المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب ما جاء في ترجل رسول الله صلى الله عليه وسلم - جمع الوسائل في شرح الشمائل - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌باب ما جاء في خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي خَاتَمِ النُّبُوَّةِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرَجُّلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي شَيْبِ رَسُولِ اللَّهِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي خِضَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي كُحْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي لِبَاسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي عَيْشِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي خُفِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي نَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي ذِكْرِ خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تَخَتُّمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ دِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ مِغْفَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي عِمَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ إِزَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تَقَنُّعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي جِلْسَتِهِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تُكَأَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي اتِّكَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَكْلِ رَسُولِ اللَّهِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ خُبْزِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ إِدَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الطَّعَامِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الطَّعَامِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي قَدَحِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ فَاكِهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابٌ فِي صِفَةِ شَرَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي شُرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌(باب ما جاء في ترجل رسول الله صلى الله عليه وسلم

وسلم هَذَا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحْلِقْ رَأْسَهُ فِي سِنِي الْهِجْرَةِ إِلَّا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ عَامَ هِجْرَةِ الْقَضَاءِ ثُمَّ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَنَقَلَ الْعَسْقَلَانِيُّ عَنِ ابْنِ التِّينِ تَبَعًا لِلدَّاوُدِيِّ: قَوْلُهُ: «يَبْلُغُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ» مُغَايِرٌ لِقَوْلِهِ «إِلَى مَنْكِبَيْهِ» . وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مُعْظَمَ شَعْرِهِ كَانَ عِنْدَ شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، وَمَا اسْتَرْسَلَ مِنْهُ يَصِلُ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْحَالَيْنِ. وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا وَرَدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ فِي الْمَنَاقِبِ بِلَفْظِ: لَهُ شَعْرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِلَى مَنْكِبَيْهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الطَّوِيلَ مِنْهُ يَصِلُ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَغَيْرُهُ إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنَيْنِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى مُنْتَهِيًا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ إِلَى مَنْكِبَيْهِ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرَجُّلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

التَّرَجُّلُ وَالتَّرْجِيلُ: تَسْرِيحُ الشَّعْرِ وَتَنْظِيفُهُ وَتَحْسِينُهُ، وَاخْتَارَ التَّرَجُّلَ فِي الْعُنْوَانِ مَعَ وُرُودِ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ إِشَارَةً إِلَى تَرَادُفِهِمَا وَغَلَبَةِ وُرُودِ التَّفَعُّلِ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ. وَفِي الْمَشَارِقِ: رَجَّلَ شَعْرَهُ إِذَا مَشَّطَهُ بِمَاءٍ أَوْ دُهْنٍ لِيَلِينَ وَيُرْسِلُ الثَّائِرَ وَيَمُدُّ الْمُنْقَبِضَ. قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ نَقْلًا عَنِ ابْنِ بَطَّالٍ: هُوَ مِنْ بَابِ النَّظَافَةِ، وَقَدْ نَدَبَ الشَّرْعُ إِلَيْهِ، أَيْ بِقَوْلِهِ: النَّظَافَةُ مِنَ الدِّينِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:(خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ عُنْوَانُ الْبَاطِنِ قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنِ التَّرَجُّلِ إِلَّا غِبًّا فَالْمُرَادُ تَرْكُ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّرَفُّهِ الْمُشْعِرِ بِأَنَّهَا مِنْ هَوَى النَّفْسِ، وَالْمُشِيرُ بِأَنَّهَا فِي تَنْظِيفِ الْبَاطِنِ أَوْلَى وَالْمُومِئُ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ: الْبَذَاذَةُ مِنَ الْإِيمَانِ ; وَهِيَ رَثَاثَةُ الْهَيْئَةِ وَتَرْكُ التَّرَفِهِ وَالتَّوَاضُعِ مِنَ الْقُدْرَةِ لَا بِسَبَبِ جَحْدِ النِّعْمَةِ، قَالَ مِيرَكُ: وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ

مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ يُقَالُ لَهُ عُبَيْدٌ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْإِرْفَاهِ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهُ فَاءٌ وَآخِرُهُ هَاءٌ، التَّنَعُّمُ، وَقَالَ ابْنُ بُرَيْدَةَ: الْإِرْفَاهُ التَّرَجُّلُ، هَكَذَا نَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ تَخْرِيجِ النَّسَائِيِّ، وَوَقَعَ فِي أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ: مَالِي أَرَاكَ شَعِثًا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْهَانَا عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْإِرْفَاهِ. فَلَعَلَّ لَفْظَ فَضَالَةَ سَقَطَ مِنْ شَرْحِ الشَّيْخِ أَوْ مِنْ أَصْلِ النَّسَائِيِّ ; إِذِ الصَّوَابُ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ يُقَالُ لَهُ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّيْخُ: وَقُيِّدَ فِي الْحَدِيثِ بِالْكَثِيرِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْوَسَطَ الْمُعْتَدِلَ مِنْهُ لَا يُذَمُّ وَبِذَلِكَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ. وَفِي الْمُوَطَّأِ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا ثَائِرَ الشَّعْرِ وَاللِّحْيَةِ فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِإِصْلَاحِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ. وَهُوَ مُرْسَلٌ صَحِيحُ السَّنَدِ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

(حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ) : ثِقَةٌ، مُتْقِنٌ. (حَدَّثَنَا مَعْنُ) : - بِفَتْحٍ فَسُكُونِ مُهْمَلَةٍ، - بْنُ عِيسَى، - كَمَا فِي نُسْخَةٍ - بْنِ يَحْيَى الْأَشْجَعِيُّ، مَوْلَاهُمْ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ. (

ص: 82

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَرَجِّلُ) : بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ ; أَيْ أُسَرِّحُ وَأُحَسِّنُ. (رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ) : أَيْ شَعْرَ رَأْسِهِ. صلى الله عليه وسلم : اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ بُطْلَانِ الْوُضُوءِ بِلَمْسِ الْمَرْأَةِ، وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ التَّوَضُّؤِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَبِاحْتِمَالِ مَسِّ الشَّعْرِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ مَسِّ الْبَشَرَةِ. (وَأَنَا حَائِضٌ) : الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ مُفِيدَةٌ، جَوَازَ مُخَالَطَةِ الْحَائِضِ، قَالَ مِيرَكُ: كَذَا عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ أَبُو حُذَيْفَةَ عَنْهُ، عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظِ أَنَّهَا: كَانَتْ تَغْسِلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ وَهِيَ حَائِضٌ، يُخْرِجُهُ إِلَيْهَا، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى طَهَارَةِ بَدَنِ الْحَائِضِ وَعَرَقِهَا، وَأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ الْمَمْنُوعَةَ لِلْمُعْتَكِفِ هِيَ الْجِمَاعُ وَمُقَدِّمَاتُهُ، وَأَنَّ الْحَائِضَ لَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ، كَذَا قَالُوا، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِيهِ

حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الْمُبَاشَرَةَ مُطْلَقًا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ. قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: لَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْوُضُوءُ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ عَقَّبَ ذَلِكَ الْفِعْلَ بِالصَّلَاةِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ فَمَسُّ الشَّعْرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. قَالَ الْحَنَفِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ تَكْرَارًا إِلَّا أَنَّ بَدَلَ: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. وَكِلَاهُمَا مُسْتَقِيمٌ ; لِأَنَّ مَالِكًا أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَأَخَذَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ عُرْوَةَ، كَذَا يُفْهَمُ مِنْ جَامِعِ الْأُصُولِ، فَارْجِعْ إِلَيْهِ، أَقُولُ: بِمُجَرَّدِ صِحَّةِ رِوَايَةٍ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هُنَا سَنَدٌ آخَرُ عَنْهُ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ خَطَأٌ مِنَ النَّاسِخِ صَحَّفَ هِشَامًا بِشِهَابٍ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بَعْضُ النُّسَّاخِ فَتُوِهِّمَ أَنَّهُمَا سَنَدَانِ، وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ تَعَدُّدِ السَّنَدِ هُنَا عَدَمُ ذِكْرِهِ الشُّرَّاحُ خُصُوصًا السَّيِّدُ السَّنَدُ مِيرَكُ شَاهِ الْمُتَكَلِّمُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِتَحْقِيقِ الْإِسْنَادِ وَعَلَى أَصْلِهِ فِي نُسْخَةِ الِاعْتِمَادِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ خَمْسَةٌ وَهَذِهِ فَائِدَةُ التَّعْدَادِ.

(حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى) : أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ غَيْرُ ابْنِ مَاجَهْ. (أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ) : عَلَى وَزْنِ بَدِيعٍ. (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) : بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ. (بْنُ صَبِيحٍ) : بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَكَسْرِ مُوَحَّدَةٍ، هُوَ السَّعْدِيُّ الْبَصْرِيُّ، صَدُوقٌ، سَيِّئُ الْحِفْظِ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ - فِي تَارِيخِهِ - وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. (عَنْ يَزِيدَ) : مُضَارِعُ الزِّيَادَةِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ضَعَّفُوهُ، فَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ، انْتَهَى. وَفِيهِ أَنَّ التَّفْرِيعَ غَيْرُ صَحِيحٍ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنَ التَّضْعِيفِ كَوْنُهُ مُعَلَّلًا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَلِذَا أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ لَهُ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ مَاجَهْ، وَسَيَأْتِي عَلَيْهِ كَلَامٌ مَبْسُوطٌ. (بْنِ أَبَانَ) : بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ مُخَفَّفَةٍ، وَهُوَ مُنْصَرِفٌ إِذَا كَانَ عَلَى وَزْنِ فَعَالٍ، وَمُمْتَنِعٌ إِذَا كَانَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ كَذَا فِي الشَّرْحِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّرْفُ أَظْهَرُ وَكَذَا فِي الْمُغْنِي، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْقَامُوسِ مِنْ أَنَّ أَبَانَ كَسَحَابٍ مَصْرُوفٌ، ابْنُ عَمْرٍو وَابْنُ سَعِيدٍ صَحَابِيَّانِ وَمُحَدِّثَانِ، وَيُقَوِّيهِ مَا قَالَ الْعِصَامُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَفْعَلَ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَلُّ أَفْعَلُ الْأَجْوَفُ أَيْ لِلتَّفْضِيلِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ مُشَدَّدًا أَوْ بِفَتْحِهَا مُخَفَّفًا ; فَالْأَوَّلُ خَطَأٌ

ص: 83

فَاحِشٌ لِمُخَالَفَتِهِ كُتُبَ اللُّغَةِ وَأَسْمَاءِ الرِّجَالِ وَالنُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ وَالْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ. (هُوَ الرَّقَاشِيُّ) : بِفَتْحِ الرَّاءِ وَخِفَّةِ قَافٍ

وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ، نِسْبَةً إِلَى رَقَاشِ بِنْتِ ضُبَيْعَةَ، كَذَا فِي الْمُغْنِي، وَكَأَنَّ الْعِصَامَ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: كَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي رَقَاشٍ مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: رَقَاشِ كَقَطَامِ ; عَلَمٌ لِلنِّسَاءِ. (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ) : مِنَ الْإِكْثَارِ. (دَهْنَ رَأْسِهِ) : وَهُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ، اسْتِعْمَالُ الدُّهْنِ بِالضَّمِّ. (وَتَسْرِيحَ لِحْيَتِهِ) : هُوَ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى دَهْنِ، وَمَنْ جَرَّهُ بِالْعَطْفِ عَلَى رَأْسِهِ قَدْ أَخْطَأَ، وَالْمُرَادُ تَمْشِيطُهَا وَإِرْسَالُ شَعْرِهَا وَحَلُّهَا بِمَشْطِهَا. ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ الْوَفَاءِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَخَذَ مِضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ وُضِعَ لَهُ سِوَاكُهُ وَطَهُورُهُ وَمُشْطُهُ، فَإِذَا هَبَّهُ اللَّهُ عز وجل مِنَ اللَّيْلِ اسْتَاكَ وَتَوَضَّأَ وَامْتَشَطَ. وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَمْسٌ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَعُهُنَّ فِي سِفْرٍ وَلَا حَضَرٍ: الْمِرْآةُ، وَالْمُكْحُلَةُ، وَالْمُشْطُ، وَالْمَدْرَاءُ، وَالسِّوَاكُ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَقَارُورَةُ دُهْنٍ، بَدَلَ الْمَدْرَاءِ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ لَا يُفَارِقُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِوَاكُهُ وَمُشْطُهُ، وَكَانَ يَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ إِذَا سَرَّحَ لِحْيَتَهُ. هَذَا خُلَاصَةُ مَا قَالَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ، وَقَالَ مِيرَكُ: أَوْرَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْوَفَاءِ رِوَايَةَ الْخَطِيبِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ التُّرْجُمَانِيِّ قَالَ: ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عُلْوَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَبْعٌ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتْرُكُهُنَّ فِي سِفْرٍ وَلَا حَضَرٍ: الْقَارُورَةُ، وَالْمُشْطُ، وَالْمِرْآةُ، وَالْمُكْحُلَةُ، وَالسِّوَاكُ، وَالْمِقَصُّ، وَالْمَدْرَاءُ. قُلْتُ لِهُشَامٍ: الْمَدْرَاءُ! مَا بَالُهُ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُ وَفْرَةٌ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ فَكَانَ يُحَرِّكُهَا بِالْمَدْرَاءِ. وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ: عُودٌ تُدْخِلُهُ الْمَرْأَةُ فِي رَأْسِهَا لِئَلَّا يَنْضَمَّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَالْمِقَصُّ بِكَسْرِ الْمِيمِ: آلَةُ الْقَصِّ، بِمَعْنَى الْمُقَطِّعِ وَهِيَ الْمِقْرَاضُ. (وَيُكْثِرُ الْقِنَاعَ) : أَيْ لُبْسَهُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، وَلَعَلَّ هَذَا عَلَى وَجْهِ إِعَادَةِ الْعَامِلِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَخِفَّةِ النُّونِ وَفِي آخِرِهِ مُهْمَلَةٌ، خِرْقَةٌ تُلْقَى عَلَى الرَّأْسِ تَحْتَ الْعِمَامَةِ بَعْدَ اسْتِعْمَالِ الدُّهْنِ وِقَايَةً لِلْعِمَامَةِ مِنْ أَثَرِ الدُّهْنِ وَاتِّسَاخِهَا بِهِ، شَبِيهٌ بِقِنَاعِ الْمَرْأَةِ، وَفِي الصِّحَاحِ: هُوَ أَوْسَعُ مِنَ الْمِقْنَعَةِ وَهِيَ الَّتِي تُلْقِي الْمَرْأَةُ فَوْقَ الْمِقْنَعَةِ. قَالَ الْقَاضِي: أَيْ يُكْثِرُ اتِّخَاذَهُ وَاسْتِعْمَالَهُ بَعْدَ الدُّهْنِ. (حَتَّى) : غَايَةٌ لِيُكْثِرَ. (كَأَنَّ) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ. (ثَوْبَهُ) : أَيِ الَّذِي كَانَ عَلَى بَدَنِهِ لِإِكْثَارِ دَهْنِهِ وَلِمُلَابَسَتِهِ قِنَاعَهُ. (ثَوْبُ زَيَّاتٍ) : بِفَتْحِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ، بِصِيغَةِ النِّسْبَةِ، أَيْ: صَانِعِ الزَّيْتِ أَوْ بَائِعِهِ، قِيلَ: الْمُرَادُ بِثَوْبِهِ الْقِنَاعُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ حَجَرٍ، وَقَالَ الْحَنَفِيُّ: هُوَ الْمُنَاسِبُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، أَيْ لِنَظَافَتِهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَكُونُ ثَوْبُهُ كَثَوْبِ الزَّيَّاتِ. قَالَ الْعِصَامُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَعِيدٌ عَنِ السَّوْقِ وَأَنَّ الظَّاهِرَ حِينَئِذٍ كَأَنَّهُ ثَوْبُ زَيَّاتٍ، انْتَهَى. وَالتَّحْقِيقُ مَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ شَاهْ رحمه الله فِي شَرْحِهِ: قَالَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ: الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ كَانَ عَابِدًا وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ عَابِدًا وَلَمْ يَكُنِ الْحَدِيثُ مِنْ صِنَاعَتِهِ فَوَقَعَ فِي حَدِيثِهِ الْمَنَاكِيرُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ. قُلْتُ: وَمِنْ مَنَاكِيرِهِ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: كَأَنَّ ثَوْبَهُ ثَوْبُ زَيَّاتٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَنْظَفَ النَّاسِ ثَوْبًا وَأَحْسَنَهُمْ هَيْئَةً وَأَجْمَلَهُمْ

سَمْتًا. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ فَقَالَ: «أَمَّا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ» . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَصْلِحُوا ثِيَابَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَالشَّامَةِ بَيْنَ النَّاسِ» . انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ. وَقَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْمُحَدِّثُ: يَعْنِي الْقَايِنِيَّ شَرِيكَ السَّيِّدِ أَصِيلِ الدِّينِ الْمُحَدِّثِ فِي الْحَدِيثِ: الْمُرَادُ بِهَذَا الثَّوْبِ الْقِنَاعُ الْمَذْكُورُ الَّذِي يُسْتَرُ بِهِ الرَّأْسُ لَا قَمِيصُهُ أَوْ رِدَاؤُهُ أَوْ عِمَامَتُهُ. أَقُولُ: وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ حَتَّى كَاأَنَّ مِلْحَفَتَهُ مِلْحَفَةُ زَيَّاتٍ. أَوْرَدَهُ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَةِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّمِيمِيُّ السَّلِيطِيُّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ، وَهُوَ يَرْوِيهِ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ تَقْوِيَةُ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَثَّقَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ، قَالَ: أَبُو زُرْعَةَ صَدُوقٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَهُ أَحَادِيثُ صَالِحَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ، وَلَمْ أَرَ لَهُ حَدِيثًا مُنْكِرًا جِدًّا وَأَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَبِرِوَايَتِهِ، انْتَهَى. وَقَدْ وَجَدْتُ لَهُ مُتَابِعًا عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ، أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانَ، عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ التَّقَنُّعَ بِثَوْبٍ حَتَّى كَأَنَّ ثَوْبَهُ ثَوْبُ زَيَّاتٍ أَوْ دِهَانٍ. فَظَهَرَ أَنَّ الرَّبِيعَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ، فَإِذَا حَمَلْنَا الثَّوْبَ عَلَى الْمِلْحَفَةِ الَّتِي تُوضَعُ عَلَى الرَّأْسِ تَحْتَ الْعِمَامَةِ لِوِقَايَةِ الْعِمَامَةِ وَالثِّيَابِ عَنِ الدُّهْنِ لَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا لِنَظَافَةِ ثَوْبِهِ مِنْ رِدَاءٍ أَوْ قَمِيصٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. انْتَهَى كَلَامُ مِيرَكَ، وَسَبَقَهُ شَارِحُ الْمَصَابِيحِ، وَزَيَّفَ كَوْنَهُ مُنَكَّرًا بِإِيرَادِ الْبَغْوَيِّ إِيَّاهُ فِي الْمَصَابِيحِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِضَعْفِهِ، وَكَذَا

ص: 84

فِي شَرْحِ السُّنَّةِ، وَبِإِيرَادِ التِّرْمِذِيِّ فِي جَامِعِهِ وَجَامِعِ الْأُصُولِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِضَعْفِهِ، هَذَا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُرِدْ هَذَا لَمَا كَانَ لِذِكْرِ الْقِنَاعِ فَائِدَةٌ وَلَا لِغَايَةٍ حَتَّى كَأَنَّ ثَوْبَهُ ثَوْبُ زَيَّاتٍ لِقَوْلِهِ:«يُكْثِرُ الْقِنَاعَ» نَتِيجَةٌ بَلْ كَانَ الْمُنَاسِبُ حِينَئِذٍ أَنْ يَقُولَ: كَانَ يُكْثِرُ دَهْنَ رَأْسِهِ حَتَّى كَأَنَّ ثَوْبَهُ ثَوْبُ زَيَّاتٍ، وَقَدْ أَبْعَدَ الْعِصَامُ حَيْثُ قَالَ فِي هَذَا الْمَقَامِ: وَالْجُمْلَةُ نَاظِرَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: «يُكْثِرُ دَهْنَ رَأْسِهِ» مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِهِ وَلِذَا فُصِلَتْ.

(حَدَّثَنَا هَنَّادٌ) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ أَيِ ابْنُ السَّرِيِّ كَمَا فِي نُسْخَةٍ. (أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ) : كَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِ السَّمَاعِ بِصِيغَةِ الْإِخْبَارِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِلَفْظِ «حَدَّثَنَا» مَكْتُوبًا عَلَيْهِ عَلَامَةُ صَحَّ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَهُوَ سَلَامُ بْنُ سُلَيْمٍ بِالتَّخْفِيفِ فِي الْأَوَّلِ وَبِالتَّصْغِيرِ فِي الثَّانِي، ثِقَةٌ، مُتْقِنٌ. (عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ) : بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فِيهِمَا. (عَنْ أَبِيهِ) : أَيْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، وَهُوَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ، وَالْبَاقِي فِي صِحَاحِهِمْ، وَغَلِطَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. (عَنْ مَسْرُوقٍ) : سُرِقَ فِي صِغَرِهِ فَسُمِيَ بِهِ، ثِقَةٌ، عَابِدٌ، مُخَضْرَمٌ

أَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ حَدِيثَهُ. (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنْ) : مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ بِدَلِيلِ اللَّامِ الْفَارِقَةِ بَيْنَ الْمُخَفَّفَةِ وَالنَّافِيَةِ بَعْدَهَا وَضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ، أَيْ: إِنَّهُ، كَذَا قَالَ الشُّرَّاحُ ; وَلَمَّا كَانَ مِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ جَوَازَ إِعْمَالِ إِنِ الْمُخَفَّفَةِ عَلَى قِلَّةٍ وَإِهْمَالِهَا عَلَى الْأَكْثَرِ، قَالَ الْعِصَامُ: إِنْ مُخَفَّفَةٌ، مُلْغَاةٌ، دَاخِلَةٌ عَلَى الْفِعْلِ، مُسْتَغْنِيَةٌ عَنْ الِاسْمِ، فَلَا تَظُنَّ أَنَّهُ فِي تَقْدِيرِ إِنَّهُ. (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيُحِبُّ التَّيَمُّنَ) : أَيِ الِابْتِدَاءَ فِي الْأَفْعَالِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى وَالرِّجْلِ الْيُمْنَى وَالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْمَحَبَّةِ لَهُ أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ، وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ أَهْلُ الْجَنَّةِ يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَلِمَزِيَّةِ مَزِيدِ قُوَّتِهَا الْمُقْتَضِيَةِ لِزِيَادَةِ إِكْرَامِهَا بِمُوجِبِ الْعَدْلِ الْمُنَافِي لِلظُّلْمِ الَّذِي هُوَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُ مَا اسْتَطَاعَ فَنَبَّهَ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى ذَلِكَ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ. (فِي طَهُورِهِ) : بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِهَا، رِوَايَتَانِ مَسْمُوعَتَانِ بِمَعْنًى، وَهُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْفَاعِلِ، الْمَشْهُورُ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ، اسْمٌ لِمَا يُتَطَهَّرُ بِهِ، فَيُقَدَّرُ مُضَافٌ أَيِ اسْتِعْمَالُهُ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِيءُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرًا أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ:(إِذَا تَطَهَّرَ) : لِيَدُلَّ عَلَى تَكْرَارِ الْمَحَبَّةِ بِتَكْرَارِ الطِّهَارَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الْآيَةَ. كَذَا قَالَ الْعِصَامُ: وَفِيهِ أَنَّ «إِذَا» فِي الْآيَةِ لِلشَّرْطِيَّةِ، وَفِي الْحَدِيثِ لِمُجَرَّدِ الظَّرْفِيَّةِ، وَالْمَعْنَى: فِي وَقْتِ اشْتِغَالِهِ بِالطَّهَارَةِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِيَدَيْهِ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ دُونَهُمَا أَوَّلُ الْوُضُوءِ، وَلِرِجْلَيْهِ دُونَ خَدَّيْهِ وَأُذُنَيْهِ،

ص: 85

وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ عَلَى الْبَدَنِ أَوْ غَيْرِهِ. (وَفِي تَرَجُّلِهِ) : بِضَمِّ الْجِيمِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ تَمْشِيطِ شَعْرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ. (إِذَا تَرَجَّلَ) : أَيْ وَقْتَ إِيجَادِ هَذَا الْفِعْلِ وَفِي مَعْنَاهُ التَّدْهِينُ. (وَفِي انْتِعَالِهِ) : أَيْ لُبْسِ نَعْلِهِ. (إِذَا انْتَعَلَ) : أَيْ وَقْتَ إِرَادَةِ لُبْسِ النَّعْلِ، وَفِيهِ احْتِزَازٌ مِنْ حَالِ الِاخْتِلَاعِ فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْيَسَارِ تَشْرِيفًا لِلْيَمِينِ وَمُرَاعَاةً لِكَرَامَتِهَا أَيْضًا، وَفِي مَعْنَاهُ لُبْسُ الثَّوْبِ وَالْخُفِّ وَنَحْوِهِمَا بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَأَمْثَالِهَا مِمَّا هُوَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ: كَالْأَخْذِ، وَالْعَطَاءِ، وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْبَيْتِ، وَحَلْقِ الرَّأْسِ، وَقَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الظُّفْرِ، وَنَتْفِ الْإِبْطِ، وَالِاكْتِحَالِ، وَالِاضْطِجَاعِ، وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَالِاسْتِيَاكِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفَمِ وَالْيَدِ جَمِيعًا، بِخِلَافِ مَا لَا شَرَفَ فِيهِ كَخُرُوجِ الْمَسْجِدِ، وَدُخُولِ الْخَلَاءِ، وَأَخْذِ النَّعْلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ بِالْيَسَارِ كَرَامَةٌ لِلْيَمِينِ أَيْضًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: قَاعِدَةُ الشَّرْعِ الْمُسْتَمِرَّةُ اسْتِحْبَابُ الْبَدَاءَةِ بِالْيَمِينِ فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ وَالتَّزَيُّنِ وَمَا كَانَ بِضِدِّهِ فَاسْتُحِبَّ فِيهِ التَّيَاسُرُ، وَيَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَفِي طَهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. وَمَا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ يَأْخُذُ بِيَمِينِهِ، وَيُعْطِي بِيَمِينِهِ، وَيُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي جَمِيعِ أَمْرِهِ. وَيَدُلُّ عَلَى اسْتِثْنَاءِ مَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيُمْنَى لِطَهُورِهِ وَطَعَامِهِ، وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى. قَالَ

النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى فِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ، مَنْ خَالَفَهَا فَقَدْ فَاتَهُ الْفَضْلُ وَتَمَّ وُضُوءُهُ. قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: مُرَادُهُ بِالْعُلَمَاءِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَإِلَّا فَمَذْهَبُ الْإِمَامِيَّةِ الْوُجُوبُ وَمِمَّنْ نَسَبَ الْوُجُوبَ إِلَى الْفُقَهَاءِ الشِّيعَةُ. وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ مَا يُوهِمُ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ بِوُجُوبِهِ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عَنْهُ، بَلْ قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي: لَا نَعْلَمُ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ خِلَافًا. يَعْنِي مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَغَلِطَ الْمُرْتَضَى عَلَمُ الْهُدَى فَنَسَبَ الْوُجُوبَ إِلَى الشَّافِعِيِّ وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ مِنْ قَوْلِهِ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ لَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْعُضْوِ الْوَاحِدِ وَلِأَنَّهُمَا جُمِعَا فِي لَفْظِ الْقُرْآنِ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى أَصْحَابِهِ حُكْمُهُمْ عَلَى الْمَاءِ بِالِاسْتِعْمَالِ إِذَا انْتَقَلَ مِنْ يَدٍ إِلَى يَدٍ مَعَ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ لَا يُسَمَّى مُسْتَعْمَلًا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِيهِ أَنَّ التَّرْتِيبَ إِنَّمَا يُفِيدُ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمْثَالِهِ، وَفِي أَمْثَالِهِ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّيَامُنِ دُونَ وُجُوبِهِ، فَبَطَلَ قَوْلُ الشِّيعَةِ وَظَهَرَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَمَّا وَجْهُ عَدَمِ اعْتِبَارِ غَسْلِ الْوَجْهِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ بِالْيَمِينِ فَلِدَفْعِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ فِي تَحْقِيقِ تَيَامُنِهِمَا وَتَيَاسُرِهِمَا كَمَا فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ ابْتِدَاءً وَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ، قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ: يُسْتَثْنَى مِنْ تَقْدِيمِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الْوُضُوءِ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ فَلَا يُسَنُّ فِيهِمَا تَقْدِيمُهُ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَيْسَ فِي أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ عُضْوٌ لَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْأَيْمَنِ مِنْهُنَّ فِي تَطْهِيرِهِ إِلَّا الْأُذُنَيْنِ. قَالَ مِيرَكُ: وَفِي الْأُذُنَيْنِ وَجْهٌ نُقِلَ عَنِ الْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ فِي تَقْدِيمِ مَسْحِ الْيُمْنَى مِنَ الْأُذُنِ. أَقُولُ: يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ إِذَا أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ مَسْحِهِمَا وَيُسْتَحَبُّ حَالَةَ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ قَوْلُ الْعِصَامِ «إِذَا تَنَعَّلَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «إِذَا انْتَعَلَ» مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ وَالنُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي أَنَّهَا مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ الْمُنَاسِبِ لِمَصْدَرِهِ الْمَذْكُورِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ كَلَامِهِ سُكُوتُ الشُّرَّاحِ عَنْ خِلَافِهِ، ثُمَّ قَوْلُهُ: وَكَأَنَّ الرَّاوِيَ لَمْ يَحْفَظْ تَتِمَّةَ الْحَدِيثِ، وَهُوَ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ عَلَى مَا فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مَطْعَنٌ مَرْدُودٌ، فَإِنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَقَعَ فِي إِسْنَادِ التِّرْمِذِيِّ بِهَذَا الْمِقْدَارِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ بِالزِّيَادَةِ، وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْطِيعُ الْحَدِيثِ وَإِتْيَانُ بَعْضِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ ; وَبِهَذَا تَبَيَّنَ ضَعْفُ قَوْلِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ هِيَ مَخْصُوصَةٌ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ:«وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» ، فَمَنْ قَالَ: الْمُرَادُ هَذِهِ الْأُمُورُ لَا بِخُصُوصِهَا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: «وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» ، اسْتَمَدَّ مِمَّا يُفِيدُ خِلَافَ الْمَقْصُودِ، انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَعْمِيمٍ بَعْدَ تَخْصِيصٍ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فَظَاهِرُ الِانْحِصَارِ فِي الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَعَمُّ بِقَرِينَةِ حَدِيثِهِمَا مَعَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حَدِيثُهُمَا لَكَانَ فِيهِ مَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْعُمُومُ أَيْضًا ; لِأَنَّ الْمَذْكُورَاتِ هِيَ جُزْئِيَّاتٌ كَالْأَمْثِلَةِ تَحْتَ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ قَوْلِهَا يُحِبُّ التَّيَمُّنَ، هَذَا وَذَكَرَ مِيرَكُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنِ الْأَشْعَثِ بِإِسْنَادِهِ بِلَفْظِ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطَهُورِهِ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. كَذَا

أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ

ص: 86

بِغَيْرِ وَاوٍ، وَلِبَعْضٍ رِوَايَةٌ «وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» بِالْوَاوِ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا صَاحِبُ الْعُمْدَةِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: هُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ ; لِأَنَّ دُخُولَ الْخَلَاءِ وَالْخُرُوجَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَنَحْوَهُمَا يُبْدَأُ فِيهَا بِالتَّيَاسُرِ، انْتَهَى. أَقُولُ: وَهَذَا مُسْتَدْرَكٌ لِأَنَّ الْكُلِّيَةَ عَلَى حَالِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَرَامَةِ الْيُمْنَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ، قَالَ مِيرَكُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَا اسْتُحِبَّ فِيهِ التَّيَاسُرُ لَيْسَ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمَقْصُودَةِ بَلْ هِيَ مَتْرُوكَاتٌ، وَمَا كَانَتْ غَيْرَ مَقْصُودَةٍ فَكَأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَأْنٍ عُرْفًا. قُلْتُ هَذَا غَيْرُ كِفَايَةٍ ; لِأَنَّهُ يَبْقَى نَحْوَ: الِاسْتِنْجَاءِ، وَمَسِّ الذَّكَرِ، وَإِزَالَةِ الْقَاذُورَاتِ، وَأَخْذِ النَّعْلِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، قَالَ مِيرَكُ: قَوْلُهُ «فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» بِغَيْرِ وَاوٍ عَلَى رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ مُتَعَلِّقٌ بِيُعْجِبُهُ أَيْ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِ التَّيَمُّنِ أَوْ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ حَضَرًا وَلَا سَفَرًا وَلَا فِي فَرَاغِهِ وَلَا فِي شُغْلِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: «فِي شَأْنِهِ» بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ «فِي تَنَعُّلِهِ» بِإِعَادَةِ الْعَامِلِ، وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ النَّعْلَ لِتَعَلُّقِهِ بِالرِّجْلِ وَالتَّرَجُّلِ لِتَعَلُّقِهِ بِالرَّأْسِ وَالطَّهُورُ لِكَوْنِهِ مِفْتَاحُ أَبْوَابِ الْعِبَادَةِ، فَكَأَنَّهُ نَبَّهَ عَلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ فَيَكُونُ كَبَدَلِ الْكُلِّ مِنَ الْكُلِّ. أَقُولُ: فَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ لِلتَّدَنِّي، وَرِوَايَةُ الشَّيْخَيْنِ لِلتَّرَقِّي مَعَ زِيَادَةِ إِفَادَةِ الْعُمُومِ تَأْكِيدًا، قَالَ مِيرَكُ: وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِتَقْدِيمِ «فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» عَلَى قَوْلِهِ «فِي تَنَعُّلِهِ» فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَدَلُ الْكُلِّ أَيْضًا بِالتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ أَوْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ لِلِاهْتِمَامِ بِشَأْنِ تِلْكَ الْأُمُورِ، انْتَهَى. وَالْأَخِيرُ غَيْرُ صَحِيحٍ إِذْ لَمْ يَكُنِ التَّخْصِيصُ إِلَّا بِالْعَطْفِ وَلَا يُعَرَفُ مَجِيءُ الْبَدَلِ بِهَذَا الْمَعْنَى، قَالَ مِيرَكُ: وَجَمِيعُ مَا قَدَّمْنَاهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ السِّيَاقِ الْمَذْكُورِ، وَلَكِنْ بَيَّنَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ مِنْ صَحِيحِهِ أَنَّ الْأَشْعَثَ شَيْخُ شُعْبَةَ كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ تَارَةً مُقْتَصِرًا عَلَى قَوْلِهِ «فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» وَتَارَةً عَلَى قَوْلِهِ «فِي تَنَعُّلِهِ» إِلَى آخِرِهِ، وَزَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقٍ غُنْدَرٍ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا أَنَّهَا كَانَتْ تُجْمِلُهُ تَارَةً وَتُبَيِّنُهُ أُخْرَى. قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَصْلُ الْحَدِيثِ مَا ذُكِرَ مِنَ التَّنَعُّلِ وَغَيْرِهِ، وَتَكُونُ الرِّوَايَةُ الْمُقْتَصِرَةُ عَلَى شَأْنِهِ كُلِّهِ مِنَ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَشْعَثِ بِدُونِ قَوْلِهِ «فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» ، انْتَهَى. وَبِهَذَا ظَهَرَ سُقُوطُ كَلَامِ الْعِصَامِ وَهُوَ مَعْذُورٌ فَإِنَّهُ دَخِيلٌ فِي هَذَا الْبَابِ، وَاللَّهُ الْمُلْهِمُ بِالصَّوَابِ.

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) : أَيِ ابْنُ فَرُّوخَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ. (عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ) : الظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَّالٌ لِلْمُبَالَغَةِ مِنَ الْحُسْنِ فَيُصْرَفُ وَإِنْ كَانَ فَعْلَانَ مِنَ الْحِسِّ بِتَشْدِيدِ السِّينِ فَلَا يُصْرَفُ، وَنَظِيرُهُ أَنَّهُ قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: أَنَصْرِفُ عَفَّانَ، قَالَ: نَعَمْ، إِنْ هَجَوْتَهُ لَا إِنْ مَدَحْتَهُ أَيْ لِأَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنَ الْعُفُونَةِ وَعَلَى الثَّانِي مِنَ الْعِفَّةِ، ثُمَّ هُوَ أَزْدِيٌّ، ثِقَةٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ. (عَنِ الْحَسَنِ) : أَيِ الْبَصْرِيِّ كَمَا فِي نُسْخَةٍ اسْمُهُ يَسَارٌ، أَنْصَارِيٌّ، مَوْلَاهُمْ رُوِيَ عَنِ الْفُضَيْلِ أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكَ الْحَسَنُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِائَةً وَثَلَاثِينَ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَهُوَ إِمَامٌ جَلِيلٌ مَشْهُورٌ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَرْجَمَةٍ، وَهُوَ أَفْضَلُ التَّابِعِينَ أَوْ مِنْ أَفْضَلِهِمْ. (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ) :

بِمُعْجَمَةٍ وَفَاءٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ، مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ. (قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ التَّرَجُّلِ) : أَيِ التَّمْشِيطِ. (إِلَّا غِبًّا) : بِكَسْرِ مُعْجَمَةٍ وَتَشْدِيدِ مُوَحَّدَةٍ، أَيْ وَقْتٌ بَعْدَ وَقْتٍ، وَمِنْهُ حَدِيثُ:«زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا» رَوَاهُ جَمَاعَةٌ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يُفْعَلَ يَوْمًا وَيُتْرَكُ يَوْمًا، وَنُقِلَ عَنِ الْحَسَنِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ قَالَ الْقَاضِي: وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ وَالِاهْتِمَامِ بِهِ لِأَنَّهُ مُبَالَغَةٌ فِي التَّزْيِينِ وَتَهَالُكٌ بِهِ.

(حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ) : بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ فَاءٌ، صَدُوقٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. (حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ) : بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ رَاءٍ

ص: 87