ: شَعْرٌ حَجِنٌ كَكَتِفٍ مُتَسَلْسِلٌ مُسْتَرْسِلٌ رَجِلٌ جَعْدُ الْأَطْرَافِ، انْتَهَى. فَكَانَ وَصْفُ الْقِلَّةِ بِاعْتِبَارِ الْوَاقِعِ فِي وَصْفِهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَيِ التَّفْسِيرِيَّةُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِدْرَاكِ لِأَنَّ الْأَصْمَعِيَّ لَمَّا قَالَ: فِي شَعْرِهِ حُجُونَةٌ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى إِطْلَاقِهِ فَقَيَّدَهُ مَنْ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ تَثَنٍّ قَلِيلًا. (وَأَمَّا الْمُطَهَّمُ) : بِفَتْحِ الْهَاءِ الْمُشَدَّدَةِ. (فَالْبَادِنُ) : وَتَقَدَّمَ قَوْلٌ آخَرُ فِي مَعْنَاهُ، وَالْبَادِنُ هُوَ الضَّخْمُ، مِنْ بَدَنَ بِمَعْنَى ضَخُمَ. (الْكَثِيرُ اللَّحْمِ) : بِخَفْضِ اللَّحْمِ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ. (وَالْمُكَلْثَمُ) : بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ. (الْمُدَوَّرُ الْوَجْهِ وَالْمُشْرَبُ) : بِفَتْحِ الرَّاءِ. (الَّذِي فِي بَيَاضِهِ حُمْرَةٌ) : فَإِذَا شُدِّدَ كَانَ لِلْمُبَالَغَةِ، وَالْإِشْرَابُ خَلْطُ لَوْنٍ بِلَوْنٍ آخَرَ كَأَنَّ أَحَدَ اللَّوْنَيْنِ سَقَى اللَّوْنَ الْآخَرَ، فَالتَّقْيِيدُ بِالْبَيَاضِ وَالْحُمْرَةِ وَقَعَ مَثَلًا أَوْ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ فِي وَصْفِهِ صلى الله عليه وسلم. (وَالْأَدْعَجُ الشَّدِيدُ سَوَادِ الْعَيْنِ) : بِإِضَافَةِ الشَّدِيدِ إِلَى سَوَادِ الْعَيْنِ، وَقِيلَ الدَّعَجُ شِدَّةُ سَوَادِ الْعَيْنِ فِي شِدَّةِ بَيَاضِهَا، وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِمَقَامِ الْمَدْحِ. (وَالْأَهْدَبُ الطَّوِيلُ الْأَشْفَارِ) : قَالَ مِيرَكُ: الْأَشْفَارُ جَمْعُ شُفْرَةٍ بِالضَّمِّ وَقَدْ تُفْتَحُ، وَهُوَ حُرُوفُ الْأَجْفَانِ أَيْ أَطْرَافُهَا الَّتِي يَنْبُتُ عَلَيْهَا الشَّعْرُ وَهُوَ الْهَدَبُ، وَالْأَهْدَبُ هُوَ الَّذِي شَعْرُ أَجْفَانِهِ كَثِيرٌ مُسْتَطِيلٌ، وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ: الطَّوِيلُ الْأَشْفَارِ يُوهِمُ أَنَّ الْأَشْفَارَ هِيَ الْأَهْدَابُ لَكِنَّهُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيِ الطَّوِيلُ شَعْرِ الْأَشْفَارِ، قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: إِنَّ أَحَدًا مِنَ الثِّقَاتِ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْأَشْفَارَ الْأَهْدَابُ.

(وَالْكَتَدُ) : بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا. (مَجْتَمَعُ الْكَتِفَيْنِ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ اسْمُ مَكَانٍ، وَقَوْلُ الْعِصَامِ: عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ، مُوهِمٌ فَفِيهِ مُسَامَحَةٌ، وَالْكَتِفُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ عَلَى مَا ضُبِطَ فِي الْأُصُولِ، وَفِي الْقَامُوسِ: كَفَرِحَ وَمَثِلَ وَحَبِلَ. (وَهُوَ) : أَيْ مُجْتَمَعُهُمَا. (الْكَاهِلُ) : بِكَسْرِ الْهَاءِ، وَيُقَالُ بِالْفَارِسِيَّةِ مَيَانْ هَرْدُوشَانَهْ، وَقِيلَ: مَا بَيْنَ الْكَاهِلِ إِلَى الظَّهْرِ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْكَاهِلُ كَصَاحِبِ الْحَارِكِ، وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ بَالْ وَبِالْعَرَبِيَّةِ الْغَارِبُ أَوْ مُقَدَّمُ أَعْلَى الظَّهْرِ مِمَّا يَلِي الْعُنُقَ وَهُوَ الثُّلُثُ الْأَعْلَى أَوْ مَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ، فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، غَيْرُ صَحِيحٍ. (

ص: 30

وَالْمَسْرُبَةُ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الرَّاءِ. (هُوَ الشَّعْرُ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَيُسَكَّنُ. (الدَّقِيقُ الَّذِي كَأَنَّهُ قَضِيبٌ) : أَيْ غُصْنٌ نَظِيفٌ أَوْ سَيْفٌ لَطِيفٌ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ أَوْ سَهْمٌ ظَرِيفٌ عَلَى مَا فِي الْمُهَذَّبِ. (مِنَ الصَّدْرِ) : أَيِ ابْتِدَاؤُهَا. (إِلَى السُّرَّةِ) : أَيِ انْتِهَاؤُهَا. (وَالشَّثْنُ) : بِسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ. (الْغَلِيظُ الْأَصَابِعِ مِنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ) : وَسَبَقَ تَحْقِيقُهُ. (وَالتَّقَلُّعُ أَنْ يَمْشِيَ بِقُوَّةٍ) : كَأَنَّهُ يَرْفَعُ رِجْلَهُ مِنَ الْأَرْضِ رَفْعًا قَوِيًّا لَا كَمَشْيِ الْمُخْتَالِينَ وَالْمُتَكَبِّرِينَ وَلَا كَمَشْيِ النِّسَاءِ وَالْمَرِيضِينَ. (وَالصَّبَبُ) : بِفَتْحِ الصَّادِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْأُولَى. (الْحُدُورُ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ضِدُّ الصُّعُودِ وَكَذَا الْحَدْرُ عَلَى مَا فِي الْمُهَذَّبِ. (تَقُولُ: انْحَدَرْنَا) : أَيْ أَنْزَلْنَا. (فِي صَبُوبٍ) : أَيْ مَكَانٍ مُنْحَدِرٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا أَيْضًا، وَقِيلَ: بِالضَّمِّ جَمْعٌ. (وَصَبَبٌ) : بِفَتْحَتَيْنِ وَلَمْ يُدْغَمْ لِئَلَّا يَشْتَبِهَ بِالصَّبِّ الَّذِي بِمَعْنَى الْعَاشِقِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فِي صُبُوبٍ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِذَا فَتَحْتَ الصَّادَ كَانَ اسْمًا لِمَا يُصَبُّ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ مَاءٍ وَنَحْوِهِ كَالطَّهُورِ وَالْغَسُولِ وَمَنْ رَوَاهُ بِالضَّمِّ فَعَلَى أَنَّهُ جَمْعُ الصَّبَبِ، وَهُوَ مَا انْحَدَرَ مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ: وَقَدْ جَاءَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، قَالَ: وَهُوَ الْمَحْفُوظُ كَذَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ «مِنْ» بِمَعْنَى «فِي» لَا عَكْسُهُ كَمَا سَبَقَ عَنْ بَعْضٍ، وَعَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ فَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَشْيَهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْقُوَّةِ وَعَلَى وَجْهِ التَّوَاضُعِ لَا عَلَى طَرِيقِ التَّكَبُّرِ وَالْخُيَلَاءِ، قَالَ تَعَالَى:(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا)، وَقَالَ عز وجل:(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) : أَيْ تَوَسَّطْ بَيْنَ الْإِسْرَاعِ وَالتَّوَانِي، وَقَوْلُهُ:(جَلِيلُ الْمُشَاشِ) : بِضَمِّ الْمِيمِ جَمْعُ مُشَاشَةٍ. (يُرِيدُ رُءُوسَ الْمَنَاكِبِ) : أَيْ وَنَحْوَهَا كَالْمَرَافِقِ وَالْكَتِفِ وَالرُّكَبِ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ، وَكَانَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمُ تَفْسِيرِ «الْمُشَاشِ» عَلَى «الْكَتَدِ» لِتَقَدُّمِهِ فِي الْأَصْلِ. (وَالْعِشْرَةُ) : بِكَسْرِ الْعَيْنِ. (الصُّحْبَةُ وَالْعَشِيرُ الصَّاحِبُ) : أَيِ الْمُعَاشِرُ أَيْ وَمِنْهَا الْعَشِيرُ بِمَعْنَى الصَّاحِبِ وَإِلَّا فَالْعَشِيرُ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي الْحَدِيثِ، وَقِيلَ الْجَمْعُ بَيْنَ تَفْسِيرِ الْعَشِيرِ أَوِ الْعِشْرَةِ مُشْعِرٌ بِوُجُودِ النُّسْخَتَيْنِ، وَتَقْدِيمُ الْعِشْرَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ الْأَصَحُّ، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ وَالْعَشِيرُ يُطْلَقُ عَلَى الزَّوْجِ كَمَا فِي حَدِيثِ:«وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ» فِيهِ أَنَّهُ صَاحِبٌ أَيْضًا، وَفِي الْحَقِيقَةِ الْعَشِيرَةُ بِمَعْنَى الْقَبِيلَةِ أَيْضًا مَأْخُوذَةٌ مِنْهُ لِأَنَّ الْغَالِبَ صُحْبَةُ الْعَشِيرَةِ. (وَالْبَدِيهَةُ الْمُفَاجَأَةُ) : بِالْهَمْزَةِ أَيِ الْبَغْتَةُ، وَمِنْهُ الْبَدِيهِيُّ الْحَاصِلُ مِنْ غَيْرِ التَّرَوِّي. (يُقَالُ: بَدَهْتُهُ) : مِنْ حَدِّ سَأَلَ. (بِأَمْرٍ) : الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ. (أَيْ فَجَأْتُهُ) :

مِنْ حَدِّ عَلِمَ أَوْ مَنَعَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْأَوَّلُ رِوَايَتُنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ، انْتَهَى. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَاجَأْتُهُ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ وَالْبَدِيهَةُ الْمُفَاجَأَةُ.

(حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا جُمَيْعٌ) : بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمِيمِ، وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ، قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: جُمَيْعٌ ضَعِيفٌ رَافِضِيٌّ، انْتَهَى. وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ رِوَايَةِ الْمُبْتَدَعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إِنْ كَانَتْ بِدْعَتُهُ لَيْسَتْ بِكُفْرٍ وَهُوَ غَيْرُ دَاعٍ إِلَى بِدْعَتِهِ فَيُقْبَلُ إِنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِالضَّبْطِ وَالْوَرَعِ. (بْنُ عُمَرَ) : بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْمِيمِ، قَالَ مِيرَكُ: كَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ الشَّمَائِلِ مُكَبَّرًا وَكَذَا أَوْرَدَهُ الْمِزِّيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَتَبِعَهُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّقْرِيبِ جُمَيْعُ بْنُ عُمَيْرٍ بِالتَّصْغِيرِ فِيهِمَا. (بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) : انْتَهَى. وَجَعَلَ الْعِصَامُ أَصْلَهُ (عَمْرٍو) بِالْوَاوِ، وَقَالَ: هَكَذَا فِي شِفَاءِ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي عِيسَى، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عُمَرَ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّهُ بِالتَّصْغِيرِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ دَقَّ نَظَرُ الشَّارِحِ الْمُحَدِّثُ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَقَالَ: وَكَأَنَّهُ غَيَّرَ اسْمَ أَبِيهِ تَارَةً إِلَى عَمْرٍو وَتَارَةً إِلَى عُمَيْرٍ كَمَا هُوَ دَأْبُ الرَّافِضَةِ مِنَ التَّنَفُّرِ مِنْ عُمَرَ رضي الله عنه، قُلْتُ: لِأَنَّهُ مِنَ الْأَشِدَّاءِ عَلَى الْكُفَّارِ، وَبَالَغُوا حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: مَا أُحِبُّ الْعُمْرَ لِشَبَهِهِ الصُّورِيِّ بِعُمَرَ. (الْعِجْلِيُّ) : بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ نِسْبَةً إِلَى عِجْلٍ قَبِيلَةٍ عَظِيمَةٍ يُنْسَبُ إِلَيْهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ

ص: 31

وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ. (إِمْلَاءً) : مَصْدَرٌ مَنْسُوبٌ أَيْ قَالَ سُفْيَانُ: حَدَّثَنَا جُمَيْعٌ حَالَ كَوْنِهِ مُمْلِيًا أَوْ مُلْقِيًا أَوْ تَالِيًا. (عَلَيْنَا مِنْ كِتَابِهِ) : أَيْ لَا مِنْ حِفْظِهِ، وَإِيثَارُهُ لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ أَوْ لِنِسْيَانِ بَعْضِ الْمَرْوِيِّ، وَنَصْبُهُ عَلَى التَّمْيِيزِ، أَوْ يَكُونُ أَمْلَأٌ مَصْدَرًا لِقَوْلِهِ:" حَدَّثَنَا جُمَيْعٌ " مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ، وَهُوَ مَصْدَرُ أَمْلَيْتُ بِمَعْنَى أَمْلَلْتُ، وَهُمَا لُغَتَانِ فِي الْقُرْآنِ، وَالْمُضَاعَفُ هُوَ الْأَصْلُ وَالْمُمْلِي حَدَّثَنَا رَجُلٌ إِلَخْ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَمْلَاهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَاتِّصَالِ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ بِهِ وَهُوَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ حَدَّثَنَا بِتَقْدِيرِ قَدْ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ اسْتِئْنَافٌ بَعِيدٌ جِدًّا، وَلَمَّا كَانَ الْإِمْلَاءُ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِحِفْظِهِ أَوْ كِتَابِهِ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ كِتَابِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ الْإِمْلَاءُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ إِلْقَاءُ الْحَدِيثِ عَلَى الطَّالِبِ مَعَ بَيَانِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ شَرْحِ اللُّغَاتِ وَتَوْضِيحِ الْمَعَانِي وَالنِّكَاتِ. (قَالَ حَدَّثَنِي) : وَفِي نُسْخَةٍ أَخْبَرَنِي وَهُوَ بَيَانٌ لِحَدَّثَنَا الثَّانِي. (رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ) : صِفَةُ رَجُلٍ، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ مَجْهُولُ الْحَالِ. (مِنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ) : صِفَةٌ بَعْدَ صِفَةٍ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ هُنَا بِمَعْنَى الْجَمْعِ أَيْ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَسْبَاطِهِ فَالْمُرَادُ وَلَدُهُ بِالْوَاسِطَةِ. (زَوْجُ خَدِيجَةَ) : صِفَةٌ لِأَبِي هَالَةَ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ: هِنْدُ بْنُ زُرَارَةَ وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ وَرُؤَسَائِهِمْ مَاتَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَمَّا خَدِيجَةُ فَهِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَكَانَتْ تُدْعَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ الطَّاهِرَةُ، كَانَتْ أَوَّلًا فِي حِيَالِ عَتِيقِ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللَّهِ وَبِنْتًا، ثُمَّ مَاتَ عَتِيقٌ وَخَلَفَهُ أَبُو هَالَةَ فَوَلَدَتْ لَهُ ذَكَرَيْنِ هَالَةَ وَهِنْدًا، ثُمَّ مَاتَ أَبُو هَالَةَ فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَلَهَا يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَنَشَأَ هِنْدٌ فِي حِجْرِ تَرْبِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَارَتْ خَدِيجَةُ أُمَّ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ سِوَى إِبْرَاهِيمَ، وَهِيَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَأَقَامَتْ تَحْتَ فِرَاشِهِ صلى الله عليه وسلم خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَمَنَاقِبُهَا كَثِيرَةٌ يَطُولُ شَرْحُهَا، تُوُفِّيَتْ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ النُّبُوَّةِ بِمَكَّةَ وَهِيَ بِنْتُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَدُفِنَتْ بِالْحَجُونِ، وَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْرَهَا وَلَمْ تُشْرَعْ صَلَاةُ الْجَنَازَةِ حِينَئِذٍ، كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ شَاهْ وَخَالَفَهُ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي هَالَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عَتِيقٌ. (يُكْنَى) : صِفَةٌ ثَالِثَةٌ لِرَجُلٍ لَا لِزَوْجٍ عَلَى مَا تُوُهِّمَ، وَهُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْكَافِ، وَفِي نُسْخَةٍ يُكَنَّى مِنَ التَّكْنِيَةِ، فِي الْقَامُوسِ: كَنِيَ زَيْدٌ، يُكْنَى أَبَا عَمْرٍو، وَبِهِ كُنْيَةٌ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ سَمَّاهُ بِهِ كَأَكْنَاهُ وَكَنَّاهُ. فَقَوْلُهُ:(أَبَا عَبْدِ اللَّهِ) : مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ سَوَاءٌ كَانَ مُشَدَّدًا أَوْ مُخَفَّفًا مُجَرَّدًا أَوْ مَزِيدًا، قَالَ الْحَنَفِيُّ: يُكْنَى عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الثُّلَاثِيِّ الْمُجَرَّدِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنَ التَّكْنِيَةِ، وَفِي الصِّحَاحِ فُلَانٌ يُكْنَى بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَكَنَّيْتُهُ أَبَا زَيْدٍ، وَبِأَبِي زَيْدٍ تُكَنِّيهِ، فَعَلَى هَذَا النُّسْخَةُ الثَّانِيَةُ ظَاهِرَةٌ وَالْأُولَى تَحْتَاجُ إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَوْ عَلَى الْمَدْحِ، وَقَالَ مِيرَكُ: الرِّوَايَةُ يُكْنَى بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مُخَفَّفًا مِنَ الثُّلَاثِيِّ الْمُجَرَّدِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَنْصُوبًا بِالْمَدْحِ ; أَعْنِي بِتَقْدِيرِ يَعْنِي، وَتَعَقَّبَهُ الْعِصَامُ بِقَوْلِهِ: يُكْنَى عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ مُخَفَّفًا مُجَرَّدًا أَوْ مَزِيدًا وَمُشَدَّدًا عَلَى اخْتِلَافِ النُّسَخِ، وَالْكُلُّ بِمَعْنًى، وَقَدْ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ بِنَفْسِهِ وَمِنْهُ يُكْنَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ يَتَعَدَّى إِلَى الثَّانِي بِحَرْفِ الْجَرِّ كَذَا فِي الْقَامُوسِ فَلَا تَقْصُرْ نُسْخَةَ الْمُخَفَّفِ عَلَى كَوْنِهِ ثُلَاثِيًّا مُجَرَّدًا فَتَكُونَ مِنَ الْقَاصِرِينَ وَلَا تَجْعَلْهَا مُحْتَاجَةً إِلَى النَّصْبِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ فَتَخْرُجَ عَنْ زُمْرَةِ الْمُتَبَصِّرِينَ، ثُمَّ قَالَ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ مِنَ الطَّبَقَةِ السَّادِسَةِ، وَلَمْ يُخَرِّجْ حَدِيثَهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الصِّحَاحِ إِلَّا التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ، وَلِقَاؤُهُ ابْنَ أَبِي هَالَةَ مُنْتَفٍ قَطْعًا ; لِأَنَّ الطَّبَقَةَ السَّادِسَةَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ لِقَاءَ الصَّحَابَةِ وَابْنُ أَبِي هَالَةَ مِنْ قُدَمَاءِ الصَّحَابَةِ لَا مَحَالَةَ قُلْتُ إِنَّمَا يَتِمُّ هَذَا لَوْ أُرِيدَ بِابْنِ أَبِي هَالَةَ وَلَدُهُ بِلَا وَاسِطَةٍ وَأَمَّا عَلَى مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ حَفِيدُهُ فَلَا إِشْكَالَ فِي الِاتِّصَالِ. (

ص: 32

عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ) : فِي الْمِيزَانِ أَنَّ اسْمَهُ عُمَرُ، وَفِي نُسْخَةٍ عَنِ ابْنِ أَبِي هَالَةَ، قَالَ مِيرَكُ: وَهُوَ حَفِيدُ أَبِي هَالَةَ لَا ابْنُهُ بِلَا وَاسِطَةٍ وَاسْمُهُ هِنْدٌ، وَهُوَ ابْنُ هِنْدٍ شَيْخُ الْحَسَنِ كَمَا ذَكَرَهُ الدُّولَابِيُّ، وَقَالَ: وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ اسْمَ أَبِي هَالَةَ هِنْدٌ أَيْضًا فَهُوَ مِمَّنِ اشْتَرَكَ مَعَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ فِي الِاسْمِ وَهُوَ مِنَ الظُّرَفِ التَّارِيخِيَّةِ. (عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما : سِبْطِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَيْحَانَتُهُ الْأَكْبَرُ وَسَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وُلِدَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَلَمَّا قُتِلَ أَبُوهُ بَايَعَهُ عَلَى الْمَوْتِ أَرْبَعُونَ أَلْفًا، ثُمَّ سَلَّمَ الْأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ تَحْقِيقًا لِمَا أَخْبَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ "، مَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، وَبَقِيَ نَسْلُهُ مِنْ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ وَزَيْدِ بْنِ حَسَنٍ. (قَالَ سَأَلُتُ خَالِي) : يَعْنِي أَخَا أُمِّهِ الْإِضَافِيَّ، وَهِيَ فَاطِمَةُ الْكُبْرَى سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ بَنْتُ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ. (هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ) : رَبِيبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمُّهُ خَدِيجَةُ الْكُبْرَى رضي الله عنهما، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي

الشَّمَائِلِ. (وَكَانَ وَصَّافًا عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : حَالٌ مِنْ مَفْعُولِ " سَأَلْتُ " بِتَقْدِيرِ قَدْ، وَالْوَصَّافُ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ مِنْ وَصَفَ الشَّيْءَ وَصْفًا وَصِفَةً، وَفِي الْقَامُوسِ الْوَصَّافُ الْعَارِفُ لِلصِّفَةِ وَهُوَ أَنْسَبُ بِالْمَقَامِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ وَصَّافًا حِلْيَتَهُ بِدُونِ عَنْ أَوْ وَصَّافًا لِحِلْيَتِهِ بِلَامِ التَّقْوِيَةِ وَكَأَنَّهُ عَلَى تَضْمِينِ الْكَشْفِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَصْفًا صَادِرًا أَوْ نَاشِئًا عَنْ حِلْيَتِهِ كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) :، كَذَا قِيلَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْجَارَّ مُتَعَلِّقٌ بِسَأَلْتُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الشِّفَاءِ سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ عَنْ حِلْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ وَصَّافًا، فَجُمْلَةُ وَكَانَ وَصَّافًا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ مَفْعُولَيْ " سَأَلْتُ "، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ تَنَازَعَهُ سَأَلْتُ وَوَصَّافًا لِتُضَمِّنِهُ مَعْنًى مُخْبَرًا، ثُمَّ الْحِلْيَةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ الْهَيْئَةُ وَالشَّكْلُ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الزِّينَةِ، وَقِيلَ هِيَ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ وَيُطْلَقُ عَلَى الصِّفَةِ. (وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي) : أَيْ لِأَجْلِي، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ سَأَلْتُ أَوْ مِنْ مَفْعُولِهِ عَلَى التَّدَاخُلِ وَالتَّرَادُفِ أَوْ مِنْهُمَا مَعًا لِوُجُودِ الرَّابِطَةِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ أَيْضًا عَطْفًا عَلَى الْأُولَى. (مِنْهَا) : أَيْ عَلَى حِلْيَتِهِ. (شَيْئًا) : أَيْ بَعْضًا مِنْ أَوْصَافِهِ الْجَلِيلَةِ وَنُعُوتِهِ الْجَمِيلَةِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَتَنْوِينُهُ لِلتَّعْظِيمِ وَالتَّكْثِيرِ أَوْ لِلتَّقْلِيلِ وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِالسِّيَاقِ. (أَتَعْلَقُ بِهِ) : أَيْ أَتَشَبَّثُ بِذَلِكَ الْوَصْفِ وَأَجْعَلُهُ مَحْفُوظًا فِي خِزَانَةِ خَيَالِي، وَقِيلَ أَيْ أَتَمَسَّكُ بِهِ وَاتَّصِفُ بِهِ، وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ وَهُوَ عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ لِلسُّؤَالِ، وَفِي النِّهَايَةِ: وَإِنَّمَا قَالَ الْحَسَنُ رضي الله عنه ذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ وَهُوَ فِي سَنٍّ لَا يَقْتَضِي التَّأَمُّلَ فِي الْأَشْيَاءِ وَيَحْفَظُ الْأَشْكَالَ وَالْأَعْضَاءَ. (فَقَالَ) : أَيْ هِنْدٌ، عُطِفَ عَلَى سَأَلْتُ. (كَانَ) : لِمُجَرَّدِ الرَّابِطَةِ، وَأَغْرَبَ الْعِصَامُ: فَقَالَ كَانَ لِلِاسْتِمْرَارِ أَيْ كَانَ مِنَ ابْتِدَاءِ طُفُولِيَّتِهِ إِلَى آخِرِ زَمَانِهِ، وَوَجْهُ الْغَرَابَةِ أَنَّ هِنْدًا لَمْ يُدْرِكْ حَالَ صِغَرِهِ مَعَ أَنَّهُ يُنَافِي بَعْضَ الْأَوْصَافِ الْآتِيَةِ فَتَدَبَّرْ. (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخْمًا) : بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْخَاءِ، وَقَالَ مِيرَكُ: ضَبَطْنَاهُ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لَكِنَّ

ص: 33

الْمَذْكُورَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ بِسُكُونِ الْخَاءِ، وَقَالَ الْحَنَفِيُّ: ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا، وَمِنْهُمْ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى السُّكُونِ. قُلْتُ: السُّكُونُ هُوَ الصَّحِيحُ رِوَايَةً وَالْكَسْرُ حِكَايَةً. (مُفَخَّمًا) : خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ لِكَانَ وَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ التَّفْعِيلِ أَيْ كَانَ عَظِيمًا فِي نَفْسِهِ مُعَظَّمًا فِي الصُّدُورِ وَالْعُيُونِ عِنْدَ كُلِّ مَنْ رَآهُ وَلَمْ يُرِدْ بِالْفَخَامَةِ فَخَامَةَ الْجِسْمِ، وَإِنْ كَانَ ضَخْمًا فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَحِيفًا وَزَادَتِ الضَّخَامَةُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ لَمَّا أَتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى جَمِيعَ سُؤْلِهِ

وَأَرَاحَهُ مِنْ غَمِّ أُمَّتِهِ، وَكَانَ حِكْمَتُهُ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بَعْضُ التَّابِعِينَ لِمَا قِيلَ لَهُ: مَا هَذَا السِّمَنُ؟ قَالَ: كُلَّمَا تَذَكَّرْتُ كَثْرَةَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَمَا اخْتَصَّهُمُ اللَّهُ بِهِ ازْدَدْتُ سِمَنًا. وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: كُلَّمَا تَذَكَّرْتُ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَإِنَّهُ أَهَّلَنِي لِلْإِيمَانِ وَالْإِيقَانِ زَادَ سِمَنِي. وَأَمَّا مَا وَرَدَ أَنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ السَّمِينَ ; فَمَحْمَلُهُ إِذَا نَشَأَ عَنْ غَفْلَةٍ وَكَثْرَةِ نِعْمَةٍ حِسِّيَّةٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ يُبْغِضُ اللَّحَّامِينَ، وَقِيلَ: مَا وُصِفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالسِّمَنِ، وَقِيلَ: الْفَخَامَةُ فِي وَجْهِهِ ; نُبْلُهُ وَامْتِلَاؤُهُ مَعَ الْجَمَالِ وَالْمَهَابَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَانَ مُعَظَّمًا فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَإِنْ كَانَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بُرَآءُ مِنَ التَّكَلُّفِ. (يَتَلَأْلَأُ) : أَيْ يَسْتَنِيرُ. (وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ) : وَبِالنَّصْبِ أَيْ لَمَعَانِهِ. (لَيْلَةَ الْبَدْرِ) : أَيْ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِطَهَ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ ; لِأَنَّ الْقَمَرَ فِيهَا فِي نِهَايَةِ إِضَائَتِهِ ثُمَّ تَشْبِيهُ بَعْضِ صِفَاتِهِ بِنَحْوِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِنَّمَا جَرَى عَلَى عَادَةِ الشُّعَرَاءِ وَالْعَرَبِ أَوْ عَلَى التَّقْرِيبِ وَالتَّمْثِيلِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ يُعَادِلُ شَيْئًا مِنْ أَوْصَافِهِ إِذْ هِيَ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ كُلِّ مَخْلُوقٍ، وَآثَرَ ابْنُ أَبِي هَالَةَ ذِكْرَ الْقَمَرِ ; لِأَنَّهُ يُتَمَكَّنُ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ وَيُؤْنِسُ مَنْ شَاهَدَهُ بِخِلَافِ الشَّمْسِ ; لِأَنَّهَا تُغْشِي الْبَصَرَ وَتُؤْذِيهِ، وَفِي الصِّحَاحِ سَمِّيَ بَدْرًا ; لِأَنَّهُ يَسْبِقُ طُلُوعُهُ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَإِنَّهُ يَبْدُرَهُ بِالطُّلُوعِ، انْتَهَى. وَقِيلَ الْبَدْرُ مَعْنَاهُ التَّمَامُ. (أَطْوَلَ) : بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ آخَرُ. (مِنَ الْمَرْبُوعِ) : أَيِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ مَا بَيْنَ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ يُقَالُ رَجُلٌ رَبْعَةٌ وَمَرْبُوعٌ، وَمَا سَبَقَ أَنَّهُ كَانَ رَبْعَةً مُؤَوَّلٌ بِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الْمَرْبُوعَاتِ أَوْ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ فِي بَادِئِ النَّظَرِ وَأَطْوَلُ مِنْهُ عِنْدَ إِمْعَانِ النَّظَرِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوَّلَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَالثَّانِي بِحَسَبِ الْوَاقِعَ، نَعَمْ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ إِذَا دَخَلَ بَيْنَ جَمَاعَةٍ طِوَالٍ كَانَ فِي نَظَرِ الْحَاضِرِينَ أَطَوَلَ مِنْهُمْ جَمِيعًا، كَمَا رَوَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُمَاشِيهِ مِنَ النَّاسِ إِلَّا طَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَرُبَّمَا اكْتَنَفَهُ الرَّجُلَانِ فَيَطُولُهُمَا فَإِذَا فَارَقَاهُ نُسِبَا إِلَى الطُّولِ وَنُسِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الرَّبْعَةِ، وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَطَاوَلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَّةِ صُورَةً كَمَا لَا يَتَطَاوَلُونَ عَلَيْهِ مَعْنًى. (وَأَقْصَرُ مِنَ الْمُشَذَّبِ) : عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ مِنَ التَّشْذِيبِ وَهُوَ الطَّوِيلُ الْبَائِنُ الطُّولِ مَعَ نَقْصٍ فِي لَحْمِهِ، وَأَصْلُهُ مِنَ النَّخْلَةِ الطَّوِيلَةِ الَّتِي شُذِّبَ عَنْهَا جَرِيدُهَا أَيْ قُطِعَ وَفُرِّقَ لِأَنَّ بِذَلِكَ تَطُولُ، كَذَا قِيلَ: وَالْمَعْنَى بَيَانُ طُولِهِ وَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْمُشَذَّبُ بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ طَوِيلٌ حَسَنُ الْجِسْمِ، وَفِي نُسْخَةٍ هِيَ أَصْلُ مِيرَكَ مِنَ الْمُتَشَذِّبِ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ

بَابِ التَّفَعُّلِ، قَالَ الْعِصَامُ: وَلَمْ نَجِدْهُ فِي اللُّغَةِ قُلْتُ: مُطَاوَعَةُ التَّفَعُّلِ لِلتَّفْعِيلِ قِيَاسٌ كَالتَّنْبِيهِ وَالتَّنَبُّهِ وَالتَّذْكِيرِ وَالتَّذَكُّرِ وَغَيْرِهِمَا فَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ بِمَعْنَى لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ.

ص: 34

(عَظِيمَ الْهَامَةِ) : بِالنَّصْبِ وَهِيَ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ ; الرَّأْسُ وَجَمْعُهَا الْهَامُ، وَقَالَ فِي الْمُهَذَّبِ: الْهَامَةُ وَسَطَ الرَّأْسِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأُولَى هُوَ الْمُرَادُ هُنَا ثُمَّ الْهَامُ وَالْهَامَةُ مِثْلُ التَّمْرِ وَالتَّمْرَةِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ عَيْنَهُ وَاوٌ وَشَذَّ الْجَوْهَرِيُّ فَذَكَرَهُ فِي الْهَاءِ وَالْيَاءِ. (رَجِلُ الشَّعْرِ) : بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِهَا، وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِهَا ; أَيْ كَانَ فِي شَعْرِهِ جُعُودَةٌ وَتَثَنٍّ وَفِيهِ تَجْرِيدٌ. (إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ) : أَيْ شَعْرُ رَأْسِهِ، وَالْعَقِيقَةُ فِي الْحَقِيقَةِ الشَّعْرُ الَّذِي يُوَلَدُ عَلَيْهِ الْمَوْلُودِ قَبْلَ أَنْ يُحْلَقَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، فَإِذَا حُلِقَ وَنَبَتَ ثَانِيًا فَقَدْ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْعَقِيقَةِ، وَرُبَّمَا سُمِّيَ الشَّعْرُ عَقِيقَةً بَعْدَ الْحَلْقِ أَيْضًا عَلَى الْمَجَازِ لِأَنَّهُ مِنْهَا وَنَبَاتُهُ مِنْ نَبَاتِهَا، وَبِذَلِكَ جَاءَ الْحَدِيثُ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ شَعْرُهُ بَاقِيًا مِنْ حِينِ وِلَادَتِهِ فَإِنَّهُ مُسْتَبْعَدٌ جِدًّا فِي الْعَادَةِ، فَإِنَّ عَادَتَهُمْ حَلْقُ شَعْرِ الْمَوْلُودِ فِي السَّابِعِ وَكَذَا ذَبْحُ الْغَنَمِ وَإِطْعَامُ الْفُقَرَاءِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ مِنَ الْكَرَامَاتِ الْإِلَهِيَّةِ لِئَلَّا يُذْبَحَ بِاسْمِ الْآلِهَةِ الصِّنَاعِيَّةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ أَنْ يَعُقَّ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ، لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَا اعْتَبَرَ عَقِيقَتَهُمْ لِكَوْنِهَا عَلَى اسْمِ غَيْرِهِ سُبْحَانَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: عَقِيصَتُهُ بِالصَّادِّ الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ الْقَافِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ الْخَصْلَةُ إِذَا لُوِيَتْ وَضُفِّرَتْ فَالْمُرَادُ شَعْرُهُ الْمَعْقُوصُ، قِيلَ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَوْلَى وَالِانْفِرَاقُ مُطَاوِعٌ بِهِ التَّفْرِيقُ وَالْفَرْقُ، وَالثَّانِي أَنْسَبُ بِقَوْلِهِ:(فَرَقَ) : بِالتَّخْفِيفِ، يُقَالُ: فَرَقَ شَعْرَهُ أَيْ أَلْقَاهُ إِلَى جَانِبَيْ رَأْسِهِ فَانْفَرَقَ أَيْ صَارَ مُتَفَرِّقًا، وَالْمَعْنَى إِذَا انْفَرَقَتْ وَانْشَقَّتْ بِنَفْسِهَا مِنَ الْمَفْرِقِ فَرَّقَهَا أَيْ أَبْقَاهَا عَلَى انْفِرَاقِهَا. (وَإِلَّا) : أَيْ وَإِنْ لَمْ تَنْفَرِقْ بِنَفْسِهَا. (فَلَا) : أَيْ فَلَا يُفَرِّقُهَا بَلْ يَتْرُكُهَا مَعْقُوصَةً، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ بِقَوْلِهِ:(يُجَاوِزُ) : أَيْ أَحْيَانًا. (شَعْرُهُ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتُسَكَّنُ. (شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ) : بِضَمِّ الذَّالِ وَسُكُونِهَا. (إِذَا) : ظَرْفٌ لِيُجَاوِزَ. (هُوَ) : أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. (وَفَّرَهُ) : بِالتَّشْدِيدِ أَيْ جَعَلَ شَعْرَهُ وَافِرًا وَأَعْفَاهُ مِنَ الْفَرْقِ، وَفِي التَّاجِ: أَيْ فَتَحَهُ، وَقِيلَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ يُجَاوِزُ مَدْخُولَ النَّفْيِ أَيْ إِنِ انْفَرَقَ شَعْرُهُ بَعْدَ مَا عَقَصَهُ فَرَقَ أَيْ تَرَكَ كُلَّ شَيْءٍ

مِنْ مَنْبَتِهِ وَإِلَّا يَنْفَرِقَ بَلِ اسْتَمَرَّ مَعْقُوصًا كَانَ مَوْضِعُهُ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ فَلَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِذَا هُوَ وَفَّرَهُ أَيْ جَمَعَهُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ، وَفِي مُسْلِمٍ نَحْوُهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسْدِلُ شَعْرَهُ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يُسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ يُحِبُّ مُوَافِقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَسَدْلُ الشَّعْرِ إِرْسَالُهُ، وَالْمُرَادُ هُنَا إِرْسَالُهُ عَلَى الْجَبِينِ وَاتِّخَاذُهُ كَالْقُصَّةِ، وَأَمَّا فَرْقُهُ فَهُوَ فَرْقُ بَعْضِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَيَجُوزُ الْفَرْقُ وَالسَّدْلُ لَكِنَّ الْفَرْقَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. (أَزْهَرَ اللَّوْنِ) : بِالنَّصْبِ أَيْ أَبْيَضَهُ بَيَاضًا

ص: 35

نَيِّرًا مُشْرَبًا بِحُمْرَةٍ، فَفِي الْقَامُوسِ: الزَّهْرَةُ ; بَيَاضٌ وَحُسْنٌ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَحْسَنَ اللَّوْنِ، وَأَزْهَرُ اسْمُ تَفْضِيلٍ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ مُتَلَأْلِئُ اللَّوْنِ، وَفِي الْمُهَذَّبِ: الْأَزْهَرُ الْأَبْيَضُ الْمُسْتَنِيرُ، قَالَ الْعِصَامُ: اللَّوْنُ مُسْتَدْرَكٌ وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَوْ أُطْلِقَ لَأَمْكَنَ أَنْ يُصْرَفَ إِلَى السِّنِّ وَنَحْوِهِ. (وَاسِعَ الْجَبِينِ) : أَيْ وَاضِحُهُ وَمُمْتَدُّهُ طُولًا وَعَرْضًا وَهِيَ بِمَعْنَى الصَّلْتِ الْجَبِينِ فِي رِوَايَةٍ وَعَظِيمِ الْجَبْهَةِ، وَقِيلَ: كِنَايَةٌ عَنْ طَلَاقَةِ الْوَجْهِ، وَالْجَبِينُ فَوْقَ الصُّدْغِ وَهُمَا جَبِينَانِ عَنْ يَمِينِ الْجَبْهَةِ وَشَمَالًا. (أَزَجَّ الْحَوَاجِبِ) : الزَّجَجُ تُقَوُّسٌ فِي الْحَاجِبِ مَعَ طُولٍ فِي طَرَفِهِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، وَفِي الصِّحَاحِ: دِقَّةُ الْحَاجِبَيْنِ بِالطُّولِ، وَفِي الْأَسَاسِ: الدِّقَّةُ وَالِاسْتِقْوَاسُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ ثُمَّ الْحَاجِبُ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى السَّاتِرِ، وَالْمَانِعُ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ السَّاتِرُ مَا تَحْتَهُ مِنَ الْبَشَرَةِ، وَجُمِعَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّثْنِيَةَ جَمْعٌ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ الْآتِي " بَيْنَهُمَا عَرْقٌ " أَوْ لِلْمُبَالَغَةِ فِي طُولِهِ كَأَنَ كُلَّ قِطْعَةٍ مِنْ حَاجِبَيْهِ حَاجِبٌ وَيُنَاسِبُهُ وَصْفُهُ بِالسُّبُوغِ بِقَوْلِهِ:(سَوَابِغَ) : أَيْ كَوَامِلَ، وَهُوَ حَالٌ مِنَ الْحَوَاجِبِ ; لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى فَاعِلٌ، أَيْ دَقَّتْ وَتَقَوَّسَتْ حَالَ كَوْنِهَا سَوَابِغَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَدْحِ، وَقِيلَ: مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفٌ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ أَنَّهُ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ لِكَانَ إِذْ لَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ عَنْ مُفْرِدٍ مُذَكَّرٍ بِجَمْعٍ مُؤَنَّثٍ فِيهِ ضَمِيرٌ رَاجِعٌ إِلَى ذَلِكَ الْمُفْرَدِ، وَأَغْرَبَ مَنْ قَالَ أَنَّهُ وَصْفٌ لِلْحَوَاجِبِ فَإِنَّهُ كَالنَّكِرَةِ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَصْفُ ذِي اللَّامِ الْمُنَكَّرِ فِي الْمَعْنَى بِمُفْرَدٍ

يَصِحُّ دُخُولُ اللَّامِ عَلَيْهِ بِدُونِ اللَّامِ اتِّفَاقًا. (فِي غَيْرِ قَرَنٍ) : بِالتَّحْرِيكِ مَصْدَرُ قَوْلِكِ رَجُلٌ أَقْرَنُ أَيْ مَقْرُونُ الْحَاجِبَيْنِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ حَاجِبَيْهِ قَدْ سَبَغَا حَتَّى كَادَا يَلْتَقِيَانِ وَلَمْ يَلْتَقِيَا، وَالْقَرَنُ غَيْرُ مَحْمُودٌ عِنْدَ الْعَرَبِ وَيَسْتَحِبُّونَ الْبَلَجَ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي صِفَتِهِ صلى الله عليه وسلم بِخِلَافِ مَا رَوَتْهُ أُمُّ مَعْبَدٍ حَيْثُ قَالَتْ فِي صِفَتِهِ:" أَزُجُّ أَقْرَنُ "، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ رِوَايَتِهَا بِأَنْ يُقَالَ: كَانَ بَيْنَ حَاجِبَيْهِ فُرْجَةٌ دَقِيقَةٌ لَا تَتَبَيَّنُ إِلَّا لِمُتَأَمِّلٍ فَهُوَ غَيْرُ أَقْرَنَ فِي الْوَاقِعِ وَإِنْ كَانَ أَقْرَنَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، فَكَأَنَّهُ جَمَعَ مِنْ لَطَافَةِ الْعَرَبِ وَظَرَافَةِ الْعَجَمِ صلى الله عليه وسلم، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ غَيْرِ قَرَنٍ فَفِي بِمَعْنَى مِنْ وَغَيْرُ بِمَعْنَى لَا ; أَيْ بِلَا قَرَنٍ وَهُوَ حَالٌ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ مُتَدَاخِلًا. وَقَوْلُهُ:(بَيْنَهُمَا عِرْقٌ) : وَارِدٌ عَلَى الْمَعْنَى لِأَنَّ الْحَوَاجِبَ فِي مَعْنَى الْحَاجِبَيْنِ وَهُوَ أَيْضًا حَالٌ مِنَ الْحَاجِبِ، وَيَجُوزُ فِي الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ تَرْكُ الْوَاوِ، وَالْعِرْقُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَهُوَ أَجْوَفُ يَكُونُ فِيهِ الدَّمُ وَالْعَصَبُ غَيْرُ أَجْوَفَ. (يُدِرُّهُ

ص: 36

الْغَضَبُ) : مِنَ الْإِدْرَارِ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ أَيْ يَجْعَلُهُ الْغَضَبُ مُمْتَلِئًا، قَالَ مِيرَكُ: وَصَحَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ يَدُرُّهُ مِنْ حَدِّ نَصَرَ مُتَعَدِّيًا، انْتَهَى. وَيُقَالُ دَرَّ اللَّبَنُ، وَمِنَ الْمَجَازِ: دَرَّتِ الْعُرُوقُ امْتَلَأَتْ يَعْنِي كَانَ بَيْنَ حَاجِبَيْهِ عِرْقٌ يَمْتَلِئُ دَمًا إِذَا غَضِبَ كَمَا يَمْتَلِئُ الضَّرْعُ لَبَنًا إِذَا دَرَّ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي الْفَائِقِ يُقَالُ: فِي وَجْهِهِ عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ أَيْ يُحَرِّكُهُ وَيُظْهِرُهُ وَهَذَا أَظْهَرُ لِمَعْنَى الْإِدْرَارِ. (أَقْنَى الْعِرْنِينِ) : بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ طَوِيلُ الْأَنْفِ، وَقِيلَ رَأْسُهُ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا فِي رِوَايَةِ " أَقْنَى الْأَنْفِ "، وَالْقَنَأُ طُولُ الْأَنْفِ وَدِقَّةُ أَرْنَبَتِهِ وَحَدَبٌ فِي وَسَطِهِ، فَفِي الْإِضَافَةِ تَجْرِيدٌ أَوْ مُبَالَغَةٌ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَفْعَلَ الصِّفَةِ قَدْ يَجِيءُ لِغَيْرِ اللَّوْنِ وَالْعَيْبِ خِلَافًا لِبَعْضِ النُّحَاةِ. (لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ) : الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَيْنِ رَاجِعَانِ إِلَى الْعِرْنِينِ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ مِنْ تَتِمَّاتِ صِفَاتِ الْأَنْفِ، وَقِيلَ الضَّمِيرُ فِي " لَهُ " عَائِدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ أَنَّهُ يَعُودُ إِلَى " أَقْنَى ". (يَحْسَبُهُ) : بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا أَيْ يَظُنُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.

(مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ) : أَيْ قَبْلَ التَّأَمُّلِ. (فِيهِ) : أَيْ فِي وَجْهِهِ وَأَنْفِهِ صلى الله عليه وسلم. (أَشَمَّ) : مَفْعُولٌ ثَانٍ لِيَحْسَبُ، وَالشَّمَمُ ارْتِفَاعُ الْقَصَبَةِ مَعَ اسْتِوَاءِ أَعْلَاهَا وَإِشْرَافُ الْأَرْنَبَةِ قَلِيلًا، وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ لِحُسْنٍ قَنَاهُ وَلِنُورٍ عَلَاهُ بِحَيْثُ يَمْنَعُ النَّاظِرَ مِنَ التَّفَكُّرِ فِيهِ وَلَوْ أَمْعَنَ النَّظَرَ حَكَمَ بِأَنَّهُ لَيْسَ أَشَمَّ، وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ مُبَيِّنٌ. (كَثَّ اللِّحْيَةِ) : بِتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ غَلِيظُهَا، وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ كَثِيفَ اللِّحْيَةِ، وَفِي أُخْرَى عَظِيمَ اللِّحْيَةِ ذَكَرَهُ مِيرَكُ، فَمَا فِي شَرْحِ ابْنِ حَجَرِ وَغَيْرِهِ أَيْ غَيْرُ دَقِيقِهَا وَلَا طَوِيلِهَا يُنَافِي الرِّوَايَةَ وَالدِّرَايَةَ ; لِأَنَّ الطُّولَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ مَعَ أَنَّ عِظَمِ اللِّحْيَةِ بِلَا طُولٍ غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ عُرْفًا، فَإِنْ كَانَ الطُّولُ الزَّائِدُ بِأَنْ تَكُونَ زِيَادَةً عَلَى الْقَبْضَةِ فَغَيْرُ مَمْدُوحٌ شَرْعًا. (سَهْلَ الْخَدَّيْنِ) : أَيْ سَائِلَ الْخَدَّيْنِ غَيْرَ مُرْتَفِعِ الْوَجْنَتَيْنِ، وَرَوَى الْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ: كَانَ أَسِيلَ الْخَدَّيْنِ وَهُوَ بِمَعْنَى مَا تَقَرَّرَ. (ضَلِيعَ الْفَمِ) : أَيْ عَظِيمَهُ، وَقِيلَ وَاسِعَهُ، وَهُوَ يُحْمَدُ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَالضَّلِيعُ فِي الْأَصْلِ الَّذِي عَظُمَتْ أَضْلَاعُهُ وَوَفُرَتْ فَاتَّسَعَ جَنْبَاهُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي مَوْضِعِ الْعَظِيمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ أَضْلَاعٌ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى قُوَّةِ فَصَاحَتِهِ وَسِعَةِ بَلَاغَتِهِ، وَقَالَ شِمْرٌ: أَرَادَ عَظِيمَ الْأَسْنَانَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ شِدَّةُ الْأَسْنَانِ وَكَوْنُهَا تَامَّةً. (مُفَلَّجَ الْأَسْنَانِ) : بِصِيغَةِ

ص: 37

الْمَفْعُولِ مِنَ التَّفْلِيجِ بِالْفَاءِ وَالْجِيمِ أَيْ مُنْفَرِجَهَا، وَهُوَ خِلَافُ مُتَرَاصِّ الْأَسْنَانِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَيُرْوَى: أَفْلَجَ الْأَسْنَانَ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ كَانَ أَفْلَجَ الثَّنِيَّتَيْنِ، وَلَعَلَّهُ أَخْبَرَ كُلٌّ بِمَا رَآهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا سِوَاهُ، وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّغْلِيبِ أَوْ مُطْلَقٌ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَشْنَبُ وَالشَّنَبُ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ بَعْدَهُ مُوَحَّدَةٌ رِقَّةُ الْأَسْنَانِ وَمَاؤُهَا وَرَوْنَقُهَا، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ سَعْدٍ: مُبْلِجَ الثَّنَايَا بِالْمُوَحَّدَةِ، وَفِي أُخْرَى لِابْنِ عَسَاكِرَ: بَرَّاقُ الثَّنَايَا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ مِنْ دَلْوٍ فَصُبَّ فِي بِئْرٍ فَفَاحَ مِنْهَا مِثْلُ رَائِحَةِ الْمِسْكِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ: أَنَّهُ بَزَقَ فِي بِئْرٍ بِدَارِ أَنَسٍ فَلَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ بِئْرٌ أَعْذَبَ مِنْهَا، وَالْبَيْهَقِيُّ: أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَتْفُلُ فِي أَفْوَاهِ رُضَعَائِهِ رُضَعَاءِ بِنْتِهِ فَاطِمَةَ وَيَقُولُ: " لَا يُرْضَعُونَ إِلَى اللَّيْلِ " فَكَانَ رِيقُهُ يُجْزِيهِمْ، وَالطَّبَرَانِيُّ: أَنَّ نِسْوَةً مَضَغْنَ قَدِيدَةً مَضَغَهَا فَمُتْنَ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَفْوَاهِهِنَّ خَلُوفٌ، وَأَنَّهُ مَسَحَ بِيَدِهِ وَبِهَا

رِيقُهُ ظَهْرَ عُتْبَةَ وَبَطْنَهُ فَلَمْ يُشَمَّ أَطْيَبَ مِنْهُ رَائِحَةً، وَابْنُ عَسَاكِرَ: أَنَّ الْحَسَنَ اشْتَدَّ ظَمَؤُهُ فَأَعْطَاهُ لِسَانَهُ فَمَصَّهُ حَتَّى رَوِيَ، وَبَصَقَ يَوْمَ خَيْبَرَ بِعَيْنَيْ عَلِيٍّ وَبِهِمَا رَمَدٌ فَبَرِئَ. (دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ) : بِضَمِّ الرَّاءِ ; الشَّعْرُ الْمُسْتَدَقُّ مَا بَيْنَ اللَّبَةِ إِلَى السُّرَّةِ، وَوَصْفُهَا بِالدِّقَّةِ لِلْمُبَالَغَةِ أَوْ عَلَى التَّجْرِيدِ، وَأَمَّا بِفَتْحِهَا فَوَاحِدَةُ الْمَسَارِبِ وَهِيَ الْمَرَاعِي. (كَأَنَّ) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ. (عُنُقَهُ) : بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ. (جِيدُ دُمْيَةٍ) : بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ رَقَبَتُهُ صُورَةٌ مُصَوَّرَةٌ مِنْ عَاجٍ وَنَحْوِهِ، وَالْجِيدُ بِكَسْرِ الْجِيمِ بِمَعْنَى الْعُنُقِ، وَغَايَرَ بَيْنَهُمَا كَرَاهَةَ التَّكْرَارِ اللَّفْظِيِّ وَإِرَادَةَ التَّفَنُّنِ الْمَعْنَوِيِّ، وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ أَنَّ طُولَ عُنُقِهِ فِي غَايَةِ الِاعْتِدَالِ وَكَيْفِيَّةَ هَيْئَتِهِ مِنْ نِهَايَةِ الْجَمَالِ، إِذِ الْغَالِبُ تَشْبِيهُ الْأَشْكَالِ وَالْهَيْئَاتِ بِالصُّورَةِ، وَإِيرَادُ الْمُبَالَغَةِ فِي الْحُسْنِ وَالْبَهَاءِ لِأَنَّهَا يُتَأَنَّقُ فِي صِفَتِهَا وَيُبَالَغُ فِي تَحْسِينِهَا. (فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ) : قِيلَ: صِفَةٌ لِدُمْيَةٍ أَوْ لِجِيدِ دُمْيَةٍ أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ لِكَانَ عُنُقُهُ وَهُوَ الْأَوْلَى وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى بَيَاضِ عُنُقِهِ الَّذِي يَبْرُزُ لِلشَّمْسِ الْمُسْتَلْزِمِ أَنَّ سَائِرَ أَعْضَائِهِ أَوْلَى وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ بَيَاضَهُ كَانَ فِي غَايَةِ الصَّفَاءِ لَا أَنْ بَيَاضَهُ كَرِيهُ اللَّوْنِ كَلَوْنِ الْجَصِّ وَهُوَ الْأَبْيَضُ الْأَمْهَقُ. (مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ) :

ص: 38

بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ كَانَتْ أَعْضَاؤُهُ مُتَنَاسِبَةً غَيْرَ مُتَنَافِرَةٍ وَكَأَنَّهُ إِجْمَالٌ بَعْدَ تَفْصِيلٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا سَبَقَ، وَإِجْمَالٌ قَبْلَ التَّفْصِيلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا لَحِقَ، وَإِنْكَارُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ الْعِظَامِ مُكَابَرَةٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: مُعْتَدِلُ الْخَلْقِ فِي جَمِيعِ أَوْصَافِ ذَاتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ حَمَاهُ خَلْقًا وَشَرِيعَةً وَأُمَّةً مِنْ غَائِلَتَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ يُوهِمُ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَاللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْخَلْقِ الْمَخْلُوقَاتِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ: عَالِمُ الْقَوْمِ هَذَا، وَقَدْ قَالَ مِيرَكُ: هَذِهِ الْفِقْرَةُ صُحِّحَتْ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ مَعًا، فَالنَّصْبُ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ لِكَانَ السَّابِقِ أَوِ الْمَحْذُوفِ كَالْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ، وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ

خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ هُوَ هُوَ وَالْجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةٌ، انْتَهَى. وَالنَّصْبُ أَظْهَرُ. (بَادِنٌ مُتَمَاسِكٌ) : قَالَ الْحَنَفِيُّ: قَوْلُهُ: " بَادِنٌ " رِوَايَتُنَا إِلَى هُنَا بِالنَّصْبِ وَمِنْهُ إِلَى آخَرِ الْحَدِيثِ بِالرَّفْعِ، وَقَالَ مِيرَكُ: الصَّحِيحُ فِي أُصُولِ مَشَايِخِنَا " بَادِنٌ مُتَمَاسِكٌ " بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةٌ أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ لِكَانَ، وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ:" بَادِنٌ مُتَمَاسِكٌ " مَنْصُوبًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى السِّيَاقِ، وَيُكْتَفَى بِحَرَكَةِ النَّصْبِ عَلَى الْأَلِفِ كَمَا هُوَ رَسْمُ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي كُتُبِهِمُ الْمَنْصُوبَاتِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ نَقْلًا عَنِ الشَّمَايِلِ " بَادِنًا مُتَمَاسِكًا " بِالْأَلِفِ وَكَذَا فِي الْفَائِقِ وَكَذَا فِي الشِّفَاءِ لِلْقَاضِي عِيَاضٍ كُتِبَ بِالْأَلِفِ أَيْضًا، وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْغَرَضَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْجُمَلِ الْوَاقِعَةِ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ لَكِنْ لَا يَسْتَقِيمُ النَّصْبُ فِي بَعْضِ الْجُمَلِ كَقَوْلِهِ:" سَوَاءٌ الْبَطْنُ وَالصَّدْرُ "، وَقَوْلِهِ:" نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ "، وَقَوْلِهِ:" جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ " فَتَأَمَّلْ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَقْلَ جَامِعِ الْأُصُولِ إِنَّمَا هُوَ بِالْمَعْنَى وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رِوَايَتُهُ بِالنَّصْبِ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ النَّصْبِ هَاهُنَا لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْجُمَلِ عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ قَوْلُهُ:" بَادِنٌ " اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ بَدَنَ بِمَعْنَى ضَخُمَ، وَالضَّخَامَةُ قَدْ تَكُونُ بِعِظَمِ الْأَعْضَاءِ وَقَدْ تَحْصُلُ بِالسِّمَنِ، وَلَمَّا لَمْ يُوصَفْ صلى الله عليه وسلم بِالسِّمَنِ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: الْمُرَادُ بِهِ عِظَمُ الْأَعْضَاءِ، وَأَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ:" مُتَمَاسِكٌ " وَهُوَ الَّذِي يُمْسِكُ بَعْضُ أَعْضَائِهِ بَعْضًا لُيُعْلَمَ أَنَّ عِظَمِ أَعْضَائِهِ لَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ حَدِّ الِاعْتِدَالِ، وَقِيلَ: الْمُتَمَاسِكُ هُوَ الْمُكْتَنِزُ اللَّحْمِ غَيْرُ سَهْلٍ وَلَا مُسْتَرْخٍ كَأَنَّ سِمَنَهُ اسْتَمْسَكَ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبَادِنِ السَّمِينَ، وَأَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ:" مُتَمَاسِكٌ " لِنَفْيِ الِاسْتِرْخَاءِ الْمَذْمُومِ عِنْدَ الْعَرَبِ الْمَكْرُوهُ فِي الْمَنْظَرِ أَيْ فَهُوَ مُعْتَدِلُ الْخَلْقِ بَيْنَ السِّمَنِ وَالنَّحَافَةِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَالْخِلَافُ فِي أَنَّهُ سَمِنَ أَوْ مَا سَمِنَ لَفْظِيٌّ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْبَادِنَ فَسَّرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِذِي لَحْمٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ أَوْ تَذْيِيلٌ وَتَتْمِيمٌ. (سَوَاءٌ الْبَطْنُ وَالصَّدْرُ) : صِفَةُ " بَادِنٍ " أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، قَالَ مِيرَكُ: صُحِّحَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا وَأَكْثَرُ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَالْمُصَحِّحَةِ سَوَاءٌ بِالرَّفْعِ مُنَوَّنًا وَالْبَطْنُ وَالصَّدْرُ بِالرَّفْعِ فِيهِمَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ عِوَضًا عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ أَيْ سَوَاءٌ بَطْنُهُ وَصَدْرُهُ، انْتَهَى. وَنَظِيرُهُ (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) فَيَصِيرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:(سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ)، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِتَقْدِيرِ مِنْهُ نَحْوُ السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ أَيْ مِنْهُ فَيَصِيرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:(سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي) فَانْدَفَعَ مَا قَالَ الْعِصَامُ: أَنَّ الْبَطْنَ وَالصَّدْرَ مَرْفُوعَانِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ دُونَ الِابْتِدَاءِ لَكِنْ يَلْزَمُ كَوْنُ التَّرْكِيبِ

قَبِيحًا لِخُلُوِّهِ عَنْ ضَمِيرِ الْمَوْصُوفِ كَمَا عُلِمَ فِي مَسَائِلِ الْحَسَنِ الْوَجْهَ فَالتَّعْوِيلُ عَلَى الْإِضَافَةِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْفَائِقِ، نَعَمْ لَوْ نَصَبَ الْبَطْنَ لَكَانَ أَحْسَنَ وَبِالْجُمْلَةِ سَوَاءٌ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَجَاءَ فِي سَوَاءٍ كَسْرُ السِّينِ وَالْفَتْحُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ. قُلْتُ وَالرِّوَايَةُ بِالْفَتْحِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا مُسْتَوَيَانِ لَا يَنْبُو أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ، وَسَوَاءُ الشَّيْءِ وَسَطُهُ لِاسْتِوَاءِ الْمَسَافَةِ إِلَيْهِ مِنَ الْأَطْرَافِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِرَفْعِ سَوَاءٍ غَيْرِ مُنَوَّنٍ وَخَفْضِ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْفَائِقِ: سَوَاءٌ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ بِمَعْنَى الِاسْتِوَاءِ يُوصَفُ بِهِ كَمَا يُوصَفُ بِالْمَصَادِرِ، فَهُوَ هَاهُنَا بِمَعْنَى مُسْتَوٍ أُضِيفَ إِلَى الْبَطْنِ وَفِيهِ ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى الْمُبْتَدَأِ وَالْمَعْنَى أَنَّ صَدْرَهُ

ص: 39

وَبَطْنَهُ لَا يَزِيدُ عَلَى صَدْرِهِ، وَصَدْرُهُ لَا يَزِيدُ عَلَى بَطْنِهِ، انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّ بَطْنَهُ ضَامِرٌ فَهُوَ مُسَاوٍ لِصَدْرِهِ وَصَدْرُهُ عَرِيضٌ فَهُوَ مُسَاوٍ لِبَطْنِهِ. فَقَوْلُهُ:(عَرِيضُ الصَّدْرِ) : كَالْمُؤَكِّدِ لِمَا قَبْلَهُ، وَكَوْنُ الصَّدْرِ عَرِيضًا مِمَّا يُمْدَحُ فِي الرِّجَالِ. (بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ) : سَبَقَ مَعْنَاهُمَا. (أَنْوَرُ الْمُتَجَرَّدِ) : بِفَتْحِ الرَّاءِ مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ، وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ وَهُوَ مَا جُرِّدَ عَنْهُ الثَّوْبُ مِنَ الْبَدَنِ، يُقَالُ: فُلَانٌ حَسَنُ الْجُرْدَةِ، وَالْمُجَرَّدُ وَالْمُتَجَرَّدَةُ وَالتَّجْرِيدُ التَّعْرِيَةُ عَنِ الثَّوْبِ، وَالْمُتَجَرَّدُ الْمُعَرَّى كَقَوْلِهِمْ حَسَنُ الْعُرْيَةِ وَالْمُعَرَّى وَهُمَا بِمَعْنًى، وَالْمَعْنَى أَنَّ عُضْوَهُ الَّذِي سَتَرَهُ الثَّوْبُ كَانَ أَنْوَرَ إِذَا صَارَ مَكْشُوفًا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَنْوَرِ النَّيِّرُ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) ، وَالنَّيِّرُ الْأَبْيَضُ الْمُشْرِقُ فَإِنَّ اسْمَ التَّفْضِيلِ لَا يُضَافُ إِلَى الْمُفْرَدِ الْمَعْرِفَةِ، قَالَ الْحَنَفِيُّ: رُوِيَ الْمُتَجَرِّدُ بِكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ التَّجَرُّدِ مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ أَيِ الْعُضْوُ الَّذِي كَانَ عَارِيًا عَنِ الثَّوْبِ وَبِفَتْحِهَا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ اسْمُ مَكَانٍ مِنْهُ أَيِ الْعُضْوُ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ التَّجَرُّدِ عَنِ الثَّوْبِ وَمَآلُهُمَا وَاحِدٌ، وَقَالَ الْعِصَامُ: رُوِيَ الْمُتَجَرَّدُ مَفْتُوحُ الرَّاءِ وَمَكْسُورُهُ فَفِي الْقَامُوسِ: امْرَأَةٌ بَضَّةُ الْجُرْدَةِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْمُتَجَرَّدِ أَيْ بَضَّةٌ عِنْدَ التَّجَرُّدِ، وَالْمُتَجَرَّدُ مَصْدَرٌ فَإِنْ كَسَرْتَ الرَّاءَ أَرَدْتَ الْجِسْمَ، انْتَهَى. وَلَيْسَ كَسْرُ الرَّاءِ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ، وَأَغْرَبَ الْحَنَفِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي حَاشِيَةِ شَرْحَهِ: وَمِنْهُمْ مَنْ قَصَرَ عَلَى الْفَتْحِ، وَيُوَافِقُهُ الْأُصُولُ الْمُعْتَمَدَةُ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ. (مَوْصُولُ مَا بَيْنَ اللَّبَةِ) : بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ النُّقْرَةُ الَّتِي فَوْقَ الصَّدْرِ. (وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ) : مُتَعَلِّقٌ بِمَوْصُولِ الْمُضَافِ إِلَى مَعْمُولِهِ إِضَافَةَ الْوَصْفِ وَالْمَعْنَى، وُصِلَ مَا بَيْنَ لَبَّتِهِ وَسُرَّتِهِ بِشَعْرٍ، وَمَا إِمَّا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ. (يَجْرِي) : أَيْ يَمْتَدُّ ذَلِكَ الشَّعْرُ. (كَالْخَلْطِ) : أَيْ طُولًا وَرِقَّةً وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ كَالْخَلِيطِ وَالْأَوَّلُ أَبْلَغُ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ الْأَشْعَارَ مُشَبَّهَةٌ بِالْحُرُوفِ وَهَذَا الشَّعْرُ مَعْنَى هُوَ دَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ

(عَارِي الثَّدْيَيْنِ) : بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ. (وَالْبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ) : قَالَ الْحَنَفِيُّ. إِشَارَةٌ إِلَى مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ، وَالظَّاهُرُ أَنْ يُقَالَ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ الشَّعْرِ أَوِ الْخَطِّ، وَالْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ عَلَى ثَدْيَيْهِ وَبَطْنِهِ شَعْرٌ غَيْرُ مَسْرُبَتِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ سَعْدٍ: لَهُ شَعْرٌ مِنْ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ يَجْرِي كَالْقَضِيبِ لَيْسَ فِي بَطْنِهِ وَلَا

ص: 40

صَدْرِهِ شَعْرٌ غَيْرُهُ. وَفِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ: " عَارِي الثَّدْيَيْنِ " أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا شَعْرٌ، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا لَحْمٌ فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي صِفَتِهِ أَشْعَرُ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وَأَعْلَى الصَّدْرِ، انْتَهَى. وَفِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى قِيلَ وَلَمْ يَكُنْ تَحْتَ إِبِطَيْهِ شَعْرٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَنْتِفُ شَعْرَ إِبِطَيْهِ، وَلَعَلَّ النَّفْيَ مُنْصَبٌّ عَلَى كَثْرَةِ شَعْرِهِ. (أَشْعَرُ الذِّرَاعَيْنِ) : وَهُوَ بِكَسْرِ الذَّالِ مِنَ الْمِرْفَقِ إِلَى الْأَصَابِعِ. (وَالْمَنْكِبَيْنِ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْكَافِ مُجْتَمَعُ رَأَسِ الْكَتِفِ وَالْعَضُدِ. . (وَأَعَالِي الصَّدْرِ) : أَيْ أَنَّ شَعْرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ غَزِيرٌ كَثِيرٌ وَالْأَشْعَرُ ضِدُّ الْأَجْرَدِ وَهُوَ أَفْعَلُ صِفَةٌ لَا أَفْعَلُ تَفْضِيلٌ، وَفِي الْقَامُوسِ: وَالْأَشْعَرُ كَثِيرُ الشَّعْرِ وَطَوِيلُهُ، وَفِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ أَيْ كَثِيرُهُ وَقِيلَ طَوِيلُهُ وَالْمَقَامُ يَحْتَمِلُهُمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (طَوِيلُ الزَّنْدَيْنِ) : بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ النُّونِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ مَا انْحَسَرَ عَنْهُ اللَّحْمُ مِنَ الذِّرَاعِ عَلَى مَا فِي الْفَائِقِ، وَفِي الْمُغْرِبِ: هُمَا طَرَفَا عَظْمِ السَّاعِدَيْنِ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْكُوعُ بِالضَّمِّ طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ، وَالْكَاعُ طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْخِنْصِرَ وَهُوَ الْكُرْسُوعُ. (رَحْبُ الرَّاحَةِ) : أَيْ وَاسِعُ الْكَفِّ حِسًّا وَمَعْنًى وَالرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ الضَّمُّ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى السِّعَةِ، قِيلَ: رَحْبُ الرَّاحَةِ دَلِيلُ الْجُودِ وَضِيقُهَا دَلِيلُ الْبُخْلِ. (شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ) : سَبَقَ مَعْنَاهُ. (سَائِلُ الْأَطْرَافِ) : بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِهَمْزٍ مَكْسُورٍ بَعْدَ أَلْفٍ وَفِي آخِرِهِ لَامٌ، وَقَوْلُ الْحَنَفِيِّ: بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْيَاءِ آخِرُ الْحُرُوفِ ; مُوهِمٌ وَمُرَادُهُ الْأَصْلُ، وَفَسَّرَهُ الشِّفَاءُ بِالطَّوِيلِ الْأَصَابِعِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ امْتِدَادُ الْيَدَيْنِ وَارْتِفَاعُ الْأَصَابِعِ لَكِنْ مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ وَبِالنُّونِ وَهُوَ لُغَةٌ فِي سَائِلٍ كَجِبْرِيلَ وَجِبْرِينَ. (أَوْ قَالَ) : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي أَيْ قَالَ ابْنُ أَبِي هَالَةَ أَوِ الْحَسَنُ أَوْ مَنْ دُونَهُمَا مِنْ مَشَايِخِ الرَّاوِي. (شَائِلُ الْأَطْرَافِ) : بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ يَئُولُ إِلَى

ارْتِفَاعِ الْأَصَابِعِ وَهُوَ ضِدُّ انْقِبَاضِهَا وَإِلَى طُولِ الْيَدَيْنِ مِنْ قَوْلِهِمْ: شَالَتِ الْمِيزَانُ إِذَا ارْتَفَعَتْ إِحْدَى كِفَّتَيْهِ، قِيلَ: لَمْ يَذْكُرِ الْهَرَوِيُّ وَلَا صَاحِبُ النِّهَايَةِ هَذَا اللَّفْظَ بِالْمُعْجَمَةِ، وَالشَّوْلُ: الِارْتِفَاعُ، فَإِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ مَائِلٌ إِلَى الطُّولِ، قَالَ الْحَنَفِيُّ: قِيلَ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ " وَسَائِرِ الْأَطْرَافِ " أَوْ قَالَ " سَائِرُ الْأَطْرَافِ " بِالْمُهْمَلَةِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " سَائِلُ أَوْ سَائِرُ الْأَطْرَافِ " ; فَالسَّائِرُ الْأَوَّلُ بِمَعْنَى الْبَاقِي مِنَ السُّؤْرِ عَطْفًا عَلَى الْقَدَمَيْنِ أَيْ شَثْنُ سَائِرِ الْأَطْرَافِ، قَالَ مِيرَكُ: وَنَقَلَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ " وَسَائِرِ الْأَطْرَافِ " بِوَاوِ الْعَطْفِ وَبِالرَّاءِ بَدَلَ اللَّامِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا رِوَايَةً كَمَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ نَقْلًا عَنِ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى " وَسَائِرِ الْأَطْرَافِ " فَإِشَارَةٌ إِلَى فَخَامَةِ جَوَارِحِهِ كَمَا وَقَعَتْ مُفَصَّلَةً فِي الْحَدِيثِ، لَكِنْ لَا يُلَائِمُ سِيَاقَ التِّرْمِذِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ " سَائِلُ الْأَطْرَافِ "، ثُمَّ فُسِّرَ بِقَوْلِهِ: أَوْ قَالَ سَائِرُ الْأَطْرَافِ، فَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَصْوَبَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَنَقَلَ جَامِعُ الْأُصُولِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الشَّمَايِلِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَوْ قَالَ " شَائِلُ الْأَطْرَافِ " لَكِنَّهُ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَانُونِ الْعَرَبِيَّةِ - كَمَا ذَكَرْنَاهُ - مَعَ ثُبُوتِ نَقْلِهِ عَنِ الثِّقَاتِ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ وَقَعَ سَهْوًا مِنَ النَّاسِخِ بَدَلًا مِنَ السَّائِنِ بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ كَمَا وَقَعَ فِي سَائِرِ كُتُبِ الْحَدِيثِ، قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ: سَائِلُ الْأَطْرَافِ وَبِالنُّونِ أَيْ مُمْتَدُّ الْأَصَابِعِ. (خُمْصَانُ الْأَخْمَصَيْنِ) : بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ، فِي الْقَامُوسِ: الْخُمْصَانُ بِالضَّمِّ وَبِالتَّحْرِيكِ ضَامِرُ الْبَطْنِ فَهُوَ صِفَةٌ مُؤَنَّثَةٌ بِالتَّاءِ، وَقَالَ

ص: 41

ابْنُ الْأَثِيرِ: الْأَخْمَصُ مِنَ الْقَدَمِ الْمَوْضِعُ الَّذِي لَا يَلْصِقُ بِالْأَرْضِ مِنْهَا عِنْدَ الْوَطْءِ، وَالْخُمْصَانُ الْمَبَالِغُ مِنْهُ أَيْ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْ أَسْفَلِ قَدَمَيْهِ شَدِيدُ التَّجَافِي عَنِ الْأَرْضِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: إِذَا كَانَ خَمْصُ الْأَخْمَصِ بِقَدْرٍ لَمْ يَرْتَفِعْ جِدًّا وَلَمْ يَسْتَوِ أَسْفَلُ الْقَدَمِ جِدًّا فَهُوَ أَحْسَنُ مَا يَكُونُ وَإِذَا اسْتَوَى أَوِ ارْتَفَعَ جِدًّا فَهُوَ ذَمٌّ، فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا الْأَنْسَبُ بِأَوْصَافِهِ أَنَّ أَخْمَصَهُ مُعْتَدِلُ الْخَمْصِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، انْتَهَى كَلَامُ النِّهَايَةِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَخِيرَ مَا فِي الْفَائِقِ: يَعْنِي أَنَّهُمَا مُرْتَفِعَانِ عَنِ الْأَرْضِ لَيْسَ بِالْأَرَحِّ الَّذِي يَمَسُّهَا أَخْمَصَاهُ، وَالْأَرَحُّ بِالرَّاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ، لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ خِلَافُ هَذَا، قَالَ فِيهِ: إِذَا وَطِئَ بِقَدَمِهِ وَطِئَ بِكُلِّهَا لَيْسَ لَهُ أَخْمَصَ، قَالَ: وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَهُ: مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ، وَبِهِ قَالُوا سُمِّي الْمَسِيحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عليهما السلام أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَخْمَصَ كَذَا قَالَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِوَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَيُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ حَيْثُ أَيَّدَهُ بِمَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ أَنَّ الرَّاوِيَ ذَكَرَ قَوْلَهُ:" مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ " عَقِيبَ قَوْلِهِ: " خُمْصَانُ الْأَخْمَصَيْنِ " فَلَوْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَخْمَصَ لَكَانَ بَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ صَرِيحٌ، فَظَهَرَ أَنَّ لِقَوْلِهِ:" مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ " مَعْنًى آخَرَ - كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ -، وَظَهَرَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ مِمَّا نَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنْ خَمْصَهُ فِي غَايَةِ الِاعْتِدَالِ فَمَنْ أَثْبَتَ الْخَمْصَ

أَرَادَ أَنَّ فِي قَدَمَيْهِ خَمْصًا يَسِيرًا، وَمَنْ نَفَاهُ نَفَى شِدَّتَهُ، قَالَ مِيرَكُ: هَذَا غَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي وَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ لَكِنَّ الْمُرَجَّحَ مِنْ حَيْثُ الْإِسْنَادِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَالْبَزَّارُ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ قَوِيَّةٍ، وَإِسْنَادُ حَدِيثِ هِنْدٍ هَذَا لَا يَخْلُو عَنْ ضَعْفٍ لِأَجْلِ جُمَيْعِ بْنِ عَمْرٍو فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ عِنْدَ النُّقَّادِ وَإِنْ كَانَ ابْنُ حِبَّانَ ذَكَرَهُ فِي الثِّقَاتِ وَفِيهِ مَجْهُولَانِ أَيْضًا، انْتَهَى. وَأَمَّا قَوْلُ الْعِصَامِ: إِنَّ النِّهَايَةَ جَعَلَهَا مُبَالَغَةً فِي ارْتِفَاعِهَا، وَزَعَمَ أَنَّ الصِّيغَةَ لِلْمُبَالَغَةِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى زَعْمِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُبَالَغَةَ مَفْهُومَةٌ مِنْ إِضَافَةِ " الْخُمْصَانِ " إِلَى " الْأَخْمَصَيْنِ "، ثُمَّ قَدْ يُقَالُ لِبَاطِنِ الْقَدَمِ أَخْمَصُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ وَيُنَافِيهِ مَا فِي الْمُهَذَّبِ مِنْ أَنَّ الْأَخْمَصَ هُوَ الشَّخْصُ لَا الْمَوْضِعُ الْخَاصُّ مِنْهُ، لَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا هُوَ الْأَوَّلُ سُمِّيَ أَخْمَصَ لِضُمُورِهِ وَدُخُولُهُ فِي الرِّجْلِ، يُقَالُ خَمُصَ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ خَمْصًا وَرَجُلٌ خُمْصَانٌ بِالضَّمِّ وَامْرَأَةٌ خُمْصَانَةٌ إِذَا كَانَا ضَامِرَيِ الْبَطْنِ. (مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ) : أَيْ أَمَلَسُهُمَا لَيْسَ فِيهِمَا تَكَسُّرٌ وَلَا شِقَاقٌ، وَفِي الْفَائِقِ يُرِيدُ مَمْسُوحَ ظَاهِرِ الْقَدَمَيْنِ أَيْ مَلْسَاوَانِ لَيِّنَتَانِ، فَالْمَاءُ إِذَا صُبَّ عَلَيْهِمَا مَرَّ مَرًّا سَرِيعًا، وَيُفَسِّرُهُ أَوْ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ:(يَنْبُو) : عَلَى وَزْنِ يَدْعُو أَيْ يَتَبَاعَدُ وَيَتَجَافَى. (عَنْهُمَا الْمَاءُ) : وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ: أَيْ ظَهْرُ قَدَمِهِ أَمْلَسُ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ الْمَاءُ لِمَلَاسَتِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ: مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ الَّذِي لَيْسَ بِكَثِيرِ اللَّحْمِ فِيهِمَا. (إِذَا زَالَ) : أَيْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَارْتَفَعَ عَنْ مَكَانِهِ، أَوْ زَالَ قَدَمُهُ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ، فَإِنَّ الْقَدَمَ مُؤَنَّثٌ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ رَدًّا عَلَى الْجَوْهَرِيِّ، وَأَغْرَبَ مَنْ جَعَلَ الضَّمِيرَ إِلَى الْمَاءِ نَظَرًا إِلَى الْقُرْبِ اللَّفْظِيِّ وَغَفَلَ عَنِ الْفَسَادِ الْمَعْنَوِيِّ. . (زَالَ قَلْعًا) : بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ رَفَعَ رِجْلَهُ عَنِ الْأَرْضِ رَفْعًا بَائِنًا بِقُوَّةٍ لَا كَمَنْ يَمْشِي اخْتِيَالًا وَيُقَارِبُ خُطَاهُ تَبَخْتُرًا، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: رُوِيَ قَلْعًا بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ فَبِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ أَيْ يَزُولُ قَالِعًا لِلرِّجْلِ مِنَ الْأَرْضِ وَبِالضَّمِّ إِمَّا مَصْدَرٌ أَوِ اسْمٌ وَهُوَ بِمَعْنَى الْفَتْحِ أَيْضًا، وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: قَرَأْتُ هَذَا الْحَرْفَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِابْنِ الْأَنْبَارِيِّ قَلْعًا بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَكَذَلِكَ قَرَأْتُهُ بِخَطِّ الْأَزْهَرِيِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَلْعًا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مَصْدَرًا أَوِ اسْمًا بِمَعْنَاهُ مَفْعُولًا مُطْلَقًا أَيْ زَالَ زَوَالَ قَلْعٍ، وَمَعْنَاهُ قَرِيبٌ مِمَّا وَرَدَ فِي وَصْفِ مَشْيِهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ فِي صَبَبٍ إِذْ الِانْحِدَارُ مِنَ الصَّبَبِ وَالْقَلْعُ مِنَ الْأَرْضِ قَرِيبٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعْمِلُ التَّثْبِيتَ وَلَا يَتَبَيَّنُ مِنْهُ حِينَئِذٍ اسْتِعْجَالٌ وَلَا اسْتِمْهَالٌ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) أَيْ تَوَسَّطْ فَإِنَّ خَيْرَ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا، قَالَ الْعِصَامُ: قَلِعًا كَكَتِفٍ حَالٌ وَغَيْرُهُ

ص: 42

مَنْصُوبٌ مَصْدَرٌ أَيْ ذَهَابَ قَلِعٍ أَوْ تَقَلَّعَ قَلْعًا، وَقَوْلُهُ:(يَخْطُو) : بِوَزْنِ يَعْدُو أَيْ يَمْشِي. (تَكَفِّيًا) : جُمْلَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ بِكَسْرِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ بَعْدَهَا يَاءٌ، وَفِي نُسْخَةٍ تَكَفُّؤًا بِضَمِّ الْفَاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَسَبَقَ تَحْقِيقُهَا أَيْ مَائِلًا إِلَى سَنَنِ الْمَشْيِ لَا إِلَى طَرَفَيْهِ. (وَيَمْشِي) : تَفَنُّنٌ فِي الْعِبَارَةِ. (هَوْنًا) : قَالَ الْحَنَفِيُّ: مَصْدَرٌ بِغَيْرِ لَفْظِ الْفِعْلِ أَيْ يَمْشِي مَشْيَ هَوْنٍ، وَالصَّوَابُ مَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ مَشْيًا هَوْنًا أَوْ حَالٌ أَيْ هَيِّنًا فِي تَؤُدَةٍ وَسَكِينَةٍ وَحُسْنِ سَمْتٍ وَوَقَارٍ وَحِلْمٍ لَا يَضْرِبُ بِقَدَمَيْهِ وَلَا يَخْفِقُ بِنَعْلَيْهِ أَشَرًا وَلَا بَطَرًا، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا)

أَيْ بِالطَّاعَةِ وَالْعَفَافِ وَالتَّوَاضُعِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: حُلَمَاءُ إِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجْهَلُوا، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: سُرْعَةُ الْمَشْيِ تُذْهِبُ بِبَهَاءِ الْوَجْهِ ; يُرِيدُ الْإِسْرَاعَ الْخَفِيفَ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْوَقَارِ إِذِ الْخَيْرُ فِي الْأَمْرِ الْوَسَطِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ أَوْ إِحْدَى رِجْلَيْهِ مِنَ الْأُخْرَى رَفْعًا بَائِنًا بِقُوَّةٍ لَا كَمَنْ يَمْشِي مُخْتَالًا وَيُقَارِبُ خُطَاهُ تَنَعُّمًا. (ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ) : خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ لِلنَّوْعِ، وَمَعْنَاهُ الْمَشْيُ الْمُعْتَادُ لِصَاحِبِهِ عَلَى مَا فِي الْجَارَبَرْدِيِّ أَوْ سَرِيعُ الْمَشْيِ وَاسِعُ الْخُطَا عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ مِشْيَتَهُ مَعَ سُرْعَتِهِ كَأَنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى إِلَيْهِ - كَمَا سَيَأْتِي - كَانَتْ بِرِفْقٍ وَتَثَبُّتٍ دُونَ الْعَجَلَةِ، وَأَمَّا إِسْرَاعُ عُمَرَ رضي الله عنه فَكَانَ جِبِلِّيًّا لَا تَكَلُّفِيًّا، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ مِيرَكَ فَقَوْلُهُ: إِذَا زَالَ زَالَ قَلْعًا ; إِشَارَةٌ إِلَى كَيْفِيَّةِ رَفْعِ رِجْلَيْهِ عَنِ الْأَرْضِ، وَقَوْلُهُ:" يَمْشِي هَوْنًا " إِشَارَةٌ إِلَى كَيْفِيَّةِ وَضْعِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ، وَقَوْلُهُ:" ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ " أَيْ وَاسِعُ الْخَطْوِ مِنْ قَوْلِهِمْ فَرَسٌ ذَرِيعٌ أَيْ وَاسِعُ الْخَطْوِ بَيْنَ الذِّرَاعَيْنِ إِشَارَةٌ إِلَى سِعَةِ خَطْوِهِ فِي الْمَشْيِ وَهِيَ الْمِشْيَةُ الْمَحْمُودَةُ لِلرِّجَالِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَإِنَّهُنَّ يُوصَفْنَ بِقَصْرِ الْخُطَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَيْ أَنَّ مَشْيُهُ كَانَ يَرْفَعُ فِيهِ رِجْلَيْهِ بِسُرْعَةٍ وَيَمُدُّ خَطْوَهُ خِلَافَ مِشْيَةِ الْمُخْتَالِ، وَيَقْصِدُ هِمَّتَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِرِفْقٍ وَثَبَتٍ دُونَ عَجَلَةٍ كَمَا قَالَ:(إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ) : وَالظَّرْفُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَهُوَ كَالْمُبَيِّنِ لِقَوْلِهِ: " ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ "، وَقَوْلُهُ:(وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ) : عَطْفٌ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ الْأُولَى أَعْنِي إِذَا زَالَ قَلْعًا لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا مِنْ لَوَاحِقِهَا. (جَمِيعًا) : عَلَى وَزْنِ فَعِيلًا فِي الْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ جَمْعًا عَلَى وَزْنِ ضَرْبًا وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ أَوِ الْحَالِ، أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُسَارَقُ النَّظَرَ، وَقِيلَ لَا يَلْوِي عُنُقَهُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً إِذَا نَظَرَ إِلَى الشَّيْءِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الطَّائِشُ الْخَفِيفُ وَلَكِنْ كَانَ يُقْبِلُ جَمِيعًا وَيُدْبِرُ جَمِيعًا لِمَا أَنَّ ذَلِكَ أَلْيَقُ بِجَلَالَتِهِ وَمَهَابَتِهِ. (خَافِضُ الطَّرْفِ) : بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ هُوَ هُوَ أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ وَالْمُرَادُ بِالْخَفْضِ ضِدُّ الرَّفْعِ وَالطَّرْفُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ الْعَيْنُ وَلَمْ يُجْمَعْ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَصَدَرٌ وَاسْمُ جِنْسٍ يَعْنِي إِذَا لَمْ يَنْظُرْ إِلَى شَيْءٍ يَخْفِضُ بَصَرَهُ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْمُتَأَمِّلِ الْمُشْتَغِلِ بِالْبَاطِنِ وَلِأَنَّهُ

ص: 43

شَأْنُ الْمُتَوَاضِعِ

بِالطَّبْعِ وَيُؤَكِّدُهُ وَيُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ: (نَظَرُهُ) : أَيْ مُطَالَعَتُهُ. (إِلَى الْأَرْضِ أَطْوَلُ) : أَيْ أَكْثَرُ أَوْ زَمَنُ نَظَرِهِ إِلَيْهَا أَطْوَلُ أَيْ أَزْيَدُ وَأَمَدُّ (مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ) : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا بِرَأْسِهِ مُخْبِرًا عَنْ نِهَايَةِ تَوَاضُعِهِ وَخُضُوعِهِ وَغَايَةُ حَيَائِهِ مِنْ رَبِّهِ وَكَثْرَةُ خَوْفِهِ وَخُشُوعِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ نَظَرَهُ إِلَى الْأَرْضِ حَالَ السُّكُوتِ وَعَدَمِ التَّوَجُّهِ إِلَى أَحَدٍ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَلَا يُنَافِي مَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: كَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا جَلَسَ يَتَحَدَّثُ يُكْثِرُ أَنْ يَرْفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنَّ الرَّفْعَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ تَوَقُّعِهِ انْتِظَارَ الْوَحْيِ فِي أَمْرٍ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: الْأَكْثَرُ لَا يُنَافِي الْإِكْثَارَ. (جُلُّ نَظَرِهِ) : بِضَمِّ الْجِيمِ وَاللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ مُعْظَمُهُ وَأَكْثَرُهُ. (الْمُلَاحَظَةُ) : وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ اللَّحْظِ وَهُوَ النَّظَرُ بِاللِّحَاظِ وَبِفَتْحِ اللَّامِ فِيهِمَا، يُقَالُ: لَحِظَهُ وَلَحِظَ إِلَيْهِ بِمُؤَخَّرِ الْعَيْنِ، وَاللِّحَاظُ بِالْفَتْحِ شَقُّ الْعَيْنِ مِمَّا يَلِي الصُّدْغَ، وَأَمَّا الَّذِي يَلِي الْأَنْفَ فَالْمَوْقُ وَالْمَاقُ، وَاللِّحَّاظُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرُ لَاحَظْتُهُ إِذَا رَاعَيْتَهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّ جُلَّ نَظَرِهِ فِي غَيْرِ أَوَانِ الْخِطَابِ الْمُلَاحَظَةُ فَلَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ إِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا وَتُحْمَلُ الْمُلَاحَظَةُ عَلَى حَالِ الْعِبَادَةِ. (يَسُوقُ أَصْحَابَهُ) : أَيْ يُقَدِّمُهُمْ أَمَامَهُ وَيَمْشِي خَلْفَهُمْ تَوَاضُعًا وَإِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ كَالرَّاعِي يَسُوقُهُمْ وَإِيمَاءً إِلَى مُرَاعَاةِ أَضْعَفِهِمْ فَيَتَأَخَّرُ عَنْهُمْ رِعَايَةً لِلضُّعَفَاءِ وَإِعَانَةً لِلْفُقَرَاءِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ " يُقَدِّمُ أَصْحَابَهُ " مِنَ التَّقْدِيمِ، أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَطَأُ عَقِبُهُ عَقِبَ رَجُلٍ. وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى أَرْبَابِ الْجَاهِ مِنَ الْجُهَلَاءِ وَأَصْحَابِ التَّكَبُّرِ وَالْخُيَلَاءِ، وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" خَلُّوا ظَهْرِي لِلْمَلَائِكَةِ "، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَمْشُونَ أَمَامَهُ وَيَدَعُونَ ظَهْرَهُ لِلْمَلَائِكَةِ، وَلَعَلَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:(وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) وَيُرْوَى: " يَنُسُّ أَصْحَابَهُ "، فِي الْقَامُوسِ: النَّسُّ بِالنُّونِ وَالسِّينِ الْمُشَدَّدَةِ السَّوْقُ يَنُسُّ وَيَنِسُّ. (وَيَبْدُرُ) : مِنْ حَدِّ نَصَرَ

بِمَعْنَى يَسْبِقُ وَيُبَادِرُ. (مَنْ لَقِيَ بِالسَّلَامِ) : مُتَعَلِّقٌ بَيَبْدُرُ أَيْ بِالتَّسْلِيمِ فَإِنَّهُ

ص: 44

مَصْدَرُ سَلَّمْتُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ " يَبْدَؤُ " مِنَ الْبَدْءِ بِمَعْنَى الِابْتِدَاءِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجْعَلُ سَلَامَهُ أَوَّلَ مُلَاقَاتِهِ، قِيلَ: لِأَنَّ ذَلِكَ سِمَةُ الْمُتَوَاضِعِ، وَقَالَ الْعِصَامُ: أَقُولُ إِيثَارًا لِمَنْ لَقِيَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِأَجْزَلِ الْمَثُوبَةِ لِأَنَّ جَوَابَ السَّلَامِ فَرِيضَةٌ وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ ثَوَابِ السُّنَّةِ، قُلْتُ: هَذَا غَفْلَةٌ عَنِ الْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ ; أَنَّ الْإِيثَارَ فِي الْعِبَادَاتِ غَيْرُ مَحْمُودٍ وَذُهُولٌ عَنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ إِنَّ هَذِهِ سَنَّةٌ أَفْضَلُ مِنَ الْفَرْضِ لِأَنَّهَا سَبَبٌ لِحُصُولِهِ، وَأَمَّا مَا قَالَ الْحَنَفِيُّ وَفِي النُّسَخِ يَبْدُو أَيْ بِالْوَاوِ فَمُنَافٍ لِقَوْلِهِ، وَقَالَ الْفَائِقُ:" يَبْدَأُ " أَيْ بِالْهَمْزَةِ وَتَبِعَهُ الْعِصَامُ فَلَا يَظْهَرُ وَجْهُهُ وَإِنْ قَالَ الْحَنَفِيُّ، وَالْمُؤَدَّى فِي تِلْكَ الرِّوَايَاتِ وَاحِدٌ.

(حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى) : اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ التَّثْنِيَةِ، الْعَنَزِيُّ الْبَصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالزَّمِنِ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي صِحَاحِهِمْ. (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) : الْمَعْرُوفُ بِغُنْدَرٍ وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ. (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ سِمَاكِ) : بِكَسْرِ السِّينِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ تَابِعِيٌّ أَدْرَكَ ثَمَانِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ. (بْنِ حَرْبٍ) : احْتِرَازٌ عَنِ ابْنِ الْوَلِيدِ. . (قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ) : بِفَتْحِ السِّينِ

وَضَمِّ الْمِيمِ كِلَاهُمَا صَحَابِيَّانِ. (يَقُولُ) : حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ. (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَلِيعَ الْفَمِ) : أَيْ وَاسْعَهُ، وَالْفَمُ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَتُشَدَّدُ فِي لُغَةٍ، وَهُوَ مَحْمُودٌ عِنْدَ الْعَرَبِ - كَمَا سَبَقَ - وَكِنَايَةٌ عَنْ كَمَالِ الْفَصَاحَةِ وَتَمَامِ الْبَلَاغَةِ. (أَشْكَلَ الْعَيْنِ) : الْمُرَادُ بِهَا الْجِنْسُ، وَفِي نُسْخَةٍ «الْعَيْنَيْنِ» بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ تَصْرِيحًا بِالْمَقْصُودِ أَيْ فِي بَيَاضِهَا مِنَ الْحُمْرَةِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ. (مَنْهُوسَ الْعَقِبِ) : ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَقَالَ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَابْنُ الْأَثِيرِ: رُوِيَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ أَيْ قَلِيلَ لَحْمِ الْعَقِبِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ. (قَالَ شُعْبَةُ:) : أَيِ الْمَذْكُورُ فِي السَّنَدِ. (قُلْتُ لِسِمَاكٍ:) : أَيْ شَيْخِهِ. (مَا ضَلِيعُ الْفَمِ؟ قَالَ: عَظِيمُ الْفَمِ) : وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَقِيلَ عَظِيمُ الْأَسْنَانِ. (قُلْتُ: مَا أَشْكَلُ الْعَيْنِ؟ قَالَ: طَوِيلُ شَقِّ الْعَيْنِ) : بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ:

ص: 45

هَذَا وَهْمٌ مِنْ سِمَاكٍ وَالصَّوَابُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَجَمِيعُ أَصْحَابِ الْغَرِيبِ مِنْ أَنَّ الشَّكْلَةَ حُمْرَةٌ فِي بَيَاضِ الْعَيْنِ وَهُوَ مَحْمُودٌ عِنْدَ الْعَرَبِ جِدًّا، وَالشَّهْلَةُ بِالْهَاءِ حُمْرَةٌ فِي سَوَادِهَا، وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: كَانَ صلى الله عليه وسلم عَظِيمَ الْعَيْنَيْنِ أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ مُشْرَبَ الْعَيْنِ بِحُمْرَةٍ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرَى بِاللَّيْلِ فِي الظُّلْمَةِ كَمَا يَرَى بِالنَّهَارِ فِي الضَّوْءِ، وَرَوَى الشَّيْخَانِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكُوعُكُمْ وَسُجُودُكُمْ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي، انْتَهَى. وَلَعَلَّ هَذَا مُخْتَصٌّ بِحَالَةِ الصَّلَاةِ فَلَا يُنَافِي مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي لَا أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ الْجِدَارِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي الْأَخْبَارِ بِرِوَايَةِ الْأَخْيَارِ، وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْلِمَنِي اللَّهُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَمَّا ضَلَّتْ نَاقَتُهُ صلى الله عليه وسلم طَعَنَ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ فِي نُبُوَّتِهِ فَأُخْبِرَ فَقَالَ:«إِنِّي لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِي رَبِّي، وَقَدْ دَلَّنِي عَلَيْهَا، وَهِيَ فِي مَوْضِعِ كَذَا، حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بِخِطَامِهَا» فَوُجِدَتْ كَمَا أَخْبَرَ، وَعِنْدِ السُّهَيْلِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَرَى فِي الثُّرَايَا اثْنَيْ عَشَرَ نَجْمًا وَفِي الشِّفَاءِ أَحَدَ عَشَرَ نَجْمًا. (قُلْتُ: مَا مَنْهُوسُ الْعَقِبِ؟ قَالَ: قَلِيلُ لَحْمِ الْعَقِبِ) : فِي الْقَامُوسِ: الْمَنْهُوسُ مِنَ الرِّجَالِ قَلِيلُ اللَّحْمِ مِنْهُمْ، فَقَيْدُ الْإِضَافَةِ يُفِيدُ نَفْيَ مَا عَدَا الْعَقِبِ.

(حَدَّثَنَا هَنَّادٌ) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ. (بْنُ السَّرِيِّ) : بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ رَاءٍ وَيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ، الْكُوفِيُّ التَّمِيمِيُّ ثِقَةٌ

(حَدَّثَنَا عَبْثَرٌ) : بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ مُوَحَّدَةٍ وَفَتْحِ مُثَلَّثَةٍ وَرَاءٌ فِي آخِرِهِ. (بْنُ الْقَاسِمِ) : أَيِ الزُّبَيْدِيِّ بِالتَّصْغِيرِ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ. (عَنْ أَشْعَثَ) : بِفَتَحَاتٍ غَيْرِ الثَّانِيَةِ. (يَعْنِي) : هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَوْ هَنَّادٍ أَوْ عَبْثَرٍ ; حِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنَ الْقَوْلِ بِالِالْتِفَاتِ عَلَى مَذْهَبِ السَّكَاكِيِّ. (ابْنُ سَوَّارٍ) : بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَهُوَ الْكِنْدِيُّ، وَرَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَهُ فِي التَّارِيخِ، فَقَوْلُ الْعِصَامِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَمْ يَقُلْ أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ مُحَافَظَةً عَلَى لَفْظِ الشَّيْخِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَهَذَا دَأْبُهُمْ فِي رِعَايَةِ الْأَمَانَةِ. (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) : تَقَدَّمَ. (عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ) : وَفِي الشَّرْحِ نَقَلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ إِسْنَادَ الْحَدِيثِ إِلَى جَابِرٍ وَإِلَى الْبَرَاءِ كِلَيْهِمَا صَحِيحٌ وَخَطَّأَ النَّسَائِيُّ الْإِسْنَادَ إِلَى جَابِرٍ وَصَوَّبَ الْإِسْنَادَ إِلَى الْبَرَاءِ فَقَطْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ. (قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةٍ) : بِالتَّنْوِينِ. . (إِضْحِيَانٍ) : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتِيَّةِ وَفِي آخِرِهَا نُونٌ مُنَوَّنٌ، قَالَ مِيرَكُ: كَذَا ثَبَتَ فِي الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَلِفُهُ وَنُونُهُ زَائِدَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ لِوُجُودِ إِضْحِيَانَةٍ وَهِيَ صِفَةُ لَيْلَةٍ أَيْ مُقْمِرَةٍ أَيْ طَالِعَةٍ فِيهَا الْقَمَرُ، وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ الْبُرُوزُ وَالظُّهُورُ، وَقِيلَ صُرِفَ لِتَأْوِيلِ اللَّيْلَةِ بِاللَّيْلِ، وَقِيلَ لِأَنَّهَا مِنْ وَصْفِ الْمُؤَنَّثِ خَاصَّةً كَطَالِقٍ وَحَائِضٍ، وَوَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا لَيْلَةُ ثَمَانٍ مِنَ الشَّهْرِ، وَفِي الْفَائِقِ: يُقَالُ لَيْلَةٌ ضَحْيَاءُ وَإِضْحِيَانٌ وَإِضْحِيَانَةٌ وَهِيَ الْمُقْمِرَةُ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، فَإِنْ سَاعَدَتِ الرِّوَايَةُ قَوْلَهُ:«كَانَ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ» لِأَنَّ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ نُورَ الْقَمَرِ أَعَمُّ وَحُسْنَهُ أَتَمُّ. (وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ) : بَيَانٌ لِمَا وَجَبَ التَّأَمُّلُ فِيهِ لِمَزِيدِ حُسْنِهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ أَوْ ذَكَرَهُ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ وَلِلدَّلَالَةِ عَلَى حِفْظِهِ وَضَبْطِهِ الْقَضِيَّةَ فَكَأَنَّهُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ. (فَجَعَلْتُ) : أَيْ شَرَعْتُ فَهُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْمُقَارَبَةِ. (أَنْظُرُ إِلَيْهِ) : أَيْ إِلَى وَجْهِهِ صلى الله عليه وسلم. . (وَإِلَى الْقَمَرِ) : أَيْ تَارَةً. (فَلَهُوَ) : بِلَامِ الِابْتِدَاءِ وَالْقَسَمِ وَيَجُوزُ سُكُونُ هَائِهِ، وَالتَّقْدِيرُ فَوَاللَّهِ لَوَجْهُهُ عليه السلام. (عِنْدِي) : لِبَيَانِ الْوَاقِعِ وَلِافْتِخَارِهِ بِاعْتِقَادِهِ لَا لِلتَّخْصِيصِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهِ ; فَإِنَّهُ كَذَلِكَ عِنْدَ كُلِّ مُسْلِمٍ رَآهُ بِنُورِ

ص: 46

النُّبُوَّةِ خِلَافًا لِعُمْيِ الْأَبْصَارِ كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ عز وجل بِقَوْلِهِ: (وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) : أَيْ جَمَالَكَ وَكَمَالَكَ لِنُقْصَانِ بَصَرِهِمْ كَالْخُفَّاشِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُطَالَعَةِ نُورِ الشَّمْسِ مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ لَهَا. (أَحْسَنَ مِنَ الْقَمَرِ) : لِأَنَّ نُورَهُ ظَاهِرٌ فِي الْآفَاقِ وَالْأَنْفُسِ مَعَ زِيَادَةِ الْكِمَالَاتِ الصُّورِيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ بَلْ فِي الْحَقِيقَةِ كُلُّ نُورٍ خُلِقَ مِنْ نُورِهِ، وَكَذَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ) أَيْ نُورُ مُحَمَّدٍ ; فَنُورُ وَجْهِهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتِيٌّ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ سَاعَةً فِي اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ، وَنُورُ الْقَمَرِ مُكْتَسَبٌ مُسْتَعَارٌ يَنْقُصُ تَارَةً وَيُخْسَفُ أُخْرَى، وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ بِالْفَارِسِيَّةِ مَضْمُونُهَا إِنَّكَ تُشْبِهُ الْقَمَرَ فِي النُّورِ وَالْعُلُوِّ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ النُّطْقُ وَالْحُبُورُ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ نَبِيهٌ عَلَى خُلُوِّ الْقَمَرِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ نُعُوتِ جَمَالِهِ وَصِفَاتِ كَمَالِهِ صلى الله عليه وسلم

وَعَلَى آلِهِ.

(حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ) : بِالتَّصْغِيرِ. (بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسَيُّ) : بِضَمِّ الرَّاءِ بَعْدَهُ الْهَمْزَةُ وَيَجُوزُ إِبْدَالُهَا وَاوًا وَالْيَاءُ لِلنِّسْبَةِ إِلَى رُؤَاسِ جَدِّهِ، وَقِيلَ: إِلَى بَايِعِ الرُّءُوسِ وَهُوَ ضَعِيفٌ رِوَايَةً وَدِرَايَةً، قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هَذِهِ النِّسْبَةُ إِلَى بَنِي رُؤَاسٍ هُوَ أَبُو عَوْفٍ كُوفِيٌّ. (عَنْ زُهَيْرٍ) : بِالتَّصْغِيرِ، قَالَ الْعِصَامُ: زُهَيْرٌ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا: أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبِ بْنِ شَدَّادٍ النَّسَائِيُّ، ثِقَةٌ ثَبْتٌ، رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ حَدِيثٍ، وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَثَانِيهُمَا: زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيِّ أَبُو الْمُنْذِرِ الْخُرَاسَانِيُّ، ضُعِّفَ لِعَدَمِ اسْتِقَامَةِ رِوَايَةِ أَهْلِ الشَّامِ عَنْهُ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَ بِالشَّامِ مِنْ حَفِظَهُ فَكَثُرَ غَلَطُهُ، وَزُهَيْرٌ فِي الْحَدِيثِ هُوَ التَّمِيمِيُّ ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا إِسْحَاقَ، عَرَفْتُ ذَلِكَ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى تَارِيخِ وَفَاةِ أَبِي إِسْحَاقَ. (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) : وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ. (قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ أَكَانَ) : وَفِي نُسْخَةٍ بِدُونِ الْهَمْزَةِ أَيْ كَانَ. (وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ السَّيْفِ) : أَيْ فِي الْحُسْنِ وَاللَّمَعَانِ، وَقِيلَ فِي التَّمْدِيدِ لِمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ «أَكَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَدِيدًا مِثْلَ السَّيْفِ» ، وَالْمَعْنَى إِنَّهُ هَلْ كَانَ وَجْهُهُ طُولَانِيًّا مِثْلُهُ أَوْ لَا. (قَالَ) : أَيِ الْبَرَاءُ لِكَوْنِ تَشْبِيهِ السَّائِلِ نَاقِصًا. (لَا) : هِيَ نَقِيضَةُ نَعَمْ أَيْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ السَّيْفِ. (بَلْ مِثْلَ الْقَمَرِ) : بِالنَّصْبِ أَيْ بَلْ كَانَ مِثْلَ الْقَمَرِ، فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مِثْلِ السَّيْفِ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِهِ تَقْدِيرًا لِيَكُونَ التَّشْبِيهُ جَامِعًا بَيْنَ صِفَتَيِ الْبُرُوقِ وَالْمِيلِ إِلَى الِاسْتِدَارَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ:«كَانَ وَجْهُهُ قِطْعَةَ قَمَرٍ» ، وَقَدْ يُقَالُ

ص: 47

مَعْنَاهُ: لَمْ يَكُنْ مِثْلَ السَّيْفِ بَلْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ الْقَمَرِ بَلْ كَانَ أَحْسَنَ مِنْهُ أَيْضًا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَبَقَ آنِفًا:«فَلَهُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنَ الْقَمَرِ» وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:

إِذَا عِبْتَهَا شَبَّهْتَهَا الْبَدْرَ طَالِعًا

وَحَسْبُكَ مِنْ عَيْبٍ لَهَا شَبَهُ الْبَدْرِ.

وَيُلَائِمُهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ رُبَيِّعِ بِنْتُ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ: «لَوْ رَأَيْتَهُ رَأَيْتَ الشَّمْسَ طَالِعَةً» ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا فِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ كَلِمَةُ بَلْ أَيْ وَجْهُهُ أَوْ هُوَ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِثْلُ الْقَمَرِ ; لِأَنَّهُ جَامِعٌ لِكَمَالِ النُّورِ وَغَايَةِ الْعُلُوِّ وَالظُّهُورِ، وَمَيْلُهُ إِلَى الِاسْتِدَارَةِ مَشْهُورٌ، وَلِأَنَّهُ دَلِيلٌ جَامِعٌ وَالسَّيْفُ دَلِيلٌ قَاطِعٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَنْ نُورَانِيَّتِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ وَالْجَوَابُ بِتَرْجِيحِ الْحَالِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: أَكَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: لَا، مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَكَانَ مُسْتَدِيرًا، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ فِي غَايَةِ التَّدْوِيرِ بَلْ كَانَ فِيهِ سُهُولَةٌ مَا، وَهِيَ أَحْلَى عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ خِلَافًا لِلتُّرْكِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ وَصْفُهُ أَنَّهُ أَسِيلُ الْخَدَّيْنِ، وَوَجْهُ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِمَا انْحِصَارُ النُّورِ الظَّاهِرِيِّ فِيهِمَا فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُشَبَّهُ بِهِ أَقْوَى كَمَا لَا يَخْفَى، وَقِيلَ جَمَعَ الْكَوْكَبَيْنِ

لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُرَادُ بِهِ غَالِبًا التَّشْبِيهَ فِي الْإِشْرَاقِ وَالْإِضَاءَةِ، وَالثَّانِي فِي الْحُسْنِ وَالْمَلَاحَةِ.

(حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْمَصَاحِفِيُّ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْحَاءِ، نِسْبَةً إِلَى الْمَصَاحِفِ جَمْعُ مُصْحَفٍ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ أَيْ كَاتِبُهُ أَوْ بَائِعُهُ. (سُلَيْمَانُ بْنُ سَلْمٍ) : بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ لَامٍ، ثِقَةٌ. (حَدَّثَنَا النَّضْرُ) : بِسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، فِي الشَّرْحِ أَنَّ الْمُحَدِّثِينَ الْتَزَمُوا فِي النَّضْرِ اللَّامَ وَفِي النَّصْرِ تَرْكَهُ فَرْقًا بَيْنَهُمَا. (شُمَيْلٍ) : بِضَمِّ مُعْجَمَةٍ وَفَتْحِ مَا قَبْلَ التَّحْتِيَّةِ السَّاكِنَةِ، وَهُوَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَازِنِيُّ النَّحْوِيُّ الْبَصْرِيُّ، نَزِيلُ مَرْوَ، ثِقَةٌ ثَبْتٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ. (وَعَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ) : أَيِ الشَّامِيِّ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، ضَعِيفٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ فِي صِحَاحِهِمْ. . (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) : بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ الْمَنْسُوبُ إِلَى زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ، الْفَقِيهُ الْحَافِظُ، تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ، مُتَّفَقٌ عَلَى جَلَالَتِهِ وَإِتْقَانِهِ. (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) : أَيِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ مُكْثِرٌ، قِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَقِيلَ إِبْرَاهِيمُ. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) : الْأَصَحُّ مِنْ أَرْبَعِينَ قَوْلًا أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ الدَّوْسِيُّ. (قَالَ) : أَيْ أَنَّهُ قِيلَ. (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ) : وَفِي نُسْخَةٍ «النَّبِيُّ» . صلى الله عليه وسلم أَبْيَضَ كَأَنَّمَا صِيغَ) : مِنَ الصَّوْغِ

بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، بِمَعْنَى صُنْعِ الْحُلِيِّ وَالْإِيجَادِ أَيْ سُبِكَ وَصُنِعَ. (مِنْ فِضَّةٍ) : أَيْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ يَعْلُو بَيَاضَهُ صلى الله عليه وسلم مِنَ النُّورِ وَالْإِضَاءَةِ، وَفِي الْقَامُوسِ وَالصِّحَاحِ: صَاغَ اللَّهُ فُلَانًا حَسَّنَ خَلْقَهُ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى تَمَاسُكِ أَجْزَائِهِ وَتَنَاسُبِ أَعْضَائِهِ وَنُورَانِيَّةِ وَجْهِهِ وَسَائِرِ بَدَنِهِ، فَهُوَ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ

ص: 48

كَالْمُبَيِّنِ لِلْخَبَرِ الْأَوَّلِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَبْيَضُ مَقْبُولٌ غَايَةَ الْقَبُولِ فَلَا يُنَافِي نَفْيَ الْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ - كَمَا سَبَقَ - وَهَذَا مَعْنَى مَا وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ «شَدِيدُ الْوَضَحِ» ، وَفِي أُخْرَى «شَدِيدُ الْبَيَاضِ» ، فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ أَنَّهُ كَانَ مُشْرَبًا بِحُمْرَةٍ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ مَرَّتْ بِالسُّمْرَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْبَيَاضُ الْخَالِصُ مُخْتَصًّا بِمَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الشَّمْسُ مِنْ تَوَلُّدِ الْحَرَارَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِكَثْرَةِ الدَّمِ النَّاشِئِ عَنْهَا الْحُمْرَةُ فَيَكُونُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ حُمْرَتَهُ غَيْرُ ذَاتِيَّةٍ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَكُنْ أَمْهَقَ وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُشَبَّهُ بِالْجَصِّ الْمَكْرُوهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْبَيَاضُ ثَابِتٌ فِي لَوْنِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَالْآثَارُ الصَّرِيحَةُ، وَهُوَ مَمْدُوحٌ عِنْدَ الْكُلِّ وَلَا عِبْرَةَ بِالسَّوَادِ حَيْثُ إِنَّهُمْ لَا يَمِيلُونَ إِلَى الْبَيَاضِ لِعَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ الْجِنْسِيَّةِ، وَالْعِبْرَةُ بِالْأَكْثَرِ بَلْ بِمَا وَرَدَ فِي وَصْفِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ)، وَقَوْلُهُ:(كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ) ، (وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ)، وَ (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) : أَيْ مَصُونٌ عَنِ الْغُبَارِ وَالْوَسَخِ وَالِاسْتِعْمَالِ، وَمَا أَبْعَدَ مَنْ خَصَّ الْبَيْضَ بِالنَّعَامِ وَأَخَذَ مِنْهُ الصَّفَارَ الْمُنَاقِضَ لِلَوْنِ الْيَاقُوتِ الْمُنَافِي لِكَمَالِ اللُّؤْلُؤِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ طَبْعَ بَعْضِ الْعَرَبِ مَائِلٌ إِلَى الصُّفْرَةِ مَعَ أَنَّ طَبْعَ بَعْضِهِمْ مَائِلٌ إِلَى الْوَشْمَةِ الْمَكْرُوهَةِ شَرْعًا وَطَبْعًا أَيْضًا، هَذَا وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءَ: مَنْ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَسْوَدَ يَكْفُرُ ; لِأَنَّ وَصْفَهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ الثَّابِتَةِ بِالتَّوَاتُرِ نَفْيٌّ لَهُ وَتَكْذِيبٌ لَهُ صلى الله عليه وسلم. (رَجِلَ الشَّعْرِ) : بِكَسْرِ الْجِيمِ وَيُسَكَّنُ وَقَدْ يُفْتَحُ، وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَيُسَكَّنُ، أَيْ لَمْ يَكُنْ قَطَطًا وَلَا سَبِطًا - وَقَدْ سَبَقَ مَعْنَاهُمَا - وَهُوَ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ بِالِاسْتِقْلَالِ أَوْ رُفِعَ بِتَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ هُوَ هُوَ. .

(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ) : كَذَا فِي نُسْخَةٍ. (أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ) : بِسُكُونِ الْعَيْنِ، إِمَامُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنَّهُ كَانَ أَفْقَهَ مِنْ مَالِكٍ إِلَّا أَنَّهُ ضَيَّعَ فِقْهَهُ أَصْحَابُهُ. (عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) : بِالتَّصْغِيرِ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْلَمَ الْمَكِّيٌّ الْأَسَدِيُّ مَوْلَاهُمْ، صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ يُدَلِّسُ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ. (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) : أَيِ الْأَنْصَارِيِّ، غَزَا تِسْعَ عَشَرَ غَزْوَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ أَحَدُ الْمُكْثِرِينَ رِوَايَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، اسْتُشْهِدَ أَبُوهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَحْيَاهُ اللَّهُ وَكَلَّمَهُ وَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَأَسْتَشْهِدَ مَرَّةً أُخْرَى. وَالْمَعْنَى أُرِيدُ زِيَادَةَ رِضَاكَ وَهِيَ الشَّهَادَةُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ، وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ أَعْلَى مَقَامًا مِنْ حَالِ أَبِي يَزِيدَ حِينَ قِيلَ لَهُ: مَا تُرِيدُ؟ فَقَالَ: أَنْ لَا أُرِيدَ. وَقَالَ بَعْضُ السَّادَةِ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ: هَذِهِ أَيْضًا إِرَادَةٌ. نِعْمَ مَنْ قَالَ:

أُرِيدُ وِصَالَهُ وَيُرِيدُ هَجْرِي فَأَتْرُكُ مَا أُرِيدُ لِمَا يُرِيدُ.

مُسْتَحْسَنٌ جِدًّا لِلْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: " تُرِيدُ وَأُرِيدُ وَلَا يَكُونُ إِلَّا مَا أُرِيدُ "، وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: وَلَيْسَ لِي فِي سِوَاكَ حَظٌّ فَكَيْفَ مَا شِئْتَ فَاخْتَبِرْنِي. فَجُرْأَةٌ وَلِذَا ابْتُلِيَ فَلَمْ يَصْبِرْ، فَمَا أَيْسَرَ الدَّعْوَى وَمَا أَعْسَرَ الْمَعْنَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ عُرِضَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ. (عَلَيَّ) : بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ. (الْأَنْبِيَاءُ) : فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَفْضَلِيَّتِهِ صلى الله عليه وسلم، لَمْ يَقُلْ عُرِضْتُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ كَالْحَشَمِ لَهُ، وَالْعَسْكَرُ تُعْرَضُ عَلَى السُّلْطَانِ دُونَ الْعَكْسِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بِمَنْزِلَةِ الْقَلْبِ فِي الْجَيْشِ وَالْأَنْبِيَاءُ مُقَدِّمَتُهُ وَالْأَوْلِيَاءُ سَاقَتُهُ وَالْمَلَائِكَةُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً مُتَظَاهِرِينَ مُتَعَاوِنِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:(وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) وَالشَّيَاطِينُ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ فِي الدِّينِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَنْبِيَاءِ: الْمَعْنَى الْأَعَمُّ الشَّامِلُ لِلرُّسُلِ، وَذَلِكَ الْعَرْضُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَاتٍ أُخَرُ كَرِوَايَةِ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرِوَايَةِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: كُوشِفَ لَهُ صُوَرُ أَبْدَانِهُمْ كَمَا كَانَتْ. وَقِيلَ كَانَ فِي الْمَنَامِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ أَنَّهُ قَالَ:" بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ "، وَذَكَرَ الْخَبَرَ، قِيلَ: عَلَى الثَّانِي: لَا إِشْكَالَ ; فَإِنَّهُ مُثِّلَتْ لَهُ أَرْوَاحُهُمْ بِهَذِهِ الصُّوَرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَجُوزُ أَنَّهُمْ مُثِّلُوا بِهَيْئَاتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي حَيَاتِهِمْ، وَلِذَا قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ:" كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عِيسَى "، وَأَنْ تَكُونَ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَهُمْ مُتَمَثِّلُونَ فِي السَّمَاوَاتِ بِهَذِهِ الصُّوَرِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، قِيلَ: لَا وَجْهَ لِهَذَا التَّرْدِيدِ بَلِ

ص: 49

الصَّوَابُ أَنَّ رُؤْيَتَهُمْ إِنْ كَانَتْ نَوْمًا فَقَدْ مُثِّلَ لَهُ صُورَتُهُمْ فِي حَالِ حَيَاتِهِمْ أَوْ يَقَظَةً فَهُوَ رَآهُمْ عَلَى صُورَتِهِمُ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي حَيَاتِهِمْ ; لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَحْيَاءٌ، وَقِيلَ: إِنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَا صَدَرَ عَنْهُمْ وَلِهَذَا أَدْخَلَ حَرْفَ التَّشْبِيهِ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَحَيْثُ أَطْلَقَهَا فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ - عَلَى مَا سَيَأْتِي - أَنَّهُ يَنْبَغِي تَبْلِيغُ صُوَرِ الْعُظَمَاءِ إِلَى مَنْ لَمْ يَرَهُمْ فَإِنَّ فِي إِحْضَارِ صُوَرِهِمْ بَرَكَةً كَمَا فِي مُلَاقَاتِهِمْ، وَفِيهِ مَزِيدُ حَثٍّ عَلَى ضَبْطِ خِلْقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. (فَإِذَا) : لِلْمُفَاجَأَةِ. (مُوسَى عليه السلام : قِيلَ: فِي الْكَلَامِ إِيجَازٌ وَالتَّقْدِيرُ " فَرَأَيْتُ مُوسَى " بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: " وَرَأَيْتُ عِيسَى "، وَقِيلَ: مَعْطُوفٌ عَلَى عُرِضَ بِحَسَبِ الْمَعْنَى لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْمُفَاجَأَةِ. (ضَرْبٌ) : بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، أَيْ خَفِيفُ اللَّحْمِ. (مِنَ الرِّجَالِ) : صِفَةُ ضَرْبٍ أَيْ كَائِنٌ مِنْ بَيْنِ الرِّجَالِ. (كَأَنَّهُ) : أَيْ مُوسَى. (مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ) : خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ كَالْمُبَيِّنِ لِلْأَوَّلِ، وَشَنُوءَةُ فَعُولَةٌ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ النُّونِ ثُمَّ وَاوٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ بَعْدَهَا تَاءٌ عَلَى زِنَةِ فَعُولَةٍ، اسْمُ قَبِيلَةٍ مَعْرُوفَةٍ مِنَ الْيَمَنِ، وَمِنْهُ أَزْدُ شَنُوءَةَ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَرُبَّمَا قَالَ شَنُوَّةُ بِالتَّشْدِيدِ غَيْرُ مَهْمُوزٍ. قُلْتُ: كَالنُّبُوَّةِ وَالْمُرُوَّةِ، وَأَمَّا مَا ضَبَطَهُ الْعِصَامُ بِضَمِّ أَوَّلِهَا فَغَيْرُ مَشْهُورٍ رِوَايَةً وَلُغَةً، وَعِبَارَةُ الْقَامُوسِ مُحْتَمِلَةٌ وَهُمُ الْمُتَوَسِّطُونَ بَيْنَ الْخِفَّةِ وَالسِّمَنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ تَشْبِيهُ صُورَتِهِ بِهِمْ لَا تَأْكِيدَ خِفَّةِ اللَّحْمِ ; لِأَنَّ الْإِفَادَةَ خَيْرٌ مِنَ الْإِعَادَةِ، وَاسْتُشْكِلَ هَذَا الْحَدِيثُ بِمَا وَرَدَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " مُضْطَرِبٌ " بَدَلَ " ضَرْبٌ "، وَهُوَ الطَّوِيلُ سَبِطُ اللَّحْمِ، وَفِي رِوَايَةٍ:" جَسِيمٌ سَبِطُ اللَّحْمِ "، وَدُفِعَ بِأَنَّ الْجَسَامَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الطُّولِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الطُّولِ وَخِفَّةِ

اللَّحْمِ، وَبِأَنَّ اخْتِلَافَ الْبَيَانِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِتَعَدُّدِ الرُّؤْيَا، وَالصُّوَرُ الْمَرْئِيَّةُ فِي الرُّؤْيَا كَثِيرًا مَا تَخْتَلِفُ، وَكَذَا الصُّوَرُ الْحَقِيقِيَّةُ لِلشَّخْصِ قَدْ تَتَعَدَّدُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْإِحْضَارُ كُلَّ صُورَةٍ بِصُورَةٍ، قِيلَ: وَشَبَّهَهُ بِمُتَعَدِّدَيْنِ دُونَ فَرْدٍ مُعَيَّنٍ بِخِلَافِ مَنْ بَعْدَهُ إِشَارَةً إِلَى تَمْيِيزِهِ عَلَيْهِمَا بِكَثْرَةِ أُمَّتِهِ وَأَتْبَاعِهِ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ شَبَّهَ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لِعَدَمِ تُشَخُّصِهِ وَتَعَيُّنِهِ فِي خَاطِرِهِ أَوْ فِي نَظَرِهِمْ. (وَرَأَيْتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام : وَفِي نُسْخَةٍ عليهما السلام. (فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ) : مُبْتَدَأٌ مُضَافٌ إِلَى " مَنْ " أَيْ مَوْصُولَةٌ لَا مَوْصُوفَةٌ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَنْكِيرُ الْمُبْتَدَأِ. (رَأَيْتُ) : أَيْ أَبْصَرْتُ عَلَى صِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى الْمَوْصُولِ. (بِهِ) : صِلَةُ قَوْلِهِ: (شَبَهًا) : بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مُشَابَهَةً، وَنَصْبُهُ عَلَى

ص: 50

التَّمْيِيزِ مِنْ نِسْبَةِ أَقْرَبَ إِلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ وَهُوَ بَيَانٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْبِ الْقُرْبُ بِحَسَبِ الصُّورَةِ، وَضَمِيرُ " بِهِ " عَائِدٌ إِلَى " عِيسَى " قَالَ الْحَنَفِيُّ: وَهُوَ يُفِيدُ فَائِدَةَ صِلَةِ الْقُرْبِ الَّتِي هِيَ " مِنْ " أَوْ " إِلَى " أَنْ يُقَالَ: قَرُبَ مِنْهُ وَإِلَيْهِ، وَقَالَ الْعِصَامُ: صِلَةُ الْقُرْبِ مَحْذُوفَةٌ أَيْ إِلَيْهِ أَوْ مِنْهُ، وَحَذْفُهَا شَائِعٌ ذَائِعٌ، وَجَعْلُ الْبَاءِ صِلَةَ الْقُرْبِ عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى إِلَى وَصِلَةُ شَبَهًا مَحْذُوفَةٌ تَعَسُّفٌ، انْتَهَى. وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ شَبَهًا حَالٌ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْفَاضِلُ الطِّيبِيُّ: قَدَّمَ الظَّرْفَ عَلَى الْعَامِلِ لِلِاخْتِصَاصِ تَأْكِيدًا لِإِضَافَةِ " أَفْعَلَ " إِلَى " مِنْ " أَيْ كَأَنَّ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا، فَتَأَمَّلْ وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ:(عُرْوَةُ) : وَهَذَا أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ. (ابْنُ مَسْعُودٍ) : أَيِ الثَّقَفِيُّ، شَهِدَ صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ بَعْدَ رُجُوعِهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الطَّائِفِ وَاسْتَأْذَنَهُ فِي الرُّجُوعِ فَرَجَعَ فَدَعَا قَوْمَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَبَوْا، رَمَاهُ وَقَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ عِنْدَ تَأْذِينِهِ بِالصَّلَاةِ أَوْ حَالَ

دُعَاءِ قَوْمِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُهُ:" مَثَلُ عُرْوَةَ مَثَلُ صَاحِبِ يَسِينَ دَعَا قَوْمَهُ إِلَى اللَّهِ فَقَتَلُوهُ " وَحِلْيَةُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ لَمْ تُضْبَطْ، وَلَعَلَّهُ اكْتَفَى بِعِلْمِ الْمُخَاطَبِينَ فَلَا يَحَصُلُ لَنَا الْمَعْرِفَةُ بِحِلْيَةِ عِيسَى عليه السلام لَكِنْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ:" فَإِذَا هُوَ رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ أَيْ حَمَّامٍ "، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى:" فَرَأَيْتُ رَجُلًا آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ " فَجَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّهُ كَانَ لَهُ حُمْرَةٌ وَأُدْمَةٌ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُمَا فِي الْغَايَةِ فَوَصَفَهُ تَارَةً بِالْحُمْرَةِ وَتَارَةً بِالْأُدْمَةِ وَبِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الرُّؤْيَا وَالْحِلْيَةِ فِي الْأَوْقَاتِ وَبِأَنَّ السُّمْرَةَ لَوْنُهُ الْأَصْلِيُّ وَالْحُمْرَةَ لِعَارِضٍ نَصَبَ وَنَحْوِهِ، وَبِأَنَّهُ زَيْفٌ حَدِيثُ الْحُمْرَةِ بِإِنْكَارِ رَاوِيهِ وَتَأْكِيدِ إِنْكَارِهِ بِالْخَلْفِ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ:" وَعِيسَى جَعْدٌ مَرْبُوعٌ "، وَفِي رِوَايَةٍ:" أَحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ مُضْطَرِبٌ "، وَالْمُضْطَرِبُ الطَّوِيلُ غَيْرُ الشَّدِيدِ وَقِيلَ الْخَفِيفُ اللَّحْمِ. (وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ) : وَفِي رِوَايَةٍ: " وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ بِهِ ". (يَعْنِي نَفْسَهُ) : وَهُوَ مِنْ كَلَامِ جَابِرٍ أَوْ مَنْ دُونَهُ مِنَ الرُّوَاةِ، كَذَا قَالَهُ مِيرَكُ وَمُلَّا حَنَفِي، وَتَعَقَّبَهُمَا الْعِصَامُ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِقَوْلِهِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ مَقُولِ جَابِرٍ وَتَجْوِيزُ كَوْنِهِ مِنْ كَلَامِ مَنْ بَعْدَهُ تَكَلُّفٌ " وَفِيهِ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الظَّاهِرِ وَتَجْوِيزِ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَيْهِ بِتَقْدِيمِهِ وَتَأْخِيرِهِ. نَعَمْ، يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِكَوْنِهِ بِصِيغَةِ الْغَائِبِ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الِالْتِفَاتِ فِي قَوْلِهِ: (وَرَأَيْتُ جِبْرِيلَ) : وَفِي نُسْخَةٍ: " عليه السلام "، وَعُدَّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لِكَثْرَةِ اخْتِلَاطِهِ مَعَهُمْ فِي تَبْلِيغِ الْوَحْيِ إِلَيْهِمْ تَغْلِيبًا، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ هُوَ مِنْ بَابِ عَطْفِ قِصَّةٍ عَلَى

ص: 51

قِصَّةٍ، وَيَعْنِي أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى عُرِضَ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسِّيَاقِ الْمُنَاسِبِ لِعَطْفِ رَأَيْتُ عَلَى رَأَيْتُ وَاللَّحَاقِ الَّذِي هُوَ التَّشْبِيهُ كَمَا تَرَى حَيْثُ قَالَ: وَمَا قِيلَ إِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ هَذَا عَامِلٌ مُسْتَقِلٌّ غَيْرُ رَأَيْتُ الْأَوَّلِ فَلَا تَغْلِيبَ فِيهِ وَفِيهِ أَنَّ التَّغْلِيبَ فِي قَوْلِهِ عُرِضَ عَلَيَّ الْأَنْبِيَاءُ فَتَأَمَّلْ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي سِيَاقِ الْأَنْبِيَاءِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ نَبِيٍّ لِاخْتِصَاصِ النُّبُوَّةِ بِالْبَشَرِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ

سِرِّ الْوَحْيِ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ النُّبُوَّةُ، قُلْتُ: لَا مَعْنَى لِلتَّغْلِيبِ إِلَّا هَذَا بِنُكْتَةٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْجَوَابُ بِأَنْ وَرَأَيْتُ عَطْفٌ عَلَى عُرِضَ عَلَيَّ بَعِيدٌ يَأْبَاهُ سِيَاقُ الْكَلَامِ، قُلْتُ هَذَا لَيْسَ بِجَوَابٍ بَلْ قَوْلٌ آخَرُ مُبَايِنٌ لِلتَّغْلِيبِ وَهُوَ بِعَيْنِهِ مِنْ بَابِ عَطْفِ قِصَّةٍ عَلَى قِصَّةٍ، فَبَيْنَ كَلَامَيْهِ تَنَاقُضٌ، وَبَيْنَ سُؤَالِهِ وَجَوَابِهِ تَدَافُعٌ وَتَعَارُضٌ، ثُمَّ قَالَ: وَبِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَنْبِيَاءِ الرُّسُلُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِجَوَابٍ بَلْ تَأْوِيلٌ آخَرُ كَمَا يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. وَتَوْضِيحُهُ: أَنَّ الْمَذْكُورِينَ كُلَّهُمْ رُسُلٌ وَالرَّسُولُ يُطْلَقُ عَلَى جِبْرِيلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ) ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى (إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ وَلَا يَضُرُّ اصْطِلَاحُ الشَّرْعِ مِنْ أَنَّ الرَّسُولَ إِذَا أُطْلِقَ يَخْتَصُّ بِبَشَرٍ مِنْ بَنِي آدَمَ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِالتَّبْلِيغِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْأَنْبِيَاءِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ أَيْضًا فَيَشْمَلُ جِبْرِيلَ عليه السلام. (فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا دِحْيَةُ) : بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ الْأُولَى وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ بِالتَّحْتَانِيَّةِ عَلَى مَا قَالَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ، وَقَالَ ابْنُ مَاكُولَا فِي الْإِكْمَالِ: بِفَتْحِ الدَّالِ، وَهُوَ ابْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا وَشَهِدَ مَا بَعْدَهَا مِنَ الْمَشَاهِدِ، وَبَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَكَانَ مِمَّنْ يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ، نَزَلَ الشَّامَ وَبَقِيَ إِلَى أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: كَانَ جِبْرِيلُ يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صُورَتِهِ أَيْ غَالِبًا. وَرَوَى ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ، قَالَ مِيرَكُ: قَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ هَذَا الْعَرْضَ وَقَعَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، لَكِنِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي مَكَانِ الْعَرْضِ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَفَعَهُ:" مَرَرْتُ بِمُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ "، وَفِيهِ أَيْضًا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ:" لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ " إِلَى آخِرِهِ، وَفِيهِ:" وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةِ الْأَنْبِيَاءِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ، فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ ".

ص: 52

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَفِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ لَقِيَهُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَمَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ: أَنَّهُ لَقِيَهُمْ بِالسَّمَاوَاتِ، وَطُرُقُ ذَلِكَ صَحِيحَةٌ، فَقِيلَ اجْتِمَاعُهُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ الْعُرُوجِ إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ السِّيَرِ، لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَتَى مُوسَى قَائِمًا يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ هُوَ وَمَنْ ذُكِرَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، فَلَقِيَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ اجْتَمَعُوا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَّهُمْ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم. وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِهِمْ فِي السَّمَاوَاتِ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثَانِيًا وَهُوَ فِيهِ فَصَلَّى بِهِمْ فِيهِ، انْتَهَى. أَقُولُ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ فِي أَكْثَرِ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا لَقِيَهُمْ فِي السَّمَاوَاتِ سَأَلَ جِبْرِيلَ عَنْ حَالِهِمْ وَعَنِ اسْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَكَأَنَّهُ مَا عَرَفَهُمْ، فَلَوْ رَآهُمْ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ يَبْعُدُ سُؤَالُهُ عَنْ حَالِهِمْ وَأَسْمَائِهِمْ، ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَصَلَاتُهُمْ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ لَا يَرُدُّهُ الْعَقْلُ وَيَثْبُتُ بِالنَّقْلِ، وَلَا دَاعِيَ لِصَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى حَيَاتِهِمْ، وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ أَنَّ

الْأَنْبِيَاءَ لَا يُتْرَكُونَ فِي قُبُورِهِمْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةٍ، وَلَكِنَّهُمْ يُصَلُّونَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ حَتَّى يُنْفَخَ فِي الصُّورِ، فَإِنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يُتْرَكُونَ يُصَلُّونَ إِلَّا هَذَا الْمِقْدَارَ ثُمَّ يَكُونُونَ مُصَلِّينَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ ثُمَّ الرَّافِعِيُّ مَرْفُوعًا:" أَنَا أَكْرَمُ عَلَى رَبِّي مِنْ أَنْ يَتْرُكَنِي فِي قَبْرِي بَعْدَ ثَلَاثٍ " فَلَا أَصْلَ لَهُ، انْتَهَى. قَالَ مُلَّا الْحَنَفِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ التَّشَابُهَاتِ بَيَانُ حَالِ الْمُشَبَّهِ - أَعْنِي: الْأَنْبِيَاءَ وَجِبْرِيلَ عليهم السلام فَإِنَّ مُوسَى شُبِّهَ صِفَةً وَالْبَاقِي صُورَةً. وَمَا قَالَهُ الْفَاضِلُ الطِّيبِيُّ مِنْ أَنَّ التَّشْبِيهَ الْأَوَّلَ لِمُجَرَّدِ الْبَيَانِ وَالْأَخِيرَانِ لِلْبَيَانِ مَعَ تَعْظِيمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ، لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ هُنَا بِتَعْظِيمِ بَعْضٍ وَمَدْحِهِ دُونَ بَعْضٍ، انْتَهَى. وَهُوَ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي فَإِنَّ الطِّيبِيَّ لَمْ يَقُلْ بِالْغَرَضِ الْفَاسِدِ وَإِنَّمَا قَالَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ الْمُسْتَفَادِ مِنَ الْكَلَامِ، فَتَدَبَّرْ يَظْهَرْ لَكَ الْمَرَامُ، وَلَعَلَّ وَجْهَ تَخْصِيصِ هَذِهِ الرُّسُلِ الثَّلَاثَةِ مِنْ بَيْنِ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ جَدُّ الْعَرَبِ وَهُوَ مَقْبُولٌ عِنْدَ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ وَمُوسَى وَعِيسَى رَسُولَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهُمْ وَقَعَ تَدَلِّيًا ثُمَّ تَرَقِّيًا.

(حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) : تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا. (الْمَعْنَى وَاحِدٌ) : جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ لَا حَالَ حَتَّى يَلْزَمَ كَوْنُهُ ضَعِيفًا لِعَدَمِ الْوَاوِ. (قَالَا: أَخْبَرَنَا) : وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ «حَدَّثَنَا» . (يَزِيدُ) : مُضَارِعُ الزِّيَادَةِ. (بْنُ هَارُونَ) : أَيِ السُّلَمِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ، مُتْقِنٌ عَابِدٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، سَمِعَ كَثِيرِينَ مِنَ التَّابِعِينَ وَتَبَعِهِمْ، قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ فِي مَجْلِسِهِ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ يُقَالُ أَنَّ فِي الْمَجْلِسِ سَبْعِينَ أَلْفًا. (عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ) : بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، نِسْبَةً إِلَى أَحَدِ آبَائِهِ، قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ مُحَدِّثُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: تَغَيَّرَ حِفْظُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ. (قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ) : بِالتَّصْغِيرِ، اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ اللِّيثِيُّ، أَدْرَكَ مِنْ زَمَنِ حَيَاتِهِ صلى الله عليه وسلم ثَمَانِ سِنِينَ وَتَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ إِلَى سَنَةِ مِائَةٍ وَثِنْتَيْنِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ صَحَابِيٌّ غَيْرُهُ، وَزَعْمُ أَنَّ مُعَمَّرًا الْمَغْرِبِيَّ وَرَتَنَ الْهِنْدِيَّ صَحَابِيَّانِ عَاشَا إِلَى قَرِيبِ الْقَرْنِ السَّابِعِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ خِلَافًا لِمَنِ انْتَصَرَ لَهُ وَأَطَالَ بِمَا لَا يُجْدِي، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَقَالَ الْعِصَامُ: وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَفَاتُهُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِائَةٍ عَلَى وَفْقِ إِخْبَارِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَنْ كَانَ فِي زَمَانِهِ وَقِيلَ مُرَادُهُ أَصْحَابُهُ. (يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَا بَقِيَ) : عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ

«رَأَيْتُ» ، وَجَعْلُهُ حَالًا غَيْرُ جَيِّدٍ لِفَسَادِ الْمَعْنَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ أَطْنَبَ الْحَنَفِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ. (عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ) : احْتَرَزَ بِهِ عَنْ عِيسَى عليه السلام ; فَإِنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي السَّمَاءِ، قِيلَ: وَعَنِ الْخَضِرِ ; فَإِنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ فِي الْبَحْرِ. (أَحَدٌ) : أَيْ مِنَ الْبَشَرِ وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ فَلَا يَشْكُلُ بِالْمَلَكِ وَالْجِنِّ أَوِ الْمُرَادُ مِنْ أَصْحَابِهِ. (رَآهُ غَيْرِي) : صِفَةٌ لِأَحَدٍ لِعَدَمِ كَسْبِهِ التَّعْرِيفَ بِالْإِضَافَةِ أَوْ بَدَلٌ

ص: 53

أَوْ مُسْتَثْنَى، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ أَحَقُّ بِأَنْ يُسْأَلَ عَنْ وَصْفِهِ صلى الله عليه وسلم لِانْحِصَارِ الْأَمْرِ فِيهِ، فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ حَثُّ الْمُخَاطَبِ عَلَى اسْتِيصَافِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلِذَا قَالَ سَعِيدٌ رَاوِيهِ. (قُلْتُ صِفْهُ لِي) : أَيْ بَيِّنْهُ لِأَجْلِي. (قَالَ كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا) : يُقَالُ: مَلُحَ الشَّيْءُ بِالضَّمِّ يَمْلُحُ مُلُوحَةً وَمَلَاحَةً أَيْ حَسُنَ فَهُوَ مَلِيحٌ وَمُلَاحٌ بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ، وَهُوَ مَجَازٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمِلْحِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ كَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ مُشْرَبًا بِحُمْرَةٍ وَهَذَا غَايَةُ الْمَلَاحَةِ وَالْحُسْنِ، وَقِيلَ: الْمَلَاحَةُ بِمَعْنَى الصَّبَاحَةِ وَهِيَ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى حُسْنِ اللَّوْنِ مِنَ الْبَدَنِ. (مُقَصَّدًا) : بِضَمِّ مِيمٍ وَتَشْدِيدِ صَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ، وَفِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ: وَكَانَ صلى الله عليه وسلم أَبْيَضَ مُعَصِّدًا أَيْ بِالْعَيْنِ بَدَلَ الْقَافِ كَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَعِينٍ وَهُوَ الْمُوَثَّقُ الْخَلْقِ، وَرُوِيَ:«مُعْضِلًا» بِمَعْنَاهُ وَالْمَحْفُوظُ مُقَصِّدًا، انْتَهَى. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) : أَيْ تَوَسَّطْ فِيهِ وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ بِطَوِيلٍ وَلَا قَصِيرٍ وَلَا جَسِيمٍ وَلَا نَحِيفٍ. (صَلَوَاتُ اللَّهِ) : وَفِي نُسْخَةٍ «وَسَلَامُهُ» . (عَلَيْهِ) : قَالَ مِيرَكُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ آخِرُ مَنْ مَاتَ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْحَدِيثِ الْمُخَرَّجِ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّهُ قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ حَيَاتِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ «مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ: «أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ» . وَمَعَ ذَلِكَ فَالْعَجَبُ مِمَّنِ اعْتَبَرَ الْأَخْبَارَ الرَّتَنِيَّةَ وَالنُّسْطُورِيَّةَ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْأَكَاذِيبِ الْبَاطِلَةِ وَابْتَهَجَ بِهَذَا الْقُرْبِ الْمُزَيَّفِ وَالْعُلُوِّ الْمَوْهُومِ الْمُزَخْرَفِ حَتَّى صَارَ أُضْحُوكَةً عِنْدَ النَّقَّادِينَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ، قَالَ الْعِصَامُ: وَالَّذِي يُشْكِلُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو الطُّفَيْلِ وُجُودُ الْخَضِرِ عليه السلام، فَإِنَّهُ اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ أَهْلِ التَّصْدِيقِ عَلَى وُجُودِهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْكَرَ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْخَضِرَ عليه السلام كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ حِينَ إِخْبَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَهُوَ مُسْتَثْنًى لَا يَنْفَعُ لِأَنَّ الْخَبَرَ أَنْ لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَنْ كَانَ فِي زَمَانِهِ لَا أَنَّهُ لَا يَبْقَى مِمَّنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَلِأَنَّهُ بِهَذَا التَّأْوِيلِ يَنْفَتِحُ بَابُ صِدْقِ مَنْ يَدَّعِي الصُّحْبَةَ بِأَنْ يُقَالَ لَمْ يَكُنْ حِينَ إِخْبَارِ النَّبِيِّ عَلَى

وَجْهِ الْأَرْضِ، انْتَهَى. وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّهُ مَشْهُورٌ بِكَوْنِهِ غَالِبًا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَبِأَنَّهُ وَعِيسَى عليهما السلام مَعْرُوفَانِ بِأَنَّهُمَا مِنَ الْمُعَمِّرِينَ وَبِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ أَيْضًا فَإِنَّهُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِمَّنْ أَدْرَكَ مُوسَى عليه السلام فَهُوَ فِي الْمَعْنَى نَحْوُ عِيسَى عليه السلام كَالْمُسْتَثْنَى.

(حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) : - أَيِ الطَّائِفِيُّ الثَّقَفِيُّ - بْنِ يَعْلَى أَبُو يَعْلَى، صَدُوقٌ، وَقِيلَ: الدَّارِمِيُّ السَّمَرْقَنْدِيُّ صَاحِبُ

ص: 54

السُّنَنِ. (أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ) : اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْإِنْذَارِ. (الْحِزَامِيُّ) : بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهُ زَايٌ، نِسْبَةً إِلَى أَحَدِ آبَائِهِ، صَدُوقٌ، تَكَلَّمَ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لِأَجْلِ الْقُرْآنِ، وَرَوَى عَنْهُ أَصْحَابُ السِّتَّةِ. (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ ثَابِتٍ) : اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الثَّبَاتِ، بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، قَالَ مِيرَكُ: كَذَا وَقَعَ أَصْلُ سَمَاعِنَا وَكَثِيرٌ مِنَ النُّسَخِ، وَالصَّوَابُ «ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ» كَمَا حَقَّقَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ عُلَمَاءِ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ، وَاسْمُ «أَبِي ثَابِتٍ عِمْرَانُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ» . (الزُّهْرِيُّ) : الْمَنْسُوبُ إِلَى بَنِي زُهْرَةَ، بِضَمِّ الزَّاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ، احْتَرَقَتْ كُتُبُهُ فَحَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ فَاشْتَدَّ غَلَطُهُ فَتُرِكَ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ. (حَدَّثَنِي) : وَفِي نُسْخَةٍ «قَالَ حَدَّثَنِي» . (إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) : أَيِ الْأَسَدِيُّ مَوْلَاهُمْ، ثِقَةٌ، رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ - فِي الشَّمَائِلِ - وَالنَّسَائِيُّ. (ابْنُ أَخِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ) : بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ وَالرَّفْعِ فِي ابْنٍ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِإِسْمَاعِيلَ، قِيلَ: بِدَلِيلِ كِتَابَتِهِ بِالْأَلِفِ، وَنُوقِشَ بِأَنَّهُ لَيْسَ صِفَةً بَيْنَ عَلَمَيْنِ. (عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ) : بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْقَافِ، فَقِيهٌ ثِقَةٌ، إِمَامٌ فِي الْمَغَازِي، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ. (عَنْ كُرَيْبٍ) : مُصَغَّرًا، ابْنُ أَبِي مُسْلِمٍ الْهَامِشِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ أَبُو رَشِيدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، ثِقَةٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ

(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفْلَجَ الثَّنِيَّتَيْنِ) : بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ ; تَثْنِيَةُ ثَنِيَّةٍ، وَفِي نُسْخَةٍ «الثَّنَايَا» بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَالْمُرَادُ بِالْفَلَجِ هُنَا: الْفَرْقُ ; بِقَرِينَةِ نِسْبَتِهِ إِلَى الثَّنَايَا فَقَطْ، إِذِ الْفَلَجُ: فُرْجَةٌ بَيْنَ الثَّنَايَا وَالرُّبَاعِيَّاتِ، وَالْفَرْقُ: فُرْجَةٌ بَيْنَ الثَّنَايَا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ الشُّرَّاحُ، وَفِي الْقَامُوسِ: رَجُلٌ مُفَلَّجُ الثَّنَايَا: مُنْفَرِجُهَا، وَالْفَلَجُ بِالتَّحْرِيكِ: تَبَاعُدُ مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْأَسْنَانِ. (إِذَا تَكَلَّمَ) : الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ خَبَرٌ ثَانٍ لِكَانَ وَالتَّقْيِيدُ بِهِ لِظُهُورِ النُّورِ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ حِينَئِذٍ. (رُئِيَ) : بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ، أَيْ: أُبْصِرَ، وَلَمْ يَقُلْ رَأَيْتُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَمْ تَكُنْ مُخْتَصَّةً بِأَحَدٍ. (كَالنُّورِ) : أَيْ مِثْلُهُ، وَالْكَافُ اسْمٌ بِمَعْنَى (مِثْلِ) فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ فِي كَوْنِهِ نَائِبَ الْفَاعِلِ، وَقِيلَ: الْكَافُ زَائِدَةٌ. وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ تَبَعًا لِكَلَامِ الْحَنَفِيِّ لِلتَّفْخِيمِ نَحْوَ مِثْلُكَ لَا يَبْخَلُ، غَيْرُ ظَاهِرٍ كَمَا لَا يَخْفَى. (يَخْرُجُ) : حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ وَفَاعِلُهُ الضَّمِيرُ الرَّاجِعُ إِلَيْهِ، أَيْ: رُئِيَ مِثْلُ النُّورِ أَوْ نَفْسُ النُّورِ خَارِجًا. (مِنْ بَيْنِ ثَنَايَاهُ) :

ص: 55