الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَحَقُّقُ عُسْرَتِهِ فِي أَيَّامِ عِشْرَتِهِ ; إِذْ لَوْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ فِي أُمُورِ مَعِيشَتِهِ لَمْ تَكُنْ أَحْوَالُ أَهْلِ الصُّفَّةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَضْيَافَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَجِيرَانَهُ وَكَانَ اهْتِمَامُهُ بِحَالِهِمْ فِي أَقْصَى مَرَاتِبِ الْكَمَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْأَحْوَالِ.
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ) : بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، نِسْبَةً إِلَى قَبِيلَةِ بَنِي ضُبَيْعَةَ كَجُهَيْنَةَ، كَذَا فِي الْأَنْسَابِ لِلسَّمْعَانِيِّ، فَمَا فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ نِسْبَةٌ إِلَى قَبِيلَةِ
ضَبْعٍ كَأَنَّهُ سَهْوٌ، وَجَعْفَرٌ صَدُوقٌ زَاهِدٌ، لَكِنَّهُ يُنْسَبُ إِلَى التَّشْيِيعِ. (عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ) : هُوَ تَابِعِيٌّ مَشْهُورٌ، مِنْ عُلَمَاءِ الْبَصْرَةِ وَزُهَّادِهِمْ، فَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ، قَالَ مِيرَكُ: بَلْ مُعْضَلٌ ; لِأَنَّ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ وَإِنْ كَانَ تَابِعِيًّا لَكِنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ; وَهُوَ تَابِعِيٌّ أَيْضًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: لَمْ يَشْبَعْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ إِلَخْ، هَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ وَأَصْحَابُ الْغَرِيبِ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْعَيْشِ الطَّوِيلِ. (قَالَ: مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ خُبْزٍ) : التَّنْوِينُ لِلتَّنْكِيرِ فَهُوَ شَامِلٌ لِعَيْشِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ. (قَطُّ) : بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ، قَالَ مِيرَكُ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُهَا مُخَفَّفَةً وَيَبْنِيهَا عَلَى أَصْلِهَا، أَوْ يَضُمُّ آخِرَهَا، أَوْ يُتْبِعُ الضَّمَّةَ الضَّمَّةَ أَيْ أَبَدًا. (وَلَحْمٍ) : أَيْ وَمِنْ لَحْمٍ، كَذَلِكَ قَالَ مِيرَكُ: الْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ وَفِيهِ بَحْثٌ، وَفِي نُسْخَةٍ «وَلَا لَحْمٍ» بِزِيَادَةِ لَا لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ. (إِلَّا عَلَى ضَفَفٍ) : بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ الْأُولَى. قِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، وَقِيلَ مُتَّصِلٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُفَرَّغٌ، وَقَالَ مِيرَكُ: الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الدَّهْرِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ «قَطُّ» ، انْتَهَى. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَا شَبِعَ مِنْ خُبْزِ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ إِلَّا عَلَى ضَفَفٍ، وَكَذَا مَا شَبِعَ مِنْ لَحْمٍ أَصْلًا إِلَّا عَلَى ضَفَفٍ، فَفِي الْكَلَامِ فِي الْحَقِيقَةِ نَفْيَانِ وَاسْتِثْنَاءَانِ، وَقَدْ يُقَالُ: مَعْنَاهُ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ قَطُّ إِلَّا عَلَى ضَفَفٍ، لَكِنْ لَا يُلَائِمُهُ تَقْدِيمُ «قَطُّ» عَلَى قَوْلِهِ «وَلَا لَحْمٍ» ، وَسَيَجِيءُ فِي الْبَابِ الطَّوِيلِ فِي عَيْشِهِ صلى الله عليه وسلم، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَجْتَمِعْ عِنْدَهُ غَذَاءٌ وَلَا عَشَاءٌ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ إِلَّا عَلَى ضَفَفٍ. وَهُوَ يُلَائِمُ الْمَعْنَى الْأَخِيرَ وَلَا يُنَافِي الْمَعْنَى الْأَوَّلَ فَالْكُلُّ مُحْتَمَلٌ، فَتَأَمَّلْ. (قَالَ مَالِكٌ) : أَيِ ابْنُ دِينَارٍ. (سَأَلْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ) : لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِاللُّغَاتِ الْغَرِيبَةِ. (مَا الضَّفَفُ؟ فَقَالَ) : وَفِي نُسْخَةٍ «قَالَ» . (أَنْ يُتَنَاوَلَ) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهِ، أَيْ يُسْتَعْمَلُ الْأَكْلُ. (مَعَ النَّاسِ) : فَمَعْنَى الْخَبَرِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ إِذَا أَكَلَ وَحْدَهُ، وَلَكِنْ شِبَعَ مِنْهُمَا إِذَا كَانَ يَأْكُلُ مَعَ النَّاسِ، وَهَذَا عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ، ثُمَّ قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ أَوْ مَعَ الْأَضْيَافِ أَوْ فِي الضِّيَافَاتِ وَالْوَلَائِمِ وَالْعَقَائِقِ، وَالْمُرَادُ بِالشِّبَعِ لَهُ صلى الله عليه وسلم أَكْلُهُ مِلْءَ ثُلْثَيْ بَطْنِهِ، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْكُلْ مِلْءَ الْبَطْنِ قَطُّ، وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: الضَّفَفُ الضِّيقُ وَالشِّدَّةُ، أَيْ لَمْ يَشْبَعْ مِنْهُمَا عَلَى حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا عَلَى حَالِ الضِّيقِ وَالشِّدَّةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الشِّبَعُ مِنْهُمَا عَلَى حَالِ التَّنَعُّمِ وَالرَّفَاهِيَةِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: فِي الْحَدِيثِ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ طَعَامٍ إِلَّا عَلَى ضَفَفٍ، وَرَوِيَ حَفَفٍ شَظَفٍ، الثَّلَاثَةُ فِي مَعْنَى ضِيقِ الْمَعِيشَةِ وَقِلَّتِهَا وَغِلْظَتِهَا، يُقَالُ: أَصَابَهَا حَفَفٌ وَحُفُوفٌ وَحَفَّتِ الْأَرْضُ إِذَا يَبِسَ نَبَاتُهَا، وَعَنِ الْأَصْمَعِيِّ: أَصَابَهُمْ مِنَ الْعَيْشِ ضَفَفٌ أَيْ شِدَّةٌ، وَفِي رَأْيِ فُلَانٍ ضَفَفٌ أَيْ ضَعْفٌ، وَمَا رُئِيَ عَلَى بَنِي فُلَانٍ حَفَفٌ وَلَا ضَفَفٌ أَيْ أَثَرُ عَوَزٍ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَشْبَعْ إِلَّا وَالْحَالُ خِلَافُ الْخِصْبِ وَالرَّخَاءُ عِنْدَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ اجْتِمَاعُ الْأَيْدِي وَكَثْرَةُ الْآكِلِينَ، أَيْ لَمْ يَأْكُلْ وَحْدَهُ وَلَكِنْ مَعَ النَّاسِ، وَقَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ: الضَّفَفُ كَثْرَةُ الْعِيَالِ، وَقَوْلُهُمْ لَا ضَفَفَ يَشْغَلُهُ وَلَا ثِقَلَ أَيْ لَا يَشْغَلُهُ عَنْ حَجِّهِ وَنُسُكِهِ عِيَالٌ وَلَا مَتَاعٌ، كَذَا وَجَدْتُّهُ بِخَطِّ مِيرَكَ شَاهْ رحمه الله وَهُوَ بِعَيْنِهِ فِي شَرْحِهِ.
(بَابُ مَا جَاءَ فِي خُفِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَمَّ دَلْهَمَ) : بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ لَامٍ وَفَتْحِ هَاءٍ. (بْنِ صَالِحٍ) : أَيِ الْعَبْدِيِّ الْكُوفِيِّ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ. (عَنْ حُجَيْرٍ) : بِضَمِّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَفَتْحِ جِيمٍ وَسُكُونِ يَاءٍ فِي آخِرِهِ رَاءٍ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ) : بِالتَّصْغِيرِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ ابْنُ بُرَيْدَةَ، قَالَ مِيرَكُ: وَهُوَ الصَّوَابُ وَالْأَوَّلُ غَلَطٌ فَاحِشٌ عَنْ نُسَخِ الْكِتَابِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ. قُلْتُ: قَدْ يُوَجِّهُ بِأَنَّهُ كُنْيَتُهُ. (عَنْ أَبِيهِ) : وَهُوَ بِرَيْدَةُ بْنُ الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيُّ. (أَنَّ النَّجَاشِيَّ) : بِفَتْحِ النُّونِ وَتُكْسَرُ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتُشَدَّدُ، وَأَمَّا تَشْدِيدُ الْجِيمِ فَخَطَأٌ. وَهُوَ لَقَبُ مُلُوكِ الْحَبَشَةِ كَالتُّبَّعِ لِلْيَمَنِ، وَكِسْرَى لِلْفُرْسِ، وَقَيْصَرَ لِلرُّومِ وَالشَّامِ، وَهِرَقْلَ لِلشَّأْمِ فَحَسْبُ، وَفِرْعَوْنُ لِمِصْرَ. وَهَذِهِ أَلْقَابٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَاسْمُ هَذَا النَّجَاشِيِّ أَصْحَمَةُ، بِالصَّادِّ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَالسِّينُ تَصْحِيفُ ابْنِ حَجَرٍ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْعَسْقَلَانِيُّ، وَقَدْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ، وَكُتُبَ إِلَيْهِ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَ فَأَخْبَرَهُمْ صلى الله عليه وسلم بِمَوْتِهِ، وَصَلَّى مَعَهُمْ عَلَيْهِ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا، قَالَ مِيرَكُ: أَفَادَ ابْنُ التِّينِ أَنَّ النَّجَاشِيَ بِسُكُونِ الْيَاءِ يَعْنِي أَنَّهَا أَصْلِيَّةٌ لَا يَاءُ النِّسْبَةِ. وَحَكَى غَيْرُهُ تَشْدِيدَ الْيَاءِ أَيْضًا، وَحَكَى ابْنُ دِحْيَةَ كَسْرَ نُونِهِ أَيْضًا كَذَا حَقَّقَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ، فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ كَسْرُ النُّونِ أَفْصَحُ غَيْرُ صَحِيحٍ. (أَهْدَى) : أَيْ أَرْسَلَ بِطَرِيقِ الْهَدِيَّةِ. (لِلنَّبِيِّ) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ «إِلَى النَّبِيِّ» . صلى الله عليه وسلم : وَاسْتِعْمَالُ أَهْدَى بِإِلَى وَاللَّامِ شَائِعٌ سَائِغٌ، فَفِي الصِّحَاحِ: الْهَدِيَّةُ وَاحِدَةُ الْهَدَايَا، يُقَالُ أَهْدَيْتُ لَهُ وَإِلَيْهِ بِمَعْنًى. (خُفَّيْنِ أَسْوَدَيْنِ سَاذَجَيْنِ) : بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، مُعَرَّبُ سَادَةٍ، بِالْمُهْمَلَةِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، أَيْ غَيْرِ مَنْقُوشَيْنِ إِمَّا بِالْخِيَاطَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا، أَوْ شِيةَ فِيهِمَا تُخَالِفُ لَوْنَهُمَا، أَوْ مُجَرَّدَيْنِ عَنِ الشَّعْرِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ نَعْلَيْنِ جَرْدَاوَيْنِ. (فَلَبِسَهُمَا) : أَيْ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْعِصَامِ أَيْ بِلَا تَرَاخٍ، فَهُوَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ. (ثُمَّ تَوَضَّأَ) : أَيْ بَعْدَ مَا أَحْدَثَ. (وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا) : قَالَ مِيرَكُ: وَقَدْ أَخْرَجَ
ابْنُ حِبَّانَ عَنْ طَرِيقِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ دَلْهَمَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ النَّجَاشِيَّ كَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُكَ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِكَ وَهِيَ عَلَى دِينِكَ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَهْدَيْتُكَ هَدِيَّةً جَامِعَةً قَمِيصًا وَسَرَاوِيلَ وَعِطَافًا وَخُفَّيْنِ سَاذَجَيْنِ، فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. فَإِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ رَاوِيهِ عَنِ الْهَيْثَمِ، قُلْتُ لِلْهَيْثَمِ: مَا الْعِطَافُ؟ قَالَ الطَّيْلَسَانُ.
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكِرِيَاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَيَّاشٍ) : بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَتَشْدِيدِ تَحْتِيَّةٍ فِي آخِرِهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ) : بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ. (قَالَ) : أَيِ الشَّعْبِيُّ. (قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: أَهْدَى دِحْيَةَ) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ ابْنُ مَاكُولَا:
بِالْفَتْحِ، ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ وَهُوَ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ ذُو جَمَالٍ حَتَّى كَانَ يَأْتِي جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي صُورَتِهِ كَثِيرًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ. (لِلنَّبِيِّ) : وَفِي نُسْخَةٍ «إِلَى النَّبِيِّ» . صلى الله عليه وسلم خُفَّيْنِ فَلَبِسَهُمَا، وَقَالَ إِسْرَائِيلُ) : هُوَ مِنْ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ، فَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَهُوَ مُعَلَّقٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ شَيْخِهِ قُتَيْبَةَ فَلَا يَكُونُ مُعَلِّقًا، وَقَالَ مِيرَكُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَقُولًا لِيَحْيَى فَيَكُونُ عَطْفًا بِحَسَبِ الْمَعْنَى عَلَى قَوْلِهِ: عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَيَّاشٍ، انْتَهَى. (عَنْ جَابِرٍ) : أَيِ الْجُعْفِيِّ. (عَنْ عَامِرٍ) : هُوَ الشَّعْبِيُّ الْمَذْكُورُ مِنْ قَبْلُ. (وَجُبَّةً) : بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى خُفَّيْنِ، قَالَ مِيرَكُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ يَحْيَى رَوَى قِصَّةَ إِهْدَاءِ الْخُفَّيْنِ فَقَطْ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْمُغِيرَةِ، وَرَوَى قِصَّةَ إِهْدَاءِ الْخُفَّيْنِ مَعَ الْجُبَّةِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيقًا عَنِ التِّرْمِذِيِّ وَحِينَئِذٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ عَنِ الْمُغِيرَةِ مُرَادًا وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِظُهُورِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ «وَجُبَّةً» بِطَرِيقِ الْعَطْفِ، تَأَمَّلْ، وَلَمْ أَرَ مَنْ خَرَّجَ الْحَدِيثَ غَيْرَ الْمُؤَلِّفِ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي جَامِعِهِ بِهَذَا السِّيَاقِ بِلَا تَفَاوُتٍ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَهُوَ لَا يَخْلُو عَنْ تَأَمُّلٍ ; لِأَنَّ جَابِرًا شَيْخَ إِسْرَائِيلَ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ النُّقَّادِ كَمَا تَقَدَّمَ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ، ثُمَّ رَأَيْتُ الْحَدِيثَ مُخَرَّجًا فِي أَخْلَاقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي الشَّيْخِ ابْنِ حِبَّانَ الْأَصْبِهَانِيِّ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ هَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَارِمٍ عَنْ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ أَنَّهُ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جُبَّةً مِنَ الشَّامِ وَخُفَّيْنِ. وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ تَقْوِيَةُ احْتِمَالِ التَّعْلِيقِ وَالْإِرْسَالِ. (فَلَبِسَهُمَا) : أَيِ الْخُفَّيْنِ وَالْجُبَّةَ. (حَتَّى تَخَرَّقَا) : أَيْ تَقَطَّعَا، وَثَنَّى الضَّمِيرَ لِأَنَّ الْخُفَّيْنِ مَلْبُوسٌ وَاحِدٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ فَلَبِسَ الْمَلْبُوسَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَيُرَادُ حِينَئِذٍ بِالْجُبَّةِ نَوْعٌ نَفِيسٌ مِنَ الْفَرْوِ كَمَا يَسْتَعْمِلُهُ بَعْضُ الْعَجَمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إِلَى الْخُفَّيْنِ فَقَطْ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَيُقَوِّيهِ قَوْلُهُ:(لَا يَدْرِي) : بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ أَيْ لَا يَعْلَمُ. (النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَذُكِّيَ) : أَيْ أَمَذْبُوحٌ أَيْ تَذْكِيَةً شَرْعِيَّةً. (هُمَا) : أَيِ الْخُفَّيْنِ، يَعْنِي أَصْلَهُمَا، وَهُوَ فَاعِلُ «ذُكِّيَ» سَدَّ مَسَدَّ الْخَبَرِ مِثْلَ أَقَائِمٌ
الزَّيْدَانِ. (أَمْ لَا) : وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الشَّيْخِ: فَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَذَكِيَّانِ هُمَا أَمْ مَيْتَةٌ حَتَّى تَخَرَّقَا. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ هَذَيْنِ الْخُفَّيْنِ كَانَتَا مُتَّخَذَتَيْنِ مَنِ جِلْدِ الْمُذَكَّاةِ أَمْ مِنْ جِلْدِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ أَوْ غَيْرِ الْمَدْبُوغِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَجْهُولَةِ الطَّهَارَةُ، ثُمَّ نَفَى الصَّحَابِيُّ دِرَايَتَهُ صلى الله عليه وسلم إِمَّا لِتَصْرِيحِهِ لَهُ بِذَلِكَ أَوْ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْ قَرِينَةِ عَدَمِ سُؤَالِهِ وَتَفَحُّصِهِ. (قَالَ أَبُو عِيسَى) : أَيِ التِّرْمِذِيُّ. (وَأَبُو إِسْحَاقَ هَذَا) : أَيِ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ. (هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ) : أَيْ دُونَ السَّبِيعِيِّ كَمَا يُوهِمُهُ كَوْنُ إِسْرَائِيلَ الرَّاوِي مِنْ وَلَدِهِ. (وَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ) : أَيِ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَاسْمُهُ فَيْرُوزُ بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَيُقَالُ خَاقَانُ، قَالَ مِيرَكُ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَبِسَ الْخُفَّيْنِ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا، وَقَدْ تَوَاتَرَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ حَدِيثُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ أَبْعَدَ الْمَشْيَ فَذَهَبَ يَوْمًا فَقَعَدَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَنَزَعَ خُفَّيْهِ، قَالَ: وَلَبِسَ أَحَدُهُمَا فَجَاءَ طَائِرٌ فَأَخَذَ الْخُفَّ الْآخَرَ فَحَلَّقَ بِهِ فِي السَّمَاءِ فَانْسَلَتَ مِنْهُ أَسْوَدُ سَالِخٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«هَذِهِ كَرَامَةٌ أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِهَا» ، ثُمَّ قَالَ:«اللَّهُمَّ إِنِّي أُعَوِّذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْ شَرِّ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْ شَرِّ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ» .