المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب ما جاء في صفة مغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم - جمع الوسائل في شرح الشمائل - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌باب ما جاء في خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي خَاتَمِ النُّبُوَّةِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرَجُّلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي شَيْبِ رَسُولِ اللَّهِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي خِضَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي كُحْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي لِبَاسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي عَيْشِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي خُفِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي نَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي ذِكْرِ خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تَخَتُّمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ دِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ مِغْفَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي عِمَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ إِزَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تَقَنُّعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي جِلْسَتِهِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تُكَأَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي اتِّكَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَكْلِ رَسُولِ اللَّهِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ خُبْزِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ إِدَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الطَّعَامِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الطَّعَامِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي قَدَحِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ فَاكِهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابٌ فِي صِفَةِ شَرَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي شُرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌(باب ما جاء في صفة مغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم

التَّوَكُّلَ وَالتَّسْلِيمَ وَالرِّضَا، وَاحْتَرَزَ بِظَاهِرٍ عَمَّا يُتَوَهَّمُ عِنْدَ حَذْفِهِ مِنْ صِدْقِهِ بِلُبْسِ وَاحِدٍ إِلَى وَسَطِهِ، وَآخَرَ مِنْ وَسَطِهِ إِلَى رِجْلَيْهِ، كَالسَّرَاوِيلِ قَالَ مِيرَكُ: هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ ; لِأَنَّ السَّائِبَ هَذَا لَمْ يَشْهَدْ وَاقِعَةَ أُحُدٍ لِمَا سَبَقَ، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ عَنِ السَّائِبِ عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ظَاهَرَ يَوْمَ أُحُدٍ بَيْنَ دِرْعَيْنِ، أَوْ لَبِسَ دِرْعَيْنِ، وَهَذَا الرَّجُلُ الْمُبْهَمُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، فَإِنَّهُ رَوَى مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الِاسْتِيعَابِ فِي تَرْجَمَةِ مُعَاذٍ التَّمِيمِيِّ، فَقَالَ: ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْوَحْدَانِ، وَذُكِرَ بِسَنَدٍ عَنِ السَّائِبِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ مُعَاذٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ظَاهَرَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَ دِرْعَيْنِ، هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الِاسْتِيعَابِ، وَأَظُنُّ أَنَّ قَوْلَهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ سَهْوٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ، وَالصَّوَابُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَبِسَ السِّلَاحَ يَوْمَئِذٍ، بَلْ كَانَ يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ، أَقُولُ أَمَّا كَوْنُهُ مُحْرِمًا، فَلَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ لُبْسِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَالْقَضِيَّةُ قَاضِيَةٌ بِوُقُوعِهِ لِمَا وَقَعَ مِنَ الْمُنَازَعَةِ وَالْمُبَايَعَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَتِهِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ طَلْحَةَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنِ السَّائِبِ، قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عَوْفٍ، وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَالْمِقْدَادَ وَسَعْدًا فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي شَرْحِهِ: لَمْ يُبَيِّنْ مَا حَدَّثَ بِهِ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَوْ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ طَلْحَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ مِغْفَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

الْمِغْفَرُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، مَا يُلْبَسُ تَحْتَ الْبَيْضَةِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْبَيْضَةِ أَيْضًا، وَأَصْلُ الْغَفْرِ السَّتْرُ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَقِيلَ: هِيَ حَلْقَةٌ تُنْسَجُ مِنَ الدِّرْعِ عَلَى قَدْرِ الرَّأْسِ، وَفِي الْمُحْكَمِ هُوَ مَا يُجْعَلُ مِنْ فَضْلِ دِرْعِ الْحَدِيدِ عَلَى الرَّأْسِ كَالْقَلَنْسُوَةِ، وَقِيلَ: هُوَ رَفْرَفُ الْبَيْضَةِ

(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ) أَيْ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) أَيِ الزُّهْرِيِّ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ مِغْفَرٌ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ: مِغْفَرٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَيُعَارِضُهُ مَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السِّلَاحَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَكَّةَ أُبِيحَتْ لَهُ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ، كَمَا صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم، فَلِذَا دَخَلَهَا مُتَهَيِّئًا لِلْقِتَالِ، وَقِيلَ: خُصِّصَ النَّهْيُ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةٌ فِي حَمْلِهِ ; وَلِذَا دَخَلَ عَامَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَمَعَهُ وَمَعَ الْمُسْلِمِينَ السِّلَاحُ فِي الْقِرَابِ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ حَمْلِهِ فَمَكْرُوهٌ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ النَّهْيِ حَمْلُ السِّلَاحِ لِلْمُحَارَبَةِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ بَعْدَ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ مَا لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ (فَقِيلَ لَهُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ نَزَعَ الْمِغْفَرَ (هَذَا ابْنُ خَطَلٍ) بِمُعْجَمَةٍ وَمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ اسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى، فَلَمَّا أَسْلَمَ سُمِّيَ عَبْدَ اللَّهِ (مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ) خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ أَيْ خَوْفًا مِنْ قَتْلِهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ أَنْ كَتَبَ الْوَحْيَ، وَقَتَلَ مُسْلِمًا كَانَ يَخْدِمُهُ لَمَّا أَرْسَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّدَقَةِ، وَاتَّخَذَ قَيْنَتَيْنِ تُغَنِّيَانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمِينَ، قَالَ الْعِصَامُ: وَدَخَلَ الْكَعْبَةَ وَتَعَلَّقَ بِأَسْتَارِهَا مُتَمَسِّكًا بِأَنَّ مَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى دُخُولِهِ. وَالتَّمَسُّكُ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمَا هُوَ مِنْ عَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ، أَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونَ مَنْ تَمَسَّكَ بِذَيْلِ الْكَعْبَةِ فِي كُلِّ جَرِيمَةٍ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ» ; لِأَنَّهُ مِنَ الْمُسْتَثْنِينَ لِمَا

ص: 161

عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْحَاكِمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَرْبَعَةٌ لَا أُؤَمِّنُهُمْ لَا فِي حِلٍّ وَلَا فِي حَرَمٍ، الْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْدٍ، وَهِلَالُ بْنُ خَطَلٍ، وَمَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَرْحٍ، وَفِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَالْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ نَحْوَهُ، لَكِنْ قَالَ: أَرْبَعَةُ نَفَرٍ وَامْرَأَتَانِ، وَقَالَ: اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ (فَقَالَ اقْتُلُوهُ) وَنَقَلَ مِيرَكُ عَنِ

الْعَسْقَلَانِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ رِوَايَةِ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ رَأَى مِنْكُمُ ابْنَ خَطَلٍ فَلْيَقْتُلْهُ، وَمِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، كَانَ ابْنُ خَطَلٍ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الشِّعْرِ انْتَهَى.

يَعْنِي فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِهْدَارِ دَمِهِ، وَقِيلَ: سَبَبُهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ مُصَدِّقًا وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ مَعَهُ مَوْلًى لَهُ يَخْدِمُهُ، وَكَانَ مُسْلِمًا فَنَزَلَ مَنْزِلًا، وَأَمَرَ مَوْلَاهُ أَنْ يَذْبَحَ تَيْسًا وَيَصْنَعَ لَهُ طَعَامًا، وَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَصْنَعْ لَهُ شَيْئًا فَعَدَا عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ ارْتَدَّ مُشْرِكًا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ، ثُمَّ تَوَجَّهَ الْأَمْرُ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ فَسَقَطَ عَنْهُمْ بِقَتْلِ وَاحِدٍ، وَاخْتُلِفَ فِي قَاتِلِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ أَوْ عَلَى فَرْضِ الْعَيْنِ فَيَلْزَمُ كُلًّا الْمُبَادَرَةُ إِلَى قَتْلِهِ، فَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ عِصْيَانُ الْبَاقِي بِمُبَادَرَةِ قَاتِلِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمُخَاطَبِينَ فِي الْحَضْرَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مُبَادَرَةِ قَتْلِهِ، عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَخْلِيَتُهُ صلى الله عليه وسلم وَحْدَهُ، وَأَمَّا قَوْلُ الْعِصَامِ أَنَّهُ أَمَرَ وَاحِدًا مِنْهُمْ بِقَتْلِهِ لَا جَمْعًا، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ إِسْنَادِ الْبَعْضِ إِلَى جَمْعٍ بَيْنَهُمْ كَمَالُ ارْتِبَاطٍ ; وَلِهَذَا أَقْدَمَ بِقَتْلِهِ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ وَحْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ السِّيَرِ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَانِيُّ فِي الْمَوَاهِبِ مِنْ أَنَّهُ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّ أَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ قَتَلَ ابْنَ خَطَلٍ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ مَعَ إِرْسَالِهِ، وَهُوَ أَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي تَعْيِينِ قَاتِلِهِ، وَبِهِ جَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ أَخْبَارِ السِّيَرِ وَتُحْمَلُ بَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّهُمُ ابْتَدَرُوا قَتْلَهُ، فَكَانَ الْمُبَاشِرُ لَهُ مِنْهُمْ أَبَا بَرْزَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ شَارَكَهُ فَقَدْ جَزَمَ ابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ بِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ حُرَيْثٍ وَأَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ اشْتَرَكَا فِي قَتْلِهِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي رِوَايَةِ أَنَّهُ اسْتَبَقَ إِلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا وَكَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ فَقَتَلَهُ الْحَدِيثَ. قَالَ مِيرَكُ: وَحَكَى الْوَاقِدِيُّ فِيهِ أَقْوَالًا مِنْهَا أَنَّ قَاتِلَهُ شَرِيكُ بْنُ عَبْدَةَ الْعَجْلَانِيُّ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ أَبُو بَرْزَةَ، وَقِيلَ: قَتَلَهُ الزُّبَيْرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: وَأُخِذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنَ خَطَلٍ مِنْ تَحْتِ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقُتِلَ بَيْنَ الْمَقَامِ وَزَمْزَمَ، قَالَ مِيرَكُ: وَرِجَالُهُ ثِقَاةٌ، إِلَّا أَنَّ فِي أَبِي مَعْشَرٍ مَقَالًا، قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي قَاتِلِهِ، فَقِيلَ: سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقِيلَ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَقِيلَ: الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، وَقِيلَ: عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ الْبَلَاذُرِيُّ: أَثْبَتُ الْأَقْوَالِ أَنَّ الَّذِي بَاشَرَ قَتْلَهُ مِنْهُمْ أَبُو بَرْزَةَ، ضَرَبَ عُنُقَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِتَحَتُّمِ قَتْلِ سَابِّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، بَلْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ فِيهِ الْإِجْمَاعَ إِلَّا لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ تَلَفَّظَ بِالْإِسْلَامِ فَقُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَثْبُتْ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَتَلَهُ قِصَاصًا بِذَلِكَ الْمُسْلِمِ الَّذِي قَتَلَهُ، فَهِيَ وَاقِعَةُ حَالٍ فِعْلِيَّةٌ مُحْتَمَلَةٌ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قُلْتُهُ أَنَّ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ كَانَ مِمَّنْ نَصَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَتْلِهِ، لِمُشَابَهَتِهِ لِابْنِ خَطَلٍ فِيمَا مَرَّ عَنْهُ لَمَّا أَسْلَمَ قَبِلَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم الْإِسْلَامَ

وَلَمْ يَقْتُلْهُ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ خَطَلٍ ارْتَدَّ ثُمَّ فِي حَالِ ارْتِدَادِهِ صَدَرَ عَنْهُ مَا صَدَرَ، فَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُنَازَعِ فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ الِارْتِدَادُ بِسَبِّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِتَابَتِهِ وَقَبُولِ تَوْبَتِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَوْبَتَهُ بِشَرَائِطِهَا مَقْبُولَةٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا يُقْتَلُ حَدًّا أَوْ سِيَاسَةً قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِيهِ حُجَّةٌ لِحِلِّ إِقَامَةِ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ فِي الْمَسْجِدِ حَيْثُ لَا يُنَجِّسُهُ انْتَهَى. وَهُوَ غَرِيبٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَتْلَهُ لَا يُسَمَّى حَدًّا وَلَا قِصَاصًا ; لِأَنَّهُ كَانَ حَرْبِيًّا، وَثَانِيهِمَا: أَنَّ قَتْلَهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَنَجَّسَ الْمَسْجِدُ، ثُمَّ أَطَالَ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ ; وَلِذَا تَرَكْنَا بَحْثَهُ قَالَ الْحَنَفِيُّ: مَعَ أَنَّهُ حَنَفِيٌّ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْحَرَمَ لَا يَمْنَعُ مِنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى مَنْ جَنَى خَارِجَهُ وَالْتَجَأَ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لَهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ انْتَهَى. وَفَسَادُهُ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ عِنْدَنَا فِي مَنْ جَنَى خَارِجَ الْحَرَمِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ الْتَجَأَ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ، بَلْ لَا يُطْعَمُ وَلَا يَشْرَبُ حَتَّى يُضْطَرَّ إِلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ، ثُمَّ يُقْتَصُّ وَمَكَّةُ حِينَئِذٍ كَانَتْ دَارَ حَرْبٍ، وَابْنُ خَطَلٍ مُرْتَدٌّ الْتَحَقَ بِالْمُشْرِكِينَ فَوَقَعَتِ الْمُصَالَحَةُ بِقَتْلِ أَرْبَعَةٍ مِنْهُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَكَّةَ لَمْ تُفْتَحْ عَنْوَةً.

وَأَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ فَتْحَهَا كَانَ عَنْوَةً، فَلَا إِشْكَالَ فِيهِ.

ص: 162

(حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ) ثِقَةٌ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ) تَقَدَّمَ (قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) وَهُوَ الزُّهْرِيُّ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ) أَيْ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ (وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ) بِلَامِ التَّعْرِيفِ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ وَالْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ.

وَأَمَّا قَوْلُ الْعِصَامِ وَفِي بَعْضِ الْأُصُولِ «مِغْفَرٌ» فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ، ثُمَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الْآتِي أَنَّهُ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ - الْمُخَرَّجُ فِي مُسْلِمٍ - أَنَّ عَقِبَ دُخُولِهِ نَزَعَ الْمِغْفَرَ، ثُمَّ لَبِسَ الْعِمَامَةَ السَّوْدَاءَ، فَخَطَبَ بِهَا لِرِوَايَةِ:«خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَالْخُطْبَةُ كَانَتْ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ بَعْدَ تَمَامِ الْفَتْحِ، وَهَذَا الْجَمْعُ لِلْقَاضِي عِيَاضٍ، وَاخْتَارَهُ الْعِرَاقِيُّ وَفِيهِ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِمَامَةَ كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ حِينَ دُخُولِهِ مَكَّةَ، لَا أَنَّهُ لَبِسَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ زَمَانَ الْحَالِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَّحِدًا مَعَ زَمَانِ عَامِلِهِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقْصَدَ الِاتِّسَاعُ فِي زَمَانِ دُخُولِ مَكَّةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقِيلَ: إِنَّ سَوَادَ عِمَامَتِهِ لَمْ يَكُنْ أَصْلِيًّا بَلْ لَمَّا كَانَ الْمِغْفَرُ

فَوْقَ الْعِمَامَةِ فِي الْأَيَّامِ الْحَارَّةِ، وَكَانَتِ الْعِمَامَةُ مُتَّسِخَةً وَمُتَلَوِّنَةً بِسَبَبِهِ، وَلَمَّا رَفَعَ الْمِغْفَرَ عَنْهَا ظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهَا سَوْدَاءُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ، وَهَذَا أَظْهَرُ فِي الْجَمْعِ مِنَ الْجَمِيعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْمِغْفَرِ بَيَّنَ أَنَّهُ دَخَلَ مُتَأَهِّبًا لِلْقِتَالِ، وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْعِمَامَةِ بَيَّنَ أَنَّهُ دَخَلَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَجَمْعٌ غَرِيبٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ لُبْسَ أَحَدِهِمَا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إِحْرَامِهِ ; لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالنِّيَّةِ وَاللُّبْسَ جَائِزٌ لِلضَّرُورَةِ، وَالثَّانِي أَنَّ لُبْسَ الْمِغْفَرِ يَكْفِي لِلدَّلَالَتَيْنِ عَلَى زَعْمِهِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الْعِمَامَةِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ بِفَرْضِ صِحَّةِ عَدَمِ إِحْرَامِهِ، أَنَّ سَبَبَهُ كَوْنُهُ صلى الله عليه وسلم مُتَرَدِّدًا بَيْنَ حُصُولِ تَمَكُّنِهِ مِنَ الدُّخُولِ فِي أَرْضِ الْحَرَمِ، وَبَيْنَ عَدَمِ الدُّخُولِ إِلَيْهِ بِسَبَبِ مَنْعِ الْأَعْدَاءِ، فَكَانَ قَصْدُهُ الْأَوَّلُ إِنَّمَا هُوَ قُرْبَ الْحَرَمِ ; لِيَنْظُرَ فِيهِ كَيْفَ الْأَمْرُ أَلَهُ الْغَلَبَةُ أَمْ لَا، فَحِينَئِذٍ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ نُسُكٍ عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا مِنَ الْأَفَاقِي، إِذَا قَصَدَ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ لَهُ الْمُجَاوَزَةُ مِنَ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ ثُمَّ دُخُولُهُ مَكَّةَ بِاخْتِيَارِهِ مُحْرِمًا أَوْ غَيْرَ مُحْرِمٍ، قَالَ مِيرَكُ: وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِغْفَرَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا الْمُوَشَّحُ، وَلِلْآخَرِ لَسُوعٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ لَهُ بَيْضَةٌ، وَكَانَ فِي رَأْسِهِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ بَطَّالٍ ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَنْكَرُوا عَلَى مَالِكٍ قَوْلَهُ وَعَلَيْهِ مِغْفَرٌ، وَأَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ

ص: 163

وَالْمَحْفُوظُ فِي سَائِرِ الطُّرُقِ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، وَتُعُقِبَّ بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ وَجَدُوا بِضْعَةَ عَشَرَ نَفَرًا غَيْرَ مَالِكٍ تَابَعُوهُ فِي ذِكْرِ الْمِغْفَرِ، وَتَقَدَّمَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (قَالَ) أَيْ أَنَسٌ، وَإِنَّمَا قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ لِطُولِ كَلَامِهِ أَوْ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ مِنْهُ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: فَاعِلُ قَالَ هُوَ ابْنُ شِهَابٍ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ لَا التِّرْمِذِيُّ حَتَّى يَحْكُمَ عَلَى الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ، فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ السِّيَاقَ الْمُطَابِقَ لِلسِّيَاقِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ أَنَسٍ، مَعَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ شِهَابٍ يُحْكَمُ عَلَى الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ (فَلَمَّا نَزَعَهُ) أَيْ نَزَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمِغْفَرَ وَنَحَّاهُ عَنْ رَأْسِهِ (جَاءَهُ رَجُلٌ) قِيلَ: هُوَ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ (فَقَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ (فَقَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (اقْتُلُوهُ) أَيْ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ فَفِيهِ نَوْعٌ مِنَ التَّغْلِيبِ أَوِ الِالْتِفَاتِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ رِوَايَةُ:«اقْتُلْهُ» (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ) أَيِ الزُّهْرِيُّ قَالَ مِيرَكُ: هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَيْسَ بِمُعَلَّقٍ لِمَا وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ وَغَيْرِهِ، قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا (وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا) أَيْ عَلَى صُورَةِ الْمُحْرِمِ ; لِأَنَّهُ كَانَ لَابِسًا لُبْسَ الْحَلَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ. وَقَدْ خَالَفَ الْحَنَفِيُّ مَذْهَبَهُ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ دُخُولِهَا إِذَا لَمْ يُرِدْ نُسُكًا انْتَهَى. قَالَ مِيرَكُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَفْظُهُ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ» الْحَدِيثَ، وَقَالَ: اقْتُلْهُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ مُحْرِمًا، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ: اقْتُلُوهُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ كَمَا هُنَا انْتَهَى. وَالْجَمْعُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ اقْتُلْهُ

وَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ قَتْلَهُ وَحْدَهُ صَعْبٌ، قَالَ اقْتُلُوهُ ; وَلِهَذَا تَبَادَرُوا إِلَى قَتْلِهِ، ثُمَّ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِيمَا نَرَى مُحْرِمًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ بِمُقْتَضَى ظَنِّهِ لِأَمْرٍ خَارِجٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَدِلًّا بِلُبْسِ الْمِغْفَرِ، كَمَا سَبَقَ تَحْقِيقُهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ جَابِرٍ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ دُخُولَ الْحَرَمِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْخَائِفِ الْمُتَأَهِّبِ لِلْقِتَالِ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ، وَقِيلَ: الْإِحْرَامُ وَاجِبٌ إِنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ حَاجَتُهُ، وَنُقِلَ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، قَالَ مِيرَكُ: وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ قَصْدِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ، فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ دَخَلَ لِحَاجَةٍ تَتَكَرَّرُ كَحَطَّابٍ وَخَشَّاشٍ وَصَيَّادٍ وَنَحْوِهِمْ، أَوْ لَا تَتَكَرَّرُ كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ وَنَحْوِهِمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي قَوْلٍ ضَعِيفٍ تَجِبُ مُطْلَقًا، وَالْمَشْهُورُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْوُجُوبُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ لَا يَجِبُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَالزُّهْرِيِّ، وَالْحَسَنِ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ، وَجَزَمَ الْحَنَابِلَةُ بِاسْتِثْنَاءِ ذَوِي الْحَاجَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ، وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ، وَأَمَّا قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: إِنَّ دُخُولَهُ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَدَلِيلُهُ: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ جَوَازُ دُخُولِهَا بِغَيْرِ إِحْرَامٍ لَا تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِيهَا ; لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَوْ غَلَبُوا وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَكَّةَ حَلَّ لِلْمُسْلِمِينَ الْقِتَالُ مَعَهُمْ فِيهَا، فَقَدْ عَكَسَ اسْتِدْلَالَهُ النَّوَوِيُّ، فَقَالَ: فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ تَبْقَى دَارَ إِسْلَامٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَبَطَلَ مَا صَوَّرَهُ الطَّحَاوِيُّ عَلَى أَنَّ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ نَظَرًا، فَإِنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ وَقَدْ حَكَاهُ الْقَفَّالُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا قُلْتُ: مَا صَوَّرَهُ الطَّحَاوِيُّ فَرْضِيٌّ غَيْرُ لَازِمِ الْوُقُوعِ ; وَلِذَا خَالَفَ مَنْ خَالَفَ، وَأَمَّا دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فَصَحِيحَةٌ، وَلَا يُنَافِيهَا مُخَالَفَةُ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ، فَبَطَلَ إِبْطَالُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

ص: 164